شعار الموقع

الأربعون في دلائل التوحيد (4) "باب رؤية المؤمنون ربهم يوم القيامة" – إلى "باب الرد على مستحل الكلام المجادلين في الله"

00:00
00:00
تحميل
89

 

الأربعون في دلائل التوحيد للهروي4

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العلمين و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا .. أما بعد :

اللهم اغفر لشيخنا و للحاضرين و لمن يسمع ... قال المصنف رحمه الله تعالى :

( متن )

بَابُ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ رَبَّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِيَانًا

قال أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ السُّنِّيُّ قال أخبرنا مُحَمَّد بن إبراهيم بن نَافِعٍ إِمْلَاءً قال حدثَنَا مُوسَى بنُ هَارُونَ قال حدثَنَا خَلَفُ بنُ هِشَامٍ قال حدثَنَا أَبُو شهَاب الْحناط عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرٍ أنه قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ عِيَانًا كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لَا تغتامون فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَلا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ فَافْعَلُوا ثُمَّ قَرَأَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ .

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى اللهم و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :

فقد سبق بالأمس الكلام على الإسراء و المعراج , و الإسراء معناه في اللغة : هو السفر ليلا , و المراد به شرعا : السفر برسول الله ﷺ ليلا على البراق بصحبة جبرائيل من مكة إلى بيت المقدس , و المعراج : مفعال من العروج و المراد به المرقاد الذي يصعد فيها و هو كهيئة السلم , و هو صعود نبينا ﷺ من بيت المقدس إلى السماء و الإسراء ذكره الله تعالى في كتابه العظيم فقال سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِیۤ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَیۡلࣰا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِی بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِیَهُۥ مِنۡ ءَایَـٰتِنَاۤۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡبَصِیرُ و من أنكر الإسراء بالنبي ﷺ كفر لأنه مكذب لله و لرسوله و هو مكذب للقرآن , من أنكر الإسراء و هو يعلم يبين له أن الله تعالى أخبر عن الإسراء بعبده و نبيه ليلا فإذا علم ذلك و أصر حكم بكفره لأنه مكذب لله تعالى و كذلك المعراج , المعراج ثابت في الأحاديث الصحيحة البخاري و مسلم و قد تلقتهم الأمة بالقبول و هما يفيدان العلم و لهذا من أنكر كفر و الصواب كما سبق أن الإسراء و المعراج في ليلة واحدة في ليلة واحدة أسري به عليه الصلاة و السلام من مكة إلى بيت المقدس فربط البراق من حلقة , حلقة بباب المسجد التي يربط فيها الأنبياء ثم جمع الأنبياء للنبي ﷺ و صلى بهم إماما فظهر فضله عليه الصلاة و السلام ثم صعد و عرج به إلى السماء و لقي الأنبياء و الأنبياء لقيهم كيف لقيهم و هم أموات ! الجواب أنه لقي أرواحهم الروح تأخذ شكل الجسد تأخذ شكل الجسد رأى موسى عليه السلام على هيئته و الروح لها شأن تختلف عن الإنسان و لهذا لها صعود و طيران بسرعة الآن النائم ينام الآن روحه بعيده لكن بسرعة إذا ضربت رجله جاءت الروح بسرعة و انتبه , و النبي ﷺ لما أسري به مر بقبر موسى فوجده قائما يصلي في قبره فلما صعد إلى السماء وجده في السماء السادسة روحه التي تصعد , كما حق عند أهل العلم الروح تأخذ شكل الجسد كلهم رآهم بأرواحهم إلا عيسى فإنه رفع بجسده و روحه حي لم يمت حتى الآن و سينزل في آخر الزمان و يكون فردا من أفراد الأمة المحمدية و يحكم بشريعة نبينا محمد ﷺ ثم يتوفاه الله , الموتة التي كتب الله له و يمكث جاء في بعض الأحاديث سبع سنين و يدفن بجوار نبينا ﷺ , و الصواب أن الإسراء و المعراج بروحه و جسده يقظة لا مناما مرة واحدة , قال بعض العلماء الإسراء إنما كان مناما أسري به مناما و هذا قول ضعيف لأنه لو كان الإسراء مناما لما كذبته قريش , قريش كذبت بالإسراء و كذبت بالمعراج و استعظموا هذا الأمر و ارتد جماعة ممن آمن قالوا و قالت قريش كيف الآن يسافر من مكة إلى بيت المقدس في ليلة واحدة و يصعد إلى السماوات و نحن على الإبل نمشي نقطع هذه المسافة مسافة شهر حتى قالوا له أخبرنا عن عيرنا التي في الطريق , لهم عير في الطريق , و أخبرنا عن بيت المقدس فجل الله بيت المقدس للنبي ﷺ و جعل ينعته لهم و يخبرهم عن عيرهم التي في الطريق و قال إنها سوف تقدم يوم كذا و كذا و كذلك المعراج هناك من أنكره و قالوا كيف تعرج الأجسام و الأجسام ثقيلة و الصعود يحتاج إلى أرواح خفيفة يجاب بأن هذا مصادمة هذا يعارض أهل النص بالعقول و الله على كل شيء قدير و يقال لهم أيضا الملائكة أرواح و الأرواح خفيفة كيف تهبط إلى الأرض في المقابل و الله على كل شيء قدير و الواجب على المسلم التسليم لله و لرسوله و من العلماء من قال الإسراء بالروح أسري به بروحه فقط و جسد لم يسر به روحه فقط و هذا مروي عن عائشة رضي الله عنها و معاوية , و قال بعض العلماء الإسراء مرات مرة يقظة و مرة مناما هذه أقول فيها الإسراء مناما و قيل الإسراء بالروح و قيل الإسراء مرات مرة يقظة و مرة مناما و القول الرابع هو الصواب و هو أن الإسراء و المعراج ليلة واحدة مرة واحدة بجسده و روحه يقظة لا مناما.

هذا الباب هو الثالث و الثلاثين من أبواب هذه الرسالة الأربعون في دلائل التوحيد لأبي إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي الصوفي الحنبلي قال باب رؤية المسلمين ربهم عز و جل يوم القيامة عِيانا ( عيانا ) بكسر العين لأنه مصدر عاين يعاين عيانا , باب رؤية المسلمين ربهم يوم القيامة عِيانا يعني معاينة بأعينهم يرونه بأعينهم , ذكر المؤلف رحمه الله تعالى في هذا الباب حديث , حديث شريف لعبد الله البجلي قال كنا مع النبي ﷺ في سفر فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم عز و جل عيانا كما ترون هذا لا تغتامون في رؤيته في لفظ آخر رواه البخاري لا تظامون يعني لا يصيبكم ظيم و روي بتشديد اللام لا تظامون في رؤيته قال فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها فافعلوا ثم قرأ (و سبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس و قبل الغروب رؤية المؤمنين لربهم عز و جل يوم القيامة عيانا بأبصارهم ثابت في القرآن العظيم و في السنة المطهرة في القرآن العظيم يقول الله تعالى وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ ناضرة من النضرة و هي النعمة إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ من النظر بالأبصار و الله تعالى أضاف النظر إلى الوجوه و أخلى المقام من قرينة تنافي ذلك فدل على أن المراد النظر بالعين التي في الوجه إلى الرب جل جلاله وُجُوهࣱ یَوۡمَىِٕذࣲ نَّاضِرَةٌ ۝ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةࣱ و قال سبحانه عن الكفار كَلَّاۤ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ لَّمَحۡجُوبُونَ استدل الإمام الشافعي رحمه الله بهذه الآية على رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة فقال : لما أن حجب هؤلاء في السخط دل على أن المؤمنين يرونه في الرضا و لو كان المؤمنون لا يرون ربهم لتساووا هم و أعدائهم في الحجب .

الله تعالى حجب الكفار قال أنهم محجوبون عن الله , ولذلك المؤمنون ليسوا محجوبين و لو كان المؤمنون محجوبون لتساووا هم و الكفار دل على أنهم يرونه , وقال سبحانه و تعالى لَهُم مَّا یَشَاۤءُونَ فِیهَا وَلَدَیۡنَا مَزِیدࣱ جاء تفسير المزيد بأنه النظر إلى وجه الله الكريم و أن المؤمنون لهم ما يشاؤون في الجنة وَلَدَیۡنَا مَزِیدࣱ النظر إلى وجه الله الكريم و هو أعلى نعيم في الجنة , و قال سبحانه لِّلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِیَادَةࣱۖ ثبت في صحيح مسلم أن الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم لِّلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ الحسنى الجنة وَزِیَادَةࣱۖ النظر إلى وجه الله الكريم و الأدلة كثيرة من السنة أيضا على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة من ذلك ما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب و ثبت في البخاري عن أبي موسى الأشعري قال ( جنتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما و جنتان من فضة آنيتهما و ما فيهما و ما بين القوم و بين أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ) و حديث جرير بن عبد الله البجلي الذي ذكره المؤلف قال : كنا مع النبي ﷺ في سفر فنظر إلى القمر ليلة البدر و في لفظ ليلة أربعة عشرة فقال إنكم سترون ربكم عز و جل عيانا كما ترون هذا و أشار إلى القمر لا تظامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها فافعلوا و قوله إنكم ترون ربكم كما ترون هذا , هذا تشبيه للرؤية بالرؤية و ليس تشبيه لله بالقمر الله لا يشبه أحدا من مخلوقاته فهل المراد بالحديث أن الله يشبه القمر ! لا , الله لا يشبه أحدا من خلقه , قال تعالى لَیۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَیۡءࣱۖ لكن المراد تشبيه الرؤيا بالرؤيا و المعنى أنكم ترون ربكم رؤية واضحة من فوقكم كما أنكم ترون القمر رؤية واضحة من فوقكم و هو تشبيه للرؤية بالرؤية لا للمرء بالمرء و قوله فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها فافعلوا الصلاة التي قبل طلوع الشمس ما هي ! صلاة الفجر , و الصلاة التي قبل غروب الشمس صلاة العصر و في هذا الحث على الصلاة قبل طلوع الشمس و قبل الغروب و الحديث يستفاد منه و استنبط منه أهل العلم على أن المحافظة على صلاة الفجر و صلاة العصر من أسباب رؤية الله النظر إلى وجه الله الكريم و لهذا قال إنكم سترون ربكم ثم قال فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس و قبل غروبها فافعلوا و هم البردان و في الحديث من صلى البردين دخل   الجنة و البردان الفجر و العصر و هذه تقع في أول النهار و هذه تقع في آخر النهار و المؤمنون يرون ربهم عيانا , و قد أنكر أهل البدع رؤية الله عز و جل أنكر ذلك المعتزلة و الجهمية و قالوا إن المراد بالرؤية العلم و إنكم سترون ربكم المعنى أنكم تعلمون ربكم كما تعلمون أن القمر قمر , انظر إلى هذا المعنى الفاسد أفسدوا معنى الحديث إنكم ترون ربكم كما ترون القمر إنكم تعلمون ربكم كما تعلمون أن القمر لا تشكون أنه قمر انظروا إلى فساد المعنى و الذي حملهم على ذلك عقولهم الفاسدة و آرائهم الكاسدة التي أولوا بها النصوص و العلماء أنكروا عليهم و ردوا عليهم و بينوا بطلان هذا التأويل و الرؤية إثبات رؤية الله يوم القيامة رؤية الله للمؤمنين و إثبات الكلام لله عز و جل و إثبات العلو هذه الصفات الثلاث صفة العلو و صفة الكلام و صفة الرؤية هذه من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة و أهل البدعة و هي من العلامات الفارقة بين أهل السنة و أهل البدعة فمن أثبتها فهو من أهل السنة و من نفاها فهو من أهل البدعة , رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة و الكلام إثبات الكلام لله عز و جل و إثبات العلو هذه من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة و بين أهل البدعة و من شبه المعتزلة من شبههم في إنكارهم للرؤية يقولون الذي يرى لا بد أن يكون جسما لا بد أن يكون جسما و الله ليس بجسم فلهذا أنكروا رؤية الله  أنكروا العلو أيضا و أن الله في العلو و قالوا أيضا لا يكون في جهة محددة إلا جسم و لا يرى إلا الجسم الجسم فهم أنكروا الرؤية و أنكروا العلو و مآلهم إلى إنكار وجود الله لا يرى و ليس في العلو و ليس له مكان و مختلط بالعالم , و من شبههم يقولون الرؤيا هنا المراد بها العلم و دليل ذلك قوله تعالى أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَـٰبِ ٱلۡفِیلِ يعني ألم تعلم , قال أهل الحق نحن لا ننكر أن الرؤية تأتي بمعنى العلم و تأتي بمعنى الحلم و تأتي بمعنى رؤية البصر  و السياق هو الذي يحدد هذا أَلَمۡ تَرَ كَیۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَـٰبِ ٱلۡفِیلِ معلوم أن الرسول ما حضر أصحاب الفيل , عام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي ﷺ و المعنى ألم تعلم يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل و كذلك رؤية المنام كقول النبي ﷺ إني رأيت ربي في أحسن صورة السياق هو الذي يحدد هذا و تأتي الرؤية بمعنى رؤية البصر و قول النبي ﷺ إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب هذا رؤية البصر أم العلم ! البصر , واضح , إنكم ترون ربكم كما ترون الشمس صحوا ليس دونها سحاب .

و أما الأشاعرة فإنهم أثبتوا الرؤية لكن أنكروا الجهة قالوا يرى قالوا إن الله يرى لكن أين يرى ! من فوق ! قالوا لا , من تحت ! قالوا لا , أمام ! لا , خلف ! لا , يمين ! لا , شمال ! لا , أين يرى ! قالوا يرى لا في جهة , فأنكر عليهم أهل الحق و بدعوهم و قالوا : كيف يرى لا في جهة الرؤية لا بد أن تكون في جهة من الرائي لا بد أن يكون المرئي مباينا للرائي مباينا له مواجها له و ضحك العقلاء و الصبيان من قولهم أنه يرى لا في جهة , لا يمكن لا بد أن التكون الرؤية في جهة من الرائي فكونه يرى لا في جهة فهذا باطل و الأشاعرة في هذا هم مذبذبون لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء دائما مذهبهم بين أهل السنة و بين المعتزلة يريدون أن يكونوا مع المعتزلة و يريدون أن يكونوا مع أهل السنة فهم كانوا مع المعتزلة في إنكار العلو و كانوا مع أهل السنة في إثبات الرؤية فعجزوا فسلكوا مسلك سوفسطائيا فقالوا يرى لا في جهة فتسلط عليهم المعتزلة و قالوا كلامكم هذا غير معقول كيف يرى لا في جهة ! يجب عليكم أن تنكروا أن تنكروا الرؤية حتى تكونوا معنا أو تثبتوا العلو حتى تكونوا أعداء لنا مثل أهل السنة , أما تبقوا مذبذبين لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء فهذا غير معقول , في الكلام المعتزلة قالوا أن الكلام هو اللفظ و المعنى الكلام هو اللفظ و المعنى و لكن كل منهما مخلوق اللفظ و المعنى مخلوق و أهل السنة قالوا اللفظ و المعنى هو كلام الله منزل غير مخلوق و الأشاعرة بين بين قالوا الكلام هو المعنى فالمعنى كلام الله ليس بمخلوق و اللفظ مخلوق فقالوا المعنى مع أهل السنة و اللفظ مع المعتزلة و لهذا سماهم العلماء قالوا هم كالخنثى لا أنثى و لا ذكر كالخنثى لا أنثى و لا ذكر مع أهل السنة في جهة و مع أهل البدعة في جهة فالأشاعرة يثبتون الرؤية و ينكرون الجهة أرادوا أن تكون يد مع المعتزلة و يد مع أهل السنة فعجزوا فسلكوا مسلكا سوفسطائيا و هي الحجة المرائية التي توهم أنها حجة و ليست بحجة و المؤمنون يرون الله و أهل الحق أثبتوا أنهم يرون ربهم يوم القيامة يرونه في موقف القيامة و يرونه في الجنة يرونه في موقف القيامة كما ثبت في الأحاديث أربع مرات أربع مرات يرونه في موقف القيامة و الله تعالى جعل بينهم و بين العلامة بين كشف الساقیَوۡمَ یُكۡشَفُ عَن سَاقࣲ يرونه أولا سبحانه و تعالى ثم يرونه مرة ثانية في غير الصورة التي رأوه فيه أولا فينكرون يقول بعضهم لله : هذا مكاننا , ثم يرونه في الصورة التي رأوه فيها أول مرة فيسجدون له و ذلك أن بقية الكفرة يساقون إلى النار و تبقى هذه الأمة فيها المنافقون فيسجد أهل السنة إذا رأوه أول مرة یَوۡمَ یُكۡشَفُ عَن سَاقࣲ سجدوا له فيريد المنافقون أن يسجدون فيجعل الله ظهر كل أحد منهم طبقة واحدة فلا يستطيعون السجود وَیُدۡعَوۡنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا یَسۡتَطِیعُونَ ثم إذا رفعوا رؤوسهم رأوه المرة الرابعة في الصورة الني رأوه فيها أول مرة و يرون سبحانه و تعالى في موقف القيامة , نسأل الله أن يجعلنا و إياكم ممن يرون ربهم يوم القيامة و في الجنة و لهذا قال بعض العلماء في رده على المعتزلة قال أنكروا الرؤية فحري بهم ألا يروه يوم القيامة و أن يحرموا من رؤيته كما أنكروها نسأل الله السلامة و العافية , وفق الله الجميع إلى طاعته .

( متن )

بابُ رُؤْيَتِهِمْ إِيَّاهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ

قال حَدَّثَنَا الْحَاكِمُ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ قال أخبرنا أَبُو إِسْحَاقَ (الْقَرَّابُ) قال أخبرنا أَبُو يَعْلَى قال حدثَنَا حَوْثَرَةُ بن أشرس قال حدثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحسنى وَزِيَادَة قَالَ الْحسنى الْجَنَّةُ وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين أما بعد :

فهذا الباب الرابع و الثلاثين من أبواب الرسالة التي وصفها مؤلفها بالأربعون في دلائل التوحيد و أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي الصوفي الحنبلي قال باب رؤيتهم يعني المؤمنين رؤيتهم إياه عز و جل في الجنة هذا الباب معقود لرؤية المؤمنين ربهم في الجنة ذكر فيه حديث صهيب في تفسير الآية الكريمة آية  يونس لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحسنى وَزِيَادَة قال الحسنى الجنة و الزيادة النظر إلى وجه الله عز و جل و هذا الحديث حديث صحيح رواه مسلم في صحيحه و رواه الإمام أحمد و الترمذي و الحديث صحيح و فيه أن النبي ﷺ فسر هذه الآية لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحسنى وَزِيَادَة فسر الحسنى بأنها الجنة و فسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم فدل على أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة و الأدلة على أنهم يرونه في الجنة كثيرة منها هذه الآية و منها قوله تعالى لَهُم مَّا یَشَاۤءُونَ فِیهَا وَلَدَیۡنَا مَزِیدࣱ في سورة ق , لهم : يعني المؤمنون , ما يشاؤون فيها : في الجنة , ولدينا مزيد : جاء تفسير الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم و كذلك الأحاديث الكثيرة بأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة و بوب البخاري في صحيحه , البخاري رحمه الله بوبه قال باب رؤية المؤمنين لربهم في الجنة و ذكر الأحاديث و النصوص في هذا و الأدلة فالمؤمنون يرون ربهم في الجنة و هم يتفاوتون في هذا على حسب أعمالهم و درجاتهم في الجنة لأن المؤمنين في الجنة يصعدون في درجات كل درجة عليا أعظم نعيم من الجنة التي تحتها و النار دركات كل دركة سفلى أشد عذابا من الدركة التي قبلها فالمؤمنون يرون ربهم في الجنة و يتفاوتون في هذا على حسب أعمالهم منهم من يرى الله بكرة و عشية على حسب أعمالهم , نسأل الله الكريم من فضله , فالمؤمنون يرون ربهم في موقف القيامة و يرونه في الجنة , أما الكفار فيحجبون عن الله قال الله تعالى كَلَّاۤ إِنَّهُمۡ عَن رَّبِّهِمۡ یَوۡمَىِٕذࣲ لَّمَحۡجُوبُونَ و في رؤية الكفار لله في موقف القيامة ثلاث أقوال بين أهل العلم , قيل إن الكفار يرونه في موقف القيامة ثم يحتجب عنهم تكون هذه الرؤية عذاب عليهم عذاب مثال ذلك السارق إذا أوتي به إلى ولي الأمر ثم رآه و قطع يده أو جلده (25:50) و قيل لا يراه إلا المؤمنون و المنافقون في موقف القيامة لأن المنافقين كانوا مع المؤمنين في الدنيا فكانوا معهم في موقف القيامة ثم بعد ذلك ينفصل المؤمنون عن المنافقين و قيل لا يراه إلا المؤمنون و من أنكر رؤية الله للمؤمنين في الجنة كفر من أنكر رؤية الله كفر , هكذا قال أهل السنة و الجماعة ثبت عن الإمام أحمد و غيره : أن من أنكر رؤية الله كفر و لكن هذا الحكم إنما يكون حكم عام , حكم من أنكر رؤية الله فقد كفر أما الشخص المعين فلان بن فلان لا يكفر إلا إذا قامت عليه الحجة , إذا ثبتت الشروط و امتنعت الموانع قد يكون هذا الفعل كفر لكن الشخص لا يكفر إلا إذا وجدت فيه الشروط و انتفت الموانع .

( متن )

بَابُ إِثْبَاتِ الْكَلَامِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

قال أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدَّلُ قال حدثَنَا بنُ حَمْدَوَيْهِ قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيُّ قال أخبرنا أَبُو الصَّلْت قال حدثَنَا زِيَاد بن عبد الله البكاري قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِي الله عَنهُ قَالَ عِنْد وَفَاةِ النَّبِيِّ ﷺ فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَمَنْ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْكَلَام.

( شرح )

هذا الباب الخامس و الثلاثين قال المؤلف باب إثبات الكلام لله عز و جل و صفة الكلام لله عز و جل من الصفات التي أثبتها أهل السنة و الجماعة لله عز و جل و أنكرها أهل البدع و هي من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة و أهل البدعة و هي ثلاث صفات صفة الكلام و صفة العلو و صفة الرؤية رؤية الله هذه الثلاث صفات اشتد النزاع فيها بين أهل السنة و أهل البدع و هي من العلامات الفارقة بين أهل السنة و أهل البدع و من أثبتها فهو من أهل السنة , الصفات الثلاثة , و من أنكرها فهو من أهل البدع و لذلك الرؤية أنكرها الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة أثبتوا الرؤية لكن أنكروا الجهة , و الكلام صفة الكلام أنكرها الجهمية و أنكرها المعتزلة قالوا الكلام مخلوق و الأشاعرة أثبتوا نصف الكلام قالوا الكلام نوعان لفظ و معنى فاللفظ مخلوق و المعنى غير مخلوق و العلو أنكره أهل الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة فهذه الصفات الثلاث من الصفات التي اشتد فيها النزاع بين أهل السنة و أهل البدع و هي من العلامات الفارقة بين أهل السنة و أهل البدع و صفة العلو كما سبق الأدلة على إثبات صفة العلو كما قلت لكم تزيد على ألف دليل و مع ذلك أنكرها أهل البدع , و صفة الكلام أدلته كثيرة لا تعد و لا تحصى كثيرة أدلة الكلام , قال الله تعالى وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمࣰا و قال الله تعالى وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰۤىِٕكَةِ قال : إثبات القول وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰۤ إثبات النداء و النداء يكون من بعد و يلزمه الصوت و قال الله وَقَرَّبۡنَـٰهُ نَجِیࣰّا و النجي هو الكلام من قرب و نصوص الوحي كلها فيها إثبات الكلام لله عز و جل و الرسالات التي أنزلها الله على الأنبياء كلها بالكلام و هذه الصفة صفة الكلام أدلتها كثيرة جدا كل نص فيه أن الله قال أو تكلم أو نادى أو ناجى أو أوحى أو أنزل كلها فيه إثبات صفة الكلام لله نوعها الله فإنكارها إنكار للرسالات إنكار للوحي فهي من أكثر الأدلة في ثبوت هذه الصفة نوعها الله عز و جل , و أنت إذا نظرت في القرآن الكريم وجدت النصوص الكثير التي فيها إثبات الكلام كثيرة جدا لو عددتها لوجدتها كثيرة جدا لأن كل نص فيها تكلم نادى ناجى قال يقول أوحى يوحي أمر نهى وصى , كل هذه فيها إثبات الكلام و مع ذلك أنكرها أهل البدع أنكرها الجهمية و أنكرها المعتزلة و قالوا الكلام مخلوق الكلام اللفظ و المعنى مخلوق الله لم يتكلم بحرف و صوت و المعتزلة   قالوا : كلام الله لفظ و معنى و حرف و صوت لكنه مخلوق في غيره و يضاف إليه التشريف و التكريم و الجهمية أنكروا , و الأشاعرة أثبتوا نصف الكلام قالوا إن الكلام لفظ و معنى اللفظ مخلوق و المعنى غير مخلوق الأشاعرة هم أقرب الطوائف إلى أهل السنة يسمون أنفسهم أهل السنة و هي من الصفات السبع التي يثبتونها يثبتون صفة السمع و الحياة و البصر و السمع و العلم و القدرة و الإرادة , الكلام من الصفات التي يثبتها الأشاعرة لكن لم يثبتوها على وجهها قالوا الكلام , ما هو الكلام عند الأشاعرة ! معنى قائم بالنفس لا يسمع و ليس بحرف و لا صوت ليس بحرف و لا صوت و هو معنى قائم بالنفس ليس بحرف و لا صوت و قالوا إن الرب لا يسمع منه كلام و لا يستطيع أن يتكلم جعلوا الرب أبكم نعوذ بالله , لا يستطيع الكلام و شبهتهم في هذا قالوا لو قلنا الكلام حرف و صوت و لفظ و معنى للزم بذلك حلول الحوادث في ذات الرب لأن الأصوات حادثة و الحروف حادثة و الألفاظ حادثة فلو قلن أن كلام الله لفظ و معنى للزم حلول الحوادث بذات الرب و الحوادث مخلوقة , هذه شبهتهم و لكن يقال أن هذا يلزم في المخلوق أما الخالق فلا يلزم , الخالق يتكلم بلفظ و معنى يليق بجلاله و عظمته , طيب كيف نزل هذا القرآن عند الأشاعرة إذا كانوا يقولون أن الكلام ليس حروف و لا أصوات و لا ألفاظ , القرآن حروف و ألفاظ كيف نزل القرآن ! قالوا القرآن هذا ليس من كلام الله المعنى من الله أما الألفاظ و الحروف هذه من جبريل قالوا الله تعالى اضطر جبريل اضطرارا ففهم المعنى القائم بالنفس بنفسه فعبر بهذا القرآن الرب ما يستطيع أن يتكلم عندهم ما يستطيع أن يتكلم بالصوت إنما الكلام معنى قائم بنفسه مثل العلم فاضطر جبريل اضطرار حتى فهم المعنى القائم بنفسه ثم عبر بهذا القرآن فالقرآن عبارة عبر به جبريل , و قالت طائفة أخرى من الأشاعرة الذي عبر به محمد و استدلت الطائفة الأولى بقوله تعالى في سورة التكوير إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ ۝ ذِی قُوَّةٍ عِندَ ذِی ٱلۡعَرۡشِ ۝ مَكِینࣲ مُّطَاعࣲ ثَمَّ أَمِینࣲ هذا جبريل و استدلت الطائفة الثانية بقوله تعالى في سورة الحاقة إِنَّهُۥ لَقَوۡلُ رَسُولࣲ كَرِیمࣲ ۝ وَمَا هُوَ بِقَوۡلِ شَاعِرࣲۚ قَلِیلࣰا مَّا تُؤۡمِنُونَ و قالت طائفة أخرى جبريل أخذه من اللوح المحفوظ و لم يسمع من الله و لا كلمة هكذا قولهم , و يقولون إن القرآن المصحف الآن ما فيه كلام الله لكن يسمى كلام الله مجاز يسمى كلام الله مجاز لأنه تأدى به كلام الله و لهذا بعضهم ما يرى احترام المصحف لو رميت المصحف ما يهم عنده لأن ما فيه كلام الله كلام الله معنى قائم بنفسه لا يسمع ليس بحرف و لا صوت لكن هذا تأدى به كلام الله يسمى كلام الله مجازا طائفة الأشاعرة يسمون أنفسهم أهل السنة و هم أقرب الطوائف إلى السنة و هذا مذهبهم و مذهبهم في الرؤية كما سمعتم الآن و الإرادة لا يثبتون إلا الإرادة الكونية و ينفون الإرادة الشرعية و ينكرون الأسباب و الطبائع و يقولون إن العبد مجبور على أفعاله و ينكرون الأسباب و الطبائع و الغرائز حتى تعرفوا أن مذهب السنة ليس هو مذهب الأشاعرة بعض الناس يقولون أهل السنة ثلاث طوائف الأشاعرة و الماتورودية و أهل السنة و يسمون الأشاعرة أهل السنة الأشاعرة صحيح أنهم الأقرب إلى أهل السنة و يثبتون سبع صفات و لكنهم ليسوا من أهل السنة هم من أهل السنة فيما وافقوا عليه أهل السنة و ما خالفوا فيه أهل السنة ليسوا من أهل السنة و كلام الله دلت عليه نصوص كثيرة لا حصر لها و وهو معلوم عند أهل الدين بالضرورة , المؤلف رحمه الله ذكر في هذا الباب و هو إثبات الكلام لله عز و جل ذكر هذا الحديث حديث أن أبا بكر الصديق رضي الله عه قال عند وفاة النبي ﷺ : فقدنا الوحي و هو من عند الله عز و جل الكلام هذا الحديث قال فيه المحقق لم أقف عليه و الله أعلم و لكن له شواهد في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك قال أبو بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه  و سلم لعمر انطلق بنا إلى أم أيمن نورها كما كان رسول الله ﷺ يزورها فلما انتهينا إليها بكت و قال لها ما يبكيك ما عند الله خير لرسول الله فقالت ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسول الله ﷺ  و قالوا هذا الشاهد و لكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها , طيب المؤلف ما وجد إلا هذا الدليل لإثبات الكلام ! طيب الأدلة كثيرة وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمࣰا  وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی و في الحديث إن الله ينادي آدم يقول يا آدم في صحيح البخاري , فينادي بصوت يسمعه فيقول لبيك و سعديك فيقول أخرج بعثا من النار فيقول يا ربي و من أتى النار و تكليمه لأهل الجنة أدلة لا حصر لها و المؤلف ما وجد إلا هذا الحديث الذي فيه الوحي , على كل حال هذا الحديث لو صح لكان دليلا  فقدنا الوحي و الوحي إنما يكون بالكلام  جبريل ينزل بالوحي من عند الله تعالى يسمع كلام الله و ينزل به على محمد ﷺ كما قال الله تعالى نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ ۝ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِینَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِیࣲّ مُّبِینࣲ لكن ليت المؤلف أتى بالنصوص الكثيرة الواضحة سرد النصوص وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمࣰا  وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰۤ أَنِ ٱئۡتِ ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ وَإِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَى ٱبۡنَ مَرۡیَمَ ءَأَنتَ قُلۡتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِی وَأُمِّیَ إِلَـٰهَیۡنِ مِن دُونِ ٱللَّهِۖ قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّی ٱصۡطَفَیۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِی وَبِكَلَـٰمِی فَخُذۡ مَاۤ ءَاتَیۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ أدلة لا حصر لها .

( متن )

بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ غَيْرُ مَخْلُوقٍ

قال أخبرنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورِ قال حدثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ مُحَمَّدٍ ح قال أخبرنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ بْنِ عَبْدِهِ قال حدثَنَا الْإِدْرِيسِيُّ قَالَا حدثَنَا أَبُو مُسلم قال حدثَنَا أبو عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ رِفَاعَةَ عَن سُهَيْل ح  وَأَخْبرنِي الْعَزِيز بن الْمُخْتَار قال حدثَنَا سُهَيْلٍ ح قال و حدثنا الْقَاضِي أَبُو مَنْصُور قال حدثَنَا هَارُونُ بنُ أَحْمَدَ قال حدثَنَا عَلِيُّ بن الْعَبَّاس البجلي قال حدثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ يُوسُفَ الْحَضْرَمِيُّ ح و حدثنا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الْجَارُودِيُّ إِمْلَاءً قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ صَالِحٍ قال حدثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ بهْرَام جار كريب الْكِلَانِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَا حدثَنَا الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْريِّ عَنْ سُهَيلِ ابن أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أبي هُرَيْرَة رضي اللَّهُ عَنْهُ أَنّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ من قال حِينَ تَغِيبُ الشَّمْسُ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لم يضرّهُ من ليله شَيْءٌ.

( شرح )

هذا الباب السادس و الثلاثين من أبواب هذه الرسالة قال باب الدليل على أن كلام الله عز و جل غير مخلوق هذا هو عقيدة أهل السنة و الجماعة أن كلام منزل غير مخلوق منه بدأ و إليه يعود و كلام الله صفة من صفاته و الله تعالى هو الخالق بذاته و أسمائه و صفاته و أما ما سواه مخلوق و من الأدلة على أن كلام الله غير مخلوق أدلة كثيرة لا حصر لها منها قوله تعالى ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءࣲۖ فأخبر سبحانه و تعالى بأنه الخالق و الله اسمه الشريف , الله بذاته و أسمائه و صفاته  وأفعاله هو الخالق و غيره مخلوق و قوله تعالى وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكۡلِیمࣰا المصدر قال العلماء إذا جاء المصدر فالمراد به التأكيد  و لا يمكن أن يقال أنه مجاز لدفع (41:45) المجاز لما جاءت تَكۡلِیمࣰا صار المراد به الكلام الحقيقي أنه لا يمكن أن يؤول و كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ و إليه يعود و من الأدلة قوله تعالى تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡحَكِیمِ تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلۡعَزِیزِ ٱلۡعَلِیمِ تَنزِیلࣱ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ و التنزيل يكون من أسفل إلى أعلى قال تَنزِیلُ و المعنى منزل قال الله تعالى قُلۡ نَزَّلَهُۥ رُوحُ ٱلۡقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلۡحَقِّ   و قال وَلَـٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّی  مِنِّی هذه كلها أدلة على إثبات كلام الله و إثبات أن القرآن غير مخلوق قال أهل السنة إن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ و إليه يعود , منه بدأ يعني تكلم الله به , و إليه يعود يعني يوم القيامة يعني في آخر الزمان في آخر الزمان يعود إلى الله بعد ظهور أشراط الساعة الكبار الآن ظهرت  أشراط الساعة الكبرى و المتوسطة بقي أشراط الساعة الكبرى التي تليها الساعة و هي شبهة بالعقد الذي فيه خرز إذا قطع تتابعت الخرز و لم يخرج منها شيء حتى الآن أولها خروج المهدي و هو رجل من آل البيت من سند فاطمة اسمه كاسم النبي ﷺ محمد بن عبد الله المهدي و كنيته ككنيته يملؤ الأرض عدل كما ملئت جورا يبايع له في وقت ليس للناس فيه إمام و الفتن تكثر في زمانه و تحصر الفتن الناس في الشام و تحصل حروب طاحنة بين المسلمين و النصارى و من آخرها فتح القسطنطينية فإذا فتحت القسطنطينية , جاء في صحيح مسلم أن الناس يعلقون سيوفهم بأشجار الزيتون و هذا يدل و الله أعلم أنه في ذلك الوقت أن المخترعات الحديثة تزول لأنهم يقاتلون بالسيوف ما في قنابل و لا صواريخ يعلقون سيوفهم بشجر الزيتون عند ذلك يخرج الدجال و هي العلامة الثانية و هو رجل من بني آدم أعور عينه اليمنى يدعي الصلاح أولا ثم يدعي النبوة ثم يدعي الألوهية فيقول أنا ربكم ثم ينزل في زمانه عيسى بن مريم من السماء و هي العلامة الثالثة فيقتل الدجال و في زمان عيسى يخرج يأجوج و مأجوج و يتحصن نبي الله عيسى و من معه بجبال الطور هذه أربعة علامات متتالية و مرتبة و هي أول أشراطها أولا المهدي و في زمانه يخرج الدجال و في زمانه يخرج عيسى بن مريم و في زمانه يخرج يأجوج و مأجوج ثم تتوالى بقية أشراط الساعة و منها دخان الدخان و هو الخامس يملؤ الأرض و يصيب المؤمنين كهيئة الزكام و يؤذي الكافر يدخل في عينه و سمعه و بصره و منها نزع القرآن من الصدور و من المصاحف و هذه أول علامة و هذا معنى قول أهل السنة منه بدأ و إليه يعود إذا كان العمل بالقرآن في آخر الزمان نزع من الصدور و المصاحف و يصبح الناس لا يجدون في صدورهم آية ولا في مصاحفهم نعوذ بالله و هذا من أعظم المصائب و هي السادسة و العلامة السابعة هدم الكعبة يهدمها رجل من الحبشة قال النبي ﷺ أنظر إليه كأنه أصيلع أفيرع يهدمها حجرا حجرا و يلقيها في البحر ثم العلامة الثامنة طلوع الشمس من مغربها فإذا طلعت آمن الناس كلهم بالله و إذا طلعت أغلق باب التوبة و ليس هناك إيمان جديد فالمؤمن يبقى على إيمانه و الكافر يبقى على كفره ثم التاسعة خروج الدابة و هي تسم الناس سمة بيضاء في جباههم تسمهم بسمة بيضاء فيبيض بها وجهه و الكافر سمة سوداء فيسود بها وجهه و الدابة و خروج الشمس من مغربها مقترنتين أيهما خرجت فالأخرى على إثرها قريبة , إن خرجت الدابة قبل طلوع الشمس طلعت و إن طلعت قبل خروج الدابة خرجت و أبواب التوبة أغلقت و المؤمن معروف و الكافر معروف و يجلس الناس زمنا يتبايعون في أسواقهم يعرف المؤمن من الكافر , فهذا مؤمن يشتري من هذا الكافر , فالكافر أسود الوجه و المؤمن أبيض الوجه و ليس هناك إيمان جديد ثم في آخرها تأتي روح طيبة تقبض أرواح المؤمنين و المؤمنات فلا يبقى مؤمن في قلبه إيمان إلا قبضته حتى لو دخل الإسلام (46:33) قبضته ثم بعد ذلك لا يبقى في الأرض إلا الكفرة و هم في ذلك حسن رزقهم دار عيشهم ثم العلامة العاشرة خروج النار من قعر عدن نار تسوق الناس إلى المحشر إلى أرض فلسطين تبيت معهم إذا باتوا , وقت البيتوتة وقت النوم تقف حتى يبيت الناس فإذا انتهوا من البيتوتة ساقت الناس وقت القيلولة تقف فإذا فاقوا من القيلولة ساقت الناس فمن تخلف أكلته ثم بعد ذلك تقوم الساعة على الكفرة و الناس مشغولون في دنياهم تقوم و هذا يلوط الحوض لابنه و هذا يغرس فسيلة و هذا يمد قماش لغيره و هذا يرفع اللقمة إلى فمه فتقوم عليهم و ذلك أن الله يأمر إسرافيل فينفخ في الصور نفخة الصعق و هي نفخة طويلة يكون أولها فزع و آخرها صعق و موت ثم يموتون الناس ثم يمكث الناس أربعين ثم ينزل الله مطرا تنبت منه أجساد الناس و ينشؤ الناس و يعيد الله خلقهم من جديد نفس نواة الإنسان يعيدها الله الذرات التي في السحاب يعيدها الله خلقا جديدا فإذا تكامل خلق الناس أمر الله اسرافيل فنفخ في الصور نفخة البعث فتأتي الأرواح من مكانها و تتطاير و تدخل كل روح في جسدها فيقوم الناس من قبورهم حفاة عراة حفاة لا نعال عليهم عراة لا ثياب عليهم غرلا غير مختونين و يقفون بين يدي رب العالمين للحساب و الجزاء و الشاهد من هذا قول أهل السنة منه بدأ و إليه يعود يعني القران ينزع من الصدور و المصاحف في آخر الزمان إذا ترك الناس العمل به و هو أحد أشراط الساعة الكبار و كلام الله منزل غير مخلوق الأدلة في هذا كثيرة و لكن المؤلف اكتفى بدليل واحد و هو قوله أن النبي ﷺ قال من قال حين تغيب الشمس أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره من ليله شيء هذا رواه الإمام أحمد و مسلم و في صحيح مسلم عن خوله بنت الحكيم قالت قال رسول الله ﷺ من نزل منزلا فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله ذلك و كلمة الله نوعان كلمات كونية و كلمات دينية شرعية فالكلمات الدينية الشرعية كالقرآن , القرآن و كتب الله المنزلة , والكلمات الكونية هي ما تكلم الله للشيء بقوله كن فيكون و الكلمات التي لا يجاوزها شر مثل قوله أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق و في الحديث الآخر أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر  الكلمات التي لا يجاوزهما بر و لا فاجر هي الكلمات الكونية كقوله سبحانه للشيء كن فيكون أما الكلمات الدينية و الشريعة فيجاوزها الفاجر القرآن كلمات الله الدينية يقول الله وَأَقِیمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ الفاجر لا يقيم الصلاة يتجاوزها لكن الكلمات الكونية إذا قال الله كن للشيء فيكون لا أحد يمتنع و لا يجاوزها فالدليل على أن كلام الله منزل غير مخلوق أدلة كثيرة كما سمعتم من القرآن و من السنة كل آية يكون فيها تنزيل و التنزيل يكون من كلامه تَنزِیلُ ٱلۡكِتَـٰبِ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِینُ وَلَـٰكِنۡ حَقَّ ٱلۡقَوۡلُ مِنِّی  ٱللَّهُ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیۡءࣲۖ كل هذه أدلة على أن كلام الله منزل غير مخلوق .

 

( متن )

بَابُ بَيَانِ أَنَّ قَلْبَ الْمُؤمن سينشرح بِنُورِ اللَّه

قال أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بنُ الْعَبَّاسِ قال أخبرنا عُبَيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الدَّقَّاقُ بِبَغْدَادَ قال حدثَنَا الْفِرْيَاني قال حدثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ ح  وأخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بن النجم قال حدثَنَا الْحُسَيْنُ بنُ أَحْمَدَ قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الْمُسَيِّبِ قال حدثَنَا أَبُو عِيسَى قَالَا حدثَنَا أَيُّوبُ بنُ سُوَيْد ح و أخبرنا عبد الْجَبَّار قال أخبرنا بنِ مَحْبُوبٍ قال حدثَنَا أَبُو عِيسَى قال حدثَنَا الْحسن بن عَرَفَة قال حدثَنَا إِسْمَاعِيل بن عَباس ح و أخبرنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمُكَتِّبُ وَغَيْرُهُ قَالُوا حدثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَن بن أَحْمد الملحدي قال حدثَنَا ابن منبع قال حدثَنَا دَاوُودُ بنُ أبيهم قال حدثَنَا إسماعيل بن عَباس قَالَ حدثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي عَمْرٍو الشيْبَانِيُّ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حدثَنَا أَبُو زُرْعَةَ يحيى بن أبي عَمْرو السيباني عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو بن القعاصر قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ اهْتَدَى وَمَنْ أخطأه ضل فلذَلِك أَقُول جف الْقَلَم على عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .

( شرح )

هذا الباب السابع و الثلاثين عقده المؤلف لبيان قال باب بيان أن قلب المؤمن سينشرح بنور الله و ذكر حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله ﷺ إن الله تبارك و تعالى خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى و من أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على علم الله عز و جل هذا الحديث ضعيف كما ذكر المحقق في الحاشية قال إنه ضعيف و رواه أحمد و الترمذي من طرق عبد الله بن الديلمي و هو ضعيف و قال أبو عيسى هذا حديث حسن قال المحقق فيه يحيى ابن أبي عمر السيباني قال فيه أبو حاتم و أبو زرعة لم يسمع من ابن مخبر بينهما عمرو بن عبد الله الحضرمي فالحديث فيه ضعف لكن قلب المؤمن ينشرح بنور الله دل على ذلك أدلة قوله تعالى في سورة الزمر أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِۦۚ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِۦۚ​​​​​​​ فالله تعالى يقذف النور في قلب المؤمن فينشرح صدره من أراد الله هدايته هذا فضله و إحسانه سبحانه و تعالى و من خذله فإنه لا يقبل الحق قال تعالى فَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یَهۡدِیَهُۥ یَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِۖ وَمَن یُرِدۡ أَن یُضِلَّهُۥ یَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَیِّقًا حَرَجࣰا كَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی ٱلسَّمَاۤءِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ فهاتان الآيتان قد يقال أن هذا الحديث و إن كان ضعيف لكن تشهد له الآيات الكريمات فَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یَهۡدِیَهُۥ یَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِۖ و قال الله سبحانه فَمَن یُرِدِ ٱللَّهُ أَن یَهۡدِیَهُۥ یَشۡرَحۡ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِۖ وَمَن یُرِدۡ أَن یُضِلَّهُۥ یَجۡعَلۡ صَدۡرَهُۥ ضَیِّقًا حَرَجࣰا كَأَنَّمَا یَصَّعَّدُ فِی ٱلسَّمَاۤءِۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ یَجۡعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجۡسَ عَلَى ٱلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ و هذا توفيقه سبحانه و تعالى , فضله , فضل الله تعالى على المؤمن نعمة دينية خصه بها دون الكافر حبب إليه أهل الإيمان و جعله يقبل الحق دون الباطل و يختاره و جعله راشدا و زين الإيمان في قلبه وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَزَیَّنَهُۥ فِی قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَیۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡیَانَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلرَّ ٰ⁠شِدُونَ ۝ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعۡمَةࣰۚ وَٱللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمࣱ هذا فضله و إحسانه سبحانه و تعالى فعلى المؤمن أن يغتبط بهذه النعمة و أن يسأله الله الثبات على الإيمان و أن يسأل الله أن ينور قلبه و يشرح صدره للإسلام و قال سبحانه أيضا دليل ثالث ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ قال جمع المفسرين ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ​​​​​​​ في قلب المؤمن مَثَلُ نُورِهِۦ​​​​​​​ في قلب المؤمن ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشۡكَوٰةࣲ فِیهَا مِصۡبَاحٌۖ ٱلۡمِصۡبَاحُ فِی زُجَاجَةٍۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوۡكَبࣱ دُرِّیࣱّ یُوقَدُ مِن شَجَرَةࣲ مُّبَـٰرَكَةࣲ زَیۡتُونَةࣲ لَّا شَرۡقِیَّةࣲ وَلَا غَرۡبِیَّةࣲ یَكَادُ زَیۡتُهَا یُضِیۤءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارࣱۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورࣲۚ یَهۡدِی ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن یَشَاۤءُۚ وَیَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَـٰلَ لِلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ ما مناسبة هذا الباب لدلائل التوحيد ؟؟ الرسالة الأربعون في دلائل التوحيد هل هذا فيه دليل على التوحيد؟؟ نعم , نقول إن المؤمن الذي شرح الله صدره للإسلام يقبل الحق يقبل الحق و ينظر في الأدلة يوفقه الله في النظر إلى الأدلة و يستدل بها على الحق فتكون الأدلة مقبولة واضحة أمامه و من خذله الله فلا يرى الأدلة و لا يبصرها و لا يوفق لقبولها فمن شرح الله صدره و نور قلبه قبل بالحق و عرف الدلائل على توحيد الله عز و جل و استدل بها على قدرة الله و وحدانيته و استحقاقه للعبادة و أنه المعبود بالحق و أنه له الكمال في ذاته و أسمائه و صفاته و أفعاله فبهذا تتضح مناسبة هذا الباب لدلائل التوحيد .

 

( متن )

بَابُ الِانْتِهَاءِ عَنِ التَّعَمُّقِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

قال أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيمَ قال أخبرنا بِشْرٌ عن أَحْمَدَ قال حدثَنَا الْهَيْثَمُ بنُ خَلَفٍ قال حدثَنَا بِشْرُ بنُ الْوَلِيدِ ح و حدثنا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَحْمُودٍ قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الْعَبَّاسِ الْعُصْمِيُّ قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُعَاذٍ أن الْفرْيَابِيّ حَدثني ح و أخبرنا عُمَرُ بنُ إِبْرَاهِيمَ قال أخبرنا عَبْدُ الله بن عمر الجويري قال حدثَنَا أَحْمد بن مُحَمَّد الكشميهيني قال أخبرنا الْفِرْيَابِيُّ قال حدثَنَا عَلِيُّ بنُ ثَابت قال حدثَنَا الْوَازِع بن نَافِعٍ عَنْ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِه أن النَّبِيِّ ﷺ أنه قال تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

( شرح )

هذا هو الباب الثامن و الثلاثين من أبواب هذه الرسالة عنون له المؤلف بقوله باب الانتهاء عن التعمق في صفات الله عز و جل باب الانتهاء عن التعمق في صفات الله عز و جل , ما معنى التعمق ! التعمق كأن يكون الإنسان يتجاوز حد النظر و يصل إلى حد العمق و الزيادة في التأمل و النظر و الوصول إلى الحق يزيد على ذلك و يتجاوز ما حد له من الاستدلال في صفات الله تعالى و وحدانيته و التأمل فيزيد عليه و يتقعر و يتعمق حتى يتجاوز الحد و يكون عنده غلو , النهي عن التعمق في صفات الله استدل به المؤلف بحديث سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي ﷺ أنه قال تفكروا في آلاء الله و لا تتفكروا في الله عز و جل التفكر هو التأمل و النظر و آلاء الله يعني مخلوقات الله و لا تتفكروا في الله يعني في ذات الله , فيه الأمر بالتفكر في المخلوقات و النهي عن التفكر في ذات الله عز و جل تفكر في مخلوقات الله يعني في السماوات و الأرضيين و يدل على ذلك الأدلة الكثيرة قال الله تعالى قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَا تُغۡنِی ٱلۡـَٔایَـٰتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوۡمࣲ لَّا یُؤۡمِنُونَ من الآيات التي تدل على قوة الله و وحدانيته قال تعالى قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ كَیۡفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِینَ مِن قَبۡلُۚ كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّشۡرِكِینَ فَسِیحُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ أمر الله فقال فَسِیحُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَسِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ انظروا ماذا في السماوات و الأرض إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ  ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ إذا هذه النصوص من كتاب الله عز و جل فيها التفكر و التأمل و النظر في مخلوقات الله و الاستدلال بذلك على قدرة الله و وحدانيته , تأمل في هذه السماء العظيمة و كذلك قول الله أَفَلَا یَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَیۡفَ خُلِقَتۡ وَإِلَى ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ رُفِعَتۡ وَإِلَى ٱلۡجِبَالِ كَیۡفَ نُصِبَتۡ وَإِلَى ٱلۡأَرۡضِ كَیۡفَ سُطِحَتۡ فَذَكِّرۡ إِنَّمَاۤ أَنتَ مُذَكِّرࣱ تفكر , تفكر في الإبل في خلقته تفكر في السماء تفكر في الأرض تفكر في الجبال كيف نصبت , قال سبحانه أَفَلَمۡ یَنظُرُوۤا۟ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَوۡقَهُمۡ كَیۡفَ بَنَیۡنَـٰهَا وَزَیَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجࣲ ۝ وَٱلۡأَرۡضَ مَدَدۡنَـٰهَا وَأَلۡقَیۡنَا فِیهَا رَوَ ٰ⁠سِیَ وَأَنۢبَتۡنَا فِیهَا مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِیجࣲ ۝ تَبۡصِرَةࣰ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدࣲ مُّنِیبࣲ و قال سبحانه وَلَقَدۡ جَعَلۡنَا فِی ٱلسَّمَاۤءِ بُرُوجࣰا وَزَیَّنَّـٰهَا لِلنَّـٰظِرِینَ وَحَفِظۡنَـٰهَا مِن كُلِّ شَیۡطَـٰنࣲ رَّجِیمٍ  و الأدلة كثيرة من كتاب الله فيها التفكر و التأمل و النظر في مخلوقات الله و الاستدلال بها على قدرة الله و وحدانيته في آية يونس قَدۡ بَیَّنَّا ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یُوقِنُونَون ) و في آية آل عمران إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ و أولي الألباب أصحاب العقول السليمة التي أرشدتهم عقولهم إلى النظر و التأمل في مخلوقات الله تتأمل مخلوقات الله و تستدل بها على قدرة الله و وحدانيته و أما التفكر في ذات الله فإن الإنسان لا يستطيع أن يحيط بالله قال تعالى وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡمࣰا و كذلك لا تستطيع أن تحيط بصفاته تأمل في صفات الله عز و جل أما التفكر في ذات الله فلا , و لكن هذا الحديث الذي ذكره المؤلف قال تفكروا في آلاء الله و لا تتفكروا في الله عز و جل هذا الحديث ضعيف كما ذكر المحقق رواه الطبراني في الأوسط و البيهقي في شعب الإيمان و قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عسل بن الوازع تفرد به علي بن ثابت و أورده الهيثمي في مجمع الزوائد و قرره الطبراني في الأوسط و في روايته الوازع و هو متروك , إذا هذا الحديث فيه الأمر بالتفكر في مخلوقات الله و النظر و التفكر في آيات الله لكن يشهد له في التفكر في مخلوقات الله الآيات التي سبقت كلها تشهد له و قد يقال أن الحديث كان ضعيف لكن يكون حسنا بشواهده الشواهد التي فيها تفكر بمخلوقات الله و النظر فيها و التأمل قُلِ ٱنظُرُوا۟ مَاذَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۚ قُلۡ سِیرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ فَٱنظُرُوا۟ إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلۡفُلۡكِ ٱلَّتِی تَجۡرِی فِی ٱلۡبَحۡرِ بِمَا یَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مِن مَّاۤءࣲ فَأَحۡیَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا وَبَثَّ فِیهَا مِن كُلِّ دَاۤبَّةࣲ وَتَصۡرِیفِ ٱلرِّیَـٰحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلۡمُسَخَّرِ بَیۡنَ ٱلسَّمَاۤءِ وَٱلۡأَرۡضِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ دلالات لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَعۡقِلُونَ​​​​​​​ إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِ هذه النصوص فيها الأمر بالتفكر و الحديث فيه التفكر بآلاء الله فهو موافق للآيات لكن الجزء الثاني قال و لا تفكروا في الله عز و جل نعم قد يشهد له قوله تعالى وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡمࣰا یَعۡلَمُ مَا بَیۡنَ أَیۡدِیهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡمࣰا لا يمكن لأحد أن يحيط بالله لا أحد يحيط بالله و لا يمكن أن تتصور صفات الله و كل ما يدور في خيالك و ذهنك فالله فوق ذلك , و الله ليس مماثلا لما يدور في خيالك و ما يدور في ذهنك لا تستطيع أن تعلم حقيقة صفات الله و لا أن تعلم حقيقة ذات الله و إنما حسبك أن تتأمل آيات الله الكونية و تتأمل في صفات الله و تستدل بها على قدرة الله و وحدانيته وَسِعۡتَ كُلَّ شَیۡءࣲ رَّحۡمَةࣰ وَعِلۡمࣰا كل شيء وسع رحمة و علما تأمل في صفات الله و يقال و لا تتفكروا في الله عز و جل لكن تأملوا في صفات الله مطلوب و الحديث إن الله يضع السماوات في إصبع يوم القيامة و الأرضيين في إصبع و الماء و الثرى على إصبع و الجبال على إصبع و سائر الثرى على إصبع ثم يهزهن بيده فيقول أين الملوك و يقال سبحانه وَٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِ تفكر في عظمة الله عز و جل وَٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تُ مَطۡوِیَّـٰتُۢ بِیَمِینِهِ يقول في الحديث ما السماوات السبع و الأرضون السبع في يد الرحمن إلا خردلة في يد أحدكم خردلة حبة صغيرة و في الحديث إن الله تعالى يقبض السماوات بيده و بيده الأخرى القبض و الفيض و المؤمنون يرون ربهم يوم القيامة و يدهشون و لهذا في أول مرة ينكرون إذا رأوه من الدهش الذي أصابهم من عظمة الله عز و جل , إذا كان المخلوق إذا كان الإنسان لا يحيط بالمخلوق أنت الآن ترى السماء لكن لا تحيط بها ما ترى أطرافها , ترى الجبل من مسافة ساعات لكن لا تحيط به حتى تركب السيارة و تدور عليه , البستان الذي مسافته عشرة كيلو في عشرة كيلو أنت تراه لكن لا تحيط به رؤية حتى تدور عليه إذا كان المخلوق لا تحيط به فكيف يحيط الإنسان بالله وَلَا یُحِیطُونَ بِهِۦ عِلۡمࣰا فالحديث إذا كان ضعيفا و تشهد له النصوص التي فيها الأمر بالتفكر في مخلوقات الله و الاستدلال بها على قدرة الله و وحدانيته و التفكر في ذات الله كذلك مثل التفكر في عظمة الله في صفاته سبحانه و تعالى .

 

( متن )

بَاب الرَّد على مستحل الْكَلَامِ الْمُجَادِلِينَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

قال أَخْبَرَنَا عبد الله بن عَبْدُ الْجَبَّارِ قال حدثَنَا مُحَمَّد بن أحمد بنِ مَحْبُوبٍ قال حدثَنَا أَبُو عِيسَى قال حدثَنَا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ قال حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ وَيَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ عَنْ حَجَّاجِ بنِ دِينَار عَن أبي غَالِبٍ هَذَا اسْمُهُ حَزَوَّرٌ الْقُرَشِيُّ بَصْرِيٌّ يُقَالُ لَهُ مَوْلَى بَاهِلَةَ عَنْ أَبِي أمامة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ثمَّ تلا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلا بَلْ هُمْ قوم خصمون

قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ .

( شرح )

هذا الباب التاسع و الثلاثين من أبواب الرسالة وهو الباب الأخير آخر الأبواب و به ختم المؤلف الرسالة قال باب الرد على مستحل الكلام المجادلين في الله عز و جل ثم ذكر حديث أبي أمامة قال , قال رسول الله ﷺ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا رسول الله ﷺ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ قال أبو عيسى هذا حديث صحيح و هذا الحديث ضعيف كما ذكر المحقق و قرره أحمد و الترمذي و ابن ماجة من طريق حجاج بن دينا عن ابن غالب عن أبي أمامة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه بحديث حجاج بن دينار و حجاج هذا ثقة مقرب للحديث و أبو غالب اسمه حزور و هذا حجاج بن دينار فيه كلام عند أهل العلم قال ابن مبارك ثقة قال أحمد ليس به بأس قال ابن أبي الخيثمة صدوق ليس به بأس قال زهير بن حرب و عبد الرحمن بن شيبة ثقة قال صالح صدوق مستقيم الحديث لا بأس به قال الدارقطني ليس بالقوي قال الحافظ في التقريب حزور صاحب أبي امامة بصري نزل بأصفهان , فهذا الحديث حكم عليه المحقق بأنه ضعيف و أقوال أهل العلم الآن منهم من وثقه كابن مبارك يقول ثقة و قال أحمد ليس به بأس و ابن معين يقول صدوق و أبو زرعة الصالح مستقيم الحديث و الدارقطني يقول ليس بالقوي , أكثر كلام النقاد بأنه ليس ضعيف و ليس , ابن مبارك يقول ثقة و أمد يقول ليس به بأس و ابن أبي الخيل يقول صدوق ليس به بأس و يعقوب و العز يقول ثقة و أبو زرعة الصالح مستقيم فالأقرب و الله أعلم أنه حسن ليس ضعيفا و الحديث مشهور ليس ضعيف كما قال المحقق كما قال النووي حسن و الحسن درجة في الوسط بين الضعيف و بين الثقة غير صحيح فهو حسن نقول , و المعنى صحيح أيضا و له شواهد أيضا قال رسول الله ﷺ ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ثم تلا رسول الله ﷺ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ و الحديث فيه التحذير من الجدل فيه التحذير من الجدال و المراد بالجدال الجدال المذموم و الجدال نوعان جدال محمود و جدال مذموم الجدال المحمود هو الجدال لإيضاح الحق و رد الباطل قال تعالى ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِیلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَـٰدِلۡهُم بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِیلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ و قال تعالى وَلَا تُجَـٰدِلُوۤا۟ أَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ إِلَّا بِٱلَّتِی هِیَ أَحۡسَنُ إِلَّا ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ مِنۡهُمۡۖ و الجدال المذموم هو الجدال لرد الحق أو لإظهار الباطل أو الجدال الذي تماري فيه صاحبك حتى تغضبه و الله سبحانه و تعالى يقول ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرࣱ مَّعۡلُومَـٰتࣱۚ فَمَن فَرَضَ فِیهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِی ٱلۡحَجِّۗ المراد الجدال المذموم هذا هو الجدال المذموم الذي يجادل لرد الحق و إظهار الباطل أما الجدال  لإظهار الحق و رد الباطل فهذا مطلوب و ثبت في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ جاء إلى علي و فاطمة و قال لهما ألا تقومان تصليان في الليل فقال علي يا سول الله أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثها فول النبي ﷺ و هو يضرب يده في فخذه و يقول  وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَكۡثَرَ شَیۡءࣲ جَدَلࣰا  رواه مسلم في صحيحه و كان النبي ﷺ يعني ما أعجبه رد علي علي صحابي جليل لكنه رد بهذا الرد الذي هو غير مناسب قال النبي ﷺ أمرهم بالقيام للصلاة بالليل ألا تقومان تصليان فقال ( يا رسول الله أنفسنا بيد الله ) ليس باختيارنا النوم إن شاء بعثنه و إن شيء لم يبعثها فول النبي ﷺ و هو يضرب فخذه و يقول وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَكۡثَرَ شَیۡءࣲ جَدَلࣰا​​​​​​​ فكان من الأولى أن يقول نسأل الله أن يوفقنا و نبذل الجهد و الوسع لكنه و هو صحابي جليل من أهل الجنة مشهود له قال يا رسول الله أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثها بعثها فلم يعجبه النبي ﷺ هذا الرد فول النبي ﷺ و هو يضرب فخذه و يقول وَكَانَ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَكۡثَرَ شَیۡءࣲ جَدَلࣰا​​​​​​​ هذا الجدل ما ينبغي هذا الرد لا ينبغي هذا الجدال ليس بصحيح فالجدال جدالان جدال محمود و جدال مذموم فالجدال المحمود هو الجدال لإيضاح الحق و رد الباطل و الجدال المذموم هو الجدال الذي يجادل فيه لرد الحق و إظهار الباطل و كذلك الجدال الذي تجادل فيه صاحبك حتى تغضبه , تغضبه الجدال هذا لا فائدة فيه و هو المراء و قال عليه الصلاة و السلام أنا زعيم لبيت في ربط الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا فالمؤلف رحمه الله بوب هذا الباب قال باب الرد على مستحل الكلام المجادلين في الله عز و جل إذا هذا الجدال مذموم لأنه قال المجادلين في الله و قال تعالى ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ هذا فيه ذم للمجادلين ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ السلطان هو الدليل و الحجة الذي يجادل بغير سلطان فهو مذموم ٱلَّذِینَ یُجَـٰدِلُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَیۡرِ سُلۡطَـٰنٍ أَتَىٰهُمۡۖ هذا هو الجدال المذموم يجادل بغير دليل أما الذي عنده دليل و يجادل لإظهار الحق و رد الباطل هذا ليس بمذموم فالمؤلف أراد الرد على مستحل الجدال بالباطل قال باب الرد على مستحل الكلام المجادلين في الله عز و جل ثم ذكر حديث أبي أمامة ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل و هذا فيه ذم الجدال بالباطل ما ضل قوم و الحديث حسن ليس كما قال المحقق أنه ضعيف و فيه دليل على أن الذين يضلون بعد هداية الله لهم يؤتون الجدل عقوبة من الله , عقوبة من الله لهم قال تعالى فَلَمَّا زَاغُوۤا۟ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ و قال سبحانه وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَـٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهِۦۤ أَوَّلَ مَرَّةࣲ هذه عقوبة من الله عقوبة لمن يجادل من ضل بعد هدى أتاه الحق و عدل عنه يعاقب إذا كان الحق واضحا ثم رده يعاقب بزيغ القلب وفي تقليبه فَلَمَّا زَاغُوۤا۟ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ​​​​​​​ وَنُقَلِّبُ أَفۡـِٔدَتَهُمۡ وَأَبۡصَـٰرَهُمۡ كَمَا لَمۡ یُؤۡمِنُوا۟ بِهِۦۤ أَوَّلَ مَرَّةࣲ  ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل الجدال المذموم ثم تلا رسول الله ﷺ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ هذا ذم للجدال و المراد بالجدال كما سمعتم الجدال نوعان جدال محمود و جدال مذموم , بقي ما مناسبة هذا الباب لدلائل التوحيد ! المؤلف ذكر الأربعون في دلائل التوحيد , ما مناسبة هذا الباب مناسبته أن أهل البدع يجادلون , يجادلون في الأدلة التي تدل على إثبات صفات الله عز و جل , الذين يجادلون من أهل البدع و المعتزلة و الأشاعرة و الجهمية و غيرهم يجادلون بالباطل يجادلون أهل الحق و ينكرون صفات الله عز و جل و يؤولون الاستواء بالاستيلاء و يجادلون بالباطل و يردون النصوص و الآيات و يتأولونها على غير تأويلها بالباطل فهذا من الجدال بالباطل فالواجب على المسلم أن يقبل الحق و ألا يجادل في الباطل و أن يثبت الأسماء و الصفات لله عز و جل كما يليق بجلاله و عظمته و ألا يسلك ما سلكه أهل البدع من تأويل النصوص الأشاعرة يقولون الاستواء ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ معناه الاستيلاء هذا من الجدال بالباطل و تأويل الباطل النزول ( ينزل ربنا من السماء الدنيا ) قالوا ينزل أمره أو تنزل رحمته أو ينزل ملك هذا من الجدال بالباطل و العلو وَهُوَ ٱلۡعَلِیُّ ٱلۡعَظِیمُ (1:20:56) قالوا هذا علو القدر و علو القهر أما علو الذات فالله ليس له علو الذات هذا من الجدال بالباطل فختم المؤلف رحمه الله هذه الرسالة بالرد على مستحل الكلام المجادلين بالباطل و ذكر هذا الحديث و هو حديث لا بأس به ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل هذا فيه التحذير من الجدل تحذير من الجدال بالباطل و تحذير لأهل الحق من أن يسلكوا مسلك أهل البدع فيجادلوا بالباطل و يأولوا صفات الله كما أولها أهل البدع على المسلم أن يقبل الحق و أن يثبت الأسماء لله و صفاته و ألا يجادلوا بالباطل و ألا يسلك مسلك الذين ذمهم الله فتجادلوا بالباطل قال تعالى مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ​​​​​​​ و بهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة و نسأل الله لنا و لكم التوفيق و التسديد و العلم النافع و العمل الصالح و الثبات على دينه حتى الممات إنه ولي ذلك و القادر عليه و صلى الله و سلم على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد