شعار الموقع

شرح كتاب أصول العقائد الدينية 2_4

00:00
00:00
تحميل
9

بسم الله الرحمن الرحيم

القارئ:

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى:

الأصل الرابع: مسألة الإيمان، قال: فأهل السنة يعتقدون ما جاء به الكتاب والسنة من أن الإيمان هو: تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، فيقولون: الإيمان اعتقادات القلوب وأعمالها، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، وأنها كلها من الإيمان، وأن من أكملها ظاهرًا وباطنًا، فقد أكمل الإيمان، ومن انتقص شيئًا منها فقد انتقص من إيمانه، وهذه الأمور بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبةٌ من الإيمان، ويرتبون على هذا الأصل أنَّ الناس في الإيمان درجات مقربون، وأصحاب يمين، وظالمون لأنفسهم بحسب مقاماتهم من الدين والإيمان.

قال: وأنه يزيد وينقص، فمن فعل محرمًا أو ترك واجبًا نقص إيمانه الواجب ما لم يتب إلى الله.

قال: ويرتبون على هذا الأصل أن الناس ثلاثة أقسام: منهم من قام بحقوق الإيمان كلها فهو المؤمن حقًّا، ومنهم من تركها كلها؛ فهذا كافر بالله تعالى، ومنهم من فيه إيمان وكفر، أو إيمان ونفاق، أو خير وشر ففيه من ولاية الله واستحقاقه لكرامته بحسب ما معه من الإيمان، وفيه من عداوة الله واستحقاقه لعقوبة الله بحسب ما ضيعه من الإيـمان.

قال: ويرتبون على هذا الأصل العظيم أن كبائر الذنوب وصغائرها التي لا تصل بصاحبها إلى الكفر تنقص إيمان العبد من غير أن تخرجه من دائرة الإسلام ولا يخلد في نار جهنم.

قال: ولا يطلقون عليه الكفر كما تقوله الخوارج، أو ينفون عنه الإيمان كما تقوله المعتزلة، بل يقولون: هو مؤمنٌ بإيمانه فاسق بكبيرته، فمعه مطلق الإيمان، وأما الإيمان المطلق فيُنفى عنه.

شرح الشيخ:

هذا الأصل الرابع في مسألة الإيمان، والإيمان في اللغة العربية معناه: التصديق، قال الله تعالى عن إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا}[يوسف:17]؛ أي: بمصدق، فالإيمان هو: التصديق في اللغة العربية.

وأما مُسمى الإيمان في الشرع هو: تصديق وإقرار بالقلب ونطقٌ باللسان، واعتقادٌ بالقلب، وأعمالٌ بالجوارح، فمسمى الإيمان أربعة أشياء عند أهل السنة:

تصديق القلب وإقراره.

 واعتقادات القلوب وأعمالها.

 ونطق اللسان.

 وأعمال الجوارح.

 هذا مسمى الإيمان أربعة أشياء: ولهذا يقول العلماء: الإيمان تصديق باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان (4:38)تصديقٌ بالقلب وإقراره، القلب يقر ويصدق، واعتقادات القلوب وأعمالها، من النية والإخلاص والمحبة، ونطقٌ باللسان وعملٌ بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هكذا قال السلف، ومن العلماء من قال: الإيمان قول وعمل، ويقصدون بالقول: قول اللسان وقول القلب، فقول اللسان نطقه، وقول القلب: تصديقه وإقراره، والعمل يقصد: عمل الجوارح وعمل القلوب، فيكون أربعة أشياء، ومن العلماء من قال: الإيمان قول وعمل ونية، ومنهم من قال: قول وعمل وسنة؛ هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة وهو الذي دلت عليه النصوص الكثيرة التي لا حصر لها، دلت على أن الأعمال داخلة في مُسمى الإيمان، أعمال القلوب وأعمال الجوارح، والأدلة في هذا كثيرة لا حصر لها.

من الأدلة على إدخال أعمال الجوارح والقلوب في مسمى الإيمان: قول الله تعالى في سورة الأنفال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}[الأنفال:2-4]؛ فأدخل كم صفة؟ (06:33)

وقال في سورة النساء: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65]؛ إذًا أدخل هذا في مسمى الإيمان، دفعهم الإيمان (07:19)، وثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رَضِي اللهُ عَنْهُ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «لإيمان بضع وستون شعبة، فأعلاها: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان»، وفي لفظ قال: «بضع وسبعون شعبة»، دخل في مسمى الإيمان، «أعلاها لا إله إلا الله»؛ هذا عمل  (7:45)، «وأدناها إماطة الأذى عن الطريق»؛ وهذا عمل (7:56)، الإيمان بضع وسبعون، والبضع من ثلاثة إلى تسعة، ثبت من البضع ثلاثة، وثبت أربعة، وثبت خمسة حتى يصل إلى التسع.

أعلاه يكون ستة وسبعين، والبيهقي رحمه الله تتبع هذه الشعب من الكتاب والسنة وأوصلها إلى أعلى البضع، أوصلها إلى ستة وسبعين شعبة، وألف مؤلف كتاب جيد نافع عظيم سماه شُعب الإيمان، تتبع النفوس واستخرج هذه الشعب منها، وكل شعبة عليها دليل من الكتاب والسنة، وأوصلها إلى ستة وسبعين شعبة، فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.

وفي حديث بني عبد القيس في الصحيحين الذين أسلموا قديمًا وكان مسكنهم في المنطقة الشرقية، (09:10)قالوا: يا رسول الله مرنا بأمر فصل نعمل به ونبلغ به ما وراءنا، فقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «آمركم بأربع، وأنهاكم عن أربع؛ آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تؤدوا فروض الله» إذًا فسَّر الإيمان بأي شيء؟ فسره بالأعمال « أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأداء الفروض»؛ هذه كلها أعمال، هذا يدخل في مسمى الإيمان.

أما المرجئة في (10:06) فلا يدخلون الأعمال في مسمى الإيمان إطلاقًا، (1020)

الطائفة الأولى:مرجئة الجهمية، ويتزعمهم الجهم بن صفوان، يرون أن الإيمان: معرفة الرب بالقلب فقط، معرفة الرب بالقلب، (10:48) إذا عرف ربه بقلبه عند الجهم فهذا مؤمن، ولا يكون كافرًا عند الجهم حتى ولو فعل جميع الكبائر، بل لو فعل جميع أنواع الردة، فلو قتل الأنبياء ولو هدم المساجد لا يكون كافرًا عندهم، إلا إذا ذهب الإيمان من قلبه (11:15)من عرف ربه بقلبه عند الجهم فهو مؤمن، ولا يكن كافرًا ولو  فعل جميع الكبائر إلا لو ذهب الإيمان من قلبه، هذا التعريف، تعريف الجهم بن صفوان وأبو الحسين الصالحي من القدرية؛ أن الإيمان: معرفة الرب بالقلب، لا يكون جهل الرب بالقلب؛ وهذا أفسد تعريف للإيمان، أفسد وأقبح تعريف للإيمان هو هذا، أفسد وأبعد تعريف هو هذا التعريف، هو تعريف فاسد تعريف باطل، تعريف لا يقبله العقل ولا تدل عليه اللغة، وعلى هذا التعريف يكون إبليس مؤمن؛ لأن إبليس عارف بربه، قال الله تعالى عنه: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[الحجر:36]، فمن يعرف ربه (12:12)، فلا يكون كافر عند الجهم، وفرعون مؤمن عند الجهم؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا}[النمل:14]؛ واليهود عند الجهم مؤمنون؛ لأنهم يعرفون صدق الرسول {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ}[البقرة:146]، وأبي طالب الذي ثبت أنه مات على الكفر، يكون عند الجهم يكون مؤمن؛ لأنه يقول في قصيدته المشهورة:

ولقد علمتم بأن دين محمد
 

 

من خير أديان البرية دينا
 

لولا الملامة أو حذاري سبة
 

 

لوجدتني سمحًا بذاك مبين
 

 

  هذا هو مذهب الجهم مذهب فاسد، بل إن العلماء كفروه هو، وقالوا: هو كافر بشهادته على نفسه، بهذا التعريف، نفس التعريف يكفره، التعريف الذي أقره يكفره؛ لأنه أجهل الناس بربه، الذي يقول هذا الكلام جاهل بربه، هو أجهل الناس ما عرف ربه، فيكون كافرًا (13:16) فالطائفة الأول،ى هذه الطائفة الأولى الجهمية، مرجئة الجهمية (13:24)

الطائفة الثانية:مرجئة الكرامية، أتباع محمد بن كرام، يقولون: الإيمان: النطق باللسان، إذا كان الجهم يقول: الإيمان: المعرفة بالقلب، فالكرامية يقولون: الإيمان هو النطق باللسان، فإذا نطق بلسانه وقال: لا إله إلا الله، يكون مؤمن ولو كان مكذبًا بقلبه، بل يقولون: إنه إذا نطق بلسانه فهو مؤمنٌ كامل الإيمان، وإذا كان مكذبًا بقلبه فيُخلد في النار، فهو بين الأمرين متناقضين: فيكون مؤمن كامل الإيمان مخلدٌ في النار، كيف يكون هذا؟ هكذا يترجمها (14:09)قالوا: نقول: مؤمن كامل الإيمان؛ لأنه نطق بلسانه، ونقول: مخلدٌ في النار؛ لأنه مكذبٌ بقلبه، فيلزم عل قولهم أن المؤمن كامل الإيمان مخلد في النار؛ وهذا يلي مذهب الجهم في الفساد.

الطائفة الثالثة:الماتريدية والأشعرية، مذهب الماتريدية والأشعرية، والأشعرية الذين يقولون: الإيمان تصديق القلب فقط، الإيمان تصديق القلب، وهذا رواية عن الإمام أبي حنيفة وعليه أصحابه، فالإيمان مذهب المرجئة مذهب الكرامية والأشعرية ورواية عن الإمام أبي حنيفة وعليه طائفة من أصحابه أن الإيمان هو تصديقٌ بالقلب فقط، والاعتراف باللسان مطلوب لكن ركن زائد خارج عن الإيمان، والأعمال ليست من الإيمان وإن كانت مطلوبة.

الطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء يقولون: الإيمان شيئان:

  1. النطق باللسان.
  2. وتصديق القلب.

وهذه الرواية المشهورة عن الإمام أبي حنيفة وعليها أكثر أصحابه، وهم طائفة من أهل السنة، إلا أنهم يخالفون الجمهور في القول بأن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان، وهم يوافقون الجمهور في المعنى فيقولون: الأعمال مطلوبة، الواجبات واجبات من فعل الواجب أثابه الله، ويستحق المدح والثناء، ومن فعل المحرم يعاقب ويُقام عليه الحد إذا (15:54)عليه الحد، ومتوعد بالوعيد لكن ما نسميه إيمان، الأعمال مطلوبة، والواجبات واجبات والمحرمات محرمات، لكن يقولون: ما نسميها إيمان، ماذا تسمونها؟ قالوا: نسميها بر، نسميها تقوى، نسميها هدى ولا نسميها إيمان، فيكون الإنسان عليه واجبان: واجب الإيمان وواجب العمل، أدي الواجبين: أدي واجب الإيمان وهو الصديق وأدي واجب العمل وهو شيء آخر غير الإيمان، أما جمهور أهل السنة فيقولون: الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، نسميها إيمان ونسميها هدى ونسميها بر ونسميها تقوى.

وقالوا للمرجئة: أنتم الآن ما تأدبتم مع النصوص، النصوص أدخلت الأعمال في مسمى الإيمان، الواجب التأدب مع النصوص، ولو كنتم توافقونا في المعنى، لكن يجب التأدب مع النصوص، واضح هذا؟ فالمرجئة الفقهاء هم طائفة من أهل السنة، لكن مع كونهم يوافقون أهل السنة في المعنى، إلا أن خلافهم مع جمهور أهل السنة خلاف له تأثير، وإن لم يكن له تأثيرٌ في فساد العقيدة لكن له تأثير آخر، منها أولًا: أن جمهور أهل السنة يوافق الكتاب والسنة في اللفظ والمعنى، ومرجئة الفقهاء وافقت الكتاب والسنة في المعنى وخالفوهما في اللفظ، والواجب على المسلم أن يتأدب مع النصوص، وألا يخالف الكتاب والسنة لا في اللفظ ولا في المعنى.

ثانيًا:(17:17) من الذي فتح لهم الباب؟ مرجئة الفقهاء.

الأمر الثالث:(17:38) في اللفظ والمعنى، لما قال مرجئة الفقهاء: أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان؛ وأن الإيمان هو التصديق، ويتساوى الناس فيه، إيمان الفاسق وإيمان العابد واحد، دخل الفساق وقال: ويأتي السكير العربيد فيقول: أنا مؤمنٌ كامل الإيمان، إيماني كإيمان أبي بكرٍ وعمر، وكإيمان جبريل وميكائيل وهو فاسقٌ عربيد، يشرب الخمر ويزني ويسرق، ويقول: إيماني كإيمان أبي بكر وعمر، فإذا قلت له: أبو بكر وعمر له أعمال عظيمة، قال: ما لنا دعوة في الإيمان، هو مصدق وأنا مصدق التصديق واحد، إيمان أهل السماء وأهل الأرض واحد، وإيمان الفساق وغيرهم، من الذي فتح الباب لهم؟ مرجئة الفقهاء لما أخرجوا الأعمال من سمى الإيمان.

الأمر الرابع: الاستثناء في الإيمان، وهو قول: أنا مؤمن إن شاء الله، فمرجئة الفقهاء يمنعون منعًا باتًا الاستثناء، فلا تقل: أنا مؤمن إن شاء الله، أنت تشك في إيمانك؟ أنت تعلم من نفسك أنك مصدق، تعلم أنك مصدق، فلماذا تقول: إن شاء الله؟ يمنعون منها ويقولون: من استثنى في إيمانه فهو شاك، ويسمون أهل السنة الشكاكة، أما جمهور أهل السنة فيقولون: يجوز الاستثناء، إذا قصد أن الأعمال كثيرة والواجبات واجبات كثيرة، والإنسان لا يزكي نفسه، ولا يدري أنه أدى ما عليه، ولا يزكي نفسه فيقول: مؤمن إن شاء الله، (19:20)، أما إذا قصد الشك في أصل الإيمان لا هذا ممنوع، وكذلك إذا قصد التبرك بذكر اسم الله له أن يستثني أن يقول: إن شاء الله، أو قصد عدم علمه بالعاقبة.

وبهذا يتبين أن الحق (19:42) هو من الإيمان: تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، وأن طوائف المرجئة الأربع كلها على ضلال على خطأ، إلا مرجئة الفقهاء طائفة من أهل السنة، وافقوا أهل السنة في المعنى لكن خلافهم مع جمهور أهل السنة يترتب عليه هذه الآثار الأربع التي سمعتوها، نعود بعدها إلى كلام المؤلف رحمه الله.

المؤلف رحمه الله يقول: (فأهل السنة يعتقدون ما جاء به الكتاب والسنة من أن الإيمان هو: تصديق القلب)؛ هذا واحد (المتضمن لأعمال الجوارح)؛ هذا اثنين (فيقولون: الإيمان اعتقادات القلوب وأعمالها)؛ هذا الأمر الثالث، (وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، وأنها كلها من الإيمان) كم ذكر المؤلف الآن؟ أربعة أشياء:

  1. تصديق القلب؛ هذا واحد.
  2. المتضمن لأعمال الجوارح؛ هذا اثنين.
  3. فيكون الإيمان اعتقادات القلوب وأعمالها.
  4. وأعمال الجوارح وأقوال اللسان؛ هذا الرابع، وأنها كلها بيد الله.

فإذًا المؤلف رحمه الله يقرر مذهب أهل السنة والجماعة، وأن مسمى الإيمان هو: تصديق القلب، وأقوال اللسان، واعتقادات القلوب وأعمالها وأعمال الجوارح.

(وأن من أكملها ظاهرًا وباطنًا، فقد أكمل الإيمان، ومن انتقص شيئًا منها فقد انتقص من إيمانه)؛ يعني من أكملها يعني أكمل ماذا؟ أعمال القلوب وأعمال الجوارح، المسمى لها ظاهرًا وباطنًا، ظاهرًا أعمال الجوارح وباطنًا أعمال القلوب، فقد أكمل الإيمان، ومن انتقص شيئًا منها نقص من أعمال القلوب أو من أعمال الجوارح فقد انتقص من إيمانه.

هذه الأمور التي هي أعمال القلوب وأعمال الجوارح، يقول المؤلف: (وهذه الأمور بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبةٌ من الإيمان)، المؤلف ذكر هذا من حديث أبي هريرة، يقول النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاه قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان»؛ هذا الحديث.

قال المؤلف رحمه الله: (ويرتبون على هذا الأصل) ما هو الأصل هذا؟ أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، أن أعمال القلوب وأعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، (ويرتبون على هذا الأصل أن الناس ثلاث درجات: مقربون وأصحاب يمين، وظالمون لأنفسهم بحسب مقاماتهم من الدين والإيمان وأنه)؛يعني الإيمان(يزيد وينقص) الدليل على أن الإيمان يزيد وينقص كثير، يقول الله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ}[التوبة:124-125]؛  وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}[الفتح:4]فقال: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا}[المدثر:31]؛ فالإيمان يزيد وينقص، والكفر يزيد وينقص.

قال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ}[النحل:88]؛ علماء أهل السنة يقولون: الإيمان يزيد وينقص، (23:30)

فمن فعل محرمًا أو ترك واجبًا نقص إيمانه الواجب ما لم يتب إلى الله،فالمؤلف رحمه الله قال: يرتبون على هذا الأصل أن الناس في الإيمان درجات: مقربون، وأصحاب يمين، وظالمون لأنفسهم.

المقربون وهم السابقون، يُقال لهم: السابقون ويُقال لهم: المقربون، وأصحاب اليمين هم الأبرار، فالمقربون هم الذين أدوا الواجبات، الواجبات أدوها كاملة، وكان عندهم نشاط فأدوا المستحبات، فأدوا الواجبات وفعلوا المستحبات، وتركوا المحرمات، وكان عندهم نشاط فتركوا المكروهات أيضًا، وتركوا أيضًا فضول المباحات حتى لا يقعوا في المكروهات؛ فهؤلاء يعني همتهم عالية، السابقون المقربون ما هي أعمالهم؟ يؤدون الواجبات ثم يؤدون المستحبات والنوافل، ويتركون المحرمات، ويتركون المكروهات، ويتركون فضول المباحات، أما الطائفة الثانية فهم أصحاب اليمين الأبرار، ما هو وصفهم؟ يؤدون الواجبات فقط، لكن ما عندهم نشاط لفعل المستحبات فيؤدون الواجبات، ويتركون المحرمات لكن ما عندهم نشاط لترك المكروهات بل يفعلون المكروهات كراهة التنزيه ويتوسعون في المباحات، مثل الرجل الذي جاء للنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ كما في الحديث، وقال: يا محمد ما الذي أوجبه الله عليّ؟ قال: «خمس صلاة في اليوم والليلة»، قال: والله ما أزيد على هذا ولا أنقص، ماذا أوجب من الصيام؟ قال: «صيام رمضان»، قال: والله ما أزيد على هذا ولا أنقص،وكل ما ذكر له، قال: ما أزيد ولا أنقص، ما يريد إلا أن يؤدي الواجب، فقال  النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «أفلح إن صدق»، فهذان الصنفان السابقون المقربون وأصحاب النبي الأبرار يدخلون الجنة من أول وهلة، فضلًا من الله وإحسانه لأنهم أدوا ما أوجب الله عليهم.

الطبقة الثالثة: الظالمون لأنفسهم وهم الذين قصروا في بعض الواجبات أو فعلوا بعض المحرمات، ظلموا أنفسهم بأي شيء؟ بالتقصير في بعض الواجبات، أو فعل بعض المحرمات، الصنف الأول والصنف الثاني السابقون وأصحاب اليمين يدخلون الجنة من أول وهلة، أما الظالمون لأنفسهم (26:35) قد يُعفى عنهم وقد يُعذبون، تحت المشيئة، كما قال الله تعالى:(26:30)منهم من يعذب في القبر، (26:37)، قصة الرجلين الذيم مر عليهما النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير؛ فإن أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة»، كلن عذبوا؛ لفعلهم بعض المحرمات، (27:10)، ما فعلوا الشرك، ما أصروا على الشرك، لكن الذنوب والمعاصي هذه طارئة عليهم، مثل الثوب إذا أصابه النجاسة يُغسل ويطهر، فهؤلاء إن عفا الله عنهم طهروا، وإن لم يعفُ الله عنهم لا بُدَّ أن يُطهروا بالنار، طهروا بالنار(27:50)إلى (28:45) وإذا عذب لا يخلد، بل لا بد أن يخرج، إما بشفاعة الشافعين، أو برحمة أرحم الراحمين، قد تواترت الأخبار أنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر مؤمنون موحدون مصدقون، ولكن لا تأكل النار وجوههم مواضع السجود، فثبت أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ يشفع أربع شفاعات، كل مرة يحد الله له حدًّا فيخرجهم، والملائكة يشفعون، والأنبياء يشفعون، والأفراط يشفعون والشهداء يشفعون، وتبقى بقية لا تنالهم الشفاعة فيخرجهم رب العالمين برحمته، ويقول: شفعت الملائكة وشفع النبيون، ولم يبقَ إلا رحمة أرحم الراحمين، فيخرج قومًا من النار لم يعملوا خيرًا قط، يعني زيادة عن التوحيد والإيمان، ويلقون في نهر الحياة، وقد خرجوا من الناروامتحشوا وصاروا فحمًا، فيُلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حمل السيل، فإذا هُذبوا ونُقوا أُذن لهم بدخول الجنة.

 وإذا تكامل فروض العصاة الموحدين ولم يبقَ في النار أحد من العصاة أُغلقت النار على الكفرة، فلا يخرجون منها أبد الآباد، اليهود، والنصارى، والوثنيين والشيوعيين، والملاحدة والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، ما يخرجون أبد الآباد كما قال سبحانه:{إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ}[الهمزة:8]؛ يعني مطبقة مغلقة، {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}[المائدة:37]، وقال سبحانه:{كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}[الإسراء:97]، وقال سبحانه:{لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}[النبأ:23]؛ المدد المتتالية كلما انتهى حقب يعقبه حقب إلى ما لا نهاية نسأل الله السلامة والعافية، فالكفرة لا حيلة في خروجهم، ماتوا على الكفر ما في حيلة، ولا يستطيع أن يحمي نفسه، ولا يحميه أحد من عذاب الله، ولو جاء بملء الأرض ذهبًا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}[المائدة:36-37]؛ نسأل الله السلامة والعافية، هذه هي أقسام الناس، إذًا أقسام الناس ثلاثة طبقات:

  1. السابقون المقربون.
  2. والأبرار المقتصدون.
  3. والظالمون لأنفسهم.
  4. بقي الصنف الرابع الكفرة.

 كما قال الله تعالى في بيان هذه الأوصاف الثلاثة في سورة فاطر، هذه الأقسام الثلاثة: السابقون، والمقتصدون، والظالمون أنفسهم كلهم اصطفاهم الله، وكلهم أورثه الله الكتاب، حتى الظالم لنفسه مصطفى؟ نعم، اصطفاه الله فكان من أهل الشرك، اصطفاه الله فكان من الموحدين، ولو كان من أهل المعاصي، اصطفاه الله (31:26) وكلهم ممن ورث الكتاب.

قال الله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ}[فاطر:32]؛ هذا الصنف الأول {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}[فاطر:32-33]؛  كل الأقسام الثلاثة يدخلونها، لكن الظالمون لأنفسهم قد يدخلها من أول وهلة وقد يتأخر، لكن في النهاية يدخلها، {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}[فاطر:33-35].

ثم جاء الصنف الرابع: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ}[فاطر:36]؛ فصار المؤمنون ثلاث طبقات والقسم الرابع: الكفرة بجميع أصنافهم لهم نار جهنم، لا يُقضى عنهم فيموتوا، ولا يوقف عنهم عذابها، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ويرتبون على هذا الأصل أن الناس في الإيمان درجات: مقربون وأصحاب يمين وظالمون لأنفسهم بحسب مقاماتهم من الدين والإيمان، وأنه يعني الإيمان يزيد وينقص، فمن فعل محرمًا أو ترك واجبًا نقص إيمانه ما لم يتب إلى الله.

(ويرتبون على هذا الأصل) إذًا من فعل محرم من أهل السنة أو ترك واجب ينقص إيمانه إلا إذا تاب، إذا تاب عاد إليه إيمانه، (ويرتبون على هذا الأصل)؛ يعني أهل السنة، يقول أهل السنة: (أن الناس ثلاثة أقسام: منهم من قام بحقوق الإيمان كلها فهو المؤمن حقًّا، ومنهم من تركها كلها فهذا كافر بالله تعالى، ومنهم من فيه إيمان وكفر أو إيمان ونفاق أو خير وشر؛ ففيه من ولاية الله واستحقاقه لكرامته بحسب ما معه من الإيمان، وفيه من عداوة الله واستحقاقه لعقوبة الله بحسب ما ضيعه من الإيـمان) إذًا الناس كم طبقة؟ ثلاث طبقات على هذا:

القسم الأول: من قام بحقوق الإيمان كلها، أدى الواجبات وترك المحرمات، ما حكمه؟ هذا هو المؤمن حقًّا، يُطلق عليه الإيمان، يُقال: هذا المؤمن حقًّا.

القسم الثاني: ترك الواجبات كلها وفعل المحرمات، وأعظم الواجب التوحيد والإيمان تركه، حكمه كافرٌ بالله العظيم، هذا كافر مخلد في النار، ترك الواجبات وأعظمها التوحيد والإيمان.

القسم الثالث: من فيه إيمان وكفر، وإيمان ونفاق وخير وشر، مؤمن ولكنه عاصي، فيه إيمان وفيه طاعات وفيه معاصي، يفعل الطاعات يصلي ويصوم مثلًا، ولكنه يزني ويسرق، ويشرب الخمر، ويعق والديه، أو يقطع رحمه أو يتعامل بالربا، أو يأكل الرشوة، أو يأكل حقوق الناس، أو يؤذي الجيران، أو يغتاب الناس أو ينم عليهم، إذًا في عنده ماذا؟ عنده إيمان وطاعات وعنده ماذا؟ معاصي، ما موقفنا منه؟ هذا يُعامل يُنظر إليه بمنظارين، إذا نظرت إلى إيمانه وتوحيده وطاعته تحبه، وإذا نظرت إلى معصيته ومعاصيه تبغضه، تبغضه تحبه من وجه وتبغضه من وجه، وتواليه من وجه وتعاديه من وجه، هكذا ينبغي للمؤمن أن يتسع قلبه لهذا، كما أن الله سبحانه وتعالى يواليه، فهو ولي لله من وجه، وعدو لله من وجه، ولي لله بحسب ما فيه من الإيمان والطاعات، وعدو لله بحسب ما فيه من المعاصي، فإذًا نظرت إلى كونه مؤمن وكونه يصلي وكونه يصوم وكونه يبر والديه تحبه، وإذا نظرت إلى كونه يزني أو يسرق أو يشرب الخمر أو يتعامل بالربا تبغضه وتعاديه، فتواليه وتعاديه بمنظارين، وتتوازن وهو وليٌّ لله من وجه وعدوٌّ لله من وجه.

بخلاف الكافر فهذا عدو لله من جميع الوجوه، هذا عدو عداوة كاملة، والمؤمن المطيع هذا وليٌّ لله ولاية كاملة؛ لأن الناس ثلاثة طبقات:

  1. وليٌ لله بإطلاق وهو المؤمن المطيع.
  2. وعدوٌ لله بإطلاق وهو الكافر.
  3. ووليٌ لله من وجه وعدوٌ لله من وجه وهو المؤمن العاصي.

 فهو وليٌ لله بحسب ما فيه من الإيمان والطاعات، وعدوٌ لله بحسب ما فيه من خصال الشرك والنفاق والبدعة وغيرها، واضح؟ هذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص وعليه المحققون، أما مرجئة الفقهاء الناس عندهم طائفتان؛ بمعنى القسم الثالث ما عندهم:

  1. إما مؤمن.
  2. وإما عدو.

إما ولي لله وهو المؤمن المطيع والعاصي، كله وليٌّ لله لماذا؟ والعاصي؟يقول: المعصية ما لها دعوة، المعصية ما تدخل في الإيمان، المهم مصدق فيكون وليًّا لله،الولاية بحسب الإيمان وهو مؤمن يواليه، أما المعصية شيء آخر، فالناس صنفان:

  1. ولي لله وهو المؤمن المطيع والمؤمن العاصي.
  2. وعدو لله وهو الكافر.

 ما عندهم القسم الثالث، لكن أهل السنة يقسمون الناس إلى هذه الأقسام، هذا معنى قول المؤلف:(ومنهم ما فيه إيمان وكفر أو إيمان ونفاق أو خير وشر، وفيه من ولاية الله واستحقاقه لكرامته بحسب ما معه من الإيمان، وفيه من عداوة الله واستحقاقه لعقوبة الله بحسب ما ضيعه من الإيمان).

 قال المؤلف رحمه الله: (ويرتبون على هذا الأصل العظيم أن كبائر الذنوب وصغائرها التي لا تصل بصاحبها إلى الكفر تنقص إيمان العبد من غير أن تخرجه من دائرة الإسلام ولا يخلد في نار جهنم، ولا يطلقون عليه الكفر كما تقوله الخوارج، أو ينفون عنه الإيمان كما تقوله المعتزلة؛ بل يقولون: هو مؤمنٌ بإيمانه فاسق بكبيرته؛ فمعه مطلق الإيمان، وأما الإيمان المطلق فيُنفى عنه) يرتبون على هذا الأصل أن كبائر الذنوب والصغائر التي لا تصل بصاحبها إلى الكفر تنقص الإيمان وتضعفه لكن لا تخرج من الإيمان، إذا ارتكب الزنا أو السرقة أو شرب الخمر أو تعامل بالربا، عند أهل السنة ما يخرج من الإيمان، ماذا يبقى معه؟ يضعف الإيمان وينقص، فالذنوب ولو عظمت ولو كثرت ما تقضي على الإيمان لكن تضعفه، متى يُقضى على الإيمان؟ إذا جاء الكفر، إذا جاء الكفر الأكبر، أو الشرك  الأكبر أو النفاق الأكبر، أو الظلم الأكبر، أو الفسق الأكبر أو الجهل الأكبر الذي يخرج من الملة انتهى الإيمان، ما يجتمع الإيمان والكفر ينتهي الإيمان ولا يبقى ولا ذرة من الإيمان، أما العاصي ولو عظمت ولو كثرت ما تقضي على الإيمان، بل يبقى ولو شيء قليل ولا يُخلد في النار؛ ولهذا جاء في حديث الشفاعة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ يقول الله له: «أخرج من النار ما كان في قلبه أدنى أدنىأدنى مثقال حبة خردل من الإيمان»، يبقى معه شيء من الإيمان ولو قليل يخرج به من النار، أما إذا جعل الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر، أو الظلم يقضي على الإيمان، لا يجتمع الكفر والإيمان أبدًا ولا شرك وتوحيد ما يمكن لا يجتمعان، إذا وُجد الإيمان ذهب الكفر، وإذا وُجد الكفر ذهب الإيمان، وإذا وُجد الشرك ذهب التوحيد، وإذا وجد التوحيد ذهب الشرك، لكن المعاصي ولو كثرت ولو عظمت يبقى معها الإيمان.

إذًا المؤلف رحمه الله يقول: (ويرتبون على هذا الأصل العظيم أن كبائر الذنوب وصغائرها التي لا تصل بصاحبها إلى الكفر تنقص إيمان العبد من غير أن تخرجه من دائرة الإسلام ولا يُخلد في نار جهنم إذ دخلها بل لا بُد أن يُخرج، ولا يطلقون عليه الكفر كما تقوله الخوارج) إذا فعل المعصية، فعل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر، ما يكون كافر، ماذا يقولون؟ مؤمن ضعيف الإيمان ناقص الإيمان، ولا يُنفى عنه الإيمان كما تقوله المعتزلة، فالمعتزلة يقولون: إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فيصير في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر سمي فاسق، وفي الآخرة يخلدون في النار، والخوارج يقولون: إذا فعل الكبيرة خرج من الإيمان ودخل في الكفر، فيسمونه كافر في الدنيا ويستحلون دمه وماله، وفي الآخرة يخلدونه في النار هذا باطل، الخوارج والمعتزلة مذهبهم باطل فاسد، الخوارج والمعتزلة ما هو مسمى الإيمان عندهم؟ عرفنا أن مسمى الإيمان عند المرجئة عند طوائف المرجئة: التصديق بالقلب، أو الإقرار باللسان، أو المعرفة أو شيئان، لكن الخوارج والمعتزلة ما هو مذهب الإيمان عندهم؟

 مثل أهل السنة، يقولون: الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب، وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، لكن يخالف أهل السنة يقولون: إذا فعل المعصية ذهب الإيمان، إذا فعل كبيرة انتهى الإيمان، أهل السنة يقولون: لا ما ينتهي يبقى، أهل الخوارج والمعتزلة، وإن وافقوا أهل السنة في مسمى الإيمان، وأن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالقلب، وعمل بالجوارح، إلا أنهم يقولون: إذا فعل كبيرة أو ترك واجب انتهى الإيمان، ذهب الإيمان، ودخل في الكفر، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ويدخل في الكفر، واضح الفرق بينهم وبين أهل السنة؟

 وهذا من أبطل الباطل، من قال لكم: إن المعصية تقضي على الإيمان؟! ما تقضي؛ لأنهم، شبهتهم يقولون: الإيمان حقيقة مركبة، والحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائه، والإيمان حقيقة مركبة من أي شيء؟ من تصديق بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، والحقيقة المركبة إذا زال منها جزء زالت كلها، فيقولوا: الإيمان حقيقة مركبة إذا زال زال جميعه، وإذا ثبت ثبت جميعه، نقول: هذا باطل ما هو بصحيح، الإنسان حقيقة مركبة من لحم ودم وأصابع ويدين ورجلين، إذا قطعنا أصبع من الإنسان هل يذهب مسمى الإنسان؟ ما يذهب لكن تنقص الحقيقة المركبة، وكذلك الإيمان إذا ذهب بعض الأعمال ما ينقص، فشبهتهم هذه شبهة فاسدة، ما هي شبهتهم؟ الإيمان حقيقة مركبة، والحقيقة المركبة تزول بزوال بعض أجزائها، نحن نقول: الإيمان حقيقة مركبة لكن لا تزول بزوال بعض أجزائها، بل تنقص بنقص بعض أجزائها، كما أن الإنسان حقيقة مركبة من لحم ودم، وعينين ولسان ويدين ورجلين وعظم وشعر، لكن إذا ذهب قُطع شيء من أصابعه، أو رجله أو جلده هل يذهب مسمى الإنسان؟ لا؛ تنقص، الحقيقة لكن لا تذهب.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ولا يطلقون عليه الكفر كما تقوله الخوارج، أو ينفون عنه الإيمان كما تقوله المعتزلة) نحن نقول: أو يثبتون له الإيمان كما تقوله المرجئة، المرجئة يقولون: إذا صدق بقلبه فهو كامل الإيمان، (بل يقولون) من هم؟  يعني أهل السنة والجماعة: يقولون عن من؟ عن العاصي، (هو مؤمنٌ بإيمانه فاسق بكبيرته؛ فمعه مطلق الإيمان، وأما الإيمان المطلق فيُنفى عنه)؛ أهل السنة يقولون: عن العاصي ماذا يقولون؟ هل يقولون مؤمن؟ لا، هل يقولون: ليس بمؤمن؟ لا؛ أهل السنة يفصلون في النفي والإثبات.

 من قال عن العاصي مرتكب الكبيرة مؤمن وسكت غلط عند أهل السنة، ومن قال: ليس بمؤمن غلط، ماذا يقول؟ يقيد في الإثبات وفي النفي، ففي الإثبات تقول: مؤمن فاسق، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، أو مؤمن ضعيف الإيمان، أو مؤمن ناقص الإيمان، تكون هنا أصبت، وفي النفي ما تقول: ليس بمؤمن، بل تقول: ليس بمؤمن حقًّا، ليس بصادق الإيمان، لأنك إذا قلت على مرتكب الكبيرة مؤمن وسكت وافقت المرجئة، وإذا قلت: ليس بمؤمن وسكت وافقت الخوارج والمعتزلة، فأنت بين باطلين، فلا بد أن تخرج من مذهب المعتزلة ومذهب المرجئة فتقول: هو مؤمنٌ بإيمانه فاسق بكبيرته، مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، وفي النفي ليس بمؤمن حقًّا، ليس بصادق الإيمان، فمعه مطلق الإيمان وليس معه الإيمان المطلق.

ما الفرق بين مطلق الإيمان والإيمان المطلق؟ العاصي يُثبت له مطلق الإيمان ولا يُعطى الإيمان المطلق، مطلق الإيمان والإيمان المطلق ما الفرق بينهما؟

مطلق الإيمان: أصل الإيمان هذا موجود معه، يثبت له أصل الإيمان.

والإيمان المطلق: الإيمان الكامل هذا ليس معه، وبهذا تفهم النصوص، النصوص عند النصوص الآن غلط فيها من غلط من أهل البدع، مثل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في الصحيحين: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» الرسول نفى عنه الإيمان، الخوارج قالوا: كافر، والمعتزلة قالوا: كافر، الرسول نفى عنه الإيمان إذًا هو كافر.

أهل السنة قالوا: نحن نضم النصوص بعضها إلى بعض، أنتم أهل زيغ تأخذون بعض النصوص وتتركون البعض الآخر؟ لو كان الزاني والسارق كافر لوجب قتله، والنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «من بدل دينه فاقتلوه» لو كان الزاني والسارق كافر لما ورث من أقاربه المسلمين، لو كان كافر لما أقيم عليه الحد، فإذًا الذي نفى عنه الرسول صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ هنا والقاتل مرتكب الكبيرة أثبت الله له الإخوة في قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}[البقرة:178]؛ وقال عن المسلمين المتقاتلين: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» سماهم كفار في القتال؛ وسماهم مؤمنين في الآية الأخرى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات:9]{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات:10]؛ أثبت لهم الإيمان، إذًا النصوص تُضم بعضها إلا بعض، فالذي نُفي، وفي الحديث: «لا يؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه»؛ إذًا الذي لا يأمن جاره بوائقه يكون كافر؟ الخوارج يقولوا: كافر والمعتزلة، «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فالذي لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه فهو كافر؟ هكذا يقول المعتزلة، لكن أهل السنة يقولون: الذي نُفي كمال الإيمان لا أصل الإيمان، أصل الإيمان عنده لو قلت للسارق أو شارب الخمر: لست بمؤمن؟ قال: أعوذ بالله، أنا مؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وأبرأ إلى الله من كلامك أنت تقول: أنت كافر، ما يقبل هو مؤمن مصدق، لكن الذي ارتفع عنه ما هو؟ كمال الإيمان الواجب، لو كان عنده إيمان كامل لما أقدم على السرقة، ولما أقدم على الزنا، ولما أقدم على عقوق الوالدين، إذًا عنده نقص في الإيمان، الذي هنا الإيمان إيمان، إيمان يثبت للعاصي، وإيمان يُنفى عنه، الإيمان إيمانان: إيمان يثبت للعاصي، وإيمان يُنفى عنه.

ما هو الذي يُثبت للعاصي؟ أصل الإيمان.

وما الذي يُنفى عنه؟ كمال الإيمان.

إذًا معه مطلق الإيمان، وليس معه الإيمان المطلق، يُثبت له مطلق الإيمان، ويُنفى عنه الإيمان المطلق، إذًا يُعطى مطلق الإيمان، ولا يُعطى الإيمان المطلق، هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ولا يطلقون عليه الكفر كما تقوله الخوارج، أو ينفون عنه الإيمان كما تقوله المعتزلة؛ بل يقولون: هو مؤمنٌ بإيمانه فاسق بكبيرته؛ فمعه مطلق الإيمان) لهذا أصل الإيمان، ( وأما الإيمان المطلق)؛ يعني الكامل (فيُنفى عنه).

وفقه الله الجميع لطاعته، وثبت اللخ الجميع على هداه.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد