شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_30

00:00
00:00
تحميل
5

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

[بَابُ التَّرْغِيبِ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ]

 [الْمُؤْمِن القوي خير مِنْ الْمُؤْمِن الضعيف]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ مِنْ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ خَيْرٌ» لِوُجُودِ الْإِيمَانِ فِيهِمَا (احْرِصْ) مِنْ حَرَصَ يَحْرِصُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَيُقَالُ حَرِصَ كَسَمِعَ (عَلَى مَا يَنْفَعُك) فِي دُنْيَاك وَدِينِك (وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ) عَلَيْهِ (وَلَا تَعْجِزْ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا «وَإِنْ أَصَابَك شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْت كَذَا كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) الْمُرَادُ مِنْ الْقَوِيِّ قَوِيُّ عَزِيمَةِ النَّفْسِ فِي الْأَعْمَالِ الْأُخْرَوِيَّةِ فَإِنَّ صَاحِبَهَا أَكْثَرُ إقْدَامًا فِي الْجِهَادِ وَإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْأَذَى فِي ذَلِكَ وَاحْتِمَالِ الْمَشَاقِّ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا وَالضَّعِيفُ بِالْعَكْسِ مِنْ هَذَا إلَّا أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْخَيْرِ لِوُجُودِ الْإِيمَانِ فِيهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحِرْصِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَطَلَبِ مَا عِنْدَهُ وَعَلَى طَلَبِ الِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي كُلِّ أُمُورِهِ إذْ حِرْصُ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إعَانَةِ اللَّهِ لَا يَنْفَعُهُ.

إذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنْ اللَّهِ لِلْفَتَى ... فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ

وَنَهَاهُ عَنْ الْعَجْزِ وَهُوَ التَّسَاهُلُ فِي الطَّاعَاتِ وَقَدْ اسْتَعَاذَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ. وَمِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ» وَسَيَأْتِي وَنَهَاهُ بِقَوْلِهِ: إذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ حُصُولِ ضَرَرٍ أَوْ فَوَاتِ نَفْعٍ عَنْ أَنْ يَقُولَ (لَوْ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا إنَّمَا هُوَ لِمَنْ قَالَ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حَتْمًا، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُصِبْهُ قَطْعًا فَأَمَّا مَنْ رَدَّ ذَلِكَ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا.

وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ " وَلَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ رَأْسَهُ لَرَآنَا وَسُكُوتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَلَيْسَ فِيهِ دَعْوَى لِرَدِّ قَدْرِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ. قَالَ وَكَذَا جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ مِنْ اللَّوْ كَحَدِيثِ لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِك بِالْكُفْرِ " الْحَدِيثَ " وَلَوْ كُنْت رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ " " وَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي " وَشَبِيهُ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ مُسْتَقْبَلٌ وَلَا اعْتِرَاضَ فِيهِ عَلَى قَدَرٍ فَلَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ اعْتِقَادِهِ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْلَا الْمَانِعُ، وَعَمَّا هُوَ فِي قُدْرَتِهِ فَأَمَّا مَا ذَهَبَ فَلَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ؛ قَالَ الْقَاضِي: فَاَلَّذِي عِنْدِي فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّهْيَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ لَكِنْ نَهْيُ تَنْزِيهٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَدْ جَاءَ مِنْ اسْتِعْمَالِ لَوْ فِي الْمَاضِي قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت مَا سُقْت الْهَدْيَ» وَغَيْرُ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ إطْلَاقِ ذَلِكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ فَيَكُونُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَأَمَّا مَنْ قَالَهُ تَأَسُّفًا عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَا هُوَ مُتَعَذِّرٌ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَنَحْوِ هَذَا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَكْثَرُ الِاسْتِعْمَالِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَحَادِيثِ.

[تواضعوا حَتَّى لَا يبغي أَحَد عَلَى أَحَد]

(وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) التَّوَاضُعُ عَدَمُ الْكِبْرِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْكِبْرِ.

(الشرح)

تَقَدَّمَ الكبر بطر الْحَقِّ وغمط النَّاس, أيْ رد الْحَقِّ واحتقار النَّاس.

(المتن)

 وَعَدَمُ التَّوَاضُعِ يُؤَدِّي إلَى الْبَغْيِ؛ لِأَنَّهُ يَرَى لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى الْغَيْرِ فَيَبْغِي عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَيَفْخَرُ عَلَيْهِ وَيَزْدَرِيهِ، وَالْبَغْيُ وَالْفَخْرُ مَذْمُومَانِ، وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي سُرْعَةِ عُقُوبَةِ الْبَغْيِ مِنْهَا عَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَوْ أَحَقُّ مِنْ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَأَخْرُجُهُ ابْنُ مَاجَهْ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ «لَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا عُصِيَ اللَّهُ بِهِ هُوَ أَسْرَعُ عُقُوبَةً مِنْ الْبَغْيِ» .

 [مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

(وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغَيْبِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ) .

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد