شعار الموقع

سورة البقرة - 15

00:00
00:00
تحميل
6

قال الله تعالى: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون} [البقرة:72 - 73].
 : [قال البخاري: {فادارأتم فيها} اختلفتم، وهكذا قال مجاهد: فيما رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن أبي حذيفة عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال: في قوله تعالى: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها} اختلفتم، وقال عطاء الخرساني والضحاك اختصمتم فيها.
وقال ابن جريج: {وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها} قال بعضهم: أنتم قتلتموه، وقال آخرون: بل أنتم قتلتموه، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.{والله مخرج ما كنتم تكتمون} قال مجاهد: ما تغيبون.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرة بن أسلم البصري حدثنا محمد بن الطفيل العبدي حدثنا صدقة بن رستم، سمعت المسيب بن رافع يقول: ما عمل رجل حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وما عمل رجل سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله، وتصديق ذلك في كلام الله {والله مخرج ما كنتم تكتمون * فقلنا اضربوه ببعضها} [البقرة:72 - 73] هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة].
وهذه القصة فيها بيان قدرة الله العظيمة، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وفيها دليل على البعث، كما قال سبحانه وتعالى: {كذلك يحي الله الموتى} [البقرة:73]، فكما أن إحياء الأرض بعد موتها دليل على البعث، وهذه قصة من خمس قصص في سورة البقرة، أحياهم الله تعالى بعد موتهم هذه القصة وهي قتيل بني إسرائيل، ضربوه ببضعة من البقرة فأحياه الله.
والثانية: بنو إسرائيل لما قالوا أرنا الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة فماتوا، ثم بعثهم الله.
والثالثة: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم} [البقرة:243] والرابعة: قصة عزير والخامسة: طيور إبراهيم.
[{فقلنا اضربوه ببعضها} [البقرة:73]، هذا البعض أي شيء كان من أعضاء هذه البقرة، فالمعجزة حاصلة به، وخرق العادة به كائن، وقد كان معينا في نفس الأمر، فلو كان في تعيينه لنا فائدة تعود علينا في أمر الدين أو الدنيا لبينه الله تعالى لنا، ولكنه أبهمه ولم يجئ من طريق صحيح عن معصوم بيانه، فنحن نبهمه كما أبهمه الله].
هذا هو الصواب، كما قال المؤلف رحمه الله هذا البعض مبهم، ولو كان فيه فائدة لبينه الله لنا، الله أعلم ما هذه القطعة، هل هي من الرقبة أو من الفخذ المهم أخذوا قطعة وهي معينة عندهم في زمانهم وضربوه ببعضها فأحياه الله، فقالوا له: من قتلك؟ فقال: قتلني فلان، ثم عاد ميتا، وأما تعيين بعضهم لهذه البضعة بأنها من الرقبة أو من الفخذ، فلا دليل عليه.
[ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان حدثنا عفان بن مسلم حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن أصحاب بقرة بني إسرائيل طلبوها أربعين سنة حتى وجدوها عند رجل في بقر له، وكانت بقرة تعجبه قال: فجعلوا يعطونه بها فيأبى، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير].
المسك -بفتح الميم-: الجلد، وأما المسك -بكسر الميم- فهو الطيب. وهذا مما يختلف فيه المعنى باختلاف الشكل، حركة واحدة تغير فيه المعنى.
[قال: فجعلوا يعطونه بها فيأبى، حتى أعطوه ملء مسكها دنانير، فذبحوها، فضربوه يعني: القتيل بعضو منها، فقام تشخب أوداجه دما، فقالوا له: من قتلك؟ قال: قتلني فلان. وكذا قال الحسن وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أنه ضرب ببعضها. وفي رواية عن ابن عباس: أنه ضرب بالعظم الذي يلي الغضروف.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر قال: قال أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة: ضربوا القتيل ببعض لحمها.
قال معمر: قال قتادة: ضربوه بلحم فخذها فعاش فقال: قتلني فلان.
وقال وكيع بن الجراح في تفسيره: حدثنا النضر بن عربي عن عكرمة: {فقلنا اضربوه ببعضها} فضرب بفخذها، فقام فقال: قتلني فلان. قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وقتادة وعكرمة نحو ذلك.
وقال السدي: فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش، فسألوه فقال: قتلني ابن أخي.
وقال أبو العالية: أمرهم موسى عليه الصلاة السلام].
إذا مر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، فالأفضل الصلاة عليه صلاة كاملة، لا أن نكتفي بالسلام فقط؛ وذلك للتبرك بالصلاة عليه.
[وقال أبو العالية: أمرهم موسى عليه الصلاة والسلام، أن يأخذوا عظما من عظامها فيضربوا به القتيل ففعلوا، فرجع إليه روحه فسمى لهم قاتله، ثم عاد ميتا كما كان.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: فضربوه ببعض آرابها. وقيل: بلسانها. وقيل: بعجب ذنبها].
كل هذا كما سبق ما عليه دليل، كلها من أخبار بني إسرائيل، الله أعلم بصدقها أو كذبها. المهم ضربوه بقطعة منها فأحياه الله، فأخبر من قتله، وانقطع النزاع الذي بينهم عرفوا من قتله، ثم عاد ميتا، وتعيين هذا البعض ما عليه دليل، ولا فائدة فيه، ولو كان في علمه فائدة لعينه الله لنا.
[وقوله تعالى: {كذلك يحي الله الموتى} [البقرة:73] أي: فضربوه فحيي. ونبه تعالى على قدرته وإحيائه الموتى بما شاهدوه من أمر القتيل، جعل تبارك وتعالى ذلك الصنيع حجة لهم على المعاد، وفاصلا ما كان بينهم من الخصومة والعناد].
قوله: فاصلا، يعني يفصل بينهم.
[والله تعالى قد ذكر في هذه السورة مما خلقه من إحياء الموتى في خمسة مواضع: {ثم بعثناكم من بعد موتكم} [البقرة:56]، وهذه القصة، وقصة: {الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} [البقرة:243]، وقصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، وقصة إبراهيم عليه الصلاة السلام والطيور الأربعة. ونبه تعالى بإحياء الأرض بعد موتها على إعادة الأجسام بعد صيرورتها رميما، كما قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة أخبرني يعلى بن عطاء قال: سمعت وكيع بن عدس يحدث عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه].
ووكيع بن عدس يقال له: وكيع بن حدس بالحاء، وفيه بعض الضعف.
[يحدث عن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه، قال: (قلت: يا رسول الله! كيف يحيي الله الموتى؟ قال: أما مررت بواد ممحل ثم مررت به خضرا؟ قال: بلى، قال: كذلك النشور، أو قال: كذلك يحيي الله الموتى).
وشاهد هذا قوله تعالى: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون * وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون * ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون} [يس:34 - 35].
مسألة: استدل لمذهب الإمام مالك في كون قول الجريح: فلان قتلني لوثا بهذه القصة؛ لأن القتيل لما حيي سئل عمن قتله، فقال: فلان قتلني، فكان ذلك مقبولا منه؛ لأنه لا يخبر حينئذ إلا بالحق، ولا يتهم والحالة هذه ورجحوا ذلك؛ لحديث أنس: (أن يهوديا قتل جارية على أوضاح (يعني فضة أراد يأخذها منها اليهودي ) لها فرضخ رأسها بين حجرين، فقيل: من فعل بك هذا أفلان؟ أفلان؟ حتى ذكروا اليهودي فأومأت برأسها، فأخذ اليهودي فلم يزل به حتى اعترف، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرض رأسه بين حجرين).
وعن مالك إذا كان لوثا حلف أولياء القتيل قسامة، وخالف الجمهور في ذلك، ولم يجعلوا قول القتيل في ذلك لوثا].
واللوث: هو البينة أو القرينة التي ترجح أن القتل فيهم، يقال له لوث فهذا إذا وجدت القرينة، إذا وجد قتيل في حي من الأحياء، أو في بلد من البلدان، وصار هناك تهمة لهم ترجح أنهم قتلوه، كأن يكون بينه وبينهم عداوة مثلا، ووجد قتيلا بينهم فهذا يسمى هذا لوثا، فيحلف أولياء القتيل خمسين يمينا على شخص معين، ثم يدفع إليهم فيقتلونه قسامة، ويكون هذا قاطعا للنزاع. لكن لابد يكون فيه لوث
وفي هذا أن ابن سهل لما وجد قتيلا في خيبر بين اليهود واليهود أعداء فجاءوا يشتكون إلى النبي ﷺ وقالوا إن اليهود قتلوه فقالوا النبي ﷺ تحلفون خمسينا يمينا على واحد يدفع لكم تقتلوه فقالوا كيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا يا رسول الله قوم كفار لا نقبل أيمانهم ثم وداه النبي ﷺ من عنده وداه دفع ديته مائة بعير قطعا للنزاع فهذه القسامة إذا وجد قتيل في جماعة في محلة ووجد لوث فإنهم يحلفون خمسينا يمينا على شخص معين فإن أبوا ترد الأيمان على الخصم فيحلفون خمسين يمينا فيبرءون فالصحابة اتهموا اليهود ولكنهم تورعوا عن الحلف لا نستطيع أن نحلف على واحد معين ولم نر ولم نشهد فقال النبي ﷺ نرد الأيمان على اليهود قالوا ما نقبل أيمانهم اليهود قوم كفار كيف نقبل أيمانهم بين لهم الرسول ﷺ الحكم الشرعي هذا الحكم الشرعي ترد الأيمان على الخصم سواء كانوا مسلمين أو كفار يحلفون خمسين يمينا شخص الفاعل إذا وجد اللوث أو بينة أو قرينة أو تغلب الظن ترجح أن القتل فيهم هذا مالك استأنس بهذا

استدل لمذهب الإمام مالك في كون قول الجريح: فلان قتلني لوثا بهذه القصة  

إذا قال الجريح مثلا فلان قتلني ثم مات هل يعتبر هذا تهمة وبينة أم لا يعتبر مالك يقول تهمة يعتبر تهمة لأن الجريح في هذه الحالة ميت ولا يتهم بغير الحق ما يقال إن فلان قتلني إلا عن علم الله

قوله تعالى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة:74].
 : [يقول تعالى توبيخا لبني إسرائيل وتقريعا لهم على ما شاهدوه من آيات الله تعالى، وإحيائه الموتى: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} [البقرة:74]، كله {فهي كالحجارة} [البقرة:74]، التي لا تلين أبدا. ولهذا نهى الله المؤمنين عن مثل حالهم، فقال: {ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد:16].
قال العوفي في تفسيره عن ابن عباس: لما ضرب المقتول ببعض البقرة جلس أحيا ما كان قط، فقيل له: من قتلك؟ قال: بنو أخي قتلوني ثم قبض، فقال بنو أخيه حين قبضه الله: والله ما قتلناه، فكذبوا بالحق بعد أن رأوه، فقال الله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك} يعني: أبناء أخي الشيخ {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمد قاسية بعيدة عن الموعظة، بعدما شاهدوه من الآيات والمعجزات، فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها، أو أشد قسوة من الحجارة، فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية، ومنها ما يشقق فيخرج منه الماء وإن لم يكن جاريا، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله، وفيه إدراك لذلك بحسبه، كما قال: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا} [الإسراء:44].
وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: إنه كان يقول: كل حجر يتفجر منه الماء أو يتشقق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل لمن خشية الله، نزل بذلك القرآن.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة:74]. أي: وإن من الحجارة لألين من قلوبكم عما تدعون إليه من الحق. {وما الله بغافل عما تعملون} [البقرة:74].
وقال أبو علي الجبائي في تفسيره: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} هو سقوط البرد من السحاب، قال القاضي الباقلاني: وهذا تأويل بعيد، وتبعه في استبعاده الرازي، وهو كما قال فإن هذا خروج عن اللفظ بلا دليل، والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا الحسن بن هشام الثقفي حدثني يحيى بن أبي طالب، يعني: ويحيى بن يعقوب: في قوله تعالى: {وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار} قال: كثرة البكاء. {وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء} قال: قليل البكاء. {وإن منها لما يهبط من خشية الله} قال: بكاء القلب من غير دموع العين.
وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز، وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة، كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله: {يريد أن ينقض} [الكهف:77].
قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة: ولا حاجة إلى هذا، فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة، كما في قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} [الأحزاب:72]، وقال: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن} [الإسراء:44] الآية، وقال: {والنجم والشجر يسجدان}[الرحمن:6]{أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله}[النحل:48] هذا هو الصواب، أنه خشوع حقيقي وليس مجازا؛ لأن الله تعالى قادر على كل شيء، وكما دلت عليه هذه الآيات: {يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض} [الجمعة:1] {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم} [الإسراء:44]، {وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة:74]، {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله} [الحشر:21].
وفي الحديث: (إني لأعلم حجرا كان يسلم علي بمكة). وسمع تسبيح الطعام بين يديه، وسمع حنين الجذع، الله جعل فيها إحساسا وشعور وكذلك جبل أحد جبل يحبنا ونحبه..
 : [{قالتا أتينا طائعين} [فصلت:11]، {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل} [الحشر:21] الآية، {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله} [فصلت:21] الآية. وفي الصحيح: (هذا جبل يحبنا ونحبه). وكحنين الجذع المتواتر خبره. وفي صحيح مسلم: (إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن). وفي صفة الحجر الأسود: (إنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة)، وغير ذلك مما في معناه].
وهذا فيه بعض الضعف، لكن جاء ما يشهد له.
وهذه الأمور تسمى جمادات؛ لأنه ليس فيها روح، الذي ليس فيه روح يسمى جمادا، بخلاف الذي فيه روح من الحشرات والدواب والطيور، ما تسمى جمادا.

 : [وفي صفة الحجر الأسود: (إنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة)، وغير ذلك مما في معناه وحكى القرطبي قولا: أنها للتخيير، أي: مثلا لهذا وهذا وهذا، مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين].
أي: أن (أو) في قوله: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة:74] قيل: إنها للتخيير، مثل: جالس الحسن أو ابن سيرين.
يعني: إما أنها كالحجارة أو أنها أشد من الحجارة، وقيل: إنها للإضراب أو للتحقيق، أي: إن لم تكن كالحجارة فهي أشد، أو إن لم تكن أشد من الحجارة فهي لا تقل عنها، مثل {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} [الصافات:147]، يعني: بل يزيدون، إن لم يزيدوا فلا ينقصون، وقيل: إنها للإبهام بالنسبة للمخاطب، والأقرب: أنها للتحقيق، وأن التحقيق أن قلوبهم كالحجارة أو أشد من الحجارة.
أما القول للتخيير أو للإبهام أو للمخاطب فضعيف.
[وكذا حكاه الرازي في تفسيره وزاد قولا آخر: أنها للإبهام بالنسبة إلى المخاطب].
وأما الله سبحانه وتعالى فهو يعلم الشيء على حقيقته.
[كقول القائل: أكلت خبزا أو تمرا، وهو يعلم أيهما أكل].
يريد أن يبهمها بالنسبة للمخاطب، وأما هو فيعلم.
[وقال آخر: إنها بمعنى قول القائل: كل حلوا أو حامضا، أي: لا يخرج عن واحد منهما، أي: وقلوبكم صارت كالحجارة أو أشد قسوة منها لا تخرج عن واحد من هذين الشيئين. والله أعلم.
تنبيه: اختلف علماء العربية في معنى قوله تعالى: {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة:74] بعد الإجماع على استحالة كونها للشك، فقال بعضهم: (أو) ههنا بمعنى الواو، تقديره: فهي كالحجارة وأشد قسوة، كقوله تعالى: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} [الإنسان:24]، {عذرا أو نذرا} [المرسلات:6]، وكما قال النابغة الذبياني: قالت: ألا ليتما هذا الحمام لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد].
تريد الحمام ونصفه، أي: ليت لنا هذا الحمام ونصف هذا الحمام. كذلك قوله هنا {فهي كالحجارة أو أشد قسوة} [البقرة:74] يعني: وأشد قسوة.
[تريد ونصفه، قاله ابن جرير. وقال جرير بن عطية:

نال الخلافة أو كانت له قدرا     كما أتى ربه موسى على قدر 

قال ابن جرير: يعني: نال الخلافة؟ وكانت له قدرا. وقال آخرون: أو ههنا بمعنى: بل، فتقديره: فهي كالحجارة بل أشد قسوة. وكقوله: {إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية}

وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ [الصَّافَّاتِ: 14] فَكَانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [النَّجْمِ: 9]

 وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً عِنْدَكُمْ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ

وَقَالَ آخَرُونَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِبْهَامُ عَلَى المخاطب، كما قال أبو الأسود

أُحِبُّ مُحَمَّدًا حُبًّا شَدِيدًا ... وَعَبَّاسًا وَحَمْزَةَ وَالْوَصِيَّا

فإن يك حبهم رشدا أصبه ... وليس بمخطئ إن كان غيّا 

والوصي على بن أبي طالب على مذهب الشيعة وهو باطل ما فيه وصاية هذا مذهب الشيعة يقول أن النبي أوصى لعلي بن أبي طالب بالخلافة لكن أهل السنة أخفوه هذا باطل والأسود ثقة لكن نسبة هذه الأبيات إليه فيه نظر ما فيه وصاية ما أوصى بشيء أنكر على رضي الله عنه على منبر الكوفة قال ما عندنا شيء إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة وفيها أسنان الإبل وكذا أو فهما يعطيه الله من يشاء في كتاب الله والشيعة يقولون أوصى لكن الشيعة قوم بهت على نفسه أعلن على رءوس الأشهاد ما عندنا شيء ما أوصى رسول الله إلا بكتاب الله وما عندنا شيء إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة نشرها بينهم وفيها أسنان الإبل ولا يقتل مسلم بكافر أو فهم يعطيه الله في كتابه لكن الشيعة يقولو لا يقولو الإنسان أوصى الأسود ثقة لكن في صحة هذه الأبيات عنه نظر  

وقال ابْنُ جَرِيرٍقَالُوا: وَلَا شَكَّ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي أَنَّ حُبَّ مَنْ سَمَّى رَشَدٌ، وَلَكِنَّهُ أَبْهَمَ عَلَى مَنْ خاطبه قَالَ وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ، قِيلَ لَهُ: شَكَكْتَ؟ فقال: كلا والله، ثم انتزع بقول اللَّهِ تَعَالَىوَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [سبأ: 24]

انتزع يعني استدل

[فقال: أو كان شاكا من أخبر بهذا من الهادي منهم ومن الضال؟ وَقَالَ بَعْضُهُمْمَعْنَى ذَلِكَ فَقُلُوبُكُمْ لَا تَخْرُجُ عَنْ أَحَدِ هَذَيْنِ الْمَثَلَيْنِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِثْلَ الْحِجَارَةِ فِي الْقَسْوَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أشد منها في القسوة. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، فَبَعْضُهَا كَالْحِجَارَةِ قَسْوَةً، وَبَعْضُهَا أَشَدُّ قَسْوَةً مِنَ الْحِجَارَةِ وَقَدْ رَجَّحَهُ ابْنُ جَرِيرٍ مَعَ تَوْجِيهِ غَيْرِهِ.

قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ يَبْقَى شَبِيهًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا [ الْبَقَرَةِ: 17]  مَعَ قَوْلِهِ: أَوْ {كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ} وَكَقَوْلِهِ: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ }مَعَ قَوْلِهِ: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ [النور: 40] أي إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ هُوَ هَكَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ هو هكذا، والله أعلم.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةُ الْقَلْبِ، وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِالْقَلْبُ الْقَاسِي] 

هذا اللغط والغيبة والنميمة وكثرة الكلام في المباحات وكثرة الأخذ والرد يقسي القلب أبعد القلوب من الله القلب القاسي

 

[رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ جَامِعِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ صَاحِبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِهِ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ بِهِ، وَقَالَغَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ، وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه مَرْفُوعًا «أَرْبَعٌ مِنَ الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا]

هذا الحديث في سنده صالح المري وهو ضعيف في الحديث واعظ من الوعاظ الواعظ من الوعاظ كأنه ضعيف في الحديث ليس عليه دليل لكن هذه الكلمات لها أصل أربع لا شك ولا سيما إذا اجتمعت ليست علامة خير أما الحديث السابق والله أعلم أنه حديث حسن
قال الله تعالى: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون * وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون * أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} [البقرة:75 - 77].
يقول تعالى [{أفتطمعون} [البقرة:75] أيها المؤمنون (أن يؤمنوا لكم)، أن ينقاد لكم بالطاعة هؤلاء الفرقة الضالة من اليهود الذين شاهد آباؤهم من الآيات البينات ما شاهدوه، ثم قست قلوبهم من بعد ذلك، {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} [البقرة:75] أي: يتأولونه على غير تأويله، {من بعد ما عقلوه} [البقرة:75] أي: فهموه على الجلية، ومع هذا يخالفونه على بصيرة، (وهم يعلمون) أنهم مخطئون فيما ذهبوا إليه من تحريفه وتأويله.
وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه} [المائدة:13] قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: ثم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولمن معه من المؤمنين يؤيسهم منهم: {أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} [البقرة:75].
وليس قوله: يسمعون التوراة كلهم قد سمعها، ولكن هم الذين سألوا موسى رؤية ربهم فأخذتهم الصاعقة فيها.
وقال محمد بن إسحاق: فيما حدثني بعض أهل العلم أنهم قالوا لموسى: يا موسى! قد حيل بيننا وبين رؤية ربنا تعالى فأسمعنا كلامه حين يكلمك، فطلب ذلك موسى إلى ربه تعالى، فقال: نعم، مرهم فليتطهروا وليطهروا ثيابهم ويصوموا، ففعلوا، ثم خرج بهم حتى أتوا الطور، فلما غشيهم الغمام أمرهم موسى أن يسجدوا، فوقعوا سجودا وكلمه ربه، فسمعوا كلامه يأمرهم وينهاهم حتى عقلوا منه ما سمعوا، ثم انصرف بهم إلى بني إسرائيل، فلما جاءوهم حرف فريق منهم ما أمرهم به، وقالوا حين قال موسى لبني إسرائيل: إن الله قد أمركم بكذا وكذا، قال ذلك الفريق الذين ذكرهم الله: إنما قال كذا وكذا، خلافا لما قال الله عز وجل لهم، فهم الذين عنى الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال السدي: {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} [البقرة:75] قال: هي التوراة حرفوها. وهذا الذي ذكره السدي أعم مما ذكره ابن عباس وابن إسحاق، وإن كان قد اختاره ابن جرير لظاهر السياق. فإنه ليس يلزم من سماع كلام الله أن يكون منه، كما سمعه الكليم موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام].
كما قال المؤلف رحمه الله من أن قول السدي أعم، وأثر ابن عباس محمول على أنه كان عن بني إسرائيل، وأثر ابن إسحاق منقطع. الصواب: أن القول بأنهم سمعوا كلام الله يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل. واليهود يحرفون الحق، وقد حرفوا التوراة، وحرفوا كتب الله، كما جاء عن ابن عباس أنه قال: تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وعندكم كتاب الله.
وفي هذه الآيات تحذير هذه الأمة من أن تسلك ما سلكه اليهود، فيصيبهم ما أصابهم من تحريف كلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وتأويله على غير تأويله، كما فعل كثير من المبتدعة الذين حرفوا كلام الله، وأولوا النصوص وجحدوا صفات الله عز وجل.
وقد قال العلماء: إن اللام التي زادها الجهمية مثل النون التي زادها اليهود، عندما قال الله: {وقولوا حطة} [البقرة:58] قال اليهود: حنطة، وعندما قال الله: {الرحمن على العرش استوى} [طه:5] قال الجهمية: استولى.
الواجب على كل مسلم أن يتدبر كتاب الله ويعمل به وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يحذر من التحريف والتأويل الباطل، وأن يفهم نصوص كلام الله وكلام رسوله، ويفسرها بالنصوص الأخرى وبالأحاديث، يفسر كلام الله بكلامه، ثم بكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ويفهم النصوص على ما فهمها السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم، ويحذر من تحريفات وتأويلات أهل البدع حتى لا يسلك مسلك اليهود.
 : [وقد قال الله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} [التوبة:6] أي: مبلغا إليه. ولهذا قال قتادة في قوله: {ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون} [البقرة:75] قال: هم اليهود كانوا يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعدما عقلوه ووعوه. وقال مجاهد: الذين يحرفونه والذين يكتمونه هم العلماء منهم. وقال أبو العالية: عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه].
يعني: قصدوا ذلك.
قال: [وقال السدي: {وهم يعلمون} [البقرة:75]، أي: أنهم أذنبوا. وقال ابن وهب: قال ابن زيد في قوله: {يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} [البقرة:75] قال: التوراة التي أنزلها الله عليهم يحرفونها، يجعلون الحلال فيها حراما والحرام فيها حلالا، والحق فيها باطلا والباطل فيها حقا، إذا جاءهم المحق برشوة أخرجوا له كتاب الله، وإذا جاءهم المبطل برشوة أخرجوا له ذلك الكتاب فهو فيه محق، وإذا جاءهم أحد يسألهم شيئا ليس فيه حق ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال الله لهم: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة:44]
 : [وقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض} [البقرة:76] الآية قال محمد بن إسحاق: حدثنا محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير وعن ابن عباس {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} [البقرة:76] أي: أن صاحبكم رسول الله ولكنه إليكم خاصة، {وإذا خلا بعضهم إلى بعض} [البقرة:76] قالوا: لا تحدثوا العرب بهذا، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم فكان منهم، فأنزل الله: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} [البقرة:76] أي: تقرون بأنه نبي، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ونجد في كتابنا، اجحدوه ولا تقروا به، يقول الله تعالى: {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} [البقرة:77].
وقال الضحاك عن ابن عباس: يعني: المنافقين من اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قالوا: آمنا.
وقال السدي: هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا.
وكذا قال الربيع بن أنس وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.
حتى قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيما رواه ابن وهب عنه، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: (لا يدخلن عليكم قصبة المدينة إلا مؤمن) فقال رؤساؤهم من أهل الكفر والنفاق: اذهبوا فقولوا: آمنا واكفروا إذا رجعتم إلينا، فكانوا يأتون المدينة بالبكر ويرجعون إليهم بعد العصر].
قوله: بالبكر، يعني: أول النهار، جمع بكرة.
[وقرأ قول الله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} [آل عمران:72] وكانوا يقولون إذا دخلوا المدينة: نحن مسلمون؛ ليعلموا خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره، فإذا رجعوا رجعوا إلى الكفر، فلما أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم قطع ذلك عنهم، فلم يكونوا يدخلون، وكان المؤمنون يظنون أنهم مؤمنون، فيقولون: أليس قد قال الله لكم كذا وكذا؟ فيقولون: بلى، فإذا رجعوا إلى قومهم، يعني: الرؤساء، فقالوا: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} [البقرة:76]، الآية.
وقال أبو العالية: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} [البقرة:76] يعني: بما أنزل عليكم في كتابكم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم} قال: كانوا يقولون: سيكون نبي فخلا بعضهم إلى بعض، فقالوا: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم}  قول آخر في المراد بالفتح: قال ابن جريج: حدثني القاسم بن أبي بزة عن مجاهد في قوله تعالى: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} قال: (قام النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة تحت حصونهم، فقال: يا إخوان القردة والخنازير! ويا عبدة الطاغوت! فقالوا: من أخبر بهذا الأمر محمدا؟ ما خرج هذا القول إلا منكم) {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} بما حكم الله للفتح ليكون لهم حجة عليكم.

قال ابن جريج عن مجاهد: هذا حين أرسل إليهم عليا فآذوا محمدا صلى الله عليه وسلم].
[وقال السدي: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} من العذاب، {ليحاجوكم به عند ربكم} هؤلاء ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين من العرب بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} من العذاب، ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم وأكرم على الله منكم.
وقال عطاء الخراساني: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} يعني: بما قضي لكم وعليكم].
والأقرب هو القول الأول، وهو أن معنى الفتح يقول اليهود للمؤمنين: أنه في كتابهم: أن الله سيبعث نبيا، سيكون مهاجره من مكة إلى المدينة، وأنه موجود في كتابهم، هذا هو الفتح ما كان اليهود يخبرون به المسلمين، أنه سيبعث نبي، وأن مهاجره المدينة، وأنه أنزل في كتابهم. وهؤلاء طائفة من منافقي اليهود " وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون [2:76]
 : [وقال عطاء الخراساني: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} يعني: بما قضي لكم وعليكم وقال الحسن البصري: هؤلاء اليهود كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا: آمنا، وإذا خلا بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: لا تحدثوا أصحاب محمد بما فتح الله عليكم مما في كتابكم؛ ليحاجوكم به عند ربكم فيخصموكم].

[وقوله تعالى: {أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون} [البقرة:77]، قال أبو العالية: يعني: ما أسروا من كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم به وهم يجدونه مكتوبا عندهم، وكذا قال قتادة.
وقال الحسن: {إن الله يعلم ما يسرون} قال: كان ما أسروا أنهم كانوا إذا تولوا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وخلا بعضهم إلى بعض، تناهوا أن يخبر أحد منهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما فتح الله عليهم مما في كتابهم؛ خشية أن يحاجهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بما في كتابهم عند ربهم {وما يعلنون} يعني: حين قالوا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: آمنا. كذا قال أبو العالية والربيع وقتادة.

قال الله تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون * فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة:78 - 79].
[يقول تعالى: {ومنهم أميون} أي: ومن أهل الكتاب، قاله مجاهد والأميون جمع أمي، وهو: الرجل الذي لا يحسن الكتابة.
قاله أبو العالية والربيع وقتادة وإبراهيم النخعي وغير واحد؛ وهو ظاهر في قوله تعالى: {لا يعلمون الكتاب} أي: لا يدرون ما فيه.
ولهذا في صفات النبي صلى الله عليه وسلم: أنه الأمي؛ لأنه لم يكن يحسن الكتابة، كما قال تعالى {وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت:48]].
والأمي هو: المنسوب إلى أمه؛ لأن الغالب أن الأم لا تقرأ ولا تكتب في عادة العرب.
 : [وقال عليه الصلاة السلام: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا) الحديث، أي: لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب].
وهذا معنى كوننا أمة أمية، أي: أننا لا نحتاج إلى كتابة للعبادات ومواقيتها، لا في الصلاة ولا في الصيام ولا في الحج، قال الشهر: هكذا وهكذا وهكذا، وخنس بأصابعه، يعني: يكون الشهر مرة ثلاثين، ومرة تسعة وعشرين، فنحن لا نحتاج إلى كتابة الصلوات الخمس كلها علامات ظاهرة، زوال الشمس غروب الشمس ظل الشيء مثليه، مغيب الشفق وطلوع الفجر.
وكذلك أيضا الصيام هلال رمضان، وكذلك الحج، فلا يحتاج المسلمون في معرفة مواقيت العبادات إلى كتابة ولا إلى حساب. هذا معنى أننا أمة أمية لا نحسب يعني لا نحتاج إلى الكتابة في العبادات وتقدير مواقيتها.
 : [وقال تبارك وتعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم} [الجمعة:2]، وقال ابن جرير: نسبت العرب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه].
لأن الأم أولى من الأب في عدم الكتابة، هذا وصف أغلبي للعرب، وإلا فهناك فيهم من يكتب ويقرأ، ولكن وصف أغلبي الأغلب عدم القراءة والكتابة. الصحابة رضي الله عنهم كذلك منهم من يكتب، ومنهم من لا يكتب. من ذلك أبو هريرة رضي الله عنه من أحفظ الصحابة إلا عبد الله بن عمرو كان يكتب ولا أكتب كان يدرس الحديث رضي الله عنه في أول الليل، ولهذا أوصاه النبي صلى الله عليه وسلم أن يوتر قبل أن ينام.
 : [قال: وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قول خلاف هذا، وهو ما حدثنا به أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {ومنهم أميون} قال الأميون: قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سفلة جهال: هذا من عند الله، وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم ثم سماهم أميين؛ لجحودهم كتب الله ورسله. ثم قال ابن جرير: وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم؛ وذلك أن الأمي عند العرب الذي لا يكتب ثم في صحة هذا عن ابن عباس بهذا الإسناد نظر، والله أعلم].
وهو ضعيف هذا فيه علتان: فيه بشر بن عمارة. وفيه الانقطاع الضحاك لم يسمع من ابن عباس، هذا الخبر لا يصح. الصواب: أن الأمي هو الذي لا يحسن القراءة والكتابة.
وأبو روق عطية بن الحارث -بفتح الراء وسكون الواو بعد قاف- هو الهمداني الكوفي، صاحب التفسير، صدوق من الخامسة.
[وقوله تعالى: {إلا أماني} قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا أماني: الأحاديث. وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى: {إلا أماني} يقول: إلا قولا يقولون بأفواههم كذبا. وقال مجاهد: إلا كذبا. وقال سنيد: عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} قال: أناس من اليهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون هو من الكتاب، أماني يتمنونها. وعن الحسن البصري نحوه.
وقال أبو العالية والربيع وقتادة: إلا أماني يتمنون على الله ما ليس لهم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: (إلا أماني) قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب وليسوا منهم.
قال ابن جرير: والأشبه بالصواب قول الضحاك عن ابن عباس.
وقال مجاهد: إن الأميين الذين وصفهم الله تعالى أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله تعالى على موسى شيئا، ولكنهم يتخرصون الكذب، ويتخرصون الأباطيل كذبا وزورا. والتمني في هذا الموضع هو تخلق الكذب وتخرصه، ومنه الخبر المروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: ما تغنيت ولا تمنيت، يعني: ما تخرصت الباطل ولا اختلقت الكذب.
وقيل المراد بقوله: (إلا أماني) بالتشديد والتخفيف أيضا، أي: إلا تلاوة، فعلى هذا يكون استثناء منقطعا، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: {إلا إذا تمنى} [الحج:52] أي: تلا {ألقى الشيطان في أمنيته} الآية].
وهذا هو الصواب. الصواب أن التمني هو التلاوة المجردة، قال تعالى: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} أي: إلا تلاوة مجردة، ولا يفقهون المعاني ]
وقوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى} [الحج:52] أي: إذا قرأ، {ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج:52] في قراءته التمني: القراءة المجردة.
والله تعالى أخبر أن هؤلاء الطائفة من اليهود أميون لا يفقهون المعنى ولا يفهمون إلا مجرد التلاوة.
 : [وقال كعب بن مالك الشاعر: تمنى كتاب الله أول ليله     وآخره لاقى حمام المقادر.
يعني: عثمان، تمنى، يعني: قرأ كتاب الله أول الليل، وفي آخره لاقى الحمام، أي: الموت، قتل رضي الله عنه قتله الثوار وهو يتلو كتاب الله. تمنى يعني قرأ هذا يؤيد أن التمني بمعنى التلاوة
 : [وقال آخر: تمنى كتاب الله آخر ليله     تمني داود الكتاب على رسل]

يعني: قرأ كتاب الله قراءة تجاوب بحسن صوته، على رسل: على مهل وتؤدة، كقراءة داود، فقد كان داود عليه الصلاة والسلام حسن الصوت، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي موسى الأشعري: لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود. والمراد بالمزمار: الصوت الحسن.
 : [وقال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس: {لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} [البقرة:78]، أي: ولا يدرون ما فيه، وهم يجدون نبوتك بالظن. وقال مجاهد: {وإن هم إلا يظنون} يكذبون. وقال قتادة وأبو العالية والربيع: يظنون بالله الظنون بغير الحق].
 : [وقوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا} [البقرة:79] الآية. هؤلاء صنف آخر من اليهود، وهم الدعاة إلى الضلال بالزور والكذب على الله وأكل أموال الناس بالباطل].
اليهود أصناف كما ذكر الله، فصنف: {ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه} [البقرة:75].
والصنف الثاني: المنافقون، قال تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا} [البقرة:14]، والصنف الثالث: الأميون، قال تعالى: {أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} [البقرة:78]، وهذا الصنف الرابع: أهل الزور والبهتان، الذين: {يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله}
 : [والويل: الهلاك والدمار، وهي: كلمة مشهورة في اللغة.
وقال سفيان الثوري عن زياد بن فياض سمعت أبا عياض يقول: ويل صديد في أصل جهنم، وقال عطاء بن يسار: الويل واد في جهنم لو سيرت فيه الجبال لماعت.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره).
ورواه الترمذي عن عبد الرحمن بن حميد عن الحسن بن موسى عن ابن لهيعة عن دراج به].
وهو ضعيف؛ لأن ابن لهيعة ضعيف، ودراج كذلك عن أبي الهيثم ضعيف. ولا يصح تفسير الويل بأنه واد في جهنم. والصواب: أنه كلمة وعيد، والمراد به شدة العذاب والهلع. أما هذا الحديث ما يثبت
الأميون لا يعلمون الكتاب إلا مجرد التلاوة، وطائفة يحرفون عن قصد، وهم يعلمون.
 : [وقال: هذا الحديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة، قلت: لم ينفرد به ابن لهيعة كما ترى، ولكن الآفة ممن بعده]

وهو دراج عن أبي الهيثم

[وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعا منكر، والله أعلم.
وقال ابن جرير: حدثنا المثنى حدثنا إبراهيم بن عبد السلام حدثنا صالح القشيري حدثنا علي بن جرير عن حماد بن سلمة عن عبد الحميد بن جعفر عن كنانة العدوي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة:79] قال: (الويل جبل في النار)، وهو الذي أنزل في اليهود؛ لأنهم حرفوا التوراة، زادوا فيها ما أحبوا ومحوا منها ما يكرهون، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة، ولذلك غضب الله عليهم فرفع بعض التوراة، فقال تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} وهذا غريب أيضا جدا ]

وهو ضعيف أيضا صالح القشيري ضعيف
[وعن ابن عباس: الويل: المشقة من العذاب. وقال الخليل بن أحمد: الويل: شدة الشر.
وقال سيبويه: ويل لمن وقع في الهلكة، وويح لمن أشرف عليها. وقال الأصمعي: الويل تفجع والويح ترحم. وقال غيره: الويل: الحزن.
وقال الخليل: وفي معنى ويل: ويح وويش وويه وويك وويب، ومنهم من فرق بينها.
وقال بعض النحاة: إنما جاز الابتداء بها وهي نكرة؛ لأن فيها معنى الدعاء.
ومنهم من جوز نصبها بمعنى: ألزمهم ويلا. قلت: لكن لم يقرأ بذلك أحد]

يعني لم أحد ويلا بالنصب فويلا على تقدير ألزمها ويلا
[وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة:79]، قال: هم أحبار اليهود. وكذا قال سعيد عن قتادة: هم اليهود.
وقال سفيان الثوري: عن عبد الرحمن بن علقمة سألت ابن عباس رضي الله عنه عن قوله تعالى: {فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} [البقرة:79] قال: نزلت في المشركين وأهل الكتاب.

وقال السدي: كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم يبيعونه من العرب ويحدثونهم أنه من عند الله فيأخذوا به ثمنا قليلا.
وقال الزهري: أخبرني عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أنه قال: يا معشر المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرءونه محضا لم يشب].
الصواب: محضا، كما رواه البخاري في صحيحه، و (محضا لم يشب) يعني: خالصا لم يخلط بغيره.
وبلفظ آخر: (أقرب الكتب عهدا بالله) كما قال: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث} [الأنبياء:2] يعني: عندكم كتاب الله آخر الكتب نزولا من عند الله، ثم تسألون أهل الكتاب، إنكار من ابن عباس.
وقال في آخره: (فلا والله ما رأينا أحدا منهم يسألكم عما في كتابكم، فكيف تسألونهم أنتم؟) وعندكم كتاب الله محض لم يشب، ولم يخلط بغيره، محفوظ.
 : [يا معشر المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتاب الله الذي أنزله على نبيه أحدث أخبار الله تقرءونه محضا لم يشب وقد حدثكم الله تعالى أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله؛ ليشتروا به ثمنا قليلا، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مساءلتهم؟! ولا والله ما رأينا منهم أحدا قط سألكم عن الذي أنزل عليكم، رواه البخاري من طرق عن الزهري. وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: الثمن القليل: الدنيا بحذافيرها].
الدنيا كلها ثمن قليل مهما عظمت ثمن قليل، لو أعطوا الدنيا كلها من أولها إلى آخرها فذلك ثمن قليل لا تساوي شيئا. (لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء).
 : [وقوله تعالى: {فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون} [البقرة:79] أي: فويل لهم مما كتبوا بأيديهم من الكذب والبهتان والافتراء، وويل لهم مما أكلوا به من السحت.
كما قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: {فويل لهم} يقول: فالعذاب عليهم من الذي كتبوا بأيديهم من ذلك الكذب {وويل لهم مما يكسبون} يقول: مما يأكلون به الناس السفلة وغيرهم].

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد