شعار الموقع

سورة الزخرف - 2

00:00
00:00
تحميل
5

الأحد 9-1-1441ه

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

({وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ (20)}).

قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى وأسكنه فسيخ جنانه في كتابه التفسير العظيم: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا افْتَرَوْهُ وَكَذَّبُوهُ فِي جَعْلِهِمْ بَعْضَ الْأَنْعَامِ لِطَوَاغِيتِهِمْ وَبَعْضَهَا لِلَّهِ، كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ "الْأَنْعَامِ"، فِي قَوْلِهِ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الْأَنْعَامِ: 136]، وَكَذَلِكَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ قِسْمَيِ الْبَنَاتِ وَالْبَنِينَ أخسَّهما وَأَرْدَأَهُمَا وَهُوَ الْبَنَاتُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنْثَى. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النَّجْمِ: 21، 22]).

الشيخ: معنى (ضيزى) يعني جائرة.

(وَقَالَ هَاهُنَا: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}.

ثُمَّ قَالَ: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ} وَهَذَا إِنْكَارٌ عَلَيْهِمْ غَايَةَ الْإِنْكَارِ. ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْإِنْكَارِ فَقَالَ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} أَيْ: إِذَا بُشِّرَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ بِمَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنَ الْبَنَاتِ يَأْنَفُ مِنْ ذَلِكَ غَايَةَ الْأَنَفَةِ، وَتَعْلُوهُ كَآبَةٌ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ، وَيَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ خَجَلِهِ مِنْ ذَلِكَ، يَقُولُ تَعَالَى: فَكَيْفَ تَأْنَفُونَ أَنْتُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَتَنْسُبُونَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟.

ثُمَّ قَالَ: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} أَيِ: الْمَرْأَةُ نَاقِصَةٌ يَكْمُلُ نَقْصُهَا بِلُبْسِ الْحُلِيِّ مُنْذُ تَكُونُ طِفْلَةً، وَإِذَا خَاصَمَتْ فَلَا عِبَارَةَ لَهَا، بَلْ هِيَ عَاجِزَةٌ عَيِيَّة، أوَ مَنْ يَكُونُ هَكَذَا يُنْسَبُ إِلَى جَنَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟! فَالْأُنْثَى نَاقِصَةُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فِي الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى، فَيَكْمُلُ نَقْصُ ظَاهِرِهَا وَصُورَتِهَا بِلُبْسِ الْحُلِيِّ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، لِيُجْبَرَ مَا فِيهَا مِنْ نَقْصٍ، كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ:

وَمَا الحَلْي إِلَّا زينَةٌ مِنْ نقيصةٍ ... يتمّمُ مِنْ حُسْن إِذَا الحُسْن قَصَّرا ...

وأمَّا إذَا كَانَ الجمالُ موفَّرا ... كحُسْنك، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يزَوَّرا ...

وَأَمَّا نَقْصُ مَعْنَاهَا، فَإِنَّهَا ضَعِيفَةٌ عَاجِزَةٌ عَنِ الِانْتِصَارِ عِنْدَ الِانْتِصَارِ).

الشيخ: يعني عندما تريد الانتصار لنفسها.

(لَا عِبَارَةَ لَهَا وَلَا هِمَّةَ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ وَقَدْ بُشِّرَ بِبِنْتٍ: "مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَدِ).

الشيخ: (مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَدِ)، يعني لا يقال لها : نعم الولد، نعم الولد هذا يقال للذكر، لكن الأنثى لا يقال لها نعم، يعني (مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَدِ)، والولد يطلق على الذكر والأنثى، فيقال: (مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَدِ)، (مَا هِيَ)، يعني الأنثى (بِنِعْمَ الْوَلَدِ)، إنما النعم يقال للذكر، هذا معنى كلامه.

("مَا هِيَ بِنِعْمَ الْوَلَدِ: نَصْرُهَا بِالْبُكَاءِ، وَبِرُّهَا سَرِقَةٌ").

الشيخ: (نَصْرُهَا بِالْبُكَاءِ)، يعني إذا غضبت وهي حقها ما تنصرع [07:46]بالبكاء، (وَبِرُّهَا سَرِقَةٌ)، يعني أنها ليس عندها شيء، لا تملك شيء، هذا في الغالب، وإذا أرادت شيء أخذت من مال زوجها، إذا أرادت أن تبر والديها أخذت من مال زوجها.

الشيخ: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن ولاه.

أما بعد..

يقول الله تعالى: ({وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18)}).

ينكر الله تعالى على المشركين في جعلهم شيئًا من الحرث وما يزعمون أنهم يقدمونه، جزءٌ منه لله وجزءٌ منه للأصنام والطواغيت، والله تعالى ليس له شريك، لا يقبل الشريك، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: "مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ"، فهؤلاء أشركوا مع الله، يزعمون أنهم يعبدون الله وأنهم يتقربون إلى الله بما يقدمونه من الحروث والأنعام، الحرث يتصدقون به لله، لكنهم يجعلون للطواغيت جزءٌ من ذلك، كما قال تعالى في سورة الأنعام: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[الأنعام:136]. يعني أنهم إذا كان عندهم شيء من الحرث والأنعام وأرادوا أن يقسموه ويوزعوه، يجعلون قسم لله وقسم لشركائهم، لأوثانهم، فإذا أرادوا القسمة، ثم زاد الذي لله، أخذوه منه، وقالوا: الله غني عنه، وإذا زاد الذي يجعلونه لطواغيتهم تركوه، هذا معنى قوله: ﴿فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[الأنعام:136].

وهذا قال سبحانه: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}، أي جحود لنعمة الله تعالى وألوهيته ولربوبيته، {مُبِينٌ}، واضح البيان، هذا من جحوده، كيف تجعل لله تعالى شريكًا وهو الذي خلقك وهو الذي رزقك وأوجدك من العدم، وهو الذي له الكمال في صفاته وأفعاله، وهو الذي بيده الخير كله، ومع ذلك تجعل لله لغيره جزءًا، هذا من الكفر والجحود. {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الإنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ}.

ثم نسبتهم البنات إلى الله، يختارون لأنفسهم على الصنفين الذكر، ويجعلون لله الأنثى، وهم لا يقبلون الأنثى، الأنثى لا يقبلونها بل يأنفون إذا نسبت إليهم، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16)}، إنكار، يعني يختار البنات وأنتم يصطفى لكم البنين على الصنفين، لا يمكن، ولهذا قال سبحانه في سورةٍ: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النَّجْمِ: 22]، قسم جائرة.

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17)}، إذا بشر أحدهم بالذي جعله للرحمن وهو الأنثى ظل وجهه مسودًا من كراهة ما نسب إليه، وقال تعالى في سورة النحل:

﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾[النحل:58 - 59]، ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ من سوء البشارة، لا يقبل الأنثى، ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾[النحل:58]، يعني كئيب [12:04].

﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ﴾، يختبئ من القوم من سوء البشارة هذه، لا يريد الأنثى، ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ﴾، يجعل الأنثى عنده على هوان، ﴿أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ﴾، يدفنها وهي حية، ﴿أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.

وهنا قال سبحانه: { أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}، يعني كيف يختار أضعف الصنفين وهي الأنثى التي تنشأ وتربى في الحلية والزينة تكملةً لنقصها الظاهر، {وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}، هذا في بيان نقصها في المعنى، يعني لا تُبين ولا تستطيع الخصام، وإظهار حجتها، والمطالبة بحقها، فهي قاصرة، قاصرة عن الرجل، بخلاف الرجل إن الله أعطاه القوة والقدرة على الخصام والمطالبة بحقه، أما الأنثى فهي ناقصة، {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}.

هذا كان المشركون لما بعدوا عن نور النبوية، عن النور الإلهي، هكذا استهوتهم [13:33]الشياطين فصارت هذه أعمالهم.

(وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} أَيِ: اعْتَقَدُوا فِيهِمْ ذَلِكَ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ تَعَالَى قَوْلَهُمْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ} أَيْ: شَاهَدُوهُ وَقَدْ خَلَقَهُمُ اللَّهُ إِنَاثًا، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ} أَيْ: بِذَلِكَ، {وَيُسْأَلُونَ} عَنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ.

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} أَيْ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ لَحَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ، الَّتِي هِيَ عَلَى صُوَرِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي هِيَ بَنَاتُ اللَّهِ، فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِذَلِكَ وَهُوَ يُقْرِرُنَا عَلَيْهِ، فَجَمَعُوا بَيْنَ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْخَطَأِ:

أَحَدُهَا: جَعْلُهم لِلَّهِ وَلَدًا، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا).

الشيخ: نسأل الله العافية، وهذا من الأمر العظيم الذي عظمه سبحانه، نسبة الولد إلى الله أمرٌ عظيم، بين سبحانه أن من عظمه وعظم هوله، وخطره أن السموات تكاد تتفطر منه، وتكاد تخر الجبال، وتتفطر السموات، ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا﴾[مريم:88 - 92]، نسبة الولد إلى الله أمرٌ عظيم، تكاد السموات تتفطر والأرض تنشق والجبال تنهد من هذا القول الشديد الذي لا ينبغي أن ينسب غلى جناب الرب سبحانه وتعالى.

(أَحَدُهَا: جَعْلُهم لِلَّهِ وَلَدًا، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

الثَّانِي: دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ اصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ، فَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا.

الثَّالِثُ: عِبَادَتُهُمْ لَهُمْ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَلَا إِذَنٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَلْ بِمُجَرَّدِ الْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ، وَالتَّقْلِيدِ لِلْأَسْلَافِ وَالْكُبَرَاءِ وَالْآبَاءِ، وَالْخَبْطِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْجَهْلَاءِ.

الرابع: احتجاجهم بتقديرهم عَلَى ذَلِكَ قَدَرا [وَالْحُجَّةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالشَّرْعِ]، وَقَدْ جَهِلُوا فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ جَهْلًا كَبِيرًا، فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّهُ مُنْذُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ يَأْمُرُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْهَى عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، قَالَ [تَعَالَى]، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النَّحْلِ: 36] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]. وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ -بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حُجَّتَهُمْ هَذِهِ-: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} أَيْ: بِصِحَّةِ مَا قَالُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ {إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} أَيْ: يُكَذِّبُونَ وَيَتَقَوَّلُونَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} أَيْ مَا يَعْلَمُونَ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ.

{أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)}.

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ غَيْرَ اللَّهِ بِلَا بُرْهَانٍ وَلَا دَلِيلٍ وَلَا حُجَّةٍ: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ} أَيْ: مِنْ قَبْلِ شِرْكِهِمْ، {فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ} أَيْ: فِيمَا هُمْ فِيهِ، أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: {أَمْ أَنزلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} [الرُّومِ: 35] أَيْ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} أَيْ: لَيْسَ لَهُمْ مُسْتَنَدٌ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ سِوَى تَقْلِيدِ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، بِأَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى أُمَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا الدِّينُ هَاهُنَا، وَفِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الْأَنْبِيَاءِ: 92]. وَقَوْلُهُمْ: {وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ} أَيْ: وَرَائِهِمْ {مُهْتَدُونَ} ، دَعْوَى مِنْهُمْ بِلَا دَلِيلٍ.

ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ مَقَالَةَ هَؤُلَاءِ قَدْ سَبَقَهُمْ إِلَيْهَا أَشْبَاهُهُمْ وَنُظَرَاؤُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ، فَقَالُوا مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 52، 53] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ} أَيْ: يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} أَيْ: وَلَوْ عَلِمُوا وَتَيَقَّنُوا صِحَّةَ مَا جِئْتَهُمْ بِهِ، لَمَا انْقَادُوا لِذَلِكَ بِسُوءِ قَصْدِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} أَيْ: مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعَذَابِ، كَمَا فَصَّلَهُ تَعَالَى فِي قَصَصِهِمْ، {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} ؟ أَيْ: كَيْفَ بادوا وهلكوا، وكيف نجى الله المؤمنين؟).

الشيخ: الله تعالى ينكر على المشركين أيضًا مقالتهم في الملائكة، كما أنكر عليهم شركهم، وجعلهم لأوثانهم نصيبًا من الحروث والزروع، أنكر عليهم أيضًا عبادتهم الملائكة، وادعائهم أنهم إناث، {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}، أنكر عليهم إنكارات مثل: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}، إنكار حجاج وجدال للحق، {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}، حتى قال الله تعالى: هل شهدوا خلقهم، وشهدوا أن الله لما خلقهم خلقهم إناث.

ثم قال: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}، يعني جعلها شهادة، هذه المقالة شهادة، [24:36]، {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}، هذا وعيد، وعيد شديد، ستكتب هذه الشهادة التي شهدوا على أنفسهم أن الملائكة [24:48]، ويسألون عنها ثم يحاسبون ويجازون،{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}.

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}، أيضًا هذه مقالة احتجاجهم على شركهم بالقدر، {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}، قالوا لو شاء الله ما عبدناهم، لكن الله أقرنا على ذلك، وقد أنكر عليهم سبحانه في الآية الأخرى، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾[النحل:35]، أنكر عليهم، يحتجون بالقدر على شركهم بالشرك، ولهذا كل من احتج على المعاصي بالقدر فهو مشابه للمشركين، القدر ليس حجة، لو كان القدر حجة لكان حجةً لقوم نوح وقوم هود وقوم صالح الذين أهلكهم الله، ليس القدر حجة، الله عز وجل أعطاهم السمع والبصر والفؤاد وأعطاهم القوة، الله تعالى أعطاهم العقول والأسماع والأبصار وجعلهم يختارون، صحيح أن الله تعالى خلقهم وخلق أفعالهم وقدرها لهم، لكن لما أعطاهم العقول وأعطاهم الأسماع والأبصار جعلهم يختارون لأنفسهم، فأنكر عليهم مقالتهم واحتجاجهم على شركهم بالمشيئة، ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾[النحل:35]، وهنا احتجوا على عبادتهم للملائكة بالقدر، {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}، قال الله تعالى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ}، إنكار عليهم، كيف يدعون أن الملائكة بنات الله، هل شهدوا خلقهم، سوف تكتب هذه الشهادة وسوف يسألون عنها ويحاسبون.

{وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ}، {إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ}، ليس عندهم إلا تخرصات وأوهام، ليس عندهم علم، ولا يقول الشيء إلا بعلم ويقين، الدعوة لا تقوم إلا بعلم، لا تقوم بالتخرصات والأوهام، {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ}.

ثم قال: {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)}، هل جاءهم كتاب من الله بأنهم على حق، وأنهم يعبدون الأوثان؟! {أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21)}، عندنا كتاب من الله نتمسك به.

ثم بين السبب في عبادة الأوثان [27:30]، وهو اتباع الآباء والأجداد غي الضلال، هذه عادة المشركين وهذه مقالتهم، اتباع الآباء والأجداد بالباطل، هذه هي المقالة التي أهلكت الأمم، يعظمون آباءهم وأجدادهم، ويتبعونهم على الضلال، والواجب على الإنسان أن يستعمل علقه الذي أعطاه الله إياه، لينظر إن كان آباءه وأجداده على الحق تبعهم، وإن كانوا على الباطل لا يتبعهم.

أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، لما حضرته الوفاة، جاءه النبي صلى الله عليه وسلم، وحرص على إنطاقه الشهادة، قال: "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، لكن عنده قرناء السوء أعوذ بالله أبو أمية وأبو جهل، ذكرا له الحجة الملعونة، واتباع الآباء والأجداد [28:21] هذه هي الحجة الملعونة قالوا: "أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب؟!"، كأنهم يقولون عيب عليك تترك ملة أبيك وجدك، "أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب!؟"، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله"، فأعادوا عليه الحجة الملعونة، "أترغب عن ملة أبيك عبد المطلب!؟"، فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب، وأبي أن يقول لا إله إلا الله، لأمر قدره الله لحكمة، ومن الحكم يعلم الناس أن الهداية بيد الله، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان أشرف الخلق لا يملك شيء من الهداية، هذه الهداية لا يملكها إلا الله، هداية القلوب كونه يقبل الحق ويرضاه ويختاره هذا إلى الله، الإنسان عنده أولاد وعنده أقارب يتمنى أن يكونوا صالحين، بل يتمنى صلاح نفسه، ولكن هذا بيد الله، والإنسان عليه الدعاء واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى.

{بَلْ قَالُوا}، هذا السبب {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، هذا السبب، وجدنا آباءنا على دين ونحن على آثارهم والأمة هنا معناها الدين، الأمة لها معاني تأتي بمعنى الدين كما هنا، وتأتي بمعنى الجماعة، ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ﴾ [القصص:23]، يعني جماعة، وتطلق أيضًا الأمة على الرجل العظيم الذي هو قدوة وأمة في الخير، كما قال: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[النحل:120]، لها معاني.

وتطلق الأمة على الزمن، كما قال الله تعالى عن الرجلين الذي خرج أحدهما في قصته من السجن مع يوسف: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ﴾[يوسف:45 - 46]، ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾، بعد زمن، تأتي بمعنى الزمن، تأتي بمعنى الجماعة، تأتي بمعنى الدين.

{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}، ثم بين الله تعالى هذه المقالة هي مقالة الكفار السابقين، هي مقالتهم باتباع الآباء والأجداد في الضلال، ينبغي للإنسان أن يحذر، هذه الحجة الملعونة، وهي اتباع الآباء والأجداد في الضلال، تعصب للآباء والأجداد.

قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)}، ما أرسلنا من قبلك يا محمد من نذير من رسول ينذر قومه، إلا قال المترفون نحن على طريقة الآباء والأجداد، {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}.

قال النذير: {أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}، قال النذير أولو جئتكم بشيء أحسن طريقة مما وجدتم، {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}، نحن لا نقبل الحق، ولا نقبل إلا ما علية الآباء والأجداد، قال الله: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ}، انتقم الله منهم وأهلكهم في الدنيا مع ما أعد لهم من العذاب في الآخرة، {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}.

طالب آخر: ذكر هنا في التفسير: قل يا محمد، والقراءة من قال،{قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ}.

الشيخ: قصده من المعنى يعني.

طالب آخر: ذكر هنا في الحاشية، قال: (هكذا قرأ الجميع سوى ابن عامر وحفص عن عاصم).

الشيخ: لا بأس، يعني قل، قال، هو حينما قال هو بأمر الله.

الطالب: كذلك في قراءة ،{وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عند الرَّحْمَنِ إِنَاثًا}.

الشيخ: بدل عباد؟

الطالب: نعم.              

الشيخ: كما قال تعالى في الآية الأخرى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ﴾[الأعراف:206]، وهم الملائكة، وهذا يدل على العلو، من أدلة العلو، ﴿ عِنْدَ رَبِّكَ﴾، أن الملائكة عند ربك، يعني في العلو، إثبات العلو والرد على من أنكر العلو.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام ابن خزيمة في صحيحه: (بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ وَالتَّعْظِيمِ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ

 ٢٨٥٦ - قَرَأْتُ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ مُجَمِّعٍ أَخْبَرَهُمْ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَهَلَّ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَقَالَ: يَبِيتُ يَعْنِي بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ يَقِفَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَيَقِفُ النَّاسُ مَعَهُ يُدْعَوْنَ اللَّهَ وَيَذْكُرُونَهُ وَيُهَلِّلُونَهُ وَيُمَجِّدُونَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ حَتَّى يَدْفَعَ إِلَى مِنًى).

الشيخ: هنا يقول الحديث ضعيف بهذا الإسناد، ماذا قال عليه؟

الطالب: هناك قال: صحيح (أخرجه الشافعي وأبو نعيم والبيهقي).

الشيخ: بسند صحيح؟

الطالب: نعم.

الشيخ: نقول ضعيف بهذا الإسناد، وعلى كل حال المعنى صحيح، المعنى وارد في الأحاديث، لكن قصده السند، السند وإن كان ضعيف.

طالب آخر: هذا الإسناد، من إسناد آخر قد يكون...

الشيخ: المعنى صحيح، المعنى دلت عليه النصوص الأخرى: (كان إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ) وهو ميقات أهل المدينة، ومسجد ذي الحليفة هو المكان الذي صلى فيه، وليس هناك مسجد مبنى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ليس هناك مسجد، وإنما مسجد يعني مصلى وهو مكان السجود، أهل من هناك، قال يبيت بالمزدلفة حتى يصبح ليلة العيد، ليلة العاشر من ذي الحجة، (يَبِيتُ بِالْمُزْدَلِفَةِ حَتَّى يُصْبِحَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ يَقِفَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)، والمشعر الحرام مزدلفة، كلها مشعر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عند قزاح وهو جبل صغير بني عليه المسجد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وقفت ها هنا وجمع كلها موقف)، يعني كل مزدلفة مكان الوقوف، هذا يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يجب على الإنسان في هذا المكان وإلا كان سيزدحمون عليه، الجبل الذي بني عليه المسجد الآن، المسجد الذي في المشعر، هو الجبل الصغير الذي بني عليه هو المكان الذي وقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (وقفت ها هنا وجمع كلها موقف)، (ثُمَّ يَقِفَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ، وَيَقِفُ النَّاسُ مَعَهُ يُدْعَوْنَ اللَّهَ وَيَذْكُرُونَهُ وَيُهَلِّلُونَهُ وَيُمَجِّدُونَهُ وَيُعَظِّمُونَهُ حَتَّى يَدْفَعَ إِلَى مِنًى)، وذلك قبل طلوع الشمس بعد الأصفار [35:50].

الطالب: (‌‌بَابُ إِبَاحَةِ الْوُقُوفِ حَيْثُ شَاءَ الْحَاجُّ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِذْ جَمِيعُ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ.

حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، ثنا جَعْفَرٌ، ثنا أَبِي قَالَ: أَتَيْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَقَفَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَقَالَ: «وَقَفْتُ هَا هُنَا وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»).

الشيخ: والحديث إسناده صحيح، رواه النسائي من طريق [36:20]،ماذا قال عليه؟.

الطالب: قال سبق.

طالب آخر: في مسلم.

الشيخ: ما ذكره النسائي، يمكن اللي بعده فيه مسلم.

طالب آخر: كتب هنا: مسلم، وفي الحجة وصحيح السنن، وانظر التالي

الشيخ: [36:45] صحيح لا شك أن النبي وَقَالَ: «وَقَفْتُ هَا هُنَا»، يعني عند الجبل الصغير، «وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»، والحمد لله، سميت مزدلفة لإزدلاف الناس فيها، وتسمى جمع لاجتماع الناس فيها، وتسمى مشعر لوجود المشعر الحرام وهو الجبل الصغير.

الطالب: كذلك هنا في الحديث السابق قال: أخرجه مسلم، جزء من الذي أشار إليه، قال: سبق تخريجه، قال هناك: أخرجه مسلم، جزء من حديث جابر الطويل.

الشيخ: ضعيف الإسناد؟

طالب آخر: ضعفه الأعظمي، قال: (ضعفه الأعظمي في جميع المواضع التي ذكر فيها).

الشيخ: عند الأعظمي ضعفه، قال: صار الحافظ في اللسان إلى رواية ابن خزيمة.

طالب آخر: لكن أخرجه البخاري في [37:31].

الشيخ: الحديث معروف، وحديث جابر معروف، وهو في الوقوف بمزدلفة، لكن قصده بهذا السند لا يضر.

الطالب: (٢٨٥٨ - حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، ثنا حَفْصٌ يَعْنِي ابْنَ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَمْعٍ، وَقَالَ: «جَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ»).

الشيخ: وهذا أيضًا أخرجه الإمام مسلم في الحج [38:00]، وغيره، فهو حديث صحيح، وفيه أن مزدلفة كلها موقف، وجمع هي مزدلفة، من أسماءها، تسمى جمع، في أي مكان في أرض مزدلفة وقف، حصلت له السنة.

الطالب: (‌‌بَابُ الدَّفْعِ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَمُخَالَفَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ فِي دَفْعِهِمْ مِنْهُ

٢٨٥٩ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَا يُفِيضُونَ مِنْ جَمْعٍ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ عَلَى ثَبِيرٍ، فَخَالَفَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ).

الشيخ: وهذا أخرجه البخاري أيضًا في الحج من طريق أبي إسحاق، وفيه أن النبي كان يخالف المشركين، فكان المشركون يحجون وهم على شركهم، لكن عندهم مخالفات، من مخالفاتهم أنهم لا يدفعون إلى مزدلفة حتى تشرق الشمس على الجبال: (أَشْرِقْ ثَبِيرُ، كَيْمَا نُغِيرُ)، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فدفع بعد الإصفار جدا وقبل طلوع الشمس، كما خالفهم أيضًا في الدفع من عرفة، كان المشركون في عرفة يدفعون قبل غروب الشمس، إذا كانت الشمس على رؤوس الجبال كعمائم الرجال دفعوا، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يدفع حتى غربت الشمس واستحكم غروبها، وغاب القرص فدفع، وقال: (خالف هدينا هدي المشركين)، خالفهم في الموقفين، في الدفع من عرفة والدفع من مزدلفة.

الطالب: (‌‌بَابُ صِفَةِ السَّيْرِ فِي الْإِفَاضَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِلَفْظٍ عَامٍّ مُرَادُهُ خَاصٌّ:

٢٨٦٠ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ، وَهَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَا: حدثنا أَبُو خَالِدٍ، ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، وَقَالَ هَارُونُ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ: أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ، وَمِنْ جَمْعٍ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى أَتَى مِنًى).

الشيخ: هذا فيه بيان صفة السير في الإفاضة من جمع التي هي مزدلفة إلى منى، بلفظ عام مراده خاص، وهو هذا اللفظ (بسكينة) ، (أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَةَ، وَمِنْ جَمْعٍ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى أَتَى مِنًى)، يعني في الموضعين، أفاض من عرفة بسكينة حتى وصل إلى مزدلفة، وأفاض من جمع (مزدلفة) بسكينة حتى وصل إلى منى.

والحديث صحيح، فصفة السير في الإفاضة من جمع إلى منى بلفظ عام يشمل الأمرين.

الطالب: (‌‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَارَ فِي الْإِفَاضَةِ وَمِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى عَلَى السَّكِينَةِ خَلَا بَطْنِ وَادِي مُحَسِّرٍ؛ فَإِنَّهُ أَوْضَعَ فِيهِ، وَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَضْلَ إِنَّمَا أَرَادَ: وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ حَتَّى أَتَى مِنًى، خَلَا إِيضَاعِهِ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ عَلَى مَا تَرْجَمْتُ الْبَابَ أَنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ أَرَادَ بِهِ الْخَاصَّ فِي خَبَرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى وَادِي مُحَسِّرٍ فقرع نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ).

الشيخ: فقرع ناقته عندك؟ نسخة [41:55]

طالب آخر: ففزع.

الشيخ: (فقرع نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ)، خبت يعني أسرعت.

المؤلف رحمه الله بين في هذه الترجمة أن سير النبي في الإفاضة من مزدلفة إلى منى قال أسرع السير، يقول المؤلف: ليس المراد أسرع السير من أوله غلى آخره، بعضه، يستثنى من ذلك وادي محسر فإنه هو الذي أسرع فيه، وأما ما عدا ذلك فهو مشى بالسكينة، هذا معنى قوله: (بلفظ عام يراد به الخاص)، (‌‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا سَارَ فِي الْإِفَاضَةِ وَمِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى عَلَى السَّكِينَةِ  إلا باطن وَادِي مُحَسِّرٍ؛ فَإِنَّهُ أَوْضَعَ فِيهِ)، يعني أسرع فيه.

قالوا: (وَفِي هَذَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَضْلَ)، يعني الفضل بن العباس؛ لأنه هو الذي ردف النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  من مزدلفة إلى منى، كما أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أردف أسامة من عرفة إلى مزدلفة، ثم اردف من مزدلفة إلى منى الفضل بن العباس، أخبر الفضل بن العباس صار بسكينة، مقصودة ما خلا بطن الوادي  فإنه أسرع فيه، هذا معنى الترجمة، ولذا قال في خبر علي: (لما انْتَهَى إِلَى وَادِي مُحَسِّرٍ فقرع نَاقَتَهُ فَخَبَّتْ)، يعني أسرعت، الخبب هو الإسراع، حتى جاوز الوادي.

الطالب: (٢٨٦٢ - حدثنا سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، ح وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ أَبِي الزَّرَدِ الْأُبُلِّيُّ، حدثنا أَبُو عَامِرٍ، ثنا سُفْيَانُ، ح وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حدثنا قَبِيصَةُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْضَعَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ).

الشيخ: الحديث إسناده صحيح يقول الأعظمي، رواه النسائي في السنن الكبرى، والسنن الكبرى للبيهقي، ومعنى أوضع يعني أسرع في وادي محسر، قيل السبب في هذا أنه المكان الذي أهلك الله فيه أهل الفيل، لكن الصحيح أن أهل الفيل أهلكهم الله في ابن المغمس لا في وادي محسر.

الطالب: (‌‌بَابُ بَدْءِ الْإِيضَاعِ كَانَ فِي وَادِي مُحَسِّرٍ

٢٨٦٣ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ شِنْظِيرٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إِنَّمَا كَانَ بَدْءُ الْإِيضَاعِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ يَقِفُونَ حَافَتَيِ النَّاسِ قَدْ عَلَّقُوا الْقِعَابَ وَالْعِصِيَّ والعلاب).

الشيخ: العلاب؟، في فصل الكلام [45:00] غير مقروءة، قلت أظنها الْجِعَابَ.

طالب آخر: هي الجعاب.

الشيخ: لأنها ثابتة في رواية الإمام أحمد.

الطالب: عندي العلاب، وقال في الحاشية: (في المطبوع الجعاب، والعلاب واحدها علبة وهي قدح).

 إِنَّمَا كَانَ بَدْءُ الْإِيضَاعِ مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ يَقِفُونَ حَافَتَيِ النَّاسِ قَدْ عَلَّقُوا الْقِعَابَ وَالْعِصِيَّ والعلاب فَإِذَا أَفَاضُوا تَقَعْقَعُوا فَأَنْفَرَتْ بِالنَّاسِ فَلَقَدْ رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ ظَفْرَيْ نَاقَتِهِ لَتَمَسُّ الْأَرْضَ حَاركَهَا، وَهُوَ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، وَرُبَّمَا كَانَ يَذْكُرُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ).

الشيخ: حاركها بالراء، حَادِكَهَا بالدال، هل تكلم عليها؟ يعني يحركها، والحديث إسناده صحيح، فإن أبا النعمان كان اختلط لكن تابعة يونس، قال: (حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ)، وأخرجه احمد، ويونس هو بن محمد المؤدب البغدادي ثقةٌ حافظ، فصح الحديث والحمد لله، في السنن الكبرى من طريق أبي النعمان.

في هذا الحديث: (إِنَّ كَانَ بَدْءُ الْإِيضَاعِ)، يعني الإسراع في وادي محسر (مِنْ قِبَلِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَانَ يَقِفُونَ حَافَتَيِ النَّاسِ، قَدْ عَلَّقُوا الْقِعَابَ وَالْعِصِيَّ فَإِذَا أَفَاضُوا تَقَعْقَعُوا فَأَنْفَرَتْ بِالنَّاسِ)، يعني الإبل، فَلَقَدْ رُئِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ ظَفْرَيْ نَاقَتِهِ لَتَمَسُّ الْأَرْضَ، وَهُوَ يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَة)، يعني هذا هو السبب، كان الأعراب يقفون على حافتي الناس، فإذا أفاضوا تقعقعوا فنفرت بالناس، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال لهم: (عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ).

الطالب: (بَابُ ذِكْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي يُسْلَكُ فِيهِ مِنَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إِلَى الْجَمْرَةِ

٢٨٦٤ - فِي خَبَرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ).

الشيخ: والحديث هنا أخرجه مسلم في الحج، وهذا لما كان الناس على الإبل، وكان يسلك الطريق الوسطى، وكان هناك شجرة، الآن تغيرت الأحوال وصارت السيارات الآن والطريق ليس للإنسان اختيار الآن، يسلك الطريق المعبد والحمد لله.

الطالب: (حدثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حدثنا النُّفَيْلِيُّ حدثنا حَاتِمٌ حدثنا جَعْفَرٌ.

‌‌بَابُ فَضْلِ الْعَمَلِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ

٢٨٦٥ - حدثنا أَبُو مُوسَى، وَسَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ قَالَا: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حدثنا الْأَعْمَشُ، ح وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ وَهُوَ الْأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ» قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» هَذَا حَدِيثُ أَبِي مُعَاوِيَةَ).

الشيخ: الحديث يقول أخرجه البخاري في العيدين، وشعبة ماذا قال عليه عندك؟

الطالب: قال: (أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجة والترمذي).

الشيخ: وفيه فضل العمل في العشر ذي الحجة، ومن العمل التسبيح والتهليل والتكبير، ومن العمل الصالح الصوم أيضًا والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإرشاد الناس وتعليم الجاهل وإفهام الجاهل، كل هذه من الأعمال الصالحة، كلها مشروعة في أيام العشر.

طالب آخر: قال في الاتحاف غندر بدل ابن أبي عدي.

الشيخ: غُندر هذا هو محمد بن بشار.

طالب: قال في الاتحاف غندر بدل ابن أبي عدي.

الشيخ: شيخ الأئمة الستة كلهم.

الطالب: (‌‌بَابُ فَضْلِ يَوْمِ النَّحْرِ.

٢٨٦٦ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا ثَوْرٌ، عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ لُحَيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَوْمَ الْقَرِّ يَعْنِي يَوْمَ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ).

الشيخ: الحديث إسناده صحيح، أخرجه الإمام أحمد في المسند، [50:29]، ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: (صحيح أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي).

الشيخ: في فضل يوم النحر، وهو يوم العيد، أفضل الأيام عند الله هو يوم النحر، وهو يوم العيد، وذلك لما فيه من العمال العظيمة، فإن فيه معظم أعمال الحج، فيه رمي جمرة العقبة، وفيه النحر، وفيه حلق الرأس وفيه الطواف والسعي، فهو أفضل الأيام عند الله، ثم يليه يوم عرفة، هنا قال: (، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ)، يوم القر هو يوم الحادي عشر، سمي يوم القر؛ لأنهم سقى يقرون فيه، أيام الحج ستة أيام، كل يوم له أسم:

  • اليوم الأول، يوم الثامن من زي الحجة يسمى يوم التروية؛ لأن الناس تتراون فيه من الماء.
  • ثم الثاني، يوم العرفة؛ لأن الناس تقف بعرفة.
  • ثم الثالث يوم النحر؛ لأن أعظم ما فيه النحر.
  • ثم يوم الحادي عشر يسمى يوم القر؛ لأن الناس يقرون فيه لا يتحركون.
  • ثم يوم الثاني عشر، يسمى يوم النفر الأول؛ لأن الناس ينفرون لمن أراد أن يتعجل.
  • ثم يوم الثالث عشر  يوم النفر الثاني، انتهى الحج.

هنا أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر، الذي هو الحادي عشر، ويسمى يوم الرؤوس؛ لأن الناس في يوم العيد يذبحون الأضاحي، وينشغلون بأكل اللحم، وفي اليوم الحادي عشر يتفرغوا للرؤوس، [51:53].

قال أبو بكر (المؤلف) يوم القر يعني اليوم الثاني من يوم النحر، وهو يوم الحادي عشر.

الطالب: (‌‌بَابُ الْتِقَاطِ الْحَصَى لِرَمْيِ الْجِمَارِ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ، وَالْبَيَانِ أَنَّ كَسْرَ الْحِجَارَةِ لِحَصَى الْجِمَارِ بِدْعَةٌ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ النَّاسِ وَإِتْعَابِ أَبْدَانِ مَنْ يَتَكَلَّفُ كَسْرَ الْحِجَارَةِ تَوَهُّمًا أَنَّهُ سُنَّةٌ.

٢٨٦٧ – حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حدثنا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حَصِينٍ، حدثنا أَبُو الْعَالِيَةِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ فِي حَدِيثِهِ، وَهَكَذَا قَالَ عَوْفٌ: هَاتِ الْقُطْ حَصَيَاتٍ هِيَ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وُضِعْنَ فِي يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ.

٢٨٦٨ - حَدَّثَنَا بِهِ بُنْدَارٌ مَرَّةً أُخْرَى بِمِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ حَصِينٍ، وثنا بُنْدَارٌ ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ ثنا عَوْفٌ ثنا زِيَادُ بْنُ حَصِينٍ حَدَّثَنِي أَبُو الْعَالِيَةِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ عَوْفٌ: لَا أَدْرِي الْفَضْلَ أَوْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ الْقُطْ لِي حَصَيَاتٍ، بِمِثْلِهِ سَوَاءً).

الشيخ: والحديث إسناده صحيح رواه النسائي من طريق يحيى عن عوف، ماذا قال عليه؟

الطالب: قال: (صحيح أخرجه أحمد وابن ماجة والنسائي).

الشيخ: الترجمة فيها التقاط الحصى لرمي الجمال من مزدلفة، والبيان يقول أن (كَسْرَ الْحِجَارَةِ لِحَصَى الْجِمَارِ بِدْعَةٌ)، لا يكسر من الجبال، يأخذه من الأرض، وبين قال: (لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ النَّاسِ وَإِتْعَابِ أَبْدَانِ مَنْ يَتَكَلَّفُ كَسْرَ الْحِجَارَةِ تَوَهُّمًا أَنَّهُ سُنَّةٌ)، يتعب نفسه ويتوهم أنها سنة وهو بدعة، ولما فيه من الإيذاء، التكسير والأصوات، وقد يصيب بعض الناس، فلا يكسر وإنما يأخذ بعض الحصى الموجودة.

ذكر حديث الفضل بن عباس (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ فِي حَدِيثِهِ وَهَكَذَا قَالَ عَوْفٌ: هَاتِ الْقُطْ لي حَصَيَاتٍ هِيَ حَصَى الْخَذْفِ). يقول في الترجمة، التقاط الحصى لرمي الجمار من المزدلفة، والصواب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأخذها من الطريق، وهو يسير في الطريق من مزدلفة إلى منى؛ لأن في الحديث الآن قال: (هَاتِ الْقُطْ حَصَيَاتٍ)، هذا في العقبة، (هِن حَصَى الْخَذْفِ)، الخذف هي الحصاة التي يضعها بين أصبعيه ويخذف بها، وهي مثل حبة الفول، مثل بعرة الغنم، لا يتكون كبيرة ولا صغيرة، قال العلماء: لا تجزئ كبيرة جدًا ولا صغيرة جدًا، لا تجزئ كبيرة، بعض الناس يأخذ كبيرة مثل العصفور، هذا من الغلو، وكذلك لا تجزئ صغيرة جدًا مثل حبة الحنطة، لا تجزئ كبيرة جدًا ولا صغيرة جدًا، ومن الغلو أن يأخذ الحجارة الكبيرة، هذا من الغلو ومجاوزة الحد، وأشد من ذلك الذي يرمي الحذاء، ويأتي بنفسٍ منفعلة يشتم ويلطم، كانت الشياطين، صحيح أن الشيطان تعرض لأبينا إبراهيم، لكن الآن فيها مشاعر، فلابد أن يأتي بهدوء واستشعار أنه في عبادة، فيسمي ويكبر، لا يأتي بنفسٍ منفعلة ويشتم ويلطم، هذا لا يليق، والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء ابن عباس بالحصيات الصغيرة مثل حبة الفول، وضعهن بين يديه، قال: نعم، بأمثال هؤلاء فأرموا وإياكم والغلو، فالرمي بالحجارة الكبيرة بناء على أنها أبلغ من الصغيرة من الغلو، والحديث عام يشمل هذا ويشمل غيره، (وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ)، فلا تغلوا بأن تأخذوا حجارة كبار، والحديث عام (وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ)، الغلو هي الزيادة، أن يزيد في الدين ما ليس منه.

(فَلَمَّا وُضِعْنَ فِي يَدِهِ قَالَ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ). قال القرطبي: "الحصيات".

بعض الناس يقول العلماء أن بعض الناس إذا وصل إلى مزدلفة اشتغل بلقط الحصى قبل الصلاة، وهذا خطأ أو شيء تصلي، الأمر واسع، ووقت الحصيات كل الليل أو بعد الفجر، ليس لازم الآن، ليس هناك شيء تبدأ به قبل الصلاة، صلي، تجدهم مجرد ما ينزلون يلقط الحصى قبل الصلاة، وهذا من الخطأ، وإذا أخذ الجمار كلها من مزدلفة فلا بأس من أي مكان، لكن الأصل أن يأخذ سبع حصيات، والباقي كل يوم يلتقط من منى أحدى وعشرين حصاة.

طالب آخر: من رمى بالكبيرة على يبقى عليه فدية فيها؟

الشيخ: هذا من الغلو في الدين، على قول الفقهاء أنها لا تجزئ،  يقال أنها لا تجزئ، يعيدها يأمر بإعادتها، فإن لم يعد وكان عدد الكبار مثلًا كانت واحدة أو اثنين يعفى عنها، وإن كان كلها كبار فيعيدها في نفس اليوم، فإن لم يكن يعيدها في اليوم الثاني بعد الزوال، فإن فاتت أيام التشريق فعليه دم، هذا مدلول قول الفقهاء: (لا تجزئ كبيرة جدًا ولا صغيرة جدًا).

الطالب: (‌‌بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَقْدِيمِ النِّسَاءِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ:

٢٨٦٩ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ، ثنا أَيُّوبُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبْطَةً فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَّيْلِ، فَأَذِنَ لَهَا قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَيْتَنِي كُنْتُ اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا اسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ، فَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تُفِيضُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ).

الشيخ: والحديث أخرجه الإمام مسلم في الحج، من طريق عبد الوهاب، وكذلك البخاري، أخرجه الشيخان، وهو حديث صحيح، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لسودة بنت زمعة، وكانت امرأة ضخمة أن تتقدم من مزدلفة بالليل، آخر الليل، [59:43]، هذا دليل على أنه بعد غيبوبة القمر، وذلك بمقدار الساعة الثانية ليلًا يغيب القمر ليلة العاشر، فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لها، وكذلك الترجمة التي بعدها، الرخصة في تقديم الضعفاء من الرجال والولدان.

عائشة رضي الله عنها تمنت أن تكون استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة، فلما لم تستأذن صارت لا تدفع إلا مع الإمام، والإمام لا يدفع إلا بعد الفجر، إنما هذا الضعفاء يرخص لهم آخر الليل.

سيأتي الكلام عنها في الترجمة التي بعدها.

الطالب: (‌‌بَابُ الرُّخْصَةِ فِي تَقْدِيمِ الضُّعَفَاءِ مِنَ الرِّجَالِ وَالْوِلْدَانِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ:

٢٨٧٠ - حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ قَالُوا: حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةَ فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ، وَقَالَ أَبُو عَمَّارٍ وَالْمَخْزُومِيُّ وَعَلِيٌّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ).

الشيخ: هذا أخرجه البخاري ومسلم أيضًا في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم ليلة مزدلفة في ضعفة أهله، يعني قدمهم الضعفاء ومنهم ابن عباس، تقدموا في آخر الليل يرمون الجمرة قبل الزحام، قبل خطبة الناس.

الطالب: (٢٨٧١ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حدثنا عَبْدُ الرَّازِقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِلَيْلٍ، فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَدْفَعُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي مِنًى لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُولَئِكَ ضَعَفَةُ أَهْلِهِ، وَيَقُولُ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ).

الشيخ: الحديث أخرجه البخاري في الحج، فيه أن ابن عمر يقدم ضعفة أهله فيدفعون من مزدلفة غلى منى، فمنهم من يأتي في صلاة الصبح ومنهم من يأتي بعد ذلك، يعني يسبقون الناس؛ لأن الناس لا يأتون إلا بعد الشمس، فهم يسبقون ويرمون قبل زحمة الناس.

الطالب: (‌‌بَابُ إِبَاحَةِ تَقْدِيمِ الثَّقَلِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ:

٢٨٧٢ - حدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، حدثنا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَلِ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ بِمِثْلِهِ سَوَاءً).

الشيخ: الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه أن ابن عباس كان صغيرًا في ذلك الوقت فالنبي توفي وهو يناهز العشرين، قال: (كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّقَلِ)، في ثقل أهله، في ضعفتهم، وهذه التراجم الثلاثة رخصة في تقديم الناس من جمع إلى منى بالليل، رخصة في تقديم الضعفاء من الرجال والولدان من جمع مزدلفة بالليل، إباحة تقديم الثقل من جمع إلى منى بالليل، إباحة ورخصة، دليل على أنه يرخص للضعفاء أن يدفعوا آخر الليل بعد غيبوبة القمر، يرموا الجمرة قبل الزحام، وذهب إلى هذا جمع من أهل العلم وقالوا لا يجوز للحاج أن يتقدم من جمع إلا إذا كان من الضعفاء كأن يكون مريض أو يكون من النساء أو الأطفال، ومن معهم يأخذ حكمهم، ولكن ذهب كثير من الفقهاء والجمهور إلى أنه يجوز لكل الحجاج أن يتقدموا بعد نصف الليل بعد أيضًا بعد ما قليل غيبوبة القمر، بعد نصف الليل، قال: آخر الليل يتحقق أيضًا بنصف الليل، وهذا هو مذهب الحنابلة وجماعة، لكن السنة تدل كما رأيتم أنه رخص، كونه رخص لسودة ورخص لابن عباس، الرخصة إنما تكون في شيء ممنوع، لو كان الجميع لهم ذلك ما صارت رخصة، صارت رخصة للجميع، لو كان الجميع لهم كلهم أن يتقدموا ما صارت فيه رخصة، رخص النبي صلى الله عليه وسلم للعباس لأن لا يبيت بمنى من أجل سقايته، لا يبيت بمنى، وغيره يبيت، لكن هو من أجل السقاية، رخصة خاصة له، فالرخصة إنما تكون من شيء ممنوع، أليس كذلك؟! هذا هو ظاهر السنة، وذهب إلى ذلك ابن القيم رحمه الله في [زاد المعاد] أنه لا يدفع من مزدلفة إلا إذا كان من الضعفاء، فإن كان من الأقوياء وجب عليه أنت يبيت حتى يصلي الفجر، ولهذا عائشة رضي الله عنها لما لم تستأذن النبي كانت تفيض مع الإمام بعد طلوع الفجر، لكن الفتوى الآن على هذا، يقول بعد نصف الليل، إذا [01:06"00] بعد نصف الليل أدركت المبيت، قالوا: إن آخر الليل يتحقق بنصف الليل، وعلى هذا فيكون هذا مذهب من ذهب إلى هذا هو الصواب، موافقة السنة، من ذهب إلى أنه لا يرخص إلا للضعفاء هذا هو الصواب الموافق للسنة، وإن كان قول الجمهور أنه يجوز للجميع أن يتقدموا، الجميع يحق له أن يتقدموا ضعيفًا أو غير ضعيف، بعد نصف الليل أيضًا بعد غيبوبة القمر.

قال أبو بكر: السنة أحق بالاتباع.

الطالب: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةَ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْتِقَاطِ الْحَصَى غَدَاةَ الْمُزْدَلِفَةِ هُوَ الْفَضْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا عَبْدُ اللَّهِ، وَأَخْبَارُ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ مُشَاسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْمٌ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ مَعَ الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَا الْفَضْلُ).

الشيخ: لأن الفضل أكبر منه.

(قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْبَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةَ مِنْ جَمْعٍ) التي هي مزدلفة، (إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ)، دل على أن المأمور بالتقاط الحصى من مزدلفة هو الفضل بن عباس؛ لأنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم، لا عبد الله.

(وَأَخْبَارُ الْفَضْلِ أَنَّهُ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى بِاللَّيْلِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ مُشَاسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ كُنْتُ فِيمَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْمٌ، لِأَنَّ الْمُقَدَّمَ مَعَ الضَّعَفَةِ مِنْ جَمْعٍ إِلَى مِنًى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ لَا الْفَضْلُ)، فإذًا الفضل هو الذي ردف النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوه عبد الله هو الذي قدم مع الضعفاء أصغر منه، الذي قدم مع الضعفاء عبد الله، والذي ردف النبي صلى الله عليه وسلم الفضل.

وقوله: (أَنَّ خَبَرَ مُشَاسٍ وهم)، ماذا قال عليه، [01:08:24] النسائي: ( هذا الحديث من طريق مشاش، وفيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ضعفاء بني هاشم أن انفروا من جمعٍ بليل). ماذا قال عليه عندك؟

الطالب: لم يعلق عليه عندي.

الشيخ: الأعرابي يقول رواه النسائي: (هذا الحديث من طريق مشاش، وفيه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ضعفاء بني هاشم أن انفروا من جمعٍ بليل)، خاص بالضعفاء.

الطالب: (‌‌بَابُ قَدْرِ الْحَصَى الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجِمَارُ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ بِالْحَصَى الْكِبَارِ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَتَخْوِيفِ الْهَلَاكِ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ).

الشيخ: نقف هنا،، وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع الجنة، سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد