شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_35

00:00
00:00
تحميل
5

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

(وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ) . الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ فَضْلِ الذِّكْرِ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ مَخَاوِفِ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ الْمُنْجِيَاتِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَمَخَاوِفِهَا وَلِذَا قَرَنَ اللَّهُ الْأَمْرَ بِالثَّبَاتِ لِقِتَالِ أَعْدَائِهِ وَجِهَادِهِمْ بِالْأَمْرِ بِذِكْرِهِ كَمَا قَالَ: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}[الأنفال: 45] وَغَيْرُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَوَاقِفِ الْجِهَادِ.

[جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى فَضِيلَةِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالذَّاكِرِينَ وَفَضِيلَةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الذِّكْرِ.

وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَنَادَوْا هَلُمُّوا إلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» الْحَدِيثَ وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ بَعْدَ الْتِمَاسِهِمْ لَهَا.

وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

(الشرح)

تلاوة الْقُرْآن أعلى الذكر وأفضل الذكر.

(المتن)

 وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ «إنَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُ مَلَائِكَتَهُ مَا يَصْنَعُ الْعِبَادُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ فَيَقُولُونَ يُعَظِّمُونَ آلَاءَك، وَيَتْلُونَ كِتَابَك وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّك وَيَسْأَلُونَك لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ» وَالذِّكْرُ حَقِيقَةٌ فِي ذِكْرِ اللِّسَانِ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ النَّاطِقُ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَهُ فَإِنْ انْضَافَ إلَى الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ أَكْمَلُ، وَإِنْ انْضَافَ إلَيْهِمَا اسْتِحْضَارُ مَعْنَى الذِّكْرِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ النَّقَائِصِ عَنْهُ ازْدَادَ كَمَالًا، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ مِمَّا فُرِضَ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَذَلِكَ، فَإِنْ صَحَّ التَّوَجُّهُ وَأُخْلِصَ لِلَّهِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْكَمَالِ.

وَقَالَ: الْفَخْرُ الرَّازِيّ الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ التَّفَكُّرُ فِي أَدِلَّةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَفِي أَدِلَّةِ التَّكَالِيفِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى أَحْكَامِهِ وَفِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ.

وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرَقَةً بِالطَّاعَاتِ، وَمِنْ ثَمَّةَ سَمَّى اللَّهُ الصَّلَاةَ ذِكْرًا فِي قَوْلِهِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة/9] وَذَكَرَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّ الذِّكْرَ عَلَى سَبْعَةِ أَنْحَاءٍ فَذِكْرُ الْعَيْنَيْنِ بِالْبُكَاءِ وَذِكْرُ الْأُذُنَيْنِ بِالْإِصْغَاءِ وَذِكْرُ اللِّسَانِ بِالثَّنَاءِ وَذِكْرُ الْيَدَيْنِ بِالْعَطَاءِ وَذِكْرُ الْبَدَنِ بِالْوَفَاءِ وَذِكْرُ الْقَلْبِ بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَذِكْرُ الرُّوحِ بِالتَّسْلِيمِ وَالرِّضَاءِ وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ جَمِيعِهَا وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا: بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ» وَلَا تُعَارِضُهُ أَحَادِيثُ فَضْلِ الْجِهَادِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ الْأَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالتَّفَكُّرُ فِي الْمَعْنَى، وَاسْتِحْضَارُ عَظَمَةِ اللَّهِ فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ فَقَطْ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ مَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ إلَّا وَالذِّكْرُ مُشْتَرَطٌ فِي تَصْحِيحِهِ فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ صَدَقَتِهِ أَوْ صِيَامِهِ فَلَيْسَ عَمَلُهُ كَامِلًا، فَصَارَ الذِّكْرُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» .

[مَعْنَى الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ]

(وَعَنْهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ) زَادَ " فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ إلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَمْشِي طَرِيقًا فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً» وَفِي رِوَايَةٍ " إلَّا كَانَ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَالتِّرَةُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَكْسُورَةٍ فَرَاءَ بِمَعْنَى الْحَسْرَةِ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هِيَ النَّقْصُ.

وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَجْلِسِ سِيَّمَا مَعَ تَفْسِيرِ التِّرَةِ بِالنَّارِ أَوْ الْعَذَابِ فَقَدْ فُسِّرَتْ بِهِمَا فَإِنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَكُونُ إلَّا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعًا.

وَقَدْ عُدَّتْ مَوَاضِعُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مَوْضِعًا، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ.

(الشرح)

هَذَا أصح ما قِيلَ في معنى صلاة النَّبِيّ, ما رواه البخاري عَنْ أبي العالية, أَنَّهُ قَالَ: صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ, وَقِيلَ: الصَّلَاة الرحمة, ومن المخلوقين الدعاء, صلاة الله ثناءه عَلَيْهِ في الملأ الأعلى.

(المتن)

وَمَعْنَى صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ لَهُ بِحُصُولِ الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ هَذَا أَجْوَدُهَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّلَاةُ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ وَعَلَى مَنْ دُونَ النَّبِيِّ رَحْمَةٌ فَمَعْنَى قَوْلِنَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَظِّمْ مُحَمَّدًا وَالْمُرَادُ بِالتَّعْظِيمِ إعْلَاءُ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارُ دِينِهِ وَإِبْقَاءُ شَرِيعَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ بِإِحْرَازِ مَثُوبَتِهِ، وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى لِلْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَمُشَارَكَةِ الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ بِالْعَطْفِ يُرَادُ بِهِ فِي حَقِّهِمْ التَّعْظِيمُ اللَّائِقُ بِهِمْ وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ اخْتِصَاصِ الصَّلَاةِ بِالْأَنْبِيَاءِ اسْتِقْلَالًا دُونَ غَيْرِهِمْ وَيَتَأَيَّدُ هَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ «إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَصَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي» فَجَعَلَ الْعِلَّةَ الْبَعْثَةَ فَتَكُونُ مُخْتَصَّةً بِمَنْ بُعِثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَا أَعْلَمُ الصَّلَاةَ تَنْبَغِي لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَحُكِيَ الْقَوْلُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ: مَا تَعَبَّدْنَا بِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْجَوَازِ قَالَ: وَأَنَا أَمِيلُ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ.

(الشرح)

القاضي عياض مالكي, الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عبادة أَمَّا غير لا, يجوز الصَّلَاة عَلَى غيره لكن يكون محله الجواز, لكن الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ عبادة ذكر, غيره يجوز لما جاء إليه أحد بالزكاة صلى عَلَيْهِ, قَالَ: اللَّهُمَّ صل عَلَى آل أبي أوفى, لكن الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عبادة, هَذَا معنى قوله: ما تعبدنا بِهِ.

(المتن)

قَالُوا: يَذْكُرُ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ بِالتَّرَضِّي وَالْغُفْرَانِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ يَعْنِي اسْتِقْلَالًا لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي هَاشِمٍ يَعْنِي الْعَبْدَيْنِ.

وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُمْ رُسُلًا. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَجُوزُ اسْتِقْلَالًا وَتَجُوزُ تَبَعًا فِيمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ كَالْآلِ وَالْأَزْوَاجِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّصِّ غَيْرَهُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ الصَّحَابَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَدَّعِي لِلصَّحَابَةِ وَنَحْوِهِمْ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَبِالْمَغْفِرَةِ كَمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد/19].

وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَرِدْ. وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فَقَالَ بِجَوَازِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَوَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى فَمَنْ قَالَ بِجَوَازِهَا اسْتِقْلَالًا عَلَى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذَا دَلِيلُهُ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}[الأحزاب/43] وَمَنْ مَنَعَ قَالَ هَذَا وَرَدَ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرِدْ الْإِذْنُ لَنَا.

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ. وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لِشَخْصٍ مُفْرَدٍ بِحَيْثُ يَصِيرُ شِعَارًا.

(الشرح)

الرافضة يجعلونه شعارًا لأل البيت, يَقُولُونَ: فاطمة عليها السلام, وعلي عَلَيْهِ السلام؛ حَتَّى إِن بَعْضُهُمْ في الصَّلَاة من أولها إِلَى آخره الرافضة نسمعهم يأتون في المسجد الحرام يجهر بالصوت, يقف يصلي يَقُولُ: اللَّهُمَّ صل عَلَى محمد وآله, وفي الركوع اللَّهُمَّ صل عَلَى محمد وآله, والسجود اللَّهُمَّ صل عَلَى محمد وآله, وبين السجدتين والتشهد كلها, وَبَعْضُهُمْ يخص علي.

(المتن)

وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لِشَخْصٍ مُفْرَدٍ بِحَيْثُ يَصِيرُ شِعَارًا سِيَّمَا إذَا تَرَكَ فِي حَقِّ مِثْلِهِ وَأَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ فَلَوْ اتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ مُفْرَدًا فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَّخَذَ شِعَارًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَأْسٌ.

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي تَحِيَّةِ الْحَيِّ فَقِيلَ يَشْرَعُ مُطْلَقًا وَقِيلَ تَبَعًا وَلَا يُفْرَدُ بِوَاحِدٍ لِكَوْنِهِ صَارَ شِعَارًا لِلرَّافِضَةِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَارَ شِعَارًا لَا يَنْهَضُ عَلَى الْمَنْعِ؛ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَوْتَى قَدْ شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» وَكَانَ ثَابِتًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

عَلَيْك سَلَامُ اللَّهِ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ... وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا

وَمَا كَانَ قَيْسُ مَوْتُهُ مَوْتَ وَاحِدٍ ... وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا

(الشرح)

الصنعاني تعقب كلام ابن القيم رحمه الله فاستدل بكلام من الجاهلية, الجاهلية ما هُوَ دَلِيل؛ هَذَا لِأَنَّ عندهم مذهب الزيدية ويميل إِلَى هَذَا رحمه الله.

فَإِن قِيلَ: كتاب التنوير اللي ذكره الصنعاني في الجامع الصغير, ذكر هنا في الحاشية أَنَّهُ لَمْ يطبع ولكنه طبعه محققه أحد الدكاترة في جامعة الإمام, كتاب النوير لشرح الجامع الصغير إحدى عشر مجلد,؟ عَلَى كُلّ حال بَعْدَ البحث يتبين.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد