شعار الموقع

شرح كتاب أصول العقائد الدينية 2_1

00:00
00:00
تحميل
19

بسم الله الرحمن الرحيم

ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي، ثم المدني.

 أشهد أنه رسول الله حقًّا، وأنه رسول الله إلى الثقلين الجن والإنس، وإلى العرب والعجم، وأشهد أنه خاتم النبيين، وأنه لا نبي بعده، وأشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه من ربه اليقين، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وعلى آله، وعلى أصحابه، وعلى أتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أَمَّا بعد:

فإني أحمد الله إليكم وأثني عليه الخير كله، وأسأله المزيد من فضله، وأسأله سبحانه وتعالى أن يصلح قلوبنا، وأعمالنا، ونياتنا، وذرياتنا، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يرزقنا الإخلاص في العمل، والصدق في القول.

أيها الإخوان، إن تعلم العلم وتعليمه من أفضل القروبات، وأجل الطاعات، فالمسلم يتقرب إلى الله عَزَّ وَجَلَّ بتعلم العلم، وبتعليمه، كما يتقرب إليه بسائر العبادات كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وإن تعلم العلم وتعليمه من أفضل القروبات، وأجل الطاعات.

بمعنى: أنه لو تعارض طلب العلم مع نوافل الصلاة كصلاة الضحى، أو صلاة الليل، فإنه يقدم طلب العلم، ولو تعارض صيام النفل كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام الاثنين والخميس مع طلب العلم؛ قدم طلب العلم، وهكذا نوافل الحج وما ذاك؛ لأن تعلم العلم وتعليمه نفعه متعدي، بخلاف العبادات كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج نوافل العبادات، فإن نفعها قاصر.

والقاعدة التي دلت عليها الشريعة: "أن ما كان نفعه متعدي من العبادات، فإنه مقدم على ما كان نفعه قاصر"؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم:«المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل الخير»، «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز».

قال العلماء: "المؤمن القوي"، ليس المراد قوة البدن فقط، بل المؤمن القوي هو الذي يتعدى نفعه إلى الآخرين، المؤمن القوي بتوجيهه، وإرشاده، بشفاعته، بوعظه للجاهل، بإطعامه للجائع، بتحمله أثقال الناس وغير ذلك؛ هذا هو المؤمن القوي، المؤمن القوي الذي ينفع الناس في ماله، ينفع الناس في جاهه، ينفع الناس في بدنه، ينفع الناس بتوجيهه وإرشاده، ينفع الناس في ماله، ينفع الناس في بدنه، بخلاف المؤمن الضعيف فهو الذي يقتصر نفعه على نفسه، وفي كل خير؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير»؛ كل من المؤمن القوي والضعيف اشتركا في أصل الإيمان، لكن التفاوت العظيم بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف.

ثم إن تعلم العلم وتعليمه به ينقذ الإنسان نفسه من الجهل، وينقذ غيره، فيعبد ربه على بصيرة؛ ولهذا كان طلب العلم وتعلمه له الفضل العظيم، وله الأجر الكبير، فاوت الله تعالى بين أهل العلم وغيرهم قال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:9]،وقال سبحانه:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:11].

والعلم هو وراثة الأنبياء، فالعلماء ورثة الأنبياء، «والأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهم، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر».

وقد أمر الله نبيه أن يسأله الزيادة من العلم فقال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:114]، ولم يأمره أن يسأله الزيادة من الجاه، أو من المال، لم يقل:رب زدني جاهًا أو مالًا، فإنه قال: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.

فينبغي لطالب العلم أن يحمد الله سبحانه وتعالى، وأن يشكره على هذه النعمة التي وفقه لها نعمة الإسلام، ونعمة الإيمان أعظم نعمة، وأكبر نعمة منَّ الله بها على المسلم بعد أن خلقه، وأوجده من العدم.

فإن لله تعالى نعمة تنزيلية على المؤمن خصه بها دون الكافر، كما قال سبحانه: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ*فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}[الحجرات:7-8]، هذه نعمة دينية.

 ثم إذا وجهك الله أيها المسلم إلى طلب العلم وتعلم العلم وتعليمه، فاعلم أن هذه، فاعلم أن الله أراد بك خيرًا، اعلم أن هذا من علامات إرادة الخير لك، وأن الله أراد بك خيرًا، كما ثبت في الصحيحين من حديث معاوية بن أبي سفيان رَضِي اللهُ عَنْهُ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وأنا قاسمٌ والله معطي».

قال العلماء: هذا حديث له منطوق وله مفهوم.

منطوقه: أن من فقهه الله في الدين، فقد أراد به خيرًا.

ومفهومه: أن من لم يفقهه الله في الدين، لم يرد به خيرًا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولكن هناك آداب يتأدب به طالب العلم من هذه الآداب أعظمها: الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، أهمها الإخلاص لله عزَّ وجلَّ، أن تخلص لله في طلبك للعلم، فاطلب العلم لله، لا رياء، ولا سمعة، ولا لأجل الدنيا وحطامها، ولا لتماري به العلماء، ولا لتجاري به السفهاء، بل تتعلم لله؛ حتى تنقذ نفسك من الجهل، وتنقذ غيرك.

قيل للإمام أحمد رحمه الله: ماذا ينوي في طلب العلم؟، قال: "ينوي رفع الجهل عن نفسه، ورفع الجهل عن غيره"؛ لأن الأصل في الإنسان أنه لا يعلم، كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[النحل:78].

فلا بد من الإخلاص؛ لأن طلب العلم عبادة، والعبادة لا بد لها من إخلاص، كل عبادة يتعبد بها الإنسان لربه عزَّ وجلَّ لا بد فيها من أمرين شرطين أساسين لا تصلح إلا بهما.

الشرط الأول: أن تكون هذه العبادة لله، مرادًا بها: وجه الله والدار الآخرة.

الشرط الثاني: أن تكون موافقة للشرع، وصوابًا على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:110]، فالعمل الصالح ما كان موافقًا للشرع، والعمل الذي ليس فيه شرك هو الخالص لله، وقال سبحانه: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}[لقمان:22]، وإسلام الوجه هو إخلاص العمل لله.

ولا بد من جهاد النفس؛ حتى تندفع الخواطر الرديئة، حتى تكون النية خالصة لله عزَّ وجلَّ؛ يعني يجاهد الإنسان نفسه، ويدافع هذه الوساوس الرديئة، كان يرد عليه أنه يتعلم لأجل الدنيا، أو لأجل كذا، أو لأجل وظيفة، أو لأجل المرتبة أو لأجل الشهادة، بل يغالط هذه..، أو لأجل المال، يدافع عن الوساوس؛ حتى يكون قصده وجه الله والدار الآخرة، ويكون ما يأتي من المال، أو غيره مشجع ومعين له لا غاية، الغاية طلب العلم،وما يأتيه مع ذلك يكون وسيلة معينة على طلب العلم، والإنسان إذا يعني دافع هذه الوساوس وجاهد، فهو موعود بالهداية، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}[العنكبوت:69]،وقال سبحانه: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[العنكبوت:6].

فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعًا العلم النافع، والعمل الصالح، ولا يخفى عن حديث أبي هريرة في قصة ذي الثلاثة الذين ساءت نيتهم، فانقلبت الأعمال الصالحة في حقهم عذابًا يعذبون فيها.

 قال أبو هريرة رضي الله عنه، ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "أول ثلاثة يسعر بهم النار يوم القيامة عالم أو قارئ، ومجاهد قتل في المعركة، ومتصدق أنفق أمواله في سبل الخيرات، فأما العالم القارئ فيؤتى به، حتى يوقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ، فيقول الله له: ماذا عملت؟ فيقول: يا رب تعلمت فيك العلم، وقرأت فيك القرآن، ابتغاء وجهك فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، وإنما تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل وليس لك إلا ذلك، ثم يهوي الله به، فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار" نعوذ بالله...

"ويؤتى بالمجاهد الذي قتل في المعركة، فيوقف بين يدي الله، فيقول الل : ماذا عملت؟ فيقول: يا رب قتلت في سبيلك لإعلاء كلمتك، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، وإنما فعلت ذلك ليقال شجاع، ويقال جرئ، فقد قيل، وليس لك إلا ذلك، ثم يهوي الله به، فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار".

"ويؤتى بالمتصدق الذي أنفق أمواله في سبل الخيرات، فيوقف بين يدي الله، فيقول الله له: ماذا عملت؟ فيقول: يا رب ما أنفقتك من سبيلك تحب أن أنفق فيها إلا أنفقت بها ابتغاء وجهك، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، وإنما فعلت ذلك ليقال كريم، ويقال جواد، فقد قيل وليس لك إلا ذلك، ثم يهوي الله به، فيسحب على وجهه، حتى يلقى في النار".

قال أبو هريرة رضي الله عنه: هؤلاء الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة، هؤلاء الثلاثة ما الذي جعل أعمالهم انقلبت وبالًا عليهم؟ كون كل واحد منهم قصد غير وجه الله، قصد الرياء والسمعة، فالعالم أو القارئ هذا، صِدِّيق، لو كانت نيته خالصة لكان من الصدقين، وكان يلي مرتبة الأنبياء.

والمجاهد لو كان جاهده لله؛ لكن في المرتبة الثالثة، يلي مرتبة الصدقين وهم الشهداء، والمتصدق لو كان عمله لله؛ لكان في المرتبة الرابعة؛ لكان صالحًا من الصالحين، فإن الناس أربع طبقات:

فالأنبياء، ثم الصدقون، ثم الشهداء، ثم الصالحون،؛كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا}[النساء:69]، لكن هؤلاء انقلبت أعمالهم الصالحة وبالًا عليهم بسبب النية السيئة.

 فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وِأن يعيذنا من الرياء والسمعة، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجه الكريم، وأن يجعل وقتنا في طلب العلم وجه الله والدار الآخرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصل الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين.

والآن نبدأ الرسالة، تعلمون الرسالة بين أيديكم، هذه الرسالة اسمها: [أصول العقائد الدينية]؛ هذه الرسالة للشيخ عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله، وهي طبعت حديثًا، وهي عبارة عن أصول كما بينها المؤلف رحمه الله، رؤوس أقلام في العقائد الدينية، تحتاج إلى شرح، ولكنها تعتبر خلاصة وزبدة، وأصول يرجع إليها.

القارئ:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ العلامة/ عبد الرحمن بن الناصر السعدي رحمه الله:

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على محمدٍ، وآله، وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين.

 أما بعد:

فهذا مختصرٌ جدًا في أصول العقائد الدينية، والأصول الكبيرة المهمة.

اقتصرنا فيها على مجرد الإشارة والتنبيه، من غير بسط للكلام، ولا ذكر أدلتها، أقرب ما يكون لها أنها من نوع الفهرست للمسائل؛ لتعرف أصولها ومقامها ومحلها من الدين.

ثم من له رغبةٌ في العلم يتطلب بسطها، وبراهينها من أماكنها، وإن يسر الله، وفسح في الأجل، بسطت هذه المطالب، ووضحتها بأدلتها.

شرح الشيخ:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه، ومن والاه.

أما بعد:

هذه المقدمة للمؤلف رحمه الله ابتدأها بالحمد لله ربِّ العالمين، تأسيًا بالكتاب العزيز، فإن الله تعالى افتتح كتابه بالحمد لله رب العلمين؛ وهي فاتحة الكتاب.

والحمد: هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية، مع حبه وإجلاله، وهو أكمل من المدح، المدح: هو الثناء على الممدوح بصفاته التي اتصف بها، سواء كانت اختياريه، أو ليس له دخلٌ فيها؛ هذا يسمى مدح، تمدح الأسد بصفاته التي جبله الله عليها، خلقه عليها، تمدحه بأنه قوي، وأنه أمير الحيوانات، وأنه كذا، وأنه مفتول السعدين؛ هذا يسمى مدح.

لكن الثناء، قال: الحمد أكمل منه، الحمد: الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية، التي له اختيارٌ فيها، كأن تثني على الإنسان بأنه شجاع، بأنه كريم، وبأنه محسن، فالحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه وإجلاله، بخلاف الثناء، فلا يلزم أن يكون معه حب، فأنت تثني على الأسد تمدحه، ولكن ما يلزم من ذلك المحبة، بخلاف الحمد فإنه الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية، مع حبه وإجلاله، ولهذا جاء الحمد في حق الرب عَزَّ وَجَلَّ: {الْحَمْدُلِلَّهِرَبِّالْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، {الْحَمْدُلِلَّهِفَاطِرِالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ} [فاطر:1]، {الْحَمْدُلِلَّهِالَّذِيخَلَقَالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضَوَجَعَلَالظُّلُمَاتِوَالنُّورَ} [الأنعام:1]،

{الْحَمْدُلِلَّهِالَّذِيأَنْزَلَعَلَىعَبْدِهِالْكِتَابَوَلَمْيَجْعَلْلَهُعِوَجًا} [الكهف:1]، {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ:1].

ولم يأتي أمدح الله، وال: للاستغراق، والمعنى: جميعًا وعلى المحامد مستغرقة، كلها ملكٌ لله، ومستحقٌ لها، جميع أنواع المحامد لله ملكًا واستحقاقًا.

لله:اللام للجر، لله: وهي تفيد الملك؛ يعني ملكٌ لله، والله: لفظ الجلالة أعرف المعارف، لا يسمى به غيره، والله أصله الإله، على وزن فعال، حذفت الهمزة، فالتقت اللام الأولى، واللام الثانية، اللام الأولى زائدة، واللام الثانية عين الكلمة، فصارت الله أصلها الإله، الله: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، والله أعرف المعارف لا يسمى به غيره، وتأتي بقية أسماء الرب سبحانه وتعالى كالصفات له، وأسماء الله كلها مشتقة، وليست جامدة، وهي مشتملة على صفات، الله: مشتمل على صفة الإلوهية.

{رَبِّالْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2]، الرب هو المربي، {رَبِّالْعَالَمِينَ}؛ يعني مربي الناس، ربه سبحانه وتعالى خالقهم، ومربيهم، وموجدهم من العدم، ورازقهم.

العالمين: جمع عالم، وهو كل ما سوى الله، كل ما سوى الله عالم، فالله تعالى رب جميع المخلوقات، المخلوقات كلها تسمى عالم، كل من سوى الله يسمى عالم.

{الْحَمْدُلِلَّهِرَبِّالْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]؛ يعني هو سبحانه وتعالى رب جميع المخلوقات، موجدهم، وخالقهم، ورازقهم، ومربيهم بنعمه.

(وصلى الله وسلم على محمد): صلى فعل ماضي، وهو خبر بمعنى الدعاء، والمعنى: اللهم صلِّ، وهو خبر بمعنى الدعاء.

وصلاة الله على عبده أصح ما قيل فيها: أن صلاة الله على عبده ثناءه عليه بالملإ الأعلى، الصلاة من الله: ثناءه عليه في الملإ الأعلى، فأنت تقول: اللهم أثني على نبيك وعبدك ورسولك محمد في الملإ الأعلى، والملإ الأعلى: الملائكة، فالصلاة من الله: الثناء، ثناءه على عباده في الملإ الأعلى.

أصح ما قيل في تعريف الصلاة، ما رواه البخاري (21:38) عن أبي العالية أنه قال: صلاة الله على عبده: ثناؤه عليه في الملإ الأعلى، وأما الصلاة من الملائكة، ومن الآدميين فهي الدعاء.

(وصلى الله وسلم)، وسلم: خبر بمعنى اللهم سلم؛ دعاء بالسلامة، دعاء الله بالسلامة، اللهم أثني على عبدك، وسلمه؛ سلمه من شرور الدنيا، وشرور الآخرة، دعاءٌ بالسلامة، دعاءٌ بالثناء والسلامة، فكأنك تقول: اللهم أثني على عبدك محمد، وسلمه من شرور الدنيا والآخرة.

محمد: هو محمد بن عبد الله بن المطلب، نبينا ورسولنا، وإمام هذه الأمة، وخاتم النبيين، ألهم الله أهله سماه محمد وهو كثير المحامد، وله أسماء كثيرة عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فهو محمد، وأحمد، والحاسب، والمعقب، الحاسب الذي يحسب (22:65)، والمعقب الذي ليس بعده نبي، ونبي الرحمة، ونبي التوبة، وله أسماء كثيرة، والله تعالى له أسماء كثيرة، تزيد عن ألف، والنبيصلى الله عليه وسلمله أسماء كثيرة، والقرآن له أسماء كثيرة، من القرآن، والبيان، والهدى، والأسد له أسماء كثيرة تزيد، تقارب خمس مائة اسم، والسيف له أسماء كثيرة تقارب ثلاثة مائة اسم، كمهند، والصقيل، إلى آخره، وهذا معروف في كتب اللغة.

ومحمد واسمه عرف في التوراة: أحمد، كما قال عيسى عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}[الصف:6]، هو أحمد، ومحمد، والحاكم والعاقل، فأنت تسأل الله أن يصلي، أن يثني، وأن يسلم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

(وآله وصحبه): الآل اختلف فيه، قيل المراد بآله: ذريته، وأقاربه المؤمنون، كالحسن والحسين وعلي فاطمة وعمه العباس وعمه حمزة، ويدخل في ذلك ذريته.

وقيل المراد بالآل: أتباعه على دينه؛ وهذا هو الصواب، أتباعه على دينه، ويدخل في ذلك دخولًا أوليًّا أزواجه وذريته وأقاربه والمسلمون، يدخلون دخولًا أوليًّا، ويدخل معهم غيرهم؛ أتباعه على دينه.

وصحبه: جمع صاحب، والصحابي، أصح ما قيل في تعريف الصحابي: أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلممؤمنًا، ومات على الإسلام، هذا هو الصحابي، من لقي النبي صلى الله عليه وسلممؤمنًا ومات على الإسلام.

ولم يقل: من رأى ليشمل العميان، كعبد الله بن أم مكتوم، فإنه أعمى، ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لقيه، وهو صحابي، من لقي النبي صلى الله عليه وسلممؤمنًا، ومات على الإسلام.

(وعلى آله وصحبه، وأتباعه)، أتباعه: الذين تبعوه على دينه إلى يوم الدين، يوم الدين: هو يوم الجزاء والحساب، وهو يوم القيامة، يوم الدين، الدين له معاني، يطلق على الجزاء والحساب، ويطلق على العبادة، كقوله تعالى: {مُخْلِصِينَلَهُالدِّينَ}[الأعراف:29]؛يعني مخلص له العبادة، {مَالِكِيَوْمِالدِّينِ} [الفاتحة:4]؛ يوم الحساب،  فأنت تسأل ربك يصلِّ ويسلم على نبيه، وعلى آله، ومن مات على دينه، وعلى صحبه، وعلى أتباعه إلى يوم القيامة، إلى يوم الدين.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (أما بعد): كلمة يؤتى بها للانتقال من شيء إلى شيء، انتقل من افتتاحية الرسالة، إلى بيان موضوع هذه الرسالة، فقال: (أما بعد)، اختلف فيها قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها؛ أما بعد في خطبه، وفي رسائله، إذا خطب الناس يوم الجمعة يقول: أما بعد.

وإذا كتب رسائله إلى الملوك والرؤساء، ورؤساء القبائل والعشائر كتب: أما بعد، فلما كتب إلى هيرقل قال: «من محمدٍ رسول الله إلى هيرقل عظيم الروم أما بعد، أسلم تسلم»، واختلف في أول من قالها، فقيل: أول من قالها داود عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وقيل: أول من قالها: قس بن ساعدةالإيادي، وقيل غير ذلك.

(أما بعد.. فهذا مختصر جدًا في أصول العقائد الدينية)؛ يعني هذه الرسالة، هذا: إشارة إلى رسالة، (مختصرٌ جدًا في أصول العقائد الدينية)، والأصول جمع أصل، وهو الذي يُبنى عليه غيره، فالجدار، فالبيت الآن له أصل، أصله الأساسات، الأساس يحفر الأساس والقواعد؛ هذا الأصل، والفرع البناء.

فالأصل هو الذي يُبنى عليه غيره، فإذا كان القواعد والأساس متين بقي البناء، وإذا كان الأصول والأساس ليس متينًا، فإنه ينهدم البناء، {أَفَمَنْأَسَّسَبُنْيَانَهُعَلَىتَقْوَىمِنَاللَّهِوَرِضْوَانٍخَيْرٌأَمْمَنْأَسَّسَبُنْيَانَهُعَلَىشَفَاجُرُفٍهَارٍفَانْهَارَبِهِفِينَارِجَهَنَّمَوَاللَّهُلَايَهْدِيالْقَوْمَالظَّالِمِينَ} [التوبة:109].

هذه أصول، أصول في العقائد، الإيمان أصل، وهو ما يكون في القلب، ثم الأعمال تنبني على الإيمان، فالمؤلف رحمه الله ذكر هذا، ذكر أنه بناه على هذه الأصول، أنه بناه على أصولٍ خمسة:

  • الأصل الأول: التوحيد.
  • والأصل الثاني: الإيمان بجميع الأنبياء، خصوصًا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
  • والأصل الثالث: الإيمان باليوم الآخر.
  • والأصل الرابع: الإيمان.
  • والأصل الخامس: طريقة أهل السنة والجماعة في العلم والعمل.

هذه أصول، أصول تبنى عليها الأعمال، التوحيد أصل تنبني عليه الأعمال، من لم يوحد الله فلا يصح له عمل، كذلك الإيمان بجميع الأنبياء أصل، من لم يؤمن بجميع الأنبياء، وبنبينا محمد صلى الله عليه وسلمفلا إسلام له، ولا إيمان له، كذلك الإيمان باليوم الآخر أصل من أصول الإيمان، وكذلك الإيمان أصل، وكذلك الطريقة في العلم والعمل.

فهذه أصول تنبني عليها الأعمال، وقد ثبت في الصحيحين، في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة، في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة، في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مطولًا: «أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم،وسأله عن الإسلام، ثم سأله عن الإيمان، ثم سأله عن الإحسان، ولم سأله عن الإيمان قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»؛ هذه أصول الإيمان، وأركان الإيمان التي تنبني عليها الأعمال، هذه الأصول الستة جاءت إلى الكتب، جاء بها الأنبياء، ونزلت بها الكتب، وأجمع عليها المسلمون، ولم يجحد شيئًا منها إلا من خرج عن دائرة الإسلام، وصار من الكافرين، فهذه أصول، ولذا قال المؤلف رحمه الله: (أما بعد..، فهذا مختصرٌ جدًا في أصول العقائد الدينية)، العقائد: جمع عقيدة، والدينية: ما يدين به ربه ويعتقده، ما يدين به الإنسان ربه، ويعتقده من أمور الدين، ما يدين به الإنسان ربه ويعتقده.

إذًا هذه الرسالة أصل في العقائد الدينية، والأصول الكبيرة المهمة، وكما تعرف لا شك أن هذه أصول كبيرة مهمة: التوحيد، والإيمان بجميع الأنبياء، والإيمان باليوم الآخر، ومسألة الإيمان، وطريقة أهل السنة والجماعة في العلم والعمل، لا شك أن هذه أصول كبيرة، مهمة.

يقول المؤلف: (اقتصرنا فيها على مجرد الإشارة والتنبيه)؛ لأن بسطها، يعني بسطها يحتاج مجلدات، الكلام في التوحيد تكلم فيه العلماء بمجلدات، الكلام في الإيمان، في اليوم الآخر، كذلك طريقة أهل السنة في العلم والعمل، ولذلك المؤلف رحمه الله اقتصر على الإشارة.

ولهذا قال: (اقتصرنا فيه على مجرد الإشارة التنبيه من غير بسط للكلام، ولا ذكر أدلتها)، ما ذكر الأدلة اختصارًا، حتى يحفظها طالب العلم، ثم بعد ذلك يكون عنده أصل إذا حفظها، وعندما تشرح وتبين الأدلة تستقر في الذهن؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: أنه ما بسط الكلام، ولا ذكر أدلته، (الأقرب يكون لها أنها من نوع الفهرست للمسائل)، ومقصود المؤلف رحمه الله؛ يعني حتى معرفة الأصول والمقام هو محلها من الدين، يعني المؤلف يريد أن يذكر هذه الأصول حتى يعرف طالب العلم أصول الدين، وأصول العقائد، ويعرف مقامها، ومحلها من الدين، وأنها أساسات وأصول تبنى عليها الأعمال.

قال المؤلف: (ثم من له رغبة في العلم، يتطلب بسطها وبراهينها من أماكنها)، من أراد التوسع يحفظ هذه الأصول، ويربطها، ومن أراد أن يتوسع فإنه يطلب بسطها وأدلتها من أماكنها، من أماكن النصوص، من الكتاب والسنة، ومن كلام أهل العلم، أهل العلم تكلموا على هذا، فمثلًا أصولها مثلًا في الصحيحين، كتاب الإيمان، وكذلك في صحيح البخاري له كتاب الإيمان في صحيح مسلم، والشراح تكلموا عليها، وكذلك أئمة الدعوة، الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله باختصار في كتاب التوحيد، وأئمة الدعوة، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب الإيمان، وهكذا، فبسط هذه الأدلة وبراهينها وأدلتها واضحة من الكتاب والسنة، والعلماء بسطوها وبينوها.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن يسر الله وفسح في الأجل، بسطت هذه المطالب، ووضحتها بأدلتها)، هذا وعد من المؤلف، لكن كما قال المقدم الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل: أنه (32:58) قبل الأمنية، لم يتمكن من بسطها، ورجع وتمنى الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل وفقه الله من يقوم بشرحها، وبسطها، والتفريع عليها، واكتفاء أدلتها تلبيةً لرغبة المؤلف رحمه الله.

القارئ:

قال رحمه الله: الأصل الأول: التوحيد.

حد التوحيد الجامع لأنواعه:

هو اعتقاد العبد وإيمانه بتفرد الله بصفات الكمال، وإفراده بأنواع العبادة، فدخل في هذا: توحيد الربوبية الذي هو: اعتقاد انفراد الرب بالخلق والرزق، وأنواع التدبير.

وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثبات ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا، من غير تشبيهٍ ولا تمثيل، ومن غير تحريفٍ ولا تعطيل.

:وتوحيد الألوهية والعبادة، وهو أفراده وحده بأجناس العبادة وأنواعها، وأفرادها من غير إشراكٍ به في شيء منها، مع اعتقاد كمال ألوهيته.

شرح الشيخ:

نعم هذا الأصل الأول التوحيد، التوحيد: مصدر وحد، يوحد، توحيدًا؛ أي أفرد الله، في اللغة:التوحيد مصدر وحد يوحد توحيدًا، والمراد به: توحيد الله، توحيد الله في ربوبيته، إفراد الله في ربوبيته، وفي ألوهيته، وفي أسماءه وصفاته.

إذًا توحيد في اللغة:مصدر وحد، يوحد، توحيدًا؛ أي صار منفردًا، وأما (حد التوحيد الجامع لأنواعه)، بينه المؤلف رحمه الله قال: (هو اعتقاد العبد وإيمانه بتفرد الله بصفات الكمال، وإفراده بأنواع العبادة)؛ هذا حد التوحيد، والحد هو التعريف، يعني تعريف التوحيد الجامع لأنواعه: هو اعتقاد العبد.

الاعتقاد: ما يعتقده الإنسان في قلبه، ما يعتقده ويؤمن به، ويستقر في قلبه، هذا الاعتقاد، الاعتقاد: ما يعتقده الإنسان ويجزم به في قلبه، والعبد: يعني عبد الله المؤمن، المؤمن الذي هو عبد لله، وهذا اسم يطلق على كل أحد، كل مسلم عبدٌ لله، بل إن حتى الكافر عبدٌ لله؛ لأن العبودية نوعان:

  1. عبوديةٌ عامة.
  2. وعبودية خاصة.

فالعبودية العامة: تشمل المؤمن والكافر، كلٌّ من المؤمن والكافر عبد، بمعنى: أنه معبد لله، مقهور، تنفذ فيه قدرة الله ومشيئته، بدون اختياره، فهو مدبر، ومعبد، ومذلل، ومقهور، تجري فيه المقادير بدون اختياره، هذا العبودية عامة لكل أحد للمؤمن والكافر، كما قال سبحانه: {إِنْكُلُّمَنْفِيالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِإِلَّاآَتِيالرَّحْمَنِعَبْدًا} [مريم:93]؛ كل من في السماوات والأرض يأتي يوم القيامة معبد، مقهور، مذلل، تجري فيه أحكام الله، تجري فيه مقادير الله، ليس له من نفسه امتناع.

والنوع الثاني: العبودية الخاصة، وهذه خاصة بالمؤمن الذي يعبد الله باختياره، وهذه هي التي عليها مدار السعادة والشقاوة، العبودة الخاصة، الخاصة بالمؤمن الذي يعبد الله باختياره، يعبد الله، يؤمن باختياره، يصدق، يؤدي العبادات، يصلي، ويصوم، يزكي، ويحج، ويبر والديه باختياره؛ هذا عبد الله على الحقيقة.

(هو اعتقاد العبد وإيمانه)، إيمان، الإيمان في اللغة: التصديق، وشرعًا: يسمى الإيمان اعتقاده بالقلب، تصديقٌ وإقرارٌ باللسان، وعملٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وسيأتي في مسألة الإيمان.

(هو اعتقاد العبد وإيمانه بتفرد الله بصفات الكمال)، تفرد؛ يعني انفراده، التفرد هو عدم المشارك، هو أن يكون الشيء منفردًا ليس له مشارك، والمعنى اعتقاد العبد وإيمانه بأن الله متصفٌ بصفات الكمال من غير مشارك، ليس له مشاركًا، بل هو وحده سبحانه المتصف بصفات الكمال.

(هو اعتقاد العبد وإيمانه بتفرد الله بصفات الكمال)، فأنت في هذا إذا اعتقدت تفرد الله بصفات الكمال، أثبت توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، أثبت بأنه الخالق، الرازق، المدبر، المحيي؛ هذه توحيد الربوبية، فإذا أفردت الله بالخلق، واعتقدت أنه الخالق غير مخلوق، وأفردت الله بالربوبية، واعتقدت أنه الرب، وغيرهمربوب، وأفردت الله بالملك، واعتقدت أنه مالك وغيره مملوك، وأفردت الله بالتدبير، فاعتقدت أنه مدبر، وغير مُدَّبر، هنا أثبت توحيد الربوبية، وكذلك إذا أثبت صفات الكمال، والأسماء الحسنى التي سمى الله بها نفسه، والتي وصف بها نفسه، بأنه الرحيم، الرحمن، كما قال: {هُوَاللَّهُالَّذِيلَاإِلَهَإِلَّاهُوَعَالِمُالْغَيْبِوَالشَّهَادَةِهُوَالرَّحْمَنُالرَّحِيمُ*هُوَاللَّهُالَّذِيلَاإِلَهَإِلَّاهُوَالْمَلِكُالْقُدُّوسُالسَّلَامُالْمُؤْمِنُالْمُهَيْمِنُالْعَزِيزُالْجَبَّارُالْمُتَكَبِّرُسُبْحَانَاللَّهِعَمَّايُشْرِكُونَ*هُوَاللَّهُالْخَالِقُالْبَارِئُالْمُصَوِّرُلَهُالْأَسْمَاءُالْحُسْنَىيُسَبِّحُلَهُمَافِيالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِوَهُوَالْعَزِيزُالْحَكِيمُ} [الحشر:22-24]؛ هنا أفردته بتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، (وإفراده بأنواع العبادة)، إفراده: يعني تخصيصه بأنواع العبادة، العبادة أنواع: الصلاة نوع، والصيام نوع، والزكاة نوع، والحج نوع، وبر الوالدين نوع، والجهاد في سبيل الله نوع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نوع، والإحسان إلى الناس نوع، وكف الأذى نوع.

إذًا هذه العبادات بجميع أنواعها تفرد الله بها، بمعنى أنك تخص الله بالعبادة، فلا تصرفها لغيره، وعلى هذا يكون هذا التعريف جامع، كما قال المؤلف: أصل، هذا أصل، (هو اعتقاد العبد وإيمانه بتفرد الله بصفات الكمال، وإفراده بأنواع العبادة)؛ هذا هو حد التوحيد الجامع لأنواعه.

قال المؤلف رحمه الله: فدخل في هذا التعريف، توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وسيفصل.

فتوحيد الربوبية: هو توحيد الله بأفعاله هو، أن توحد الله بأفعالك، ما هي أفعال الرب؟ الخلق، الرزق، الإيمان، الإحياء، التدبير؛ بمعنى: أنك تضيف هذه الأفعال إلى الله، وتنسبها إلى الله، وتوحد الله فيها، وتعتقد أنه هو الذي فعلها بدون شريك، فتعتقد أن الله هو الخالق، وليس له شريك فيا لخلق غيره مخلوق، تعتقد أن الله هو المالك، وليس له شريك في الملك، غيره مملوك، تقتعد أن الله هو الرب وغيره مربوب، ليس له شريك في الربوبية، تعتقد أنه المدبِّر، وغير مُدبَّر، وليس له شريك في التدبير؛ هذا هو التوحيد، هذا التوحيد توحيد الربوبية، توحيد الله في أفعال العباد.

المؤلف رحمه الله قال: (توحيد الربوبية الذي هو: اعتقاد انفراد الرب بالخلق والرزق، وأنواع التدبير).

تعتقد انفراد الرب، انفراده يعني استقلاله، واختصاصه بذلك، فليس له شريك، انفراد الرب بأي شيء بالخلق، انفرد بالخلق فلا يشاركه أحد، وانفرد بالرزق، فلا يشاركه أحد، وانفرد بالتدبير فليس معه مدبر، هذا هو توحيد الربوبية، (اعتقاد انفراد الرب بالخلق والرزق، وأنواع التدبير).

أو تقول: هو توحيد الله بأفعاله هو، وأبرز هذه الأفعال أربعة، إليها ترجع جميع الأفعال، الخلق، والربوبية، والملك، والتدبير، فتعتقد بأن الله هو الخالق، وغيره مخلوق، وتعتقد بأنه الرب، وغيره مربوب، وتعتقد بأنه المالك، وغيره مملوك، وتعتقد بأنه مدبِّر، وغير مُدبَّر.

هذا النوع من التوحيد أقر به المشركون، لم ينازع فيه أحد، أمرٌ فطري أقر به جميع الكفرة، في كل العصور، وفي كل الأزمان، ما نازعوا، قوم نوح ما نازعوا في توحيد الربوبية، قوم هود ما نازعوا في توحيد الربوبية، قوم صالح ما نازعوا في توحيد الربوبية، قوم إبراهيم ما نازعوا في توحيد الربوبية، قوم موسى ما نازعوا في توحيد الربوبية، قوم عيسى ما نازعوا في توحيد الربوبية، قوم شعيب ما نازعوا في توحيد الربوبية، كفار قريش في مكة ما نازعوا نبينا صلى الله عليه وسلم في توحيد الربوبية، مقرون به.

الطالب: (45:3).

الشيخ:فرعون تجاهل، أنكر، ولكنه مستيقن في الباطن، ادعى الربوبية لنفسه، وادعى الألوهية، ولكنه مستيقن في الباطن، قال: {وَمَارَبُّالْعَالَمِينَ} [الشعراء:23]؛ تجاهل العارف، ولهذا قال الله له (45:27).

ففرعون متجاهل، يعني أنكر الرب العظيم، تجاهل العارف؛ حيث قال: {وَمَارَبُّالْعَالَمِينَ} [الشعراء:23]، لكن أخبر الله عنه أنه مستيقنٌ في الباطن، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوابِهَاوَاسْتَيْقَنَتْهَاأَنْفُسُهُمْظُلْمًاوَعُلُوًّافَانْظُرْكَيْفَكَانَعَاقِبَةُالْمُفْسِدِينَ} [النمل:14].

توحيد الربوبية إذًا أمرٌ فطري، فطر الله عليه جميع الخلائق، ولم ينكره أحد؛ ولهذا ما حصل فيه نزاع بين الرسل وبين الأمم، لكن هناك شواذ من المجموعة البشرية أنكروا توحيد الربوبية، شواذ، والشواذ لا حكم لهم، من هؤلاء الشواذ: الدهرية، الدهريون، الذين أنكروا الخالق، وقالوا: ليس هناك رب، ولا بعث، ولا معاد، بل بطونٌ تدفع بالولادة، وأرض تدفع بالنور، فلا رب ولا معاد، قد رد الله عليهم بقوله: (47:19).

ليس عندهم دليل لهذه المقالة لا من الشرع، ولا من الحث، ولا من العقل، ولا من الفطرة، وما كان هذا شأنه فلا يُلتفت إليه فيه إلا بعلم، ولهذا قال سبحانه: {وَمَالَهُمْبِذَلِكَمِنْعِلْمٍ} [الجاثية:24].

والدهريون منهم من يقول: إن هذه الخلائق، إن هذه المخلوقات وجدت من دون خالق، بسائطها ومركباتها، ومنهم من قال: أوجدها خالق، ثم داره، وتحركت حركةً قوية، فدارت عليه وأحرقته، ولم يقدر على ضبطها وإمساكها، فصارت بدون مدبر.

ومن الطوائف الذين أنكروا توحيد الربوبية: الطبائعيون، الذين يقولون بالطبيعة، يقولون: إن الطبيعة هي التي أوجدت الأشياء، والطبيعة عبارة عن ذات الأشياء، فمثلًا: ذات السماء أوجدت السماء، ذات الأرض أوجدت الأرض، ذات النبات أوجدت النبات، ومنهم من يقول: هي الصفات، أن الطبيعة هي صفات الأشياء، كالحرارة، والبرودة، والرطوبة، واليبوسة، والملاسة، والخشونة، وهذه متقابلات، تزاوج وتوالد، ونموٌّ، واغتذاء، ومعلومٌ فساد هذه المذاهب، المعنى الأول: أن الطبيعة ذات الأشياء، كيف ذات الأشياء؟! ذات الشيء توجد بالشيء، ذات الأرض توجد الأرض، رد الله فقال:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور:35]كانت عدمًا، والعدم لا يوجد شيئًا، وكذلك القول بأنه ذات الصفات، إذا عجزت ذات الأشياء عن إيجاد نفسها  فعجز صفاتها من باب أولى، كذلك أيضًا من هذه الطوائف الذين قالوا بالصدفة، قالوا: إن هذا العالم وجد صدفة؛ وهذا من أبطل الباطل، هل يمكن أن يوجد صدفة؟! نظر إلى هذا العالم بعلويه، وسفليه، والعالم البديع الذي يبدعه الله، ورتبه في غاية الترتيب والإبداع، لا يمكن أن يكون بالصدفة، الليل والنهار، والكواكب، والبحار، وكلها تمشي بانتظام، طلوع الشمس من مشرقها، كل يوم تطلع من المشرق وتغرب من المغرب، هل هذا يكون صدفة؟! ما تختل؟! القمر يخرج صغيرًا هلالًا، يأتي المغرب، ثم يدنوا، ويتكامل ويكون بدرًا في منتصفالشهر، ثم يضعف، وهكذا في كل شهر، ولا يتغير، هذا يحدث صدفة، سير النجوم، سير الكواكب، مد البحر وجزره، إلى غير ذلك.

والطائفة الرابعة: الذين يتجاهلوا الرب تجاهل العارف، وأبرزهم في فرعون، فالمقصود أن توحيد الربوبية أمرٌ فطري فطر الله عليه جميع الخلائق إلا من شذ، ولهذا ما أنكره أحد، ولهذا ما حصل فيه خصومه بين الأنبياء وبين الأمم، ما فيه نزاع، لكن هل يكفي في الدخل في الإسلام؟ لا يكفي، التوحيد لا بد منه، لا بد أن يوحد الإنسان ربه في ربوبيته، لكن إذا وقف عند هذا الحد، ولم يوحد الله في الألوهية، ما يكون مسلمًا، بل يبقى على شركه وكفره، ولو كان موحدًا توحيد الربوبية ولو كافر، الدليل: أن كفار قريش موحدون توحيد الربوبية، ما أنكروا، ومع ذلك قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستحل دمائهم وأموالهم، وقاتل الكفرة، وشرع الجهاد في سبيل الله، النبي جاهد أناس وحدوا الله بالربوبية، لماذا قُتلوا، ولماذا جاهدهم؟ لأنهم لم يوحدوا الله في الألوهية، والتوحيد لا بد منه، لا بد من اعتقاده بأنواعه الثلاثة، من أنكر واحدًا منه كفر، وهم أثبتوا توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، لكن أنكروا توحيد الألوهية، فكفروا، أنواع التوحيد الثلاثة متلازمة، ما ينفك أحدٌ عن الآخر، فمن أنكر واحدٌ منها كفر.

قال المؤلف رحمه الله: (توحيد الربوبية الذي هو: اعتقاد انفراد الرب بالخلق، والرزق، وأنواع التدابير).

النوع الثاني:توحيد الأسماء والصفات: هو أن توحد الله بأسمائه وصفاته، بمعنى: أن تثبت الأسماء والصفات التي ورد ذكرها في الكتاب والسنة، وتعتقد أن الله سمى نفسه بها، وأنه متصفٌ بهذه الصفات، هذه الحقيقة، هذا وجه الكمال الذي يليق بالله عزَّ وجلَّ، والأسماء والصفات توقيفية، بمعنى أنه يوقف عند الأصول، فلا يأتي أحدٌ باسمٍ لله، ويسمي الله به، أو بصفة يصف الله من عند نفسه، لا يخترع الناس أسماء وصفات لله، من عند أنفسهم، بل الأسماء والصفات توقيفية؛ هذه قاعدة، قاعدة عند أهل السنة والجماعة: أن الأسماء والصفات توقيفية، ومعنى توقيفية: أنه يُقف فيها عند النصوص، أثبت الله لنفسه الرحمن نسميه، أثبت الرحيم نسميه.

وأسماء الله نوعان:

نوعٌ خاص به لا يسمى به غيره: الله أعرف المعارف، ومشتمل على صفة الألوهية، ومعناه: ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، لا يسمى بها غيره، الرحمن، الخالق، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، المعطي المانع، النافع الضار، القابض الباسط، رب العالمين، حاكم الحكام، سلطان السلاطين، هذه لا يسمى به غيره.

والنوع الثاني: مشترك، يسمى به الله ويسمى به غيره، فإذا سمي الله به فله الكمال، وإذا سمي المخلوق فله ما يليق به، مثل: العزيز، والسميع، والبصير، والحي، والقدير، والرؤوف، والرحيم، هذه مشتركة، {قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ}[يوسف:51]،{إِنَّاخَلَقْنَاالْإِنْسَانَمِنْنُطْفَةٍأَمْشَاجٍنَبْتَلِيهِفَجَعَلْنَاهُسَمِيعًابَصِيرًا} [الإنسان:2]، سمى المخلوق سميعًا بصيرًا، وقال عن نفسه: {هُوَالسَّمِيعُالْبَصِيرُ} [الإسراء:1]، سمى نفسه العزيز، {هُوَالْعَزِيزُالْحَكِيمُ} [آل عمران:6]، وسمى المخلوق عزيز: {قَالَتِامْرَأَةُالْعَزِيزِ} [يوسف:51]، سمى نفسه رؤوف رحيم، قال: {إِنَّهُبِهِمْرَءُوفٌرَحِيمٌ} [التوبة:117]، وسمى نبيه رءوف رحيم: {لَقَدْجَاءَكُمْرَسُولٌمِنْأَنْفُسِكُمْعَزِيزٌعَلَيْهِمَاعَنِتُّمْحَرِيصٌعَلَيْكُمْبِالْمُؤْمِنِينَرَءُوفٌرَحِيمٌ} [التوبة:128]، فإذا سمي الله به فله الكمال، وإذا سمي المخلوق، فله ما يليق به.

إذًا توحيد الأسماء والصفات هو أن تثبت الأسماء والصفات التي وردت في الكتاب والسنة، وتعتقد أنها ثابتة لله، وأن الله سمى بها نفسه، أو سماه بها رسوله، وأن الله متصفٌ بها على الحقيقة.

قال المؤلف رحمه الله: (وتوحيد الأسماء والصفات: وهو إثبات ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله من الأسماء والحسنى، والصفات الكاملة العليا).

ما هي الأسماء الحسنى، الصفات الكاملة العليا؟ هي التي جاءت في الكتاب والسنة، ما نأتي نحن من عند أنفسنا وكذا، هي الأسماء التي جاءت في الكتاب والسنة، والصفات هي التي ننسبها لله، ونسمي الله بها، ونصف الله بها، وهي حسنى، يعني أسماء الله حسنى: يعني بالغةٌ الكمال في الحسن، والصفات العليا، كما قال الله تعالى: {وَلِلَّهِالْمَثَلُالْأَعْلَىوَهُوَالْعَزِيزُالْحَكِيمُ} [النحل:60]، {وَلَهُالْمَثَلُالْأَعْلَىفِيالسَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِوَهُوَالْعَزِيزُالْحَكِيمُ} [الروم:27]، يعني وصفٌ كامل.

لكن هذه الصفات تثبت الله (من غير تشبيهٍ، ولا تمثيل، ومن غير تحريفٍ ولا تعطيل)، من غير تشبيه: نثبت لله العلم، لكن ننفي التشبيه، لا يشبه علم المخلوق، ولا يماثل علم المخلوق، علمه يليق به، لكن نحن الآن نعلم، نعلم المعنى، المعنى المعلوم لكن كيفية الصفة(56:59) لا نعلم، نعلم أن العلم ضد الجهل، نعلم أن القدرة ضد العجز، نعلم أن الرحمة ضد القسوة؛ هذا معنى نعلم، لكن كيفية اتصاف الرب بها؟ لا نعلمها.

الاستواء ثابت لله، المعنى معلوم، الاستواء: بمعنى استقر، وعلا، وقعد، وارتفع؛ أربعة معاني للاستواء، صعد، واستقر، وعلا، وارتفع، لكن كيفية اتصاف الرب بذلك؟ لا نعلم.

قال الإمام مالك لما سُئل عن الاستواء، قال: "الاستواء معلوم"؛ يعني معلوم معناه في اللغة العربية: استقر وعلا وصعد وارتفع، "والكيف مجهول"؛ كيفية اتصاف الرب للاستواء مجهول، "والإيمان به واجب"؛ لأنه جاء في الكتاب والسنة، "والسؤال عنه بدعة"؛ السواء عن الكيفية بدعة، وقد تلقى العلماء هذه المقالة عن الإمام مالك رحمه الله بالقبول، وهذا يقال في جميع الصفات، فإذا قال شخص: {وَكَانَاللَّهُعَلِيمًاحَكِيمًا} [النساء:17]، كيف العلم؟ نقول: العلم معلوم، معلوم في اللغة العربية، ضد الجهل، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، كيفية اتصاف الرب بالعلم مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

من أسماء الله القدير: {وَهُوَعَلَىكُلِّشَيْءٍقَدِيرٌ} [هود:4]، إذا قال لك شخص: ما كيفية القدير؟ تقول: القدير معلوم، معلوم معناه في اللغة العربية أنه القدرة ضد العجز، والكيف مجهول، كيفية قدرة الله لا نعلمها، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.

إذًا نحن نثبت الأسماء والصفات من غير تشبيه، ما نقول: تشبه المخلوق، المخلوق له قدرة تخصه، والخالق له قدرة تخصه، فأسماء الله وصفاته ننفي التشبيه عنها، والتمثيل، لا تشابه أسماء المخلوقين، ولا تشابه صفة المخلوقين، ولا تماثل، هذا معنى من غير تشبيه ولا تمثيل.

(ومن غير تحريف)؛ ما نحرف كما حرف أهل البدع، قالوا معنى استوى: استولي؛ هذا تحريف، الاستيلاء غير الاستواء، (ولا تعطيل)؛ ولا تعطيل للصفات، ما نعطل الصفة، كما يقول المعطلة ينفون صفة الله، ينفون صفات الله بالعلم، (59:6) الجهمية، والمعتزلة، والأشاعرة، الجهمية ينفون الأسماء والصفات، والمعتزلة ينفون الصفات ويثبتون الأسماء، والأشاعرة يثبتون سبع صفات: الحياة والكلام والبصر والسمع والعلم والقدرة والإرادة، وما عاداه ينفونه، الغضب ينفونه عن الله، يقولون: غضب يفسرونه بالانتقام، الرضا ينفونه يفسرونه بالثواب، الرحمة ينفونها (59:36)، أو يفسرونها، يرجعونها إلى صفة السمع يصفوها بالإرادة، يريد أن يغضب، يريد أن يرحم، فهم يثبتون أحد الصفتين، إما أن يرجعوها إلى صفة السمع، يصفوها بالإرادة، أو يفسروها بالأثر، أثر الصفات، الغضب يفسرونه الانتقام، والانتقام أثر للغضب، الرحمة يفسرونها بالإنعام، الإنعام أثر، الرضا يفسرونه بالثواب، الثواب أثر ليس هو الصفة ولكنه أثر عن الصفة.

فإذًا أهل السنة يثبتون الأسماء والصفات من غير تشبيه، من غير تشبيه للصفات، ومن غير تمثيل، ومن غير تحريف، لا يحرفونها، فلا يقول: الاستواء بمعنى الاستيلاء، ومن غير تعطيل للصفة، الصفة ثابتة، فلا يعطلون الصفات، بل يثبتونها لله.

(وتوحيد الألوهية والعبادة)؛ هذا هو النوع الثالث، وهذا هو الذي وقعت فيه الخصومة بين الأنبياء وبين الأمم، توحيد الألوهية والعبادة، مترابطة الألوهية والعبادة، الألوهية العبادة، والعبادة هي الألوهية، من إله يأله، وإذا عبد يعبد.

هو إفراد الله بالعبادة، إفرادها يعني: تخصيصها، المؤلف رحمه الله يقول: (إفراده وحده بأجناس العبادة وأنواعها، وأفرادها، من غير إشراكٍ به في شيءٍ منها، مع اعتقاد كمال ألوهيته)، توحيد الله، توحيد الألوهية والعبادة هو إفراده بأجناس العبادة وأنواعها، وأفرادها، العبادة لها أنواع، ولها أفراد، مثلًا أجناس العبادة: الصلاة جنس، والصيام جنس، والزكاة جنس، والحج جنس، والجهاد جنس، والدعوة إلى الله جنس، والأمر بالمعروف جنس، وبر الوالدين جنس، بمعنى أنك تفرد الله بجميع الأجناس، تفرد الله؛ تعبد الله، تفرد الله بالصلاة، وتشرك في الصيام، أو تعبد الله في الصيام، وتشرك في الحج، أو تعبد الله بالصيام وتشرك بالجهاد، لا، تفرد الله بجميع أجناس العبادة، جميع أجناس العبادة التي شرعها الله في كتابه، وعلى لسان رسول الله، العبادة هي اسم جامع، ما هي العبادة؟ اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، أو تقول: هي الأوامر والنواهي، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، الأوامر سواء أمر إيجاب؛ كقوله تعالى: {وَأَقِيمُواالصَّلَاةَ} [البقرة:83]، أو أمر استحباب، كالأمر بالسواك عند كل صلاة، والنواهي، نهي تحريم؛ كقوله تعالى: {وَلَاتَقْرَبُواالزِّنَا} [الإسراء:32]، ونهي تنزيه، كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء نهي تنزيه.

فالأوامر تفعلها سواء كان الأمر إيجاب، أو أمر استحباب، والنواهي تتركها سواءً نهي تحريم أو نهي تنزيه تعبدًا لله، وتفرد الله بها، إذًا تفرد الله بأجناس العبادة، كما أنك تفرد الله بالصلاة، تفرده بالزكاة، تفرد بالصيام، تفرده بالحج، تفرده ببر الوالدين، تفرده بالجهاد، أما الذي يفرد الله بالصلاة، لكنه يشرك مع الله في الصيام، ما صار موحد، ما وحد الله تنزيه، يفرد الله بالصلاة والصيام، ولكنه يشرك معه في الحج، كما يفعل بعض الحجاج، ما كان موحد، لا بد من الإيمان بأجناس العبادات، وأنواعها، الجنس تحته أنواع، فمثلًا الصلاة جنس، لكن تحتها أنواع، مثلًا صلاة الفريضة، وصلاة السنة الراتبة، وصلاة سنة ضحى، وتحية المسجد، وإعادة الجماعة، وصلاة الخسوف، وصلاة العيدين، هذه أفراد، أيضًا تفرد الله بأفراده، تفرد الله بجميع أنواع العبادة، تفرد الله بصلاة الفريضة، والصلاة الراتبة، وصلاة الكسوف، وصلاة العيدين، وتحية المسجد، وصلاة الاستخارة، وسنة الوضوء، وسنة الطواف، كلها تفردها، هذه الأنواع كلها تفرد الله بها.

عرفنا الأجناس والأنواع والأفراد، الأفراد مثل صلاة الضحى فرد من أفراد الأنواع، الأنواع تحتها أفراد، ما هي أفراد الأنواع؟ مثل صلاة الضحى فرض، تخلص لله في صلاة الضحى، فرض، تخلص لله في تحية المسجد، تخلص لله في السنن الراتبة، تخلص لله في صلاة الفريضة.

إذًا تفرد الله بأجناس العبادة، وبأنواعها، وبأفرادها، واضح هذا؟ عرفتم الأجناس والأنواع والأفراد.

 قال المؤلف رحمه الله: (من غير إشراكٍ به في شيءٍ منها)؛ لا تشرك مع الله غيره، لا في العبادة، ولا في نوعها، ولا في أفرادها.

(من غير إشراكٍ به في شيءٍ منها، مع اعتقاد كمال ألوهيته)؛ تعتقد كمال ألوهية الله، وأن الله له الألوهية الكاملة، وهو الإله الحق الكامل في ذاته، وأسماءه، وصفاته، وأفعاله، له الكمال سبحانه وتعالى، كمال الألوهية تتأله لله، تتعبد الله، فتعبده بكمال الخضوع، وكمال الذل، مع كمال الخضوع، وكمال الذل؛ وبهذا يكون الإنسان وحد الله في العبادة، إذا وحد الله في الربوبية، ووحد الله في الأسماء والصفات، ووحد الله في الألوهية؛ فهو الموحد على ما سبق تفصيله، هذا هو الموحد الذي وحد الله في الربوبية، ووحد الله في الألوهية، ووحد الله في الأسماء والصفات، لكن من أشرك بالربوبية يكون كافر، أو أشرك في الألوهية يكون كافرًا، أو أشرك في الأسماء والصفات يكون كافر، واضح هذا؟

هذا هو حد التوحيد الجامع لأنواعه، المؤلف رحمه الله فصل، بعد أن أجمل، ثم فصل، ثم أجمل، ثم فصل، ذكر حد التوحيد الجامع، ثم فصله فقال: ينقسم ثلاثة أقسام:

  • توحيد الربوبية.
  • وتوحيد الأسماء والصفات.
  • وتوحيد الألوهية.

ثم أيضًا فصل فقال: (فدخل في توحيد الربوبية إثبات القضاء والقدر، وأنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه على كل شيءٍ قدير، وأنه الغني الحميد، وما سواه فقير إليه من كل وجه).

هذا تفصيلٌ لتوحيد الربوبية، عرفنا توحيد الربوبية ما هو؟ توحيد الله بأفعاله هو، والمؤلف رحمه الله قال: (هو اعتقاد انفراد الرب بالخلق والرزق)، نحن نقول: الرَّزق هذا فعل الله، أما الرِّزق فهذا المنفصل، الرزق هذا فعل الله، والخلق فعل الله، لكن المخلوق هذا منفصل، فرق بين الخلق والمخلوق، الخلق فعل الله، هذا وصف الله، المخلوق أنا وأنت والثاني والسماوات والأرض هذه منفصل، الرَزق فعل الله، أما الرِزق فهو ما يرزق الله به العباد من المطر، ومن الأطعمة، والأشربة، هذا رِزق، أما الرَّزق فهو فعل الله.

ولذلك نقول، الإخوان حينما يقرؤون: (انفراد الرب بالخلق والرِّزق)، لا هذا خطأ، (هو اعتقاد انفراد الرب بالخلق والرَّزق)، الرَّزق الذي هو فعل الله، أما الرِّزق هو المخلوق المنفصل، ما يرزق الله به العباد، فيرزق الله العباد من أنواع الرزق.

قال المؤلف رحمه الله: (فدخل في توحيد الربوبية إثبات القضاء والقدر)، القضاء والقدر، هذا الإيمان بالقضاء والقدر أصلٌ من أصول الإيمان الستة، كما من حديث جبرائيل، حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلمعن الإسلام والإيمان، سأله عن الإسلام، ثم سأله عن الإيمان، فقال: «الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الأخر، والقدر خيره وشره»، الإيمان بالقدر أصلٌ من أصول الإيمان، من لم يؤمن بالقدر؛ لم يؤمن بالله، من كذب بالقدر كفر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بمراتبه الأربعة، له مراتب أربعة، لا بد من الإيمان بها، من لم يؤمن بهذه المراتب الأربع، لا يكون مؤمنًا بالقدر:

المرتبة الأول: العلم.

المرتبة الثانية: الكتابة.

المرتبة الثالثة: الإرادة.

المرتبة الرابعة: الخلق.

مراتب القدر أربعة: علمٌ، كتاب، (1:9:23)، خلقه وإيجاد وتقدير، العلم أن تؤمن بعلم الله الأزلي الشامل لجميع الأسباب، بأن تعتقد بأن الله علم ما كان في الماضي، في الأزل الذي ليس له بداية، ويعلم ما يكون في الحاضر، ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، هذا علم الله، علم الله بالماضي، بما كان في الماضي الأزل، يعلم ما يكون في الأزل، لأن الله هو الأول، ليس له بداية، بذاته وأسماءه وصفاته.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلمفي الحديث الصحيح: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء»، إذًا علم الله الأزلي، الذي ليس له بداية في الماضي، ويعلم ما يكون في الحاضر، ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، كيف هذا؟ نعم يعلم ما لم يكن لو كان، قال الله تعالى عن الكفار لما سألوا الرجعة إلى الدنيا، قال الله: {وَلَوْرُدُّوالَعَادُوالِمَانُهُواعَنْهُوَإِنَّهُمْلَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28].

إذًا الله يعلم ما يكون لو كان، ما كان، ما يردون، قال: كتب الله أنهم لا يردون، لكن لو ردوا ماذا يحصل منهم؟ يعلم الله، {وَلَوْرُدُّوالَعَادُوالِمَانُهُواعَنْهُ} [الأنعام:28]، وقال الله تعالى عنهم: {وَلَوْعَلِمَاللَّهُفِيهِمْخَيْرًالَأَسْمَعَهُمْوَلَوْأَسْمَعَهُمْلَتَوَلَّوْاوَهُمْمُعْرِضُونَ} [الأنفال:23]، لهذا علم الله بما لم يكون لو كان كيف يكون.

وقال سبحانه عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك: أخبر الله ماذا يكون لو قاموا، لو خرجوا، لكن ما خرجوا، فقال سبحانه: {وَلَوْأَرَادُواالْخُرُوجَلَأَعَدُّوالَهُعُدَّةًوَلَكِنْكَرِهَاللَّهُانْبِعَاثَهُمْفَثَبَّطَهُمْوَقِيلَاقْعُدُوامَعَالْقَاعِدِينَ} [التوبة:46]، لو خرجوا فيكم ماذا يحصل؟ {لَوْخَرَجُوافِيكُمْمَازَادُوكُمْإِلَّاخَبَالًاوَلَأَوْضَعُواخِلَالَكُمْيَبْغُونَكُمُالْفِتْنَةَوَفِيكُمْسَمَّاعُونَلَهُمْوَاللَّهُعَلِيمٌبِالظَّالِمِينَ} [التوبة:47].

المرتبة الثانية: الكتابة، هي أن تؤمن بأن الله كتب كل شيءٍ في اللوح المحفوظ، كتب النواهي، ما يكون النواهي، والصفات، والأفعال، والحركات، والسكون، والسعادة، والشقاوة، والحياة، والموت، والعز، والذل، والفقر، فلا بد من الإيمان بشمول كتابة الله تعالى في اللوح المحفوظ لكل شيء، كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ، الذوات، والصفات، والأفعال، والحركات، والسكون، والرطب، واليابس، قال الله تعالى: {أَلَمْتَعْلَمْأَنَّاللَّهَيَعْلَمُمَافِيالسَّمَاءِوَالْأَرْضِإِنَّذَلِكَفِيكِتَابٍ} [الحج:70]، هذا فيه مرتبتين، وقال سبحانه: {مَاأَصَابَمِنْمُصِيبَةٍفِيالْأَرْضِوَلَافِيأَنْفُسِكُمْإِلَّافِيكِتَابٍمِنْقَبْلِأَنْنَبْرَأَهَا} [الحديد:22]، وقال سبحانه: {وَكُلَّشَيْءٍأحْصَيْنَاهُفِيإِمَامٍمُبِينٍ} [يس:12]، وهو اللوح المحفوظ.

وقال سبحانه: {وَعِنْدَهُمَفَاتِحُالْغَيْبِلَايَعْلَمُهَاإِلَّاهُوَوَيَعْلَمُمَافِيالْبَرِّوَالْبَحْرِوَمَاتَسْقُطُمِنْوَرَقَةٍإِلَّايَعْلَمُهَاوَلَاحَبَّةٍفِيظُلُمَاتِالْأَرْضِوَلَارَطْبٍوَلَايَابِسٍإِلَّافِيكِتَابٍمُبِينٍ} [الأنعام:59]، وكتابة المقادير قبل خلق السماوات بخمسين ألف سنة، كما قال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الحديث الذي رواه الإمام مسلم، حديث عبد الله بن عمر: «كتب الله المقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء».

وقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: يا ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة»، وفي لفظ: «فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة»، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْكَتَبْنَافِيالزَّبُورِمِنْبَعْدِالذِّكْرِأَنَّالْأَرْضَيَرِثُهَاعِبَادِيَالصَّالِحُونَ} [الأنبياء:105]، وقال سبحانه: {وَكُلَّشَيْءٍأحْصَيْنَاهُفِيإِمَامٍمُبِينٍ} [يس:12]، وهو اللوح المحفوظ.

وقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الحديث الصحيح: «كان الله، ولم يكن شيءٌ قبله، وكتب في الذكر كل شيء»؛ وهو اللوح المحفوظ.

نقف عند هذا الحد، وفق الله الجميع، وثبتالله الجميع على هداه، وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد