شعار الموقع

شرح كتاب الجامع من سبل السلام_36

00:00
00:00
تحميل
5

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ

الحمد لله رب العالمين, وَالصَّلَاة والسلام عَلَى نَبِيّنَا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين.

(المتن)

قَالَ الإمام الصنعاني رحمه الله تعالى في كتابه سبل السلام:

(وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ) . الْحَدِيثُ مِنْ أَدِلَّةِ فَضْلِ الذِّكْرِ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنْ مَخَاوِفِ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ الْمُنْجِيَاتِ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا وَمَخَاوِفِهَا وَلِذَا قَرَنَ اللَّهُ الْأَمْرَ بِالثَّبَاتِ لِقِتَالِ أَعْدَائِهِ وَجِهَادِهِمْ بِالْأَمْرِ بِذِكْرِهِ كَمَا قَالَ: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا}[الأنفال/45] وَغَيْرُهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَوَاقِفِ الْجِهَادِ.

[جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إلَّا حَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى فَضِيلَةِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالذَّاكِرِينَ وَفَضِيلَةِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الذِّكْرِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ «أَنَّ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى تَنَادَوْا هَلُمُّوا إلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا» الْحَدِيثَ وَهَذَا مِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ بَعْدَ الْتِمَاسِهِمْ لَهَا.

وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ الْبَزَّارِ «إنَّهُ تَعَالَى يَسْأَلُ مَلَائِكَتَهُ مَا يَصْنَعُ الْعِبَادُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ فَيَقُولُونَ يُعَظِّمُونَ آلَاءَك، وَيَتْلُونَ كِتَابَك وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّك وَيَسْأَلُونَك لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ» وَالذِّكْرُ حَقِيقَةٌ فِي ذِكْرِ اللِّسَانِ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ النَّاطِقُ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَهُ.

(الشرح)

ولكن إِذَا استحضر معناه كَانَ أفضل وَكَانَ أكثر أجرًا, إِذَا ذكر بلسانه فَهُوَ مأجور, وإن استحضر قلبه زاد الأجر والثواب.

(المتن)

 فَإِنْ انْضَافَ إلَى الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ أَكْمَلُ، وَإِنْ انْضَافَ إلَيْهِمَا اسْتِحْضَارُ مَعْنَى الذِّكْرِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ النَّقَائِصِ عَنْهُ ازْدَادَ كَمَالًا، فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ مِمَّا فُرِضَ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَذَلِكَ، فَإِنْ صَحَّ التَّوَجُّهُ وَأُخْلِصَ لِلَّهِ فَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْكَمَالِ.

وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ: الْمُرَادُ بِذِكْرِ اللِّسَانِ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالذِّكْرُ بِالْقَلْبِ التَّفَكُّرُ فِي أَدِلَّةِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَفِي أَدِلَّةِ التَّكَالِيفِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى أَحْكَامِهِ وَفِي أَسْرَارِ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ.

وَالذِّكْرُ بِالْجَوَارِحِ هُوَ أَنْ تَصِيرَ مُسْتَغْرَقَةً بِالطَّاعَاتِ، وَمِنْ ثَمَّةَ سَمَّى اللَّهُ الصَّلَاةَ ذِكْرًا فِي قَوْلِهِ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}[الجمعة/9] وَذَكَرَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّ الذِّكْرَ عَلَى سَبْعَةِ أَنْحَاءٍ فَذِكْرُ الْعَيْنَيْنِ بِالْبُكَاءِ وَذِكْرُ الْأُذُنَيْنِ بِالْإِصْغَاءِ وَذِكْرُ اللِّسَانِ بِالثَّنَاءِ وَذِكْرُ الْيَدَيْنِ بِالْعَطَاءِ وَذِكْرُ الْبَدَنِ بِالْوَفَاءِ وَذِكْرُ الْقَلْبِ بِالْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَذِكْرُ الرُّوحِ بِالتَّسْلِيمِ وَالرِّضَاءِ وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ جَمِيعِهَا وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا: بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ» وَلَا تُعَارِضُهُ أَحَادِيثُ فَضْلِ الْجِهَادِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ الْأَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ ذِكْرُ اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ وَالتَّفَكُّرُ فِي الْمَعْنَى، وَاسْتِحْضَارُ عَظَمَةِ اللَّهِ فَهَذَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ مِنْ الذِّكْرِ بِاللِّسَانِ فَقَطْ.

(الشرح)

ذكر مثل هَذَا ابن القيم رحمه الله «ألا أخبركم بما هُوَ أفضل من الجهاد وإنفاق الذهب والفضة», المراد الذكر الَّذِي يكون بالقلب واللسان, يتواطأ القلب واللسان هَذَا يكون أفضل, وَأَمَّا الذكر باللسان فالجهاد أفضل منه, لكن الذكر بالقلب واللسان والجهاد داخل في الذكر, نفس الجهاد هُوَ ذكر؛ لِأَنَّ الذكر يكون بالقلب واللسان, وبالجوارح, فالمجاهد ذاكر لله, والمصلي ذاكر لله, فَإِذَا كَانَ المجاهد يذكر الله في الجهاد ويتفكر اجتمع في حقه الأمران, لكن إِذَا كَانَ عنده غفلة فيكون الذكر بالقلب واللسان أفضل منه عَلَى هَذَا الحديث, الذاكر بقلبه ولساه قَدْ يفوق المجاهد, أَمَّا المجاهد الذاكر ما يفوقه أحد.

(المتن)

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إنَّهُ مَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ إلَّا وَالذِّكْرُ مُشْتَرَطٌ فِي تَصْحِيحِهِ فَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عِنْدَ صَدَقَتِهِ أَوْ صِيَامِهِ فَلَيْسَ عَمَلُهُ كَامِلًا، فَصَارَ الذِّكْرُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ» .

[مَعْنَى الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ]

(وَعَنْهُ) أَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا قَعَدَ قَوْمٌ مَقْعَدًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ) زَادَ " فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ إلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَمْشِي طَرِيقًا فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً، وَمَا مِنْ رَجُلٍ أَوَى إلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا كَانَ عَلَيْهِ تِرَةً» وَفِي رِوَايَةٍ " إلَّا كَانَ عَلَيْهِ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ " وَالتِّرَةُ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَكْسُورَةٍ فَرَاءَ بِمَعْنَى الْحَسْرَةِ.

(الشرح)

صحة الحديث رواه أحمد ورجاله صحيح قلت: وأخرجه ابن حبان في الإحسان والحاكم. هَذَا محمد صبحي حسن حلاق.

(المتن)

وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: هِيَ النَّقْصُ. وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَجْلِسِ سِيَّمَا مَعَ تَفْسِيرِ التِّرَةِ بِالنَّارِ أَوْ الْعَذَابِ فَقَدْ فُسِّرَتْ بِهِمَا فَإِنَّ التَّعْذِيبَ لَا يَكُونُ إلَّا لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مَحْظُورٍ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الذِّكْرُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعًا. وَقَدْ عُدَّتْ مَوَاضِعُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ مَوْضِعًا.

(الشرح)

في التشهد في الصَّلَاة في الأذان في التشهد في الإقامة.

(المتن)

 قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَعْنَى صَلَاةِ اللَّهِ عَلَى نَبِيِّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ.

(الشرح)

هَذَا أصح ما قِيلَ في تعريف الصَّلَاة عل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ما رواه أبو العالية رواه البخاري عَنْ أبي العالية أَنَّهُ قَالَ: صلاة الله عَلَى العبد ثناؤه عَلَيْهِ في الملأ الأعلى.

(المتن)

 وَمَعْنَى صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ لَهُ بِحُصُولِ الثَّنَاءِ وَالتَّعْظِيمِ وَفِيهَا أَقْوَالٌ أُخَرُ هَذَا أَجْوَدُهَا.

وَقَالَ غَيْرُهُ: الصَّلَاةُ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ تَشْرِيفٌ وَزِيَادَةُ تَكْرِمَةٍ وَعَلَى مَنْ دُونَ النَّبِيِّ رَحْمَةٌ فَمَعْنَى قَوْلِنَا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَظِّمْ مُحَمَّدًا وَالْمُرَادُ بِالتَّعْظِيمِ إعْلَاءُ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارُ دِينِهِ وَإِبْقَاءُ شَرِيعَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ بِإِحْرَازِ مَثُوبَتِهِ، وَتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَالشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى لِلْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَمُشَارَكَةِ الْآلِ وَالْأَزْوَاجِ بِالْعَطْفِ يُرَادُ بِهِ فِي حَقِّهِمْ التَّعْظِيمُ اللَّائِقُ بِهِمْ وَبِهَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ اخْتِصَاصِ الصَّلَاةِ بِالْأَنْبِيَاءِ اسْتِقْلَالًا دُونَ غَيْرِهِمْ وَيَتَأَيَّدُ هَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ «إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَيَّ فَصَلُّوا عَلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى بَعَثَهُمْ كَمَا بَعَثَنِي» فَجَعَلَ الْعِلَّةَ الْبَعْثَةَ فَتَكُونُ مُخْتَصَّةً بِمَنْ بُعِثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «مَا أَعْلَمُ الصَّلَاةَ تَنْبَغِي لِأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إلَّا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَحُكِيَ الْقَوْلُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ: مَا تَعَبَّدْنَا بِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْجَوَازِ قَالَ: وَأَنَا أَمِيلُ إلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ قَالُوا: يَذْكُرُ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ بِالتَّرَضِّي وَالْغُفْرَانِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ يَعْنِي اسْتِقْلَالًا لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأَمْرِ الْمَعْرُوفِ وَإِنَّمَا حَدَثَتْ فِي دَوْلَةِ بَنِي هَاشِمٍ يَعْنِي الْعَبْدَيْنِ.

وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَلَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّاهُمْ رُسُلًا. وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَجُوزُ اسْتِقْلَالًا وَتَجُوزُ تَبَعًا فِيمَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ كَالْآلِ وَالْأَزْوَاجِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّصِّ غَيْرَهُمْ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ الصَّحَابَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يَدَّعِي لِلصَّحَابَةِ وَنَحْوِهِمْ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَبِالْمَغْفِرَةِ كَمَا أَمَرَ بِهِ رَسُولَهُ: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد/19].

وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَرِدْ. وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فَقَالَ بِجَوَازِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَوَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى فَمَنْ قَالَ بِجَوَازِهَا اسْتِقْلَالًا عَلَى سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهَذَا دَلِيلُهُ. وَمِنْ أَدِلَّتِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}[الأحزاب/43].

وَمَنْ مَنَعَ قَالَ هَذَا وَرَدَ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَرِدْ الْإِذْنُ لَنَا. وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: يُصَلِّي عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَأَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ طَاعَتِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ. وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ لِشَخْصٍ مُفْرَدٍ بِحَيْثُ يَصِيرُ شِعَارًا سِيَّمَا إذَا تَرَكَ فِي حَقِّ مِثْلِهِ وَأَفْضَلُ مِنْهُ كَمَا تَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ فَلَوْ اتَّفَقَ وُقُوعُ ذَلِكَ مُفْرَدًا فِي بَعْضِ الْأَحَايِينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتَّخَذَ شِعَارًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ بَأْسٌ.

وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ فِي تَحِيَّةِ الْحَيِّ فَقِيلَ يَشْرَعُ مُطْلَقًا وَقِيلَ تَبَعًا وَلَا يُفْرَدُ بِوَاحِدٍ لِكَوْنِهِ صَارَ شِعَارًا لِلرَّافِضَةِ وَنَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ.

(الشرح)

النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لما أتي له بالزكاة قَالَ: اللَّهُمَّ صل عَلَى آل أبي أوفى, يجوز أن يصلى عَلَى غير النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, ولكن ينبغي أن يكون الأكثر عِنْد الإنسان الصَّلَاة عَلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم, و الترضي عَنْ الصَّحَابَة والترحم عَلَى من بعدهم, هَذَا هُوَ المعروف, ولكن لو قَالَ: اللَّهُمَّ صل عَلَى أبو بكر, اللَّهُمَّ صل عَلَى عمر لا بأس أحيانًا, أو قَالَ: اللَّهُمَّ ارض عَنْ الإمام أحمد, أو قَالَ: رحم الله أبا بكر وعمر لا بأس, لكن المعروف عِنْد العلماء الصَّلَاة عَلَى الأنبياء هَذَا هُوَ الأصل والترضي عَنْ الصَّحَابَة والترحم عَلَى من بعدهم.

(المتن)

قُلْت: هَذَا التَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَارَ شِعَارًا لَا يَنْهَضُ عَلَى الْمَنْعِ؛ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمَوْتَى قَدْ شَرَعَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» وَكَانَ ثَابِتًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

عَلَيْك سَلَامُ اللَّهِ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ... وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا

وَمَا كَانَ قَيْسُ مَوْتُهُ مَوْتَ وَاحِدٍ ... وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا

[فَضْل الذَّكَرَ بَعْد الصُّبْح وَبَعْد الْمَغْرِب]

- (وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) زَادَ مُسْلِمٌ " لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " وَفِي لَفْظٍ «مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةً كَانَتْ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ».

(الشرح)

هَذَا حديث مستقل, هَذَا حديث وَهَذَا حديث, «مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ».

«مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةً كَانَتْ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ».

لو كانت متفرقة كُلّ عشر لها أربعة أنفس.

(المتن)

 وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعِيشَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَفِيهِ «مَنْ قَالَ إذَا صَلَّى الصُّبْحَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَذَكَرَهُ بِلَفْظٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُنَّ كَعَدْلِ أَرْبَعِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ بِهِنَّ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ بِهِنَّ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكُنَّ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِذَا قَالَهَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَمِثْلُ ذَلِكَ» وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ فِي الذِّكْرِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَفَعَهُ " قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ فَذَكَرَ مِثْلَهُ " لَكِنْ زَادَ «يُحْيِي وَيُمِيتُ وَقَالَ: تَعْدِلُ عَشْرَ رِقَابٍ وَكَانَ لَهُ مَسْلَحَةٌ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِهِ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ يَوْمَئِذٍ عَمَلًا يَقْهَرُهُنَّ وَإِنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَمِثْلُ ذَلِكَ» وَذِكْرُ الْعَشْرِ الرِّقَابِ فِي بَعْضِهَا وَالْأَرْبَعِ فِي بَعْضِهَا كَأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الذَّاكِرِينَ فِي اسْتِحْضَارِهِمْ مَعَانِيَ الْأَلْفَاظِ بِالْقُلُوبِ، وَإِمْحَاضِ التَّوَجُّهِ وَالْإِخْلَاصِ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ فَيَكُونُ اخْتِلَافُ مَرَاتِبَهُمْ بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ وَبِحَسَبِهِ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ.

(الشرح)

يَعْنِي يكون إِذَا استحضر وأخلص كَانَ كمن أعتق عشرًا, وَإِذَا كَانَ أقل استحضار كَانَ كمن أعتق أربعًا, وَهَذَا جمعًا بين الأحاديث.

(المتن)

[أَيْ الذكرين أَفْضَل التهليل أَوْ التَّسْبِيح]

(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) مَعْنَى سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهُهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ نَقْصٍ فَيَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الشَّرِيكِ وَالصَّاحِبِ وَالْوَلَدِ وَجَمِيعِ مَا لَا يَلِيقُ وَالتَّسْبِيحُ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ أَلْفَاظِ الذِّكْرِ وَيُطْلَقُ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ.

(الشرح)

صلاة السبحة نافلة.

(المتن)

 وَمِنْهُ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ خُصَّتْ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ التَّسْبِيحِ فِيهَا. وَفِيهِ أَنَّهُ تُكَفَّرُ بِهَذَا الذِّكْرِ الْخَطَايَا وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَبَائِرَ وَالْعُلَمَاءَ يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ وَيَقُولُونَ لَا تُمْحَى الْكَبَائِرُ إلَّا بِالتَّوْبَةِ. وَقَدْ أُورِدَ عَلَى هَذَا سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ أَفْضَلُ مِنْ التَّهْلِيلِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّهْلِيلِ «إنَّ مَنْ قَالَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي يَوْمٍ مُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ» كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَهُنَا قَالَ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ التَّهْلِيلَ أَفْضَلُ فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ مَا قُلْت أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ وَهِيَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ» وَمَعْنَى التَّسْبِيحِ دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ التَّنْزِيهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ، وَهُوَ دَاخِلٌ فِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ إلَخْ وَفَضَائِلُهَا عَدِيدَةٌ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ انْضَافَ إلَى ثَوَابِ التَّهْلِيلِ مَعَ التَّكْفِيرِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ رَفْعُ الدَّرَجَاتِ وَكَتْبُ الْحَسَنَاتِ وَعِتْقُ الرِّقَابِ وَالْعِتْقُ يَتَضَمَّنُ تَكْفِيرَ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ فَإِنَّهُ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ كَمَا سَلَفَ.

وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ لِكُلِّ ذَاكِرٍ. وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْفَضْلَ الْوَارِدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَذْكَارِ إنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ فِي الدِّينِ وَالطَّهَارَةِ مِنْ الْجَرَائِمِ الْعِظَامِ وَلَيْسَ مَنْ أَصَرَّ عَلَى شَهَوَاتِهِ، وَانْتَهَكَ دِينَ اللَّهِ وَحُرُمَاتِهِ بِلَا حَقٍّ مِنْ الْأَفَاضِلِ الْمُطَهَّرِينَ فِي ذَلِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[الجاثية/21] الْآيَةَ.

- (وَعَنْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ قُلْت بَعْدَك أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْت بِكَسْرِ التَّاءِ خِطَابٌ لَهَا مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» . أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ) عَدَدَ خَلْقِهِ مَنْصُوبٌ صِفَةَ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُهُ تَسْبِيحًا وَمِثْلُهُ أَخَوَاتُهُ.

(الشرح)

أسبحه تسبيحًا عدد خلقه, اسبحه تسبيحًا عدد خلقه, اسبحه تسبيحًا رضاء نفسه, اسبحه تسبيحًا زنة عرشه, اسبحه تسبيحًا مداد كلماته.

قوله: (وَمِثْلُهُ أَخَوَاتُهُ), يَعْنِي رضا نفسه وزنة عرشه.

(المتن)

وَخَلْقُهُ شَامِلٌ لِمَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَرِضَاءَ نَفْسِهِ أَيْ عَدَدَ مَنْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَرِضَاهُ عَنْهُمْ لَا يَنْقَضِي وَلَا يَنْقَطِعُ. وَزِنَةَ عَرْشِهِ أَيْ زِنَةَ مَا لَا يَعْلَمُ قَدْرَ وَزْنِهِ إلَّا اللَّهُ. وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ مَا تُمَدُّ بِهِ الدَّوَاةُ كَالْحِبْرِ وَالْكَلِمَاتُ هِيَ مَعْلُومَاتُ اللَّهِ وَمَقْدُورَاتِهِ.

(الشرح)

الكلمات غير المعلومات هَذَا تأويل, الكلمات هِيَ العلم, هَذَا يكون عَلَى طريقة الأَشَاعِرَة ينكرون كلام الله, يؤولون الكلام بمعنى العلم, الكلام عِنْد الأَشَاعِرَة معنى قائم بالنفس مثل العلم, ولا يجعلون الحروف واللفظ بمعنى الكلام.

(المتن)

 وَهِيَ لَا تَنْحَصِرُ وَهِيَ لَا تَتَنَاهَى، وَمِدَادُهَا هُوَ كُلُّ مَدَّةٍ يُكْتَبُ بِهَا مَعْلُومٌ أَوْ مَقْدُورٌ وَذَلِكَ لَا يَنْحَصِرُ فَمُتَعَلِّقُهُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي}[الكهف/109] الْآيَةَ، الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَأَنَّ قَائِلَهَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ تَكْرَارِ الْقَوْلِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ.

(الشرح)

يَعْنِي إِذَا كرر الحمد لله عدد خلقه ورضا ونفسه, يدرك فضيلة التكرار.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد