شعار الموقع

شرح ذيل مختصر المختصر من صحيح ابن خزيمة_16

00:00
00:00
تحميل
4

الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه من والاه أما بعد:

نبدأ درسنا هذا المساء بعون الله وتوفيقه.

قارئ المتن: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين، أما بعد:

قارئ المتن: فقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى في صحيحه فيما نقله الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة، قال: "حدثناه يوسف بن موسى، قال: حدثنا مالك بن إسماعيل البصري، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، قال: حدثنا يزيد أبو خالد الدالاني، قال: حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: يجمع الله الناس يوم القيامة، قال: فينادي مناد، أي: يا أيها الناس! ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوركم أن يولى كل إنسان منكم إلى من كان يتولى في الدنيا، قال: ويمثل لمن كان يعبد عزيرًا شيطان عزير حتى يمثل لهم الشجرة والعود والحجر، ويبقى أهل الإسلام جثومًا فيقال لهم: ما لكم لا تنطلقون كما ينطلق الناس؟ فيقولون: إن لنا ربًا ما رأيناه بعد، قال: فيقال: فبم تعرفون ربكم إن رأيتموه؟ قالوا: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه، قيل: وما هي؟ قال: قالوا: يكشف عن ساق، قال: فيكشف عند ذلك عن ساق، قال: فيخر من كان بظهره طبقًا ساجدًا، ويبقى قوم ظهروهم كصياص البقر.

الشيخ: صياص البقر يعني قرونها.

قارئ المتن: "يريدون السجود فلا يستطيعون، ثم يؤمرون فيرفعون رؤوسهم فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك".

شرح الشيخ: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قوله: يريدون السجود لكن لا يستطيعون، قال في الحاشية: وذلك قول الله تعالى: ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ(43)﴾[القلم:42/43].

قال النقاش: وليس ذلك بتكليف لهم أن يسجدوا وهم عجزة، ولكنه توبيخ لهم بتركهم السجود.

قارئ المتن: "ثم يؤمرون فيرفعون رؤوسهم فيعطعون نورهم على قدر أعمالهم، قال: فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه حتى يكون آخر ذلك من يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة ويطفئ مرة، فإذا أضاء قدمه، وإذا طفأ قام، فيمر ويمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة، فيقال: انجوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالطرف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الرجل ويرمل رملًا، فيمرون على قدر أعمالهم حتى يمر الذي نوره على إبهام قدمه، قال: يجر يدًا ويعلق يدًا، ويجر رجلًا ويعلق رجلًا، وتضرب جوانبه النار، قال: فيخلص، فإذا خلصوا قالوا: الحمد لله الذي نجانا منك بعد الذي أراناكي، لقد أعطانا الله ما لم يعط أحدًا".

"قال مسروق: فما بلغ عبد الله هذا المكان من الحديث إلا ضحك، فقال له رجلٌ: يا أبا عبد الرحمن! لقد حدثت هذا الحديث مرارًا، كلما بلغت هذا المكان من هذا الحديث ضحكت، فقال عبد الله رضي الله عنه: سمعت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحدثه مرارًا، فما بلغ هذا المكان من هذا الحديث إلا ضحك حتى تبدوا لهواته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه؛ لقول الإنسان: أتهزأ بي وأنت رب العالمين، فيقول: لا، ولكني على ذلك قادر فسلوني".

شرح الشيخ: هذا الحديث: حسن، فيه أبو خالد الدالاني، أخرجه الحاكم، لكن معناه في الصحيح، بعض ألفاظه شواهد في الصحيح، وفي هذا الحديث، في الصحيحين أنهم يرون الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وأنهم يؤمرون بالسجود، وأنهم يسجدون إذا رأوا الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فيسجد المؤمنون، والمنافقون لا يستطيعون السجود، وذلك أنه في موقف القيامة يقال: من يعبد شيئًا يتبعه، من يعبد عزير يتبع عزير، ومن يعبد المسيح، ومن يعبد غيره يتبعه، كذلك الأحجار كلهم يتساقطون في النار، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيرون الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فإذا رأوه سجدوا، جاء في بعض الأحاديث أنهم يرون الله أربع مرات: يرونه في أول مرة فينكرون، يرون في أول مرة، ثم في المرة الثانية فينكرون، ثم في المرة الثالثة يتحول في غير الصورة التي رأواها أول مرة، أربع مرات في موقف القيامة، فيها أن المنافقين مع المؤمنين في هذا.

فإذا رأوه في المرأة التي رأوه فيها أول مرة سجد له المؤمنون، والمنافقون لا يستطيعون السجود، فيجعل الله ظهرهم كل واحد منهم طبقًا فلا يستطيعون السجود، لا يستطيعون السجود، ثم بعد ذلك يمشون، وتطفئ نار المنافقين، وبعد ذلك يضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب.

وفيه إثبات رؤية الله -عَزَّ وَجَلَّ-، في هذا الحديث إثبات رؤية الله -عَزَّ وَجَلَّ- في موقف القيامة للمؤمنين والمنافقين، أما بقية الكفرة فيهم خلاف، قيل: قال بعض العلماء: يرونه ثم يحتجب عنهم، وقيل: لا يراه إلا المؤمنون، وقيل: يراه المؤمنون والمنافقون، ثلاثة أقوال، الله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾[المطففين:15]، والأقرب أنه يراه المؤمنون والمنافقون كما في الحديث، كما في الحديث أن جميع الطوائف انصرفوا، جميع الفرق، جميع أصحاب العبادات كلهم، ولم يبق إلا المؤمنون والمنافقون، ثم ينفصل، ثم يضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور، ينطفيء على المنافقين؛ لأنهم كانوا معهم في الدنيا فصاروا معهم في موقف القيامة ثم بعد ذلك انفصل هؤلاء من هؤلاء، ففيه إثبات رؤية الله يوم القيامة، أما في الجنة فهو أعظم نعيم يراه المؤمنون، المؤمنون يرون ربهم، أعظم نعيم يلقاه المؤمنون هو رؤية الله -عَزَّ وَجَلَّ-، حتى إنهم ينسون ما هم فيه من النعيم.

ففي هذ الحديث إثبات رؤية الله تعالى في موقف القيامة، وفيه أن الله تعالى جعل للمؤمنين علامة وهي كشف الساق، ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾[القلم:42]، وهم المنافقون لا يستطيعون، فإذا رأوا ربهم في هذه العلامة سجدوا له، والمنافقون لا يستطيعون السجود.

وفيه أن الناس يلقون أنوارهم على قدر أعمالهم، منهم من يعطى نور مثل الجبل، ومنهم من يعطى فوق ذلك، ومنهم من يعطى فوق النخلة، ومنهم من يعطى دون ذلك، حتى يكون آخرهم يعطى نوره على إبهم قدمه، ثم يمرون على الصراط، وفيه إثبات الصراط، وهو منصوب على متن جهنم، يمر الناس عليه ويتجاوزونه إلى الجنة، من يتجاوزه يصل إلى الجنة، ومن لم يتجاوزه فالصراط عليه كلاليب تخطف من يمر وتلقيه في النار، وفي هذا الحديث بيان أنه أقسام: منهم من يمر كالكوكب، ومنهم كالطرف، ومنهم كالريح، ومنهم من كالرجل، ومنهم من كالخيل، وكالبرق، ومنهم زمرة كالبرق.

وفيه أن آخر من يدخل الجنة، ذكر فيه أنه يخيل إليه أن الجنة ملأى، والله تعالى يضحك منه، فيقول: يا رب! أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول: لا، ولكني على ذلك قادر فسلوني، فنسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن الختام، وأن يرزقنا وإياكم النظر إلى وجه الله الكريم، وأن يجرنا بالنظر إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ومن يوم عميم، وأن يرزقنا رؤية الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الجنة إنه على كل شيء قدير.

قارئ المتن: قال: "حدثنا محمد بن العلاء بن كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا محمد بن إسحاق، قال: حدثنا وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: خرجت مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة ذات الرقاع مرتحلًا على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعلت الرفاق تمضي، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: «ما لك يا جابر»؟ قال: قلت يا رسول الله! أبطأ بي جملي هذا، قال: فأنخه، وأناخ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال: «أعطني هذه العصا من يدك»، أو قال: «اقطع لي عصا من شجرة»، قال: ففعلت، قال: فأخذ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنخسه بها نخسات، ثم قال: اركب، فركبت فخرج والذي بعثه بالحق واهق ناقته مواهقة، وتحدث معي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: «أتبيعني جملك هذا يا جابر»، قال: قلت: يا رسول الله! بل أهبه لك، قال: «لا، بل بعنيه»، قال: قلت: فسمني به، قال: «قد أخذته بدرهم»، قال: قلت: لا، إذن يغبنني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال: «فبدرهمين»؟ قال: قلت: لا، قال: فلم يزل يرفع لي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ أوقية، قال: قلت: فقد رضيت، قال: «قد رضيت»؟ قلت: نعم، قال: «نعم»؟ قلت: هو لك، قال: «قد أخذته»، قال: ثم قال لي: يا جابر! هل تزوجت بعد؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله! قال: «أثيبًا أم بكرًا»؟ قال: قلت: بل ثيبًا، قال: «أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك»؟ قال: قلت: يا رسول الله! إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعًا، فنكحت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن، وتقوم عليهن، قال: «أصبت إن شاء الله»، قال: أما إنا لو قد جئنا سرارًا أمرنا بجزور فنحرت، وأقمنا عليها يومنا ذلك.

شرح الشيخ: سرار هي بئر قديمة على بعد ثلاثة أميال من المدينة، وقيل: موضع.

قارئ المتن: "أما إنا لو قد جئنا سرارًا، أمرنا بجزور فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذلك، وسمعت بنا فنفضت نمارقها، قال: قلت: والله يا رسول الله! ما لنا نمارق، قال: إنها ستكون، فإذا أنت قدمت فاعمل عملًا كيسًا، قال: فلما جئنا سرارًا أمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجزور فنحرت، فأقمنا عليها ذلك اليوم، فلما أمسى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل ودخلنا، قال: فأخبرت المرأة الحديث وما قال لي رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قالت: فدونك فسمعًا وطاعة، قال: فلما أصبحت أخذت برأس الجمل فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم جلست في المسجد قريبًا منه، قال: وخرج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأى الجمل فقال: «ما هذا»؟ قالوا: يا رسول الله! هذا جمل جاء به جابر، قال: «فأين جابر»؟ فدعيت له، فقال: «تعال أي ابن أخي، خذ برأس جملك فهو لك»، قال: فدعا بلالًا فقال: «اذهب بجابر فأعطه أوقية، فذهبت معه فأعطاني أوقية، وزادني شيئًا يسيرًا، قال: فو الله ما زال ينمي عندنا ونرى مكانه من بيتنا حتى أصيب أمسي فيما أصيب الناس، يعني يوم الحرة".

شرح الشيخ: هذا الحديث في قصة جابر، وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخسه، كان يتأخر نخسه فجعل يسرع، فهذه من علامات النبوة، صار يسرع حتى إنه كان مع ناقة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوافقها، هذا فيه من علامات النبوة، وأنه من دلائل النبوة، أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عندما أتعب جابر جمله نخسه فجعل يسير سيرًا قويًا، وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماكس جابر في بيعه الجمل، طلب منه البيع ثم ماكسه، فجعل صحة البيع، وجواز المماكسة أيضاً في البيع، أوصله إلى أوقية، ثم بعد ذلك لما وصل إلى المدينة أعطاه الأوقية وزاد، يعني أعطاه الجمل وأعطاه زيادة ثم أعطاه الجمل، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما له حاجة في الجمل، لكن يريد أن يعلم الناس، وهو أنه باعه وماكسه في بيعه وأعطاه القيمة وأرجح، ثم بعد ذلك أعطاه الجمل وقال: هو لك، وقال له -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أتراني ماكستك لآخذ جملك، خذ جملك ودراهمك»، عليه السلام، لا حاجة له فيه.

وفيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أول ما جاء من السفر جاء إلى المسجد وصلى ركعتين، فيه مشروعية صلاة ركعتين للمسافر حينما يقدم البلد في المسجد، وفيه أن الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأله لما تزوج، ثيبًا أم بكرًا؟ قال: ثيب، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ فدل على أن نكاح البكر أفضل إلا إذا ترتب عليه مصلحة، قال: لماذا لم تتزوج بكر؟ قال: يا رسول الله! إن أبي توفي وترك بنات، خشيت أن آتي بجارية تلعب معهم، لكن أردت أن آتيهم بثيب مر عليها الدهر، تحسن إليهن، وتقوم بشؤونهن وتمشطهن، قال: أحسنت، هذا دليل على أن زواج البكر أفضل إلا إذا ترتب على الزواج من الثيب مصلحة.

كذلك أيضاً فيه أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حث على القدوم على أهله، وإعطاء أهله حقهم، فعمل عملًا كيسًا.

الجارية يعني البكر.

قارئ المتن: قال: "حدثنا بحر بن نصر قال: ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث قال: إن هشام بن عروة حدثه عن أبيه، قال: إن الزبير -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بعث إلى مصر فقيل له: إن بها الطاعون، فقال: إنما جئنا للطعن والطاعون، قال: فوضعنا السلاليم فصعدوا عليها".

شرح الشيخ: أخرجه ابن سعد في الطبقات، وما حكم عليه، قال: أن ابن الزبير بُعث إلى مصر فقيل: إن بها الطاعون، الطعن والطاعون، لم يحجم عن الدخول فيها، سبق في الحديث أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «إذا كان بلد فيها الطاعون فلا تقدموا عليها، وإذا كان بها وأنتم فيها فلا تخرجوا منها»، الطعن يعني القتال، والطاعون، قال: فوضعوا السلاليم فصعدوا عليها، كيف وضعوا السلالم، يعني ما يدخلوها إلا بسلاليم، يعني البلد، القدوم على بلد الطاعون كما جاء في الحديث النهي عن القدوم عليه، وإذا كان وهو فيها فلا يخرج منها، الطعن يعني القتال.

قارئ المتن: "قال: حدثنا محمد بن العلاء بن كريب قال: حدثنا أبو خالد عن شعبة عن الحكم عن مقسم بن نجدة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: من سنة الحج ألا تحرم بالحج إلا في أشهر الحج.

وعن أبي كريب عن أبي خالد عن الحجاج عن الحكم عن مقسم نحوه".

شرح الشيخ: الحديث صحيح، أخرجه الحاكم والبيهقي، من سنة الحج ألا تحرم بالحج إلا في أشهر الحج، وأشهر الحج قال الله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾[البقرة:197]، وهي شوال وذي القعدة وعشر من ذي الحجة، فالسنة ألا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، فإذا أحرم بالحج قبل أشهر الحج، فهل يصح الإحرام أو لا يصح؟ فيه خلاف بين أهل العلم، من العلماء من قال: لا يصح، لو أحرم في رمضان بالحج ما دخلت أشهر الحج، وقال آخرون من أهل العلم: يصح، وينعقد، لكنه خلاف الأولى، قال: ومن سنة الحج ألا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج، لا يحرم بالحج إلا إذا دخل شوال، في شوال وذي القعدة وذي الحجة، هذه هي أشهر الحج.

قارئ المتن: قال: "حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، قال: حدثنا المعتمر عن أبيه، قال: حدثني أبو تميمة عن عمرو يعني البكالي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: استتبعني رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فانطلقنا حتى أتينا موضعًا فخط لي خطة، فقال لي: «كن بين ظهري هذه، لا تخرج منها، فإنك إن خرجت هلكت»، قال: فكنت فيها، قال: فمضى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خذفة، أو أبعد شيئًا، أو كما قال، ثم أنه ذكر هنينًا كأنهم الظبط ليس عليهم ثياب، ولا أرى سوآتهم، طوالًا قليل لحمهم، قال: فأتوا فجعلوا يركبون رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال، وجعل نبي الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ عليهم".

الشيخ: وهذا هو الجني، الجني في هذه القصة.

قارئ المتن: قال: "وجعلوا يأتوني فيحيلون حولي ويعترضون لي، قال عبد الله: فأرعبت منهم رعبًا شديدًا، قال: فجلست أو كما قال، قال: فلما انشق عمود الصبح جعلوا يذهبون أو كما قال، قال: فإن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاء ثقيلًا وجعًا، أو يكاد أن يكون وجعًا مما ركبوه، قال: «إني لأجدني ثقيلًا»، أو كما قال، فوضع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه في حجري أو كما قال، قال: ثم إنا هنينا أتوا عليهم ثياب بيض طوال أو كما قال، وقد أغفى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال عبد الله: فأرعبت أشد مما أرعبت المرة الأولى، قال: فقال بعضهم لبعض: لقد أعطي هذا العبد خيرًا أو كما قالوا، إن عينيه نائمتان، أو قال: عينه، أو كما قالوا وقلبه يقظان، ثم قال بعضهم لبعض: هلم فلنضرب له مثلًا، أو كما قالوا، قال بعضهم لبعض: اضربوا له مثلًا ونأول نحن، أو نضرب نحن وتأولون أنتم، فقال بعضهم لبعض: مثله كمثل سيد ابتنى بنيانًا حصينًا ثم أرسل إلى الناس بطعام، أو كما قال، فمن لم يأت طعامه أو قال: لم يتبعه عذبه عذابًا شديدًا، أو كما قالوا، قال الآخرون: أما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجنة، وهو الداعي، فمن اتبعه كان في الجنة أو كما قالوا، ومن لم يتبعه عذب، أو كما قال.

ثم إن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استيقظ فقال: «ما رأيت يا ابن أم عبد»؟ فقال عبد الله رضي الله عنه: رأيت كذا وكذا، فقال نبي الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ما خفي علي مما قالوا شيء»، قال نبي الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هم نفر من الملائكة أو قال: هم من الملائكة أو كما شاء الله».

 

 

شرح الشيخ: الذين جاؤوا أخيرًا هم الملائكة، الذين قالوا: اضربوا لهم مثلًا، قد نال هذا العبد خيرًا [00:25:00]، وأما أول الحديث فهو في الجن، قال: خط لي خطًا وقال: كن بين ظهر هذه، لا تؤذنه فإنك إن خرجت هلكت، قال: فكنت فيها، فمضى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [00:25:24] ثم لو ذكر هنيناً، هنيناً كأنهم الزُط، والزُط هم جنس من السودان والعود، يعني هؤلاء هم الجن ليس عليهم ثياب، وأجسامهم طوالًا، فجاؤوا إلى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجاء نبي الله يقرأوا عليه القرآن، وجعلوا يأتوني فيحيرون حولي ويعترضون لي، يعني الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جعل خط لا يتجاوزه، قال: فرعب رعبًا شديدًا، قال: فجلست، فلما شق عمود الصبح جعلوا يذهبون أو كما قال، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيلاً وجعاً ثم وضع ثوبًا في حجره، بعد ذلك جاءت الملائكة، على كل حال هذه القصة فيها ضعف، لكن أصل مجيء الجني للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا ثابت في القرآن وفي السنة الصحيحة، والله تعالى يقول: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾[الأحقاف:29]، وقال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾[الجن:1].

ثبت في الحديث الصحيح أنهم جاءهم جن نصيبين، وأنه سأله الطعام، فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يعود أوفر ما كان لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم يعود كالحب الذي أكل»، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فلا تستنجوا بالعظم ولا بالبعرة فإنه زاد إخوانكم من الجن».

فلا يجوز الاستجمار بالعظم؛ لأنه يفسده على إخوانه من الجن؛ لأنه يعود إلى اللحم الذي أكل، والبعرة كذلك يفسدها، فلا يجوز الاستنجاء بالعظم ولا بالروث، أما هذه القصة ففيها ضعف، وسبق أيضاً أن ذكر هذه القصة المؤلف، قال: وسبق تخريج هذا الحديث 195، عندك كلام؟

قارئ المتن: نعم أحسن الله إليك، قال: إسناده ضعيف؛ لضعف جعفر بن ميمون، وطرقه الأخرى كلها ضعيفة لا تصح، وفي المتن نكارة، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أنه لم يكن مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة الجن، وأنه قال: لم أكن ليلة الجن مع رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وودت أني كنت معه، وقال: أبو حاتم وأبو زرعة في الأحاديث الواردة بمن كان مع النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة الجن: لا يصح في هذا الباب شيء.

 

 

الشيخ: يعني مجيء الجن للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا ثابت، لكن ليس معه ابن مسعود، في هذا الحديث والحديث الذي قال أن عبد الله بن مسعود كان معه ضعيف، لا يصح، وأما مجيئهم فهذا ثابت ومعروف في الأحاديث وفي القرآن الكريم، وأما النفر الذين أتوا أخيراً قال: هم نفر من الملائكة، أو قال: هم من الملائكة، قال: اضربوا لهم مثلًا، قال: مثله كمثل سيد ابتنى بنيانًا حصينًا ثم أرسل إلى الناس بطعام وكما قال، فمن لم يأت طعامه قال: (...) عذبه عذابًا شديدًا، إلى أن قال: وأما السيد فهو رب العالمين، وأما البنيان فهو الإسلام، والطعام الجن، وهو الداعي، فمن اتبع الداعي كان في الجنة، ومن لم يتبع عذب، ثم قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إنهم هم الملائكة»، هذا فيه ضعف لا يصح، لكن مجيء الجن إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثابت في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة، وأما هذا الحديث والذي قبله أن معه عبد الله بن مسعود فلا يصح.

مداخلة: هل يكون طعام الجن الذي يتحول إلى لحم في الذبائح التي ذُكر فيها اسم الله دون غيرها.

الشيخ: قال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، يعود أوفر ما كان لحمًا»، أما ما لم يذكر عليه اسم الله لا يعود، وما استجمر به كذلك يفسده عليه، فالعظم الذي ذكر اسم الله عليه، ولم يستخدمه أحد في الاستجمار يعود لحمًا، وكذلك الروثة تعود عليه حب، وهذه تكون علف لدوابهم.

قارئ المتن: خاص بالجن المسلمين أم الجميع المسلمين وغيرهم؟

الشيخ: الله أعلم، لكن هؤلاء نسبوا كما جاؤوا للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ويخاطبهم، نعم.

قارئ المتن: يا شيخ! قد سبق تخريجه في الحديث رقم 195، وهو رقم 193.

الشيخ: خطأ في الترقيم، نعم.

قارئ المتن: قال: "عن أحمد بن عبد الله بن أبي عبيلة بن أبي السفر عن حجاج عن ابن جريج عن عبد الله بن عبيد الله قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: ما ترى في جارية لي في نفسي منها شيء؟ فإني سمعتهم يقولون: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن كان في شيء ففي الربع، والمرأة، والفرس»، فأنكر أن يكون سمع ذلك عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد النكرة، وقال: إن كان في نفسك منها شيء ففارقها أو أعتقها.

وعن محمد بن يحيى عن حماد بن مسعدة وعثمان بن عمر عن ابن جريج به (ح) وعن هلال بن بشر عن حماد بن مسعدة عن جريج به، واللفظ لحجاج، وقال حماد: أنكر أن يكون النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله"

شرح الشيخ: قال: الريع، الأقرب الربع، كما في حديث: «كان الشؤم في ثلاث: المرأة والدار والفرس»، الربع يعني البيت أو الأرض، ما هو الريع، كيف يكون في الريع؟ إن كان في شيء يعني الشؤم، إن كان في شيء ففي الريع، الريع الزيادة والنماء، الأصل انظر النهاية، وبعده قال: الربع المنزل وهو دار الإقامة، هذه الأقرب، الربع هي المنزل وهي دار الإقامة، قال هذا وقال هذا، لكن المراد أيهما؟ المنزل، دار الإقامة، الربع، يريد إن يكن الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار، هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لضعف الحجاج، وابن جريج مدلس وقد عنعن، الحجاج ضعيف، وفيه: أن ابن عباس أنه عنده جارية في نفسها منها شيء، قال له عبد الله بن عبيد الله: ما ترى في جارية لي في نفسي منها شيء؟ فإن سمعتهم يقولون: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن كان الشؤم في شيء ففي الربع والمرأة والفرس»، أنكر ابن عباس أن يكون سمع ذلك منه.

وقال: إن كان في نفسه شيء منها، وإلا فارقها، إن كان في نفسه منها فارقها أو أعتقها هذه الجارية، ولكن سبق معنا في حديث: «الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار»، إن يكن الشؤم في ثلاث، وأما هذا الحديث فهو ضعيف.

قارئ المتن: قال: "حدثنا محمد بن عثمان العجلي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: «نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع».

شرح الشيخ: «نضر الله امرأ»، هذا دعاء النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نَضَرَهُ، نَضَّرَهُ، وأنضره أي: نعمه، يقرأ بالتخفيف والتشديد، نَضَرَه ونَضَّره، من النضارة، وهي في الأصل حسن الوجه والبريق، وإنما أراد حسن خلقه، الحديث صحيح، وفيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كعالم سمع الحديث وبلغه غيره، وفيه: ورب مبلغ أوعى من سامع، قد يكون مبلغ أوعى من سامع، السامع سمع الحديث ولكنه قد يكون فقيه، ثم بلغه غيره فصار المبلغ فقيه واستفاد منه، استنبط الأحكام، والذي بلغه لم يكنه مثله في الفقه، هذا الحديث فيه دعاء من النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن سمع الحديث وبلغه، دعا له النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنضارة الوجه، النعيم، والبريق، واللمعان، فدعا له بحسن الوجه، دعاء للنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن سمع الحديث وبلغه بالنضرة، أي نضارة وجهه ينعمه، وحسن الوجه وحسن الخلق، قال: «فرب مبلغ أوعى من سامع»، يعني: قد يكون المبلغ أوعى للحديث من السامع؛ ليستفاد منه أكثر، وفيه الحث على تبليغ الحديث.

قارئ المتن: قال: "حدثنا أحمد عبدة، قال: حدثنا الدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وآمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»، قال: صحيح، وهذا سند حسن، قال: تقدم تخريجه عن الحديث 94، مجلد سابق.

الشيخ: عندك تخريجه؟

قارئ المتن: ما عندي أحسن الله إليك، في مجلد سابق ليس في الذيل.

شرح الشيخ: ما هو في الأصل؟ والحديث هذا معروف أنه صحيح، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»، من قال: لا إله إلا الله يكف عنه، حتى يقول: لا إله إلا الله، وآمنوا بي وبما جئت به، فإذا قالوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، فالنبي مأمور بقتال الناس حتى يوحدوا الله، فمن يوحد الله عصم دمه وماله إلا بحقها، حق لا إله إلا الله: آداء الواجبات وترك المحرمات، لا بد مع قوله: لا إله إلا الله يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويترك المحرمات، هذا حق لا إله إلا الله، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أن يقاتل الناس حتى يقول: لا إله إلا الله، ثم يكف عنه، ومن قال: لا إله إلا الله، ووحد الله دمه معصوم، وماله معصوم إلا بحقه، لا بد أن يؤدي حقوق كلمة التوحيد، وهي الواجبات وترك المحرمات.

قال: الإسناد والمتن من صحيح ابن حبان، وهو الحديث السابق، نعم.

قارئ المتن: قال: "حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يقول: حدثنا قتادة عن خليد العصري عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «ما طلعت شمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان: اللهم من أنفق فأعقبه خلفًا، ومن أمسك فأعقبه تلفًا».

شرح الشيخ: قال الشاعر: أنفق ولا تخش إقلالًا، فقد قسمت على العباد من الرحمن أرزاق، لا ينفع البخل مع دنيا مولية، ولا يضر مع الإقبال إنفاق.

الحديث صحيح، رواه عدد، وفيه دعاء أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا للمنفق في وجوه الخير، ودعا للمسك بالتلف، ودعوة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مستجابة، دل على أن المنفق يخلف الله عليه، قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾[سبأ:39]، ومن أمسك النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا عليه بالتلف، هذا يدعوا الإنسان إلى أن ينفق في وجوه الخير، وفيما أوجب الله عليه ولا يمسك، عاقبة الإمساك التلف، وعاقبة الإنفاق الخلف، ملكان يدعيان: اللهم أعط منفقًا خلفًا، وأعط ممسكًا تلفًا، الملكان كريمان يستجاب دعاؤهما، نعم.

قارئ المتن: قال: "حدثنا محمد بن يحيى القطعي، قال: حدثني زيد بن الحباب، قال: حدثني الحسين بن واقد، قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه لهذا المال»، قال: إسناده حسن، فإن الحسين بن واقد صدوق حسن الحديث، وزيد بن الحباب صدوق، تابعه علي بن الحسن وأبو تميلة.

شرح الشيخ: يعني فيه صدوقان، الحسين بن واقد، وزيد بن الحباب، قال: «إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه لهذا المال»، يعني أهل الدنيا الذين يتنافسون فيها أحسابهم المال، لا يبالون، همهم المال، ولكن أهل التقوى أحسابهم تقوى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه»، أما أهل الدنيا فهم يزوجون لأهل المال، لا ينظرون إلا إلى المال، فأحساب أهل الدنيا المال، وأحساب أهل الآخرة التقوى، فيه الحث على تقوى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، والإعراض عن الدنيا، وما حرم الله منها، والانتشاء بها، واجتناب الحرام.

مدخلة: الحديث الذي مر حديث أبي هريرة، «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله»، قال: صحيح، أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، رواه الشيخان، وفيه أن الناس يقاتلون حتى يوحدوا الله، فإذا وحدوا الله عصموا دمائهم وأموالهم، فدماؤهم معصومة إلا بحق التوحيد، وفعل الواجبات وترك المحرمات، هنا في أحساب أهل الدنيا المال، وأحساب الآخرة تقوى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، نعم.

قارئ المتن: قال: "حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، قال: حدثنا محمد بن مسلم بن خباب عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه لما زاد في المسجد غفلوا عن العود الذي كان في القبلة، قال أنس: أتدرون لأي شيء جعل ذلك العود، أخذ العود بيده اليمنى ثم التفت فقال: اعدلوا صفوفكم واستووا، ثم أخذ بيده اليسرى، ثم التفت فقال: اعدلوا صفوفكم.

الشيخ: والإسناد والمتن من صحيح ابن حبان، تخريجه...

قارئ المتن: قال: "إسناد ضعيف؛ لضعف مصعب بن ثابت، ومحمد بن مسلم مقبول حيث يتابع ولم يتابع، أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقي والبغوي".

شرح الشيخ: مصعب بن ثابت، ومحمد بن مسلم، الحديث ضعيف، فيه أنه يأخذ بعود، يأخذ بالعود ويقول: استووا، كان يقول: استووا، وما كان فيه أخذ العود، أخذ العود ضعيف، أما كونه يعدد الصفوف ويقول: استووا، هذا ثابت، تسوية الصفوف، النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوى الصفوف، قال: «لتساوون صفوفكم، أو ليخالفن الله بين وجوهكم»، قالوا: كان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسوي الصفوف كما تسوى القداح، وقال: سوى الصفوف وأراد أن يكبر فرأى رجلًا بادي الصدر، فقال: «يا عبد الله! لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم»، تسوية الصفوف ثابتة عند النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذن عدم وجوب تسوية الصفوف من الإمام، تعاون المأمومين، كل واحد ينظر إلى من بجواره، أما كونه يأخذ عود ويقول عن يمينه استووا، ثم يأخذ بيده الشمال، ويقول: استووا، هذا الحديث ضعيف، لا يثبت، إذا كان يسوي الصفوف من دون أخذ العود في اليمين أو في الشمال، نعم.

قارئ المتن: قال: "حدثنا علي بن مسلم الطوسي قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «القنطار اثنى عشر ألف أوقية، كل أوقية خير مما بين السماء والأرض»، قال: إسناده حسن، عاصم هو ابن بهدلة بن أبي النجود، صدوق، حسن الحديث.

الشيخ: وهو أحد القراء أو ليس هو؟

قارئ المتن: هو، أحسن الله إليك، هو.

شرح الشيخ: عاصم بن بهدلة صدوق، حديثه حسن، قال: القنطار اثنا عشر ألف أوقية، كل أوقية خير مما بين السماء والأرض، ما المراد هنا بالقنطار؟ هذه الأواقي في الجنة ظاهرها، قال: القنطار، إذا أعطي قنطار في الجنة فقد أعطي اثنا عشر أوقية، كل أوقية خير مما بين السماء والأرض، ما ذكرنا إن كان في شرط، كلام سابق أو كلام لاحق، وقال: القنطار اثنى عشر ألف أوقية، من أي شيء القنطار؟ من أي شيء؟

قارئ المتن: ابن حبان ذكر قبل هذا الحديث حديث: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين».

الشيخ: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين»، يعني عنده قناطير من الأجور، هذا الذي قبله؟

قارئ المتن: ثم ذكر بعدها، وبوب على هذا الحديث ذكر كمية القناطر مع بيان أن من أوتي من الأجر مثله كان خيرًا له مما بين السماء والأرض.

الشيخ: هذا الذي يعطي من القناطر، من قام يصلي من الليل وكتب من المقنطرين، فالقنطار اثنى عشر ألف أوقية، وكل أوقية خير مما بين السماء والأرض، الأوقية في الدنيا معروفة، والأواقي، والقنطار ثلاثة آلاف أوقية، هذا في الدنيا، لكن في ثواب الآخرة، في ثواب المصلين والقائمين، المقنطرين هو من قام بمئة آية كتب من المقنطرين، وإذا أعطي قنطار فقد أعطي اثنى عشر ألف أوقية، وكل أوقية خير مما بين السماء والأرض، يعني خير من الدنيا وما فيها، يعني الدنيا لا تساوي شيء، الأوقية الواحدة وهي اثنى عشر ألف أوقية، وهذا فضل عظيم للعبادة، والتعبد لله بالصلاة وقراءة القرآن، الحديث أخرجه ابن حبان هنا؟

 

 

قارئ المتن: نعم، قال: المتن من صحيح ابن حبان، قال: الإسناد والمتن من صحيح ابن حبان، هذا هنا انتقل إلى الأحاديث التي رواها ابن حبان عن ابن خزيمة، انتهى من أحاديث الإتحاف.

الشيخ: الآن من الأحاديث التي رواها ابن حبان؟

قارئ المتن: نعم، أحسن الله إليك، بدأ من الحديث رقم 282.

الشيخ: كيف؟ ابن حبان عن شيخه أم ماذا؟

قارئ المتن: رواها عن ابن خزيمة، نعم.

الشيخ: رواها ابن حبان عن ابن خزيمة، شيخه، نعم.

قارئ المتن: كذلك الدارمي في مسنده أورد هذا الحديث في كتاب فضائل القرآن، وذكر قبله، ذكر هذا الحديث في كتاب فضائل القرآن، باب كم يكون القنطار؟ وذكر قبله باب من قرأ ألف آية.

الشيخ: هذا الدارمي؟

قارئ المتن: أحسن الله إليك، ذكره في باب كم يكون القنطار؟ من كتاب فضائل القرآن، باب كم يكون القنطار؟ وذكر قبله باب من قرأ ألف آية عن أبي الدرداء عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: «من قرأ ألف آية كتب له قنطار من الأجر، والقيراط منه مثل التل العظيم».

الشيخ: مثل التل العظيم يعني جبل، القيراط، والقيراط منه هذا القنطار، والقنطار الشيء العظيم، كم القنطار من القيراط؟ كثير، نعم.، على كل حال قنطار من الأجر والثواب، قال: العبادة والصلاة، هي خير من القناطير والأواقي والمال.

قارئ المتن: قال: "حدثنا محمد بن رافع، قال: حدثنا حبان بن هلال، قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا عاصم بن كليب، قال: حدثني أبي، قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء»، قال: إسناده حسن من أجل عاصم بن كليب.

الشيخ: أخرجه إسحاق بن راهوية في مسنده والبخاري في التاريخ الكبير، صوبه الترمذي وابن حبان، وأبو نعيم، «كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء»، يعني المقطوعة، يوجد دليل على أنه ينبغي للخطيب أن يتشهد، وأن يصير خطبة الجمعة، إذا كان العلماء عند خطبة الجمعة يشترط فيها التشهد، الشهادة لله تعالى بالوحدانية، والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرسالة، يبدأ بالحمد لله، والصلاة على رسول الله، ويشهد لله بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، ويأمر بتقوى الله -عَزَّ وَجَلَّ- ثم يتكلم، لكن لا بد من التشهد، يشهد لله بالوحدانية، وللنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرسالة، ولا بد من الحمد في أول الخطبة، والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأمر بتقوى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، هذا في خطبة الجمعة، وكذلك أيضاً في المواعظ والكتب، ينبغي أن تبدأ بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، والتشهد، الشهادة لله بالوحدانية، وللنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرسالة، وكل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء، كاليد المقطوعة.

خطبة ما فيها تشهد، ما فيها تشهد لله بالوحدانية، وللنبي بالرسالة ليس فيها خير، مثل اليد المقطوعة، فلا بد من التشهد، ولهذا يشترط هذا في خطبة الجمعة، ذكر العلماء أنه يشترط التشهد، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، نعم.

قارئ المتن: قال ابن خزيمة رحمه الله: "حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم أن رجلًا خطب عند النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بئس الخطيب، قل: ومن يعص الله ورسوله»".

الشيخ: والحديث صحيح، أخرجه عدد، الشافعي وأحمد ومسلم أيضاً، والنسائي وغيرهم، قال النووي...

قارئ المتن: "قال النووي في شرح مسلم عقب الحديث: قال القاضي وجماعة من العلماء: إنما أنكر عليه لتشريكه في الضمير المقتضي للتسوية، وأمره بالعطف تعظيمًا له تعالى بتقديم اسمه".

شرح الشيخ: يعني قال: بئس الخطيب أنت، قال: «من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى»، قال: «ومن يعصهما»، قال: «بئس الخطيب، قل: ومن يعص الله ورسوله»، لا تقل: ومن يعصهما، فيكن الضمير لله ولرسوله في ضمير واحد، وتأتي باسم الله، تقول: ومن يعص الله، ثم تقل: ورسوله، قال بعضهم: إن الخطبة تحتاج إلى تفصيل وتوسع، وما تحتاج إلى اختصار، ولهذا قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله»، ظاهره: كل من يعص الله ورسوله إنه إنما أنكر عليه للجمع في الضمير.

﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا﴾[النساء:14]، الآية، ومن يعص الله ورسوله، ولم يقل: ومن يعصهما، نقول كما في القرآن.

قارئ المتن: "حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «من أصابته مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيرًا منها»، فلما مات أبو سلمة قلتها، فجعلت كلما بلغت: أبدلني بها خيرًا منها، قلت في نفسي: ومن خير من أبي سلمة؟! فلما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر يخطبها، فلم تزوجه، ثم بعث إليها عمر رضي الله عنه يخطبها، فلم تزوجه، فبعث إليها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمر بن الخطاب يخطبها عليه، قالت: أخبر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أني امرأة غيراء، وأني امرأة مصبية، وليس أحد من أوليائي شاهدًا، فأتى رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر ذلك فقال: «ارجع إليها فقل لها: أما قولك: إني امرأة غيراء، فأسأل الله أن يذهب غيرتك، فأما قولك: إني امرأة مصبية»...

شرح الشيخ: مصبية يعني صاحب الصبيان، غيراء يعني عندها غيرة، والرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له نساء، تقول: كيف أسكن معه وأنا عندي غيره؟ «هذه الغيرة نسأل الله أن يذهبها، والصبيان نتحملهم معنا في البيت أولاد لنا، وقولك: ليس أحد من أوليائي شاهد، ليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك.

قارئ المتن: "«وأما قولك: إني امرأة مصبية فتكفين صبيانك، وأما قولك: فإنه ليس أحد من أولياءك شاهد، فليس من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك»، فقالت لابنها: يا عمر! قم فزوج رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فزوجه فكان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتيها ليدخل بها، فإذا رأته أخذت ابنتها زينب فجعلتها في حجرها، فينقلب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلم بذلك عمار بن ياسر، وكان أخاها من الرضاعة، فجاء إليها فقال: أين هذه المقبوحة التي قد آذيت بها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فأخذها فذهب بها، فجاء رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخل عليها، فجعل يضرب ببصره في جوانب البيت، وقال: «ما فعلت زينب»؟ قالت: جاء عمار فأخذها فذهب بها، فبنى بها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقال: «إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة رحائين وجرتين ومرفقة حشوها ليف»، وقال: «إن سبعت لك سبعت لنسائي»".

شرح الشيخ: هذه القصة ثابتة، قال: الحديث صحيح في مسلم وغيره في قصة زواج النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأم سلمة، فيه: أنها لما قالت: إنها غيراء، قال: «نسأل الله أن يذهب الغيرة»، مصبية، قال: «نكفيك الصبيان»، قالت: ليس من أوليائي أحد وليس بجواري أحد شاهد ولا غائب يكره ذلك، ثم قالت لابنها عمر: قم يا عمر! فزوجني، فيه دليل على أن الولد يزوج أمه، الأولياء: أولًا: الأب ثم الجد ثم الابن وابن الابن ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب ثم العم الشقيق، أي: يكون ولي، ثم ابن العم الشقيق وابن العم لأب، فإذا لم يوجد هؤلاء فالسلطان بعد ذلك، القاضي، في دليل على أنه لا بد من العقد في النكاح، ولا بد ذلك، وفي الحديث: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل»، وفيه: أن الابن يكون وليًا لأمه فيزوجها إذا كان كبيرًا، وفيه: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينقصها عن غيرها، أعطاها رحائين وجراتين وملفقة حشوها ليف، يكون هذا المهر، وقال: «إن سبعت لك سبعت لنسائي»، سبعت يعني إذا أقمت عندك سبعة أيام، كل واحدة من نسائي جلست عندها سبعة أيام.

ذلك أن الرجل إذا تزوج البكر فإنها يكون لها سبعًا ثم يدور على نسائه، وأما الثيب فإنها يقيم عندها ثلاثًا، جاء في الحديث: «إذا تزوج البكر أقام عندها سبعًا، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا، ثم يدور على نسائه»، إذا كانت بكر جلس سبعة أيام ثم يدور على نسائه، وإذا كانت ثيب ثلاثة أيام ثم يدور على نسائه، وإذا أحبت الثيب أن يسبع لها، ولكن تضيع عليها ثلاثة الأيام، يسبع لنسائه مثلها، ولذلك قال لأم سلمة لأنها ثيب: «إن سبعت لك سبعت لنسائي، وإن شئت ثلثث، وإن شئت سبعت»، قالت: ثلث، تستفيد أكثر، ثلاثة أيام ما يشاركها غيرها، لكن إذا سبع ضاعت عليها ثلاثة أيام، سبع لنسائه، قال: «إن شئت سبعت، وإن شئت ثلثت»، قالت: ثلث.

قارئ المتن: "حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: أخذ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على النساء حيث بايعهن ألا ينحن، فقلن: يا رسول الله! إن نساءً أسعدننا في الجاهلية فنسعدهن في الإسلام، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا إسعاد في الإسلام، ولا شغار في الإسلام، ولا عقر في الإسلام، ولا جلب ولا جنب، ومن انتهب فليس منا".

قال: أخرجه أحمد، وعبد بن حميد، وابن ماجه، والترمذي، والنسائي، والطحاوي، والطبراني، والبيهقي".

شرح الشيخ: النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ على نساء حيث بايعهن، كما قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ﴾[الممتحنة:12]، بايع النساء ألا يشركن بالله شيئًا، ولا يسرقن، ولا يزنين، ولا يقتلن أولادهن، ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن ولا أرجلهن، وأخذ على النساء خاصة ألا ينحن، بايعهن ألا ينحن، والنوح هو البكاء على الميت، وهو رفع الصوت بالبكاء، أما البكاء بدمع العين وحزن القلب فلا يضر، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، إنما يعذب بهذا»، وأشار إلى لسانه، وهو الصوت.

والنبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذ عليهن ألا ينحن بالبيعة، فقلن: يا رسول الله! إن نسائنا أسعدن بعضنا، إحدى النساء قالت: يا رسول الله! إن فلانة أسعدتني وأنا أريد أن أسعدها، أسعدتها يعني أنها ناحت معها لما مات ميتها، فهي تريد تقضي، تنوح معها، جاء أنها ذهبت وأسعدت سعدها ثم جاءت فبايعت بعد ذلك.

وهذا الحديث فيه أن مجموعة قلن: يا رسول الله! إن نساء أسعدن في الجاهلية أفنسعدهن في الإسلام، فقال: «لا إسعاد في الإسلام، من أسعدنا»، يعني ساعدنا في النياحة، كان من عادتهم أن المرأة إذا مات لها ميت صواحبها وجيرانها يبكون معها، هذا يسمى إسعاد، قال: إن نسائنا أسعدنا فنريد أن نسعدهن، فقال: «لا إسعاد في الإسلام»، قال: ما في، ما في نياحة، صبر، وحبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والرضا بما كتب الله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ما في بكاء وصياح وعويل كما في الجاهلية، قال: «لا إسعاد في الإسلام»، يتكلم عن إسعاد النساء في النياحة.

قارئ المتن: قال: "هو إسعاد النساء في المناحات، تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من جاراتها فتساعدها على النياحة، وقيل: كان نساء الجاهلية يسعد بعضهن بعضًا على ذلك سنة فنهين عن ذلك".

شرح الشيخ: هذا هو الإسعاد، الإسعاد أن المرأة تبكي على من مات معها، فقال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا إسعاد في الإسلام، ولا شغار في الإسلام»، يعني الشغار هو يزوج الرجل ابنته أو موليته على أن يزوج الآخر ابنته، تكون واحدة، ويشترط أن يقول: لا أزوجك ابنتي حتى تزوجني ابنتك، لا أزوجك أختي حتى تزوجني أختك.

«ولا عقر في الإسلام»، العقر، تكلم عن العقر وقال ماذا؟

قارئ المتن: قال: "كانوا يعقرون الإبل على قبور الموتى، أي: ينحرونها ويقولون: إن صاحب القبر كان يعقر للأضياف أثناء حياته فنكافؤه بمثل صنيعه بعد وفاته، وأصل العقر ضرب قوائم البعير أو الشاة بالسيف وهو قائم".

شرح الشيخ: يعني لما كان كريمًا في الحياة ينحرون، يعقرون عند قبور الموتى، هذا باطل، هذا أبطله الإسلام.

«ولا جلب في الإسلام»، قوله: الجلب...

قارئ المتن: "قوله: الجلب، قال: الجلب يكون في شيئين: أحدهما الذكاة وهو يقدم المصدق على أهل الزكاة فينزل موضعًا ثم يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها فنهي عن ذلك، وأمر أن تؤخذ صدقاتهم على مياههم وأماكنهم، الثاني: أن يكون في السباق وهو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره، ويجلب عليه ويصيح حثًا له على الجري فنهي عن ذلك".

شرح الشيخ: الجلب يعني العامل الذي يرسله ولي الأمر لجلب الزكاة، يجلس في مكان ويقول لأصحاب الأموال كلهم: تعالوا عندي أعطوني الزكاة، لا، هذا منهي عنه، هو يذهب إليهم، يذهب إلى أهل البوادي، ويأخذ الزكاة منهم، ما يجلس في مكانه ويقول: تعالوا، يذهب إليه، هذا الجلب، وقيل: الجلب معناه لما يكون هناك فرسان يتسابقان يتبع فرسه، أو يرسل فرسًا آخر، فنهي عن ذلك، أن يتبع فرسه ويصيح عليه حتى يسرع، فهذا منهي عنه وهذا منهي عنه.

ولا جنب، قال:...

قارئ المتن: قال: "الجنب بالتحريك يكون في شيئين: أحدهما في السباق، وهو أن يجنب فرسه إلى فرسه الذي يسابق عليه، فإذا فتر المركوب تحول للمجنوب، وثاني في الزكاة: وهو أن ينزل العامل بأقصي مواضع أصحاب الصدقة، ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه، أي: تحضر، فنهوا عن ذلك، وقيل: هو أن يجنب رب المال بماله أي: يبعده عن موضعه حتى يحتاج العامل إلى الإبعاد في اتباعه وطلبه".

شرح الشيخ: أما الأول يجلب فرسًا، يعني فرسان يتسابقان ثم اجعل بجوارك فرس آخر، فإذا فتر ركب الثاني، هذا منهي عنه، أو في الزكاة، ينزل العامل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة، ثم يأمر بالأموال أن تؤتى إليه من الأراض الأخرى، أو يكون رب المال يبعد عن موضعه حتى يحتاج العامل إلى صاحب المال يبعد عن مكان بعيد حتى يحتاج العامل الذي أرسله ولي الأمر إلى الإبعاد، «ومن انتهب فليس منا»، من انتهب نهبة فهذا عليه الوعيد الشديد، كيف ينتهب نهبة؟ سرقة لكن ليست خُفية وإنما ينهب ويمشي، هذا منهي عنه كالسرقة، السرقة منهي عنها لكن السرقة تكون خفية، والنهب يذهب ويذهب، والأصل أن يأخذ الشيء وهو جالس، سرقة يعني في الخفاء، نهب ينهبه ويهرب، «ومن انتهب فليس منا»، هذا معناه أنه من كبائر الذنوب.

وفق الله الجميع لطاعته، بعد الصلاة إن شاء الله يمتد الدرس.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد