شعار الموقع

سورة البقرة - 28

00:00
00:00
تحميل
4

وقال تعالى: {قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى} [فصلت:44] وقال تعالى {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا} [الإسراء: 82] ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب من سادات الصحابة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب من سادات الصحابة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين]

وهذا قول مرجوح، والصواب: أن السابقين الأولين هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، أي قبل فتح الحديبية، فصلح الحديبية حد فاصل، فمن أسلم قبل صلح الحديبية فهو من السابقين الأولين، ومن أسلم بعدها فليس منهم كخالد بن الوليد ولهذا لما حصل كلام بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف كان عبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، وخالد كان ليس من السابقين وأسلم بعد صلح الحديبية، قال النبي r  لما حصل بينهم كلام، قال: «لا تسبوا أصحابي» مخاطبا خالد، «لا تسبوا أصحابي» يعني: لا تسبوا أصحابي المتقدمين في الصحبة، «فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» هذا التفاضل بين الصحابة، لو أنفق خالد مثل أحد ما بلغ مد عبد الرحمن أو نصيفه، أو نصف المد وهؤلاء الذين أسلموا بعد صلح الحديبية أفضل من الذين أسلموا بعد فتح مكة، ويقال لهم: مسلمة الفتح، كأبي سفيان بن حرب وابنيه معاوية ويزيد، أسلموا يوم الفتح فيقال لهم: مسلمة الفتح، فهم طبقات، السابقون الأولون قبل صلح الحديبية، ثم من أسلم بعد صلح الحديبية، ثم مسلمة الفتح.

ينطبق على من أسلم بعد صلح الحديبية، خطاب لخالد وأمثاله ممن تأخر إسلامه. هذا خطاب لمن تأخرت صحبته، بعد صلح الحديبية فيمن حصل بينه وبينه كلام ممن تقدمت صحبته وهو عبد الرحمن بن عوف، فإذا كان التفاضل بين الصحابة فكيف التفاضل بين الصحابة وبين من بعدهم؟ الذين أسلموا بعد صلح الحديبية، هذا خطاب لهم، خطاب لخالد، وخالد سبق أسلم بعد صلح الحديبية، الذي أسلم بعد الفتح تأخر أكثر وأكثر، من باب أولى إذا كان الذي أسلم بعد صلح الحديبية ما يشمله الفضل فالذي أسلم بعد الفتح يكون تأخر. الحديث معروف لأنه لما حصل بين خالد وعبد الرحمن، لما حصل سوء تفاهم، النبي r يخاطب خالد ما يخاطب التابعين يدخل في عموم اللفظ من باب أولى.

[وقال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال: قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة. وقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده أنهم كانوا ركوعا فاستداروا كما هم إلى الكعبة وهم ركوع، وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مثله، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ولرسوله وانقيادهم لأوامر الله عز وجل رضي الله عنهم أجمعين.

وقوله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة:143] أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك ما كان يضيع ثوابها عند الله، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فقال الناس: ما حالهم في ذلك؟ فأنزل الله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه.

وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس وما كان الله ليضيع إيمانكم أي بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى، أي ليعطيكم أجرهما جميعا {إن الله بالناس لرءوف رحيم} [البقرة:143].

وقال الحسن البصري {وما كان الله ليضيع إيمانكم} أي ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف، {إن الله بالناس لرءوف رحيم}]

المشهور الأول وهو أن المراد بالإيمان الصلاة: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} صلاتكم إلى بيت المقدس، وذلك أنه لما مات قوم قبل أن يوجه النبي r إلى الكعبة قال الصحابة: كيف حال إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأنزل الله هذه الآية: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني: صلاتكم وفيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان كما هو مذهب الجمهور، وفيه: الرد على الأحناف ومرجئة الفقهاء الذين يقولون: أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، فالله تعالى سمى الصلاة إيمان وهي عمل: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني: صلاتكم، والأحناف ومرجئة الفقهاء يقولون: سميت الصلاة إيمان تسمية مجازية، فالصواب: أنها تسمية حقيقة؛ لأن الإيمان عندهم هو التصديق فقط، تصديق بالقلب، فإذا سميت الأعمال تصديقا يقولون: هذه تسمية مجازية، وهذا غلط، المجاز يتوجه النفي إليه؛ ينفى، هذا لا يصح هنا، لا يصح أن ينفى يقال: ليست الصلاة إيمانا.

في المعنى بلى، لكن يجب التأدب مع الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى.

[وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها فجعلت كلما وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته بصدرها وهي تدور على ولدها، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أترون هذه طارحة ولدها في النار وهي تقدر على ألا تطرحه»؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: «فو الله لله أرحم بعباده من هذه بولدها»]

{إن الله بالناس لرءوف رحيم} الله تعالى أقسم لعباده.

[{قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} [البقرة:144]

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كان أول ما نسخ من القرآن القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو إلى الله وينظر إلى السماء فأنزل الله {قد نرى تقلب وجهك في السماء}إلى قوله{فولوا وجوهكم شطره} فارتابت من ذلك اليهود وقالوا: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب}[البقرة: 142] وقال: {فأينما تولوا فثم وجه الله}[البقرة: 115] وقال الله تعالى: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه}[البقرة: 143]

وروى ابن مردويه من حديث القاسم العمري عن عمه عبيد الله بن عمرو عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء، فأنزل الله {فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام} إلى الكعبة إلى الميزاب يؤم به جبرائيل عليه السلام.

وروى الحاكم في مستدركه من حديث شعبة عن يعلى بن عطاء عن يحيى بن قمطة قال: رأيت عبد الله بن عمرو جالسا في المسجد الحرام بإزاء الميزاب فتلا هذه الآية {فلنولينك قبلة ترضاها} قال: نحو ميزاب الكعبة ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ورواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن عرفة عن هشام عن يعلى بن عطاء به]

هشام محتمل، هذا في تفسير الأجزاء المطبوعة.

[وهكذا قال غيره وهو أحد قولي الشافعي رضي الله عنه: إن الفرض إصابة عين الكعبة، والقول الآخر وعليه الأكثرون: أن المراد الجهة]

المراد الجهة لا المواجهة؛ يعني: البعيد يتجه إلى القبلة، أما من كان داخل المسجد الحرام ويشاهد الكعبة صار فرض عليه أن يصيب عين الكعبة؛ يعني: لا يميل عنها لو مال عنها ما صحت الصلاة، إذا كان خط بينك وبينها يكون يصل إلى الكعبة يجب عليك أن تصيب عين الكعبة، أما البعيد يكفي الجهة هذا هو الصواب، أحد قولي الشافعي: يجب على كل أحد أن يصيب عين الكعبة هذا مشقة، إلا  قبلة مسجد النبي r لأنها أصابت عين الكعبة؛ لأنها بتوقيف من الله، مسجد النبي r أصاب عين الكعبة، ولو كان بعيدا، بين الركن والميزاب لأنه بتوقيف من الله.

[والقول الآخر وعليه الأكثرون: أن المراد الجهة كما رواه الحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عمير بن زياد الكندي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه {فول وجهك شطر المسجد الحرام} قال شطره: قبله، ثم قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وهذا قول أبي العالية ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم. وكما تقدم في الحديث الآخر «ما بين المشرق والمغرب قبلة».

وقال القرطبي: روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البيت قبلة لأهل المسجد والمسجد قبلة لأهل الحرم والحرم قبلة لأهل الأرض في مشارقها ومغاربها من أمتي»]

هذا ضعيف جريج عن عطاء عن ابن عباس كذلك في سماعه انقطع عن ابن عباس فيه انقطاع

[وقال أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا زهير عن أبي إسحاق عن البراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا وكان يعجبه قبلته قبل البيت وأنه صلى صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن كان يصلي معه فمر على أهل المسجد وهم راكعون فقال أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مكة فداروا كما هم قبل البيت

وقال عبد الرزاق: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يحول نحو الكعبة، فنزلت {قد نرى تقلب وجهك في السماء} فصرف إلى الكعبة.

وروى النسائي عن أبي سعيد بن المعلى قال: كنا نغدو إلى المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلي فيه فمررنا يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر، فقلت: لقد حدث أمر فجلست فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} حتى فرغ من الآية، فقلت لصاحبي: تعال نركع ركعتين قبل أن ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنكون أول من صلى، فتوارينا فصليناها. ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم وصلى للناس الظهر يومئذ.

وكذا روى ابن مردويه عن ابن عمر: أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة الظهر وأنها الصلاة الوسطى، والمشهور أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة العصر ولهذا تأخر الخبر عن أهل قباء إلى صلاة الفجر.

وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا رجاء بن محمد السقطي حدثنا إسحاق بن إدريس حدثنا إبراهيم بن جعفر، حدثني أبي عن جدته أم أبيه نويلة بنت مسلم]

نويلة بنت أسلم ويقال بنت مسلم.

[قالت: صلينا الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا ركعتين]

(إيلياء) يعني: بيت المقدس.

[ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء، فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام، فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أولئك رجال يؤمنون بالغيب»]

(السجدتين) يعني: الركعتين الباقيتين، صلاة رباعية.

[وقال ابن مردويه أيضا، حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا مالك بن إسماعيل النهدي حدثنا قيس عن زياد بن علاقة عن عمارة بن أوس قال: بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس ونحن ركوع إذ نادى مناد بالباب: إن القبلة قد حولت إلى الكعبة، قال فأشهد على إمامنا أنه انحرف فتحول هو والرجال والصبيان وهم ركوع نحو الكعبة.

وقوله: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أمر تعالى باستقبال الكعبة من جميع جهات الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ولا يستثنى من هذا شيء سوى النافلة في حال السفر فإنه يصليها حيثما توجه قالبه وقلبه نحو الكعبة]

(حيثما توجه قالبه) يعني: جسمه، (وقلبه نحو الكعبة) قلبه هذا مبدأ كلامه، فإنه يصلي على الراحلة فيتوجه حيث توجه قالبه؛ يعني: جسمه ووجهته، وقلبه نحو الكعبة.

[وكذا في حال المسايفة في القتال يصلي على كل حال]

(المسايفة) يعني: القتل بالسيوف، المسايفة إذا كان بعيد في الرماية يمكن يصلي صلاة الخوف، لكن في المسايفة قطع رقاب يصلي إلى أي جهة.

[وكذا من جهل جهة القبلة يصلي باجتهاده وإن كان مخطئا في نفس الأمر، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها]

في هذه الحالات الثلاث يكون معذور في اتجاه القبلة في صلاة النافلة كان النبي r يصلي حيثما توجهت به راحلته، أما الفريضة فإنه ينزل ويصلي في الأرض إلى القبلة، وفي حالة المسايفة، في حالة القتال بالسيوف، والحالة الثالثة إذا جهل جهة القبلة بعد الاجتهاد، اجتهد في البرية ولكنه جهل جهة القبلة، وهناك حالة رابعة أيضا ما ذكرها الحافظ وهو المريض في المستشفى على سريره ولا يستطيع أن يوجه إلى القبلة، وكذلك المربوط، المصلوب على خشبة من غير جهة القبلة يصلي ولو إلى غير القبلة لقوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم}[التغابن:16] فهذا معذور فيكون حالة رابعة أيضا تضاف إلى الحالات الثلاث: المصلوب على خشبة، والمربوط إلى غير القبلة، والمريض في المستشفى على سريره وليس له من يوجهه إلى القبلة يصلي ولو إلى غير جهة القبلة، فتكون حالات أربع : المسافر إذا صلى النافلة في حال المسايفة والقتال، ومن جهل القبلة في البرية، والمصلوب والمربوط على غير جهة القبلة، والمريض أيضا وليس له من يوجهه.

إذا كان عن اجتهاد وعلم لا يعيد الصلاة على الصحيح

*الحاصل أنه يعني احتمال يصح الحديث «آدم منجدل في طينته» لكن الحديث الذي لا يصح «وآدم بين الماء والطين» هذا ليس بصحيح.

[قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} [البقرة:144].

مسألة: وقد استدل المالكية بهذه الآية على أن المصلي ينظر أمامه لا إلى موضع سجوده كما ذهب إليه الشافعي وأحمد وأبو حنيفة، قال المالكية بقوله: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} فلو نظر إلى موضع سجوده لاحتاج أن يتكلف ذلك بنوع من الانحناء وهو ينافي كمال القيام، وقال بعضهم ينظر المصلي في قيامه إلى صدره وقال شريك القاضي ينظر في حال قيامه إلى موضع سجوده كما قال جمهور الجماعة لأنه أبلغ في الخضوع وآكد في الخشوع وقد ورد به الحديث، وأما في حال ركوعه فإلى موضع قدميه، وفي حال سجوده إلى موضع أنفه وفي حال قعوده إلى حجره]

والصواب من هذه الأقوال: أنه ينظر إلى موضع سجوده في حال قيامه وركوعه وسجوده، وفي حال التشهد ينظر إلى سبابته، هذا هو الصواب، أما القول بأنه ينظر إلى أمامه، استدلالا بهذه الآية، يقول المالكية: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} فليس بجيد؛ لأن المقصود من الأمر الاستقبال لا النظر.

{فول وجهك شطر المسجد الحرام} المقصود استقبال القبلة ليس المراد النظر، أما النظر فإنه ينظر إلى موضع سجوده في حال القيام، وفي حال الركوع، وفي حال السجود، وفي التشهد ينظر إلى موضع سبابته، أما القول بأنه ينظر إلى صدره فهذا ليس بشيء وإنما ينظر إلى موضع سجوده حتى ولو كان يشاهد الكعبة، ولو كان في المسجد الحرام، الصواب: أنه ينظر إلى موضع سجوده، وقال بعض العلماء أنه ينظر إلى الكعبة إذا كانت أمامه، والصواب: أنه ينظر إلى موضع سجوده، والآية المراد بها الاستقبال: {فول وجهك} ليس المقصود النظر، {فول وجهك شطر المسجد الحرام}.

هل ورد في ذلك حديث أو لأنه أخشع؟ قال هكذا أهل العلم.

[وقوله: {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم} أي واليهود الذين أنكروا استقبالكم وانصرافكم عن بيت المقدس، يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها بما في كتبهم عن أنبيائهم من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، وما خصه الله تعالى به وشرفه من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسدا وكفرا وعنادا ولهذا تهددهم تعالى بقوله: {وما الله بغافل عما يعملون}.

{ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين} [البقرة:145].

يخبر تعالى عن كفر اليهود وعنادهم ومخالفتهم ما يعرفونه من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه لو أقام عليهم كل دليل على صحة ما جاءهم به لما اتبعوه وتركوا أهواءهم كما قال تعالى {إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96- 97]

ولهذا قال هاهنا {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك} وقوله {وما أنت بتابع قبلتهم} إخبار عن شدة متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم لما أمره الله تعالى به وأنه كما هم مستمسكون بآرائهم وأهوائهم فهو أيضا مستمسك بأمر الله وطاعته واتباع مرضاته، وأنه لا يتبع أهواءهم في جميع أحواله ولا كونه متجها إلى بيت المقدس لكونها قبلة اليهود، وإنما ذلك عن أمر الله تعالى، ثم حذر تعالى عن مخالفة الحق الذي يعلمه العالم إلى الهوى، فإن العالم الحجة عليه أقوم من غيره، ولهذا قال مخاطبا للرسول والمراد به الأمة {ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا لمن الظالمين}]

لا شك أن الحجة على العالم أقوم، ولهذا جاء في بعض الآثار توبيخ من لا يعمل بعمله يقال: ليس من يعلم كمن لا يعلم، والله تعالى نعى على أهل الكتاب قال: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} [البقرة:44].

[{الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} [البقرة:146-147].

يخبر تعالى أن علماء أهل الكتاب، يعرفون صحة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم كما يعرف أحدهم ولده، والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما جاء في الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير «ابنك هذا»؟ قال: نعم يا رسول الله أشهد به، قال «أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه»]

الحديث رواه الإمام أحمد: «أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» يعني: أن الأب لا يؤاخذ بجناية الابن، والابن لا يؤاخذ بجناية الأب، كالقاتل مثلا إذا قتل الأب لا يؤاخذ الابن بجناية أبيه، وإذا قتل الابن لا يؤاخذ بجناية أبيه: «أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه» كما قال تعالى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} [النجم:38] لا يحمل الإنسان وزر أخيه، ولا يحمل وزر أبيه، والأب لا يحمل وزر ابنه، كل عليه وزره: «أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه».

[أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه قال القرطبي: ويروى عن عمر أنه قال لعبد الله بن سلام: أتعرف محمدا كما تعرف ولدك؟ قال، نعم وأكثر، نزل الأمين من السماء على الأمين في الأرض بنعته فعرفته]

(الأمين من السماء) هو جبريل، والأمين في الأرض هو محمد r.

[وابني لا أدري ما كان من أمه، قلت وقد يكون المراد {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} من بين أبناء الناس كلهم لا يشك أحد ولا يمتري في معرفة ابنه إذا رآه من أبناء الناس كلهم ثم أخبر تعالى أنهم مع هذا التحقق والإيقان العلمي {ليكتمون الحق} أي ليكتمون الناس ما في كتبهم من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعلمون ثم ثبت تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وأخبرهم بأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك فقال {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين}]

وهذه صفة اليهود، صفة اليهود كتم الحق، ولبس الحق بالباطل كما قال تعالى: {ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون} يتكاتمون الحق فيما بينهم وهم يعلمونه، ويتحققونه هم يعلمون صدق محمد r كما يعلمون أبناءهم {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} وفي هذا تحذير لهذه الأمة من أن تسلك مسلك اليهود فيصيبها ما أصابهم، في ذكر هذه الأوصاف لليهود تحذير لهذه الأمة، تحذير من كتمان الحق، ولبس الحق بالباطل، فيصيبها ما أصابها من العقوبة، الله تعالى يذكر من صفات اليهود تحذيرا لنا من أن نسلك مسالكهم {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} أي: فلا تكن من الشاكين، وهذا خطاب للنبي r والمراد أمته r والمعنى أن ما جاء به الرسول r هو الحق من عند الله، فلا ينبغي لأحد أن يشك، كل مسلم يتيقن بهذا ويعلم أن ما جاء به النبي r هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك فيه، وأن محمدا r رسول الله حقا؛ وأنه جاء بهذه الشريعة من عند الله عز وجل {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} [النجم:3-4]

[{ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير} [البقرة:148].

قال العوفي عن ابن عباس: {ولكل وجهة هو موليها} يعني بذلك أهل الأديان، يقول لكل قبيلة قبلة يرضونها ووجهة الله حيث توجه المؤمنون. وقال أبو العالية: لليهودي وجهة هو موليها، وللنصراني وجهة هو موليها، وهداكم أنتم أيتها الأمة إلى القبلة التي هي القبلة، وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس والسدي نحو هذا وقال مجاهد في الرواية الأخرى والحسن: أمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة، وقرأ ابن عباس وأبو جعفر الباقر وابن عامر (ولكل وجهة هو مولاها).

وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا} [المائدة: 48] وقال هاهنا {أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير} [البقرة:148] أي: هو قادر على جمعكم من الأرض وإن تفرقت أجسادكم وأبدانكم]

الصواب: أن الآية عامة، {ولكل وجهة هو موليها} تشمل القبلة وغيرها، {ولكل وجهة هو موليها} فمن رزقه الله قبول الحق فقد ولاه الله الوجهة المستقيمة في القبلة وفي غيرها، ومن خذل ولم يقبل الحق فقد انحرف عن الوجهة الصحيحة في القبلة وفي غيرها، من رزقه الله قبول الحق فقد وجهه الله الوجهة الصحيحة في القبلة وفي غيرها، ومن خذل وانحرف فإنه لم يوفق للوجهة لا في القبلة ولا في غيرها.

[قوله تعالى {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون (149) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون} [البقرة:149-150] هذا أمر ثالث من الله تعالى باستقبال المسجد الحرام من جميع أقطار الأرض، وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات]

تكرار وتعداد كلها مفتوحة، تكرار وتعداد إلا في موضعين في تلقاء وتبيان بالكسر هنا، والباقي مفتوح، هذا من الأخطاء الشائعة يقرءون تكرار وتعداد، بالكسر، وهي بالفتح، تكرار وتعداد.

[وقد اختلفوا في حكمة هذا التكرار ثلاث مرات فقيل، تأكيد لأنه أول ناسخ وقع في الإسلام على ما نص فيه ابن عباس وغيره، وقيل: بل هو منزل على أحوال فالأمر الأول: لمن هو مشاهد الكعبة والثاني: لمن هو في مكة غائبا عنها والثالث: لمن هو في بقية البلدان، هكذا وجهه فخر الدين الرازي.

وقال القرطبي الأول: لمن هو بمكة والثاني: لمن هو في بقية الأمصار والثالث: لمن خرج في الأسفار ورجح هذا الجواب القرطبي.

وقيل: إنما ذكر ذلك لتعلقه بما قبله أو بعده من السياق، فقال: أولا {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} [البقرة: 144] إلى قوله {وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون} [البقرة: 144] فذكر في هذا المقام إجابته إلى طلبته وأمره بالقبلة التي كان يود التوجه إليها ويرضاها، وقال في الأمر الثاني، {ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون} فذكر أنه الحق من الله وارتقى عن المقام الأول، حيث كان موافقا لرضا الرسول صلى الله عليه وسلم فبين أنه الحق أيضا من الله يحبه ويرتضيه وذكر في الأمر الثالث حكمة قطع حجة المخالف من اليهود الذين كانوا يتحججون باستقبال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم وقد كانوا يعلمون بما في كتبهم أنه سيصرف إلى قبلة إبراهيم عليه السلام إلى الكعبة، وكذلك مشركو العرب انقطعت حجتهم لما صرف الرسول صلى الله عليه وسلم عن قبلة اليهود إلى قبلة إبراهيم التي هي أشرف، وقد كانوا يعظمون الكعبة وأعجبهم استقبال الرسول إليها، وقيل غير ذلك من الأجوبة عن حكمة التكرار، وقد بسطها الرازي وغيره، والله أعلم.

وقوله: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} أي: أهل الكتاب فإنهم يعلمون من صفة هذه الأمة التوجه إلى الكعبة، فإذا فقدوا ذلك من صفتها ربما احتجوا بها على المسلمين]

يعني: هذه من الحكمة في توجيه الله تعالى لنبيه إلى الكعبة؛ قطع حجة أهل الكتاب؛ لأنهم يجدون في كتبهم أن الله تعالى سيوجه هذه الأمة إلى الكعبة، سيوجه نبيه إلى الكعبة، فلو لم يوجه إلى الكعبة لصارت لهم حجة، وقالوا: كيف لم يتوجه إلى الكعبة وخالف ما في كتبنا، فلما وجه إلى الكعبة انقطعت حجتهم، والمراد بالناس هنا اللفظ عام والمقصود به الخصوص، المقصود به أهل الكتاب.

[أو لئلا يحتجوا بموافقة المسلمين إياهم في التوجه إلى بيت المقدس، وهذا أظهر، قال أبو العالية: {لئلا يكون للناس عليكم حجة} يعني به أهل الكتاب حين قالوا: صرف محمد إلى الكعبة. وقالوا: اشتاق الرجل إلى بيت أبيه ودين قومه وكان حجتهم على النبي صلى الله عليه وسلم انصرافه إلى البيت الحرام أن قالوا، سيرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا.

قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد وعطاء والضحاك والربيع بن أنس وقتادة والسدي نحو هذا، وقال هؤلاء في قوله {إلا الذين ظلموا منهم} يعني مشركي قريش ووجه بعضهم حجة الظلمة وهي داحضة أن قالوا إن هذا الرجل يزعم أنه على دين إبراهيم فلم يرجع عنه]

معروف من الذين ظلموا، هي شبهة باقية سواء بقيت العبارة أو لم تبق فإن كان على ملة إبراهيم فلم تغيرت القبلة؟

[والجواب أن الله تعالى اختار له التوجه إلى بيت المقدس، أولا لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فأطاع ربه تعالى في ذلك ثم صرفه إلى قبلة إبراهيم وهي الكعبة، فامتثل أمر الله في ذلك أيضا، فهو صلوات الله وسلامه عليه مطيع لله في جميع أحواله لا يخرج عن أمر الله طرفة عين وأمته تبع له]

امتثل أمر الله في الحالين، والله تعالى يشرع لعباده ما فيه مصلحة لهم، وما فيه العاقبة الحميدة، وما فيه قطع لحجج الكافرين، والله تعالى له الحكمة البالغة، وتشريعه سبحانه وتعالى مبني على الحكمة، وهو سبحانه وتعالى حكيم في خلقه، وفي قدره، وفي شرعه، وفي أمره ونهيه: {إن ربك حكيم عليم} [الأنعام:83] تشريعاته مبنية على الحكمة، كما أن خلقه وقدره مبني على الحكمة سبحانه وتعالى.

[وقوله: {فلا تخشوهم واخشوني} أي لا تخشوا شبه الظلمة المتعنتين وأفردوا الخشية لي، فإنه تعالى هو أهل أن يخشى منه]

مثل قوله تعالى: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران:175]، وقال سبحانه وتعالى: {وإياي فارهبون} [البقرة:40] فالخشية والخوف من شروط صحة الإيمان، من لم يخف الله فليس بمؤمن، خشية السر والعبادة، خوف السر والعبادة لابد أن يكون لله عز وجل، فمن صرفه إلى غير الله فليس بمؤمن، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}، وهنا قال: {فلا تخشوهم واخشوني} يعني: أفردوني وخصوني بالخشية؛ لأنه عبادة.

وهذا غير الخوف الطبيعي كالخوف من عدو، أو سبع، أو سلطان ظالم، هذا خوف طبيعي كما قال سبحانه وتعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام: {فخرج منها خائفا يترقب} [القصص:21] لكن المراد خوف السر، خوف العبادة، هذا هو الذي شرط في صحة الإيمان.

[وقوله: {ولأتم نعمتي عليكم} عطف على {لئلا يكون للناس عليكم حجة}، أي، لأتم نعمتي عليكم فيما شرعت لكم من استقبال الكعبة، لتكمل لكم الشريعة من جميع وجوهها ولعلكم تهتدون أي إلى ما ضلت عنه الأمم هديناكم إليه وخصصناكم به، ولهذا كانت هذه الأمة أشرف الأمم وأفضلها.

قوله تعالى: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} [البقرة:151-152]

يذكر تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إليهم يتلو عليهم آيات الله مبينات، ويزكيهم، أي يطهرهم من رذائل الأخلاق ودنس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويعلمهم الكتاب، وهو القرآن، والحكمة وهي السنة، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالقول الفراء]

في الحاشية: فكانوا في الجاهلية يسفهون الفراء؟ يعني مفترى، يسفهون بالأقوال المفتراة، المختلقة، يقعون في السفه وصف الجاهلية التي جهلها وظلامها دامس المتمكنة في الجهل، نسأل الله العافية، كانوا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء، هكذا كانوا قبل بعثة النبي r في ظلام دامس لا يعرفون إلا عبادة الأصنام والأوثان، ولا يوجد موحد إلا نادرا، قليلون طلبوا دين إبراهيم كزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة وغيرهم، وإلا فكلهم أجمعوا عكفوا على عبادة الأصنام والأوثان، وكما في الحديث يقول النبي r: «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب».

إذا نزل عليه تلاه على الناس وكتبه الكتبة ويزكيهم يطهرهم من أدران الشرك والمعاصي، ويعلمهم الكتاب والحكمة والسنة هذه من أخلاقه وأوصافه عليه الصلاة والسلام

العلماء ورثة الأنبياء يتلون القرآن على الناس ويبينون معانيه، ويدعون للعمل به والتحاكم إليه، وبهذا تكون تزكية للنفوس من أدران الشرك والمعاصي مثل زيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة الإيادي.

[فكانوا في الجاهلية الجهلاء يسفهون بالقول الفراء فانتقلوا ببركة رسالته ويمن سفارته إلى حال الأولياء وسجايا العلماء، فصاروا أعمق الناس علما، وأبرهم قلوبا، وأقلهم تكلفا، وأصدقهم لهجة.

وقال تعالى{لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم} [آل عمران: 164] وذم من لم يعرف قدر هذه النعمة، فقال تعالى: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28] قال ابن عباس: يعني بنعمة الله محمدا صلى الله عليه وسلم ولهذا ندب الله المؤمنين إلى الاعتراف بهذه النعمة ومقابلتها بذكره وشكره، وقال: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} قال مجاهد، في قوله: {كما أرسلنا فيكم رسولا منكم} يقول: كما فعلت فاذكروني، قال عبد الله بن وهب: عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك؟ قال له ربه" تذكرني ولا تنساني فإذا ذكرتني فقد شكرتني وإذا نسيتني فقد كفرتني"]

هذا من الآثار الإسرائيلية، زيد بن أسلم بينه وبين موسى دهور، وليس هذا السند ثابت عن النبي r.

[قال الحسن البصري وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس: إن الله يذكر من ذكره ويزيد من شكره ويعذب من كفره]

هذا أخذوه من النصوص {فاذكروني أذكركم} [البقرة:152] {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم:7] {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} [النساء:147] هذا أخذوه من النصوص

[وقال بعض السلف في قوله تعالى {اتقوا الله حق تقاته} [آل عمران: 102] قال: هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر]

وهذا ثابت عن ابن مسعود t، السند لا بأس به، السند هذا عن ابن مسعود في تفسير قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته} أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا وهذه الآية لما نزلت شق هذا على الصحابة رضوان الله عليهم فلهذا قال بعض العلماء: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى {فاتقوا الله ما استطعتم} [التغابن:16] {اتقوا الله حق تقاته} قال: هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر الإنسان محل النقص، ومحل الخطأ، من يستطيع أن يقوم بحق الله على الكمال ولا يحصل منه نقص ولا نسيان ولهذا أنزل الله: {فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا}.

[وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عمارة الصيدلاني أخبرنا مكحول الأزدي، قال: قلت لابن عمر: أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله، وقد قال الله تعالى: {فاذكروني أذكركم}؟ قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته حتى يسكت]

وهذا ضعيف هذا عمارة الصيدلاني له أوهام لعله من أوهام عمارة الصيدلاني، ذكر الله عام للمطيع وللعاصي، ولعل ذكره يكون سبب في توبته وتخفيف العقوبة عليه

[حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا عمارة الصيدلاني، أخبرنا مكحول الأزدي، قال: قلت لابن عمر: أرأيت قاتل النفس وشارب الخمر والسارق والزاني يذكر الله، وقد قال الله تعالى {فاذكروني أذكركم}؟ قال: إذا ذكر الله هذا ذكره الله بلعنته حتى يسكت]

هذا ضعيف.

[وقال الحسن البصري في قوله: {فاذكروني أذكركم} قال: اذكروني فيما افترضت عليكم أذكركم فيما أوجبت لكم على نفسي، وعن سعيد بن جبير: اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي، وفي رواية، برحمتي وعن ابن عباس في قوله {فاذكروني أذكركم} قال: ذكر الله إياكم أكبر من ذكركم إياه وفي الحديث الصحيح: يقول الله تعالى من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: يا ابن آدم، إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ من الملائكة أو قال، في ملأ خير منه وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة»، صحيح الإسناد أخرجه البخاري من حديث قتادة، وعنده قال قتادة: الله أقرب بالرحمة]

[وهذه كلها صفات تليق بجلال الله وعظمته، هذا من الأحاديث القدسية فيه: إثبات النفس لله عز وجل، فأولا فيه إثبات النفس لله U، وفيه: إثبات هذه الصفات؛ أن من ذكر الله في نفسه ذكره في نفسه، ومن ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير منه "وإن دنوت مني شبرا دنوت منك ذراعا، وإن دنوت مني ذراعا دنوت منك باعا، وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة" ومن ثمرات هذه الصفات ومن آثارها أن الله أسرع بالخير من العبد، وأن الله لا يقطع الثواب من العبد حتى يقطع العبد العمل فهذه من آثار الصفات وليس هذا معنى الصفة "وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة" فسرها بأن الله لا يقطع الثواب من العبد حتى يقطع العبد العمل وهذه من آثار الصفات وليست الصفة هذه الصفات تليق بجلال الله وعظمته من آثارها أن الله أسرع بالخير من العبد، وأن الله لا يقطع الثواب من العبد حتى يقطع العبد العمل وهي صفات تليق بجلال الله وعظمته لا يشابه المخلوقين في صفاتهم

[وقوله: {واشكروا لي ولا تكفرون} أمر الله تعالى بشكره ووعد على شكره بمزيد الخير فقال {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد} [إبراهيم: 7] وقال الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس حدثنا أبو رجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه " وقال روح مرة على عبده]

لعل الخز هذا من النبات حرير من النبات لا بأس به يعني الحرير قد يكون من النبات أما الحرير الذي هو من دودة القز الحرير الخالص أو الذي أكثره حرير فهذا لا يجوز لبسه للرجال، لقول النبي r: "من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة" ولكن يستثنى من هذا الإصبع والإصبعين والثلاثة والأربعة أربع أصابع، رخص النبي r في لباس الرجل لو كان فيه أربع أصابع، كأن يكون أربع أصابع في طرف الثوب، ومحل الأزارير أو ما أشبه ذلك، رخص في الأصبع والأصبعين والثلاثة والأربعة، فهذا محمول على أنه من خز النبات وهناك حرير الآن يسمونه حرير صناعي، هذا من أي شيء، هل هو من البترول؟ إذا كان من البترول فليس بحرير؛ يعني: لأن الحرير هو المأخوذ من دودة القز، هذا هو الحرير الممنوع، أما هذا يشبه الحرير، الخز من النبات يسمونه حرير وليس بحرير في الحقيقة لكنه لنعومة ملمسه يشبه الحرير وهو من مادة أخرى غير مادة الحرير.

[وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا شعبة عن الفضيل بن فضالة رجل من قيس حدثنا أبو رجاء العطاردي، قال: خرج علينا عمران بن حصين وعليه مطرف من خز لم نره عليه قبل ذلك ولا بعده، فقال، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، «من أنعم الله عليه نعمة فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على خلقه»، وقال روح مرة: على عبده]

والواجب على المسلم أن تظهر أثر نعمة الله عليه، ولا ينبغي لمن أنعم الله عليهم أن يظهر بمظهر الفقير في لباسه، في بيته، في مسكنه؛ لأن هذا معناه كأنه شكاية لله، من أنعم الله عليه يخرج بثياب مخرقة أو بثياب لا تليق هذا كأنه يشكو ربه، كأنه شكاية لله، ينبغي للإنسان أن يشكر الله وأن ترى أثر النعمة عليه، لكن من غير إسراف، ولا خيلاء، كل واشرب والبس في غير سرف ولا مخيلة ولكن لو ترك بعض اللباس الجميل في بعض الأحيان من باب حفظ النفس وإبعادها عن الإعجاب والإزراء بالنفس كما في الحديث: «البذاذة من الإيمان» البذاذة يعني: رثاثة الهيأة في بعض الأحيان، من باب الإزراء بالنفس، من باب العمل بحديث " البذاذة من الإيمان" ولكن يكون في الغالب يرى أثر النعمة عليه: «إن الله يحب إذا أنعم على العبد أن يرى أثر نعمته عليه» فإذا ترك هذا في بعض الأحيان من باب التواضع والإزراء بالنفس وإبعادها عن الإعجاب فله وجه عملا بالحديث الآخر: «البذاذة من الإيمان» ولا شك أن الدين والإسلام أعظم نعمة لكن سياق الحديث مراده النعمة المالية سياق الحديث يقتضي هذا.

[قوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (153) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون} [البقرة:153-154].

لما فرغ تعالى من بيان الأمر بالشكر شرع في بيان الصبر والإرشاد والاستعانة بالصبر والصلاة فإن العبد إما أن يكون في نعمة فيشكر عليها أو في نقمة فيصبر عليها كما جاء في الحديث عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له]

والإنسان يتقلب بين نعمة وبين محنة ومصيبة، فإذا كان في نعمة فإنه يجب عليه أن يشكر، وإذا كان في بلية ومحنة فعليه أن يصبر ولا يجزع ولا يتسخط هناك حالة ثالثة وهي: أن يكون في ذنب فيتوب ويبادر بالتوبة، الإنسان يتقلب بين هذه الأحوال الثلاثة: إما في نعمة فيجب عليه أن يشكر الله عليها، وإما في بلية ومحنة ومصيبة فعليه أن يصبر ولا يجزع ولا يتسخط إذا كان في نعمة عليه أن يشكر الله بقلبه ولسانه وجوارحه، بأن يعترف لله تعالى بالنعمة ويعظم الله عز وجل، ويثني على الله بلسانه وينسبها إليه ويستعملها في مرضاته، وإن كان في بلية ومحنة عليه أن يصبر؛ مرض، فقد الأحبة، فقد المال في نفسه أو أهله أو ماله أو ولده، عليه أن يصبر فيحبس نفسه عن الجزع، ولسانه عن التشكي، ويحبس الجوارح عما يغضب الله، فلا يلطم خدا، ولا ينتف شعرا، وإنما يصبر ويحتسب لطم الخد وشق الجيب هذا مما ينافي الصبر، يتشكى بلسانه لماذا أصبت من بين الناس، لماذا كذا؟ الشكاية لله، هذا الجزع، ولكن يحبس لسانه عن التشكي، ويحبس نفسه عن الجزع ولا يكون جزعا، ويحبس لسانه عما يغضب الله، فلا يلطم خدا، ولا يشق ثوبا، ولا ينتف شعرا، بل يصبر، والحالة الثالثة: أن يقع في معصية أو في ذنب فعليه أن يبادر بالتوبة هذه عنوان السعادة العبد إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر وتاب، إذا كان الإنسان هذه حاله فهذا دليل على سعادته، إذا كان في نعمة شكرها، وإذا كان في بلية صبر، وإذا كان في معصية تاب واستغفر وندم.

[وبين تعالى أن أجود ما يستعان به على تحمل المصائب الصبر والصلاة كما تقدم في قوله {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} [البقرة: 45]، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر صلى، والصبر صبران فصبر على ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثوابا لأنه المقصود وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب، فذلك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب]

الصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله: يصبر على الطاعة حتى يؤديها، يؤدي الواجبات، لا يستطيع أن يؤدي الواجبات إلا بالصبر، لابد أن يصبر.

وصبر عن المعاصي: عن محارم الله حتى يجتنبها.

وصبر على أقدار الله المؤلمة: فلا يتسخط قضاء الله وقدره.

[(والصبر صبران فصبر على ترك المحارم والمآثم وصبر على فعل الطاعات والقربات، والثاني أكثر ثوابا لأنه المقصود)]

يعني الصبر على طاعة الله، أكثر ثواب، المقصود من العبادات أن يمتثل العبد، المقصود الامتثال، وأما المناهي فإنها تترك لأنها تضاد الأوامر، فالصلاة شرعها الله تعالى لما فيها من ذكره، وأيضا لأنها تنهى عن الفحشاء ولكن الذكر أعظم، ولهذا قال سبحانه وتعالى: {وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} [العنكبوت:45] فالذكر أكبر وأعظم والمقصود منها الذكر، وهي تنهى عن الفحشاء، ففيها نهي عن الفحشاء، وفيها استجابة لله والذكر أكبر.

[وأما الصبر الثالث وهو الصبر على المصائب والنوائب فذلك أيضا واجب كالاستغفار من المعايب كما قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم الصبر في بابين: الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء، فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله، وقال علي بن الحسين زين العابدين: إذا جمع الله الأولين والآخرين

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد