شعار الموقع

شرح كتاب الحدود من سبل السلام_13

00:00
00:00
تحميل
6

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

اعتراف السَّارِق.

وَعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ، عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْمُنْذِرِ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ اعْتِرَافًا وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا إخَالُكَ سَرَقْت قَالَ: بَلَى فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ وَجِيءَ بِهِ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَتُبْ إلَيْهِ؛ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ ثَلَاثًا». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ, وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالْحَدِيثُ إذَا رَوَاهُ مَجْهُولٌ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً وَلَمْ يَجِبْ الْحُكْمُ بِهِ، قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ أَبُو الْمُنْذِرِ الْمَذْكُورُ فِي إسْنَادِهِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إلَّا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ تَلْقِينُ السَّارِقِ الْإِنْكَارَ، وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِسَارِقٍ: أَسَرَقْت؟ قُلْ: لَا» قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُصَحِّحُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: قَوْلُهُ: قُلْ: لَا لَمْ يُصَحِّحْهُ الْأَئِمَّةُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أُتِيَ بِجَارِيَةٍ سَرَقَتْ، فَقَالَ: أَسَرَقْت؟ قُولِي: لَا؛ فَقَالَتْ: لَا؛ فَخَلَّى سَبِيلَهَا.

وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ سَرَقَ فَسَأَلَهُ أَسَرَقْت؟ قُلْ: لَا؛ فَقَالَ: لَا، فَتَرَكَهُ وَسَاقَ رِوَايَاتٍ عَنْ الصَّحَابَةِ دَالَّةٌ عَلَى التَّلْقِينِ وَاخْتُلِفَ فِي إقْرَارِ السَّارِقِ فَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ثُبُوتِ السَّرِقَةِ بِالْإِقْرَارِ مِنْ إقْرَارِهِ مَرَّتَيْنِ وَكَأَنَّ هَذَا دَلِيلُهُمْ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِثْبَاتِ وَتَلْقِينِ الْمُسْقِطِ، وَلِأَنَّهُ تَرَدَّدَ الرَّاوِي هَلْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَكَانَ طَرِيقُ الِاحْتِيَاطِ لَهُمْ أَنْ يَشْتَرِطُوا الْإِقْرَارَ ثَلَاثًا وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ.

(الشرح)

وهذا بعد ثبوت الحديث والحديث فيهِ انقطاع لَكِنْ قد يقال: تشهد له الآثار والنصوص الأخرى كما سبق أن الخطابي قَالَ: إن الحديث متكلمٌ فيهِ, لَكِنْ بعد ثبوت الحديث يقال: إن هذا الترديد إِنَّمَا هو عَلَى سبيل تلقين السارق الإنكار وليس المقصود منه تكرار الإقرار.

(المتن)

وَذَهَبَ الْفَرِيقَانِ وَغَيْرُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي الْإِقْرَارُ مَرَّةً وَاحِدَةً كَسَائِرِ الْأَقَارِيرِ، وَلِأَنَّهَا قَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ رِوَايَاتٍ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا اشْتِرَاطُ عَدَدِ الْإِقْرَارِ.

(الشرح)

مثلًا في الدين إذا كَانَ عَلَى حق ثم أقره مرة واحدة كفى, الإقرار بالزنا هو الذي جاء بِهِ حديث ماعز.

(المتن)

(وَأَخْرَجَهُ) أَيْ حَدِيثَ أَبِي أُمَيَّةَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَسَاقَهُ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ: «اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ ثُمَّ احْسِمُوهُ» بِالْمُهْمَلَتَيْنِ, وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ: وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ, الْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى وُجُوبِ حَسْمِ مَا قُطِعَ وَالْحَسْمُ الْكَيُّ بِالنَّارِ: أَيْ يَكْوِي مَحَلَّ الْقَطْعِ لِيَنْقَطِعَ الدَّمُ.

(الشرح)

يُكوى محل القطع حتى يقف الدم؛ لِأَنَّهُ لو تثرك واستمر نزول الدم لمات, فهو يُكوى بالنار, وهذه الوسيلة الموجودة, أو بالزيت المغلي تُسد أفواه العروق فيقف الدم, لَكِنْ الآن مع تقدم الطب الآن يمكن أن يقف الدم بالأنواع والوسائل الحديثة الآن يقف الدم بدون الكي بالنار وبدون الزيت المغلي؛ لِأَنّ هذا فيهِ مشقة, الزيت المغلي فيهِ حرارة شديدة لَكِنْ الآن يمكن يُحسم بالطرق الحديثة الآن.

(المتن)

لِأَنَّ مَنَافِذَ الدَّمِ تَنْسَدُّ وَإِذَا تُرِكَ فَرُبَّمَا اسْتَرْسَلَ الدَّمُ فَيُؤَدِّي إلَى التَّلَفِ.

وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالْقَطْعِ وَالْحَسْمِ الْإِمَامُ، وَأُجْرَةُ الْقَاطِعِ وَالْحَاسِمِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَقِيمَةُ الدَّوَاءِ الَّذِي يُحْسَمُ بِهِ مِنْهُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى غَيْرِهِ.

(الشرح)

هذا مبهم, الضمير يعود إِلَى أي شيء؟ إلى بيت المال, وظاهره أَنَّه من بيت المال.

(المتن)

فَائِدَةٌ: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تُعَلَّقَ يَدُ السَّارِقِ فِي عُنُقِهِ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ: «أَنَّهُ سُئِلَ أَرَأَيْت تَعْلِيقَ يَدِ السَّارِقِ فِي عُنُقِهِ مِنْ السُّنَّةِ، قَالَ: نَعَمْ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ سَارِقًا ثُمَّ أَمَرَ بِيَدِهِ فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ» وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ سَارِقًا فَمَرَّ بِهِ وَيَدُهُ مُعَلَّقَةٌ فِي عُنُقِهِ؛ وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدَهُ سَارِقٌ مَرَّتَيْنِ فَقَطَعَ يَدَهُ وَعَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ قَالَ الرَّاوِي: فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى يَدِهِ تَضْرِبُ صَدْرَهُ.

(الشرح)

يَعْنِي: هَذِه الآثار ثبتت كي يكون عبرة وزجر لغيره, هذا مثل الصلب الذي يُصلب, بعض الجناة يُصلب ثلاثة أيام حتى يعتبر بِهِ غيره, فهو للزجر والاعتبار.

(المتن)

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَغْرَمُ السَّارِقُ إذَا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَبَيَّنَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَقَالَ حَاتِمٌ: هُوَ مُنْكَرٌ, رَوَاهُ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْمِسْوَرِ لَمْ يُدْرِكْ جَدَّهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَالَ النَّسَائِيّ: هَذَا مُرْسَلٌ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ.

(الشرح)

مرسل يَعْنِي: منقطع, المرسل يطلق عَلَى المنقطع ويطلق عَلَى ما سقط منه الصحابي, هذا مرسل يَعْنِي: منقطع, انقطاع بين الراوي وبين جده.

(المتن)

وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَ لَهُ عِلَّةً أُخْرَى, وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ إذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ السَّارِقِ لَمْ يَغْرَمْهَا بَعْدَ أَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَتْلَفَهَا قَبْلَ الْقَطْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَرَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ عَلَى مَذْهَبِهِ تَعْلِيلُ ذَلِكَ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ حَقَّيْنِ فِي حَقٍّ وَاحِدٍ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ فَصَارَ الْقَطْعُ بَدَلًا مِنْ الْغُرْمِ وَلِذَلِكَ إذَا ثَنَّى سَرِقَةَ مَا قُطِعَ بِهِ لَمْ يُقْطَعْ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَآخَرُونَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يَغْرَمُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ مَعَ مَا قِيلَ فِيهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}[البقرة/188].

وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسٍ» وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ فِي السَّرِقَةِ حَقَّانِ: حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَاقْتَضَى كُلُّ حَقٍّ مُوجِبَهُ وَلِأَنَّهُ قَامَ الْإِجْمَاعُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَوْجُودًا بِعَيْنِهِ أُخِذَ مِنْهُ فَيَكُونُ إذَا لَمْ يُوجَدْ فِي ضَمَانِهِ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الْأَمْوَالِ الْوَاجِبَةِ، وَقَوْلُهُ اجْتِمَاعُ الْحَقَّيْنِ مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ دَعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَإِنَّ الْحَقَّيْنِ مُخْتَلِفَانِ فَإِنَّ الْقَطْعَ بِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، وَالتَّغْرِيمَ لِتَفْوِيتِ حَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا فِي الْغَصْبِ وَلَا يَخْفَى قُوَّةُ هَذَا الْقَوْلِ.

(الشرح)

والحديث ضعيف لو صح ممكن يُقبل, لَكِنْ الحديث ضعيف.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد