رؤية المؤمنين لربهم
| المتن |
أقوال أهل العلم في رؤية المؤمنين لربهم
قَالَ المُؤَلِّفُ رحمه الله:
| اللشرح |
بين المؤلف -رحمه- الله هنا اعتقاد أهل السنة والجماعة في أن الرؤية حق لأهل الجنة بغير إحاطة ولا كيفية، ولم يذكر الرؤية قبل دخول الجنة.
والرؤيةُ قبل دخول الجنة، فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
القول الأول: أن المؤمنين يرون ربهم في المحشر؛ في الموقف قبل دخول الجنة؛ لا يراه إلا المؤمنون خاصة.
القول الثاني: أنه يراه أهل الموقف جميعًا؛ مؤمنهم وكافرهم، ثم يحتجب عن الكفرة، فلا يرونه بعد ذلك.
القول الثالث: أنه يراه المؤمنون والمنافقون؛ لما ثبت في «الصحيحين» من أن الكفرة يساقون إلى النار، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، وأن الله يتجلى لهم([1]).
هذه ثلاثة أقوال لأهل العلم؛ أما رؤية المؤمن لربه في الجنة بعد الموقف؛ فهذه لا شك فيها، ومسألة رؤية المؤمنين لربهم في الجنة من أشرف مسائل أصول الدين، وهي التي لأجلها شمَّر المشمرون، وتنافس المتنافسون، ولأجلها حُرم الذين هم عن ربهم محجوبون، وعن بابه مطرودون.
وهي من المسائل التي اشتد النـزاع فيها بين أهل السنة وبين المخالفين لهم من أهل البدع؛ كمسألة الكلام، وكذلك أيضًا: مسألة العلو؛ علو الله فوق سمواته، وفوق عرشه. فهذه المسائل الثلاث، وهذه الصفات الثلاثة هي العلامة الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، فهذه قاعدة: فمن أثبت رؤية الله في الآخرة، وأثبت كلام الله، وأن الله يتكلم بحرف وصوت، وأن كلام الله لفظ ومعنى، فهو من أهل السنة، ومن أنكرها أو نفاها: فهو من أهل البدعة.
ومسألة الرؤية: مسألة أيضًا اشتد النـزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع؛ مثل مسألة الكلام، فأهل البدع لهم مصنفات ومؤلفات يستعرضون أدلة أهل السنة ويردون عليها، كما أننا نستعرض أدلة الخوارج([2]) والمعتزلة، وأدلة الأشاعرة ونرد عليها، وقد وَزَّعتْ بَعْضَ الرسائلِ من سنتين بعضُ الطوائف، منها: رسالة في المسجد الحرام، فيها نفي الرؤية، ونفي الكلام، ونفي العلو والفوقية، ويقولون فيها: إن هذا هو الحق؛ فيردون على أهل السنة، ويسمون أنفسهم: أهل الحق والاستقامة، فلا يَظُنَنَّ ظانٌّ أن بحثَ مثل هذه المسائل بعيدٌ عَنَّا؛ قد انقضى دهره وفاتَ آوانُه؛ بل الذين يتبنون نفي الرؤية من المعتزلة والخوارجِ الإباضيةِ؛ هم موجودون الآن، وكذلك الكلابية والأشعرية، ولهم مؤلفات في هذا الباب، ولذلك ينبغي على طالب العلم اتباع السنة، ومنهج السلف الصالح، وأهل السنة والجماعة.
أقوال المذاهب في رؤية الله في الآخرة:
والواجب على الإنسان أن يلزم الحق، وأن يبحث عن ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فيعمل به، ويعمل بما قرره أهل السنة والجماعة من الحق المأخوذ من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ؛ فرؤية الله في الآخرة مسألة عظيمة من أشرف مسائل أصول الدين.
وقد اختلف الناس في رؤية الله في الآخرة على ثلاثة مذاهب مشهورة:
المذهب الأول: مذهب أهل السنة والجماعة: وهم الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ومن تبعهم من الأئمة؛ أن الله يُرى في الآخرة بالأبصار عيانًا؛ مواجهةً لهم، وهذا مذهب الصحابة والتابعين والأئمة وتابعيهم، وأئمة الدين كالأئمة الأربعة - أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد- وسفيان الثوري، وأبي عمرو الأوزاعي، والليث بن سعد، وأبي يوسف، وغيرهم من الأئمة والعلماء، وكذلك أيضًا سائر الفقهاء، وأهل الحديث: كلُّهم على هذا الاعتقاد، وكذلك بعض الطوائف التي تنتسب إلى الحديث: كالكّرامية، والسالمية: كلهم يثبتون أن الله يرى في الآخرة بالأبصار عيانًا؛ مواجهةً؛ فهم يثبتون رؤية الله بالإبصار، ويثبتون الفوقية أيضًا؛ وأنهم يرون ربهم من فوقهم، فهم يثبتون الأمرين: يثبتون الفوقية والعلو، ويثبتون الرؤية([3]).
المذهب الثاني: نفاةُ رؤيةِ الله في الآخرة؛ وهم القائلون بأنَّ الله لا يُرى في الآخرة، ولا يُرى بالأبصار، وليس له جهة، وليس له مكان؛ فهؤلاء نفوا الرؤية، ونفوا الفوقية، وهذا مذهب الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، والإمامية([4])؛ فإن الإمامية لهم قولان: القدماء من الإمامية وهم الرافضة؛ يثبتون الرؤية، وجمهور المتأخرين؛ ينفون الرؤية؛ فيكون نفي الرؤية هو مذهب الجهمية، والمعتزلة، والخوارج، وجمهور المتأخرين من الإمامية، ويسمون الإمامية؛ لأنهم يقولون: بإمامة اثني عشر إمامًا، فهؤلاء ينفون الأمرين؛ ينفون الرؤية، وينفون الفوقية والعلو، ويقولون: إن الله ليس له مكان؛ فليس فوق المخلوقات؛ بل هو في كل مكان -نسأل الله السلامة والعافية-.
المذهب الثالث: مذهبٌ بين مذهب أهل السنة، وبين مذهب الجهمية، وهم القائلون: إن الله يُرى لكن ليس في جهة؛ فأثبتوا الرؤية ونفوا الفوقية والعلو، فقالوا: يُرى لا في جهة، وهذا مذهب طائفة من الكلابية والأشاعرة، فهم مذبذبون بين هؤلاء وبين هؤلاء؛ حيث أثبتوا الرؤية؛ فكانوا مع أهل السنة، ونفوا العلو والفوقية؛ فكانوا مع المعتزلة، وتجد في الغالب أن مذهب الأشاعرة مذبذب بين هؤلاء وبين هؤلاء، ولهذا يسميهم بعض العلماء «خناثى» أي: لا أنثى ولا ذكر.
أدلة أهل السنة في مسألة إثبات الرؤية:
وأهل السنة اعتصموا بالكتاب والسنة، واستدلوا بالنصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ على إثبات الرؤية، واستدلوا أيضًا بالإجماع والعقل الصريح وأدلتهم كثيرة في هذا الباب منها:
أدلتهم من القرآن الكريم:
الدليل الأول: قول الله تعالى: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [سورة ق آية: 35]، والمعنى: أن المؤمنين لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ أي: في الجنة وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ أي: رؤية الله في الآخرة، فقد فسر العلماء المزيد بأنه: رؤية الله في الآخرة.
الدليل الثاني: قول الله -تعالى-: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [سورة يونس آية: 26]، والحسنى المراد بها: الجنة، والزيادة: النظر إلى وجه الله الكريم؛ كما جاء تفسير ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم بأن «الزِّيَادَةُ هِيَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللهِ الكَرِيمِ»([5]).
الدليل الثالث: قول الله -تعالى-: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [سورة القيامة آية: 22- 23]، ناضرة –بالضاد- من النضرة والبهاء والحسن، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [سورة القيامة آية: 23] -بالظاء- من النظر بالعين، ووجه الدلالة من الآية على أن الله يرى في الآخرة: أن الله أضاف النظر إلى الوجه الذي هو محله، وعدَّاه بأداة (إلى) الصريحة في نظر العين، وأخلى الكلام من قرينة تدل على خلاف حقيقة موضوعه؛ فدلَّ على أن المرادَ: النظرُ بالعين التي في الوجه، إلى الرب وذلك: أن النظر له عدة استعمالات، بحسب صِلاته وتعْدِيَتِهِ:
فالنظر إذا عُدّي بنفسه فمعناه: التوقف والانتظار؛ كقوله تعالى: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [سورة الحديد آية: 13]؛ أي: توقفوا وانتظروا.
وإذا عُدّي بـ«في» فمعناه: التفكر والاعتبار؛ كقوله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة الأعراف آية: 185].
وإذا عُدّي بـ«إلى» فمعناه: المعاينة بالأبصار؛ كقوله: انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [سورة الأنعام آية: 99].
فقوله هنا: إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ : معناه: النظر بالعين.
الدليل الرابع: قول الله تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [سورة المطففين آية: 15] وجه الدلالة: أن الله أخبر أن الكفار محجوبون عن الله فلا يرونه؛ فدلَّ على أن أولياءه يرونه، وإلا فلو كان المؤمنون لا يرونه؛ لتساووا هم والكفار في الحَجْب، فلمَّا أن حجب الكفار؛ دلَّ على أن المؤمنين لا يُحجبون؛ وبهذا استدل الإمام الشافعي -رحمه الله- فقال: لما أن حجب هؤلاء في السخط دل أن أولياءه يرونه في الرضا.
هذه أمثلة من الكتاب العزيز على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة.
وأما السنة: فالأحاديث فيها متواترة رواها من الصحابة نحو ثلاثين صحابيًّا؛ فهي في «الصحاح» و«السنن» و«المسانيد»، و«المعاجيم»، ساقها العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح»([6])، ومن المعلوم أن المتواتر يفيد العلم القطعي؛ فلا تجوز مخالفته، ومع ذلك خالف الجهمية والمعتزلة هذه النصوص؛ وهي متواترة؛ ومِنْ أمثلتها:
الدليل الأول: ما ثبت في «الصحيحين» عن أبي هريرة : أَنَّ النَّاس قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ -رسول الله ﷺ-: هَلْ تُضَارُّونَ فِي القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ؟ قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ. ([7]).
الدليل الثاني: ما ثبت في «الصحيحين» من حديث جرير بن عبدالله البجلي قال: كُنَّا مع النبي ﷺ فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ يعني: البَدْرِ - فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ. ([8]).
الدليل الثالث: حديث أبي موسى الأشعري عن النبي ﷺ أنه قال: جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلى رَبَّهُم إِلَّا رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ. ([9]) رواه الشيخان.
الدليل الرابع: حديث عدي بن حاتم وفيه: ثُمَّ لَيَقِفَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدي الله، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ وَلَا تَرْجُمَانُ يُتَرْجِمُ لَهُ ثُمَّ ليقولنَّ له: ألم أُوتِك مَالاً؟ فليقولَنَّ: بَلى، ثُمَّ ليقولَنَّ: ألمْ أُرْسِلْ إليكَ رَسُولاً؟ فَليقولَنَّ: بَلَى... ([10])؛ والشاهد في الحديث قوله : لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ، وهذا صريح في الرؤية.
الدليل الخامس: ما ثبت في «صحيح مسلم» من حديث صهيب الرومي أن النبي ﷺ قال: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ قال: يقولُ اللهُ تَبَارك وَتَعَالى: تُريدونَ شيئاً أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الجَنَّةَ وَتُنْجِنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيُكْشَفُ الحِجَابُ، فَمَا أُعْطُوْا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهم ([11]) رواه الإمام مسلم في «صحيحه».
هذه أمثلة من النصوص المتواترة، وهي كثيرة كما سبق، ولما ساق العلامة ابن القيم -رحمه الله- هذه النصوص قال بعد ذلك: فكأنك تشاهد رسول الله ﷺ وهو يقول ذلك ويبلغه للأمة، ولا شيء أقر لأعينهم منه.
وشهدت الجهمية والفرعونية([12])، والرافضة، والقرامطة([13])، والباطنية([14])، وفرق الصابئة([15]). والمجوس([16])، واليونان بكفر من اعتقد ذلك وأنه من أهل التشبيه والتجسيد، وساعدهم على ذلك كل عدو للسنة وأهلها، والله ناصرٌ كتابه وسنة رسوله ولو كره الكافرون([17]).
الرد على شبه نفاة الرؤية
يقول ابن القيم: إن هؤلاء الجهمية والفرعونية والرافضة وغيرهم شهدوا بكفر من أثبت الرؤية؛ وقالوا: إنه من أهل التشبيه والتجسيم؛ لأنه شبه الله بخلقه؛ لأن الذي يُرى هو الجسم الذي يكون محدودًا ومجسَمًا؛ أما الرب فلا يُرى؛ لأنه بجسم وليس محدودًا، وليس له مكان يحصره، هكذا يقولون! من أثبت العلو وأن الله له مكان، وأثبت الرؤية: فهو كافر؛ لأنه مشبه ومجسم؛ ولهذا: فأهلُ البدع من هذه الأصناف يكفرون أهل السنة والجماعة.
وقد أجابوا عن هذه النصوص من الكتاب والسنة، بالتأويل والتحريف، وقالوا على لسان بشر المريسي الجهمي المعتزلي: إن المراد بالرؤية في هذه الأحاديث: الرؤية القلبية، وهي: العلم، فمعنى قول النبي ﷺ: تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ. ([18])، والمراد: تعلمون ربكم؛ لا تعتريكم فيه الشكوك والريب؛ كما تعلمون في القمر أنه قمر، وليس المراد الرؤية بالأبصار.
قالوا: وأنتم أيها المشبهة -يعنون أهل السنة- توهمتم أن المراد بالرؤية؛ الرؤية بالأبصار، وهذا تشبيه منكم للربِّ وتنقص له، فليس المرادُ: الرؤيةَ بالبصر؛ لأن هذا تشبيه وتجسيم، وإنما المراد: الرؤية بالقلب.
وقالوا: اللغة العربية تدل على ما قلنا؛ فالعرب تقول للأعمى: ما أبصره! يعني: ما أعلمه، فالمراد: العلم، وتقول العرب: نظرت في المسألة، وليس للمسألة جرم ينظر إليه، وليس المراد: الرؤيةَ -كما توهمون- بالأبصار؛ لأن الله نفى ذلك عن نفسه بقوله: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ [سورة الأنعام آية: 103].
قالوا: والدليل على ما قلنا: أن الرؤية بمعنى العلم؛ نصوصٌ كثيرة، منها: قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ [سورة الفيل آية: 1]؛ أي: ألم تعلم؛ فدل على أن الرؤية في هذه النصوص المراد بها: العلم.
هذا هو جواب نفاة الرؤية عن هذه النصوص.
وأجاب أهل السنة عن هذا الاعتراض بأجوبة:
الجواب الأول: أن النبي ﷺ فسر الرؤية في هذه الأحاديث برؤية البصر، فالنبي ﷺ قرن التفسير بالحديث فلم يدع لمتأول مقالًا؛ فقال: تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ. ([19])، وهذا صريح في رؤية العين؛ أي: الرؤية بالبصر.
الثاني: أن تفسير الرؤية بالعلم تفسير مخالف لتفسير النبي ﷺ، مع كونه لم يُؤْثر عن عالم أنه فسر الرؤية في هذه الأحاديث بالعلم، إلا جاهل ظالم، فكيف يترك تفسير رسول الله ﷺ المقرون بحديثه، إلى تفسير جاهل ضال، ليس له مستند، ولا يؤثر عن عالم؟!
الجواب الثالث: أن أهل اللغة أجمعوا على أن اللقاء إنما يكون معاينة بالأبصار، فنقل أبو العباس أحمد بن يحيى المعروف بـ«ثعلب»؛ إجماعَ أهل اللغة أن المراد باللقاء في قول الله : وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا تتَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [سورة الأحزاب آية: 43- 44] أن اللقاء هو: المعاينة بالأبصار؛ نقله عنهم بسندٍ صحيح؛ فإجماعُ أهل اللغة على أن اللقاء هو: المعاينة بالأبصار.
رابعًا: أن النبي ﷺ قال: إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ. ([20])؛ فأدخل كاف التشبيه على ما المصدرية الموصولة بـترون التي تُؤَوَّلُ مع صلتها بالمصدر، وهي الرؤية، فيكون المعنى: إنكم ترون ربكم كرؤية الشمس والقمر، ومعلوم أننا نرى الشمس والقمر بأبصارنا؛ من فوقنا، فيجب أن تكون رؤية الله كذلك بالأبصار من فوق.
الخامس: أننا لا ننكر أن الرؤية لها معان متعددة؛ فتكون بالبصر، وتكون بالقلب، وتكون رؤية رؤيا منامٍ؛ كقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ. ([21])؛ أي: في النوم، ولكن لا بد من قرينة تبين المعنى المراد، وأي قرينة فوق هذه القرينة في قوله ﷺ: فَهَلْ تُمَارُونَ في رُؤية الشمسِ لَيْس دونها سَحابٌ؟ قالوا: لا، قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ... ([22])؛ فهل هذا مما يتعلق برؤية البصر أو مما يتعلق برؤية القلب؟! وهل يخفى هذا على ذي البصيرة؟!
السادس: أن تفسير الرؤية بالعلم تفسير مخالف لتفسير النبي ﷺ، ومخالف للغة، ويترتب عليه فساد المعنى، مع ما فيه من المعاندة لرسول الله ﷺ؛ فإن تفسيركم أيها النفاة للرؤية بالعلم وقولكم: معنى إنكم ترون ربكم كما ترون القمر أي: تعلمون أن لكم ربًّا؛ لا تشكون في ربوبيته، كما لا تشكون في القمر أنه قمر، نقولُ جواباً عليه: هذا الشك زائل عن المؤمنين وعن الكفار يوم القيامة؛ لأنه في موقف القيامة كُلٌّ يعلم ربه؛ حتى الكفرة، وحتى النفاة، وحتى من أنكروا وجود الله؛ إذا كان يوم القيامة علموا بربهم وتيقنوا ربهم، فالشك في الربوبية زائل عن جميع أهل الموقف؛ مؤمنهم وكافرهم، والنبي ﷺ خص المؤمنين بالرؤية وبشرهم هذه البشرى؛ فما قيمة هذه البشرى، وما فائدة تخصيص المؤمنين بالرؤية إذا كان المراد بها مجرد العلم؟! فتفسير الرؤية بالعلم في هذه الأحاديث -مع كونه مخالفًا للغة- يُفْسِدُ المعنى ولا يكون للحديث معنًى سليم، مع ما فيه من المعاندة للرسول ﷺ .
لكن النفاة للرؤية -لما أجيبوا بهذه الأجوبة- قالوا: ألجأنا إلى نفي رؤية الله في الآخرة، حُكْمُ العقل بأن رؤيته -تعالى- محال؛ لا يُتصوَّر إمكانها؛ فهم يرون -كما سيأتي في أدلتهم- أن الله ليس بجسم، ولا داخل العالم، ولا خارجه، وما كان كذلك لا تمكن رؤيته، ولا يتصور إمكانها.
وأجاب أهل السنة: فقالوا: قولكم: إن العقل يحكم بأن الرؤية محالة؛ فهذه دعوى خالفكم فيها أكثر العقلاء، بل لو عُرض على العقل السليم موجودٌ قائمٌ بنفسه لا يمكن رؤيته لحكم بأن هذا محال.
دليل الإجماع:
أجمع الصحابة والتابعون ومن بعدهم من الأئمة قبل مجيء الجهمية، والرافضة، والمعتزلة، والخوارج، على أن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم عيانًا في الآخرة، وما زال العلماء والأئمة وأهل السنة يتناقلون هذا الإجماع؛ يرويه المتأخر عن المتقدم، والمتقدم يورثه للمتأخر؛ يقرِّرُون ذلك، ويفتون بذلك، ويقولون، ويتجملون به، ويتوارثونه جيلًا عن جيل، وقرنًا بعد قرن؛ بل كان من أكثر رجائهم، وأجزل ثوابهم عند الله؛ أنهم يرونه في الآخرة، فأنتم أيها النفاة نفيتم أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة، وهو: الرؤية! وقد نقل البيهقي -رحمه الله- إجماع الصحابة على إثبات الرؤية([23])، ولا زال أهل السنة والجماعة والأئمة والعلماء يؤلفون في تقرير ذلك وإثباته المؤلفات، ويعدون من أنكر الرؤية معطلًا؛ من شَرِّ أهل التعطيل.
ومن تراجمهم في تلك الكتب والمؤلفات: باب إثبات الرؤية والرد على الجهمية، باب الوعيد لمنكر الرؤية، كما فعل شيخ الإسلام وغيره -رحمه الله-.
أما دليلهم من العقل فقالوا: إن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلا بموجود، ومَنْ كان أكمل وجودًا؛ كان أحق بالرؤية من غيره، والله -تعالى- أكمل وجودًا من غيره؛ فهو أحق أن يرى من غيره، يوضح ذلك: أن تعذّر الرؤية إما لخفاء المرئي وإما لضعفٍ وآفةٍ في الرائي، والله -تعالى- ليس به خفاء؛ فهو أظهر من كل موجود، وإنما تعذرتْ رؤيتُه في الدنيا؛ لضعف القوة الباصرة؛ فإذا كان يوم القيامة نُشِّئ المؤمنون تنشئة قوية؛ بجوارح وأبصار قوية؛ يتحمّلون بها رؤية الله في الآخرة؛ أما في الدنيا: فلا يستطيعون أن يروا الله؛ لضعف بشريتهم؛ ولهذا لما سأل موسى ربه الرؤية قال الله: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ [سورة الأعراف آية: 143]، فلما تجلى الله للجبل تدكدك الجبل وخر موسى صعقًا. وإذا كان الإنسان في الدنيا لا يستطيع أن يرى الشمس وَيُحِدَّ النظرَ إليها؛ وهي مخلوقة؛ فكيف يستطيع أن يرى الله؟! بل إن الإنسان لا يستطيع أن يرى الـمَلَكَ على صورته إلا إذا قوَّاه الله؛ قال الله -تعالى-: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا [سورة الأنعام آية: 9]، وقال تعالى: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ [سورة الأنعام آية: 8]، يعني: لمات، فلا يستطيع الإنسان أن يرى الملك على صورته، والنبي ﷺ لما رأى الملَكَ على صورته رعب رعبًا شديدًا وذهب إلى زوجته، وقال: دَثِّرُونِي دَثِّرُونِي، لكن قوَّاه الله. فإذا كان الإنسان لا يستطيع رؤية الملَك ورؤية الشمس؛ فكيف يستطيع أن يرى الله في الدنيا؟! لكن في الآخرة ينشئهم الله تنشئة قوية يتحملون فيها رؤية الله .
هذه أدلة أهل السنة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة.
أما الكلابية والأشاعرة فقد أثبتوا الرؤية، ونفوا الجهة والفوقية؛ وأرادوا بذلك: أن يجمعوا بين الاعتقادين: بين اعتقاد نفي الجسمية عن الله، وبين إثبات الرؤية لما ليس بجسم بالحس، فأرادوا أن يثبتوا الرؤية؛ لأنهم لم يجرؤوا على إنكارها، ولم يستطيعوا ذلك؛ لأن النصوص وردتْ بها، لكن أرادوا أن يوافقوا المعتزلة في نفي الجهة والفوقية؛ فهم لا يريدون أن يفارقوا المعتزلة في هذا الاعتقاد؛ أي: في نفي الفوقية عن الله والعلو؛ لأن كلاهما ينفيان أن يكون الله جسماً؛ ولا يكون المكان إلا للأجسام؛ فما دام أنَّ الله ليس بجسم: فلا يكون له مكان، فأراد الأشاعرة أن يكونوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية، وأن يكونوا مع المعتزلة في نفي الجهة والفوقية، فعجزوا عن ذلك؛ فلجؤوا إلى حجج السفسطائية؛ وهي الحجج المموهة، التي توهم أنها حجة وليست بحجة؛ لأن الحجج أقسام:
فهناك حجج يقينية؛ تفيد اليقينَ، وهناك حجج دون اليقين، وهناك حجج موهمة مرائية؛ وهي: التي توهم أنها حجة وليست بحجة، وهذه كحجة الأشاعرة هنا، كما أن الناس أقسام؛ فمن الناس من هو فاضل تام الفضيلة، ومن الناس من هو دون ذلك في الفضل، ومن الناس من هو مراءٍ يوهم أنه فاضل وليس بفاضل، فلما عجزوا عن ذلك قالوا: نثبت الرؤية، وننفي الجهة والفوقية فقالوا: إن الله يُرى لا في جهة؛ لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا شمال.
ناقشهم أهل السنة بجوابين:
الجواب الأول: وهو أن يقال: إنكم أيها الكلابية والأشاعرة انفردتم بهذا القول عن طوائف بني آدم، وخرجتم به عن ضرورات العقل، فإنه في بداءة العقول أن كل مرئي لا بد أن يكون مواجهًا للرائي؛ مباينًا له، لا يمكن أن يكون هناك مرئي قائم بنفسه إلا بجهةٍ للرائي، أما أن يوجد مرئي ليس في جهة فهذا لا يُعقل.
ولهذا ضحك جمهور العقلاء من الكلابية والأشعرية حينما أثبتوا الرؤية ونفوا الجهة، قالوا: هذا لا يمكن ولا يُتصور؛ ولهذا أنكر على الكلابية والأشاعرة جميع طوائف بني آدم وضحكوا من إثباتهم الرؤية وإنكارهم الجهة والفوقية؛ ولهذا تسلط عليهم المعتزلة وقالوا: أنتم الآن وقعتم في الفخ؛ كيف تثبتون الرؤية ولا تثبون الجهة؟! لا بد أن تثبتوا الجهة والفوقية؛ فتكونوا أعداءً لنا مع المشبهة، أو تنفوا الرؤية؛ فتكونوا معنا، أما أن تبقوا مذبذبين؛ تثبتون الرؤية، وتنكرون الجهة والفوقية؛ فهذا غير معقول، ولا يمكن.
الجواب الثاني: ما جاء في الأحاديث المتواترة عن النبي ﷺ الصريحة في أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة؛ كما في الحديث : أن النبي ﷺ سئل هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ؟ قَالُوا: لَا قَالَ: فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ. ([24])، وفي الحديث الثاني يوم القيامة؟ قال رسول الله ﷺ قال: هَلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بالظهيرة صَحْواً لَيْسَ مَعَها سحاب؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ لَيلَةِ البَدْرِ صَحْواً لَيْسَ فيها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: ما تُضَارُّون في رُؤْيَةِ الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ أحدهما.... ([25])، وفي الحديث الآخر: تَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَيَانًا. ([26])، يعني: مواجهةً، فهذه النصوص صريحة في أننا نرى ربنا كما نرى الشمس والقمر، ونحن نرى الشمس والقمر من فوقنا عيانًا. فالأحاديث صريحة في هذا، وليس المراد من الأحاديث: تشبيه الله بالقمر والشمس -تعالى الله عن ذلك- بل المراد: تشبيه الرؤية بالرؤية؛ والمعنى: أننا نرى ربنا يوم القيامة رؤيةً واضحة؛ لا لبس فيها؛ كما أننا نرى الشمس والقمر رؤية واضحة؛ لا لبس فيها؛ من فوقنا، فالله ليس له مثيل : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [سورة الشورى آية: 11]، سبحانه هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [سورة مريم آية: 65].
وبطل بهذا دعوى الكلابية والأشاعرة من أنه يمكن أن تكون هنالك رؤية بلا جهة؛ لكنهم لـمَّا ألزموا بذلك وضُيِّق عليهم الخناق؛ قالوا: عندنا دليل عقلي على أن الرؤية ممكنة بدون جهة؛ وهو أن الإنسان يرى صورته في المرآة وليس في جهة منها؛ فهذه رؤية بدون جهة؛ فكذلك الله يُرى لا في جهة.
أجاب أهل الحق: بأن هذا تلبيس منكم أيها الكلابية والأشاعرة؛ فإن الإنسان لا يرى صورته الحقيقية في المرآة، وإنما يرى خيال صورته التي تنطبع في الجسم الصقيل، وهو أيضًا في جهة منها؛ فتبين بهذا أن هذا الدليل العقلي الذي زعموه: لا قيمة له، وبطل بهذا مذهبُ الأشاعرة والكلابية.
ومع أنه يلزم الكلابية والأشاعرة أن يثبتوا الجهة والعلو، حتى يكونوا من أهل السنة، أو ينفوا الرؤية فيكونوا كالمعتزلة، وأنه لا يمكن لهم البقاء على هذا المذهب، ومع ذلك: فهم أقرب إلى الحق من المعتزلة –نفاة الرؤية-؛ لأن من أثبت شيئًا من الحق؛ فهو أقرب؛ ولو كان متناقضًا؛ لأنهم أثبتوا الرؤية وهي حق، وإن كان يلزمهم أن يثبتوا الفوقية والعلو.
وأما النفاة الذين ينفون رؤية الله في الآخرة مثل: الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية، فلهم شبه عقلية، وشبه شرعية، والمراد بالشبه الأدلة، لكن إذا كان المستدِل غير محق سمي ما لديه من الأدلة شبهًا.
والأصل الذي قادهم إلى هذا هو اعتمادهم على العقل، وهو الأساس عند المعتزلة النُّفاة، فبلاؤهم إنما جاءهم من تقديم العقل على النقل، وَجَعْلِ العقل أساس فهمهم، وَتَرْكِهم كتاب الله وراءهم ظهريًّا؛ فلما اعتمدوا على العقل: أوَّلوا النصوص التي تدل على إثبات الرؤية؛ فلما كان العقل هو الأصل والأساس عند النفاة، حرّفوا لأجله النصوص من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله ﷺ حتى يوافق عقولهم.
| الحواشي|
([1]) أخرجه البخاري (806)، ومسلم (182) من حديث أبي هريرة .
([2]) سموا بهذا؛ لخروجهم على علي ، ونزلوا بأرض حروراء فسموا بالحرورية، وهم الذين يكفّرون أصحاب الكبائر ويقولون بأنهم مخلدون في النار، كما يقولون بالخروج على أئمة الجور، وأن الإمامة جائزة في غير قريش، وهم يكفرون عثمان، وعليًا، وطلحة، والزبير، وعائشة ، ويعظمون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. انظر: «الفصل في الملل والنحل» (2/113)، و«الملل والنحل» (1/154)، و«اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» (150).
([3]) انظر: «مجموع الفتاوى» (6/489)، (12/117، 247، 248، 297)، و«منهاج السنة النبوية» (2/255)، و«بيان تلبيس الجهمية» (7/4-191)، و«حادي الأرواح» (ص204).
([4]) من فرق الرافضة سموا بالإمامية؛ لأنهم يقولون بإمامة الاثني عشر. ويُسَمَّوْنَ الرافضة؛ لرفضهم زيد بن علي، حينما عَدَّ أبا بكر وعمر، فترحَّمَ عليهما، وقال: هما وزيرا جدي رسول الله ﷺ؛ فرفضوه. فقال: رفضتموني. رفضتموني.
([5]) أخرجه مسلم (181) من حديث صهيب، وسيأتي لفظه.
([6]) انظر الباب الخامس والستين من الكتاب (ص 196).
([7]) أخرجه البخاري (7438) والسياق له، ومسلم (182).
([8]) أخرجه البخاري (554) والسياق له، ومسلم (633).
([9]) أخرجه البخاري (7444)، ومسلم (180)، بهذا السياق.
([10]) أخرجه البخاري (1413)، ومسلم (1016).
([11]) أخرجه مسلم (181)، هكذا من طريق عبدالرحمن بن مهدي، ثم أخرجه من طريق يزيد بن هارون، وفيه زيادة، وهي: «ثم تلا هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ.
([12]) لقب يطلق على نفاة العلو.
([13]) هم أتباع حمدان القرمطي، وكان رجلًا متواريًا صار إليه أحد دعاة الباطنية، ودعوه إلى معتقدهم فقبل الدعوة، ثم صار يدعو الناس إليها، وضل بسببه خلق كثير، وكان ظهورهم في عام 281هـ في خلافة المعتضد، ودخلوا مكة سنة 317هـ، واقتلعوا الحجر الأسود، وقتلوا المسلمين في الحرم، وقد أعيد الحجر الأسود إلى مكة سنة 339هـ على يد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي النيسابوري رحمه الله. انظر: «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» (122).
([14]) سموا بذلك؛ لأنهم يقولون: إن للنصوص ظاهرًا وباطنًا، ولكل تنزيل تأويلًا. ولهم ألقاب كثيرة: منها: القرامطة، والخرمية، والإسماعيلية، والمزدكية، والتعليمية، والبابكية، والسبعية، والملحدة. ومنهم: النصيرية، والدروز، وهم يعتقدون أن الإله لا يوصف بوجود ولا عدم، ولا هو معلوم ولا مجهول، ومذهبهم في النبوات قريب من مذهب الفلاسفة، ويقولون: إنه لا بد في كل عصر من إمام معصوم قائم بالحق، يُرجع إليه في تأويل الظواهر، واتفقوا على إنكار القيامة، والمنقول عنهم الإباحة المطلقة، ورفع الحجاب، واستباحة المحظورات، وإنكار الشرائع، وهم ينكرون ذلك إذا نُسب إليهم. انظر: «الملل والنحل» للشهرستاني (2/29، 32)، و«اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» (119)، و«فضائح الباطنية» للغزالي (11، 40، 46).
([15]) الصابئة: في «الملل والنحل» للشهرستاني (2/70)، و«الفِرَقُ في زمان إبراهيم الخليل» راجعه إلى صنفين: الصابئة والحنفاء، ويذكر أن كلا الصنفين قال:
إنا نحتاج في معرفة الله وطاعته إلى متوسط، لكن قالت الصابئة: يجب أن يكون ذلك المتوسط روحانيًا لا جسمانيًا، وقالت الحنفاء: بل يكون من جنس البشر، وتكون له العصمة والتأييد.
يقول الشهرستاني (2/71): «ثم لما يتطرق للصابئة الاقتصار على الروحانيات البحتة، فزعت جماعة إلى هياكلها وهي السيارات السبع وبعض الثوابت».
وفي (2/95) يرجع لقب «الصابئة» إلى اللغة فيقول: «قد ذكرنا أن الصبوة في مقابلة الحنيفية، وفي اللغة: صبا الرجل إذا مال وزاغ، فبحكم ميل هؤلاء عن سنن الحق وزيغهم عن نهج الأنبياء قيل لهم الصابئة».
ويقول ابن تيمية «الرد على المنطقيين» (ص 288): «إن الصابئة نوعان: صابئة حنفاء موحدون، وصابئة مشركون.
فالأولون هم الذين أثنى الله عليهم بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة: 62].
ويقول البيروني «الآثار الباقية عن القرون الخالية» (ص205) عن صابئة حران: «ونحن لا نعلم منهم إلا أنهم أناس يوحدون الله، وينزهونه عن القبائح، ويصفونه بالسلب لا الإيجاب، كقولهم: لا يُحدّ، ولا يُرى، ولا يَظلم، ولا يجور، ويسمونه بالأسماء الحسنى مجازًا إذ ليس عندهم صفة بالحقيقة، وينسبون التدبير إلى الفلك وأجرامه، ويقولون بحياتها ونطقها وسمعها وبصرها، ويعظمون الأنوار».
وابن تيمية يصف بعض النفاة من فلاسفة ومعتزلة وغيرهم بالصابئة إما لتشابه تصور هذه الفرق لذات الله ، أو أنه يلحظ المعنى اللغوي لـ«الصابئة». وانظر لزيادة التفصيل عن الصابئة: «الآثار الباقية» (ص 204- 207)، و«الملل والنحل» (2/70- 72)، (95 وما بعدها)، و«اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» للرازي (ص 90)، و«الخطط» للمقريزي (2/344)، و«الرد على المنطقيين» (ص287- 289)، و(454- 455)، و«تفسير الطبري» ط - دار المعارف (2/145- 147)، و «تفسير ابن كثير» (1/ 189- 191).
([16]) هم الذين يعبدون النار؛ فهم يعتقدون أنها أعظم شيء في الدنيا، ويسجدون للشمس إذا طلعت، وينكرون نبوة آدم ونوح عليهما السلام، وقالوا: لم يرسل الله إلا رسولًا واحدًا، لا ندري من هو، ويقولون بإثبات أصلين: النور والظلمة، وفي باب الشريعة يستحلون نكاح الأمهات، والبنات، والأخوات، وسائر المحرمات، ويتطهرون بأبوال البقر تدينًا، ولذا قيل: إن أصل الكلمة النجوس، وقد نشأت المجوسية في بلاد الفرس. انظر: «اعتقادات فرق المسلمين والمشركين» (134)، و«البرهان في عقائد أهل الأديان» (57)، و«الملل والنحل» (73).
([17]) انظر: «حادي الأرواح» (ص 211).
([18]) متفق عليه، وسبق تخريجه قريباً (ص ؟؟؟).
([19]) متفق عليه، وسبق تخريجه قبل قليل، دون ذكر الشمس فيه.
([20]) سبق قريباً.
([21]) أخرجه أحمد (5/378)، والدارمي (2149)، واللفظ له، من حديث عبدالرحمن بن عائش ، وقال الهيثمي (7/ 368): «وقد سئل الإمام أحمد عن حديث عبدالرحمن بن عائش، عن النبي ﷺ بهذا الحديث فذكر أنه صواب هذا معناه». وله شواهد من حديث ابن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن سمرة، وأبي أمامة، وثوبان، وأم الطفيل. وانظر بتوسع للكلام على طرق هذه الأحاديث وتصحيحها؛ «ظلال الجنة» للألباني (338، 465، 466، 467، 468، 469، 470، 471).
([22]) أخرجه البخاري (806)واللفظ له، ومسلم (182) من حديث أبي هريرة .
([23]) انظر: «حادي الأرواح» (ص 233).
([24]) سبق تخريجه.
([25]) أخرجه مسلم (183) من حديث أبي سعيد الخدري.
([26]) هذا لفظ البخاري (7435) من حديث جرير بن عبدالله ، وسبق بألفاظٍ.