شعار الموقع

سورة البقرة - 34

00:00
00:00
تحميل
4

هذا رواه ابن عباس بلاغا مثل قوله: أشكو إلى الله وإلى رسوله، فيها الجمع بالواو، إن صح هذا يحتمل أن يكون هذا كان أولا كونه قال: أشكو إلى الله ثم إلى رسوله، أو أن الشكوى هذه للرسول مما يليق به؛ يعني: يشكو إلى الله وإلى رسوله فيما هو من اختصاصه؛ يعني: لعله ينزل الوحي من الله.

أليست مثل: الله ورسوله أعلم؟

لا، قد يقال إنها قريبة منها أشكو إلى الله وإلى رسوله.

[وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قيس بن سعد، عن عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة في قول الله تعالى {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله {ثم أتموا الصيام إلى الليل} قال: كان المسلمون قبل أن تنزل هذه الآية إذا صلوا العشاء الآخرة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء حتى يفطروا، وأن عمر بن الخطاب أصاب أهله بعد صلاة العشاء، وأن صرمة بن قيس الأنصاري غلبته عينه بعد صلاة المغرب، فنام ولم يشبع من الطعام، ولم يستيقظ حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، فقام فأكل وشرب، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فأنزل الله عند ذلك: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}]

هذا خلاف الحديث السابق أنه ما أكل ولا شرب، أصبح صائما وغشي عليه، وهنا فيه أنه أكل وشرب السند فيه سعيد بن أبي عروبة عنده بعض التدليس وقد عنعن معروف كما سبق أنه ما أكل وأنه أصبح صائما ثم غشي عليه.

[يعني بالرفث: مجامعة النساء {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم} يعني: تجامعون النساء، وتأكلون وتشربون بعد العشاء {فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن} يعني: جامعوهن {وابتغوا ما كتب الله لكم} يعني: الولد {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} فكان ذلك عفوا من الله ورحمة وقال هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله، إني أردت أهلي البارحة على ما يريد الرجل أهله فقالت: إنها قد نامت، فظننتها تعتل  فواقعتها، فنزل في عمر {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} وهكذا رواه شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى، به وقال أبو جعفر بن جرير: حدثني المثنى، حدثنا سويد، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة]

ابن لهيعة ضعيف

 [أخبرنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة حدثني موسى بن جبير مولى بني سلمة أنه سمع عبد الله بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه قال: كان الناس في رمضان إذا صام الرجل فأمسى فنام، حرم عليه الطعام والشراب والنساء حتى يفطر من الغد، فرجع عمر بن الخطاب من عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد سمر عنده، فوجد امرأته قد نامت، فأرادها، فقالت: إني قد نمت! فقال: ما نمت! ثم وقع بها. وصنع كعب بن مالك مثل ذلك. فغدا عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن} وهكذا روي عن مجاهد، وعطاء، وعكرمة، والسدي، وقتادة، وغيرهم في سبب نزول هذه الآية في عمر بن الخطاب ومن صنع كما صنع، وفي صرمة بن قيس؛ فأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليل رحمة ورخصة ورفقا]

الحمد لله، هذا من فضله تعالى وإحسانه إلى عباده.

[وقوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال أبو هريرة، وابن عباس وأنس، وشريح القاضي ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، وعطاء، والربيع بن أنس، والسدي وزيد بن أسلم، والحكم بن عتيبة ومقاتل بن حيان والحسن البصري، والضحاك، وقتادة، وغيرهم: يعني الولد وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم {وابتغوا ما كتب الله لكم} يعني: الجماع وقال عمرو بن مالك البكري، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: ليلة القدر. رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير]

والصواب: أن الآية عامة، {وابتغوا ما كتب الله لكم} من الولد، وليلة القدر، والجماع، الآية عامة، وهذه أمثلة.

[وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر قال: قال قتادة: ابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم. يقول: ما أحل الله لكم وقال عبد الرزاق أيضا: أخبرنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، قال: قلت لابن عباس: كيف تقرأ هذه الآية: {وابتغوا ما كتب الله لكم} قال: أيتهما شئت: عليك بالقراءة الأولى، واختار ابن جرير أن الآية أعم من هذا كله]

هذا الصواب أن الآية عامة.

[وقوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} أباح تعالى الأكل والشرب، مع ما تقدم من إباحة الجماع في أي الليل شاء الصائم إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل، وعبر عن ذلك بالخيط الأبيض من الخيط الأسود، ورفع اللبس بقوله: {من الفجر} كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا أبو غسان محمد بن مطرف، حدثني أبو حازم، عن سهل بن سعد، قال: أنزلت: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} ولم ينزل {من الفجر} وكان رجال إذا أرادوا الصوم، ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما، فأنزل الله بعد: {من الفجر} فعلموا أنما يعني: الليل والنهار.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هشيم، أخبرنا حصين، عن الشعبي، أخبرني عدي بن حاتم قال: لما نزلت هذه الآية: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} عمدت إلى عقالين

أحدهما أسود والآخر أبيض، قال: فجعلتهما تحت وسادتي، قال: فجعلت أنظر إليهما فلما تبين لي الأبيض من الأسود، أمسكت فلما أصبحت غدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بالذي صنعت. فقال: "إن وسادك إذا لعريض، إنما ذلك بياض النهار من سواد الليل"]

يعني: وسادك عريض إن كان يسع الليل والنهار يتسع المشرق والمغرب.

[أخرجاه في الصحيحين من غير وجه، عن عدي، ومعنى قوله: "إن وسادك إذا لعريض" أي: إن كان ليسع الخيطين الأسود والأبيض المرادين من هذه الآية تحتها، فإنهما بياض النهار وسواد الليل فيقتضي أن يكون بعرض المشرق والمغرب وهكذا وقع في رواية البخاري مفسرا بهذا: أخبرنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن الشعبي، عن عدي قال: أخذ عدي عقالا أبيض وعقالا أسود، حتى كان بعض الليل نظر فلم يستبينا، فلما أصبح قال: يا رسول الله، جعلت تحت وسادتي، قال: "إن وسادك إذا لعريض، إن كان الخيط الأبيض والأسود تحت وسادتك" وجاء في بعض الألفاظ: إنك لعريض القفا، ففسره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيف]

بل باطل هذا، فسره بالبلادة، أولا مخالف لتفسير النبي r، عريض القفا معناه أن وسادك عريض، إذا كان عريض القفا يكون عريض الوسادة؛ لأن عرض القفا يستلزم عرض الوسادة، إذا كان يتسع الوسادة لبياض الليل وسواد النهار فأنت وسادتك عريضة، وهذا نشأ عن كونه عريض القفا، وليس المراد البلادة، فهذا مخالف لتفسير النبيr.

ثانيا: النبي r لا يستهزئ بعدي؛ لأن هذا معناه سخرية، النبي r لا يسخر منه.

ثالثا: أن هذا حصل لبعض الصحابة غير عدي ليس عدي وحده، كان رجال من الصحابة يربطون خيوط خيط أبيض وخيط أسود بأرجلهم، فهذا القول التفسير بأنه بلادة ضعيف بل باطل، النبي r ما يسخر من عدي.

قريب منه، فيرفع الوسادة وينظر.

[وجاء في بعض الألفاظ: إنك لعريض القفا، ففسره بعضهم بالبلادة، وهو ضعيف، بل يرجع إلى هذا لأنه إذا كان وساده عريضا فقفاه عريض أيضا والله أعلم ويفسره رواية البخاري أيضا: حدثنا قتيبة حدثنا جرير، عن مطرف، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أهما الخيطان؟ قال "إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين" ثم قال: "لا بل هو سواد الليل وبياض النهار"]

فيه العذر بالجهل؟

العذر بالجهل هذا معروف وأدلته كثيرة، الجاهل معذور حتى يعلم، لكن الجاهل إذا كان يمكنه أن يتعلم ويسأل يجب عليه أن يتعلم ويسأل.

قلتم إن سؤال منازل الأنبياء من التعدي، والله سبحانه وتعالى يقول: {مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء} [النساء:69].

المعية ما تقتضي أن يكون له منازلهم، والحديث الآخر: «من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء» المعية ما تقتضي أن يكون معهم ويجتمع معهم وكل واحد له منزلته؛ حتى المؤمنون كذلك يجتمع بعضهم مع بعض وهم على منازل متفاوتة، جاء في الحديث أن الرجل من أهل الجنة يلقى أخاه من ذوي المراتب العالية فيروعه أول ما يلقاه ما عليه من اللباس فلا ينتهي حديثه حتى يخيل له أن ما عليه مثله أو أحسن؛ لأنه ليس في الجنة حزن، فهذه مرتبة عالية والتقى به، واجتمع به، المنازل شيء مثل في الدنيا يجتمعوا كلهم في بيت، عندك قصر الآن مسافته كذا وكذا، والتقيت فقير ليس له بيت أو بيت بالأجر أو له بيت صغير، كنت معه ولا ما كنت معه؟ تجلس معه وتقرأ معه، وتصلي معه، ثم بعد ذلك تنصرف لمنزلك وهو ينصرف لمنزله.

إذا أصاب العائن المعيون فإنه يبالغ في أخذ الشيء عن العائن خاصة، فإنه يبالغ في أخذ الشيء عن العائن خاصة إذا لم يكن العائن معروفا، أو في مجلس فيؤخذ من أثره أو من الأواني التي يشرب منها، أو يمسح على الأبواب التي يقوم بلمسها، ما حكم هذا العمل؟

هذا لا أصل له؛ مسح الأبواب وأخذ التراب من المسجد لا أصل له، لكن إذا عرف الشخص أنه قد أعانه وأصابه بعينه يطلب منه أن يرقي، وأن يبرك، أو يستغسل كما جاء في الحديث يغسل طرفا ركبتيه، وطرفا قدميه، وداخلة إزاره، هذا مجرب يأخذ شيء من آثاره أكله أو شربه، ويأتي للمسجد ويأخذ من التراب ومن الأبواب، لا أعرف لهذا أصل.

أنا أحيانا أكل السحور أثناء أذان الفجر وبعده بخمس دقائق تقريبا، ظنا مني أن المؤذنين يبكرون بالأذان احتياطا من التقويم، وأن الفجر لم يظهر بعد بقوة، خصوصا في صيام التطوع، فهل يجوز هذا العمل؟ وجزاك الله خيرا.

ما يجوز، أنصحك بألا تعمل هذا، تمسك مع الأذان؛ لأن الأذان يفيد غلبة الظن، والتقويم مقارب الآن، إذا اعتبرت هذا ووجدت أنه مقارب انظر طلوع الشمس الآن، تجد طلوع الشمس مقارب، بل قد يكون دقيقا، إذا كان طلوع الشمس وكذلك غروب الشمس دقيق فكذلك طلوع الفجر، فالذي ينبغي لك أن تمسك، إذا سمعت الأذان تمسك، هذا هو الذي يحتاط به الإنسان ولا يأكل بعد خمس دقائق ولا بعد الأذان، إذا سمعت الأذان أمسك، لكن لو قدر لإنسان في يده كأس وشرب وهو يؤذن فأرجو أن لا يكون هناك حرج، لكن كونه يبحث عن الكأس أو يبحث عن الطعام بعد الأذان لا، ما ينبغي هذا، يحتاط الإنسان.

[قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى: وفي إباحته تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر، دليل على استحباب السحور؛ لأنه من باب الرخصة، والأخذ بها محبوب؛ ولهذا وردت السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحث على السحور؛ لأنه من باب الرخصة والأخذ بها، ففي الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» وفي صحيح مسلم، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور» وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى هو ابن الطباع، حدثنا عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السحور أكله بركة؛ فلا تدعوه، ولو أن أحدكم تجرع جرعة من ماء، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين»]

هذا الحديث ضعيف في سنده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف لكن المعنى صحيح، وهو أنه يشرع للمسلم أن يتسحر ولو قليلا إذا كان لا يشتهي فيتسحر ولو جرعة من ماء أو حفنة تمر أو مذقة لبن حتى يحصل على السنة، ولو علبة عصير، أو شيء قليل، إذا كان لا يشتهي شيئا يأكل شيئا ولو قليلا، والأفضل أن يتسحر سحورا كاملا؛ لأن هذا هو التأسي بالنبي r، ولأن فيه إعانة للصائم.

[وقد ورد في الترغيب في السحور أحاديث كثيرة حتى ولو بجرعة من ماء، تشبها بالآكلين، ويستحب تأخيره إلى قريب انفجار الفجر]

يعني: إلى قرب وقت انفجار الفجر؛ لأنه إذا انفجر الفجر يمسك الإنسان يعني يحتاط الإنسان.

[كما جاء في الصحيحين، عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن زيد بن ثابت، قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية]

يعني: بين الأذان والسحور، في الحديث الآخر: بين الصلاة، والمراد الأذان لأنه هو الذي يعلم به دخول الوقت، بين الأذان والسحور قدر خمسين آية؛ يعني: إذا كان بين الأذان يكون بمقدار خمس دقائق.

فيه أن الأولى للإنسان أن يؤخر السحور؟

نعم يؤخر ما لم يخش طلوع الفجر، هذا هو الأفضل، قبيل الأذان يعني بخمس دقائق أو ستة دقائق للاحتياط.

[وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا ابن لهيعة، عن سالم بن غيلان، عن سليمان بن أبي عثمان، عن عدي بن حاتم الحمصي، عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور»]

في سنده ابن لهيعة وهو ضعيف لكن الحديث له شواهد.

[وقد ورد في أحاديث كثيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الغداء المبارك، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن ماجة من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان النهار إلا أن الشمس لم تطلع، وهو حديث تفرد به عاصم بن أبي النجود، قاله النسائي، وحمله على أن المراد قرب النهار كما قال تعالى {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف} [الطلاق 2]

وهنا إلى النهار يعني إلى قرب النهار المراد قرب النهار والنهار المراد طلوع الفجر

[أي: قاربن انقضاء العدة، فإما إمساك بمعروف أو ترك للفراق، وهذا الذي قاله هو المتعين حمل الحديث عليه: أنهم تسحروا ولم يتيقنوا طلوع الفجر، حتى أن بعضهم ظن طلوعه وبعضهم لم يتحقق ذلك، وقد روي عن طائفة كثيرة من السلف أنهم تسامحوا في السحور عند مقاربة الفجر، روي مثل هذا عن أبي بكر، وعمر، وعلي، وابن مسعود، وحذيفة، وأبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم وعن طائفة كثيرة من التابعين، منهم: محمد بن علي بن الحسين، وأبو مجلز، وإبراهيم النخعي، وأبو الضحى، وأبو وائل، وغيره  من أصحاب ابن مسعود وعطاء، والحسن، والحكم بن عتيبة ومجاهد، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وإليه ذهب الأعمش وجابر بن راشد. وقد حررنا أسانيد ذلك في كتاب الصيام المفرد، ولله الحمد وحكى أبو جعفر بن جرير في تفسيره، عن بعضهم: أنه إنما يجب الإمساك من طلوع الشمس كما يجوز الإفطار بغروبها قلت: وهذا القول ما أظن أحدا من أهل العلم يستقر له قدم عليه، لمخالفته نص القرآن في قوله: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}]

يعني هذا القول إن قال به أحد فهو قول فاسد لمخالفته النص والإجماع، القول بأن الصيام يكون من طلوع الشمس هذا قول فاسد لا وجه؛ لأنه مخالف للنصوص والإجماع، لا يعول عليه.

[وقد ورد في الصحيحين من حديث القاسم، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنعكم أذان بلال عن سحوركم، فإنه ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر» لفظ البخاري]

{وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} رد على القول هذا إن قال به قائل فهو قول فاسد.

[وقال الإمام أحمد: حدثنا موسى بن داود، حدثنا محمد بن جابر، عن قيس بن طلق، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر» ورواه أبو داود، والترمذي ولفظهما: «كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر»]

يعني: لا يؤثر عليكم، وهو الفجر الكاذب الذي يعترض في كبد السماء ثم يزول، وإنما الفجر الصادق هو الذي ينتشر من المشرق الأول جاء وصفه كذنب السرحان يكون في وسط السماء هكذا ثم يزول

[وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا شعبة، عن شيخ من بني قشير: سمعت سمرة بن جندب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرنكم نداء بلال وهذا البياض حتى ينفجر الفجر، أو يطلع الفجر»]

وهذا في سنده مبهم لكنه له شواهد من الأحاديث الصحيحة في هذا فتعتبر شاهدة.

[ثم رواه من حديث شعبة وغيره، عن سوادة بن حنظلة، عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل، ولكن الفجر المستطير في الأفق»]

الفجر المستطيل باللام هو الفجر الكاذب، ولكن الفجر المستطير بالراء يعني المنتشر في الأفق.

[وحدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، عن عبد الله بن سوادة القشيري، عن أبيه، عن سمرة بن جندب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغرنكم أذان بلال ولا هذا البياض، لعمود الصبح حين يستطير» رواه مسلم في صحيحه عن زهير بن حرب، عن إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية مثله سواء وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد، حدثنا ابن المبارك، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعن أحدكم أذان بلال عن سحوره أو قال نداء بلال فإن بلالا يؤذن بليل أو قال ينادي لينبه نائمكم وليرجع قائمكم»]

يعني: يرده، مثل قوله تعالى: {فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج} [التوبة:83] من الثلاثي، أما يرجع من الرباعي، يرده؛ يعني: القائم، الأذان الأول يرد القائم؛ يعني: الذي يصلي في أول الليل إذا أذن الأول عرف أن الفجر قريب فيرده عن الإطالة، هذا يدل على أن الأول يكون قريب من الفجر، ويوقظ النائم حتى يقوم ويتوضأ ويصلي ويوتر، والمصلي يرده عن الإطالة ويعلم أن الوقت قريب.

«لينبه نائمكم وليرجع قائمكم» القائم يرده والنائم يوقظه، ولهذا ينبغي أن يكون الأذان الأول؛ يعني: لا يكون الوقت طويل بينه وبين أذان الفجر وإنما يكون قريب مثلا ساعة أو ساعة إلا ربع، نصف ساعة وما أشبه ذلك.

[«لينبه نائمكم وليرجع قائمكم وليس الفجر أن يقول هكذا أو هكذا، حتى يقول هكذا»]

هكذا أو هكذا يعني: ينتشر الفجر الصادق، الفجر الكاذب هكذا يكون في وسط السماء مثل ذنب السرحان.

[ورواه من وجه آخر عن التيمي، به وحدثني الحسن بن الزبرقان النخعي، حدثنا أبو أسامة عن محمد بن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفجر فجران، فالذي كأنه ذنب السرحان (يعني الذئب) لا يحرم شيئا، وإنما هو المستطير الذي يأخذ الأفق، فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام»]

يحل صلاة الفجر ويحرم الطعام على الصائم، الأذان الثاني يحل الصلاة؛ صلاة الفجر، ويحرم الطعام على الصائم.

[وهذا مرسل جيد]

مرسل منقطع، المرسل هو الذي سقط منه صحابي.

[وقال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء قال: سمعت ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما يقول: هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا، ولكن الفجر الذي يستنير على رءوس الجبال، هو الذي يحرم الشراب، قال عطاء: فأما إذا سطع سطوعا في السماء، وسطوعه أن يذهب في السماء طولا فإنه لا يحرم به شراب الصائم ولا صلاة، ولا يفوت به الحج ولكن إذا انتشر على رءوس الجبال، حرم الشراب للصيام وفات الحج]

(فإنه لا يحرم به شراب الصائم ولا صلاة، ولا يفوت به حج) ولا صلاة يحتمل أنه حمل على صلاة الليل.

لا يفوت به حج يعني في يوم عرفة ليلة مزدلفة، ليلة العيد إذا طلع الفجر فات الحج، عندما يطلع الفجر الصادق بالنسبة للمتأخر، أما من جاء ووقف بعرفة قبيل الفجر أدرك الحج، فإذا طلع الفجر فات الحج، هذا مراده، إنما يفوت بطلوع الفجر ليلة العيد.

[ولكن إذا انتشر على رءوس الجبال، حرم الشراب للصيام وفات الحج وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء، وهكذا روي عن غير واحد من السلف، رحمهم الله

مسألة: ومن جعله تعالى الفجر غاية لإباحة الجماع والطعام والشراب لمن أراد الصيام، يستدل على أنه من أصبح جنبا فليغتسل، وليتم صومه، ولا حرج عليه. وهذا مذهب الأئمة الأربعة وجمهور العلماء سلفا وخلفا، لما رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وأم سلمة، رضي الله عنهما، أنهما قالتا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من جماع غير احتلام، ثم يغتسل ويصوم وفي حديث أم سلمة عندهما: ثم لا يفطر ولا يقضي. وفي صحيح مسلم، عن عائشة: أن رجلا قال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب، فأصوم» فقال: لست مثلنا يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي»]

وهذا واضح من الأحاديث الكثيرة في الصحيحين وغيرهما أن النبي r كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم، دل هذا على أن الإنسان إذا استيقظ متأخرا في آخر الليل وعليه جنابة فإنه يبدأ بالأكل والشرب، يأكل ويشرب ويمسك ثم يغتسل ولو بعد طلوع الفجر وصومه صحيح، لكن عليه أن يبادر حتى يدرك الجماعة وكذلك الحائض والنفساء إذا طهرتا قبيل الفجر فإنهما يبدآن بالسحور تتسحر المرأة وتأكل وتشرب ثم تمسك ثم تغتسل ولو بعد طلوع الفجر وصومها صحيح، هذا هو الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وهو الذي عليه الأئمة سلفا وخلفا، والجماهير من أهل العلم.

الأذان الأول هذا دائم طول السنة يشرع لكن الأذان الأول لابد يكون له مؤذن آخر حتى لا يغر الناس أو يؤذن هو مرة ثانية في الفجر، هذا مشروع أو لأجل السحور، لأجل السحور مثل ما قال النبي r: «ليرد القائم ويوقظ النائم» النائم يوقظه حتى يقوم ويتوضأ ويصلي ويوتر، والقائم يرده عن الإطالة فيعلم أن وقت الفجر قريب، وليتسحر كذلك، لكن هذا حتى ولو لم يكن هناك صائم مشروع، كما قال النبي r: «ليوقظ النائم ويرد القائم».

[فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا نودي للصلاة صلاة الصبح وأحدكم جنب فلا يصم يومئذ» فإنه حديث جيد الإسناد على شرط الشيخين، كما ترى وهو في الصحيحين عن أبي هريرة عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنن النسائي عنه عن أسامة بن زيد والفضل بن عباس ولم يرفعه، فمن العلماء من علل هذا الحديث بهذا، ومنهم من ذهب إليه]

يعني: علله بأنه غير مرفوع، لم يرفعه؛ يعني: غير مرفوع لكن في الأول قال إنه مرفوع في الصحيحين.

[(فإنه حديث جيد الإسناد على شرط الشيخين، كما ترى وهو في الصحيحين عن أبي هريرة، عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنن النسائي عنه، عن أسامة بن زيد، والفضل بن عباس ولم يرفعه)، (فمن العلماء من علل هذا الحديث بهذا، ومنهم من ذهب إليه).

يعني: بأنه غير مرفوع.

[فمن العلماء من علل هذا الحديث بهذا، ومنهم من ذهب إليه، وحكى هذا عن أبي هريرة، وسالم، وعطاء، وهشام بن عروة، والحسن البصري، ومنهم من ذهب إلى التفرقة بين أن يصبح جنبا نائما فلا عليه لحديث عائشة وأم سلمة، أو مختارا فلا صوم له، لحديث أبي هريرة، يحكى هذا عن عروة وطاوس والحسن، ومنهم من فرق بين الفرض فيتمه ويقضيه وأما النفل فلا يضره، رواه الثوري، عن منصور، عن إبراهيم النخعي، وهو رواية عن الحسن البصري أيضا، ومنهم من ادعى نسخ حديث أبي هريرة بحديثي عائشة وأم سلمة، ولكن لا تاريخ معه.

وادعى ابن حزم أنه منسوخ بهذه الآية الكريمة، وهو بعيد أيضا، إذ لا تاريخ، بل الظاهر من التاريخ خلافه، ومنهم من حمل حديث أبي هريرة على نفي الكمال "فلا صوم له" لحديث عائشة وأم سلمة الدالين على الجواز، وهذا المسلك أقرب الأقوال وأجمعها، والله أعلم]

الأقرب أن يقال: إما هذا وهم من بعض الرواة، أو أنه منسوخ، أما القول بأنه نفي الكمال ليس بواضح قال فلا صوم له قد يهم الراوي ولو كان حافظا فالأحاديث الكثيرة السابقة صريحة في أن صومه صحيح وأن النبي r كان يصبح جنبا ثم يصوم، فهذا إما أنه وهم من بعض الرواة أو أنه منسوخ فكان هذا أولا ويحتمل أن يقال: أنه شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة الكثيرة، ما ذكر أحد من العلماء شذوذه

[وقوله تعالى {ثم أتموا الصيام إلى الليل} يقتضي الإفطار عند غروب الشمس حكما شرعيا، كما جاء في الصحيحين، عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» أخرجاه وقال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، حدثنا قرة بن عبد الرحمن عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله، عز وجل: إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا» ورواه الترمذي من غير وجه عن الأوزاعي به وقال هذا حديث حسن غريب.

وقال أحمد أيضا: حدثنا عفان، حدثنا عبيد الله بن إياد، سمعت إياد بن لقيط قال: سمعت ليلى امرأة بشير بن الخصاصية، قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة، فمنعني بشير وقال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه، وقال: «يفعل ذلك النصارى، ولكن صوموا كما أمركم الله، ثم أتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطروا».

ولهذا ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الوصال، وهو أن يصل صوم يوم بيوم آخر، ولا يأكل بينهما شيئا، قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا، قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل، قال: فإني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني، قال: فلم ينتهوا عن الوصال، فواصل بهم النبي صلى الله عليه وسلم يومين وليلتين ثم رأوا الهلال، فقال لو تأخر الهلال لزدتكم كالمنكل لهم»

وأخرجاه في الصحيحين، من حديث الزهري به، وكذلك أخرجا النهي عن الوصال من حديث أنس وابن عمر وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: «إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقيني» فقد ثبت النهي عنه من غير وجه، وثبت أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقوى على ذلك ويعان]

الوصال: كما ذكر المؤلف رحمه الله هو أن يصل الليل بالنهار بالصيام ولا يأكل بينهما، لا يفطر بل يصوم الليل مع النهار، يصوم يومين مع الليل هذا هو الوصال، وقد يصوم يومين أو ثلاثة، فهذا النبي r كان يفعله عليه الصلاة والسلام كان يواصل اليومين والثلاثة ما يأكل في الليل، فواصل الصحابة رضوان الله عليهم اقتداء به r، فنهاهم عن الوصال وبين أن الوصال من خصائصه r، ولهذا قال لهم النبي r: «لا تواصلوا» يعني: أفطروا وبادروا بالإفطار، قالوا: «يا رسول الله إنك تواصل» نريد أن نقتدي بك، فقال r: «إني لست كهيئتكم إني أبيت فيطعمني ربي ويسقيني».

اختلف العلماء في هذا الإطعام والإسقاء، فقال بعض أهل العلم: إنه يؤتى بطعام من الجنة وشراب من الجنة، وهذا قول ضعيف لأنه لو كان يؤتى بطعام وشراب من الجنة لما كان صائما فالصواب أن معنى «فيطعمني ربي ويسقيني» أنه يجعل في قوة الطعام والشراب؛ يعني: ما يفتح الله عليه من مواد أنسه ونفحات قدسه واللطائف الربانية يغنيه عن الطعام والشراب، وإلا لو كان يأكل ويشرب من طعام الجنة ما صار صائما هذا هو الصواب لكن الصحابة رضوان الله عليهم أرادوا أن يقتدوا به فواصلوا فلما أبوا أن ينتهوا واصل النبي r يومين بهم اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين ما أكلوا في الليل ثم رأوا الهلال لم يتم الشهر فقال r لو بقي الهلال وتم ثلاثين لزدتكم يوما من باب التعزير لأنهم لم ينتهوا وهم رضوان الله عليهم لم ينتهوا رجاء أن يرخص لهم في الاقتداء به r لمزيد الأجر والثواب هذا مقصودهم

كان النبي r نهاهم عن الوصال رحمة بهم وشفقة فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم يومين اليوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين ما أكلوا في الليل ثم رأوا الهلال لم يتم الشهر فقال r لو بقي الهلال وتم ثلاثين لزدتكم يوما تواصلون من باب التعزير حيث بين لهم أنهم لا يستطيعون وأن هذا فيه مشقة عليهم لكن الصحابة رضوان الله عليهم إنما واصلوا تأسيا به r ورجاء أن يرخص لهم لمزيد الأجر والثواب

فالوصال منهي عنه، اختلف العلماء في هذا النهي هل هو للتحريم أو للكراهة؟ على قولين، والصواب: انه للكراهة الشديدة؛ لأن النبي r واصل بهم ولو كان محرما لما فعله بهم؛ لأن النبي r لا يفعل محرما، فهو للكراهة الشديدة، والدليل أن النبي r فعله بالصحابة، وأما في حقه r فهو من خصائصه

[والأظهر أن ذلك الطعام والشراب في حقه إنما كان معنويا لا حسيا وإلا فلا يكون مواصلا مع الحسي]

الطعام المعنوي يعني: ما يفتح الله عليه من مواد أنسه ونفحات قدسه واللطائف الربانية ما يغنيه عن الطعام والشراب هذا الطعام المعنوي.

[ولكن كما قال الشاعر:

لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد

وأما من أحب أن يمسك بعد غروب الشمس إلى وقت السحر فله ذلك، كما في حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقيني»]

وهذا الوصال إلى السحر هذا جائز؛ يعني: يجوز للإنسان أن يواصل إلى السحر إذا كان ولابد يواصل إلى السحر، بمعنى: أنه لا يأكل إلا أكلة واحدة في السحر، يجعل عشاءه سحورا وسحوره عشاء مرة واحدة، ما يأكل إلا مرة واحدة في آخر الليل، هذا جائز لكن تركه أولى، والأفضل: أن يبادر الإنسان بالفطر من حين غروب الشمس؛ هذا الأفضل كما جاء في الأحاديث، يقول الرب U: «أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا، ما زال الناس بخير ما عجلوا الفطر» لكن هذا جائز تأخير الفطر إلى السحور، إذا أراد أن يواصل ولابد فيواصل إلى السحر ويأكل أكلة واحدة، يجعل عشاءه سحورا وسحوره عشاء فيأكل أكلة واحدة، ولهذا قال النبي r: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر» إذا كان ولابد، ولكن الأفضل أن يبادر بالفطر، أما كونه ما يأكل بالليل، ويصل الليل بالنهار فهذا مكروه أو محرم على قولين لأهل العلم، للنهي عنه.

[قال: «إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي مطعم يطعمني، وساق يسقيني» أخرجاه في الصحيحين أيضا

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو نعيم، حدثنا أبو إسرائيل العبسي عن أبي بكر بن حفص عن أم ولد حاطب بن أبي بلتعة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنها مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فدعاها إلى الطعام، فقالت: إني صائمة، قال: وكيف تصومين؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أين أنت من وصال آل محمد، من السحر إلى السحر»

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن محمد بن علي، عن علي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواصل من السحر إلى السحر.

وقد روى ابن جرير، عن عبد الله بن الزبير وغيره من السلف، أنهم كانوا يواصلون الأيام المتعددة، وحمله منهم على أنهم كانوا يفعلون ذلك رياضة لأنفسهم، لا أنهم كانوا يفعلونه عبادة. والله أعلم ويحتمل أنهم كانوا يفهمون من النهي أنه إرشاد، من باب الشفقة، كما جاء في حديث عائشة: «رحمة لهم»، فكان ابن الزبير وابنه عامر ومن سلك سبيلهم يتجشمون ذلك ويفعلونه، لأنهم كانوا يجدون قوة عليه]

هذا مشهور عن ابن الزبير وابن عامر وجماعة أنهم يواصلون الأيام المتعددة، ابن جرير يقول: أن هذا رياضة لأنه عبادة، والصواب: أنهم فعلوه عبادة لمزيد الأجر والثواب، اجتهادا منهم ولعلهم لم تبلغهم النصوص، أو أنهم فهموا أن النصوص المراد بها الإرشاد ليس المراد بها النهي، وإنما المراد التحريم كما قال ابن جرير رحمه الله أو أنهم حملوا النهي على من لا يجد القوة وأن من وجد في نفسه قوة، وأنهم وجدوا في أنفسهم قوة على الصيام فلا يشملهم النهي إنما هذا في حق من كان يضعف ولا يستطيع أما هم فإنهم يتحملون، حملوا هذا النهي عن الوصال إنما هو لمن لا يقدر، أما من يجد في نفسه قوة وقدرة ونشاط فإنه لا يشمله النهي، أو النهي يكون للإرشاد لكن هم محدودون بالأدلة، الصواب أن هذا غير مشروع وأنه مكروه أو محرم وقد روي أن ابن الزبير يصوم سبعة أيام متوالية، وأنه إذا أفطر يفطر على السمن والصبر حتى لا تتخرق الأمعاء من الطعام والشراب بعد سبعة أيام، هذه قوة عظيمة وأنه يصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم كما ذكر المؤلف.

[وقد ذكر عنهم أنهم كانوا أول ما يفطرون على السمن والصبر لئلا تتخرق الأمعاء بالطعام أولا، وقد روي عن ابن الزبير أنه كان يواصل سبعة أيام ويصبح في اليوم السابع أقواهم وأجلدهم، وقال أبو العالية: إنما فرض الله الصيام بالنهار]

يعني: هذا من النوادر، سبعة أيام من الجمعة إلى الجمعة يصوم لا يأكل لا في الليل ولا في النهار، ولا يشرب لا في الليل ولا في النهار؛ يعني: هذا من النوادر.

[وقال أبو العالية: إنما فرض الله الصيام بالنهار فإذا جاء بالليل فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل

وقوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هذا في الرجل يعتكف في المسجد في رمضان أو في غير رمضان، فحرم الله عليه أن ينكح النساء ليلا ونهارا حتى يقضي اعتكافه وقال الضحاك: كان الرجل إذا اعتكف فخرج من المسجد، جامع إن شاء، فقال الله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} أي: لا تقربوهن ما دمتم عاكفين في المسجد ولا في غيره، وكذا قال مجاهد، وقتادة وغير واحد إنهم كانوا يفعلون ذلك حتى نزلت هذه الآية]

الاعتكاف المعتكف ممنوع من النساء، والاعتكاف قطع العلائق عن الخلائق للاشتغال بخدمة الخالق، أو هو لزوم مسجد بنية لطاعة الله تعالى، المعتكف يلزم معتكفه، فلابد أن يكون في المسجد، قال بعض العلماء: لابد أن يكون في مسجد جامع حتى لا يخرج إلى الجمعة، والأقرب أنه يصح الاعتكاف في المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمسة ولو لم يكن جامع، ويخرج للجمعة ويرجع، ولكن كونه في الجامع أولى حتى لا يحتاج الخروج إلى الجمعة، ولا يخرج المعتكف إلا لما لابد منه، يخرج للوضوء، للبول، والغائط والوضوء وللأكل إذا لم يوجد من يأتي له بالأكل فيخرج إذا وجد من يأتي له بالأكل فلا يخرج

وإذا خرج لشيء لابد منه لا يجلس ولا كذا، ولا يزور مريض، ولا يشهد جنازة إلا إذا اشترطها كما قالت عائشة: «من سنة المعتكف ألا يزور مريضا ولا يشهد جنازة إلا أن يشترط»، وهو ممنوع من الجماع: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}.

هل يلزم بالذهاب إلى أقرب مسجد جامع أو إلى أي مسجد جامع؟

إلى أي مسجد شاء، لكن ما يخرج إلا إلى ما لابد منه

والجمهور على أنه لابد من الصوم، المعتكف لابد أن يصوم، بعض أهل العلم قال لابد أن يصوم والصواب أنه لا يشترط الصوم ولهذا قال الجمهور: أقل الاعتكاف يوم يصوم فيه، والصواب: أنه لا يشترط لما ثبت في الحديث الصحيح أن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله: «إني نذرت أن أعتكف ليلة في الجاهلية في المسجد الحرام، فقال النبي r: أوف بنذرك» والليل ما فيه صوم، دل على أنه لا يشترط الصوم.

[قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن مسعود، ومحمد بن كعب، ومجاهد، وعطاء، والحسن، وقتادة، والضحاك والسدي، والربيع بن أنس، ومقاتل، قالوا: لا يقربها وهو معتكف]

والاعتكاف ليس خاصا في شهر رمضان بل في أي وقت، لكن الاعتكاف في رمضان أفضل، وفي العشر الأواخر أفضل.

هو سنة في رمضان وفي غيره، سنة مستحبة.

[قالوا: لا يقربها وهو معتكف وهذا الذي حكاه عن هؤلاء هو الأمر المتفق عليه عند العلماء: أن المعتكف يحرم عليه النساء ما دام معتكفا في مسجده، ولو ذهب إلى منزله لحاجة لا بد له منها فلا يحل له أن يتلبث فيه إلا بمقدار ما يفرغ من حاجته تلك، من قضاء الغائط، أو الأكل، وليس له أن يقبل امرأته، ولا يضمها إليه، ولا يشتغل بشيء سوى اعتكافه، ولا يعود المريض، لكن يسأل عنه وهو مار في طريقه]

لأن الرسول r كان وهو معتكف إذا دخل فلا يسأل على شيء إلا وهو في الطريق، وهو ماشي يسأل كيف حال فلان، ما يذهب ويجلس عنده، يسألهم وهو في الطريق لا بأس.

[وللاعتكاف أحكام مفصلة في بابها، منها ما هو مجمع عليه بين العلماء، ومنها ما هو مختلف فيه، وقد ذكرنا قطعة صالحة من ذلك في آخر كتاب الصيام، ولله الحمد والمنة ولهذا كان الفقهاء المصنفون يتبعون كتاب الصيام بكتاب الاعتكاف، اقتداء بالقرآن العظيم، فإنه نبه على ذكر الاعتكاف بعد ذكر الصوم، وفي ذكره تعالى الاعتكاف بعد الصيام إرشاد وتنبيه على الاعتكاف في الصيام، أو في آخر شهر الصيام، كما ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان، حتى توفاه الله، عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده، أخرجاه من حديث عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها وفي الصحيحين أن صفية بنت حيي كانت تزور النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لترجع إلى منزلها وكان ذلك ليلا، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ليمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا وفي رواية: تواريا أي حياء من النبي صلى الله عليه وسلم لكون أهله معه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي» أي: لا تسرعا، واعلما أنها صفية بنت حيي، أي: زوجتي، فقالا سبحان الله يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا، أو قال: شرا»]

هذا وهو رسول الله، فغيره من باب أولى، إذا خشي أن يظن أحد هكذا فيخبر يقول: هؤلاء أهلي معي، وهكذا.

[قال الشافعي، رحمه الله: أراد، عليه السلام، أن يعلم أمته التبري من التهمة في محلها، لئلا يقعا في محذور]

صحيح، الإنسان يبرئ نفسه من التهمة حتى لا يقذف الشيطان في قلبه شيئا ولا يكون هناك خواطر رديئة فيخبر يقول: هؤلاء أهلي، وكذا.

[وهما كانا أتقى لله أن يظنا بالنبي صلى الله عليه وسلم شيئا والله أعلم]

الصحابيان الأنصاريان اللذين مرا به رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما

[ثم المراد بالمباشرة: إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل، ومعانقة ونحو ذلك، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به؛ فقد ثبت في الصحيحين، عن عائشة، رضي الله عنها، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، قالت عائشة: ولقد كان المريض يكون في البيت فما أسأل عنه إلا وأنا مارة.

وقوله: {تلك حدود الله} أي: هذا الذي بيناه، وفرضناه، وحددناه من الصيام، وأحكامه، وما أبحنا فيه وما حرمنا، وذكر غاياته ورخصه وعزائمه، حدود الله، أي: شرعها الله وبينها بنفسه {فلا تقربوها} أي: لا تجاوزوها، وتعتدوها وكان الضحاك ومقاتل يقولان في قوله تعالى: {تلك حدود الله} أي: المباشرة في الاعتكاف وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني هذه الحدود الأربعة، ويقرأ {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} حتى بلغ: {ثم أتموا الصيام إلى الليل} قال: وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا {كذلك يبين الله آياته للناس} أي: كما بين الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله، كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم]

وحدود الله نوعان:

النوع الأول: حدود المعاصي والمنهيات والمخالفات، فهذه لا يقربها الإنسان ويبتعد عنها، كما قال تعالى: {تلك حدود الله فلا تقربوها} [البقرة:187] ينهى عن قربانها من المعاصي، والمنهيات.

النوع الثاني: حدود الله الأوامر، والواجبات، هذه ينهى عن تعديها ومجاوزتها كما قال الله تعالى: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} [البقرة:229] بعد أن ذكر أحكام النكاح والخلع والطلاق قال: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} [البقرة:229] فلا تتجاوزوها فحدود الله الأوامر والواجبات لا تعتدوها ولا تتجاوزوها وأما المنهيات والمحرمات فلا تقربوها ينهى عن قربانها.

[{للناس لعلهم يتقون} أي: يعرفون كيف يهتدون، وكيف يطيعون كما قال تعالى: {هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم} [الحديد: 9]

{لعلهم يتقون} لعل ليست للترجي وإنما هي للتعليل؛ لأن الله تعالى لا يخاف أحدا ولا يرجو أحدا، المعنى: لكي تتقوا، لتتقوه فتحذروا بطش الله {يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون} لعل للتعليل؛ يعني: لتتقوا الله U فتخافوه وترجوه سبحانه وتعالى وتحذروا محارمه وتؤدوا فرائضه ليست للترجي وإنما هي للتعليل لأن الله تعالى لا يخاف أحدا ولا يرجو أحدا وإنما هي للتعليل {لعلهم يتقون} لتتقوا لكي تتقوا

[{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} [البقر:188] قال علي بن أبي طلحة، وعن ابن عباس هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل حرام

وكذا روي عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنهم قالوا: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم]

زيد بن أسلم ضعيف في الرواية وإن كان إمام في التفسير، ومثله الواقدي هذا مؤرخ قوي في التاريخ وضعيف في رواية الحديث.

[وقد ورد في الصحيحين عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من نار، فليحملها، أو ليذرها» فدلت هذه الآية الكريمة وهذا الحديث على أن حكم الحاكم لا يغير الشيء في نفس الأمر، فلا يحل في نفس الأمر حراما هو حرام ولا يحرم حلالا هو حلال وإنما هو ملزم في الظاهر]

يعني: يقطع الخصومة، حكم الحاكم يقطع الخصومة في الدنيا وتنتهي لكن المبطل إذا كان ملبس ولبس على الحاكم الشرعي وأتى ببينات زور فالإثم عليه، والحاكم بريء والخصومة لم تنته بل هناك خصومة بين يدي الله U يوم القيامة، قال الله تعالى: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون}[الزمر:31] هناك خصومة يوم القيامة وينتصف للمظلوم من الظالم فليحذر المبطل يستغل ضعف حجة الخصم، أو ضياع بينته أو موتها، ماتت البينة والشهود أو ضاعت أو أن الخصم ضعيف الحجة عليه أن يتقي الله ويحذر وأن حكم الحاكم لا يحل له الحاكم إنما يحكم حسب البينة ولو كان رسول الله كما في الحديث قال «فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من نار، فليحملها، أو ليذرها» ليتركها.

الحاكم إنما يحكم على حسب البينات، فإذا زور المزور فالإثم عليه، وسوف يقف بين يدي الله U مع خصمه يوم القيامة.

[وإنما هو ملزم في الظاهر فإن طابق في نفس الأمر فذاك وإلا فللحاكم أجره وعلى المحتال وزره ولهذا قال تعالى{ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا} أي طائفة {من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون}أي تعلمون بطلان ما تدعونه وترجونه في كلامهم قال قتادة اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ولا يحق لك باطلا وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود والقاضي بشر يخطئ ويصيب واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا]

(قال أبو حنيفة: حكم الحاكم بطلاق الزوجة إذا شهد عنده شاهدا زور في نفس الأمر، ولكنهما عدلان عنده يحلها للأزواج حتى للشاهدين ويحرمها على زوجها الذي حكم بطلاقها منه، وقالوا: هذا كلعان المرأة، إنه يبينها من زوجها ويحرمها عليه، وإن كانت كاذبة في نفس الأمر، ولو علم الحاكم بكذبها لحدها ولما حرمها وهذا أولى)

وهذا قول ضعيف، إذا وجد شاهدا زور وحكم الحاكم بطلاقها فإنها تحل في نفس الأمر حتى للشاهدين وهما كاذبان، وهذا قول باطل وهو ضعيف يخالف الجمهور، الصواب: أنها لا تحل لهما إذا كانوا كذبة

(مسألة: قال القرطبي: أجمع أهل السنة على أن من أكل مالا حراما ولو ما يصدق عليه اسم المال أنه يفسق، وقال بشر بن المعتمر في طائفة من المعتزلة لا يفسق إلا بأكل مائتي درهم فما زاد، ولا يفسق بما دون ذلك، وقال الجبائي: يفسق بأكل درهم فما فوقه إلا بما دونه)

[{يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون} [البقرة:189]

قال العوفي عن ابن عباس: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} يعلمون بها حل دينهم، وعدة نسائهم، ووقت حجهم]

يعني: يعلم بها حل الدين إذا كان الدين مؤجل إلى شهر أو شهرين أو ثلاثة يعرف هذا بالأهلة، إلى سنة أو إلى سنتين يعرف بالأهلة، دخول رمضان وخروجه والصيام ووقت الحج كل هذا من الحكم في الأهلة {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} وعدة النساء، عدة المرأة بأي شهر، عدة الحمل، الديون، كلها تعرف بالأهلة: {يسألونك عن الأهلة} كيف نعرف مضي الشهر، إذا كان بينك وبين شخص دين إلى سنة، السنة تعرف بمضي الأشهر، اثني عشر شهرا وهكذا، والشهر يعرف بالأهلة هذا من الحكم {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} ميقات، مواقيت ومواعيد محددة في الديون، والآجال وعدد النساء، وفي دخول شهر رمضان وخروجه، زمان الحج.

[وقال أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: بلغنا أنهم قالوا: يا رسول الله، لم خلقت الأهلة؟ فأنزل الله {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس} يقول جعلها الله مواقيت لصوم المسلمين وإفطارهم وعدة نسائهم، ومحل دينهم وكذا روي عن عطاء، والضحاك، وقتادة، والسدي، والربيع بن أنس، نحو ذلك وقال عبد الرزاق، عن عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما» ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث ابن أبي رواد، به، وقال: كان ثقة عابدا مجتهدا شريف النسب، فهو صحيح الإسناد، ولم يخرجاه

وقال محمد بن جابر، عن قيس بن طلق؛ عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جعل الله الأهلة، فإذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»، وكذا روي من حديث أبي هريرة، ومن كلام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.

وقوله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها} قال البخاري حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره، فأنزل الله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها} وكذا رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كانت الأنصار إذا قدموا من سفر لم يدخل الرجل من قبل بابه، فنزلت هذه الآية وقال الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر: كانت قريش تدعى الحمس(يعني لتحمسهم في دينهم وتشددهم) وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام]

إذا أحرم يدخلون من الأبواب، أما غيرهم يتسلق من على الجدار.

[وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكانت الأنصار وسائر العرب لا يدخلون من باب في الإحرام]

إذا أحرم في الحج وأراد يدخل البيت يتسلق من على الجدار إلا الحمس قريش يفتح الباب ويدخل أما غيرهم لا، هذا من تشددهم، ومن جهلهم، غير القرشي غير الأحمس ما يدخل إذا أحرم، إذا أراد يدخل البيت يتسلق على الجدار ما يدخل من الباب حتى لا يضلله شيء.

[فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بستان إذ خرج من بابه، وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري، فقالوا: يا رسول الله، إن قطبة ابن عامر رجل فاجر وإنه خرج معك من الباب، فقال له: «ما حملك على ما صنعت»]

لأن الرسول أحمسي من قريش خرج من الباب وهذا ليس من الحمس ومع ذلك دخل من الباب وغير الأحمس يتسلق ما يدخل وهذا فعل مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الباب

يعني التاجر ما له وجه الكلام ليس عن التجارة لكن رجل فاجر يعني: خالف ما عليه الناس.

[قال: «رأيتك فعلته ففعلت كما فعلت، فقال: إني أحمس، قال له: فإن ديني دينك»]

قال: أنا من الحمس وأنت لست من الحمس، والحمس يدخلون مع الباب وغير الحمس لا يدخلون.

[فأنزل الله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها} رواه ابن أبي حاتم، ورواه العوفي عن ابن عباس بنحوه. وكذا روي عن مجاهد، والزهري، وقتادة، وإبراهيم النخعي، والسدي، والربيع بن أنس وقال الحسن البصري: كان أقوام من أهل الجاهلية إذا أراد أحدهم سفرا وخرج من بيته يريد سفره الذي خرج له، ثم بدا له بعد خروجه أن يقيم ويدع سفره، لم يدخل البيت من بابه، ولكن يتسوره من قبل ظهره فقال الله تعالى {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}

وقال محمد بن كعب: كان الرجل إذا اعتكف لم يدخل منزله من باب البيت، فأنزل الله هذه الآية.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد