شعار الموقع

شرح كتاب العقيدة الواسطية للهراس_34

00:00
00:00
تحميل
8

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لشيخنا ولوالديه ولمشايخه، ولنا ولوالدينا، وللمستمعين والمسلمين يا رب العالمين.

المتن:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- في (العقيدة الواسطية): وَقَوْلُهُ –عز وجل-: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾[المؤمنون:91، 92].

قال الشيخ محمد بن خليل هراس –رحمه الله تعالى-: وقوله: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾[المؤمنون:91] الآية؛ تضمَّنت هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَيْضًا جُمْلَةً مِنْ صِفَاتِ التَّنْزِيهِ الَّتِي يُراد بِهَا نَفْيُ مَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ –عز وجل- عَنْهُ، فَقَدْ نزَّه –سُبْحَانَهُ- نَفْسَهُ فِيهَا عَنِ اتِّخاذ الْوَلَدِ، وَعَنْ وُجُودِ إِلَهٍ خالقٍ مَعَهُ، وعمَّا وَصَفَهُ بِهِ الْمُفْتَرُونَ الكاذبون؛ كَمَا نَهَى عَنْ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ لَهُ، وَالْإِشْرَاكِ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَالْقَوْلِ عَلَيْهِ –سُبْحَانَهُ وتعالى- بِلَا عِلْمٍ وَلَا دَلِيلٍ.

فَهَذِهِ الْآيَةُ تضمَّنت إِثْبَاتَ تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ، وَإِثْبَاتَ تَوْحِيدِ الرُّبوبية، فَإِنَّ اللَّهَ –عز وجل- بَعْدَمَا أَخْبَر عَنْ نَفْسِهِ بِعَدَمِ وُجُودِ إِلَهٍ مَعَهُ أَوْضَحَ ذَلِكَ بِالْبُرْهَانِ الْقَاطِعِ، وَالْحُجَّةِ الْبَاهِرَةِ، فَقَالَ: ﴿إِذًا﴾[المؤمنون:91]؛ أَيْ: إِذْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلهةٌ كَمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ؛ ﴿لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[المؤمنون:91]ٍ.

وَتَوْضِيحُ هَذَا الدَّلِيلِ أَنْ يُقَالَ: إِذَا تعدَّدت الْآلِهَةُ؛ فَلَا بدَّ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ خَلْقٌ وَفِعْلٌ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّعَاوُنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ؛ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ ضروريٌّ، كَمَا أَنَّ التَّعَاوُنَ بَيْنَهُمْ فِي الْخَلْقِ يَقْتَضِي عَجْزَ كُلٍّ مِنْهُمْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَالْعَاجِزُ لَا يَصْلُحُ إِلَهًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يستقلَّ كلٌّ مِنْهُمْ بِخَلْقِهِ وَفِعْلِهِ، وحينئذٍ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا مُتَكَافِئِينَ فِي الْقُدْرَةِ، لَا يَسْتَطِيعُ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يَقْهَرَ الْآخَرِينَ وَيَغْلِبَهُمْ، فَيَذْهَبَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِمَا خَلَقَ، وَيَخْتَصَّ بِمُلْكِهِ؛ كَمَا يَفْعَلُ مُلُوكُ الدُّنْيَا مِنَ انْفِرَادِ كُلٍّ بِمَمْلَكَتِهِ إِذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلًا لِقَهْرِ الْآخَرِينَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ أَقْوَى مِنَ الْآخَرِينَ، فَيَغْلِبَهُمْ، وَيَقْهَرَهُمْ، وَيَنْفَرِدَ دُونَهُمْ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ، فَلَا بُدَّ إِذًا مَعَ تعدُّد الْآلِهَةِ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: إِمَّا ذَهَابُ كُلٍّ بِمَا خَلَقَ، أَوْ عُلُوُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ.

وَذَهَابُ كلٍّ بِمَا خَلَقَ غَيْرُ وَاقِعٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّنَافُرَ وَالِانْفِصَالَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْعَالَمِ، مَعَ أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تُثْبِتُ أَنَّ الْعَالَمَ كُلَّهُ كَجِسْمٍ وَاحِدٍ مُتَرَابِطِ الْأَجْزَاءِ، متَّسق الْأَنْحَاءِ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلَّا أَثَرًا لِإِلَهٍ وَاحِدٍ، وَعُلُوُّ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ هُوَ الْعَالِيَ وَحْدَهُ.

قال شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى-.

الشيخ:

(قَوْلُهُ -تعالى-: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾[المؤمنون:91].)؛ نفى الله –سبحانه وتعالى- عن نفسه الولد؛ نسبة الولد إلى الله -تعالى- من كفر وضلال، ومن الأمور العظيمة التي تكاد السماوات تتشقق منها، وتكاد الجبال أن تسقط؛ كما قال -تعالى-: ﴿تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾[مريم:90- 93]؛ كل أحد يأتي يوم القيامة معبَّد مقهور مذلَّل.

وهذه الآية فيها، يستدل بها بعض المتكلمين على إن الآية فيها تمانع في الربوبية، ويصوغون الدليل، ويقولون: لو كان للعالَم خالقان، أو ثلاثة، أو أربعة متعددون لحصل أحد هذه الأمور:

إما أن يغلب أحدهم الآخر ويقهره، وإما أن يكون كل واحد منهم عاجز عن الآخر، فينحاز بملكه وسلطانه كما يفعل ملوك الدنيا، وإما أن يكون الاثنان تحت ثالث يقهرهم ويغلبهم، فيكون هو الإله، والباقي مغلوبون. هذا يسمونه دليل التمانع، هكذا يصوغ أهل الكلام دليل التمانع: لو كان للعالَم ربان، فعند اختلافهما؛ لو كان للعالم ربان يختلفان؛ واحد يريد تحريك جسم، والآخر يريد تسكينه؛ واحد يقول: تحرك. وواحد يقول: اسكن. واحد يريد إحياء أحد، والآخر يريد إماتته؛ هذا يقول: يحيا. وهذا يقول: يموت. هذا يقول: تحرك. وهذا يقول: اسكن. ماذا يحصل؟ فإما أن يحصل مرادهما جميعًا. وهذا مستحيل؛ لأنه يلزم منه الجمع بين النقيضين؛ يكون الشيء متحرك ساكن، حي ميت، ويلزم أيضًا منه الجمع بين النقيضين.

وإما ألا يحصل مرادهما؛ لا يحصل لا مراد هذا، ولا هذا. وهذا أيضًا مستحيل؛ لأنه يلزم خلو الشيء من النقيض، ولا بد من حصول أحد الأمرين؛ الإنسان إما حي، وإما ميت، وإما متحرك، وإما ساكن، ويلزم عجز كل منهما، والعاجز لا يكون إلهًا.

فبقي الأمر الثالث: وهو أن يحصل مراد أحدهما دون الآخر، والذي يحصل مراده هو الإله، والآخر مقهور مغلوب.

الله -تعالى- أتى بدليل أحسن من هذا الدليل، قال: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[المؤمنون:91].

﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ﴾[المؤمنون:91]؛ هذا تمانع في الربوبية؛ كما أن قوله -تعالى-: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[الأنبياء:22] تمانع في الألوهية، فيلزم من تعدد الآلهة فساد السماوات والأرض، ولا يمكن صلاح السماوات والأرض إلا بأن يكون خالقهما واحد، ومدبرهما واحد، وهو الله –سبحانه وتعالى-، ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[الأنبياء:22].

كذلك هنا تمانع في الربوبية: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾[المؤمنون:91].

وفَّق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع، والعمل الصالح، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد ألا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد