شعار الموقع

شرح كتاب الأيمان والنذور من سبل السلام_6

00:00
00:00
تحميل
5

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

[نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الحرام]

(وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: «نَذَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ حَافِيَةً فَأَمَرَتْنِي أَنْ أَسْتَفْتِيَ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَفْتَيْته فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ: وَلِأَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةُ فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا مُرْهَا فَلْتَخْتَمِرْ وَلْتَرْكَبْ وَلْتَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ وَلَهُ أَنْ يَرْكَبَ لِغَيْرِ عَجْزٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ.

(الشرح)

والغالب أَنَّهُ في مشقة عظيمة وأَنَّهُ يعجز هَذَا الغالب إِلَّا إذا كَانَ قريب, يَعْنِي قريب من مكة هَذَا قَدْ يقال يَجِبُ الوفاء عَلَيْهِ, قَدْ يستثني من هَذَا إِذَا كَانَ قريبًا, أو كَانَ من أهل مكة, إِذَا نذر أن يحج ماشيًا يستطيع في مكة أو كَانَ قريبًا مِنْهَا, حولها من القرى؛ فَإِنَّهُ يفي بنذره, أَمَّا إِن كَانَ بعيدًا فَإِن هَذَا نذر لا يطاق.

(المتن)

 وَذَهَبَتْ الْهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّكُوبُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فَإِذَا عَجَزَ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ وَلَزِمَهُ دَمٌ مُسْتَدِلِّينَ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لِحَدِيثِ «عُقْبَةَ بِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ إنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً وَإِنَّهَا لَا تُطِيقُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَغَنِيٌّ عَنْ مَشْيِ أُخْتِك فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً» قَالُوا فَتَقْيِيدُ رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ وَلْتَمْشِ إنْ اسْتَطَاعَتْ وَتَرْكَبْ فِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا تُطِيقُ الْمَشْيَ فِيهِ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ (فَلْتَخْتَمِرْ) ذَكَرَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ «أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ لِلَّهِ مَاشِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ.

(الشرح)

أيْ كاشفة سافرة الوجه والرأس, هَذِهِ معصية لَابُدَّ من تحتجب عَنْ الرجال الأجانب, الحج فِيهِ زحام.

النساء في حديث عائشة خمرت وجهي بجلبابي, دَلَّ عَلَى أن المرأة تستر وجهها بَعْدَ الحجاب, وقبل الحجاب كانت تكشف الوجه.

(المتن)

فِي الرِّوَايَةِ «أَنَّهَا نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ لِلَّهِ مَاشِيَةً غَيْرَ مُخْتَمِرَةٍ قَالَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مُرْهَا - الْحَدِيثَ» وَلَعَلَّ الْأَمْرَ بِصِيَامِ ثَلَاثِهِ أَيَّامٍ لِأَجْلِ النَّذْرِ بِعَدَمِ الِاخْتِمَارِ فَإِنَّهُ نَذْرٌ بِمَعْصِيَةٍ فَوَجَبَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ مَنْ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي النَّذْرِ بِمَعْصِيَةٍ.

(الشرح)

هَذَا يؤيد؛ لِأَنَّ حجها كاشفة سافرة الوجه للرجال معصية.

(المتن)

 إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ فِي إسْنَادِهِ اخْتِلَافًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ قَوْلِهِ: فَلْتَرْكَبْ " وَلْتُهْدِ بَدَنَةً " قَالَ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، إلَّا أَنَّهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يَصِحُّ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْأَمْرُ بِالْإِهْدَاءِ فَإِنْ صَحَّ فَكَأَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ وَفِي وَجْهِهِ خَفَاءٌ.

 وفاء نَذْر الْمَيِّت

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: «اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَقَالَ: اقْضِهِ عَنْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ, لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا هُوَ النَّذْرُ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ «أَفَيُجْزِئُ أَنْ أُعْتِقَ عَنْهَا فَقَالَ أَعْتِقْ عَنْ أُمِّك» فَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا نَذَرَتْ بِعِتْقِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيّ «عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: سَقْيُ الْمَاءِ» فَإِنَّهُ فِي أَمْرٍ آخَرَ غَيْرِ الْفُتْيَا إذْ هَذَا فِي سُؤَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّدَقَةِ تَبَرُّعًا عَنْهَا.

(الشرح)

في حديث ابْنُ عَبَّاسٍ: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّى تُوُفِّيَتْ، وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّى أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِىَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا». رواه البخاري في الصحيح.

(المتن)

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَلْحَقُ الْمَيِّتَ مَا فُعِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ عِتْقٍ وَصَدَقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ. وَهَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْوَارِثِ؟ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَقْضِيَ النَّذْرَ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً وَكَذَا غَيْرُ الْمَالِيِّ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ سَعْدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ سَعْدٍ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالظَّاهِرُ مَعَ الظَّاهِرِيَّةِ إذْ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ.

(الشرح)

إِذَا كَانَ ماليًا وَلَمْ يخلف تركة معناه الوارث سيقضيه من ماله هُوَ, ولَيْسَ هناك دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الوارث أن يغرم, أَمَّا إِذَا كَانَ غير مالي كالصيام فَإِنَّهُ يقضي ولا يلزم أَيْضًا, إِذَا مات وَعَلَيْهِ نذر صوم أن أحب الولي أن يصوم صام, لحديث عائشة: «من مات وَعَلَيْهِ صيام صام عنه وليه», وإن لَمْ ير بالصيام يطعم عنه مسكين من تركته.

قوله: (ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَقْضِيَ النَّذْرَ عَنْ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً وَكَذَا غَيْرُ الْمَالِيِّ), لا يَجِبُ وَإِنَّمَا هُوَ مشروع ومندوب إليه أن يتبرع ويقضي.

قوله: (وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ سَعْدٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ حَدِيثَ سَعْدٍ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالظَّاهِرُ مَعَ الظَّاهِرِيَّةِ إذْ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ), يَعْنِي الصنعاني يرجح مذهب الظاهرية, وأين الْأَمْرِ؟ «اقضه عنها»,  الأصح أن الْأَمْرِ للوجوب وَهَذَا هُوَ المعروف عِنْد الجمهور, وَأَمَّا القول بأن الْأَمْرِ للنذر ضعيف, الآمدي في كتاب أحكام الأحكام سلك مسلكًا ضعيفًا قرر الْأَمْرِ للندب, هُوَ أصولي معروف كتاب الأحكام وأطال في هَذَا, لكن قَدْ يقال: إِن الْأَمْرِ للوجوب؛ لِأَنَّ الميت له تركة.

قوله: «اسْتَفْتَى سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ فَقَالَ: اقْضِهِ عَنْهَا». هَذَا أمر, لكن قَدْ يجيب الجمهور بِأَنَّهُ يقضيه عنها من تركتها لا من ماله هُوَ, فَإِذَا لَمْ تخلف تركة فلا يَجِبُ عَلَيْهِ, وإن خلفت تركة وَجَبَ.

وَكَذَلِكَ الصيام لا يَجِبُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ مستحب «من مات وَعَلَيْهِ صوم صام عنه وليه», فَإِن لَمْ يرغب في الصيام أطعم عَنْ كُلّ يَوْم مسكين.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد