شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_23

00:00
00:00
تحميل
5

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

[النَّهْي عَنْ مضارة الْمُسْلِم]

(وَعَنْ أَبِي صِرْمَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ اشْتَهَرَ بِكُنْيَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، وَهُوَ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنْ الْمَشَاهِدِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ ضَارَّ مُسْلِمًا ضَارَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ شَاقَّ مُسْلِمًا شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ) أَيْ مَنْ أَدْخَلَ عَلَى مُسْلِمٍ مَضَرَّةً فِي مَالِهِ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ عِرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ضَارَّهُ اللَّهُ أَيْ جَازَاهُ مِنْ جِنْسِ فِعْلِهِ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ الْمَضَرَّةَ.

وَالْمُشَاقَّةُ الْمُنَازَعَةُ أَيْ مَنْ نَازَعَ مُسْلِمًا ظُلْمًا وَتَعَدِّيًا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَشَقَّةَ جَزَاءً وِفَاقًا.

(الشرح)

المشاقة يَعْنِي ألحق عَلَى اَلْمُسْلِم ضرر في نفسه أو ماله أو أهله, من شاقه أدخل عَلَيْهِ المشقة, جوزي من جنس العمل.

(المتن)

وَالْحَدِيثُ تَحْذِيرٌ عَنْ أَذَى الْمُسْلِمِ بِأَيِّ شَيْءٍ.

(الشرح)

في الحديث الصحيح «كُلّ اَلْمُسْلِم عَلَى اَلْمُسْلِم حرام دمه وماله وعرضه», في الحديث يَقُولُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا إِن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كرحمة يومكم هَذَا في شهركم هَذَا في بلدكم هَذَا», كُلّ هَذَا يشهد له الحديث.

(المتن)

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ " الْبُغْضُ ضِدُّ الْمَحَبَّةِ وَبُغْضُ اللَّهِ عَبْدَهُ إنْزَالُ الْعُقُوبَةِ بِهِ وَعَدَمُ إكْرَامِهِ إيَّاهُ.

(الشرح)

هَذَا تأويل, الصنعاني يؤول عَلَى طريقة الأَشَاعِرَة, بغض الله وصف يليق بجلاله وعظمته, ولَيْسَ كما قَالَ, هَذَا تأويل, سبق أن الصنعاني يؤول عَلَى طريقة المؤولين.

وإنزال العقوبة هَذَا أثر من آثار الصفة ولَيْسَ هُوَ الصفة, بغض الله يكون ما يليق بجلاله وعظمته, ومن آثار بغض الله إنزال العقوبة, هَذَا من آثار صفة البغض ولَيْسَ البغض.

(المتن)

 وَالْبَذِيءُ فَعِيلٌ مِنْ الْبَذَاءِ، وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ كَمَا دَلَّ لَهُ الْحَدِيثُ الْآتِي. (وَلَهُ) أَيْ التِّرْمِذِيِّ (مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» وَحَسَّنَهُ الْحَاكِمُ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ) الطَّعْنُ السَّبُّ يُقَالُ طَعَنَ فِي عِرْضِهِ أَيْ سَبَّهُ. وَاللَّعَّانُ اسْمُ فَاعِلٍ لِلْمُبَالَغَةِ بِزِنَةِ فَعَّالٍ أَيْ كَثِيرِ اللَّعْنِ، وَمَفْهُومُ الزِّيَادَةِ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ اللَّعْنَ مُحَرَّمٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ.

وَالْحَدِيثُ إخْبَارٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ الْإِيمَانِ السَّبُّ وَاللَّعْنُ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ لَعْنُ الْكَافِرِ وَشَارِبِ الْخَمْرِ، وَمَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.

(الشرح)

إِذَا كَانَ عَلَى وجه العموم لا الخصوص, لعن الله الكافرين, لعن الله من شرب الخمر؛ عَلَى العموم, أَمَّا المعين فلا, ولَيْسَ الْمُؤْمِن بالطعان ولا باللعان, اللعن هُوَ السب, والطعن نوع من السب, ومنه قوله تعالى: {وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ}[الإسراء/60]؛ أيْ المذمومة, وَهَذَا لَيْسَ من صفات الْمُؤْمِن, الطعن, واللعن والسب, والفحش والبذاءة, هَذَا لَيْسَ من شأن الْمُؤْمِن القوي الإيمان, لكنه من شأن الْمُؤْمِن ضعيف الإيمان.

(المتن)

 (وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إلَى مَا قَدَّمُوا» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ) سَبُّ الْأَمْوَاتِ عَامٌّ لِلْكَافِرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَعَلَّلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِفْضَائِهِمْ إلَى مَا قَدَّمُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَصَارَ أَمْرُهُمْ إلَى مَوْلَاهُمْ. وَقَدْ مَرَّ الْحَدِيثُ بِلَفْظِهِ فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ.

 [حرمة النميمة]

(وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» بِقَافٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُثَنَّاةٌ أَيْضًا، وَهُوَ النَّمَّامُ، وَقَدْ رُوِيَ بِلَفْظِهِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَقِيلَ إنَّ بَيْنَ الْقَتَّات وَالنَّمَّامِ فَرْقًا فَالنَّمَّامُ الَّذِي يَحْضُرُ الْقِصَّةَ لِيُبَلِّغَهَا، وَالْقَتَّاتُ الَّذِي يَتَسَمَّعُ مِنْ حَدِيثٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ يَنْقُلُ مَا سَمِعَهُ وَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ لِلْإِفْسَادِ بَيْنَهُمْ, وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّ حَدَّهَا كَشْفُ مَا يُكْرَهُ كَشْفُهُ سَوَاءٌ كَرِهَهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ أَوْ الْمَنْقُولُ عَنْهُ, أَوْ ثَالِثٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْكَشْفُ بِالرَّمْزِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ أَوْ بِالْإِيمَاءِ.

(الشرح)

قوله: (إِن حدها), يَعْنِي تعريفها.

(المتن)

قَالَ: فَحَقِيقَةُ النَّمِيمَةِ إفْشَاءُ السِّرِّ وَهَتْكُ السِّتْرِ عَمَّا يُكْرَهُ كَشْفُهُ فَلَوْ رَآهُ يُخْفِي مَالًا لِنَفْسِهِ فَذَكَرَهُ فَهُوَ نَمِيمَةٌ كَذَا قَالَهُ (قُلْت) وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي النَّمِيمَةِ بَلْ يَكُونُ مِنْ إفْشَاءِ السِّرِّ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَيْضًا.

(الشرح)

النميمة نقل الكلام من شخص إِلَى شخص.

(المتن)

 وَوَرَدَ فِي النَّمِيمَةِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا «لَيْسَ مِنَّا ذُو حَسَدٍ وَلَا نَمِيمَةٍ وَلَا كِهَانَةٍ وَلَا أَنَا مِنْهُ، ثُمَّ تَلَا قَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[الأحزاب/58]».

وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ «خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ، وَشَرُّ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَيْبَ وَيَحْشُرُهُمْ اللَّهُ مَعَ الْكِلَابِ» وَغَيْرُ هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ.

(الشرح)

فِيهِ إشكال هَذَا, ويحشر مَعَ الكلاب, الكلاب لَيْسَ عليها حساب.

(المتن)

 وَقَدْ تَجِبُ النَّمِيمَةُ كَمَا إذَا سَمِعَ شَخْصًا يُحَدِّثُ بِإِرَادَةِ إيذَاءِ إنْسَانٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا فَيُحَذِّرُهُ مِنْهُ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْذِيرُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ وَإِلَّا ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ ذَنْبِ النَّمَّامِ.

(الشرح)

يستثنى هَذَا ما يقال تجب النميمة؛ بَلْ يقال: النميمة واجبة هنا, يقال: يستثنى من ذَلِكَ ما إِذَا ترتب عَلَى ذَلِكَ ضرر عَلَى مسلم؛ فَإِنّ عَلَيْهِ أن يحذر اَلْمُسْلِم من هَذِهِ الضرر, إِن أمكن أن يحذره بدون ذكر اسمه فَهُوَ أولى, وَإِلَّا ذكر اسمه, قَالَ: فلان يريد بك شرًا؛ فخذ حذرك هَذَا مستثنى, يقال: مستثنى من النميمة ما فِيهِ مصلحة دفع الأذى عَنْ الْمُسْلِمِين.

(المتن)

 قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ النَّمِيمَةَ مُحَرَّمَةٌ وَأَنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ وَفِي كَلَاهِ الْغَزَالِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَكُونُ كَبِيرَةً إلَّا مَعَ قَصْدِ الْإِفْسَادِ.

(الشرح)

هَذَا هُوَ تعريف النميمة, نقل الكلام من شخص إِلَى شخص عَلَى وجه الإفساد.

(المتن)

[مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ]

وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ كَفَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَهُ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا, تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْغَضَبِ مِرَارًا، وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي فَضْلِ مَنْ كَفَّ غَضَبَهُ وَمَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ إصْدَارِ مَا يَقْتَضِيه الْغَضَبُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِالْحِلْمِ وَالصَّبْرِ وَجِهَادِ النَّفْسِ، وَهُوَ أَمْرٌ شَاقٌّ؛ وَلِذَا جَعَلَ اللَّهُ جَزَاءَهُ كَفَّ عَذَابِهِ عَنْهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}[الشورى/37].

(الشرح)

والحديث هَذَا منكر, وأَنَّهُ في المعجم الأوسط والعقيلي في الضعفاء من طريق عبد السلام بن هاشم عَنْ خالد بن برد عَنْ قتادة عَنْ أنس مرفوعًا, فَقَالَ البخاري في تاريخه: لا يتابع عَلَيْهِ؛ يَعْنِي خالد بن برد, وَقَالَ الذهبي في الميزان: أتى بخبر منكر يَعْنِي هَذَا, وروي من وجه آخر عَنْ أنس مرفوعًا أخرجه أبي يعلى في مسنده من طريق زيد بن الحباب عَنْ الربيع بين سليم عَنْ عمرو مولى أنس عَنْ أنس وَسُئِلَ أبو حاتم كما في العلل لابنه عَنْ الحديث من هَذَا الوجه فَقَالَ: هَذَا حديث منكر.

ذكره في الجامع الصغير وفيض القدير وَقَالَ المناوي: رواه ابن أبي الدنيا عَنْ ابن عمر بن الخطاب, قَالَ الزين العراقي: إسناده حسن.

ذكر هنا أَنَّهُ حديث منكر, وَقَالَ: وله شاهد من حديث ابن عمر عِنْد ابن أبي الدنيا, ثُمَّ ذكر هنا أَنَّهُ أخرجه الطبراني في المعجم الكبير وإسناده ضعيف جدًا, كَذَلِكَ كلام ابن عمر.

لكن يصح أَنَّهُ من كظم غيظه خيره الله يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رؤوس الخلائق من الحور ما شاء.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد