شعار الموقع

شرح كتاب القضاء من سبل السلام_8

00:00
00:00
تحميل
6

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

(وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ فَقَالَ: «إنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَتَمَامُهُ " فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ " اُسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ مَنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ نَظَرًا إلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَأَنَّهُ يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الْمُعَدِّلِ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ عَنْ حَقِيقَةِ سَرِيرَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَذَّرٌ إلَّا بِالْوَحْيِ، وَقَدْ انْقَطَعَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَوْرَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَلَامَ صَحَابِيٍّ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ بِهِ عُمَرُ وَأَقَرَّهُ مَنْ سَمِعَهُ فَكَانَ قَوْلَ جَمَاهِيرِ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْجَارِي عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْمَجْهُولُ.

وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ " أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَسْت أَعْرِفُك وَلَا يَضُرُّك أَنْ لَا أَعْرِفَك ائْتِ بِمَنْ يَعْرِفُك فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا أَعْرِفُهُ. قَالَ بِأَيِّ شَيْءٍ تَعْرِفُهُ؟ قَالَ بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ فَقَالَ: هُوَ جَارُك الْأَدْنَى الَّذِي تَعْرِفُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَمُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ؟ قَالَ لَا. قَالَ فَعَامَلَك بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ اللَّذَيْنِ يُسْتَدَلُّ بِهِمَا عَلَى الْوَرَعِ قَالَ: لَا قَالَ فَرَفِيقُك فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ قَالَ: لَا قَالَ لَسْت تَعْرِفُهُ ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ ائْتِ بِمَنْ يَعْرِفُك " قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَوَاهُ الْبَغَوِيّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

(الشرح)

هَذَا أصل في التزكية, وأَنَّهُ لَابُدَّ من تزكية الشهود, المعدل يعرف أحد هَذِهِ الأمور الثلاثة, إِمَّا أن يكون جار له يعرف ليله ونهاره ومخرجه ومدخله, وَإِمَّا أن يعامله بالمال, الدنيا محك الرجال, تجد بَعْض النَّاس تصلي ويحرض عَلَى الصلوات الخمس, ويبر والديه, لكن إِذَا عاملته بالدينار والدرهم تجده حيةً رقطاء, لا يبالي يأكل أموال النَّاس بالباطل, الصَّلَاة أنت ما تأخذ منه شيء, لكن الدراهم هَذَا لَيْسَ عندهم أمانة ولا ثقة, فَإِذَا عاملته بالدينار والدرهم ووجدته أمين, هَذَا أَيْضًا طريق من مطرق التزكية.

وَالْأَمْرِ الثالث: السفر, إِذَا سافرت معه ورأيته يتبين معدنه, السفر يكشف عَنْ أخلاق الرجال, يتبين لك حسن خلقه أو سوء خلقه, وصبره وعدم صبره, ولهذا قَالَ له عمر: لَيْسَ جارًا لك, وَلَمْ تسافر معه, وَلَمْ تعامله؛ ما عرفته.

(المتن)

[العبرة فِي عَدَالَة الشَّاهِد]

(وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَدَّ شَهَادَةَ الزُّورِ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي حَدِيثٍ) وَلَفْظُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا قَالُوا بَلَى. قَالَ: الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ. وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ. وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ. تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ شَهَادَةِ الزُّورِ. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: الزُّورُ تَحْسِينُ الشَّيْءِ وَوَصْفُهُ بِخِلَافِ صِفَتِهِ حَتَّى يُخَيَّلَ إلَى مَنْ سَمِعَهُ أَوْ رَآهُ أَنَّهُ بِخِلَافِ مَا هُوَ بِهِ فَهُوَ تَمْوِيهُ الْبَاطِلِ بِمَا يُوهِمُ أَنَّهُ حَقٌّ، وَقَدْ جَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَ الزُّورِ عَدِيلًا لِلْإِشْرَاكِ وَمُسَاوِيًا لَهُ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمُتَبَادَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشِّرْكَ أَكْبَرُ بِلَا شَكٍّ وَكَذَلِكَ الْقَتْلُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ وَذَلِكَ بِأَنَّ التَّفْضِيلَ لَهَا بِالنَّظَرِ إلَى مَا يُنَاظِرُهَا فِي الْمَفْسَدَةِ، وَهِيَ التَّسَبُّبُ إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَهِيَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَبَائِرِ الَّتِي يُتَسَبَّبُ بِهَا إلَى أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ فَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الزِّنَى وَمِنْ السَّرِقَةِ وَإِنَّمَا اهْتَمَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْبَارِهِمْ عَنْ شَهَادَةِ الزُّورِ.

(الشرح)

محتمل فَهِيَ أكبر الكبائر أو يحتمل أَنَّهَ فَلَيْسَ أكبر من السرقة والزنا, ولكن الشرع اهتم بها لما يترتب عَلَيْهِ من المفاسد, قَدْ يقال هَذَا يراجع الأصل, ويحتمل أَنَّهَا أكبر منه لما يترتب عليها من مفاسد, أو المحتمل أن المراد ليست أكبر من الزنا والربا ولكن اهتم بها الشارع لما يترتب عليها من المفاسد وأَنَّهُ يحمل عليها أمور متعددة.

(المتن)

وَجَلَسَ وَأَتَى بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ وَكَرَّرَ الْإِخْبَارَ لِكَوْنِ قَوْلِ الزُّورِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ أَسْهَلَ عَلَى اللِّسَانِ وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرَ؛ وَلِأَنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا فَاحْتِيجَ إلَى الِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ بِخِلَافِ الْإِشْرَاكِ فَإِنَّهُ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا تَتَعَدَّى مَفْسَدَتُهُ إلَى غَيْرِ الْمُشْرِكِ بِخِلَافِ قَوْلِ الزُّورِ فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إلَى مَنْ قِيلَ فِيهِ، وَالْعُقُوقُ يَصْرِفُ عَنْهُ كَرْمُ الطَّبْعِ وَالْمُرُوءَةُ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد