شعار الموقع

سورة البقرة - 35

00:00
00:00
تحميل
4

وقال عطاء بن أبي رباح: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها ويرون أن ذلك أدنى إلى البر، فقال الله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}.

وقال عطاء بن أبي رباح: كان أهل يثرب إذا رجعوا من عيدهم دخلوا منازلهم من ظهورها ولا يرون أن ذلك أدنى إلى البر، فقال الله تعالى: {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها}.

وقوله: {واتقوا الله لعلكم تفلحون} أي: اتقوا الله فافعلوا ما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه {لعلكم تفلحون} غدا إذا وقفتم بين يديه، فيجازيكم على التمام، والكمال]

لعل هنا للتعليل، {واتقوا الله لعلكم تفلحون} أي: لكي تفلحوا، لأجل الفلاح، وهذه الآيات الكريمة فيها بيان أنها سبب النزول وأن الناس كانوا غير الحمس إذا أحرم أحدهم تسلق الجدار فأنزل الله هذه الآية، وبين الله {وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى} البر فعل التقوى، وليس من البر كون الإنسان يتسلق الجدار وفي هذه الآية بيان الاعتماد على الأهلة: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} وأن الاعتماد في دخول الشهر وخروجه في الصيام وفي الحج إنما هو على الأهلة، ولقوله r: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد»، وفي لفظ: «فعدوا الشهر ثلاثين» وهذا هو الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف وأن العبرة بالأهلة، بدخول الشهر وخروجه، لا على الحساب، ولكن إذا استعين بالمراصد في معرفة الهلال فلا بأس، فالعمدة على الهلال لكن يستعان بالمراصد تقرب الهلال وروي عن بعضهم الاعتماد على الحساب وهو قول اختاره بعضهم منهم مطرف بن الشخير من التابعين، وسريج وجماعة، ثم نشط هذا القول في العصور المتأخرة نشره بعضهم أنه يعتمد على الحساب، وهو قول ضعيف لا وجه له ومصادم للأدلة، كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وذكر الإجماع على الاعتماد على الأهلة وأنه لا يعتمد على الحساب في دخول الشهر وخروجه، وفي الصيام والحج، والقول: بأنه يعتمد على الحساب؛ قول ضعيف لا وجه له مصادم للأدلة، ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية الكريمة {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}.

الأهلة، فلا يعتمد على الحساب فإن أهل الكتاب من اليهود والنصارى هم الذين يعتمدون على الحساب على الشمس، وإنما المسلمون يعتمدون على الأهلة والنصوص دلت على هذا؛ كما في هذه الآية الكريمة، وكما في الأحاديث الصحيحة.

كم هو أقل الاعتكاف؟

الجمهور يرون أن أقل الاعتكاف يوم؛ لأنهم يرون الاعتكاف لابد فيه من صوم، والصوم أقل شيء فيه يكون يوم، وذهب بعض العلماء إلى أنه لا حد لأقله، واختار هذا النووي وجماعة أن الاعتكاف أقله ولو ساعة، واختاره سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، يقول: إذا دخل المسجد ونوى ساعة أو ساعتين فإنه يكتب له الاعتكاف.

لابد بالعين المجردة والمراصيد يستعان بها.

كيف نرد على من قال: إن التقويم أو التاريخ الميلادي أضبط من التاريخ الهجري؟

ما وجه الضبط، الضبط في أي شيء؟ ما يتغير

لا، يتغير، فعندهم السنة الكبيسة، والسنة كذا وتتغير الأشهر ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين وواحد وثلاثين، كيف ثابت، ولو فرضنا أنه ثابت فليست العبرة بالثبوت إنما العبرة بالنصوص، والأشهر ثابتة أيضا حيث تراها بعينك والحمد لله، ترى الهلال بعينك فإن لم تره فأكمل الشهر، ما فيه ثبوت هذا؟ المهم النصوص ما تعارض بمثل هذا الكلام، النصوص ما تعارض بالرأي الفاسد جاءت النصوص بالاعتماد على الأهلة فلا نعارض هذا النصوص ونقول هذا ثابت لأن هذا هو القياس الفاسد معارضة النصوص بالعقل والرأي المجرد، هذا رأي فاسد هذه قاعدة ولما عارض إبليس النص من الله U اسجدوا لآدم برأيه الفاسد طرده الله ولعنه، قال العلماء: إن القياس الفاسد هو القياس في مقابلة النص لا ينبغي للإنسان أن يقابل النص بهذا الكلام، ويقول هذه ثابتة ويعارض بها النصوص المسلم يقول سمعنا وأطعنا سمعا لله وطاعة: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج}.

«صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدد» سمعا لله وطاعة لله ولرسوله: {إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون} [النور:51] ولا تعارض النصوص بالآراء ولا بالعقول.

ما حكم الزواج عن طريق البريد الإلكتروني وهل يقبل ويعتبر لفظي والإيجاب والقبول عبر البريد الإلكتروني؟

ما يصلح وينبغي أن يحتاط.

متى يدخل معتكفه عند غروب الشمس أو بعد صلاة الفجر؟

عند العلماء بعد صلاة الفجر، وإن دخل قبل الغروب يكون أولى، لكن العلماء نصوا على أنه بعد الفجر.

أذكركم بإخوانكم في الشيشان وأفغانستان وفلسطين فإنهم هذه الأيام يخوضون حربا ضروسا فلا تنسوهم من صالح دعائكم وتذكير الإخوان الآخرين بالدعاء لهم بالنصر وفقكم الله؟

نسأل الله أن ينصر المجاهدين ويؤيدهم ويجبر كسرهم ويرحم ضعفهم، نسأل الله أن يخذل الكفرة والمنافقين واليهود، نسأل الله أن ينصر إخواننا المسلمين في كل مكان.

[{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} [البقرة:190-193]

قال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فلما نزلت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل من قاتله، ويكف عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة.

وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حتى قال هذه منسوخة بقوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وفي هذا نظر؛ لأن قوله: {الذين يقاتلونكم} إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله، أي: كما يقاتلونكم فقاتلوهم أنتم، كما قال: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة} [التوبة: 36]؛ ولهذا قال في هذه الآية: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم} أي: لتكن همتكم منبعثة على قتالهم، كما أن همتهم منبعثة على قتالكم، وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها، قصاصا.

وقوله: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} أي: قاتلوا في سبيل الله ولا تعتدوا في ذلك ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي كما قاله الحسن البصري من المثلة، والغلول، وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة كما قال ذلك ابن عباس، وعمر بن عبد العزيز، ومقاتل بن حيان، وغيرهم ولهذا جاء في صحيح مسلم عن بريدة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول «اغزوا في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع» رواه الإمام أحمد]

فهذه الآية وهي قول الله U {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} أول الآيات نزلت في الجهاد في المدينة لما هاجر النبي r إلى المدينة، وكان قبل ذلك مأمورا بالصفح والعفو، والصبر، لما كان في مكة لأنهم ضعفاء، فلما هاجر r إلى المدينة أذن له في قتال من قاتل للدفاع، ثم بعد ذلك أوجب الله قتال المشركين بدءا وهجوما.

  • فالجهاد على أطوار ثلاثة:

الطور الأول: لما كان النبي r في مكة كان مأمورا بالصفح والعفو والصبر: {فاعف عنهم واصفح} [المائدة:13] {واصبروا إن الله مع الصابرين} [الأنفال:46] فالنبي r كان مأمورا بالصفح والعفو والصبر لأنهم ضعفاء {فاصفح عنهم وقل سلام} [الزخرف:89].

الطور الثاني: ثم بعد ذلك لما هاجر r إلى المدينة وصار للمسلمين كيان وجماعة مستقلة ودولة رخص له في القتال، في قتال من قاتل للدفاع فنزل قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير} [الحج:39]، ونزلت هذه الآية: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}

الطور الثالث: ثم بعد ذلك شرع الله القتال بدءا وهجوما ودفاعا، لما نزلت آية السيف في براءة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} [التوبة:5]، وقال سبحانه وتعالى: {وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين} [التوبة:36].

هذا هو الصواب أن الجهاد على هذه الأطوار الثلاثة، بعض الناس يقول: إن الجهاد ما شرع هجوما ولا بدءا وإنما شرع للدفاع فقط كما يقول بعض الكتاب وبعض المعاصرين في كتاباتهم يقولون: إن الإسلام ما يريد الدماء ولا يريد التشفي، وإنما الجهاد شرع للدفاع فقط، ويظنون أن في القول بأن الجهاد مشروع بدءا وهجوما أن هذا فيه غضاضة على الإسلام ونقص، فلهذا قالوا: إن الجهاد مشروع للدفاع فقط، من قاتلنا نقاتله لكن لا نجاهد، وهذا غلط كبير، ومن هذا المفهوم سميت بعض الوزارات، وزارة الدول العربية والتي تنتسب إلى الإسلام: وزارة الدفاع فقط، بينما اليهود يسمون وزارتهم وزارة الحرب، ينبغي وزارة الجهاد فهم يقولون: إن الجهاد مشروع للدفاع وهذا غلط، والصواب: أن الجهاد على هذه المراحل.

شرع للدفاع أول ما هاجر النبي r إلى المدينة كما في هذه الآية، ثم بعد ذلك شرع القتال بدءا وهجوما؛ لأن الجهاد فيه مصلحة عظيمة للمشركين وللكفار، فيه إعلاء لكلمة الله، وفيه نشر لدين الإسلام، وفيه أيضا إزالة الضعف والذل عن المسلمين لأن المسلمين إذا لم يغزو غزوا، إذا لم يغزو المشركين غزاهم المشركون.

أيضا فيه مصلحة للمشركين؛ لأن الجهاد سبب في دخولهم في الإسلام، فهم إما أن يدخلوا في الإسلام، وإما أن يقتلوا فيستريحوا من الاستمرار على الكفر حتى لا يزيد عذابهم، فالجهاد خير لهم، خير ورحمة، خير للمشركين أنفسهم، ولليهود وللنصارى، لكن لليهود والنصارى يخيرون كما سيأتي بين الإسلام أو الجزية أو القتال، فهو خير لهم، وجاء في الحديث: «عجب ربنا من قوم يقادون للجنة بالسلاسل» وهو خير لهم، لأن بالجهاد يدخل عدد كبير من الكفار ومن لم يدخل فقتله فيه راحة له حتى لا يزيد عذابه باستمراره على الكفر، «وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا» ولهذا جاء في الحديث: «إذا رضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم» وقوله سبحانه: {ولا تعتدوا} يعني: لا تتجاوزوا الحد بقتل النساء والصبيان والرهبان والشيوخ ومن لا رأي له في الجهاد، وكذلك الغلول، والمثلة؛ التمثيل، أما إذا كان هؤلاء لهم رأي في القتال، إذا شارك النساء أو الصبيان فهم يقتلون معهم، أو كان لهم رأي كالشيخ الهرم الفاني إذا كان له رأي يدبر الحروب فهذا يقتل كما أمر النبي r بقتل دريد بن الصمة، وكان شيخا كبيرا يحمل على الهودج لكن له رأي، له رأي في القتال، يدبر، له تأثير، فهذا يقتل وهذه الآية كغيرها من الآيات التي فيها الأمر بقتال من قاتل كما في آية النساء {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا}[النساء:90] هي مثل هذه الآية {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}

وفيها: إن الله تعالى لا يحب العدوان، وأن الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان كما في الآية الأخرى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} [النحل:90] فالله تعالى لا يحب العدوان والظلم، ومن العدوان والظلم قتل النساء والأطفال والشيوخ الهرمين الذين ليس لهم رأي في القتال ولا تأثير، وقتل الرهبان في الصوامع، والمثلة.

وفيه إثبات المحبة لله U كما يليق بجلاله وعظمته خلافا للأشاعرة والمعتزلة والجهمية الذين أنكروا المحبة.

[وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا بسم الله، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله»]

وفي قوله: «قاتلوا من كفر بالله» بيان للعلة في قتالهم وهي الكفر، العلة في قتالهم هو الكفر، وهذا فيه الرد على بعض هؤلاء الذين يقولون: إن الجهاد ما شرع هجوما وإنما شرع للدفاع، العلة هي الكفر، هي كفرهم، ويدل على ذلك الآية التي بعدها {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [البقرة:193] وهي الشرك القتال من أجل إزالة الشرك، {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} [البقرة:193] «قاتلوا من كفر بالله» هذه علة في قتالهم، فالعلة في قتالهم كفرهم بالله، فقاتلوهم حتى يزول الكفر

«ولا أصحاب الصوامع» هذه ليست في مسلم.

[وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: «اخرجوا بسم الله، قاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، لا تعتدوا ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع» رواه الإمام أحمد. ولأبي داود، عن أنس مرفوعا نحوه، وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: وجدت امرأة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان.

وقال الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام، حدثنا الأجلح، عن قيس بن أبي مسلم، عن ربعي ابن حراش، قال: سمعت حذيفة يقول: ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمثالا واحدا، وثلاثة، وخمسة، وسبعة، وتسعة، وأحد عشر، فضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها مثلا وترك سائرها، قال: «إن قوما كانوا أهل ضعف ومسكنة، قاتلهم أهل تجبر وعداوة، فأظهر الله أهل الضعف عليهم، فعمدوا إلى عدوهم فاستعملوهم وسلطوهم فأسخطوا الله عليهم إلى يوم القيامة»]

يعني: عمدوا إلى هؤلاء الضعفاء لما قتلوا هؤلاء الجبابرة، فعمدوا إليهم وسلطوهم عليهم وولوهم عليهم فأسخطوا الله عليهم، استعملوهم وسلطوهم وولوهم عليهم.

[هذا حديث حسن الإسناد. ومعناه: أن هؤلاء الضعفاء لما قدروا على الأقوياء، فاعتدوا عليهم واستعملوهم فيما لا يليق بهم، أسخطوا الله عليهم بسبب هذا الاعتداء، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتل الرجال، نبه تعالى على أن ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأطم من القتل؛ ولهذا قال: {والفتنة أشد من القتل} قال أبو مالك: أي: ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل وقال أبو العالية، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والحسن، وقتادة، والضحاك، والربيع بن أنس في قوله: {والفتنة أشد من القتل} يقول: الشرك أشد من القتل]

لا شك أنه أشد؛ لأن أظلم الظلم الشرك، أظلم الظلم على الإطلاق هو الشرك بالله، ومن أظلم ممن صرف العبادة التي هي محض حق الله إلى مخلوق ناقص ضعيف؟ هذا أعظم الظلم، الظلم وضع الشيء في غير موضعه، هذا هو الظلم الأكبر والذنب الذي لا يغفر، ولهذا قال الله تعالى عن لقمان أنه قال لابنه: {إن الشرك لظلم عظيم} [لقمان:13] فالمشرك وضع العبادة في غير موضعها، صرف محضا حقيقيا محضا لله إلى مخلوق ضعيف ناقص لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، وهو الظلم الأكبر، ثم يليه ظلم العباد بعضهم لبعض، ولهذا لما أنكر المشركون على المسلمين قتالهم في الشهر الحرام حينما حصل سرية عبد الله بن جحش وقتلوا في اليوم الذي يشك فيه أنه أول يوم من رجب أو آخر يوم من جمادى وأنكر المشركون على المسلمين وعيروهم بالقتال في الشهر الحرام، أنزل الله مبينا أن ما هم مقيمون عليه من الشرك أعظم وأشد من القتال في الشهر الحرام، فقال سبحانه وتعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} صحيح كبير، {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل} الشرك [البقرة:217] أنتم تعيرون المسلمين بأنهم قتلوا في الشهر الحرام، لكن أنتم مقيمون على عظائم أشد من القتل في الشهر الحرام، {وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة} التي هي الشرك، فتنة المسلمين عن دينهم، وإجبارهم وإكراههم على الكفر أعظم وأعظم {أكبر من القتل}

[وقوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} كما جاء في الصحيحين: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، ولم يحل لي إلا ساعة من نهار، وإنها ساعتي هذه، حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه، فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم».

يعني بذلك صلوات الله وسلامه عليه قتاله أهلها يوم فتح مكة، فإنه فتحها عنوة، وقتلت رجال منهم عند الخندمة، وقيل: صلحا؛ لقوله: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن»]

وهذا قول ضعيف، القول بأنه صلحا قول ضعيف وهو اختيار الإمام الشافعي، والصواب: أن مكة فتحت عنوة، فتحت عنوة، فتحها رسول الله عنوة، غزاهم النبي r لأنهم نقضوا العهد، النبي r صالحهم في يوم الحديبية عشر سنين ثم نقضوا العهد بممالأتهم بمساعدتهم على حلفاء النبي r فاعتبر النبي r هذا نقضا للعهد فغزاهم وفتحها عنوة، والخندمة مكان ولما تجمع بعض الأوباش من الكفار أرسل النبي إليهم خالد وقال: احصدوهم حصدا حتى توافوني على الصفا وبشت قريش أوباش عند الصفا يريدون القتال لكنهم لم تقم لهم قائمة حصدوا حصدا فهي فتحت عنوة ليست صلحا، وأما قول النبي r: «من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن» هذا من باب الإحسان بهم والرحمة بهم؛ يعني: أنهم استسلموا، من دخل داره آمن من القتل، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، هذا هو الصواب التي تدل عليه النصوص والذي عليه الجماهير، أما القول بأنها فتحت صلحا هذا قول ضعيف جدا.

في القاموس: الخندمة؛ جبل بمكة.

[وقوله: {حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين} يقول تعالى: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدءوكم بالقتال فيه، فلكم حينئذ قتالهم وقتلهم دفعا للصائل كما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يوم الحديبية تحت الشجرة على القتال، لما تألبت عليه بطون قريش ومن والاهم من أحياء ثقيف والأحابيش عامئذ، ثم كف الله القتال بينهم فقال: {وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم} [الفتح: 24] وقال: {ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما}[الفتح: 25] وقوله: {فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم} أي: فإن تركوا القتال في الحرم، وأنابوا إلى الإسلام والتوبة، فإن الله يغفر ذنوبهم، ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في حرم الله، فإنه تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب منه إليه ثم أمر تعالى بقتال الكفار: {حتى لا تكون فتنة} أي: شرك. قاله ابن عباس، وأبو العالية، ومجاهد، والحسن، وقتادة، والربيع، ومقاتل بن حيان، والسدي، وزيد بن أسلم {ويكون الدين لله} أي: يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان، كما ثبت في الصحيحين: عن أبي موسى الأشعري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» وفي الصحيحين: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»]

وأما قوله تعالى: {لا إكراه في الدين} [البقرة:256] فهذه أجيب عنها بجوابين:

الجواب الأول: أن هذا قبل شرعية الجهاد، قبل أن يشرع الجهاد فلا إكراه في الدين.

الجواب الثاني: أنها في أهل الكتاب خاصة؛ اليهود والنصارى لا يكرهون على الدين والإسلام وإنما يخيرون بين الإسلام وبين دفع الجزية، يخيرون بين الأمرين، فإن أبوا الإسلام وأبوا الجزية يقاتلون، وألحقت بهم السنة المجوس لقول النبي r: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب».

وقوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة:29] هذه الآية مخصصة لعموم: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} [البقرة:193] مخصصة أيضا لهذه الآية، فإن أهل الكتاب يخصصون من عموم المشركين بأنهم يخيرون بين الإسلام وبين الجزية، هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير، فالجزية خاصة تؤخذ من أهل الكتاب ومن المجوس، وذهب الإمام مالك إلى أن الجزية تؤخذ من الجميع، استدلوا بحديث بريدة: «وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال: الإسلام، الجزية، السيف» قال الإمام مالك: إن قوله: «عدوك من المشركين» عام.

ولكن الصواب «عدوك من المشركين» أنه مخصص مراد به أهل الكتاب كما دلت النصوص الأخرى على أن هذا خاص بأهل الكتاب، أما بقية المشركين غير أهل الكتاب ليس لهم إلا الإسلام أو السيف.

أو الموادعة والمصالحة عند الضعف، هذه الموادعة والمصالحة والمعاهدة عند ضعف المسلمين يصالحون الكفار مدة حتى يتقووا كما صالح النبي r أهل مكة عشر سنين في الحديبية ثم نقضوا العهد بعد سنتين فغزاهم النبي r وفتح مكة، وكما في هذه الأوقات الآن أوقات الضعف في مصالحة.

[وقوله: {فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين} يقول: فإن انتهوا عما هم فيه من الشرك، وقتال المؤمنين، فكفوا عنهم، فإن من قاتلهم بعد ذلك فهو ظالم، ولا عدوان إلا على الظالمين، وهذا معنى قول مجاهد: ألا يقاتل إلا من قاتل. أو يكون تقديره؛ فإن انتهوا فقد تخلصوا من الظلم، وهو الشرك، فلا عدوان عليهم بعد ذلك، والمراد بالعدوان هاهنا المعاقبة والمقاتلة كقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}]

سماه اعتداء من باب المقابلة، مثل قوله تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى:40].

وقوله: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40]، {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126] ولهذا قال عكرمة وقتادة: الظالم: الذي أبى أن يقول: لا إله إلا الله.

وقال البخاري: قوله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله} حدثنا محمد بن بشار، حدثنا عبد الوهاب حدثنا عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير فقالا: إن الناس ضيعوا وأنت ابن عمر وصاحب النبي صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج؟ قال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، قالا ألم يقل الله: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}؟ قال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله وزاد عثمان بن صالح عن ابن وهب قال: أخبرني فلان وحيوة بن شريح، عن بكر بن عمرو المعافري]

المعافري نسبة إلى بلدة في اليمن يخرج منها الثياب المعافرية

[عن بكر بن عمرو المعافري أن بكير بن عبد الله حدثه، عن نافع: أن رجلا أتى ابن عمر فقال له يا أبا عبد الرحمن، ما حملك على أن تحج عاما وتقيم عاما، وتترك الجهاد في سبيل الله، وقد علمت ما رغب الله فيه؟ فقال: يا ابن أخي، بني الإسلام على خمس: الإيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت قال: يا أبا عبد الرحمن، ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} [الحجرات: 9] {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} قال: فعلنا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قليلا فكان الرجل يفتن في دينه إما قتلوه أو عذبوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة، قال: فما قولك في علي وعثمان؟ قال: أما عثمان فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن يعفو عنه، وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه]

(ختنه) يعني: صهره، زوج ابنته، الختن هو الصهر، علي هو ختن النبي r، صهره وزوج ابنته.

(بكر بن عمرو المعافري إمام جامع مصر، المشرف بن عاهال وبكير بن الأشج وعنه حيوة بن شريح ويحي بن أيوب ويزيد بن أبي حبيب وهو أفضل منه له في البخاري فرد حديث مات بعد الأربعين ومئة في خلافة المنصور، قال أحمد بن حنبل: يروى له قال أبو حاتم شيخ)

وهذا كأن هذا الرجل جاء لابن عمر جاء لهم من الخوارج، اعتذر عن عثمان، قال عمر: أما عثمان فقد عفا الله عنه في قوله: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} [آل عمران:155] فالله عفا عنه وأنتم لا تحبون أن يعفو الله عنه، وأما علي فهو ختن رسول الله وهذا بيته كما ترون.

[وأما علي فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه فأشار بيده فقال: هذا بيته حيث ترون.

قوله تعالى: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} [البقرة:194] قال عكرمة، عن ابن عباس، والضحاك، والسدي، وقتادة ومقسم، والربيع بن أنس، وعطاء وغيرهم: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا في سنة ست من الهجرة، وحبسه المشركون عن الدخول والوصول إلى البيت، وصدوه بمن معه من المسلمين في ذي القعدة، وهو شهر حرام، حتى قاضاهم على الدخول من قابل، فدخلها في السنة الآتية، هو ومن كان معه من المسلمين، وأقصه الله منهم، فنزلت في ذلك هذه الآية: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}]

وهذا يسمى عمرة القضاء السابعة، ويسمى عمرة القضية من المقاضاة والمقاصة، وليست من قضاء العمرة، ليست قضاء لعمرة الحديبية كما يظنه بعض من لا بصيرة له، عمرة الحديبية عمرة تامة، ولو كانوا صدوا عنها، أما عمرة القضاء من المقاضاة والمصالحة والمقاصة؛ يعني: صالحهم النبي r وقاضاهم على أنه يعود هذا العام ويقاصهم من العام القادم، يقاضيهم ويقاصهم من العام القادم، ليست عمرة القضاء قضاء لتلك العمرة؛ لا، العمرة هي عمرة مستقلة، عمرة الحديبية عمرة مستقلة، وعمرة القضاء عمرة مستقلة، وإنما المراد منها المقاضاة والمقاصة حيث قاضاهم وقاصهم على أن يعود هذا العام ويقاصهم من العام القادم.

[وقال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثنا ليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في الشهر الحرام إلا أن يغزى فيغزو فإذا حضره أقام حتى ينسلخ هذا إسناد صحيح ولهذا لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخيم بالحديبية أن عثمان قد قتل وكان قد بعثه في رسالة إلى المشركين بايع أصحابه وكانوا ألفا وأربعمائة تحت الشجرة على قتال المشركين فلما بلغه أن عثمان لم يقتل كف عن ذلك وجنح إلى المسالمة والمصالحة فكان ما كان]

يعني: كما كان r لا يقاتل في البلد الحرام إلا إذا قوتل فكذلك لا يقاتل في الشهر الحرام إلا إذا قوتل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} [البقرة:194] قصاص؛ إذا غزونا في الشهر الحرام غزوناهم في الشهر الحرام، وإذا غزونا في البلد الحرام غزوا في البلد الحرام؛ لأنهم هم الذين اعتدوا، هم الذين انتهكوا حرمة الشهر، وهم الذين انتهكوا حرمة البلد، لكن ما يبدءون ما نبدؤهم.

[وكذلك لما فرغ من قتال هوازن يوم حنين وتحصن فلهم بالطائف، عدل إليها فحاصرها]

الفل: المنهزم يعني، المنهزمون تحصنوا بالطائف.

[وكذلك لما فرغ من قتال هوازن يوم حنين وتحصن فلهم بالطائف، عدل إليها فحاصرها ودخل ذو القعدة وهو محاصر لها بالمنجنيق، واستمر عليها إلى كمال أربعين يوما، كما ثبت في الصحيحين عن أنس، فلما كثر القتل في أصحابه انصرف عنها ولم تفتح، ثم كر راجعا إلى مكة واعتمر من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وكانت عمرته هذه في ذي القعدة أيضا عام ثمان، صلوات الله وسلامه عليه]

كل عمره r في ذي القعدة، اعتمر في الحديبية في ذي القعدة، عمرة القضاء في ذي القعدة، عمرة جعرانة أظنها في شوال، والعمرة التي في حجته كذلك في آخر ذو القعدة r، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: هذا مما نستخير الله فيه هل العمرة في الأشهر الحرم أفضل أو في أشهر الحج، أو في رمضان؟ لأن عمر النبي r كلها وقعت في ذو القعدة، لكن النبي r قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» والقول مقدم على الفعل، فكونه r فعل هذا في ذو القعدة فهذا لأسباب.

[وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} أمر بالعدل حتى في المشركين]

كذلك أيضا ابن عمر لما عد عمر النبي r عد عمرة خامسة، قال: وعمرة في رجب، وأنكرت عليه عائشة رضي الله عنها وسكت، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله r إلا وهو معه وما اعتمر في رجب من قبل، قال بعضهم: يحتمل أن النبي r اعتمر في رجب، وتوهيم عائشة لعمر قد يحتمل أن يكون ابن عمر ضبط هذا، لكن عمر النبي r مضبوطة ومعروفة أربعة كما قالت عائشة.

[وقوله {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} أمر بالعدل حتى في المشركين كما قال {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} [النحل: 126] وقال {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى: 40]

وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس إن قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} نزلت بمكة حيث لا شوكة ولا جهاد، ثم نسخ بآية القتال بالمدينة، وقد رد هذا القول ابن جرير، وقال: بل الآية مدنية بعد عمرة القضية، وعزا ذلك إلى مجاهد، رحمه الله]

هذا هو الصواب أنها مدنية ما في نسخ، لا نسخ.

[وقوله: {واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} أمر لهم بطاعة الله وتقواه، وإخبار بأنه تعالى مع الذين اتقوا بالنصر والتأييد في الدنيا والآخرة]

وهذه المعية معية خاصة، {واعلموا أن الله مع المتقين} تقتضي النصر والتأييد، والحفظ والكلاءة.

  • والمعية معيتان:

المعية الأولى: معية عامة للمؤمن والكافر، فالله تعالى مع خلقه جميعا بإحاطته واطلاعه ونفوذ قدرته ومشيئته كما في قوله سبحانه وتعالى: {وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} [الحديد:4]، وكما في قوله سبحانه: {ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم} [المجادلة:7] هذه معية عامة، وقال سبحانه وتعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول} [النساء:108].

المعية الثانية: معية خاصة وهي خاصة بالمؤمنين: {أن الله مع المتقين}، {إن الله مع الصابرين} [الأنفال:46]، وقوله سبحانه: {لا تحزن إن الله معنا} [التوبة:40] معية خاصة، وقوله لموسى وهارون: {إنني معكما أسمع وأرى} [طه:46]، ولما دخل معهم فرعون جاءت المعية العامة: {إنا معكم مستمعون} [الشعراء:15]، ولما انفرد موسى وهارون صارت لهم المعية الخاصة: {إنني معكما أسمع وأرى} [طه:46].

من المقاضاة والمصالحة، قاضاهم وقاصهم وصالحهم على أنه يعود هذا العام ويرجع العام القادم.

[{وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة:195]

قال البخاري: حدثنا إسحاق، أخبرنا النضر، أخبرنا شعبة عن سليمان قال: سمعت أبا وائل، عن حذيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: نزلت في النفقة ورواه ابن أبي حاتم، عن الحسن بن محمد بن الصباح، عن أبي معاوية عن الأعمش به مثله، قال: وروي عن ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة، والسدي، ومقاتل بن حيان، نحو ذلك وقال الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نجيا فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره حتى فشا الإسلام وكثر أهله وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فكانت التهلكة في  الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد. رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وعبد بن حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم، وابن جرير وابن مردويه، والحافظ أبو يعلى في مسنده، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب، به وقال الترمذي: حسن صحيح غريب وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. ولفظ أبي داود عن أسلم أبي عمران: كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى أهل الشام رجل، يريد بن فضالة بن عبيد فخرج من المدينة صف عظيم من الروم، فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على الروم حتى دخل فيهم: ثم خرج إلينا فصاح الناس إليه فقالوا: سبحان الله، ألقى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب: يا أيها الناس، إنكم لتتأولون هذه الآية على غير التأويل، وإنما نزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه، وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا: لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها، فأنزل الله هذه الآية]

ولا شك أن الإقامة في الأموال وإصلاح الأموال والانشغال بتنمية الأموال والمزارع والبساتين وترك الجهاد في سبيل الله هذا هلاك للأمة، إذا تركوا الجهاد في سبيل الله كما في الحديث الآخر "إذا رضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم " لأن هذا فيه انشغال عن الجهاد وإعلاء لكلمة الله، وإزالة للكفر، ولهذا نهى الله المؤمنين عن هذه الإقامة قال: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فالإقامة في الأموال وإصلاحها وإصلاح المزارع تهلك؛ حيث تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عزهم وفلاحهم وفيه نصر للإسلام وإعلاء لكلمة الله.

[وقال أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال رجل للبراء بن عازب: إن حملت على العدو وحدي فقتلوني أكنت ألقيت بيدي إلى التهلكة؟ قال: لا قال الله لرسوله: {فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك} [النساء: 84]، وإنما هذا في النفقة. رواه ابن مردويه وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث إسرائيل، عن أبي إسحاق، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، ورواه الثوري، وقيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن البراء فذكره. وقال بعد قوله: {لا تكلف إلا نفسك} ولكن التهلكة أن يذنب الرجل الذنب، فيلقي بيده إلى التهلكة ولا يتوب.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح كاتب الليث حدثني الليث، حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن نمير بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره: أنهم حاصروا دمشق، فانطلق رجل من أزد شنوءة، فأسرع إلى العدو وحده ليستقبل، فعاب ذلك عليه المسلمون ورفعوا حديثه إلى عمرو بن العاص، فأرسل إليه عمرو فرده وقال عمرو قال الله {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وقال عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله. ولا تلق بيدك إلى التهلكة.

قال حماد بن سلمة، عن داود، عن الشعبي، عن الضحاك بن أبي جبير قال: كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم، فأصابتهم سنة، فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله فنزلت: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وقال الحسن البصري: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: هو البخل.

وقال سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير في قوله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} أن يذنب الرجل الذنب، فيقول: لا يغفر لي، فأنزل الله: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} رواه ابن مردويه.

وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عبيدة السلماني، والحسن، وابن سيرين، وأبي قلابة نحو ذلك؛ يعني: نحو قول النعمان بن بشير: إنها في الرجل يذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له، فيلقي بيده إلى التهلكة، أي: يستكثر من الذنوب فيهلك]

والآية عامة إلا إذا قطع النظر عن سبب النزول فالآية عامة، سبب النزول يدخل دخولا أوليا وهو أن الإلقاء بالتهلكة هو الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الجهاد في سبيل الله، ويشمل أيضا الرجل يذنب الذنب ويستكمل الذنوب ولا يتوب، هذا تهلكة، وكذلك أيضا كون الإنسان يخاطر بنفسه في المهالك، أيضا هذا من الإلقاء بالتهلكة، نظرا لعموم الآية، والعبرة بعموم الآية، ويدخل في سبب النزول دخولا أوليا وهو الإقامة في الأموال وإصلاحها وترك الجهاد في سبيل الله هذا هلاك، والاستكثار من الذنوب وعدم التوبة هذا هلاك كذلك أيضا إلقاء الإنسان بنفسه في أسباب الخطر وفي المخاطر هذا من الإلقاء بيده إلى التهلكة أخذا بعموم الآية.

[ولهذا روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: التهلكة: عذاب الله وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعا: حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، أخبرني أبو صخر، عن القرظي محمد بن كعب: أنه كان يقول في هذه الآية: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قال: كان القوم في سبيل الله، فيتزود الرجل، فكان أفضل زادا من الآخر، أنفق البائس من زاده، حتى لا يبقى من زاده شيء، أحب أن يواسي صاحبه، فأنزل الله: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.

وبه قال ابن وهب أيضا: أخبرني عبد الله بن عياش عن زيد بن أسلم في قول الله: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} وذلك أن رجالا كانوا يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغير نفقة، فإما أن يقطع بهم، وإما كانوا عيالا فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله، ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع العطش أو من المشي. وقال لمن بيده فضل: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} ومضمون الآية: الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء وبذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوهم، والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاك ودمار لمن لزمه واعتاده، ثم عطف بالأمر بالإحسان، وهو أعلى مقامات الطاعة، فقال: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}]

فيه: إثبات المحبة لله U، والرد على من أنكرها من الأشاعرة فهم لا يثبتونها؛ لأنها ليست من الصفات السبع، وكذلك المعتزلة والجهمية.

هذا فيه كلام وبعض من إخواننا المشايخ يرون أن هذا مشروع وبينت أنا هذا في أماكن وبعض الدورات كونه يلغم نفسه ويفجر نفسه ويقتل نفسه ويقتل الآخرين ما أرى أن هذا مشروع لأنه ليس في صف القتال، ولأنه يقتل نفسه وقتل النفس لا يجوز، لما ورد في صحيح البخاري من قصة عامر بن الأكوع أنه لما تبارز مرحب اليهودي فارتد إليه ذباب سيفه فأصاب رجله فمات، فشاع بين الصحابة وقالوا: إنه أبطل جهاده مع رسول الله، فجاء النبي r إلى أخيه سلمة وهو حزين وسأله، فقال: يا رسول الله إنهم يقولون أن عامر بطل جهاده، فقال: كذب من قال ذلك، إنه لجاهد مجاهد، إذا كان هذا أشكل على الصحابة كونه ارتد إليه ذباب بسيفه بدون اختياره ارتد عليه فاشتبه على الصحابة وقالوا: إنه قتل نفسه فكيف بمن يفجر نفسه باختياره، فلا يظهر لي أن هذا مشروع.

شباب يجتمعون في استراحة وبجوارها مسجد يسمعون الأذان فيها فهل لهم أن يصلوا في الاستراحة وعددهم يزيد عن عشرين؟

ما دام المسجد قريب عليهم أن يجيبوا، ما دام يسمعونه وهو قريب منهم، يسمعونه بالصوت العادي يعني فينبغي لهم أن يصلوا مع المسلمين ويجيبون ويتركوا الكسل، هم في استراحة الآن ما عندهم أعمال ولا عندهم شيء، يمشون خطوات تكتب خطواتهم ويكثرون سواد المسلمين في المسجد

[{وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب} [البقرة:196]

لما ذكر تعالى أحكام الصيام وعطف بذكر الجهاد، شرع في بيان المناسك فأمر بإتمام الحج والعمرة وظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما؛ ولهذا قال بعده {فإن أحصرتم} أي: صددتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما. ولهذا اتفق العلماء على أن الشروع في الحج والعمرة ملزم، سواء قيل بوجوب العمرة أو باستحبابها، كما هما قولان للعلماء. وقد ذكرناهما بدلائلهما في كتابنا "الأحكام" مستقصى ولله الحمد والمنة]

هذا هو الصواب أن الدخول في الحج والعمرة واجب، إذا دخل في الحج والعمرة فإنه يجب عليه إتمامهما، فإتمامهما واجب بإجماع العلماء لهذه الآيات الكريمة: {وأتموا الحج والعمرة لله} ولو كانا نفلين، لو كان الحج تطوعا والعمرة تطوعا فإذا أحرم بالحج وأحرم بالعمرة وجب عليه أن يتمهما بإجماع العلماء لهذه الآيات الكريمة: {وأتموا الحج والعمرة لله} بخلاف الصيام والصلاة النفل فإن الأولى أن يتمهما ولكن له أن يخرج منهما، لو صلى ركعتين نفل وقطعهما لا حرج، لكن الأفضل أن يستمر فيهما، وكذلك الصوم لو صام يوما نفل، الاثنين أو الخمس تطوع ليس قضاء من رمضان ولا نذر ولا كفارة فإنه يجوز له الخروج منه لكن الأفضل أن يتمه، وقد يكون الأفضل قطعه كما إذا كان جاءه ضيف وكان يشق عليه أن يبقى صائم فالأفضل أن يفطر في هذه الحالة.

أما الحج والعمرة فإنه إذا أحرم فيهما فإنه يجب عليه أن يتمهما، وليس له أن يخرج منهما ولو كانا نفلين لهذه الآيات الكريمة، أما العمرة هل هي واجبة أو ليست واجبة كما ذكر المؤلف فيها قولان لأهل العلم: من العلماء من قال: إن العمرة واجبة في العمرة مرة كالحج، ومنهم من قال: إنها مستحبة، ومنهم من قال: إنها واجبة على غير أهل مكة، والصواب: أن العمرة واجبة في العمر مرة، ومن أصلح الأدلة على وجوب العمرة حديث عائشة رضي الله عنها: أنها سألت النبي r هل على النساء جهاد؟ قال: «عليهما جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة».

وكذلك أيضا حديث الدارقطني في سؤال جبرائيل للنبي r عن الإسلام فقال: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج وتعتمر، وتغتسل من الجنابة وتتم الوضوء»، قوله: «وتحج وتعتمر» صار فيه وجوب العمرة، هذا هو الصواب أن العمرة واجبة في العمر مرة كالحج.

هذه الآية عامة مخصصة لما ثبت أن النبي r رخص أن الصواب أن يخرج من الصوم، ولأن الله تعالى لم يوجب إلا خمس صلوات في اليوم والليلة، ولم يوجب إلا رمضان، ولو كان يجب على الإنسان صوم النفل لوجب عليه أكثر من صيام رمضان، وكذلك الصلاة.

هذا فيه تفصيل أيضا، الصائم يجيب الدعوة ويدعو وينصرف، فإن كان يشق عليه؛ يشق على صاحب البيت فالأفضل له أن يفطر في هذه الحالة.

[وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال في هذه الآية: {وأتموا الحج والعمرة لله} قال: أن تحرم من دويرة أهلك.

وكذا قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وطاوس. وعن سفيان الثوري أنه قال في هذه الآية: إتمامهما أن تحرم من أهلك، لا تريد إلا الحج والعمرة، وتهل من الميقات ليس أن تخرج لتجارة ولا لحاجة، حتى إذا كنت قريبا من مكة قلت: لو حججت أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكن التمام أن تخرج له، ولا تخرج لغيره وقال مكحول: إتمامهما إنشاؤهما جميعا من الميقات وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: بلغنا أن عمر قال في قول الله: {وأتموا الحج والعمرة لله} قال: من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الآخر]

وهذا منقطع عن عمر، والصواب: أن إتمامهما أن تأتي بهما كما شرع الله، أما إنشائهما من بلدك، كون الإنسان ينشئ الحج والعمرة من بلده هذا هو الأولى والأفضل، لكن إتمامهما معناه: أن يأتي بهما المسلم كما شرع الله، هذا هو إتمام الحج والعمرة سواء كان من بلده أو من غير بلده، لكن كونه من بلده هذا هو الأفضل إن تيسر أما هذا الأثر عن عمر منقطع.

[وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري قال: بلغنا أن عمر قال في قول الله: {وأتموا الحج والعمرة لله} قال: من تمامهما أن تفرد كل واحد منهما من الآخر، وأن تعتمر في غير أشهر الحج؛ إن الله تعالى يقول: {الحج أشهر معلومات}]

وهذا منقطع عن عمر وضعيف، لكن هذا ثابت عن عمر وعن الصديق وعن عثمان أنهم يفتون رضي الله عنهم بإفراد الحج، وأن تكون العمرة في وقت آخر حتى يكثر العمار والزوار، فلا يزال هذا البيت يحج ويعتمر، هذا ثابت عن الخلفاء الثلاثة: الصديق، عمر، عثمان.

وثبت عن علي وأبي موسى وابن عباس وجماعة: أن التمتع هو الأفضل؛ أن يحرم بالعمرة متمتعا بها إلى الحج، وهذا هو الصواب الذي فعله النبي r بالصحابة وألزمهم وحتم عليهم حتى أحلوا كلهم إلا من ساق الهدي؛ لأنه r خيرهم في الميقات بين الأنساك الثلاثة ثم لما قربوا من مكة أمرهم أن يجعلوا إحرامهم عمرة إلا من ساق الهدي، ثم لما طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمرة ألزمهم وحتم عليهم أن يتحللوا فحلوا كلهم إلا من ساق الهدي فإنه لا يتحلل؛ حتى أنه شق عليهم وقالوا: يا رسول الله قد سمينا الحج، قال: «افعلوا ما آمركم به فلولا أني سقت الهدي لأحللت معكم، قالوا: كيف نحل يا رسول الله؟ قال: الحل كل» حل كامل.

فقال أحدهم: «يا رسول الله أيذهب أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا» يعني: أنهم تحللوا وجامعوا النساء؛ لأن هذا ليس معروفا عندهم في الجاهلية، فالنبي r أراد أن يزيل اعتقاد الجاهلية، الجاهلية لا يرون العمرة في أشهر الحج بل يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، وكانوا يقولون: العمرة ما تكون إلا بعد انتهاء أشهر الحج، إذا جاء شهر صفر وعفا الدبر حلت العمرة لمن اعتمر؛ يعني: إن الإبل كانت تأتي من مسافات بعيدة وكان ظهرها يصيبه الدبر والجروح، فإذا برئت من الجروح من الحج ودخل شهر صفر حلت العمرة لمن اعتمر، فالنبي r ألزمهم أن يتحللوا إلا من ساق الهدي.

ولهذا ذهب ابن عباس إلى: أن كل من طاف بالبيت وسعى فإنه حل شاء أم أبى فتجب العمرة، واختار هذا، وهو رواية عن الإمام أحمد أنه يجب على الإنسان أن يتمتع وليس له أن يفرد، واختار هذا أيضا ابن القيم رحمه الله في "زاد المعاد" وقال: أنا إلى قول ابن عباس أميل منه إلى قول شيخنا، شيخ الإسلام يرى أن هذا خاص بالصحابة لإزالة اعتقاد الجاهلية، وابن القيم يميل إلى هذا، واختاره الشيخ محمد بن نصر الدين الألباني من المتأخرين أنه يجب التمتع، والجمهور على أن الإنسان مخير بين: الإفراد، التمتع، القران. وهذا يدل على أن الصديق وعمر وعثمان أفضل الناس بعد الأنبياء، أفضل الصحابة، ومع ذلك أخطئوا في اجتهادهم، هم اجتهدوا وقالوا: إن الرسول r أمر الناس أن يتمتعوا لإزالة اعتقاد الجاهلية الآن زال اعتقاد الجاهلية فالأفضل أن يفرد الناس الحج ويجعلوا العمرة في وقت آخر، هذا يدل على أن الإنسان وإن كان عظيما، وإن كان عالما، وإن كان كبيرا فهو غير معصوم وقد يخطئ في اجتهاده، ولهذا  قال ابن عباس رضي الله عنه لما ناظره بعض الناس مناظرة في المتعة، كان ابن عباس يفتي في المتعة، وأنه يجب على الإنسان أن يتمتع كما أمر النبي r الصحابة أن يتمتعوا.

قال له بعض الناس: أنت يا ابن عباس تفتي بالمتعة وتلزم الناس وأبو بكر وعمر وعثمان يفتيان بالإفراد؟ فاشتد إنكاره عليهم حيث عارضوا السنة بقولهم فقال: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر، كيف تعارضون السنة بقول أبي بكر وعمر، إذا كانوا يعارضون السنة بقول أبي بكر وعمر وهما من هما يخشى عليهم من العقوبة، فكيف بمن عارض السنة بقول فلان وعلان من المتأخرين.

[وقال هشيم عن ابن عون قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة]

والصواب أنها تامة كما سبق بل هي أفضل الأنساك، العمرة في أشهر الحج، والنبي r اعتمر أربع عمر كلها في ذو القعدة، كلها في أشهر الحج، عمرة الحديبية التي صد عنها، وعمرة القضاء، عمرة الحديبية في السنة السادسة، وعمرة القضاء في السنة السابعة في ذو القعدة، وعمرة الجعرانة في ذو القعدة في السنة الثامنة من الهجرة، والعمرة التي مع حجة في حجة الوداع في ذو القعدة، كلها في ذو القعدة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله: هذا مما نستخير الله فيه أيهما أفضل العمرة في أشهر الحج أو في رمضان؟ عمر النبي r كلها وقعت في ذي القعدة، والنبي r قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» والله تعالى لم يكن يختار لنبيه إلا الأفضل، والصواب: أن العمرة في رمضان أفضل لأن النبي r نص على هذا وقال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» والقول مقدم على الفعل والنبي صلى الله عليه وسلم لم يتيسر له أن يعتمر في رمضان

[وقال هشيم عن ابن عون قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: إن العمرة في أشهر الحج ليست بتامة فقيل له: العمرة في المحرم؟ قال: كانوا يرونها تامة. وكذا روي عن قتادة بن دعامة، رحمهما الله، وهذا القول فيه نظر]

فيه نظر بين، هذا القول ليس بصحيح، الصواب: أنها تامة، هو معارض للنصوص، هذا اجتهاده، والاجتهاد يخطئ ويصيب، اجتهاده مخالف للنصوص، النصوص فيها الأمر بالتمتع، ولهذا قرر العلماء أن التمتع أفضل، وقال آخرون: الإفراد أفضل، الصواب: أن التمتع أفضل، قال الإمام أحمد رحمه الله: ليس في قلبي شيء، من التمتع فيه سبعة عشر حديثا عن النبي r.

[وهذا القول فيه نظر؛ لأنه قد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر كلها في ذي القعدة: عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست، وعمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع، وعمرة الجعرانة في ذي القعدة سنة ثمان، وعمرته التي مع حجته أحرم بهما معا في ذي القعدة سنة عشر، وما اعتمر قط في غير ذلك بعد هجرته، ولكن قال لأم هانئ «عمرة في رمضان تعدل حجة معي».

وما ذاك إلا لأنها كانت قد عزمت على الحج معه، عليه الصلاة والسلام]

والصواب أم سنان وليس أم هانئ هذا وهم

[ولكن قال لأم سنان «عمرة في رمضان تعدل حجة معي» وما ذاك إلا لأنها كانت قد عزمت على الحج معه، عليه الصلاة والسلام فاعتاقت عن ذلك بسبب الظهر، كما هو مبسوط في الحديث عند البخاري، ونص سعيد بن جبير على أنه من خصائصها، والله أعلم]

وهذا غلط ليس بصحيح، هو عام ليس من خصائصها، القاعدة: أن الشريعة عامة، إلا بدليل يدل على الخصوص، كما قال النبي r: «حكمي لواحد حكم للجميع» إذا أمر واحدا أو نهى واحدا فهو للجميع، إلا إذا دل الدليل كحديث أبي بردة في الضحية بجزعة من الماعز قال: «تجزيك ولا تجزئ عن أحد بعدك» هذا خصوصية، أما هذه دعوى الخصوص بغير دليل ما يقبل.

وجود الآن الزحمة في رمضان وزحام شديد هل يقال: يستحب للمرأة أن تعتمر في رمضان؟

الأصل أن الشريعة عامة هذا هو الأصل، لكن كل واحد ينظر الوقت المناسب له، ينظر وقت مناسب فرمضان طويل والحمد لله، أوله أو آخره، أوقات لا يكون فيها زحام، ليس بلازم يأتي وقت الزحام، رمضان ثلاثين يوم أو تسعة وعشرين يوم، في الليل وفي النهار في أوقات لا يكون فيها زحام.

الظهر يعني الدابة التي تحملها، لأنها سألها قالت: أبو سنان ذهب بالظهر وليس عندنا شيء، فهو الظهر وليس الطهر اعتاقت بسبب البعير الذي يركبونه ذهب به أبو سنان

[وقال السدي في قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} أي: أقيموا الحج والعمرة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما في قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله}.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {وأتموا الحج والعمرة لله} يقول: من أحرم بحج أو بالعمرة فليس له أن يحل حتى يتمهما، تمام الحج يوم النحر، إذا رمى جمرة العقبة، وطاف بالبيت وبالصفا، والمروة، فقد حل]

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد