شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_31

00:00
00:00
تحميل
5

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

[مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]

(وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ بِالْغَيْبِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ) . (وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ نَحْوُهُ) فِي الْحَدِيثَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ اغْتَابَ أَخَاهُ عِنْدَهُ وَهُوَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِنْكَارِ لِلْمُنْكَرِ وَلِذَا وَرَدَ الْوَعِيدُ عَلَى تَرْكِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ مِنْ عِرْضِهِ إلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ» وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْهُ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}[الروم/47]» وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَأَبُو الشَّيْخِ أَيْضًا «مَنْ حَمَى عِرْضَ أَخِيهِ فِي الدُّنْيَا بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِيهِ مِنْ النَّارِ» وَأَخْرَجَ الْأَصْبَهَانِيُّ «مِنْ اُغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ فَاسْتَطَاعَ نُصْرَتَهُ فَنَصَرَهُ نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَنْصُرْهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» بَلْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ لِلْغِيبَةِ أَحَدُ الْمُغْتَابِينَ فَمَنْ حَضَرَهُ الْغِيبَةُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَحَدُ أُمُورٍ الرَّدُّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ وَلَوْ بِإِخْرَاجِ مَنْ اغْتَابَ إلَى حَدِيثٍ آخَرَ.

(الشرح)

يَعْنِي يصرفه إِلَى كلام آخر, يجعله يتكلم في حديث آخر.

(المتن)

أَوْ الْقِيَامُ عَنْ مَوْقِفِ الْغِيبَةِ أَوْ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ أَوْ الْكَرَاهَةُ لِلْقَوْلِ.

(الشرح)

هَذَا إِذَا عجز عَنْ الإنكار باللسان, إِذَا فعل في المجلس منكر سواء كَانَ غيبة أو غيرها فالواجب الإنكار, فَإِذَا أنكر وزال المنكر حصل المقصود, فَإِن لَمْ يزل المنكر فعليه أن يقوم من المكان الَّذِي هُوَ فِيهِ ولا يجلس معهم, فَإِذَا قام سلم, وإن لَمْ يقم وَهُوَ يقدر عَلَى القيام كَانَ شريكًا في الإثم, سواء هَذَا المنكر كَانَ كفرًا أو كبيرة, قَالَ الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}[النساء/140].

(المتن)

 وَقَدْ عَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ السُّكُوتَ كَبِيرَةً لِوُرُودِ هَذَا الْوَعِيدِ وَلِدُخُولِهِ فِي وَعِيدِ مَنْ لَمْ يُغَيِّرْ الْمُنْكَرَ؛ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْمُغْتَابِينَ حُكْمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُغْتَابًا لُغَةً وَشَرْعًا.

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ عَدَمَ النَّقْصِ بِمَعْنَيَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُبَارِكُ لَهُ فِيهِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْآفَاتِ فَيُجْبَرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالثَّوَابِ الْحَاصِلِ عَنْ الصَّدَقَةِ جُبْرَانُ نَقْصِ عَيْنِهَا فَكَأَنَّ الصَّدَقَةَ لَمْ تُنْقِصْ الْمَالَ لِمَا يَكْتُبُ اللَّهُ مِنْ مُضَاعَفَةِ الْحَسَنَةِ إلَى عَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ.

قُلْت: وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ أَنَّهُ تَعَالَى يَخْلُفُهَا بِعِوَضٍ يَظْهَرُ بِهِ عَدَمُ نَقْصِ الْمَالِ بَلْ رُبَّمَا زَادَتْهُ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}[سبأ/39] وَهُوَ مُجَرَّبٌ مَحْسُوسٌ، وَفِي قَوْلِهِ: «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا».

(الشرح)

وَعَلَى هَذَا ما يقال ما ينقص مال من صدقة أن الله تعالى يجعل فِيهِ البركة, البركة تجبره عِنْد النقص, أو أن الثواب الَّذِي يحصل له في الآخرة يزيل هَذَا النقص, والمعنى الثالث أن الله تعالى يخلف هَذَا النقص حسي, وَهَذَا مشاهد, ولا مانع من أن تجتمع الأمور الثلاثة كلها, قَدْ تجتمع الأمور الثلاثة كلها, يَعْنِي يخلف الله عَلَيْهِ ويهيأ له من الأسباب ما يزيد بِهِ هَذَا المال, ويزول هَذَا النقص, وَكَذَلِكَ أَيْضًا يبارك الله في هَذَا المال, مَعَ ما أعد الله من الثواب في الآخرة.

(المتن)

 وَهُوَ مُجَرَّبٌ مَحْسُوسٌ، وَفِي قَوْلِهِ: «مَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلَّا عِزًّا»حَثٌّ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ الْمُسِيءِ وَعَدَمِ مُجَازَاتِهِ عَلَى إسَاءَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى/40] وَفِيهِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْعَافِي عِزًّا وَعَظَمَةً فِي الْقُلُوبِ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْتِصَافِ.

(الشرح)

بالانتصاف يَعْنِي بأخذ حقه, إِذَا انتصف أخذ حقه.

(المتن)

 لِأَنَّهُ بِالِانْتِصَافِ يُظَنُّ أَنَّهُ يُعَظَّمُ وَيُصَانُ جَانِبُهُ وَيُهَابُ وَيُظَنُّ أَنَّ الْإِغْضَاءَ وَالْعَفْوَ لَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ يَزْدَادُ بِالْعَفْوِ عِزًّا: وَفِي قَوْلِهِ «وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ أَيْ لِأَجْلِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ لِلْمُتَوَاضِعِينَ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوَاضُعَ سَبَبٌ لِلرِّفْعَةِ فِي الدَّارَيْنِ لِإِطْلَاقِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَعَلَى الْعَفْوِ وَعَلَى التَّوَاضُعِ، وَهَذِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد