شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_2

00:00
00:00
تحميل
6

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْبِرُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ وَبِمَعْنَى الصَّدَقَةِ وَبِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالْمَبَرَّةِ.

(الشرح)

البر كلمة عامة تشمل الدين كله, إِذَا قِيلَ: البر, اشتمل الدين كله, وَإِذَا اجتمع مَعَ التقوى فسر البر بفعل الواجبات والأوامر والتقوى بترك المحرمات, {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة/2].

وَإِذَا أطلق شمل الدين كله من البر والإيمان وَالإِسْلامُ, والهدى, تشمل الدين كله إِذَا أطلقت.

(المتن)

 وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَبِمَعْنَى الطَّاعَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ مَجَامِعُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: حُسْنُ الْخُلُقِ مُخَالَقَةُ النَّاسِ بِالْجَمِيلِ وَالْبِشْرُ وَالتَّوَدُّدُ لَهُمْ وَالْإِشْفَاقُ عَلَيْهِمْ وَاحْتِمَالُهُمْ وَالْحَمْلُ عَنْهُمْ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِمْ فِي الْمَكَارِهِ وَتَرْكُ الْكِبْرِ وَالِاسْتِطَالَةِ عَلَيْهِمْ وَمُجَانَبَةُ الْغِلْظَةِ وَالْغَضَبِ وَالْمُؤَاخَذَةِ.

وَحَكَى فِيهِ خِلَافًا هَلْ هُوَ غَرِيزَةٌ أَوْ مُكْتَسَبٌ؟ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ غَرِيزَةٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُكْتَسَبٌ بِالتَّخَلُّقِ وَالِاقْتِدَاءِ بِغَيْرِهِ وَقَالَ الشَّرِيفُ فِي التَّعْرِيفَاتِ: قِيلَ حُسْنُ الْخُلُقِ هَيْئَةٌ رَاسِخَةٌ تَصْدُرُ عَنْهَا الْأَفْعَالُ الْمَحْمُودَةُ بِسُهُولَةٍ وَتَيَسُّرٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى إعْمَالِ فِكْرٍ وَرَوِيَّةٍ انْتَهَى. قِيلَ وَيَجْمَعُ حُسْنَ الْخُلُقِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «طَلَاقَةُ الْوَجْهِ وَكَفُّ الْأَذَى وَبَذْلُ الْمَعْرُوفِ وَحُسْنُ الْخُلُقُ» .

وَقَوْلُهُ «وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» أَيْ تَحَرَّكَ الْخَاطِرُ فِي صَدْرِك وَتَرَدَّدْت هَلْ تَفْعَلُهُ لِكَوْنِهِ لَا لَوْمَ فِيهِ أَوْ تَتْرُكُهُ خَشْيَةَ اللُّوَّمِ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ النَّاسِ لَوْ فَعَلْته فَلَمْ يَنْشَرِحْ بِهِ الصَّدْرُ وَلَا حَصَلْت الطُّمَأْنِينَةُ بِفِعْلِهِ خَوْفَ كَوْنِهِ ذَنْبًا. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي تَرْكُ مَا تُرُدِّدَ فِي إبَاحَتِهِ. وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَّا مَا لَا يَرِيبُك» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ.

(الشرح)

يريبك لاشك أن الفتح أشهر, لكن يحتاج الرجوع إِلَى الأصل, من راب يريب, يُريب, يَعْنِي من الثلاثية ومن الرابعية, راب يُريب محل نظر, لكن لاشك أن الفتحة أولى.

(المتن)

 وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِلنَّفْسِ إدْرَاكًا لِمَا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ وَزَاجِرًا عَنْ فِعْلِهِ بمجرد النفس.

 [لَا يتناجى اثْنَانِ دُون الثَّالِث]

(وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ» الْمُنَاجَاةُ الْمُشَاوِرَةُ وَالْمُسَارَّةُ (دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ) وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ (مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ) مِنْ أَحْزَنَ يُحْزِنُ مِثْلُ أَخْرَجَ يُخْرِجُ أَوْ مِنْ حَزَنَ يَحْزُنُ بِضَمِّ الزَّايِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ) فِيهِ النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي الِاثْنَيْنِ إذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ إلَّا إذَا كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّهُ يُحْزِنُهُ انْفِرَادُهُ وَإِيهَامُ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُؤْهَلْ لِلسِّرِّ أَوْ يُوهِمُهُ أَنَّ الْخَوْضَ مِنْ أَجْلِهِ وَدَلَّتْ الْعِلَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً فَلَا نَهْيَ عَنْ انْفِرَادِ اثْنَيْنِ بِالْمُنَاجَاةِ لِفَقْدِ الْعِلَّةِ.

وَظَاهِرُهُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْأَحْوَالِ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ، وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْآيَاتُ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ فَهِيَ فِي نَهْيِ الْيَهُودِ عَنْ التَّنَاجِي كَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى}[المجادلة/8] قَالَ الْيَهُودُ وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: «كَانَ بَيْنَ الْيَهُودِ وَبَيْنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوَادَعَةٌ فَكَانُوا إذَا مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسُوا يَتَنَاجَوْنَ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَظُنَّ الْمُؤْمِنُ أَنَّهُمْ يَتَنَاجَوْنَ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَا يَكْرَهُ الْمُؤْمِنُ فَإِذَا رَأَى الْمُؤْمِنُ ذَلِكَ خَشِيَهُمْ فَتَرَكَ طَرِيقَهُ عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ النَّجْوَى فَلَمْ يَنْتَهُوا فَأَنْزَلَ اللَّهُ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى}[المجادلة/8]» .

[التفسح فِي المجالس]

(وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ " لَا يُقِيمَنَّ " بِصِيغَةِ النَّهْيِ مُؤَكَّدًا فَلَفْظُ الْخَبَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي أَتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَعْنَى النَّهْيِ. وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ فَمَنْ سَبَقَ إلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَهُ مِنْهُ، إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَفَادَ حَدِيثُ «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْ سَبَقَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ بِقُعُودِهِ فِيهِ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ فَارَقَهُ لِأَيِّ حَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ وَقَدْ قَعَدَ فِيهِ أَحَدٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يُقِيمَهُ مِنْهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَقَالُوا: لَا فَرْقَ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ وَيَتْرُكَ فِيهِ سَجَّادَةً أَوْ نَحْوَهَا أَوْ لَا فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقُّ بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَحْدَهَا دُونَ غَيْرِهَا.

وَالْحَدِيثُ يَشْمَلُ مَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ لِتِجَارَةٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا قَالُوا، وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَادَ فِي الْمَسْجِدِ مَحَلًّا يُدَرِّسُ فِيهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، قَالَ الْمَهْدِيُّ: إلَى الْعَشِيِّ. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إلَى الْأَبَدِ مَا لَمْ يُضْرِبْ.

وَأَمَّا إذَا قَامَ الْقَاعِدُ مِنْ مَحَلِّهِ لِغَيْرِهِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ جَوَازُهُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ لَهُ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ لَا يَقْعُدُ فِيهِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهُ تَوَرُّعًا لِجَوَازِ أَنَّهُ قَامَ لَهُ حَيَاءً مِنْ غَيْرِ طِيبَةِ نَفْسٍ.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد