شعار الموقع

سورة البقرة - 27

00:00
00:00
تحميل
4

[{أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون (133) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} [البقرة: 133-134].

يقول تعالى محتجا على المشركين من العرب أبناء إسماعيل وعلى الكفار من بني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام بأن يعقوب لما حضرته الوفاة، وصى بنيه بعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهم {ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} وهذا من باب التغليب، لأن إسماعيل عمه.

قال النحاس: والعرب تسمي العم أبا، نقله القرطبي، وقد استدل بهذه الآية الكريمة من جعل الجد أبا وحجب به الإخوة، كما هو قول الصديق، حكاه البخاري عنه من طريق ابن عباس وابن الزبير، ثم قال البخاري: ولم يختلف عليه، وإليه ذهبت عائشة أم المؤمنين، وبه يقول الحسن البصري وطاوس وعطاء، وهو مذهب أبي حنيفة وغير واحد من السلف والخلف، وقال مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه أنه يقاسم الإخوة، وحكي ذلك عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت وجماعة من السلف والخلف، واختاره صاحبا أبي حنيفة القاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن، ولتقريرها موضع آخر]

ولهذا ذكر باب عقده: باب الجد والإخوة، ولكن الأرجح أنه الجد يحجب الإخوة وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، واختيار جمع من المحققين، واختيار سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وجماعة من المحققين: أن الجد أب فيحجب الإخوة ولا يقاسمهم، وعلى هذا يلغى باب الجد والإخوة.

*قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وما يرويه بعض الجهال كابن عربي في الفصوص وغيره من جهال العامة " كنت نبيا وآدم بين الماء والطين " فهذا لا أصل له، ولم يروه أحد من أهل العلم السابقين ولا هو في شيء من كتب العلم معتمدة بهذا اللفظ بل هو باطل؛ لأن آدم لم يكن بين الماء والطين قط فإن الله خلقه من تراب، وخلط التراب بالماء حتى صار طينا، وأيبس الطين حتى صار صلصالا كالفخار فلم يكن له حال بين الماء والطين مركب من الماء والطين، ولو قيل بين الماء والتراب لكان أبعد عن المحال مع أن هذا المحال لا اختصاص له، وإنما قال: بين الروح والجسد، وقال: وإن آدم لمنجدل في طينته؛ لأن جسد آدم بقي أربعين سنة قبل نفخ الروح فيه كما قال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر}[الإنسان:1]

هذا يدل على فهم عظيم لشيخ الإسلام رحمه الله؛ يعني أبطله من جهة المعنى والمعنى فاسد ما يمكن، بين الماء والطين ما كان آدم بين الماء والطين الحديث "وإن آدم لمنجدل في طينته" فيها كلام فيها عبد الأعلى هذا

[وقوله إلها واحدا أي نوحده بالألوهية ولا نشرك به شيئا غيره، ونحن له مسلمون أي مطيعون خاضعون، كما قال تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون} [آل عمران: 83] والإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم، كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25] والآيات في هذا كثيرة والأحاديث فمنها قوله صلى الله عليه وسلم «نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد»]

والشرائع شتى، وأولاد العلات هما الإخوة من الأب، الأب واحد والأمهات مختلفة، كذلك الأنبياء دينهم واحد وهو التوحيد وإخلاص الدين لله، والاستسلام والانقياد والخضوع لأمره، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، تعظيم الأوامر والنواهي، وطاعة الأنبياء، والبعد عن الشرك، هذا هو دين الأنبياء جميعا، أما الشرائع فإنها تختلف كما قال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} [المائدة:48] ولهذا قال "نحن معشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد وأمهاتنا شتى» الدين واحد وهو التوحيد، توحيد الله، وإخلاص الدين له، والبعد عن الشرك، والخضوع لأمره ونهيه، طاعة الأنبياء في كل زمان ومكان، أما الشرائع تختلف، كذلك الإخوة لعلات أبوهم واحد والأمهات مختلفة، أما إذا كانت الأم واحدة والآباء مختلفين يقال لهم: أخوة أخياء،  وإذا كان الأب والأم واحد يقال لهم إخوة أعيان وهم الأشقاء، إخوة الأخياء: إخوة من الأم، وإخوة العلات: إخوة من الأب، وإخوة الأعيان: الأشقاء من الأب والأم.

[وقوله تعالى: {تلك أمة قد خلت} أي مضت، {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي إن السلف الماضين من آبائكم من الأنبياء والصالحين لا ينفعكم انتسابكم إذا لم تفعلوا خيرا يعود نفعه عليكم، فإن لهم أعمالهم التي عملوها ولكم أعمالكم {ولا تسألون عما كانوا يعملون} وقال أبو العالية والربيع وقتادة تلك أمة قد خلت يعني إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ولهذا جاء في الأثر «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه»]

هذا رواه الإمام مسلم في صحيحه، كأن الحافظ رحمه الله غاب عنه حين كتبه قال: جاء في الأثر، وقد أخرجه مسلم في صحيحه، «من بطأ بعمل» يراجع الشيخ: الحديث هذا أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. لا نعلم حسبه، هي نسبه، في رواية الترمذي: أبطأ، في رواية مسلم: بطأ، ما في حسبه، في حسبه في السند؟ أبطأ هذه في السنن، بطأ هذه في مسلم.

[يقول الله U{وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين} [البقرة: 135] قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى:

قال محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد، وقالت النصارى مثل ذلك، فأنزل الله عز وجل {وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا}

وقوله: {قل بل ملة إبراهيم حنيفا} أي لا نريد ما دعوتمونا إليه من اليهودية والنصرانية بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا أي مستقيما، قاله محمد بن كعب القرظي وعيسى بن جارية، وقال خصيف عن مجاهد: مخلصا وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس حاجا وكذا روي عن الحسن والضحاك وعطية والسدي وقال أبو العالية: الحنيف الذي يستقبل البيت بصلاته، ويرى أن حجه عليه إن استطاع إليه سبيلا.

وقال مجاهد والربيع بن أنس: حنيفا أي متبعا، وقال أبو قلابة: الحنيف الذي يؤمن بالرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، وقال قتادة: الحنيفية شهادة أن لا إله إلا الله، يدخل فيها تحريم الأمهات والبنات والخالات والعمات وما حرم الله عز وجل والأختان]

علي بن طلحة لم يسمع من ابن عباس منقطع

الصواب أن الحنيف هو المقبل على التوحيد المعرض عن الشرك، المستقيم على طاعة الله، المخلص عمله لله سمي حنيف من الحنف وهو الميل؛ لأنه مائل عن الشرك ومقبل على التوحيد معرض عما سواه مخلص عمله لله مستقيم على طاعة الله، هذا هو الحنيف، إبراهيم سمي حنيف لإقباله على التوحيد وإعراضه عن الشرك، ميله عن الشرك ومنه سميت ملة الإسلام الملة العوجاء لانحرافه وميله عن الشرك وهي مستقيمة في ذاتها، وهي عوجاء لأنها مالت عن الشرك، فالحنيف هو المقبل على التوحيد، المستقيم على طاعة الله، المعرض عن الشرك، المخلص عمله لله، الخاضع لأوامر الله، المنقاد لشرع الله ودينه، هذا هو الحنيف.

في نسخة الختان بدل الأختان.

[{قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون} [البقرة:136].

أرشد الله تعالى عباده المؤمنين إلى الإيمان بما أنزل إليهم بواسطة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم مفصلا وما أنزل على الأنبياء المتقدمين مجملا، ونص على أعيان من الرسل، وأجمل ذكر بقية الأنبياء، وأن لا يفرقوا بين أحد منهم بل يؤمنوا بهم كلهم، ولا يكونوا كمن قال الله فيهم {ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا} [النساء:150-151].

وقال البخاري: حدثنا محمد بن بشار، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الله».

وقد روى مسلم وأبو داود والنسائي من حديث عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بـ {آمنا بالله وما أنزل إلينا} الآية، والأخرى بـ {قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} [المائدة:111].

{آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم} [البقرة:136] والآية الأخرى: {آمنا بالله واشهد بأننا مسلمون} [آل عمران: 52].

المقصود هذه الآية لأن فيها إخلاص العبادة لله: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} محتمل أنه ذكر جزء من الآية الخلاف في الآية الأخرى

المعروف في الأحاديث والسنن المعروف آية: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} وهذه أدل على توحيد العبادة، ما هو ببعيد يراجع السنن

{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} أقر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه بأن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن

[وقال أبو العالية والربيع وقتادة: الأسباط بنو يعقوب اثنا عشر رجلا، ولد كل رجل منهم أمة من الناس فسموا الأسباط وقال الخليل بن أحمد وغيره: الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في بني إسماعيل، وقال الزمخشري في الكشاف: الأسباط حفدة يعقوب ذراري أبنائه الاثني عشر وقد نقله الرازي عنه وقرره ولم يعارضه وقال البخاري الأسباط قبائل بني إسرائيل، وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل وما أنزل الله من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم]

الأسباط قبائل في بني إسرائيل يسمون الأسباط، عند العرب يسمون قبائل، أما كونهم أولاد يعقوب ليس هناك دليل واضح على أنهم أولاد يعقوب إنما روي عن قتادة وأبي العالية، كونهم من نفس أولاد يعقوب وأن كل واحد منهم ولد أمة وصاروا قبائل هذا يحتاج إلى دليل، لكن هم قبائل في بني إسرائيل أسباط مثل القبائل في العرب، العرب يسمون قبائل، وبني إسرائيل يسمون أسباط، أما كونهم أولاد يعقوب نفسه ما هناك دليل إلا قول قتادة وأبو العالية.

ما يلزم، أولاد يعقوب إحدى عشر مع يوسف، لكن هل هم الأسباط، هل صار كل واحد منهم قبيلة؟

[وهذا يقتضي أن المراد بالأسباط هاهنا شعوب بني إسرائيل وما أنزل الله من الوحي على الأنبياء الموجودين منهم، كما قال موسى لهم {اذكروا نعمت الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا} [المائدة: 20] وقال تعالى: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا} [الأعراف: 106].

قال القرطبي: وسموا الأسباط من السبط، وهو التتابع، فهم جماعة، وقيل أصله من السبط، بالتحريك، وهو الشجر]

السبط مثل الشجر، سبطة: شجرة، شجر وشجرة، سبط وسبطة، عدس وعدسة

وسموا الأسباط من السبط، وهو التتابع، فهم جماعة، وقيل أصله من السبط، بالتحريك

[وقيل أصله من السبط، بالتحريك وهو الشجر أي في الكثرة بمنزلة الشجر، الواحدة سبطة قال الزجاج ويبين لك هذا ما حدثنا محمد بن جعفر الأنباري، حدثنا أبو نجيد الدقاق، حدثنا الأسود بن عامر، حدثنا إسرائيل عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة: نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب وإسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام، قال القرطبي: والسبط الجماعة والقبيلة الراجعون إلى أصل واحد.

وقال قتادة: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا به ويصدقوا بكتبه كلها وبرسله، وقال سليمان بن حبيب: إنما أمرنا أن نؤمن بالتوراة والإنجيل، ولا نعمل بما فيهما]

يعني الإيمان بالكتب السابقة إيمان إجمالي أما الإيمان بالقرآن إيمان تفصيلي، العمل به وتصديق أخباره وامتثال أوامره أما الكتب السابقة نؤمن بها إجمالا ما نعمل بها لكن نؤمن بها وأن الله أنزلها لكنها نسخت

[وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا محمد بن محمد بن مصعب الصوري، أخبرنا مؤمل، أخبرنا عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح، عن معقل بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل وليسعكم القرآن»]

في إسناده عبيد الله بن أبي حميد متفق على ضعفه ويروي عن أبي المليح عن زائدة ضعيف هذا

[آمنوا بالتوراة والزبور والإنجيل وليسعكم القرآن {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (137) صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون} [البقرة:137-138]

يقول تعالى: {فإن آمنوا}، يعني الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، {بمثل ما آمنتم به} يا أيها المؤمنون من الإيمان بجميع كتب الله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم {فقد اهتدوا} أي فقد أصابوا الحق وأرشدوا إليه {وإن تولوا} أي عن الحق إلى الباطل بعد قيام الحجة عليهم {فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله} أي فسينصرك عليهم ويظفرك بهم (أي يؤيدك وينصرك) {وهو السميع العليم}.

قال ابن أبي حاتم: قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرنا زياد بن يونس، حدثنا نافع بن أبي نعيم، قال: أرسل إلي بعض الخلفاء مصحف عثمان بن عفان ليصلحه، قال زياد: فقلت له: إن الناس ليقولون إن مصحفه كان في حجره حين قتل فوقع الدم على {فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم} فقال نافع: بصرت عيني بالدم على هذه الآية، وقد قدم]

(قدم) صار قديما يعني، مضت عليه مدة ظاهره أنه لا بأس بسنده، على هذا يكون مثل ما حصل للثوار الذين قتلوا عثمان t، حصل لهم من الإذلال والإهانة والذنب إلى يوم القيامة هذا من كفاية الله لعثمان t، ما حصل لهم من الإذلال والإهانة والذنب لهم إلى يوم القيامة.

[وقوله {صبغة الله}، قال الضحاك عن ابن عباس: دين الله، وكذا روي عن مجاهد وأبي العالية وعكرمة وإبراهيم والحسن وقتادة والضحاك وعبد الله بن كثير وعطية العوفي والربيع بن أنس والسدي نحو ذلك. وانتصاب {صبغة الله} إما على الإغراء كقوله فطرت الله أي الزموا ذلك عليكموه، وقال بعضهم: بدلا من قوله {ملة إبراهيم} [الروم: 30] وقال سيبويه: هو مصدر مؤكد انتصب عن قوله آمنا بالله كقوله وعد الله وقد ورد في حديث رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه من رواية أشعث بن إسحاق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال «إن بني إسرائيل قالوا: يا رسول الله، هل يصبغ ربك؟ فقال: اتقوا الله. فناداه ربه: يا موسى سألوك هل يصبغ ربك؟ فقل: نعم، أنا أصبغ الألوان الأحمر والأبيض والأسود، والألوان كلها من صبغي»]

{صبغة الله} يعني: دين الله، مثل البر، والتقوى، من استقام على طاعة الله زاد صبغته، ومن قصر نقصت صبغته، صبغته؛ دين الله، الزموا صبغة الله؛ أي: الزموا دين الله.

[وأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم {صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة} كذا وقع في رواية ابن مردويه مرفوعا، وهو في رواية ابن أبي حاتم موقوف وهو أشبه إن صح إسناده والله أعلم.

{قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (139) أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون (140) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} [البقرة:139-141].

يقول الله تعالى مرشدا نبيه صلوات الله وسلامه عليه إلى درء مجادلة المشركين: {قل أتحاجوننا في الله} أي تناظروننا في توحيد الله والإخلاص له والانقياد واتباع أوامره وترك زواجره {وهو ربنا وربكم} المتصرف فينا وفيكم المستحق لإخلاص الإلهية له وحده لا شريك له {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي نحن برآء منكم ومما تعبدون وأنتم برآء منا، كما قال في الآية الأخرى {وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم (41) أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون} [يونس: 41- 42].

وقال تعالى: {فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن} [آل عمران: 20] إلى آخر الآية، وقال تعالى إخبارا عن إبراهيم {وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله} [الأنعام: 80] إلى آخر الآية.

وقال تعالى: {ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه}[البقرة: 258] ، وقال في هذه الآية الكريمة {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} أي نحن برآء منكم كما أنتم برآء منا، {ونحن له مخلصون} أي في العبادة والتوجه، ثم أنكر تعالى عليهم في دعواهم أن إبراهيم ومن ذكر بعده من الأنبياء والأسباط، كانوا على ملتهم إما اليهودية وإما النصرانية، فقال: {قل أأنتم أعلم أم الله} يعني بل الله أعلم، وقد أخبر أنهم لم يكونوا هودا ولا نصارى كما قال تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}[آل عمران: 67] والتي بعدها.

وقوله {ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله} قال الحسن البصري: كانوا يقرءون في كتب الله الذي أتاهم إن الدين الإسلام وإن محمدا رسول الله وإن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، كانوا برآء من اليهودية والنصرانية فشهدوا لله بذلك، وأقروا على أنفسهم لله، فكتموا شهادة الله عندهم من ذلك.

وقوله {وما الله بغافل عما تعملون} تهديد ووعيد شديد، أي أن علمه محيط بعملكم وسيجزيكم عليه ثم قال تعالى: {تلك أمة قد خلت} أي قد مضت، {لها ما كسبت ولكم ما كسبتم} أي لهم أعمالهم ولكم أعمالكم {ولا تسألون عما كانوا يعملون} وليس يغني عنكم انتسابكم إليهم من غير متابعة منكم لهم، ولا تغتروا بمجرد النسبة إليهم حتى تكونوا منقادين مثلهم لأوامر الله واتباع رسله الذين بعثوا مبشرين ومنذرين، فإنه من كفر بنبي واحد، فقد كفر بسائر الرسل ولاسيما بسيد الأنبياء وخاتم المرسلين ورسول رب العالمين إلى جميع الإنس والجن من المكلفين صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر أنبياء الله أجمعين.

وكما سبق: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» النسب ما ينفع وحده إذا كان العمل سيئا، ولهذا لم ينتفع ابن نوح الكافر بقربه من أبيه، ولم ينتفع والد إبراهيم من ابنه، ولم ينفع أبو لهب وأبو جهل قربهم من نسب النبي r، «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه».

[قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (142) وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة:142-143].

قال رحمه الله قيل: المراد بالسفهاء هاهنا مشركو العرب، قاله الزجاج، وقيل أحبار يهود، قاله مجاهد، وقيل: المنافقون، قاله السدي، والآية عامة في هؤلاء كلهم، والله أعلم.

قال البخاري: أخبرنا أبو نعيم، سمع زهيرا عن أبي إسحاق، عن البراء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر، وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت، وكان الذي قد مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فأنزل الله وما كان الله ليضيع إيمانكم {إن الله بالناس لرءوف رحيم} انفرد به البخاري من هذا الوجه، ورواه مسلم من وجه آخر.

وقال محمد بن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبي خالد عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي نحو بيت المقدس ويكثر النظر إلى السماء ينتظر أمر الله، فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144] فقال رجل من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة]

فهذه الآية الكريمة كما قال الحافظ رحمه الله شاملة لكل من اعترض على توجيه الله تعالى لنبيه الكريم إلى الكعبة المشرفة، كل من اعترض على توجيه الله تعالى لنبيه إلى الكعبة فهو من السفهاء تشمله الآية، ولكن ظاهر الآية أن الذين اعترضوا هم اليهود وقد سموا في بعض الأحاديث، هم يدخلون دخولا أوليا، وكل من اعترض على التوجيه الكريم من الله تعالى لنبيه بالتوجه إلى الكعبة فهو من السفهاء تشمله الآية.

[فقال رجل من المسلمين: وددنا لو علمنا علم من مات منا قبل أن نصرف إلى القبلة، وكيف بصلاتنا نحو بيت المقدس، فأنزل الله {وما كان الله ليضيع إيمانكم وقال السفهاء من الناس}، وهم أهل الكتاب: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}، فأنزل الله {سيقول السفهاء من الناس} إلى آخر الآية]

وهم أهل الكتاب.

[وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا الحسن بن عطية، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه نحو الكعبة، {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال: فوجه نحو الكعبة وقال السفهاء من الناس وهم اليهود {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} فأنزل الله {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو الله وينظر إلى السماء، فأنزل الله عز وجل: {فولوا وجوهكم شطره} أي نحوه، فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} فأنزل الله {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.

وقد جاء في هذا الباب أحاديث كثيرة، وحاصل الأمر أنه قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باستقبال الصخرة من بيت المقدس، فكان بمكة يصلي بين الركنين، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس، فلما هاجر إلى المدينة تعذر الجمع بينهما، فأمره الله بالتوجه إلى بيت المقدس، قال ابن عباس والجمهور: ثم اختلف هؤلاء، هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره على قولين]

قول الحافظ رحمه الله فأمره الله بالتوجه إلى صخرة بيت المقدس يحتاج إلى دليل الظاهر أنه أمر بالتوجه إلى بيت المقدس الذي هو المسجد المطهر وهو قبلة الأنبياء فالتوجه إلى مسجد الصخرة لابد له من دليل.

الله أعلم لكن النبي r هل توجيهه إلى الصخرة أو إلى بيت المقدس؟ في الأحاديث استقبل بيت المقدس ستة عشر شهرا، ما فيه أنه وجه إلى الصخرة هذا يحتاج إلى دليل.

المشروع التوجه إلى القبلة، يرفع يديه ويتوجه إلى القبلة.

[قال ابن عباس والجمهور: ثم اختلف هؤلاء، هل كان الأمر به بالقرآن أو بغيره على قولين، وحكى القرطبي في تفسيره عن عكرمة وأبي العالية والحسن البصري: أن التوجه إلى بيت المقدس كان باجتهاده عليه الصلاة السلام والمقصود: أن التوجه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة واستمر الأمر على ذلك بضعة عشر شهرا وكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجه إلى الكعبة التي هي قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام فأجيب إلى ذلك وأمر بالتوجه إلى البيت العتيق فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فأعلمهم بذلك وكان أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر كما تقدم في الصحيحين من رواية البراء ووقع عند النسائي من رواية أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر، وقال: كنت أنا وصاحبي أول من صلى إلى الكعبة وذكر غير واحد من المفسرين وغيرهم أن تحويل القبلة نزل على رسول الله وقد صلى ركعتين من الظهر، وذلك في مسجد بني سلمة، فسمي مسجد القبلتين، وفي حديث نويلة بنت مسلم]

في بعض الروايات (بنت أسلم) وذكر في قاموس الظاهر أنها تأتي نولة ويقال نويلة، صحابية بنت مسلم

[وفي حديث نويلة بنت مسلم: أنهم جاءهم الخبر بذلك وهم في صلاة الظهر، قالت: فتحول الرجال مكان النساء والنساء مكان الرجال، ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري، وأما أهل قباء فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثاني، كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة.

وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به]

صحيح لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به لكن كونهم ما بلغهم الخبر إلا في اليوم الثاني من الفجر هذا فيه نظر

ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر، (وأما أهل قباء لم يبلغهم الخبر إلا صلاة الفجر من اليوم الثاني كما جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه قال: بينما الناس بقباء في صلاة الصبح) تحويل القبلة كان في صلاة الظهر؟

بلى، من اليوم الثاني، لو كان بنفس اليوم ممكن يعني الظهر ولم يبلغهم إلا الفجر، لكن في اليوم الثاني ظاهره أنه مضى يوم زيادة، ظاهره أنه في نفس ليلة تلك اليوم.

يكونوا استقبلوا الكعبة قبل النبي r

لا، صلاة الصبح بعد الظهر، لكن بعد يوم، ظاهره أنه مضى يوم يعني وزيادة، اليوم الثاني.

يكون صلى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم وصل الخبر لأهل قباء.

إذا كان هذا الظاهر طيب.

[وفي هذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله وإبلاغه، لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء، والله أعلم]

يعني في نفس الليلة. العصر والمغرب والعشاء. هذا ممكن معقول، ما مضى إلا ثلاث صلوات أو أربعة.

[ولما وقع هذا، حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب]

يعني: الشك.

[وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالوا {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}]

وهكذا عند الأمور المشتبهة، ضعفاء البصائر وضعفاء الإيمان يحصل عندهم شك وريب وانتكاس، نسأل الله السلامة والعافية، بخلاف أهل اليقين وأهل العلم وأهل الثبات، فإن الله يثبتهم عند الشدائد والمحن.

ومن ذلك ما حصل للناس يوم وفاة النبي r ارتاب الناس، وحصل عندهم اضطراب حتى عمر t مع جلالة قدره ما صدق أن النبي r توفي قال: إنه لم يمت وسيأتي ويقطع أيدي رجال وأرجلهم؛ حتى جاء الصديق t وخطب الناس، وحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، كذلك رواية العوفي، كثير ما ينقل عنه الحافظ، رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كثيرة لكن الظاهر أنه ما سمع منه، وكذلك العوفي.

[ولما وقع هذا، حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب، وزيغ عن الهدى وتخبيط وشك، وقالوا {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} أي قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا؟ فأنزل الله جوابهم في قوله {قل لله المشرق والمغرب} أي الحكم والتصرف والأمر كله لله {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115] {وليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله} [البقرة: 177] أي الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وجهنا توجهنا، فالطاعة في امتثال أمره ولو وجهنا في كل يوم مرات إلى جهات متعددة: فنحن عبيده وفي تصرفه، وخدامه حيثما وجهنا توجهنا، وهو تعالى له بعبده ورسوله محمد صلوات الله وسلامه عليه وأمته عناية عظيمة إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم خليل الرحمن وجعل توجههم إلى الكعبة المبنية على اسمه تعالى وحده لا شريك له أشرف بيوت الله في الأرض، إذ هي بناء إبراهيم الخليل عليه السلام ولهذا قال: {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.

وقد روى الإمام أحمد عن علي بن عاصم عن حصين بن عبد الرحمن، عن عمرو بن قيس، عن محمد بن الأشعث، عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني في أهل الكتاب: «إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين»]

الصواب كما في المسند يعني.

أبو طلحة كنيته أبو الحسن لم يلق أحدا من الصحابة وهو الذي يروي عن ابن عباس الناسخ والمنسوخ ولم يره، وقال المزي في تهذيب الكمال بعد أن ترجم له، قال: روى عن عبد الله بن عباس، في ابن ماجة في التفسير مرسل بينهما مجاهد.

كذلك ذكره ابن حجر في التهذيب عن المزي

ما أدركه وبينهم مجاهد، لكن في الغالب أنه كان الحافظ يعتمده، في الغالب أنه سمعه عن مجاهد، والعوفي.

[وقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} يقول تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم، لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسط هاهنا الخيار والأجود كما يقال: قريش أوسط العرب نسبا ودارا، أي خيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه، أي أشرفهم نسبا، ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات وهي العصر، كما ثبت في الصحاح وغيرها

ولما جعل الله هذه الأمة وسطا، خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} [الحج: 78].

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال لنوح: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، قال فذلك قوله: وكذلك جعلناكم أمة وسطا قال: والوسط العدل، فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم» رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش]

المقصود من هذا: فضيحتهم على رءوس الأشهاد، وبيان خزيهم حيث كذبوا أنبياءهم، وإلا فالرسل مصدقون غير مكذبين، والحجة قائمة عليهم، لكن المقصود بيان فضيحتهم وخزيهم على رءوس الأشهاد حيث أنكروا، وبيان فضل هذه الأمة حيث أنها تشهد عليهم، ويشهد عليها نبيها عليه الصلاة والسلام]

قال: وهي غير مرضية؛ لأن عطية ضعيف ليس بواه ربما حسن له الترمذي، وهذه الطريق قد أخرج منها ابن جرير وابن أبي حاتم كثيرا، وللعوفي كتاب في التفسير ذكره التعلبي في الكشف والبيان، وكذلك ابن كثير ذكر أشهر الطرق وفاته سنة إحدى عشر ومائة

هو ضعيف لا شك أنه ضعيف شيعي أيضا مدلس معروف، لكن سمع من ابن عباس ليس مثل علي بن أبي طلحة علي بن أبي طلحة ما سمع، فيه انقطاع، لكنه في الغالب أن روايته عن مجاهد عن ابن عباس.

[وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجلان وأكثر من ذلك، فيدعى قومه، فيقال: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته، فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم، فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا» فذلك قوله عز وجل {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال: عدلا {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}.

وقال أحمد أيضا: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} قال عدلا.

وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم، من حديث عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك الأشجعي عن المغيرة بن عتيبة بن نحاس حدثني مكاتب لنا عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ود أنه منا»]

محتمل كوم أو كوم (حدثني مكاتب لنا) مجهول أيضا ومبهم، فيه مجهول وهو ضعيف، هو ضعيف هذا لكن لا شك أن الآية واضحة في أن هذه الأمة تشهد على الأمم السابقة ويشهد عليها نبيها.

نحاس، وهو ضعيف، والكاتب والمكاتب ضعيف أيضا، فيه ضعيفان.

[عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق، ما من الناس أحد إلا ود أنه منا وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه عز وجل».

وروى الحاكم في مستدركه وابن مردويه أيضا، واللفظ له من حديث مصعب بن ثابت عن محمد بن كعب القرظي عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة في بني سلمة وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: والله يا رسول الله لنعم المرء كان، لقد كان عفيفا مسلما وكان وأثنوا عليه خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت بما تقول، فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت، ثم شهد جنازة في بني حارثة وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: يا رسول الله بئس المرء كان إن كان لفظا غليظا فأثنوا عليه شرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم: أنت بالذي تقول. فقال الرجل: الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت. قال مصعب بن ثابت: فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قرأ {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} ثم قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه]

قال: أنت بالذي تقول؛ يعني: أنت أعلم بالذي تقوله أنت مسئول عن هذا القول.

لكن سيأتي حديث في الصحيحين أصح من هذا.

عجيب ضبطه بالفتح، لكن الظاهر في الأول أنه كوم بالضم.

لا "لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا" إذا كان مبتدع ويحذر من بدعته وشر فنعم، إذا لم يكن كذلك فلا، لقول النبي r: «لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا».

الذي أثنى عليه خير ما فيه إشكال، لعل الإشكال للذي أثنى عليه شرا، الشيء الظاهر ما يعتبر غيبة، مثل واحد يشرب الدخان في الشارع وقلت: فلان يشرب الدخان فهذا ليس بغيبة؛ لأنه هو الذي فضح نفسه، ما هو مستتر، واضح لكل أحد وكل من يراه ولعل هذا شيء ظاهر لكل أحد لمن أثنى عليه شرا

[وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد حدثنا داود بن أبي الفرات عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود أنه قال: أتيت المدينة فوافقتها وقد وقع بها مرض فهم يموتون موتا ذريعا، فجلست إلى عمر بن الخطاب فمرت به جنازة فأثني على صاحبها خيرا، فقال: وجبت، ثم مر بأخرى فأثني عليها شرا، فقال عمر: وجبت. فقال أبو الأسود: ما وجبت يا أمير المؤمنين قال، قلت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة» قال: فقلنا وثلاثة قال: فقال «وثلاثة» قال: قلنا واثنان: قال «واثنان» ثم لم نسأله عن الواحد. وكذا رواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات به وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى حدثنا أبو قلابة الرقاشي حدثني أبو الوليد حدثنا نافع بن عمر حدثني أمية بن صفوان عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة]

هذا ما دل عليه الحديث «من شهد له اثنان وجبت له الجنة» أخذ به أبو ثور وبعض العلماء، كان أبو ثور يشهد للإمام أحمد بالجنة، لكن المشهور عند جمهور العلماء أنه لا يشهد بالجنة إلا لمن ثبتت له النصوص، كالعشرة المبشرين بالجنة، والحسن والحسين، ولعل هذا خاص بالصحابة الذين زكاهم النبي r لكن أبو ثور وجماعة قالوا: من اشتهر بالخير وشهد له عدلان من أهل العدالة فإن هذا دليل يشهد له لأنه عدول ولأنهم اشتهروا بالخير.

قال: شهد له أربعة هل تفيد العموم للصحابة ولغيرهم؟ الأصل فيه العموم لكن يعارض هذا المشهود لهم بالجنة، معنى هذا أن المشهود لهم بالجنة كثير وكل يشهد له بالجنة، كل من شهد له اثنان دخل الجنة، ما يكون هناك ميزة لمشهود لهم بالجنة.

  • المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم ذكرها الطحاوي وغيره:

القول الأول: أنه لا يشهد إلا للأنبياء.

القول الثاني: أنه يشهد للأنبياء ولمن شهدت له النصوص.

القول الثالث: أنه يشهد لمن شهد له اثنان واشتهر بالخير.

والأرجح القول الثاني أنه يشهد للأنبياء ولمن شهدت له النصوص.

[قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول: «يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم» قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: «بالثناء الحسن والثناء السيئ أنتم شهداء الله في الأرض»، ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون، ورواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون وعبد الملك بن عمر وسريج عن نافع عن ابن عمر به]

قال الحافظ رحمه الله: وقوله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله} يقول تعالى: إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ليظهر حال من يتبعك ويطيعك، ويستقبل معك حيثما توجهت {ممن ينقلب على عقبيه} أي مرتدا عن دينه {وإن كانت لكبيرة} أي هذه الفعلة وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس إلا على الذين هدى الله قلوبهم وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فله أن يكلف عباده بما شاء وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق، كما قال الله تعالى: {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (124) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم}[التوبة: 124- 125].

وهم المنافقون، {في قلوبهم مرض} مرض الشك والنفاق والريب، نسأل الله العافية، المؤمنون يزدادون إيمانا ويقينا وثباتا، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، وأما المنافقون يزدادون شكا وريبا واضطرابا وحيرة، نسأل الله السلامة والعافية.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد