شعار الموقع

سورة الزمر - 1

00:00
00:00
تحميل
6

الأحد 14 – 5- 1440هـ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى وأسكنه في تفسيره العظيم عند تفسير سورة الزمر، قال: (تَفْسِيرُ سُورَةِ الزُّمَرِ

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ.

قَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ مَرْوَانَ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ. وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ).

الشيخ: هل تكلم على تخريجه؟

طالب آخر: ما تكلم عليه.

طالب آخر: قال النسائي في المجتبى وفي الكبرى، وقد تقدم في أول سورة الإسراء وهو صحيح.

الشيخ: بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد...

[01:25]، لما قالوا في الأول: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُوم)، هذا في الصحيحين، والمعنى انه عليه الصلاة والسلام كان ينتهز الفرصة، وأحيانًا يكون مشغول في الجهاد ومقابلة الوفود، لتعلم الناس وغير ذلك، فيفطر، وأحيانًا يكون متفرغ، فيسرد الصوم، يسرد الصوم في وقت فراغه، ويسرد الفطر في وقت انشغاله، فلهذا قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ).

أما قوله: (وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ)، هل صححه الألباني عندك؟

طالب آخر: قال: أخرجه شعيب صحيح.

(قَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ بْنِ مُسَاوِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ مَرْوَانَ أَبِي لُبَابَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ. وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ. وَكَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

{تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (4)}.

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ تَنْزِيلَ هَذَا الْكِتَابِ -وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ-مِنْ عِنْدِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَهُوَ الْحَقُّ الذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شَكَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نزلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشُّعَرَاءِ:192-195] .

وَقَالَ: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فُصِّلَتْ:42، 41]. وَقَالَ هَاهُنَا: {تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ} أَيِ: الْمَنِيعِ الْجَنَابِ، {الْحَكِيمِ} أَيْ: فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَشَرْعِهِ، وَقَدَرِهِ.

{إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} أَيْ: فَاعْبُدِ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَادْعُ الْخَلْقَ إِلَى ذَلِكَ، وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّهُ لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ [وَحْدَهُ]، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ وَلَا عَدِيلٌ وَلَا نَدِيدٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} أَيْ: لَا يُقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا أَخْلَصَ فِيهِ الْعَامِلُ لِلَّهِ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ عُبّاد الْأَصْنَامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ).

الشيخ: {تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، إخبار من الله تعالى بأنه نزل الكتاب من عنده سبحانه وتعالى، وفي هذه الآية إثبات العلو لله عز وجل؛ لأن النزول إنما يكون من أعلى إلى أسفل في الرد على من أنكر علو الله عز وجل، {تَنزيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، وهو منزل من عند الله عز وجل.

{الْعَزِيزِ}، المنيع الجانب، {الْحَكِيمِ}، في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، أفعاله مبنية على الحكمة، وأقواله مبنية على الحكمة وشرعه مبني على الحكمة، وقدره مبني على الحكمة سبحانه وتعالى.

{إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}، أخبر الله تعالى أنه أنزل الكتاب بالحق الذي لا مرية فيه، فهو كلام الله عز وجل، أنزله على عباده ليعرفهم سبحانه وتعالى بنفسه، وليعلموا عظمته وجلاله وكبريائه، واتصافه بالأسماء والصفات وليعلموا شرعه ودينه الذي شرعه لهم.

{إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ}، الذي لا مرية فيه، {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، اعبد الله وأدعو الناس إلى عبادة الله مع الإخلاص، {مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، مخلصُا له العبادة، فلا تصح العبادة إلا لله، {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}، فله سبحانه وتعالى العبادة الخالصة، ومن اشرك مع الله غيره تركه وشركه، كما في الحديث القدسي، يقول الله تعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن اشرك معي فيه غيري تركته وشركه"، فلا بد من إخلاص العبادة لله عز وجل، كما أنه لابد من المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فلا تصلح العبادة إلا بهاذين الأصلين:

  • أن يكون العمل خالصًا لله مرادًا به وجهه والدار الأخرة.
  • والثاني أن يكون موافقًا للشرع صوابًا على الكتاب والسنة.

هذه هي العبادة المقبولة، أن تكون خالصة لله، وأن تكون موافقة لشرع الله، ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ عُبّاد الْأَصْنَامِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أَيْ: إِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى عِبَادَتِهِمْ لَهُمْ أَنَّهُمْ عَمَدُوا إِلَى أَصْنَامٍ اتَّخَذُوهَا عَلَى صُوَرِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي زَعْمِهِمْ، فَعَبَدُوا تِلْكَ الصُّوَرَ تَنْزِيلًا لِذَلِكَ مَنْزِلَةَ عِبَادَتِهِمُ الْمَلَائِكَةَ؛ لِيَشْفَعُوا لَهُمْ عند الله في نَصْرِهِمْ وَرِزْقِهِمْ، وَمَا يَنُوبُهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا الْمَعَادُ فَكَانُوا جَاحِدِينَ لَهُ كَافِرِينَ بِهِ.

قَالَ قَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَمَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَابْنِ زَيْدٍ: {إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أَيْ: لِيَشْفَعُوا لَنَا، وَيُقَرِّبُونَا عِنْدَهُ مَنْزِلَةً.

وَلِهَذَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي تَلْبِيَتِهِمْ إِذَا حَجُّوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ: "لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك، إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ". وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ هِيَ الَّتِي اعْتَمَدَهَا الْمُشْرِكُونَ فِي قَدِيمِ الدَّهْرِ وَحَدِيثِهِ، وَجَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، بِرَدِّهَا وَالنَّهْيِ عَنْهَا، وَالدَّعْوَةِ إِلَى إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ اخْتَرَعَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ فِيهِ وَلَا رَضِيَ بِهِ، بَلْ أَبْغَضَهُ وَنَهَى عَنْهُ: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النَّحْلِ:36] {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الْأَنْبِيَاءِ:25] .

وَأَخْبَرَ أَنَّ الملائكة التي في السموات مِنَ الْمُقَرَّبِينَ وَغَيْرِهِمْ، كُلَّهُمْ عَبِيدٌ خَاضِعُونَ لِلَّهِ، لَا يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِمَنِ ارْتَضَى، وَلَيْسُوا عِنْدَهُ كَالْأُمَرَاءِ عِنْدَ مُلُوكِهِمْ، يُشَفَّعُونَ عِنْدَهُمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فِيمَا أَحَبَّهُ الْمُلُوكُ وَأَبَوْهُ، {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ} [النَّحْلِ:74] ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أَيْ: سَيَفْصِلُ بَيْنَ الْخَلَائِقِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ، وَيَجْزِي كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سَبَأٍ:41، 40].

وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} أَيْ: لَا يُرْشِدُ إِلَى الْهِدَايَةِ مَنْ قَصْدُهُ الْكَذِبُ وَالِافْتِرَاءُ عَلَى اللَّهِ، وَقَلْبُهُ كَفَّارٌ يَجْحَدُ بِآيَاتِهِ وَبَرَاهِينِهِ).

الشيخ: وهذه الآية فيها بيان شبهة المشركين الذين عبدوا بها الأصنام، وأنهم إنما عبدوها بزعمهم إلى أنها تقربهم إلى الله، وتشفع لهم عنده، وتقربهم إليه، وهذه شبهةٌ باطلة أبطلها الله تعالى؛ لأنهم بهذه الشبهة ساووا الله بملوك الدنيا، ملوك الدنيا يحتاج إلى وساطة، المالك أو الأمير أو الرئيس أو الوزير يحتاج غلى شفيع، يحتاج إلى من يقربه، الإنسان إذا كان له عنده حاجة يحتاج إلى من يقربه أو يعرفه عند الأمير أو الوزير أو الرئيس أو الملك، فهؤلاء المشركين شبهوا الله بخلقه، فقالوا إنا نعبد الملائكة نعبد الأصنام تقربنا إلى الله، تنقل حوائجنا إلى الله، وتشفع لنا عنده، وإلا فنحن نعلم أنها لا تنفع ولا تضر، فالنفع والضر بيد الله، كما قال تعالى في سورة يونس: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18]، وهنا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾[الزمر:3]، يعني يعبدونهم، هؤلاء اتخذوا من دونه أولياء، يعني اتخذوا صورًا على صور الملائكة، يعبدونهم، يزعمون أنها الملائكة تشفع لهم وتقربهم عند الله.

﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ﴾، التقدير قائلين، قائلين ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾، على الحذف، الحذف عند العرب يحذف ما دل عليه السياق، ﴿اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾، قائلين: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾، يعني لا نعبدهم لأنهم ينفعون أو يضرون أو لأنهم يخلقون ويرزقون، لا، الخلق والرزق بيد الله والنفع والضر بيد الله، لكن نعبدهم ليقربونا إلى الله وينقلون حواجنا إلى الله، نحتاج إلى وساطة بيننا وبين الله، فأبطل الله هذه الشبهة، الوساطة، ليس بين العبد وبين ربه وساطة، لا يوجد وساطة، الوساطة إلى الملوك والرؤساء في الدنيا، أما الله تعالى لا يحتاج غلى وساطة، هو يعمل حوائج عباده سبحانه وتعالى، ولا يحتاج لأحدٍ أن يعمله ولا أن يخبره ولا أن يقربه إلى الله، أنت تكون قريبًا إلى الله بإخلاصك وعبادتك لله وحده، تكون قريبًا من الله إذا أخلصت العبادة لله، وإذا وحدت الله.

﴿وَالذين اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ﴾، قائلين: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾، رد عليهم بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ﴾[الزمر:3]، حكم عليهم بالكذب وحكم عليهم بالكفر، حكم عليهم بالكذب في قولهم أنها تقربهم، لا تقربهم، تبعدهم من الله، وحكم عليهم بالكفر في أنهم إذا عبدوها مع الله كفروا، كانوا كفارًا بذلك.

وكما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ﴾[يونس:18]، هل تخبرون الله بشيء لا يعلمه في السموات والأرض، وهو لا يعلم أن له شفيع ولا شريك عنده، هل تنبؤون الله بشيء لا يعلمه، ثم حكم عليهم بالشرك، فقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[يونس:18].

فمن عبد مع الله غيره، دعا غير الله، وذبح لغير الله، ونذر لغير الله، أو صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله، فهو كافر بهذا العمل، وهو مشرك، وهو كاذب بقوله تقربه إلى الله أو تشفع عنده.

(ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ كَمَا يَزْعُمُهُ جَهَلَةُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَلَائِكَةِ، وَالْمُعَانِدُونَ مَنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي الْعُزَيْرِ، وَعِيسَى عليهما السلام.

الشيخ: فهذه ثلاثة الطوائف، المشركون قالوا الملائكة بنات الله، واليهود قالوا عزير ابن الله، والنصارى قالوا المسيح ابن الله، [17:30] الله، وكفرهم بهذا.

(فَقَالَ: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} أَيْ: لَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ مَا يَزْعُمُونَ. وَهَذَا شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ وُقُوعُهُ وَلَا جَوَازُهُ، بَلْ هُوَ مُحَالٌ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَجْهِيلَهُمْ فِيمَا ادَّعَوْهُ وَزَعَمُوهُ).

الشيخ: هذا شرط يسمى شرط تقديري، شرط لا يكون، مستحيل، {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، لاصطفى من خلقه ما يشاء، (لو) هذا شرط تقديري لا يكون، مثل قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾[الزمر:65]، والرسول معصوم من الشرك، فهذا شرط تقديري، فيه بيان مقادير، مقدار الشرك، وأن من وقع في الشرك فإنه يحبط عمله أين كان، وكذلك قوله: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى}، شرط تقديري، قدر {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ}، {لَوْ}، حرف امتناع الامتناع، وهذا مستحيل، لأن {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، لكن على غير ما يزعمون، {لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، ثم قال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[يونس:18].

 (كَمَا قَالَ: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:17] {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزُّخْرُفِ:81]، كُلُّ هَذَا مِنْ بَابِ الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ لِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ).

الشيخ: نعم، هذا شرط تقديري، وهو لا يكون.

كُلُّ هَذَا مِنْ بَابِ الشَّرْطِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ لِقَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ.

الشيخ: لمقصد المتكلم، المعنى واحد، يعني هذا شرط تقديري لا يكون، مثل قوله: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}، {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزُّخْرُفِ:81]، {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} [الْأَنْبِيَاءِ:17]، ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾[الزمر:65]، ﴿وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام:88]، كل هذا من باب الشرط التقديري الذي لا يكون، مستحيل، معلق على المستحيل لبيان مقادير الأشياء.

(وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}).

الشيخ: وهنا سبحانه نزه نفسه عن اتخاذ الولد، وعن زعم المشركين أنه اتخذ ولد، {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ}، أن يتخذ ولد، ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[يونس:18].

(وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، أَيْ: تَعَالَى وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ عَبْدٌ لَدَيْهِ، فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ.

الشيخ: كما قال تعالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾[مريم:95]، ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾[مريم:93]، كل من في السموات والأرض سيأتي معبد، مقهور، مذلل، ليس لله ولد، كل من في السموات والأرض يأتي يوم القيامة عبد لله، ذليل، مذلل، تنفذ فيه قدرة الله ومشيئته.

(وَقَوْلُهُ: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، أَيْ: تَعَالَى وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، فَإِنَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ عَبْدٌ لَدَيْهِ، فَقِيرٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ الَّذِي قَدْ قَهَرَ الْأَشْيَاءَ فَدَانَتْ لَهُ وَذَلَّتْ وَخَضَعَتْ.

الشيخ: {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، هو الله المعبود بالحق، في هذه الآية إثبات صفة الألوهية لله عز وجل، وفيه إثبات اسم العزيز، وإثبات الحكيم، وإثبات اسم الواحد، وإثبات اسم القهار، هذه من أسماء الله، عبد الله، عبد العزيز، عبد الحكيم، عبد الواحد، {سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، الذي قهر كل شيء وخضع له كل شيء سبحانه وتعالى.

الطالب: ثم قال تعالى: ({خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)}.

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ الْخَالِقُ لِمَا فِي السموات وَالْأَرْضِ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَأَنَّهُ مَالِكُ الْمُلْكِ الْمُتَصَرِّفُ، فِيهِ يُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}، أَيْ: سَخَّرَهُمَا يَجْرِيَانِ مُتَعَاقِبَيْنَ لَا يَقِرَّانِ. كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْلُبُ الْآخَرَ طَلَبًا حَثِيثًا، كَقَوْلِهِ تعالى).

الشيخ: لا يقران يعني لا يسفلان، ليسا ثابتين، يعني جاريان باستمرار، لا يقفان.

(كَقَوْلِهِ: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الْأَعْرَافِ:54] هَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِهِمْ.

وَقَوْلُهُ: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى} أَيْ: إِلَى مُدَّةِ مَعْلُومَةٍ عِنْدَ اللَّهِ ثُمَّ تَنْقَضِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ. {أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} أَيْ: مَعَ عِزَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ هُوَ غَفَّارٌ لِمَنْ عَصَاهُ ثُمَّ تَابَ وَأَنَابَ إِلَيْهِ).

الشيخ: {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ}، يعني خلقهما بالحق، بالعدل، قامت السموات والأرض بالحق وبالعدل، ﴿وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾[الجاثية:22]، فخلقهما بالحق، وقيامهما بالحق، شهدا لله تعالى بالوحدانية، وأنه المعبود بالحق، وأنه لا تنبغي العبادة غلا له، يستدل بها على قدرته ووحدانيته وإلهيته.

{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}، يعين أنه سبحانه وتعالى خلق الليل وخلق النهار يجريان، دائبين، كما قال تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[يس:40]، قال ابن عباس: في فلكة كفلكة المغزل، وكما قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾[الأعراف:54]، والليل لا يسبق النهار، ولا النهار يسبق الليل، ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[يس:40]، يعني يسيرون، {خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}، يستدل بذلك على أن الأفلاك مستديرة، في قوله: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}، فالتكوير هو التدوير، فليست السموات والأرض مربعة ولا مسدسة، وإنما هي مستديرة، ولهذا قال: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}.

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}، سخرهما تجريان، {كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى}، كل يجري، الليل يجري، والنهار يجري، والليل يطلب النهار، والنهار يطلب الليل، وهكذا يسيران حثيثًا إلى الموت الذي قدره الله.

{أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}، ألا هو الغزيز القوي، العزيز الجانب، الغفار لعباده، فيه إثبات العزيز وإثبات العفار، إثبات صفة المغفرة وإثبات العزة، وإثبات أسماء الله والعزيز والحكيم والغفار، والواحد، في هذه الآية خمسة أسماء وكل اسم مشتمل على صفة، القهار على صفة، فالله مشتمل على صفة الألوهية، العزيز صفة العزة، الغفار صفة المغفرة، الواحد صفة الأحدية، القهار صفة القهر.

ثم قال تعالى: ({خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} أَيْ: خَلَقَكُمْ مَعَ اخْتِلَافِ أَجْنَاسِكُمْ وَأَصْنَافِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ، وَهِيَ حَوَّاءُ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، كَقَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النِّسَاءِ:1].

وَقَوْلُهُ: {وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} أَيْ: وَخَلَقَ لَكُمْ مِنْ ظُهُورِ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ، أَزْوَاجٍ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} [الْأَنْعَامِ:143]، {وَمِنَ الإبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ} [الْأَنْعَامِ:144].

وَقَوْلُهُ: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} أَيْ: قَدَّرَكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ {خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} أَيْ: يَكُونُ أَحَدُكُمْ أَوَّلًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً، ثُمَّ يُخْلَقُ فَيَكُونُ لَحْمًا وَعَظْمًا وَعَصَبًا وَعُرُوقًا، وَيُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَيَصِيرُ خَلْقًا آخَرَ، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ:14].

وَقَوْلُهُ: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} يَعْنِي: ظُلْمَةَ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةَ الْمَشِيمَةِ -الَّتِي هِيَ كَالْغِشَاوَةِ وَالْوِقَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ -وَظُلْمَةَ الْبَطْنِ. كَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ [وَغَيْرُهُمْ].

وَقَوْلُهُ: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ} أي: هذا الذي خلق السموات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَخَلَقَكُمْ وَخَلَقَ آبَاءَكُمْ، هُوَ الرَّبُّ لَهُ الْمُلْكُ وَالتَّصَرُّفُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، {لَا إِلَهَ إِلا هُوَ} أَيِ: الَّذِي لَا تنبغي الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ، {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} أَيْ: فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ؟ أَيْنَ يُذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ؟!.

الشيخ: قال تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، وهي آدم، كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[النساء:1]، في سورة النساء، في سورة الأعراف: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾[الأعراف:189]، وهو آدم، خلقه الله وخلق من ضلعه حواء، ثم خلق منهما الناس، تكاثر الناس. ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾[الأعراف:189]، هنا قال: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، وهو آدم، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، وهي حواء، وكما في الحديث أن حواء خلقت من ضلع آدم.

{ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ}، وهي المذكورة في سورة الأنعام، من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الأبل اثنين، ومن البقر اثنين.

{وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ}، قوله: {وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ}، ما أنزل لكم من الأنعام، والحديد قال: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾[الحديد:25]، والمطر قال: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾[البقرة:22]، فهذا الإنزال مقيد، أنزل لكم من الأنعام، وأنزل المطر من السماء، ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾[الحديد:25]؛ لأن الحديد يؤخذ من الجبال وهي عالية.

{وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ}؛ لأن الأنعام تنزل من أعلى إلى أسفل، نزول المطر، أما قوله تعالى: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[الزمر:1]، فليس مقيد، فهو تنزيل من الله، هذا فيه الرد على المعتزلة الذين يقولون قوله: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[الزمر:1]، ينكرون علو الله، ويقولون: ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾[الزمر:1]، مثل ما انزل لكم من الأنعام، ومثل ما أنزل الحديد، نقول: هذا مقيد، وهذا مقيد بأنه من الله، ﴿تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ﴾[الزمر:1]، ﴿وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي﴾[السجدة:13].

{ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ}، يعني يخلق الإنسان الأول نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم خلق العظام، وتكسى العظام لحم، ثم إذا مضت أربعة أشهر أرسل الله ملك نفخ فيه الروح، وأمر بكتب رزقه وأجله وعمله وشقى أو سعيد، كما في الحديث الصحيح.

{يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ}، ظلمة البطن، وظلمة المشيمة وظلمة الرحم.

{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ}، إشارة لعظمة الله عز وجل، هذا هو الرب سبحانه، هو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي خلقكم، ذلكم ربكم، لا إله إلا هو، ولا معبود بحق سواه، [34:26]، {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}، كيف تصرفون عن عبادة الله؟!، أين عقولكم؟ أين ذُهب بكم، أين العقول؟ كيف تصرفون عن عبادة الله، وهذه عظمته، وهذا وصفه سبحانه وتعالى.

ثم قال تعالى: ({إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)}.

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى: أَنَّهُ الْغَنِيُّ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، كَمَا قَالَ مُوسَى: {إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إِبْرَاهِيمَ:8].

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا".

وَقَوْلُهُ {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} أَيْ: لَا يُحِبُّهُ وَلَا يَأْمُرُ بِهِ، {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أَيْ: يُحِبُّهُ مِنْكُمْ وَيَزِدْكُمْ مِنْ فَضْلِهِ.

{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَيْ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا، بَلْ كُلٌّ مُطَالَبٌ بِأَمْرِ نَفْسِهِ، {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: فَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ.

الشيخ: قف على قوله: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ}.

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، هذه الآية مشتملة على جمل، الجملة الأولى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ}، فيه أن الله تعالى غني عن عباده، وأنه سبحانه وتعالى لا تنفعه طاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي، وأن المطيع ينفع نفسه والعاصي يضر نفسه، والله تعالى لا يتضرر بأحد ولا ينتفع به أحد، بل هو النافع الضار،{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ}، وكفركم عائد عليكم.

{وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، فإن الله لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، بل هو يرضى لعباده الإيمان، ويرضى لهم الطاعة، {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}.

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ}، ولا يضره كفركم، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، بل يرضى لعباده الإيمان.

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}، إن تشكروا فإن الله تعالى يرضى ذلك ويزيدكم ويثيبكم.

{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، لا تحمل نفسٌ ذنب نفس، ولا تحمله عنها، ولو كان أقرب الناس إليه.

{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ}، إلى الله المرجع والمآب والحساب، {فَيُنَبِّئُكُمْ}، يخبركم {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، يجازيكم بأعمالكم، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، عليمٌ بما تخفي الصدور، فإذا كان يعلم خلجات النفوس، وما يخفي الإنسان في نفسه، فغيره من باب أولى.

فهذه الآية اشتملت على جمل:

  • الجملة الأولى أن الله تعالى غني عن الكافرين، {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ}.
  • الجملة الثانية أن الله لا يرضى لعباده الكفر.
  • الجملة الثالثة أن الله يرضى عن الشاكرين ويحب الشكر.
  • الجملة الرابعة، {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، لا تحمل نفسٌ عن نفسٍ شيئًا مهما كان، كان قريبًا أو بعيدًا.
  • الجملة الخامسة {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، فيه أن إلى الله تعالى المرجع والمآب والحساب، {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، فينبأ العباد بأعمالهم ثم يجازيهم عليها.
  • الجملة السادسة {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، إن الله عليم بخلجات النفوس، وما يُحدث الإنسان به نفسه، فهو لا يخفى عليه خافية سبحانه وتعالى.

هذه الآيات الكريمات فيها إثبات العبادة لله عز وجل وفيها توحيد الله عز وجل وأن الله تعالى له الدين الخالص، وأن من أشرك مع الله غيره فإن عمله مردود، فالدين الخالص لله عز وجل.

وفيه بيان شبهة المشركين أنهم يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله ويشفعوا لهم، وأبطلها الله سبحانه وتعالى.

وفيه أن الله تعالى منزه عن الولد وعن الصاحبة، وأن هذا مستحيل على الله عز وجل.

وفيه أن الله تعالى هو الخالق وهو في السموات والأرض.

وفيه أنه سبحانه وتعالى هو المدبر وهو المصرف في السموات والأرض.

وفيه إثبات أن السموات والأرض كلها كروية دائرة الشكل، وليست مسدسة ولا مربعة، بقوله: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}.

وفيه أن بني آدم خلقوا من نفس واحدة وهي آدم، فيه الرد على من يقول أن أصل الإنسان قرد، كما يقولون بعض الزنادقة وبعض النظريات الكافرة الذي يقولون أن أصل الإنسان قرد ثم تطور.

{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، وهو آدم، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}، وفيه أن حواء مخلوقةٌ من آدم، وفيه أن الناس تكاثروا من آدم وحواء، وفيه أن خلق الإنسان منطور في بطن أمه، نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، كما دل عليه الحديث.

وفيه أن الله تعالى هو المعبود بالحق.

وفيه إنكار على المشركين، كيف صرفوا عن عبادة الله مع هذه الآيات العظيمة والدلائل على وحدانيته.

وفيه أن الكافر كفره على نفسه، وأن الله تعالى لا يرضى لعباده الكفر، فهو غني عن عباده، فمن كفر فالله غني عنه.

وفيه أن الله لا يرضى الكفر والمعاصي والفساد، ولا يحب الفساد.

وفيه أن الله تعالى يحب الشكر ويرضى عن الشاكرين.

وفيه أنه لا يحمل أحدٌ عن أحدٍ شيئًا، سواء كان قليلًا أو كثيرًا، وكلٌ مطالب بعمله، وكل مجازىٍ بعمله.

وفيه إثبات الحساب والجزاء وأن المرجع إلى الله، والحساب وأن العباد كلهم راجعون إلى الله وسوف يحاسبهم.

وفيه إثبات علم الله، وأن الله لا يخفى على الله خافية، حتى خلجات النفوس وما يحدث الإنسان به نفسه [42:28].

وفيه إثبات الصفات، والأسماء لله، الله أعرف المعارف، إثبات الألوهية لله، وإثبات اسم العزيز والعزة لله، وإثبات الحكيم والحكمة لله، إثبات اسم الواحد، الوحدة لله، وإثبات القهار صفة القهر لله، إثبات العلم، وإثبات اسم الله العليم.

وفيه أن الله لا يخفى على الله خافية، حتى خلجات النفوس وما يحدث الإنسان به نفسه.

طالب آخر: (وخصها بالذكر مع أنه أنزل لمصالح عباده من البهائم غيرها لكثرة نفعها، وعموم مصالحها، ولشرفها، ولاختصاصها بأشياء لا يصلح غيرها؛ كالأضحية، والهدي، والعقيقة، ووجوب الزكاة فيها، واختصاصها بالدية)، ثم ذكر بعد ذلك [43:23].

الشيخ: يعني أن الإبل والبقر والغنم لها خصائص، الأضحية وغيرها، وهي بين الناس، وهي تعيش مع الناس، الإبل والبقر والغنم من الضأن والماعز، كل واحد منها اثنين، خلق غيره فيها الضباء والأرانب والدجاج، وفيها كذلك الطيور، وما أباح الله، كلها [43:55] لكن تختلف عنها، ليست الطيور والضباء والدجاج مثل الإبل والبقر والغنم، هذه بين يدي الناس ويربونها، منها الأضحية ومنها الهدي، ويبيعونها، ويتداولونها فيما بينهم، فلهذا خصها بهذه الخصائص

طالب آخر: الرضا صفة أم إخبار عن الله؟ [44:17].

الشيخ: الرضا صفة من صفات الله، ولا يعبد الصفة، يعبد الاسم.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد