شعار الموقع

سورة الشورى - 4

00:00
00:00
تحميل
6

الأحد 2 – 8 – 1440هـ

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في كتابه التفسير العظيم، عند تَفْسِيرُ سُورَةِ الشُّورَى: ({وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (16) اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)}.

يَقُولُ تَعَالَى -مُتَوَعِّدًا الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ-: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ} أَيْ: يُجَادِلُونَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَجِيبِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، لِيَصُدُّوهُمْ عَمَّا سَلَكُوهُ مِنْ طَرِيقِ الْهُدَى، {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أَيْ: بَاطِلَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، {وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ} أَيْ: مِنْهُ، {وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، وَمُجَاهِدٌ: جَادَلُوا الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ مَا اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، لِيَصُدُّوهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَطَمِعُوا أَنْ تَعُودَ الْجَاهِلِيَّةُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، قَالُوا لَهُمْ: دِينُنَا خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ، وَأَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ).

فَإِنَّهُمْ مَقْهُورُونَ بِقُدْرَتِنَا).

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد...

قال تعالى: قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في كتابه التفسير العظيم، عند تَفْسِيرُ سُورَةِ الشُّورَى: ({وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ}، سبق الكلام على هذه الآية وأنها فيها وعيد شديد، للذين يجادلون المؤمنين، ليردوهم ويفتنوهم عن دينهم، سواء كان من المشركين أو من اليهود أو غيرهم، الله تعالى توعدهم وبين أن حجتهم داحضة باطلة، وتوعدهم بالغضب والعذاب والأليم، هذه غضب من الله ولهد عذاب شديد؛ بسبب جدالهم للمؤمنين، ليصدوهم عن دينهم، وفيه إثبات الغضب لله على ما يليق بجلاله وعظمته، وأن الله سبحانه وتعالى من صفاته الغضب، وأنه يغضب على العصاة وعلى الكفار، كما أنه يرضى عن المؤمنين، ويرضى عن الأنبياء والمرسلين والمؤمنين.

طالب آخر: [03:58].

الشيخ: كذا ونبينا عندكم؟ (وَنَبِيُّنَا).

الطالب: كذا نص الحديث: (دِينُنَا خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ، وَنَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ، وَنَحْنُ خَيْرٌ مِنْكُمْ وَأَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ. وَقَدْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ).

ثُمَّ قَالَ: {اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} يَعْنِي: الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ {وَالْمِيزَانَ} ، وَهُوَ: الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الْحَدِيدِ:25] وَقَوْلُهُ: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ. أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ. وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرَّحْمَنِ:7-9] .

وَقَوْلُهُ: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} فِيهِ تَرْغِيبٌ فِيهَا، وَتَرْهِيبٌ مِنْهَا، وَتَزْهِيدٌ فِي الدُّنْيَا.

وَقَوْلُهُ: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا} أَيْ: يَقُولُونَ: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [سَبَأٍ:29] ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ تَكْذِيبًا وَاسْتِبْعَادًا، وَكُفْرًا وَعِنَادًا، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا} أَيْ: خَائِفُونَ وَجِلُونَ مِنْ وُقُوعِهَا {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ} أَيْ: كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ، فَهُمْ مُسْتَعِدُّونَ لَهَا عَامِلُونَ مِنْ أَجْلِهَا.

وَقَدْ رُوي مِنْ طُرُقٍ تَبْلُغُ دَرَجَةَ التَّوَاتُرِ، فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ، وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ، وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ؛ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْتٍ جَهْوَرِيّ، وَهُوَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَنَادَاهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ صَوْتِهِ "هَاؤُمُ". فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْحَكَ، إِنَّهَا كَائِنَةٌ، فَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " فَقَالَ: حُب اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ.

فَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ"، هَذَا مُتَوَاتِرٌ لَا مَحَالَةَ، وَالْغَرَضُ أَنَّهُ لَمْ يُجِبْهُ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ، بَلْ أَمَرَهُ بِالِاسْتِعْدَادِ لَهَا.

وَقَوْلُهُ: {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ} أَيْ: يُحَاجُّونَ فِي وُجُودِهَا وَيَدْفَعُونَ وُقُوعَهَا، {لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} أَيْ: فِي جَهْلٍ بَيِّنٍ؛ لِأَنَّ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، كَمَا قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الرُّومِ:27]).

الشيخ: {اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ}، الكتاب جنس المراد الكتب السابقة، إنزال الكتب السابقة، التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، نزله سبحانه، نزل هذه الكتب بالحق، والميزان العدل، كما قال سبحانه وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الْحَدِيدِ:25]، الكتاب والميزان، بذلك يكون العدل، قال في الآية الأخرى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾[الحديد:25]، هنا قال: {اللَّهُ الَّذِي أَنزلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)}، {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}؛ لأن كل آت قريب، والساعة آتية بعد وجود أمارتها وأشراطها، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾[محمد:18]. {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ (17) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا}، لأنهم ليس عندهم إيمان يقولون: متى وقوعها؟ ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل عن الساعة، قال له: ما أعددت لها؟، الساعة آتية، ما أعددت لها؟ قال: أعددت لها حب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت، وفي لفظ: "المرء مع من أحب".

وثبت عن أنس رضي الله عنه، أنه فرح بذلك، قال: ما أشد فرحنا بذلك "المرء مع من أحب"، قال: إني أحب الله ورسوله، وأحب أبا بكر وعمر، فأرجوا أن أحشر معهم.

{يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا}؛ لأنهم ليس عندهم إيمان، يقول: متى الساعة، {وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ}، يخافون من الحساب، ويستعدون لهذا اليوم العظيم، {وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ}، وأنها كائنة، أن الساعة كائنة لابد منها، {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)}، الذين يجادلون ويمارون في الساعة ويصدون المؤمنين عنها، عن الاستعداد لها، {لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (18)}، لفي خطأ وبعدٍ عن الصواب.

الطالب: ({اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (19) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (22)}.

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ لُطْفِهِ بِخَلْقِهِ فِي رِزْقِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ).

الشيخ: الرازق هذا وصف الله، الرزق، المنفصل، المخلوق المنفصل.

 الطالب: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ لُطْفِهِ بِخَلْقِهِ فِي رِزْقِهِ إِيَّاهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ، لَا يَنْسَى أَحَدًا مِنْهُمْ، سَوَاءٌ فِي رِزْقِهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هُودٍ:6] وَلَهَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ.

وَقَوْلُهُ: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} أَيْ: يُوَسِّعُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، {وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} أَيْ: لَا يعجزه شيء.

ثُمَّ قَالَ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ}).

الشيخ: هذه الآية فيها بيان لطف الله عز وجل بعباده، وانه يرزق الجميع، البر والفاجر، والحيوانات والدواب والمكلفون من الجن والإنس، كلهم رزقهم على الله، {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ{، وفي الآية الأخرى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾[هود:6]، فرزق الخلائق على الله سبحانه وتعالى، وهو سبحانه لا ينسى أحدًا في البر والبحر، وهو القوي العزيز، الذي لا يعجزه شيء، العزيز الغالب، الذي لا يضام، له العزة، عزة الامتناع وعزة القوة والغلبة، }وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ{، فيه إثبات إسمي من أسماء الله في هذه الآية،  }وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ{، ويعبد، يقال: عبد القوي وعبد العزيز، له إثبات صفة القوة، وإثبات العزة والغلبة.

الطالب:( ثُمَّ قَالَ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ} أَيْ: عَمَلَ الْآخِرَةِ {نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ} أَيْ: نُقَوِّيهِ وَنُعِينُهُ عَلَى مَا هُوَ بِصَدَدِهِ، وَنُكْثِرُ نَمَاءَهُ، وَنَجْزِيهِ بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى مَا يَشَاءُ اللَّهُ {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} أَيْ: وَمَنْ كَانَ إِنَّمَا سَعْيُهُ لِيَحْصُلَ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا، وَلَيْسَ لَهُ إِلَى الْآخِرَةِ همَّة أَلْبَتَّةَ بِالْكُلِّيَّةِ، حَرَمه اللَّهُ الْآخِرَةَ وَالدُّنْيَا إِنْ شَاءَ أَعْطَاهُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ لَا هَذِهِ وَلَا هَذِهِ، وَفَازَ هَذَا السَّاعِي بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

الشيخ: نسأل الله العافية.

وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ هَاهُنَا مُقَيَّدَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي "سُبْحَانَ" وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا كُلا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا} [الْإِسْرَاءِ:18-21] .

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُغيرة، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بالسَّنَاء وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمِنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ".

وَقَوْلُهُ: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الله)

الشيخ: هذه الآية فيها بيان أن من أراد الأخرة وسعى لها سعيها وهو من أهل الإيمان، فإن الله تعالى يعينه وينمي أجره وثوابه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، بحسب ما يقوم بقلبه من حقائق الإيمان، وبحسب تأثير هذا العمل، وأما من أراد الدنيا، وليس له همة في الآخرة، فإنه قد يعطى وقد لا يعطى، قد يعطيه الله من الدنيا، وقد يحرم في الدنيا وفي الآخرة، نسأل الله السلامة والعافية.

وهذه الآية: {وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}، هذه مقيدة بآية الإسراء، وهي قوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}، ليس لكل أحد، {لِمَنْ نُرِيدُ}، ليس لكل أحد، وأما الآخرة، طالب الآخرة اشترط الله له ثلاثة شروط:

  • الشرط الأول: أن يريد الآخرة.
  • والشرط الثاني: العمل.
  • والشرط الثالث: الإيمان.

قال تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}.

وكذلك آية هود: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾[هود:15]، مقيدة أيضًا بآية الإسراء؛ لن فيها أن من كان يريد الدنيا يعطى، لطكن لمن أراد الله، {لِمَنْ نُرِيدُ}، كما قال سبحانه: : {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}، ومن أراد الله أن يعطيه من الدنيا أعطاه، ومن لا يريد أن يعطيه لا يعطيه، وأما من أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، فسعيه مشكور وأعماله مضاعفة، وعمله متقبل مبرور، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.

طالب آخر: [20:59] (صوت غير مسموع).

الشيخ: الرفعة، بمعنى السناء والرفعة، المعنى مترادفان. ماذا قال على الحديث؟

الطالب: قال: (أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد، من طريق سفيان، عن أيوب ، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب به نحوه، وأخرجه الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، عن عبد العزيز بن مسلم، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، انظر المسند).

الشيخ: أقرأ الحديث..

الطالب: (قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بالسَّنَاء وَالرِّفْعَةِ، وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمِنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ").

الشيخ: ماذا قال عليه؟

طالب آخر: قال: (أخرجه أحمد ابن حبان والحاكم، وإسناده حسن، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).

الشيخ: يعني موافق، موافق للآية.

الطالب:( وَقَوْلُهُ: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} أَيْ: هُمْ لَا يَتَّبِعُونَ مَا شَرَعَ اللَّهُ لَكَ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ، بَلْ يَتَّبِعُونَ مَا شَرَعَ لَهُمْ شَيَاطِينُهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، مِنْ تَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ، مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ، وَتَحْلِيلِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْقِمَارِ، إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الضَّلَالَاتِ وَالْجَهَالَةِ الْبَاطِلَةِ، الَّتِي كَانُوا قَدِ اخْتَرَعُوهَا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، مِنَ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَالْعِبَادَاتِ الْبَاطِلَةِ، وَالْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيّ بْنِ قَمَعَة يَجُر قُصْبَه فِي النَّارِ" لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ. وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ أَحَدَ مُلُوكِ خُزَاعَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، وَهُوَ الَّذِي حَمَل قُرَيْشًا عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَبَّحَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} أَيْ: لَعُوجِلُوا بِالْعُقُوبَةِ، لَوْلَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِنْظَارِ إِلَى يَوْمِ الْمَعَادِ، {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أَيْ: شَدِيدٌ مُوجِعٌ فِي جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

الشيخ: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}، يعين ما كانوا عليه في الجاهلية من تشريعات والعبادات الباطلة والأقوال المنحرفة، كما قص الله تعالى علينا في سورة الأنعام، يحرمون ويحللون بعض الأنعام، يحرمون بعضها، ويحلون بعضها للذكور، وبعضها للإناث، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا﴾[الأنعام:136]، وقوله: ﴿وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ﴾[الأنعام:139]، كل هذه تشريعات الجاهلية، بعض الأنعام يحرمونها، الوصيلة والحام، الجبل الذي حمى ظهره، والوصيلة التي وصلت أخاها، وهكذا، وكذلك عبادة الأصنام، فإن عمرو بن لحي الخزاعي جلب الأصنام والأوثان من الشام غلى بلاد العرب، وهو أول من سيب السوائب، وبحر البحيرة، وتبعه الغرب في الجاهلية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "رأيت عمرو بن لحي يجر أصبه في النار"، يعني أمعاءه في النار، والعياذ بالله؛ لنه أول من جلب الأصنام إلى بلاد العرب، أول من بحر البحيرة وسيب السوائب، شرع للناس تشريعات باطلة.

{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ}، لولا أن الله تعالى كتب أنه سيجازيهم ويحاسبهم يوم القيامة لعجل لهم العذاب، وإن الظالمين لهم عذابٌ أليم ينتظرهم، الظالمين الذي ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي، لهم عذاب أليم موجع ينتظرهم، نسأل الله السلامة والعافية.

الطالب: (ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا} أَيْ: فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ، {وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} أَيِ: الَّذِي يَخَافُونَ مِنْهُ وَاقِعٌ بِهِمْ لَا مَحَالَةَ، هَذَا حَالُهُمْ يَوْمَ مَعَادِهِمْ، وَهُمْ فِي هَذَا الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هذا: أَيْنَ مَنْ هُوَ فِي العَرَصَات فِي الذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَالْخَوْفِ الْمُحَقَّقِ عَلَيْهِ بِظُلْمِهِ، مِمَّنْ هُوَ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، فِيمَا يَشَاءُ مِنْ مَآكِلَ وَمُشَارِبَ وَمَلَابِسَ وَمَسَاكِنَ وَمَنَاظِرَ وَمَنَاكِحَ وَمَلَاذَّ، فِيمَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ).

الشيخ: هذه الآية فيها ترغيب وترهيب، ترهيب للظالمين مما ينتظرهم من العذاب، وترغيب للمؤمنين، {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ} فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَة يخافون من سوء أعمالهم وهو واقع بهم لا محالة، ما خافوا منه واقع بهم، بسبب ظلمهم وشركهم وعدم قبولهم الحق.

أما المؤمنون الذين وحدوا الله وأخلصوا له العبادة، وحققوا إيمانهم بالعمل الصالح، فهم في روضات الجنات، يتقلبون في الملذات، من المأكولات والمشروبات والملذات والنساء والقصور، والحور العين، نسأل الله الكريم من فضله، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، كل ما يطلبونه حاصل لهم من النعيم، {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}، هذا هو الفضل الكبير من الله.

بعض المشركين يحتج بهذه الآية على أن الصالحين، يدعو على الصالحين وعلى الشرك يقول: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، يقول تدعو الصالحين، يقول: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، فيدعوهم من دون الله، ويزعم أنهم يشفعون له.

هذه الآية: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، يعني لهم ما يشاؤون من الكرامة في الجنة، وليس المراد أنهم يشفعون للكفار، أو يقبلون شفاعتهم، الشفاعة إنما تكون لأهل التوحيد، ولابد فيها من إذن الله لمن يشفع، والرضى على المشفوع له.

الطالب: (قَالَ: الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَبَّارُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِي طَيْبَة، قَالَ: إِنَّ الشَّرْب مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَتُظِلُّهُمُ السَّحَابَةُ).

الشيخ: الشرب بالباء؟

الطالب: قال: (أي: الجماعة الذين يجتمعون على الشراب)، وفي الدر المنثور: أي السرب.

(فَتَقُولُ: مَا أمْطِرُكُم. قَالَ: فَمَا يَدْعُو دَاعٍ مِنَ الْقَوْمِ بِشَيْءٍ إِلَّا أَمْطَرَتْهُمْ، حَتَّى إِنَّ الْقَائِلَ مِنْهُمْ لَيَقُولُ: أَمْطِرِينَا كَوَاعِبَ أَتْرَابًا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَرَفَةَ، بِهِ.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أَيِ: الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، وَالنِّعْمَةُ التَّامَّةُ السابغة الشاملة العامة).

الشيخ: ماذا قال على الحديث؟

الطالب: الحديث، قال: (لم نجده في تفسير الطبري عند هذه الآية، (على أن السيوطي في الدر المنثور، قال: إن ابن جرير أخرجه، ولعل الذي خرجه هو ابن أبي حاتم، فهو يروي أيضًا عن الحسن بن عرفة، انظر الحرج والتعديل).

الشيخ: النسخة الأخرى ماذا قال عليه؟

طالب آخر: ما عندي تعليق في هذه النسخة، لكن وجدت الحديث عند الطبري.

الشيخ: الطبري يقول ما وجده.

طالب آخر: [32:15].

طالب آخر: نفس السند والمتن الذي ذكره الحافظ.

الشيخ: لكن ما تكلم عليه.

على كل حال الآية عامة، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، ما يتمنون، وفي الآية الأخرى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾[فصلت:31]، ما تطلبون، يعني كل ما يطلبه أهل الجنة يحصل لهم.

جاء في الحديث أن المؤمن إذا اشتهى الطير خر إليه مشويًا، نسأل الله الكريم من فضله.

الطالب: (ثم قال تعالى: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24)}.

 يَقُولُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ رَوْضَاتِ الْجَنَّةِ، لِعِبَادِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أَيْ: هَذَا حَاصِلٌ لَهُمْ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، بِبِشَارَةِ اللَّهِ لَهُمْ بِهِ.

وَقَوْلُهُ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى هَذَا الْبَلَاغِ وَالنُّصْحِ لَكُمْ مَالَا تُعْطُونِيهِ).

الشيخ: كما قال الله تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾[هود:29]، كما أخبر عن نوح، أنه لا يسألهم مالًا، الأنبياء لا يسألون الناس شيئًا على تبليغ الرسالة، وإنما ينظرون أجرهم من الله، قال الله: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾

الطالب: (مَالَا تُعْطُونِيهِ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَكُفُّوا شَرَّكُمْ عَنِّي وَتَذَرُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَاتِ رَبِّي، إِنْ لَمْ تَنْصُرُونِي فَلَا تُؤْذُونِي بِمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ طَاوُسًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ، فَقَالَ: إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ. انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ.

روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ. وَهَكَذَا رَوَى عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، والعَوْفي، وَيُوسُفُ بْنُ مِهْران وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَأَبُو مَالِكٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُهُمْ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ  حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ يَزِيدَ الطَّبَرَانِيُّ وَجَعْفَرٌ الْقَلَانِسِيُّ قَالَا حدثنا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٍ، عَنْ خُصَيف، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا أَنْ تَوَدّوني فِي نَفْسِي لِقَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَتَحْفَظُوا الْقَرَابَةَ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ").

الشيخ: في رواية خُصَيف عن ابن عباس خصيف ضعيف، ماذا قال عليه؟

الطالب: لم يتكلم عنه وكذلك شريك.

طالب آخر: [37:55]. (صوت غير مسموع).

الشيخ: ماذا عندك؟

الطالب: (قال: حدثنا هاشم ابن يزيد، كذا في المخطوطة وفي المعجم الصغير مزيد).

 (وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى: حَدَّثَنَا قَزَعَة -يَعْنِي ابْنَ سُوَيد -وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَزَعة بْنِ سُوَيْدٍ-عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا آتَيْتُكُمْ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى أَجْرًا، إِلَّا أَنْ تُوَادوا اللَّهَ، وَأَنْ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ". وَهَكَذَا رَوَى قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، مِثْلَهُ.

وَهَذَا كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِقَوْلٍ ثَانٍ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} أَيْ: إِلَّا أَنْ تَعْمَلُوا بِالطَّاعَةِ الَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ زُلْفَى.

وَقَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ مَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ، رِوَايَةً عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ تَوَدُّونِي فِي قَرَابَتِي، أَيْ: تُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ وَتَبَرُّوهُمْ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي الدَّيْلَمِ قَالَ: لَمَّا جِيءَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَسِيرًا، فَأُقِيمَ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ، قَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَكُمْ وَاسْتَأْصَلَكُمْ، وَقَطَعَ قَرْنَيِ الْفِتْنَةِ. فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ: أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَقَرَأْتَ آلَ حم؟ قَالَ: قَرَأْتُ الْقُرْآنَ، وَلَمْ أَقْرَأْ آلَ حم. قَالَ: مَا قَرَأْتَ: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}؟ قَالَ: وَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ: أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعيّ: سَأَلْتُ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} فَقَالَ: قُرْبَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ).

الشيخ: {ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}، فيه بيان البشارة للمؤمنين، يبشرهم الله وأنهم [41:22] جنات.

{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، وفيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل الناس أجرًا على تبليغ الرسالة، وهذا لجميع الأنبياء، كل الأنبياء لا يسألوا الناس مالًا، قال الله عن نوح: ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا﴾، ﴿قل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجرًا﴾ عن هود ونوح ومحمد وغيرهم، جميع الأنبياء لا يسألون الناس مالًا، {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، إلا أن تودوني في القرابة، إلا أن تراعوا القرابة التي بيني وبينكم، فليس بطن من بطون قريش إلا للنبي فيه قرابة، وقيل المعنى إلا أن تتقربوا إلى الله بطاعته، وقيل المعنى إلا بأن تودوا قرابتي، يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، والأقرب القول الأول، {إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، إلا أن تراعي القرابة، حرمة القرابة التي بيني وبينكم، {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}، إلا أن تراعوا فتذروني أبلغ رسالة ربي ولا تؤذوني.

الطالب: أطال ابن كثير رحمه الله تعالى في مسألة القربي، أحاديث كثيرة.

الشيخ: قف عليها، بارك الله فيك.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد