شعار الموقع

شرح كتاب الجهاد من سبل السلام_18

00:00
00:00
تحميل
6

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام عَلَى نَبِيُّنَا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين؛ أما بعد:

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في سبل السلام:

مِقْدَار الْجِزْيَةَ عَلَى كُلّ حالم.

وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ وَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ» بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَةً وَتُكْسَرُ الْمِثْلُ.

(الشرح)

يَعْنِي: عَدله أو عِدله, قيل بمعنى واحد وقيل يختلف المعنى.

(المتن)

وَقِيلَ بِالْفَتْحِ مَا عَادَلَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ, (مَعَافِرِيًّا) بِفَتْحِ الْمِيمِ فَعَيْنٌ مُهْمَلَةٌ بَعْدَهَا أَلِفٌ فَفَاءٌ وَرَاءٌ بَعْدَهَا يَاءُ النِّسْبَةِ إلَى مَعَافِرَ وَهِيَ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ تُصْنَعُ فِيهَا الثِّيَابُ فَنُسِبَتْ إلَيْهَا فَالْمُرَادُ أَوْ عِدْلَهُ ثَوْبًا مَعَافِرِيًّا (أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ), وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَذُكِرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ مُرْسَلًا وَأَنَّهُ أَصَحُّ وَأَعَلَّهُ ابْنُ حَزْمٍ بِالِانْقِطَاعِ أَنَّ مَسْرُوقًا لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا وَفِيهِ نَظَرٌ, وَقَالَ أَبُو دَاوُد إنَّهُ مُنْكَرٌ، قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ هَذَا الْحَدِيثَ إنْكَارًا شَدِيدًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّمَا الْمُنْكَرُ رِوَايَةُ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ، فَأَمَّا رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ فَإِنَّهَا مَحْفُوظَةٌ قَدْ رَوَاهَا عَنْ الْأَعْمَشِ جَمَاعَةٌ.

مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةَ وَمَعْمَرٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَيَحْيَى بْنُ شُعْبَةَ وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ مُعَاذٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ أَوْ مَعْنَاهُ.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْجِزْيَةِ بِالدِّينَارِ مِنْ الذَّهَبِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَيْ بَالِغٍ وَفِي رِوَايَةٍ مُحْتَلِمٍ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ الدِّينَارُ مِمَّنْ ذُكِرَ فِي السَّنَةِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ: أَقَلُّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دِينَارٌ عَنْ كُلِّ حَالِمٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فَقَالَ الْجِزْيَةُ دِينَارٌ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِيِّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَعَلَ ذَلِكَ حَدًّا فِي جَانِبِ الْقِلَّةِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَتَجُوزُ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ النِّصْفُ فِي مُحَرَّمٍ وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ يُؤَدُّونَهَا إلَى الْمُسْلِمِينَ وَعَارِيَّةِ ثَلَاثِينَ دِرْعًا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا. وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا أَوْ ثَلَاثِينَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ السِّلَاحِ يَغْزُو بِهَا الْمُسْلِمُونَ ضَامِنِينَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْهِمْ إنْ كَانَ بِالْيَمَنِ كَيْدٌ».

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ سَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ يَذْكُرُ أَنَّ قِيمَةَ مَا أَخَذُوا مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عُمَرُ فَإِنَّهُ أَخَذَ زَائِدًا عَلَى الدِّينَارِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِي الْجِزْيَةِ.

(الشرح)

يَعْنِي: ليس هناك وقف, يَعْنِي: الوقف هو أن يكون فيهِ دليل ونص يوقف عنده.

(المتن)

فِي الْقِلَّةِ وَلَا فِي الْكَثْرَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى نَظَرِ الْإِمَامِ، وَيَجْعَلُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَحْمُولَةً عَلَى التَّخْيِيرِ وَالنَّظَرِ فِي الْمَصْلَحَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْأُنْثَى لِقَوْلِهِ " حَالِمٍ " قَالَ فِي نِهَايَةِ الْمُجْتَهِدِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ إلَّا بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ الذُّكُورَةِ وَالْبُلُوغِ وَالْحُرِّيَّةِ.

(الشرح)

عَلَى هذا الأنثى لا تدفع جزية, والصبي لا يدفع, العبد لا يدفع الجزية أيضًا.

(المتن)

وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَجْنُونِ الْمُقْعَدِ وَالشَّيْخِ وَأَهْلِ الصَّوَامِعِ وَالْفَقِيرِ قَالَ: وَكُلُّ هَذِهِ مَسَائِلُ اجْتِهَادِيَّةٌ لَيْسَ فِيهَا تَوْقِيفٌ شَرْعِيٌّ قَالَ: وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ هَلْ يُقْتَلُونَ أَمْ لَا؟ هَذَا وَأَمَّا رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عُتَيْبَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى مُعَاذٍ بِالْيَمَنِ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَوْ حَالِمَةٍ دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ» فَإِسْنَادُهَا مُنْقَطِعٌ وَقَدْ وَصَلَهُ أَبُو شَيْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ «فَعَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارٌ أَوْ عِدْلُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ أَوْ عِوَضُهُ مِنْ الثِّيَابِ».

لَكِنَّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَبُو شَيْبَةَ ضَعِيفٌ، وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَلَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَعَنْ عُرْوَةَ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ مُعَاذٍ وَفِيهِ " وَحَالِمَةٍ " لَكِنْ قَالَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ: إنَّ مَعْمَرًا إذَا رَوَى عَنْ غَيْرِ الزُّهْرِيِّ غَلِطَ كَثِيرًا.

وَبِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْأُنْثَى حَدِيثٌ يُعْمَلُ بِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ وَعَدَدًا مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْيَمْنِ وَكُلُّهُمْ حَكَوْا عَنْ عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ يَحْكُونَ عَنْ عَدَدٍ مَضَوْا قَبْلَهُمْ كُلُّهُمْ ثِقَةٌ أَنَّ صُلْحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ وَلَا يُثْبِتُونَ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ مِمَّنْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ، وَقَالَ عَامَّتُهُمْ: وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَقَدْ كَانَ لَهُمْ زُرُوعٌ وَلَا مِنْ مَوَاشِيهِمْ شَيْئًا عَلِمْنَاهُ.

قَالَ: وَسَأَلْت عَدَدًا كَبِيرًا مِنْ ذِمَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ مُتَفَرِّقِينَ فِي بُلْدَانِ الْيَمَنِ فَكُلُّهُمْ أَثْبَتَ لِي لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُمْ أَنَّ مُعَاذًا أَخَذَ مِنْهُمْ دِينَارًا عَنْ كُلِّ بَالِغٍ مِنْهُمْ وَسَمَّوْا الْبَالِغَ حَالِمًا قَالُوا: وَكَانَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مُعَاذٍ «إنَّ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ هَذَا وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ الْجِزْيَةِ مِمَّنْ بَذَلَهَا وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}[التوبة/29] الْآيَةَ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْقِتَالُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صَدْرِ الْآيَةِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ}[التوبة/ 29].

بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ وَأَمَّا جَوَازُهُ وَعَدَمُ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فَتَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْقِتَالِ عِنْدَ حُصُولِ الْغَايَةِ وَهُوَ إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ فَيَحْرُمُ قِتَالُهُمْ بَعْدَ إعْطَائِهَا.

(الشرح)

فإن قيل: يَعْنِي المرأة ما يؤخذ منها شيء؟.

لا, خاص بالرجل البالغ, وَكَذَلِكَ الفقير اللي ما يستطيع لا يؤخذ منه.

(المتن)

وَعَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ, فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عُلُوِّ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ فِي كُلِّ أَمْرٍ لِإِطْلَاقِهِ فَالْحَقُّ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ إذَا عَارَضَهُمْ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي إلْجَائِهِمْ إلَى مَضَايِقِ الطُّرُقِ وَلَا يَزَالُ دِينُ الْحَقِّ يَعْلُو وَيَزْدَادُ عُلُوًّا وَالدَّاخِلُونَ فِيهِ أَكْثَرُ فِي كُلِّ عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ, فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ بِالسَّلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَصْلُ النَّهْيِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ خِلَافُ أَصْلِهِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ الْأَقَلُّ. وَإِلَى التَّحْرِيمِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ إلَى جَوَازِ الِابْتِدَاءِ لَهُمْ بِالسَّلَامِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّهُ يُقَالُ: السَّلَامُ عَلَيْك بِالْإِفْرَادِ، وَلَا يُقَالُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}[البقرة/ 83] وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ مَخْصُوصَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهَذَا إذَا كَانَ الذِّمِّيُّ مُنْفَرِدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ مُسْلِمٌ جَازَ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ يَنْوِي بِهِ الْمُسْلِمَ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ.

وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ لَا تَبْدَءُوا أَنَّهُ لَا يَنْهَى عَنْ الْجَوَابِ عَلَيْهِمْ إنْ سَلَّمُوا، وَيَدُلُّ لَهُ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء/ 86].

وَأَحَادِيثُ «إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ الْيَهُودَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُولُوا وَعَلَيْك» وَفِي رِوَايَةٍ " قُلْ وَعَلَيْك " أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَكِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْكُمْ وَهُوَ هَكَذَا بِالْوَاوِ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَاتٍ.

قَالَ الْخَطَّابِيُّ: عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْفَ بِالْوَاوِ، قَالُوا: وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إذَا حُذِفَ صَارَ كَلَامُهُ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِذَا أَثْبَتَ الْوَاوَ اقْتَضَى الْمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوا، قَالَ النَّوَوِيُّ: إثْبَاتُ الْوَاوِ وَحَذْفُهَا جَائِزٌ إنْ صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ فَإِنَّ الْوَاوَ وَإِنْ اقْتَضَتْ الْمُشَارَكَةَ فَالْمَوْتُ هُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ وَلَا امْتِنَاعَ. وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إلْجَائِهِمْ إلَى مَضِيقِ الطُّرُقِ إذَا اشْتَرَكُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فِي الطَّرِيقِ فَيَكُونُ وَاسِعُهُ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنْ خَلَتْ الطَّرِيقُ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ الْيَهُودُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ تَعَمُّدِ جَعْلِ الْمُسْلِمِ عَلَى يَسَارِهِمْ إذَا لَاقَاهُمْ فِي الطَّرِيقِ فَشَيْءٌ ابْتَدَعُوهُ لَمْ يُرْوَ فِيهِ شَيْءٌ وَكَأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ التَّفَاؤُلَ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَيَنْبَغِي مَنْعُهُمْ مِمَّا يَتَعَمَّدُونَهُ مِنْ ذَلِكَ لِشِدَّةِ مُحَافَظَتِهِمْ عَلَيْهِ وَمُضَادَّةِ الْمُسْلِمِين.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد