شعار الموقع

سورة الزخرف - 3

00:00
00:00
تحميل
5

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (29) وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

يقول الإمام ابن كثيرٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَخَلِيلِهِ إِمَامِ الْحُنَفَاءِ، وَوَالِدِ مَنْ بُعِثَ بَعْدَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، الَّذِي تَنْتَسِبُ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي نَسَبِهَا وَمَذْهَبِهَا: أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ أَبِيهِ وَقَوْمِهِ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ، فَقَالَ: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} أَيْ: هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَهِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَخَلْعِ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَوْثَانِ، وَهِيَ "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَيْ: جَعَلَهَا دَائِمَةً فِي ذُرِّيَّتِهِ يَقْتَدِي بِهِ فِيهَا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} أَيْ: إِلَيْهَا.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُهُمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} يَعْنِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، لَا يَزَالُ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَنْ يَقُولُهَا. ورُوي نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَا قَالَهُ الْجَمَاعَةُ).

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

يقول الله تعالى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ هذه كلمة التوحيد مشتملة على النفي والإثبات ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ﴾ هذا النفي ﴿إِلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ هذا الإثبات ﴿جَعَلَهَا﴾ جعل هذه الكلمة ﴿كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ في ذريته من بعده لعلهم يرجعون، هذه كلمة التوحيد، وهي عبادة الله وحده وخلع ما سواه مما يعبد من دون الله؛ فعبادة الله هذا هو الإثبات، وخلع ما سواه هذا هو النفي مشابهًا لابد من الأمرين النفي والإثبات.

(لا إله) هذا خلع ما يُعبد من دون الله (إلا الله) إثبات العبادة لله وحده، ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ هذا النفي ﴿إِلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ هذا الإثبات، لابد من الأصلين، يتحقق الأصلين في تحقق الشهادة، لا تتحقق الشهادة إلا بهذا الأصلين قال تعالى ﴿قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ سواء نصف ﴿أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.

﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ﴾ تبرأ من أبيه وقومه، لأنهم يعبدون الأوثان، استثنى ربه ﴿إِلا الَّذِي فَطَرَنِي﴾ خلقني فهو يهدين ﴿فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾، ﴿وَجَعَلَهَا﴾ إبراهيم هذه الكلمة ﴿فِي عَقِبِهِ﴾ لعلهم يرجعون إليها، فهي باقية في عقبه إلى يوم القيامة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، حتى تُقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات.

(ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ} يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ، {وَآبَاءَهُمْ} أَيْ: فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فِي ضَلَالِهِمْ، {حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ} أَيْ: بَيِّنُ الرِّسَالَةِ وَالنِّذَارَةِ.

{وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} أَيْ: كَابَرُوهُ وَعَانَدُوهُ وَدَفَعُوا بِالصُّدُورِ وَالرَّاحِ كُفْرًا وَحَسَدًا وَبَغْيًا، {وَقَالُوا} [أَيْ] كَالْمُعْتَرِضِينَ عَلَى الَّذِي أَنْزَلَهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: {لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} أَيْ: هَلَّا كَانَ إِنْزَالُ هَذَا الْقُرْآنِ عَلَى رَجُلٍ عَظِيمٍ كَبِيرٍ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ؟ يَعْنُونَ مَكَّةَ وَالطَّائِفَ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، وابن زيد.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَعُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّ).

عروة بن المغيرة من مكة، وعروة بن مسعود الثقفي من الطائف.

(وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ: يَعْنُونَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَمَسْعُودَ بْنَ عَمْرٍو الثَّقَفِيَّ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ: عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ. وَعَنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُمْ يَعْنُونَ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَحَبِيبَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيَّ.

وَعَنْ مُجَاهِدٍ: يَعْنُونَ عُتْبَةَ بن ربيعة بمكة، وابن عبد يا ليل بِالطَّائِفِ.

وَقَالَ السُّدِّيُّ: عَنَوْا [بِذَلِكَ] الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، وَكِنَانَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثَّقَفِيَّ.

وَالظَّاهِرُ: أَنَّ مُرَادَهُمْ رَجُلٌ كَبِيرٌ مِنْ أَيِّ الْبَلْدَتَيْنِ كَانَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَادًّا عَلَيْهِمْ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ}؟ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ مَرْدُودًا إِلَيْهِمْ، بَلْ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجَعَلُ رِسَالَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يُنْزِلُهَا إِلَّا عَلَى أَزْكَى الْخَلْقِ قَلْبًا وَنَفْسًا، وَأَشْرَفِهِمْ بَيْتًا وَأَطْهَرِهِمْ أَصْلًا).

يقول الله تعالى في هذه الآيات ﴿عَتَوْا﴾ كفار قريش وعنادهم، وأن الله تعالى متعهم حتى أرسل إليهم هذا الرسول، وهذا النبي الكريم قال ﴿بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ﴾ يعني متعهم الله وأطال في أعمارهم حتى جاءهم الحق ورسولٌ مبين، وهو نبينا محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ هكذا ردوا عنادًا وجحودًا وهم يعلمون أنه رسول الله حقا، يعلمون الحق، ولكنهم دفعوا الحق وردوا الحق جحودًا وعنادًا، ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾ جاحدون، فهذا الجحود والعناد من أعظم الكفر، لأنهم لم يجهلوا الحق، وإنما عاندوا وكابروا ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ﴾.

﴿وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ اقتراح منهم، يقترحون على الله، قالوا: لماذا لم ينزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم يعني في أنفسهم وفي أعينهم، رجلٌ عظيم في مكة، ورجلٌ عظيم في الطائف، سواءً (الوليد بن المغيرة من مكة أو غيره – أو عروة بن مسعود الثقفي من الطائف أو غيره) يريدون رجلٌ كبير عظيم في أعينهم، من مكة هو رجلٌ عظيم في أعينهم من الطائف، وبزعمهم أن محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس كذلك، وأنه فقير ليس عنده مال، وإنهم يريدون مال وجاه في أعينهم.

﴿وَقَالُوا لَوْلا نزلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ قال الله تعالى ردًا عليهم ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ بين الله تعالى الحكمة، وأنه تعالى له الحكمة البالغة، وهو تعالى قسم بين العباد معايشهم، ورفع بعضهم فوق بعضٍ درجات جعلهم متفاوتين في أموالهم وفي عقولهم وفي أرزاقهم، وغير ذلك من التفاوت.

(ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا أَنَّهُ قَدْ فَاوَتَ بَيْنَ خَلْقِهِ فِيمَا أَعْطَاهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَرْزَاقِ وَالْعُقُولِ وَالْفُهُومِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقُوَى الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَقَالَ: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}

وَقَوْلُهُ: {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} قِيلَ: مَعْنَاهُ لِيُسَخِّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْأَعْمَالِ، لِاحْتِيَاجِ هَذَا إِلَى هَذَا، وَهَذَا إِلَى هَذَا، قَالَهُ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: لِيَمْلِكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا. وهو راجع إلى الأول).

وهذا من الحكمة أنهم متفاوتون، كل واحد بحاجة للآخر، كل واحد له اختصاص، هذا اختصاص بِناء، وهذا اختصاص سِباكة، وهذا اختصاص في الكهرباء، هذا اختصاصه في البيع والشراء، وهذا اختصاصه في الزراعة، وهذا اختصاصه في التجارة، يتفاوتون ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ سخر الله بعضهم لبعض، ولو كانوا على وتيرةٍ واحدة، ولو كانوا على عمل واحد لتعطلت المصالح والأعمال الأخرى، بين الله تعالى فاوت بينهم في أرزاقهم وأعمالهم وفهومهم، وقُدرهم، وذكائهم حتى تقوم مصالح العباد والأعمال، فبعضهم يخدم بعضًا، وبعضهم يسخر بعضهم بعضًا ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾ قال الشاعر:

الناس للناس من بدوٍ وحاضرةٍ
 

 

بعضهم لبعضٍ وإن لم يشعروا خدمُ
 

 

أخذًا من الآية، أفضل من هذا قول الله تعالى ﴿لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.

(ثم قال: {وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} أَيْ: رَحْمَةُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ خَيْرٌ لَهُمْ مِمَّا بِأَيْدِيهِمْ مِنَ الْأَمْوَالِ وَمَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).

لا شك أن رحمة الله خيرٌ لهم مما في أيديهم من متاع الدينا، لأن ما في أيديهم من متاع الدنيا زائل، ورحمة الله باقية، ولهذا من وفق قدم ما يكون سببًا في رحمة الله على ما يفنى ويزول.

(ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً} أَيْ: لَوْلَا أَنْ يَعْتَقِدَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الْجَهَلَةِ أَنَّ إِعْطَاءَنَا الْمَالَ دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِنَا لِمَنْ أَعْطَيْنَاهُ، فَيَجْتَمِعُوا عَلَى الْكُفْرِ لِأَجْلِ الْمَالِ -هَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِهِمْ- {لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ [عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ] } أَيْ: سَلَالِمَ وَدَرَجًا مِنْ فِضَّةٍ -قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ- {عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} ، أَيْ: يَصْعَدُونَ.

{وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا} أَيْ: أَغْلَاقًا عَلَى أَبْوَابِهِمْ {وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ}، أَيْ: جَمِيعُ ذَلِكَ يَكُونُ فِضَّةً، {وَزُخْرُفًا}، أَيْ: وَذَهَبًا. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وقتادة، والسدي، وابن زيد.

ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ الْحَقِيرَةِ عِنْدَ اللَّهِ [تَعَالَى] أَيْ: يُعَجِّلُ لَهُمْ بِحَسَنَاتِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا فِي الدُّنْيَا مَآكِلَ وَمَشَارِبَ، لِيُوَافُوا الْآخِرَةَ وَلَيْسَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنَةً يَجْزِيهِمْ بِهَا، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ. [وَقَدْ] وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: "لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ"، أَسْنَدَهُ الْبَغَوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ مَنْظُورٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ عَدَلَتِ الدُّنْيَا جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا أَعْطَى كَافِرًا مِنْهَا شَيْئًا".

ثُمَّ قَالَ: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} أَيْ: هِيَ لَهُمْ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ: فِيهَا [أَحَدٌ] غَيْرُهُمْ وَلِهَذَا لَمَّا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ صَعِدَ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْمَشْرُبَةِ لَمَّا آلَى مِنْ نِسَائِهِ، فَرَآهُ [عُمَرُ] عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ بِجَنْبِهِ فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاهُ بِالْبُكَاءِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا كِسْرَى وَقَيْصَرَ فِيمَا هُمَا فِيهِ وَأَنْتَ صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئا فجلس وقال: "أوَ في شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " ثُمَّ قَالَ: "أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَا" وَفِي رِوَايَةٍ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ؟"

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَنَا فِي الْآخِرَةِ". وَإِنَّمَا خَوَّلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا لِحَقَارَتِهَا).

لحقارة الدنيا عند الله، لا تزن عند الله جناح بعوضة.

الطالب: عندنا (لحقارته).

الشيخ: لحقارتها، لحقارة الدنيا.

(كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَوْ كَانَتِ الدُّنْيَا تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى مِنْهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ أَبَدًا"، قَالَ الترمذي: حسن صحيح).

هذا الآيات فيها بيان من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فضل الآخرة ومزيتها، وحقارة الدنيا وأنها لا تساوي شيئًا مهما أعطي الكفرة فيها من الذهب والفضة والأموال، فهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةًلولا أن يجتمع الناس على الكفر، فيكونوا أمةً واحدة لأعطى الله الكافر من الدنيا شيئًا كثيرًا، فلو أعطاه الكافر الدنيا لاغتر كثيرٌ من الناس، وظنوا أن هذا لمكانتهم وقربهم من الله ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ فيجتمعون على الكفر لأعطى الله الكافر منها ما شاء.

﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ يعني سلالم ودرج تكون من ذهب ومن فضة، يصعدون عليها ﴿عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ﴾ يصعدون، وتكون سقف الأبواب من فضة ومن ذهب، ﴿وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا﴾ من الذهب والفضة ﴿وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا﴾ الزخرف الذهب، لولا أن يجتمع الناس على الكفر، ويكونوا أمةً واحدة لأعطى الله الكافر من الدنيا من الذهب والفضة، أعطاهم الله أبواب من ذهب ومن فضة، وسرر من ذهب ومن فضة، وسُقف البيوت والدرج والسلالم التي يظهرون عليها، وأعطاهم الله الزخرف الذهب، لأنها لا تساوي عند الله شيئًا، ولهذا قال ﴿وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ كل هذا مؤقت في الدنيا الفانية سوف تزول وتخلفها الآخرة الباقية، وأما الآخرة فهي خاصة خالصة للمؤمنين، ولهذا قال سبحانه ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ خالصة خاصة للمتقين الذين اتقوا الشرك والمعاصي ووحدوا الله وأخلصوا له العبادة.

ولهذا قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الحديث الصحيح «لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صِحافهما، فإنها لهم (يعني الكفرة) في الدنيا ولكم في الآخرة».

وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» حديث صحيح، تدل على أن الدنيا مشتركة، في الحديث الآخر «يُعطيها الله البر والفاجر».

وأما الدين فلا يعطيه الله إلا من يحب؛ فمن أحبه الله أعطاه الدين، والدنيا تكون للمؤمن وللكافر، يعطيه الله لهؤلاء وهؤلاء، والمؤمن يستعين بها على طاعة الله مما يعطيه، بسبب عطاء الله، وإذا وفقه الله كسبها من الوجوه الشرعية، وأنفقها في مصارفها الشرعية فتكون زيادةً في حسناته وثوابه، وأما من لم يُوفق فإنه يكسبها من وجوهٍ محرمة وينفقها في الوجوه المحرمة فتكون وبالًا عليه وزيادةً في عذابه، نسأل الله السلامة والعافية، وأما الآخرة فهي خاصة بالمؤمنين الذين وحدوا الله وأخلصوا له العبادة واتقوا الشرك والمعاصي، فالثواب والأجر والحسنات والجنة خاصةٌ للمؤمنين.

ولهذا أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مؤذنين في الحجة التي حج فيها أبي بكر في السنة التاسعة ان يؤذنوا في الناس بمنى بأربع كلمات، ومنها «لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة» فالجنة خاصةٌ بالمؤمنين خالصة للمؤمنين ﴿وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منها.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام الحافظ ابن خزيمة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في كتابه مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

بَابُ قَدْرِ الْحَصَى الَّذِي يُرْمَى بِهِ الْجِمَارُ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ بِالْحَصَى الْكِبَارِ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، وَتَخْوِيفِ الْهَلَاكِ بِالْغُلُوِّ فِي الدِّينِ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، وَهَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ، قَالَ: أَفَاضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا هَبَطَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ حَذْفَ الرَّجُلِ.

وَقَالَ هَارُونُ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.

الشيخ: هذا الخبر ابن عباس يقول: إياكم والغلو في الدين، هذا عام.

والغلو: هو الزيادة عن ما أمر الله به، ومن ذلك رمي الحصى الكبار، هذا زيادة هذا مشروع فيكون من الغلو في الدين.

وتخويف الهلاك من الغلو في الدين هو العقاب الهلاك، قال: إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين، في التحذير من الغلو في الدين وأنه سبب الهلاك.

في حديث ابن عباس تخرجه؟

الطالب: لم يذكر تخريج، قال: سبق تخريجه عند الحديثين.

الشيخ: فيه أن النبي لَمَّا هَبَطَ بَطْنَ مُحَسِّرٍ (وهو الوادي)، قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، وهو ما يخذف الإنسان بالحصى الصغيرة التي يحذفها بين أصبعيه، وهي بمقدار حبة الفول، بمقدار بعرة الغنم، هذا حصى الخذف.

اللفظ الآخر: قال: بأمثال هؤلاء فرد وإياكم والغلو.

فالرمي بالحجارة الكبار بناءً على أنه يبلغ من الصغر من الغلو، قال: عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ، وَيُشِيرُ بِيَدِهِ حَذْفَ الرَّجُلِ، يعني بإصبعه، هذا هو حصى الجمار ما يكون يُرمى بين أصبعين، أما الكبير فلا يُرمى بإصبعين، والصغير كذلك لا يُرمى به.

ولهذا قال العلماء: فلا تجزئ صغيرةٍ جدًا، ولا كبيرةٍ جدًا، لا تجزئ صغيرة مثل حبة الحنطة، ولا كبيرة مثل التمرة، وإنما يكون حصى الخذف ما يُخذف بين الإصبعين.

الطالب: ثم قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالاَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، وَهُوَ ابْنُ الْمُفَضَّلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَهُوَ ابْنُ حَرْمَلَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ هِنْدَ، عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عَمْرٍو الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا وَقَفْنَا بِعَرَفَاتٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا إِحْدَى إِصْبَعَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، فَقُلْتُ لِعَمِّي: يَا عَمِّ مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: ارْمُوا الْجِمَارَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَاذِفِ.

وَقَالَ بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ هِنْدَ عَنْ حَرْمَلَةَ، قَالَ: حَجَجْتُ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَمُّ حَرْمَلَةَ بْنِ عَمْرٍو سِنَانُ بْنُ سَنَّةَ سَمَّاهُ وُهَيْبٌ.

التخريج: هذا الحديث إسناده ضعيف لجهالة يحيى بن هند فقد تفرد بالرواية عن عبد الرحمن بن حرملة على أن الجزء المرفوع من الحديث الصحيح، وأخرجه ابن سعد في الطبقات، وأحمد وابن أبي عاصمٍ في الآحاد والمثاني، والبزار كما في كشف الأستار، والطبراني في الكبير.

الشيخ: لكن «وإياكم والغلو» هذا مرفوع الحديث، وكذلك قوله «مثل حصى الخذف» لكن بهذا السند فيه ضعف في الحديث السابق قال: بأمثال هؤلاء، وهي حصى الخذف، قال «وإياكم والغلو في الدين» فهذا ثابت.

الطالب: ثم قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ كُرَيْبٍ، بِخَبَرٍ غَرِيبٍ غَرِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْيم.

الشيخ: عبد الرحيم أم عبد الرحمن.

الطالب: نعم، قال في الأصل عبد الرحمن، وهو خطأ، انظر تهذيب الكمال.

قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْيم بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ.

التخريج: قال إسناده صحيح، أخرجه النسائي، وأبو يعلى من طريق عبيد الله بن عمر به، ومسلم.

الشيخ: المؤلف يقول بخبرٍ غريب غريب من جهة السند لم يتكلم عليه؟ فيه عنعة الزبير عن جابر، لكن في مسلم؟

الطالب: في مسلم صرح بالسماع.

الشيخ: قول المؤلف: خبرٍ غريب غريب، استغربه المؤلف مع إن الحديث صحيح، لم يتكلم في الحاشية عليه؟

الطالب: لم يتكلم، إنما إخراج النسائي وأبو يعلى...

الشيخ: الجمرة بمثل حصى الخذف، صريح بأنها حصى الخذف، وكذلك الأحاديث السابقة قال: بمثل هؤلاء لما وضع في يده ارموا.

وكذلك الحديث السابق «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ»، كلها تدل على أن الحصى التي رمى بها هي التي بمقدار ما يحسب بها بين الأصبعين، والعلماء قدروه بمثل بعرة الغنم، ومثل حبة الفول.

الطالب: ثم قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (ح) وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، يَعْنِي ابْنَ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى، وَأَخْبَرَ مَعْمَرٌ وَاحِدًا، يَعْنِي جَمْرَةً وَاحِدَةً، وَقَالاَ: وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ، فَعِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.

الشيخ: أخرجه الإمام مسلم عن علي بن خشرم، من معه؟

الحديث فيه أن الجمرة يوم العقبة تُرمى ضحى، يوم العيد تُرمى جمرة العقبة ضحى، وأما أيام التشريق فإنها بعد زوال الشمس، يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر تكون بعد زوال الشمس.

الطالب: رميها قبل الفجر؟

الشيخ: هذا على ما ذهب إليه جمع من أهل العلم وهو في [37:49] كبار العلماء: أن الرمي يمتد من زوال الشمس إلى طلوع الفجر؛ فتكون الليلة تابعة إلى لليوم السابق.

الطالب: لا، شيخنا هي ليلة العيد الذين يأتون مبكرين...

الشيخ: ليلة العيد نعم، النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص للضعفاء أن يرموا في آخر الليل قبل خطوة الناس، هذا بعد غيبوبة القمر يدفعوا ثم يرموا قبل خطوة الناس، وسيأتي أيضًا بعد هذا المؤلف تكلم .. سيأتي التراجم بعد هذا.

أما هذا الحديث ففيه أن جمرة العقبة يوم العيد تُرمى ضحى يعني للأقوياء بعد طلوع الشمس، وأما الجمرات الثلاث؛ فإنما تُرمى في أيام التشريق بعد الزوال.

الطالب: بَابُ إِبَاحَةِ رَمْيِ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا.

أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو الْحُسَينِ عَلِيُّ بْنُ الْمُسْلِمِ السُّلَمِيُّ، قَالَ حدَثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الشيخ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّابُونِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ (ح) وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَالَ لَنَا: خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ.

التخريج: مسلم، والبيهقي، والبغوي، من طريق عيسى عن ابن جريجٍ به، وأخرجه أحمد من طريق محمد ابن بكر، عن ابن جريج، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، والبيهقي من طرقٍ عن ابن جريج.

الشيخ: في ما ترجم له المؤلف إِبَاحَةِ رَمْيِ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا، يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رمى جمرة العقبة على راحلته راكبًا، وأما بعد ذلك كان يرمي الجمار في أيام التشريق ماشيًا، ولهذا قال: بَابُ إِبَاحَةِ رَمْيِ الْجِمَارِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا.

والأمر في هذا واسع راكبًا أو ماشيًا وقعت في المرمى فإنه أدى العبادة، ولهذا قالوا:... الزبير صرح بالسماع هنا أنه سمع جابر  رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَقَالَ لَنَا: خُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لاَ أَدْرِي لَعَلِّي لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ.

ودع الناس كانوا يحجون بعده حجتان-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

الطالب: بَابُ الزَّجْرِ عَنْ ضَرْبِ النَّاسِ وَطَرْدِهِمْ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَيْمَنَ بْنَ نَابِلٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ قُدَامَةَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ.

قال في نسخة: ناقته صهباء.

الشيخ: ناقةٍ مثل ما عندك بالإضافة.

الطالب: لاَ ضَرْبَ وَلاَ طَرْدَ وَلاَ إِلَيْكَ إِلَيْكَ.

التخريج: إسناده حسن من أجل أيمن ابن نابل، وأخرجه الطيالسي، وأحمد، وعبد بن حميد، وابن ماجه، والترمذي، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، وعبد الله بن أحمد في زياداته، والنسائي وفي الكبرى له.

الشيخ: نعم، حسنه أيضًا الأعظمي فيه ما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رمى الجمرة على ناقته، وأنه لم يضرب الناس، لم يطرد الناس ولم يُضربوا، وليس هناك زحام، ولا إليك إليك يعني إليك عني ابعد عني، رماها بهدوء وراحة ليس فيه زحام ولا طرد ولا ضرب من حوله، ولهذا ترجم (بَابُ الزَّجْرِ عَنْ ضَرْبِ النَّاسِ وَطَرْدِهِمْ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ).

يعني نبغي أن يؤدي الإنسان العبادة براحة وطمأنينة، وينبغي للإنسان بقدر الإمكان يحاول عدم إيذاء الناس، وعدم الزحام، لا يزاحم إلا بقدر ما تدعوا الحاجة إليه من وصوله إلى الجمرة.

الطالب: بَابُ ذِكْرِ الْمَوْقِفِ الَّذِي تُرْمَى مِنْهُ الْجِمَارَ، وفي نسخة يَرْمِي.

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ (ح) وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: لاَ تَقُولُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ قُولُوا: السُّورَةُ الَّتِي تُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَبْدِ اللهِ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ، ثُمَّ اسْتَعْرَضَهَا، يَعْنِي الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَكَبَّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، فَقُلْتُ: إِنَّ نَاسًا يَصْعَدُونَ الْجَبَلَ، فَقَالَ هَا هُنَا وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ رَأَيْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ رَمَى.

هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الدَّوْرَقِيِّ.

التخريج: حديثٌ صحيح، أخرجه الحميدي، وأحمد، والبخاري، ومسلم.

الشيخ: فيه أن عبد الله بن مسعود رمى جمرة العقبة (استبطن الوادي) يعني صار في بطن الوادي جعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ثم استعرضها، رماها بسبع حصيات فكبر مع كل حصاة، قال عبد الرحمن بن يزيد (فَقُلْتُ: إِنَّ نَاسًا يَصْعَدُونَ الْجَبَلَ) لأن جمرة العقبة كانت متكأه على الجبل سابقًا ثم أزيل الجبل، فبعض الناس يصعدون الجبل ويرمونها من الخلف فتقع في الحوض، هذا لا بأس، يُجزي، لكن الأفضل أن يستبطن الوادي، فعبد الرحمن ابن يزيد كان مع عبد الله بن مسعود الصحابي الجليل قال: إن ناس يصعدون الجبل، قال في أفضل من هذا (استبطن الوادي) هذا المكان الذي رمى منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (استبطن الوادي) يعني يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، تكون القبلة عن يساره كما سيأتي الترجمة.

قال: رَأَيْتُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ رَمَى من هذا، فيه رد على الحجاج بن يوسف الذي يقول: لا تقولوا سورة البقرة، الحجاج يتورع، لا تقولوا سورة البقرة، قولوا السورة التي ذكر فيها البقرة، تورع من هذا، لكن لم يتورع من إراقة الدماء، نسأل الله العافية.

فلا بأس بقول سورة البقرة، ولا عبرة بقول الحجاج لا تقولوا، قال هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة، لا بأس بقول سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة النساء، أما قول الحجاج: لا تقولوا سورة البقرة، قولوا السورة التي ذُكر فيها البقرة، السورة التي ذُكر فيها آل عمران، السورة التي ذُكر فيها .... هذا لا وجه له، لا وجه لهذا الورع مع ثبوت السنة.

أيضًا هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ الدَّوْرَقِيِّ

الطالب: بَابُ اسْتِقْبَالِ الْجَمْرَةِ عِنْدَ رَمْيِهَا وَالْوُقُوفِ عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ.

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ (ح) وَحَدَّثَنَا الزَّعْفَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، وَمَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّهُ حَجَّ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَنَّهُ رَمَى الْجَمْرَةَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، وَقَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ لَمْ يَقُلِ الزَّعْفَرَانِيُّ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ عَبْدِ اللهِ، وَقَالَ: وَرَمَى عَبْدُ اللهِ الْجَمْرَةَ

الشيخ: نعم، هذا في الصحيح كما ذكره الشيخان وغيرهما، وفيه أن عبد الله بن مسعود رمى الجمرة جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وإذا كان كذلك تكون القبلة عن يساره قليلًا، كما هو موجود الآن جمرة من أمامها تُرمى، أما الخلف هذا ما كان فيها الجبل.

الطالب: الآن لا يوجد جبال، دكوا الجبال وأصبحت الجمار واضحة.

الشيخ: حتى من خاف صار في حوض الآن، ثم قال عبد الله بن مسعود هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ، صريح في أنه يجوز أن نقول سورة البقرة خلافًا للحجاج الذي يقول لا تقولوا سورة البقرة، قولوا السورة التي تذكر فيها البقرة.

الطالب: لكن الرمي يتحرى الشاخص؟

الشيخ: لا، لا يضرب الشاخص إنما يقعها في المرمى، وإذا ضرب الشاخص وسقطت في المرمى أجزأه، لكن ليس المطلوب رمي الشاخص.

الطالب: [50:25].

الشيخ: سيأتي في الجمرات الثلاث يجعل القبلة أمامه إن تيسر، وإن لم يتيسر يرميها من أي جهة ولا يزاحم، المهم تقع في المرمى، إذا وقعت في المرمى أجزأه، لكن الأفضل الاستحباب إن تيسر.

الطالب: بَابُ التَّكْبِيرِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ يَرْمِيهَا لِلْجِمَارِ.

حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَخِيهِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ، وَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.

قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِخَبَرِ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ بَابٌ غَيْرُ هَذَا.

الشيخ: الحديث إسناده صحيح كيفما ذكر الشيخ، أنه رواه البيهقي في السنن الكبرى، ماذا قال عنها؟

الطالب: قال: صحيحٌ أخرجه الشافعي في المسند، وأحمد، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والنسائي، وأبو يعلى، والطبراني في الكبير، والبيهقي.

الشيخ: والترجمة فيها أن الفضل كان رديف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مزدلفة إلى منى وأنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة.

إذا رمى الجمرة وقف عن التلبية، وفيه أنه تُرمى بسبع حصيات، وأن يُكبروا مع كل حصاة، هذا هو السنة، الله أكبر واحدة بعد واحدة ولا يرميها مرة واحدة بل واحدة بعدها الله أكبر الله أكبر الله أكبر.

ذكر المؤلف أن عمر ابن حفص الشيباني عن حفص ابن غياث له بابٌ غير هذا.

الطالب: بَابُ الذِّكْرِ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ.

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ، وَهُوَ ابْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ.

الشيخ: الأعظمي قال: إسنادٌ صحيح في المستدرك على الحاكم، ماذا قال عليه؟

الطالب: لم يذكر تخريج.

قال: إسناده ضعيف، لضعف عُبيد الله بن أبي زياد، وقد تفرد به، وهو معلولٌ بالوقف، قال: المزيُ كذلك رواه عبد الله بن داود الخريبي، وأبو عاصمٍ النبيل عن عبيد الله رفعاه، ورواه يحيى بن سعيد عن عبيد الله فجعله من قول عائشة، فأخبره أبو حفص الفلاس بقول ابن داود وأبي عاصمٍ فقال يحيى قال: سمعت عبيد الله يُحدثه مرفوعًا ولكني أهابه، ورواه أبو قُتيبة سَلمُ بن قتيبة عن سفيان عن عبيد الله ولم ينفعه، وكذلك رواه أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن القاسم، وكذلك رواه يزيد بن زريع عن حسين المعلم عن عطاء عن عائشة قولها، وكذلك أخرجه أبو داود، والفاكهي في أخبار مكة، والترمذي، وابن الجارود من طريق عيسى بن يونس عن عبيد الله به، وأخرجه ابن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن أبي زياد عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها موقوفًا، وأخرجه عبد الرزاق والفاكهي في أخبار مكة من طريق ابن جريج من طريق حبيب المعلم كلاهما عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة موقوفًا، وهذا إسنادٌ حسن من أجل حبيب المعلم وابن جريج وإن لم يصرح بالسماع متابع.

الشيخ: الشيخ الناصر حسن إسناده، قال: صحيح.

 وعلى كل حال إذا كان موقوف عن عائشة مثل هذا لا يقال بالرأي هذا له حكم الرفع (إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ) والمعنى يصح، ذكر الله من عبادته إقامة ذكر الله -عَزَّ وَجَلَّ- (إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْيُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللهِ) والذكر يكون بالقول وبالفعل، الرامي حينما يقول: الله أكبر وتقول الله قولًا، ورمي الجمار أيضًا ذكر الله بالفعل، حينما يعبد الإنسان ربه يكون ذاكرًا لربه، وحينما يقرأ القرآن ويسبح ويهلل يكون ذاكر ربه بالقول، وحينما يصلي ذكره بالقول وبالفعل، فالمعنى صحيح.

الطالب: نرى بعض الحجاج عندما .... بالنسبة للتكبير بعض الناس في الطواف يقولون: بسم الله والله أكبر عند الإشارة.

الشيخ: الأولى يكون في البدء، ثم بعد ذلك يُكبر، أول ما يبدأ جاء بالتسمية والتكبير، ثم إذا حدث كبر إذا حدث مرة ثانية وثالثة وما بعدها.

الطالب: ولفظ الصفا والمروة، عندما يكبر يبدأ بسم الله ولا ...

الشيخ: عند قربه منه [57:58] أبدأ ما بدأ الله به ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ ثم يرفع يديه ويهلل ويذكر الله ويدعوا.

الطالب: عند رمي الجمرات في بعضهم يقول: بسم الله والله أكبر.

الشيخ: التكبير الله أكبر الله أكبر الله أكبر، هذا الوارد.

الطالب: في حديث جابر هذا نصه.

وفق الله الجميع لطاعته.

رزق الله العلم النافع والعمل به.

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد