شعار الموقع

سورة الزخرف - 6

00:00
00:00
تحميل
5

الاثنين 17-1-1441ه

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله.

اللهم اغفر لنا لشيخنا وللحاضرين والمستمعين برحمتك يا أرحم الرحمين.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

({وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (62) وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65)}).

يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَعَنُّتِ قُرَيْشٍ فِي كُفْرِهِمْ وَتَعَمُّدِهِمُ الْعِنَادَ وَالْجَدَلَ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ: يضجون، أَيْ: أُعْجِبُوا بِذَلِكَ).

الشيخ: يضجون؟ هل هكذا عندكم؟

طالب آخر: يضحكون.

الطالب: عندي قال كذا في المسند، والطبري وفي الأصل والطبعات صحح بلفظ يضحكون.

لشيخ: هذا تحقيق من؟

الطالب: تحقيق حكمت بشير.

الشيخ: يضحكون مرت معنا في قصة موسى مع فرعون، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُونَ﴾[الزخرف:47].

الطالب: (يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَعَنُّتِ قُرَيْشٍ فِي كُفْرِهِمْ وَتَعَمُّدِهِمُ الْعِنَادَ وَالْجَدَلَ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ: يضجون، أَيْ: أُعْجِبُوا بِذَلِكَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يَجْزَعُونَ وَيَضْحَكُونَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يُعْرِضُونَ. وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ حَيْثُ قَالَ).

الشيخ: الصدود أصله الأعراض، يصدون يعني يعرضون

الطالب: (وَكَانَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ حَيْثُ قَالَ: وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فِيمَا بَلَغَنِي-يَوْمًا مَعَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حَتَّى جَلَسَ مَعَهُمْ، وَفِي الْمَجْلِسِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ، فَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَ لَهُ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، فَكَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَفْحَمَهُ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} الْآيَاتِ [الْأَنْبِيَاءِ: 98] . ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزّبعَرى التَّمِيمِيُّ حَتَّى جَلَسَ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ لَهُ: وَاللَّهِ مَا قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ لِابْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَمَا قَعَدَ، وَقَدْ زَعَمَ مُحَمَّدٌ أَنَّا وَمَا نَعْبُدُ مِنْ آلِهَتِنَا هَذِهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ لَخَصَمْتُه، سَلُوا مُحَمَّدًا: أَكُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي جَهَنَّمَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَالْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، وَالنَّصَارَى تَعْبُدُ الْمَسِيحَ [عِيسَى] ابْنَ مَرْيَمَ؟ فَعَجِبَ الْوَلِيدُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبَعْرَى، وَرَأَوْا أَنَّهُ قَدْ احْتَجَّ وَخَاصَمَ، فذُكِر ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "كُلُّ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُعْبَدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَهُوَ مَعَ مَنْ عَبَدَهُ، فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ وَمَنْ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ" فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 101] أَيْ: عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَمَنْ عُبِدَ مَعَهُمَا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ الَّذِينَ مَضَوْا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَاتَّخَذَهُمْ مَنْ يَعْبُدُهُمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَنَزَلَ فِيمَا يَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَأَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} الآيات [الأنبياء: 26] ، ونزل فِيمَا يُذْكَرُ مَنْ أَمْرِ عِيسَى وَأَنَّهُ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ. وَعَجَبِ الْوَلِيدِ وَمَنْ حَضَرَهُ مِنْ حُجَّتِهِ وَخُصُومَتِهِ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} أَيْ: يَصِدُّونَ عَنْ أَمْرِكَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ عِيسَى فَقَالَ: {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ}).

الشيخ: بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى وصحبه أجمعين.

أما بعد..

هذه الآيات الكريمة يقول: ({وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ{، لما ضربه الله تعالى مثلًا لقريش، صدوا وأعرضوا، أعرضوا ومنهم من سخر ومنهم من ضحك، والصدود أصله الإعراض، أعرضوا عن ذلك لعنادهم وعتوهم، وأما قصة إزباري و [07:14] منقطعة، ضعيفة؛ لأنها ذكرها بلاغًا والبلاغ منقطع، ولكن يستأنس بها، والآية واضحة معناها في إعراضهم وعنادهم وكفرهم.

{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (58) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا{، استفهام إنكار، هل الآلهة خير من عيسى الذي عبد من دون الله، ولما قالوا أن... أخبر الله تعالى أنهم وما يعبدون من دون الله حصب جهنم، ولما اعترضوا على ذلك أنزل الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾[الأنبياء:101]، فالذين لم يرضوا عبادة معبوديهم لا يدخلون في هذا العموم، إنك وما تعبدون من دون الله، عيسى والملائكة وعزير ومن كان لا يرضى فهو مستثنى، [08:10]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾[الأنبياء:101]، ومن رضي بالعبادة فهو حصب جهنم، وكذلك المعبودات من الجماد كالشمس والقمر والحجارة ، ....كلها تكون مع عابديها في نار جهنم، نسأل الله السلامة والعافية، زيادة في نكالهم وعذابهم.

الطالب:( وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ. وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أَيْ: مَا وَضَعْتُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْآيَاتِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ، فَكَفَى بِهِ دَلِيلًا عَلَى عِلْمِ السَّاعَةِ، يَقُولُ: {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}.

وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ العَوفي، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} قَالَ: يَعْنِي قُرَيْشًا، لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 98] إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ: فَمَا ابْنُ مَرْيَمَ؟ قَالَ: "ذَاكَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يُرِيدُ هَذَا إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَهُ رَبًّا، كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَبًّا، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا شَيْبَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ أَبِي رَزِين، عَنْ أَبِي يَحْيَى -مَوْلَى ابْنِ عُقَيْلٍ الْأَنْصَارِيِّ-قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ عَلِمْتُ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ مَا سَأَلَنِي عَنْهَا رَجُلٌ قَطُّ، فَمَا أَدْرِي أَعَلِمَهَا النَّاسُ فَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْهَا، أَمْ لَمْ يَفْطِنُوا لَهَا فَيَسْأَلُوا عَنْهَا. قَالَ: ثُمَّ طَفِقَ يُحَدِّثُنَا، فَلَمَّا قَامَ تَلَاوَمْنَا أَلَّا نَكُونَ سَأَلْنَاهُ عَنْهَا. فَقُلْتُ: أَنَا لَهَا إِذَا رَاحَ غَدًا فَلَمَّا رَاحَ الْغَدُ قُلْتُ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، ذَكَرْتَ أَمْسِ أَنَّ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ لَمْ يَسْأَلْكَ عَنْهَا رَجُلٌ قَطُّ، فَلَا تَدْرِي أَعَلِمَهَا النَّاسُ أَمْ لَمْ يَفْطِنُوا لَهَا؟ فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْهَا وَعَنِ اللَّاتِي قَرَأْتَ قَبْلَهَا. قَالَ: نَعَمْ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِقُرَيْشٍ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِيهِ خَيْرٌ"، وَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ النَّصَارَى تَعْبُدُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، وَمَا تَقُولُ فِي مُحَمَّدٍ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى كَانَ نَبِيًّا وَعَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ صَالِحًا، فَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا كَانَ آلِهَتُهُمْ كَمَا تَقُولُونَ؟ قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} . قُلْتُ: مَا يَصِدون؟ قَالَ: يَضْحَكُونَ، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} قَالَ: هُوَ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَبْلَ الْقِيَامَةِ).

الشيخ: هذه الآيات فيها بيان في شأن عيسى عليه السلام، وأن الله تعالى ضربه مثلًا وأن قريشًا صدوا وأعرضوا {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ}، وأن قصدهم بذلك الخصوم وهو الجدل، ولهذا قال: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}.

ثم بين الله تعالى حال عيسى، قال: {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ}، فهو عبد من عباد الله ليس إلهًا كما تزعم النصارى، إنما هو عبد أنعم الله عليه بالنبوة والرسالة وجعله مثلًا لبني إسرائيل، فقد خلقه الله تعالى من أمٍ بلا أب، وأجرى عليه الخوارق، خوارق العادات من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وإخبارهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، هذه المعجزات.

 {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ}، لكنه سبحانه وتعالى أراد أن يكون الأنبياء من البشر.

{وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ{؛ لأن عيسى علم لما جرى عليه من إخراج الموتى وإحياء الموتى، هذا دليل على البعث، وظاهر الآية هو {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ{، أن نزول عيسى علم من أعلام الساعة، يعني شرط من أشراطها كما جاء في الأحاديث الصحيحة؛ لأن عيسى رفع، رفعه الله، ثم ينزل في آخر الزمان يحكم بشريعة نبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون فضلًا من هذه الأمة المحمدية، ويتوفاه الله، فنزوله أحد أشراط الساعة الكبار.

وفي قراءة {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ{، كما أشار إليه المؤلف، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا{، فلا تشكون في الساعة، فإنها واقعة لا محالة، {وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ{.

طالب آخر: في المسند بدل قوله يضحكون، يضجون.

الشيخ: يضجون أقرب، يضجون هو نوع من الإعراض، يعني يعرضون.

الطالب: (وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شَيْبَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ مَوْلَى الْأَنْصَارِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِيهِ خَيْرٌ". فَقَالُوا لَهُ: أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى كَانَ نَبِيًّا وَعَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ صَالِحًا، فَقَدْ كَانَ يُعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ}.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} : قَالَتْ قُرَيْشٌ: إِنَّمَا يُرِيدُ مُحَمَّدٌ أَنْ نَعْبُدَهُ كَمَا عَبَدَ قَوْمُ عِيسَى عِيسَى. وَنَحْوَ هَذَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَوْلُهُ: {وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ} : قَالَ قَتَادَةُ: يَقُولُونَ: آلِهَتُنَا خَيْرٌ مِنْهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هَذَا"، يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَوْلُهُ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا} أَيْ: مِرَاءً، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّهَا لِمَا لَا يَعْقِلُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 98]. ثُمَّ هِيَ خُطَّابٌ لِقُرَيْشٍ، وَهُمْ إِنَّمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَالْأَنْدَادَ، وَلَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَ الْمَسِيحَ حَتَّى يُورِدُوهُ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ مَقَالَتَهُمْ إِنَّمَا كَانَتْ جَدَلًا مِنْهُمْ، لَيْسُوا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهَا.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ، إِلَّا أُورِثُوا الْجَدَلَ"، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} .وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ كَذَا قَالَ.

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِزِيَادَةٍ فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا مؤمَّل، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَخْزُومٍ، عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ -قَالَ حَمَّادٌ: لَا أَدْرِي رَفَعَهُ أَمْ لَا؟ -قَالَ: مَا ضَلَّتْ أُمَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا إِلَّا كَانَ أَوَّلَ ضَلَالِهَا التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ، وَمَا ضَلَّتْ أُمَّةٌ بَعْدَ نَبِيِّهَا إِلَّا أُعْطُوا الْجَدَلَ، ثُمَّ قَرَأَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يَتَنَازَعُونَ فِي الْقُرْآنِ، فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى كَأَنَّمَا صُبَّ عَلَى وَجْهِهِ الْخَلُّ، ثُمَّ قَالَ: "لَا تَضْرِبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَإِنَّهُ مَا ضَلَّ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ"، ثُمَّ تَلَا {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}.

وَقَوْلُهُ: {إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} يَعْنِي: عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَا هُوَ إِلَّا عَبْدٌ [مِنْ عِبَادِ اللَّهِ] أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، {وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ} أَيْ: دَلَالَةً وَحُجَّةً وَبُرْهَانًا عَلَى قُدْرَتِنَا عَلَى مَا نَشَاءُ.

وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ} أَيْ: بَدَلَكُمْ {مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ}، قَالَ السُّدِّيُّ: يَخْلُفُونَكَ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا يَخْلُفُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُعَمِّرُونَ الْأَرْضَ بَدَلَكُمْ {مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ}.

الشيخ: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ}، يعني يخلفونكم فيها.

الطالب: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ} أَيْ: بَدَلَكُمْ {مَلائِكَةً فِي الأرْضِ يَخْلُفُونَ}.

الشيخ: يعني يكونوا بدلكم، يعني يذهبكم الله ويأتي بدلكم ملائكة، وقيل ملائكة يخلف بعضهم بعضًا، وهذا يستلزم [22:40].

الطالب: (وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} : تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ ابْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ: مَا بُعث بِهِ عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْقَامِ. وَفِي هَذَا نَظَرٌ. وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَا حَكَاهُ قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَيِ الضَّمِيرُ فِي {وَإِنَّهُ} ، عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ، بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى عِيسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ]، فَإِنَّ السِّيَاقَ فِي ذِكْرِهِ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ نُزُولُهُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} أَيْ: قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ثُمَّ {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النِّسَاءِ: 159]، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى: "وَإِنَّهُ لعَلَم لِلسَّاعَةِ")

الشيخ: "وَإِنَّهُ لعَلَم لِلسَّاعَةِ"؟

الطالب:("وَإِنَّهُ لعَلِم لِلسَّاعَةِ" أَيْ: أَمَارَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ السَّاعَةِ).

الشيخ: لم يجعل فيها قراءة؟ "وَإِنَّهُ لعَلَم لِلسَّاعَةِ"، والأمارة هي العلم، فسرها في التفسير، "وَإِنَّهُ لعَلَم لِلسَّاعَةِ".

الطالب: ليست متواترة.

الشيخ: "وَإِنَّهُ لعَلَم لِلسَّاعَةِ"، وإنه لأمارة، هذا معنى العلم أنه أمارة، فالتفسير يؤيد هذا.

الطالب: لكن عَلَم ليست متواترة.

الشيخ: هو لم يقل متواترة، قال مؤيد للقراءة الأخرى.

الطالب: (قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أَيْ: آيَةٌ لِلسَّاعَةِ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

الشيخ: كل آية وأمارة، كل يؤيد أن القراءة إنه لعَلَم.

الطالب:(قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ} أَيْ: آيَةٌ لِلسَّاعَةِ خُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

الشيخ: وهذا مؤيد لقوله: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}، قول مجاهد.

الطالب: (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَعِكْرِمَةَ، والحسن وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أَخْبَرَ بِنُزُولِ عِيسَى [ابْنِ مَرْيَمَ]، عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِمَامًا عَادِلًا وَحَكَمًا مُقْسِطًا.

وَقَوْلُهُ: {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} أَيْ: لَا تَشُكُّوا فِيهَا، إِنَّهَا وَاقِعَةٌ وَكَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ، {وَاتَّبَعُونِ} أَيْ: فِيمَا أُخْبِرُكُمْ بِهِ {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} أَيْ: عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ}).

الشيخ: في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا}، القول الأول أنها أنما جاء به عيسى من الآيات من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص أن هذا دليل على البعث، والقول الثاني أنه ضمير يعود إلى عيسى، {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}، أي نزوله في آخر الزمان شرط من أشراط الساعة، ويؤيده القراءة الأخرى {وَإِنَّهُ لَعَلَمٌ لِلسَّاعَةِ}، {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا}، لا تشكون فيها، {وَاتَّبَعُونِ}، فيما جئتكم به، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن هو الصراط المستقيم، {وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ}، عن الحق، {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.

الطالب: (وَقَوْلُهُ: {فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا} أَيْ: لَا تَشُكُّوا فِيهَا، إِنَّهَا وَاقِعَةٌ وَكَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ، {وَاتَّبَعُونِ} أَيْ: فِيمَا أُخْبِرُكُمْ بِهِ {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ. وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} أَيْ: عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ} أَيْ: بِالنُّبُوَّةِ {وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ لَا الدُّنْيَوِيَّةِ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ جَيِّدٌ، ثُمَّ رَدَّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ "بَعْضَ" هَاهُنَا بمعنى "كل"، واستشهد بقول لبيد الشاعر: تَرّاك أمْكنَة إذَا لَمْ أرْضَها أَوْ يَعْتَلق بَعْضَ النُّفُوسِ حمَامُها)

الشيخ: هلاكها، (يَعْتَلق بَعْضَ النُّفُوسِ حمَامُها) يعني كل النفوس.

الطالب:(وأولوه على إنما أراد جميع النفوس.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَإِنَّمَا أَرَادَ نَفْسَهُ فَقَطْ، وَعَبَّرَ بِالْبَعْضِ عَنْهَا. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ.
وَقَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} أَيْ: [فِيمَا] أَمَرَكُمْ بِهِ
).

الشيخ: {وَلَمَّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ{، أي بالحجج والبراهين، من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وإخبارهم بما يأكلون وما يدخرون، {قَالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}، يعني من الأمور الدينية، قال بعضهم: جميع الذي تختلفون فيه، والأقرب أنها على ظاهرها، ما يتعلق بأمور الدين لا أمور الدنيا، {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.

الطالب: (وَقَوْلُهُ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ} أَيْ: [فِيمَا] أَمَرَكُمْ بِهِ، {وَأَطِيعُونِ} ، فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أَيْ: أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ لَهُ، فُقَرَاءُ إِلَيْهِ، مُشْتَرِكُونَ فِي عِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} أَيْ: هَذَا الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ عِبَادَةُ الرَّبِّ، عَزَّ وَجَلَّ، وَحْدَهُ).

الشيخ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}، {فَاتَّقُوا اللَّهَ} فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ من الشرائع والأوامر، {وَأَطِيعُونِ}، فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ}، فنحن جميعًا عبيد لله عز وجل، والله تعالى هو المستحق للعبادة، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}، هذا الذي جاء به [31:25] هو الصراط المستقيم، وما جاء به من القرآن والإسلام.

الطالب: (وَقَوْلُهُ: {فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ} أَيِ: اخْتَلَفَتْ الْفِرَقُ وَصَارُوا شِيَعًا فِيهِ، مِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّ بِأَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ -وَهُوَ الْحَقُّ-وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ وُلَدُ اللَّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ اللَّهِ -تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ عُلُوًّا كَبِيرًا-وَلِهَذَا قَالَ: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ}).

الشيخ: اختلف الأحزاب الفرق، الأحزاب الجماعات والفرق، اختلفوا في عيسى، منهم من قال النصارى قالوا أنه الله وابن الله والعياذ بالله، ومنهم من قال أنه ابن بغي اليهود قبحهم الله، وهدى الله على الحق قالوا بعد ما جاءتهم النصوص أنه عبد الله ورسوله نبي كريم، ولهذا قال: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾[مريم:37].من شدة العذاب والهلاك، ﴿مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾[مريم:37].

الطالب:({هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ (67) يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ (73)}).

الشيخ: نقف هنا.. بارك الله فيكم.

الطالب: البيت ظاهره يقول: (تَرّاك أمْكنَة إذَا لَمْ أرْضَها أَوْ يَعْتَلق بَعْضَ النُّفُوسِ حمَامُها).

طالب آخر: المسألة التي مرت في الدرس الماضي في الإفلاس، إذا افلس الرجل فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من سائر [33:58].

قال الخطابي في معالم السنن: (عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‌أيما ‌رجل ‌أفلس فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به من غيره.

قال الشيخ وهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم قد قال بها كثير من أهل العلم، وقد قضى بها عثمان رضي الله عنه وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولا يعلم لهما مخالف في الصحابة وهو قول عروة بن الزبير وبه قال مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.

وقال إبراهيم النخعي وأبو حنيفة وابن شبرمة: هو أسوة الغرماء.

وقال بعض من يحتج لقولهم: هذا مخالف للأصول الثابتة ولمعانيها).

الشيخ: كيف مخالف للأصول والرسول نص عليه؟ (فأدرك الرجل متاعه بعينه فهو أحق به)، اعتراض هذا النص.

الطالب: قال: (والمبتاع قد ملك السلعة وصارت من ضمانه فلا يجوز أن ينقض عليه ملكه).

الشيخ: لأن هذا مستثنى، استثناه الرسول.

الطالب: (وتأولوا الخبر على الودائع والبيوع الفاسدة ونحوها).

الشيخ: وهذا تأويل باطل معارض للنص.

الطالب: قال الشيخ أي الخطابي: (والحديث إذا صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس إلاّ التسليم له وكل حديث أصل برأسه).

الشيخ: صدق رحمه الله، فلو صح الحديث الحمد لله، صح الحديث ينبغي التسليم.

الطالب: (وكل حديث أصل برأسه ومعتبر بحكمه في نفسه فلا يجوز أن يعترض عليه بسائر الأصول المخالفة أو يتذرع إلى إبطاله بعدم النظير له وقلة الاشباه في نوعه.

وههنا أحكام خاصة وردت بها أحاديث، فصارت أصولاً كحديث الجنين وحديث القسامة والمصراة.

وروى أصحاب الرأي حديث النبيذ وحديت القهقهة في الصلاة وهما مع ضعف سندهما مخالفان للأصول فلم يمتنعوا من قبولها لأجل هذه العلة.

وأما نقض ملك المالك فقد جاء في غير موضع من الأصول، كالمشتري الشخص يملكه بالعقد ثم ينقض حق الشفيع ملكه فيسترجعه، وتملك المرأة الصداق بنفس العقد بدليل أنه لو كان عبداً فأعتقته أو باعته كان العتق نافذاً والبيع جائزاً، ثم أنه إذا طلقها الزوج قبل الدخول انتقض الملك عليها في نصفه.

وقد يختلف المتبايعان في الثمن بعد العقد فيتحالفان ويعود الملك إلى البائع وقد يؤجر داره سنة بأجرة معلومة فتهدم الدار فيرد المؤاجر الأجرة ويكاتب عبده ثم يعجز، فيبطل العقد ويعود ملكاً يتصرف فيه كما كان، وقد يقدم المرتهن بما في يده من الرهن على سائر الغرماء فيكون أحق به ولم يستنكر شيء من هذه الأمور ولم يعبأ بمخالفتها سائر الأصول، وكذلك الحكم في المفلس).

الشيخ: صدق.

الطالب: ثم قال: (وأما تأويل من تأول الحديث وخرجه على الودائع ونحوها فإنه غير مستقيم لأن ذلك يعطل فائدة الخبر إذ كان ذلك أمراً معلوماً من طريق العلم العام من جهة الإجماع، والخبر الخاص إنما يرد لبيان حكم خاص، وأبو هريرة راوي الحديث قد تأوله على البيع الصحيح لما جاءه خصمان، فقال هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فدل على صحة ما ذهبنا إليه والله أعلم).

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطحاوي في معالم الآثار: (فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِثَمَنٍ , وَقَبَضَ الْعَبْدَ وَلَمْ يَدْفَعْ ثَمَنَهُ , فَأَفْلَسَ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ , وَالْعَبْدُ قَائِمٌ فِي يَدِهِ بِعَيْنِهِ. أَنَّ بَائِعَهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ غُرَمَاءِ الْمُشْتَرِيَ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ. وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا: بَلْ بَائِعُ الْعَبْدِ , وَسَائِرُ الْغُرَمَاءِ فِيهِ سَوَاءٌ , لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ عَنِ الْعَبْدِ , وَخَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ , فَإِنَّمَا هُوَ فِي مُطَالَبَةِ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَاءِ الْمَطْلُوبِ , يُطَالِبُهُ بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ , لَا وَثِيقَةٍ فِي يَدَيْهِ , فَهُوَ وَهْمٌ فِي جَمِيعِ مَالِهِمْ سَوَاءٌ. وَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فِي فَسَادِ مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ , وَاحْتَجُّوا لِقَوْلِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا , أَنَّ الَّذِي فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ فَأَصَابَ رَجُلٌ مَالَهُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا مَالُهُ بِعَيْنِهِ , يَقَعُ عَلَى الْمَغْصُوبِ , وَالْعَوَارِيِّ وَالْوَدَائِعِ , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَذَلِكَ مَالُهُ بِعَيْنِهِ , فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. وَفِي ذَلِكَ جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ , عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةً لِأَهْلِ الْمَقَالَةِ الْأُولَى, لَوْ كَانَ فَأَصَابَ رَجُلٌ غَيْرَ مَالِهِ قَدْ كَانَ لَهُ , فَبَاعَهُ مِنَ الَّذِي وَجَدَهُ فِي يَدِهِ , وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ ثَمَنَهُ , فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ. وَهَذَا الَّذِي يَكُونُ حُجَّةً لَهُمْ, لَوْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ. فَأَمَّا إِذَا كَانَ عَلَى مَا رَوَيْنَا فِي الْحَدِيثِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ , وَهُوَ عَلَى الْوَدَائِعِ وَالْمَغْصُوبِ , وَالْعَوَارِيِّ وَالرُّهُونِ أَمْوَالِ الطَّالِبِينَ فِي وَقْتِ الْمُطَالَبَةِ بِهَا).

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطحاوي في شرح مشكل الآثار: (وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: إِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: " فَوَجَدَ رَجُلٌ مَالَهُ بِعَيْنِهِ " أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ الْوَدَائِعُ وَالْعَوَارِي، وَأَشْبَاهُهُمَا، الَّتِي مَلْكُ وَاجِدِهَا قَائِمٌ فِيهَا، لَيْسَتِ الْأَشْيَاءُ الْمَبِيعَاتُ الَّتِي لَيْسَتْ لِوَاجِدِهَا حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا هِيَ أَشْيَاءُ قَدْ كَانَتْ لَهُ، فَزَالَ مُلْكُهُ عَنْهَا، كَمَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ).

ثم ساق حديث أبي هريرة من عدة طرق، ثم قال: (فلم يسع عندنا خلاف هذا الحديث لمن بلغه ووقف عليه من هذه الوجوه المقبولة ورجعنا إلى المعاني المروية فيه إلى ما كان مالك يقوله فيها، وعذرنا من خالفها في خلافه إياها، إنما كان ذلك منه لأنها لم تتصل به هذا الاتصال، ولو أتصلت به هذا الاتصال، وقامت عنده كمثل ما قامت عندنا لما خالفها ولرجع إليها وقال بها، كما قد رأيناه فعل في أمثالها).

الشيخ: وهذا الطحاوي حنفي، ومع ذلك لم يقل بقول أبي حنيفة، تحرر لما بلغه النص، وقال: نعذر من قال بقول أبو حنيفة؛ لأنه ما بلغه ما بلغنا من العلم والدليل ولو بلغه من العلم والدليل لرجع إليه كما رجعنا، أحكام حسنة للطحاوي رحمه الله.

الطالب: هو في كتاب معاني الآثار أحتج لقول أبي حنيفة، وفي كتاب شرح مشكل الآثار قال إنه رجع.

الشيخ: نعمـ فب الأول لم يبلغه، وهذا أشار إليه ابن خزيمة رحمه الله، ابن خزيمة يشير إشارات وهذا التفصيل رحمه الله، فتكون تراجم ابن خزيمة رحمه الله، هو جمع بين الحديث والفقه.

الطالب:( ‌‌‌بَابُ ‌اسْتِحْبَابِ ‌إِهْدَاءِ ‌مَا ‌قَدْ ‌غُنِمَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالْأَوْثَانِ أَهْلَ الْحَرْبِ مِنْهُ مُغَايَظَةً لَهُمْ:

٢٨٩٨ - ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، نا سَلَمَةُ قَالَ مُحَمَّدٌ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ فِي رَأْسِهِ بُرَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ لِيَغِيظَ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ).

الشيخ: تخريج الحديث، قال: إسناده صحيح.

الطالب: سبق تخريجه عند الحديث السابق

الشيخ: (أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي هَدَايَاهُ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ) أهداه يعني ساقه معه هديًا يذبح في مكة واختار أن يكون الجمل الذي أخذ من أبي جهل في غزوة بدر؛ حتى يغيظ الكفار، حتى إذا رأوه عرفوه، لأنه معروف جبل أبي جهل، فإذا رأوه جاء به هدية ليذبح أغاظهم ذلك.

وإغاظة المشركين مطلوبة.

الطالب:(‌‌بَابُ اسْتِحْبَابِ تَوْجِيهِهِ الذَّبِيحَةَ لِلْقِبْلَةِ، وَالدُّعَاءِ عِنْدَ الذَّبْحِ:

٢٨٩٩ - حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْأَزْهَرِ، وَكَتَبْتُهُ مِنْ أَصْلِهِ حدثنا يَعْقُوبُ، حدثنا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَبَحَ يَوْمَ الْعِيدِ كَبْشَيْنِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

الشيخ: حنيفًا؟ ليس عندك حنيفًا؟

الطالب: قال: (في المطبوع حنيفًا، لكن لم ثبتها في الأصل).

طالب آخر: [45:37].

الشيخ: يراجع تخريج الحديث، الحديث في أبي داود، من طريق يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيُّ يراجع لفظ الحديث.

الطالب: (إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ»).

الشيخ: (بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ)، بدون واو، اللفظ الآخر: (بِسْمِ اللَّهِ واللَّهُ أَكْبَرُ). هل عندك بدون واو؟

الطالب: عندي بواو (بِسْمِ اللَّهِ واللَّهُ أَكْبَرُ).

الشيخ: أنت قرأتها بدون واو، عندي (بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ)، وفي هذا الحديث فيه ما تلزم له [46:25] من استحباب توجيه الذبيحة للقبلة واستحباب الدعاء في الهدايا والضحايا نوجهها إلى القلبة، التوجيه للقبلة هذا في جميع الذبائح، والتسمية كذلك، أما التكبير وكذا قوله: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) هذا في الهدايا والضحايا، يكبر ويقول: (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ) هذا لا بد منه، التسمية لابد منها، (اللَّهُ أَكْبَرُ) هذا مستحب، (اللَّهُمَّ مِنْكَ) يعني أنت الذي أعطيتنا، (وَلَكَ)، يعني نتقرب به لك، (مِنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ).

جاء في الحديث الأخر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وقال عن أحدهما: (عن مُحَمَّدٍ وآل محمد)، وقال عن الآخر: (عن من لم يضحي من أمة محمد)، (منْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ). عليه الصلاة والسلام.

ففيه استحباب توجيه الذبيحة للقبلة والدعاء عند الذبح.

الطالب: رواية أبي داود فيه كلمة (حنيفًا).

(‌‌بَابُ إِبَاحَةِ اشْتِرَاكِ النَّفَرِ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يَشْتَرِكُ فِي الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ أَوِ الْبَدَنَةِ الْوَاحِدَةِ مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، مَعَ الدَّلِيلِ أَنَّ سُبْعَ بَدَنَةِ وَسُبْعَ بَقَرَةٍ تَقُومُ مَقَامَ شَاةٍ فِي الْهَدْيِ

 ٢٩٠٠- حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْحَكَمِ، حدثنا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ الْقَيْسِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: اشْتَرَكْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ، زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي حَدِيثِهِ وَنَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً وَقَالَا جَمِيعًا: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَرَأَيْتَ الْبَقَرَةَ اشْتَرَكَ فِيهَا مَنْ يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ، فَقَالَ: مَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْبُدْنِ " وَخَصَّ جَابِرٌ الْحُدَيْبِيَةَ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَنَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ كُلَّ بَدَنَةٍ عَنْ سَبْعَةٍ وَقَالَ ابْنُ مَعْمَرٍ: قَالَ: اشْتَرَكْنَا كُلَّ سَبْعَةٍ فِي بَدَنَةٍ وَنَحَرْنَا سَبْعِينَ بَدَنَةً يَوْمَئِذٍ وَالْبَاقِي لَفْظًا وَاحِدًا)

الشيخ: والحديث أخرجه مسلم من طريق أبي يحيى، فيه الاشتراك في البقرة والبدنة عن سبعة في الضحايا والهدي، وجاء في الغنائم أن عدل البعير بعشر من الغنم، في قسمة الغنائم، أما في الضحايا والهدايا فالبدنة عن سبعة والبقر عن سبعة، وهنا أبو الزبير صرح بالسماع، قال: أخبرني أبو الزبير، كل سبعة في بدنة، (وَنَحَرْنَا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَدَنَةً وَقَالَا جَمِيعًا: فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَرَأَيْتَ الْبَقَرَةَ اشْتَرَكَ فِيهَا مَنْ يَشْتَرِكُ فِي الْجَزُورِ، فَقَالَ: مَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْبُدْنِ)، يعني شبيهة بها، قال: هي من البدن، بقرة.

المؤلف قال: وإن كان من يشترك في البقرة الواحدة أو البدنة من قبائل شتى، يعني لا يشترط أن يكونوا من أهل بيت واحد، من يشترك في بدنة عن سبعة لا يشترط أن يكونوا من بيت واحد أو جيران، ولو كانوا من قبائل متعددة، هذا من قبيلة وهذا من قبيلة، لا بأس أن يشتركوا سبعة، البدنة سبعة والبقرة سبعة.

الطالب:( ٢٩٠١ - حدثنا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ)

الشيخ: وهذا أخرجه الإمام مسلم من طريق مالك يوم الحديبية يعني [50:54] في السنة السابعة من الهجرة، يعني في العمرة التي صُد عنها، صدوه عنها المشركون، حصل الصلح، ومن ضمن بنود الصلح أنهم يرجعون هذا العام ولا يعتمرون، فصاروا محسورين، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه ثم تحلل، ثم حلق رأسه، ثم تحلل، ففعل الصحابة، وهكذا المحسر الممنوع من الوصول إلى مكة وهو محرم، لا يتحلل حتى يذبح، ثم يحلق رأسه، فإن لم يجد هديًا صام عشرة أيام وهو على لباس الإحرام، ثم بعد العشرة أيام يحلق رأسه ويتحلل.

الطالب: (‌‌بَابُ إِبَاحَةِ اشْتِرَاكِ سَبْعَةٍ مِنَ الْمُتَمَتِّعِينَ فِي الْبَدَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَالْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةَ، وَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ سُبْعَ بَدَنَةٍ وَسُبْعَ بَقَرَةٍ مِمَّا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، إِذِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إِذَا وَجَدَهُ).

الشيخ: قال تعالى: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾[البقرة:196]، ومراده السبع بدنة، وليس المراد بـ ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ﴾، أن سيأخذ أي شيء ولو قليلًا، لا، هذا مجمل بينته السنة، أن ما استيسر من الهدي سبع بدنة أو سبع بقرة، وقال السنة شارحةٌ للقرآن وموضحةٌ له.

الطالب: (٢٩٠٢ - حدثنا بُنْدَارٌ، حدثنا يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلَكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نَتَمَتَّعُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بُنْدَارٌ: قَالَ: تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ نَشْتَرِكُ فِيهَا).

الشيخ: وهذا الحديث إسناده صحيح، ماذا قال عندك؟

الطالب: قال: (صحيح، أخرجه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي).

الشيخ: الحديث فيه أن البقرة عن سبعة يشتركوا فيها أين كان، سواءً المشتركين من بيت واحد أو من بيوت متفرقة، وحتى لو كان معهم من لا يريد الهدي، يعني بعضهم يشترك ويأخذ جزء للحم وبعضهم هدي وبعضهم أضحية، فلا بأس

الطالب: (بَابُ إباحة اشْتِرَاكِ النِّسَاءِ الْمُتَمَتَّعَاتِ فِي الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ).

الشيخ: هكذا: (إباحة) عندك في الترجمة، هكذا سقطت كلمة إباحة عندي، (بَابُ اشْتِرَاكِ النِّسَاءِ الْمُتَمَتَّعَاتِ فِي الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ).

الطالب: (بَابُ إباحة اشْتِرَاكِ النِّسَاءِ الْمُتَمَتَّعَاتِ فِي الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ

 ٢٩٠٣ - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ حدثنا الْوَلِيدُ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ)

الشيخ: وهذا الحديث إسناده صحيح [54:14] الشيخ ناصر، أخرجه النسائي من طريق يحيى، هكذا عندكم؟

الطالب: قال: (صحيح، أخرجه أبو داود وابن ماجة والنسائي).

الشيخ: فيه اشْتِرَاكِ النِّسَاءِ الْمُتَمَتَّعَاتِ فِي الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ، وكذلك غير النساء، ليس خاصًا بالنساء، اشتراك المتمتعين والمتمتعات جميعًا، لكن الترجمة على ما جاء في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح عَمَّنِ اعْتَمَرَ مِنْ نِسَائِهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ، وإذا ذبحت بقرة عن سبعة من الرجال أو سبعة بعضهم رجال وبعضهم نساء فلا بأس، بعضهم متمتعين وبعضهم هدايا أو بعضهم يأخذ جزءًا من اللحم كل هذا لا بأس به.

الطالب: (بَابُ إِجَازَةِ الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ عَنِ الْمُتَمَتِّعَةِ بِغَيْرِ أَمْرِهَا وَعِلْمِهَا

٢٩٠٤ - حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حدثنا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَمْرَةَ، تَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ: فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أَتَيْتُ بِلَحْمِ بَقَرَةٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا قَالُوا: هَذَا لَحْمُ بَقَرٍ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ).

الشيخ: ضحى يعني حتى قال التمتع أضحية، الذبح يعني ذبح، فيه [55:41] له المؤلف أن الذبح عن المتمتع بغير علمها يعني إذا كان متكفل بها، إذا كان معه زوجته أو غيرها وقد تكفل بنفقتها في الحج، وذبح عنها ولم يخبرها فلا بأس؛ لأنه قد تكفل بذلك مع علمها، ولأنها وكلته وكالة عامة في الحج، وأذنت له فلا بأس أن يذبح عنها ولو لم تعلم، لا يشترط أن يقول لها أنا أريد أن أذبح عنك كذا وكذا، يشتري ويذبح عنها إما بقرة أو يشركهم في بدنة أو شاة ولو لم يخبرها، والحديث أخرجه البخاري أيضًا، ومن معه؟ هل عندك مسلم؟

الطالب: نعم البخاري ومسلم.

الطالب: (بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اسْمَ الضَّحِيَّةِ قَدْ يَقَعُ عَلَى الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إِذْ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجَّتِهِ كُنَّ مُتَمَتِّعَاتٍ خَلَا عَائِشَةَ الَّتِي صَارَتْ قَارِنَةً لِإِدْخَالِهَا الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِعِلَّةِ الْحَيْضَةِ الَّتِي حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ وَتَسْعَى لِعُمْرَتِهَا)

الشيخ: لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا؟؟

الطالب: لَمَّا لَمْ يُمْكِنْهَا الطواف، قال في المطبوع: (لَمَّا لَمْ يُتمْكِنْهَا)

الشيخ: هذه التاء تحذف، وهذا دليل على أن اسم الضحية قد يقع على الهدي الواجب، تسمى ضحية ولو كان هديًا واجبًا، ويطلق الهدي على الصحية مستحبة، تطلق على هذا وعلى هذا؛ لأن نساء النبي في حجهم متمتعات، والمتمتع يجب عليه ذبح الهدي، ومع ذلك جاء في الحديث أن النبي ضحى عن نساءه، عبر بالأضحية، إلا عائشة فإنها حاضت، ثم لما جاءت أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة.

الطالب: قال: (٢٩٠٥ - حدثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حدثنا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ، ح وحدثنا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وحدثنا أَبُو مُوسَى، حدثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَضْحَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرَةِ هَذَا لَفْظُ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَعَلِيٌّ، فَأَمَّا أَبُو مُوسَى فَإِنَّهُ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا، وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهَا: «أَفْضِي مَا يُفْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» قَالَتْ: فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أَتَيْتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ).

الشيخ: هنا في أول الحديث عن عائشة ضحى رسول الله هنا فيه زيادة همزة (أضحى)، هل أشار إليها؟ قال مطبوعة؟

الطالب: ما أشار إليها

الشيخ: (أضحى) ليس لها معنى هنا.... (ضحى)، الحديث أخرجه مسلم؟

الطالب: أخرجه البخاري ومسلم.

الشيخ: (أَضْحَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرَةِ)، سماها أضحية وهو هدي، قال: (هَذَا لَفْظُ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَأَمَّا أَبُو مُوسَى) [انقطاع صوت]، لأنه تحول الإسناد المؤلف الأول عبد الجبار، والثاني على بن خشرم والثالث أبو موسى، فأبو موسى (قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا، وَحَاضَتْ بِسَرِفَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَ مَكَّةَ، فَقَالَ لَهَا: «أَفْضِي مَا يُفْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» قَالَتْ: فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أَتَيْتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ)، فسمى ضحى، سماها أضحية وهو هدي واجب، فدل الترجمة أن أسم الضحية يقع على الهدي الواجب.

طالب آخر: الحاج هل له أن يضحي؟

الشيخ: نعم ليس فيه مانع، كذا يضحي، لا بأس أن يضحي، يوكل من يضحي عنه في بلده، وإن ضحى في مكة فلا بأس.

لكن هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ضحى أو اكتفى؟

طالب آخر: [01:01:02]

الشيخ: قد يقال أنها تتداخل يعني إذا كان في مكة لكن إذا كان له بيت ورأى ووكل أولاده يضحون عنه، لكن إذا لم يكن هناك أحد، ليس إلا هو أو هو وأهله في الحج، هل يضحوا هل يشرع في حقهم أن يضحوا في مكة؟ قد يقال بعضهم أنها تتداخل هنا، الهدي والأضحية، وقد يقال هذا والله أعلم، وهذه المسألة تحتاج إلى بحث، نرى كلام العلماء في هذا.

الطالب: (‌‌بَابُ ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ لَا حَظْرَ فِي إِخْبَارِ جَابِرٍ: «نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» أَنْ لَا تُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ سَبْعَةٍ، وَهَذَا مِنَ الْجِنْسِ الَّذِي كُنْتُ أَعْلَمْتُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تَذْكُرُ عَدَدَ الشَّيْءِ لَا تُرِيدُ نَفْيًا لِمَا زَادَ عَنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ.

قال: 2906 - حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا سَلَمَةُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ).

الشيخ: كأن المؤلف أطال هذا، صفحتين هذا الباب، نقف على هذا الباب.

بارك الله فيك، وفق الله الجميع لطاعته، وفق الله الجميع لما ينفعه والعمل الصالح، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه، سبحانك اللهم وبحمد نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد