شعار الموقع

شرح سورة الأعراف من مختصر تفسير ابن كثير_3

00:00
00:00
تحميل
7

 

مقدمة:-

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد: غفر الله لك. يقول الله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون} [الأعراف:28].

{قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون}[الأعراف:29].

{فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}[الأعراف:30].

(المتن)

قال الحافظ بن كثير رحمه الله تعالى: قال مجاهد: كان المشركون يطوفون بالبيت عراة، يقولون: نطوف كما ولدتنا أمهاتنا. فتضع المرأة على قبلها النسعة، أو الشيء وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله ...

فأنزل الله [تعالى] {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} الآية.

قلت: كانت العرب -ما عدا قريشا -لا يطوفون بالبيت في ثيابهم التي لبسوها، يتأولون في ذلك أنهم لا يطوفون في ثياب عصوا الله فيها، وكانت قريش -وهم الحمس -يطوفون في ثيابهم، ومن أعاره أحمسي ثوبا طاف فيه، ومن معه ثوب جديد طاف فيه ثم يلقيه فلا يتملكه أحد، فمن لم يجد ثوبا جديدا ولا أعاره أحمسي ثوبا، طاف عريانا. وربما كانت امرأة فتطوف عريانة، فتجعل على فرجها شيئا يستره بعض الشيء وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله ...

وأكثر ما كان النساء يطفن [عراة] بالليل، وكان هذا شيئا قد ابتدعوه من تلقاء أنفسهم، واتبعوا فيه آباءهم ويعتقدون أن فعل آبائهم مستند إلى أمر من الله وشرع، فأنكر الله تعالى عليهم ذلك، فقال: {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} فقال تعالى ردا عليهم: {قل} أي: قل يا محمد لمن ادعى ذلك: {إن الله لا يأمر بالفحشاء}.

أي: هذا الذي تصنعونه فاحشة منكرة، والله لا يأمر بمثل ذلك {أتقولون على الله ما لا تعلمون} أي: أتسندون إلى الله من الأقوال ما لا تعلمون صحته.

وقوله: {قل أمر ربي بالقسط} أي: بالعدل والاستقامة، {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين}.

أي: أمركم بالاستقامة في عبادته في محالها، وهي متابعة المرسلين المؤيدين بالمعجزات فيما أخبروا به عن الله [تعالى] وما جاءوا به [عنه] من الشرائع، وبالإخلاص له في عبادته، فإنه تعالى لا يتقبل العمل حتى يجمع هذين الركنين: أن يكون صوابا موافقا للشريعة، وأن يكون خالصا من الشرك.

وقوله تعالى: {كما بدأكم تعودون}.

(الشرح)

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

هذه الآيات الكريمة فيها بيان حال المشركين, وما هم عليه من الخرافات والأعمال التي يبتدعونها من عند أنفس وينسبونها إلى الله بسبب جهلهم وضلالهم, وذلك أنهم أن المشركين الذين يقدمون إلى مكة من غير أهل مكة يعتقدون أنهم عصوا الله وأنهم تنجسوا وأن ثيابهم نجسة, لا يصلح أن يطوف بها, فكان الواحد منهم إذا قدم مكة له أحوال: إما أن يجد ثوبا جديدا فيطوف به, ثم يلقيه, أو لا يجد ثوبا جديدا لكن يجد من يعيره من أهل مكة, وكانوا يسمون أهل مكة الحمس لتشددهم وتحمسهم وتشددهم في العبادة فيستعير يشحذ يستعير من واحد من أهل مكة يقول أعطني ثوب أطوف به, فإن وجد طاف به, وإن لم يجد لا هذا ولا هذا طاف عريانا, حتى إن المرأة: المرأة تطوف وهي عارية, والعياذ بالله إذا لم تجد ثوبا جديدا, ولم تجد من يعيرها من النساء من أهل مكة طافت وهي عارية, وتضع يدها على فرجها أو تستره بشيء وجدته وتقول: اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله.

هذا من جهلهم وضلالهم وخرافاتهم, يعني يزعمون يعصون الله معصية ظاهرة وهي العري حتى ليخفوا معصية باطنة هذا من جهلهم وضلالهم, وهذا من الخرافات والضلال التي أنكر الله عليهم التي ما أنزل الله بها من سلطان, قال الله تعالى: {وإذا فعلوا فاحشة} وهذا من الفواحش الأمر الفاحش المنكر كون الإنسان يكشف عورته ولا سيما النساء ويطوف بالبيت عاريا, هذه من أعظم الفواحش, {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا والله أمرنا بها} رد الله عليهم قال: {قل إن الله لا يأمر بفحشاء} وهذا الفعل فاحشة والله لا يأمر بالفاحشة {أتقولون على الله ما لا تعلمون}, وهذا من القول على الله بلا علم كيف تنسبون هذا إلى الله, وهو من الفواحش, والله لا يأمر بالفواحش, ثم بين الله سبحانه وتعالى أن العمل لا يكون صالحا ولا مقبولا إلا إذا توفر فيه أمران:

الأمر الأول: أن يكون خالصا لوجه الله, وأراد به وجه الله والدار الآخرة.

والأمر الثاني: أن يكون موافقا للشريعة, ولهذا قال الله: {قل أمر ربي بالقسط} بالقسط بالعدل وهو الإتيان بالعبادة في محالها مع متابعة الرسل, {وادعوه مخلصين له الدين}.

اعبدوه مخلصين له الدين أثناء العبادة الدين هو العبادة, اعبدوه حالت كونكم مخلصين له العبادة, هذا هو المقبول عند الله تكون العبادة موافقة للشريعة, جاءت بها الرسل, بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم شرعها الله في كتابه, وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وتكون العمل خالصا لله أراد به وجه الله والدار الآخرة.

وهذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله, وشهادة أن محمدا رسول الله, فإن مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله, أن يكون العمل لله والعبادة لله.

ومقتضى شهادة أن محمدا رسول الله تكون العبادة موافقة للشريعة, ولا يدخل الإنسان في الإسلام إلا بهاتين الشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا رسول الله.

فهما بهما الدخول في الإسلام هاتان الشهادتان مفتاح دار السلام, مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله, وإذا أطلقت شهادة أن لا إله إلا الله دخلت فيها شهادة أن محمدا رسول الله, وإذا أطلقت شهادة أن محمدا رسول الله دخلت فيها شهادة أن لا إله إلا الله شهادتان لا تقبل إحداهما بدون الأخرى, فمن شهد أن لا إله إلا الله, ولم يشهد أن محمدا رسول الله لم تقبل منه, ومن شهد أن محمدا رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم تقبل منه, وإذا اجتمعت فسرت الشهادة الأولى بالتوحيد وإخلاص العبادة لله, وفسرت الشهادة الثانية بالشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ومتابعته.

سؤال: ×××الصوت غير واضح

الشرح: القاعدة عند أهل العلم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, يشمل كل هذا, كل أمر ينسب إلى الله وهو باطل, فهذا منكر داخل في هذا في عموم الآية, كل من فعل أمرا فاحشا أو منكرا ونسبه إلى شرع الله فهذا باطل, فيقال له: إن الله لا يأمر بالفحشاء, ولكن السبب سبب النزول يدخل دخولا أوليا, القاعدة عند أهل العلم العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, كل من شرع في دين الله وكل من نسب شيئا إلى شرع الله وهو على خلاف ذلك وادعى ونسبه إلى الله, فإنه منكر وداخل في هذه الآية.

(المتن)

وقوله تعالى: {كما بدأكم تعودون} [فريقا هدى وفريقا حق عليهم] الضلالة}.

 اختلف في معنى [قوله تعالى] {كما بدأكم تعودون} فقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {كما بدأكم تعودون} يحييكم بعد موتكم.

وقال الحسن البصري: كما بدأكم في الدنيا، كذلك تعودون يوم القيامة أحياء.

وقال قتادة: {كما بدأكم تعودون} قال: بدأ فخلقهم ولم يكونوا شيئا، ثم ذهبوا، ثم يعيدهم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كما بدأكم أولا كذلك يعيدكم آخرا.

واختار هذا القول أبو جعفر بن جرير، وأيده بما رواه من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، كلاهما عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: "يا أيها الناس، إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا {كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].

وهذا الحديث مخرج في الصحيحين، من حديث شعبة، وفي صحيح البخاري -أيضا -من حديث الثوري به.

وقال وقاء بن إياس أبو يزيد، عن مجاهد: {كما بدأكم تعودون} قال: يبعث المسلم مسلما، والكافر كافرا.

وقال أبو العالية: {كما بدأكم تعودون} ردوا إلى علمه فيهم.

وقال سعيد بن جبير: {كما بدأكم تعودون} كما كتب عليكم تكونون -وفي رواية: كما كنتم تكونون عليه تكونون.

وقال محمد بن كعب القرضي في قوله تعالى: {كما بدأكم تعودون} من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة، ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه.

ومن ابتدئ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدئ خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء، ثم صاروا إلى ما ابتدئوا عليه.

وقال السدي: {كما بدأكم تعودون. فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} يقول: {كما بدأكم تعودون} كما خلقناكم، فريق مهتدون وفريق ضلال، كذلك تعودون وتخرجون من بطون أمهاتكم.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} قال: إن الله تعالى بدأ خلق ابن آدم مؤمنا وكافرا، كما قال [تعالى] {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [التغابن: 2] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأهم مؤمنا وكافرا.

قلت: ويتأيد هذا القول بحديث ابن مسعود في صحيح البخاري " فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع -أو: ذراع -فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع -أو: ذراع -فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة".

(الشرح)

فيدخلها من باب الرحمة هذا حديث ابن مسعود معروف و من أحاديث الأربعين النووية, وأوله: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك», ثم يوصل إليه الملك إلى آخر الحديث, وهذه المعاني كلها صحيحة لا مانع من دخولها في هذه الآية, (كما بدأكم تعودون), كما خلقكم أول مرة يعيدكم أحياء, ومن ابتدأ خلقه بالسعادة فيصير إلى السعادة, ومن ابتدأ خلقه بالشقاوة يصير إلى الشقاوة, {كما بدأكم تعودون}, خلقكم منكم كافر ومنكم مؤمن وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى, وله الفضل والمنة على عباده المؤمنين, وله الحكمة البالغة في إضلال الكافرين.

×××

يرجع إلى تلاميذ الشيوخ ويحدث هذا تهذيب الكمال وفي الجرح والتعديل يتوسعون في هذا يذكرون التلاميذ ويتبين من التلاميذ والشيوخ هل هو وقاء  أو ورقاء...

×××

(المتن)

وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا علي بن الجعد، قال: حدثنا أبو غسان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليعمل -فيما يرى الناس -بعمل أهل الجنة، وإنه من أهل النار. وإنه ليعمل -فيما يرى الناس -بعمل أهل النار، وإنه من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتيم".

هذا قطعة من حديث رواه البخاري من حديث أبي غسان محمد بن مطرف المدني، في قصة "قزمان" يوم أحد.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تبعث كل نفس على ما كانت عليه".

وهذا الحديث رواه مسلم وابن ماجه من غير وجه، عن الأعمش، به. ولفظه: "يبعث كل عبد على ما مات عليه".

قلت: ولا بد من الجمع بين هذا القول -إن كان هو المراد من الآية -وبين قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] وما جاء في الصحيحين، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" وفي صحيح مسلم، عن عياض بن حمار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم" الحديث.

(الشرح)

يعني الآية {فطرة الله التي فطر الناس عليها}, وحديث: «إني خلقت عبادي حنفاء» وحديث: «كل مولود يولد على الفطرة» يدل على أن الإنسان مفطور على التوحيد, وعلى الإسلام, وحديث: «كل يبعث على ما مات عليه», أيضا يحتاج إلى يعني الجمع بينه وبين هذه الأحاديث على مات عليه يعني من مات مثلا على التوحيد يبعث على التوحيد, من مات على الشرك يبعث على الشرك.

وحديث الفطرة كأنه يدل على أن الناس كلهم فطروا على التوحيد, وعلى الإسلام, فما الجمع بينهما بأن يبعث كل إنسان على مات عليه؟ يختلفون, بعضهم يموت على الشرك ويبعث على الشك, وبعضهم يموت على التوحيد ويبعث على التوحيد, وحديث: «كل مولود يولد على الفطرة», «فطرة الله التي فطر الناس عليها», «إني خلقت عبادي حنفاء», تدل على أن الناس كلهم على التوحيد فطروا على التوحيد.

(المتن)

ووجه الجمع على هذا أنه تعالى خلقهم ليكون منهم مؤمن وكافر، في ثاني الحال، وإن كان قد فطر الخلق كلهم على معرفته وتوحيده، والعلم بأنه لا إله غيره، كما أخذ عليهم بذلك الميثاق، وجعله في غرائزهم وفطرهم، ومع هذا قدر أن يكون منهم شقي ومنهم سعيد: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [التغابن: 2] وفي الحديث: "كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها" وقدر الله نافذ في بريته، فإنه هو {الذي قدر فهدى} [الأعلى: 3] و {الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50].

وفي الصحيحين: "فأما من كان منكم من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة"؛ ولهذا قال تعالى: {فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} ثم علل ذلك فقال: {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله [ويحسبون أنهم مهتدون] }.

(الشرح)

وهذا وجه الجمع أن الإنسان, أو كل إنسان فطر على الإسلام, وعلى معرفة الله, وهذا مستقر في فطرهم وغرائزهم فطروا على التوحيد, ثم بعد ذلك يتغيرون تجتالهم الشياطين فتغيروا فطرتهم, والآباء أيضا يغيرون الأبناء الأب يهوده أو ينصره أو يمجسه, فيكون منهم الكافر ومنهم المؤمن ويبعث كل إنسان على ما مات عليه, هذا هو وجه الجمع, يعني هم فطروا على التوحيد أولا, ثم بعد ذلك تغيرت فطرتهم الشياطين اجتالتهم والآباء والأمهات يغيرون فطرة المولود, وهكذا.

(المتن)

قال ابن جرير: وهذا من أبين الدلالة على خطأ من زعم أن الله لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادا منه لربه فيها؛ لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضل وهو يحسب أنه هاد، وفريق الهدى، فرق. وقد فرق الله تعالى بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية [الكريمة].

(الشرح)

[فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة], يعني من ضل فهو ضال حتى ولو كان يظن أنه مهتدي, فاليهود والنصارى يظنون أنهم على حق وهم ضلال فلا يشترط أن يكون الإنسان حينما يرتكب المعصية أن يكون يعرف أنه يرتكب الخطأ ويعرف أنه خطأ, فيكون ضال وهو يحسب أنه مهتدي, في الآية الأخرى: {أولئك الذين ضلوا سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.

فسماهم: ضلال, وهم يحسبون أنهم مهتدون.

وهنا قال سبحانه: {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}.

إذا كان الإنسان جاهل يستطيع أن يعرف الحق, وأن يسأل عن الحق ولا يسأل ليس بمعلوم, ليس كل جاهل بمعذور, فالجاهل الذي يجد من يسأله ويتعرف على دينه ثم لا يسأل مهملا لا يعذر, ليس بمعذور, وكذلك الجاهل الذي لا يريد أن يعرف الحق, فهو غير معذور, ولو لم يجد من يسأله لأنه ليس عنده إرادة, أما من أراد الحق وبحث عنه وسأل وعجز فلم يجد هذا هو المعذور, شخص يريد أن يعرف الحق وبحث عن من يسأله عن الحق ولكنه لم يجد, هذا هو المعذور, أما الشخص الجاهل الذي يجد من يسأله ولا يسأل هذا ليس بمعذور, وكذلك الجاهل الذي لا يريد أن يسأل ليس بمعذور, هذه ثلاثة أنواع: الجاهل الذي يجد من يسأله ولا يسأل, الجاهل الذي لا يريد الحق غير معذور, الجاهل الذي يريد الحق وبحث عمن يسأله الحق ولم يستطيع ولم يهتدي إلى الحق, هذا هو المعذور, فهؤلاء اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله وهم يحسبون أنهم مهتدون.

هل بحثوا عن الحق؟ هل طلبوا الحق؟ اتخذوا الشياطين أولياء, كذلك أولياء النصارى وغيرهم عملوا الباطل وركبوا الباطل ويحسبون أنهم مهتدون, لكن ما بحثوا عن الحق ولا سألوا عن الحق ولا طلبوا عن الحق ولا تعرفوا الحق بمظانهم.

القارئ:-

بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: {يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}[الأعراف:31].

هذه الآية الكريمة رد على المشركين فيما كانوا يعتمدونه من الطواف بالبيت عراة، كما رواه مسلم والنسائي وابن جرير -واللفظ له -من حديث شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كانوا يطوفون بالبيت عراة، الرجال والنساء: الرجال بالنهار، والنساء بالليل. وكانت المرأة تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله .

فقال الله تعالى: {خذوا زينتكم عند كل مسجد}.

وقال العوفي، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله [تعالى] {خذوا زينتكم عند كل مسجد} الآية، قال: كان رجال يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله بالزينة -والزينة: اللباس، وهو ما يواري السوأة، وما سوى ذلك من جيد البز والمتاع -فأمروا أن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد.

(الشرح)

هذا لابد منه، الزينة التي يستر بها العورة هذا لابد منه, وما زاد منه هو الجمال يسمى الرياش كما في الآية: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا}[الأعراف:26].

فاللباس نوعان:

النوع الأول: الذي يستر به عورته, ويستر به جسده الظاهر, هذا لابد منه.

والثاني: ما كان فوق ذلك ويسمى الريش أو الرياش الجمال الثوب زيادة عما يستر به عورته يلبس ثوبا آخر جميل, يلبس أيضا كذلك مشلح فوقه, يلبس عباءة, يلبس غترة, يلبس عمامة, يلبس مثلا خفين وشراب كل هذا من الجمال ومن الزينة من الرياش, فاللباس لباسان: اللباس الذي يستر به عورته هذا لابد منه, وهذا الذي أمرنا الله به {خذوا زينتكم عند كل مسجد} يعني عند كل صلاة, وما زاد عن ذلك فهذا هو الجمال الظاهر وهو الرياش.

(المتن)

وكذا قال مجاهد، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، والضحاك، ومالك عن الزهري، وغير واحد من أئمة السلف في تفسيرها: أنها أنزلت في طواف المشركين بالبيت عراة.

وقد روى الحافظ بن مردويه، من حديث سعيد بن بشير والأوزاعي، عن قتادة، عن أنس رضي الله عنه مرفوعا؛ أنها أنزلت في الصلاة في النعال. ولكن في صحته نظر والله أعلم.

ولهذه الآية، وما ورد في معناها من السنة، يستحب التجمل عند الصلاة، ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد، والطيب لأنه من الزينة، والسواك لأنه من تمام ذلك، ومن أفضل الثياب البياض، كما قال الإمام أحمد:

حدثنا علي بن عاصم، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم، وإن من خير أكحالكم الإثمد، فإنه يجلو البصر، وينبت الشعر".

هذا حديث جيد الإسناد، رجاله على شرط مسلم. ورواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم، به.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

وللإمام أحمد أيضا، وأهل السنن بإسناد جيد، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالثياب البياض فالبسوها؛ فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم".

وروى الطبراني بسند صحيح، عن قتادة، عن محمد بن سيرين: أن تميما الداري اشترى رداء بألف، فكان يصلي فيه.

وقوله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} الآية.

قال بعض السلف: جمع الله الطب كله في نصف آية: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا}.

وقال البخاري: قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة.

الشرح: والسرف مجاوزة الحد وهو أن يزيد على ما يحتاجه في الأكل أو في الشرب ما يزيد عن الحاجة هذا سرف يسرف في الأكل يزيد على حاجته, أو يسرف في اللباس على المعتاد, وعلى الوسط المعتاد.

والثاني: الخيلاء, يختال في مشيته وفي ثيابه, فإذا كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة السرف هذا يتعلق باللباس وبالأكل, ومخيلة يتعلق بالقلب والقصد, فعل يقصد الإنسان الخيلاء والمباهاة في أن يأتي بالفاخر من الطعام خيلاء, يبين للناس أنه يأكل الجيد من الطعام, أو الجيد من الشراب, أنواع فاخرة, أو كذلك أيضا يفتخر على الناس باللباس الذي يتجاوز فيه ما يعتاده الناس.

(المتن)

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: أحل الله الأكل والشرب، ما لم يكن سرفا أو مخيلة. إسناده صحيح.

وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، قال: حدثنا همام، عن قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده".

ورواه النسائي وابن ماجه، من حديث قتادة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة".

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا سليمان بن سليم الكناني، قال: حدثنا يحيى بن جابر الطائي, قال: سمعت المقدام بن معد كرب الكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان فاعلا لا محالة.

الشرح: أكلات, أكلات جمع: أكلة, والأكلة هي المرة من الأكل اللقمة, أكلات يعني لقم عدة لقم, أما أكلات جمع أكلة وهي المرة من الأكل المرة من الأكل مثل الغداء هذا يسمى أكلة, والأكلات غداء وعشاء وغداء وعشاء هذه تسمى أكلات, أكلات عدة أكلات, فلان أكل عند فلان عدة أكلات مرة غداء ومرة عشاء, ومرة غداء, ومرة عشاء, هذه أكلات, فلان أكل عند فلان أكله يعني مرة واحدة تغدي عنده, أما أُكلات جمع: أكلة, يعني أكلات يعني لقم جمع أكلة لقمة أكل فلان أكلات يعني عدة لقم, أكل فلان أكلة يعني لقمة, فأكلات جمع أكلة, أما أكلات جمع أكلة وهي المرة من الأكلات, فالأكلات المرات من الأكل, "حسب ابن آدم أُكلات", وفي الحديث الآخر: "لقيمات يقمن صلبه".

(المتن)

 حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان فاعلا لا محالة فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث لنفسه".

ورواه النسائي والترمذي، من طرق، عن يحيى بن جابر، به وقال الترمذي: حسن -وفي نسخة: حسن صحيح.

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده.

الشرح: ولا بأس بالشبع يعني بعض الأحيان, هذا يفيد أن الأفضل للإنسان أن يأكل أكل ثلث للطعام, وثلث للشراب, وثلث للنفس, لكن إذا شبع بعض الأحيان فلا حرج, لحديث أبي هريرة في قصة اللبن, لما جاء باللبن وأمره أن ينادي أهل الصفة ويعطيهم يشربون واحدا بعد واحد هذا اللبن أنزل الله فيه البركة, وهذا من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم, فشرب القوم كلهم أهل الصفة عدد كبير, ثم بقي النبي صلى الله عليه وسلم, وأبو هريرة وكان أبو هريرة جائعا كان يتلوى من الجوع, وأمره أن يأتي بالقدح, وكان يتشوق إلى أنه يبدأ أولا, لكن لابد من امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم, فجعل فأمر أن يعطيهم واحدا بعد واحد وهو ينظر, هو الآن يتلوى من الجوع فأعطاه القدح لما انتهوا كلهم قال يا أبا هريرة نظر إليه بقي الآن أنا وأنت, قال صدقت يا رسول الله, قال اشرب يا أبا هريرة, فشرب, ثم قال اشرب يا أبا هريرة, فشرب, ثم قال: اشرب يا أبا هريرة, حتى قال: والله لا أجد له مسلكا يا رسول الله, يعني شبع, فدل على جواز الشبع يعني في بعض الأحيان, لكن الأغلب في بعض الأحيان أنه يكون هكذا: ثلث لطعامه, وثلث لشرابه, وثلث لنفسه.

, ثم بعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم سمى الله وشرب فضله عليه الصلاة والسلام.

(المتن)

وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده حدثنا سويد بن عبد العزيز, قال: حدثنا بقية، عن يوسف ابن أبي كثير، عن نوح بن ذكوان، عن الحسن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت".

ورواه الدارقطني في الأفراد، وقال: هذا حديث غريب تفرد به بقية.

 

الشرح: وهذا ضعيف, وسويد بن عبد العزيز ضعيف وفيه بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن وفيه الحسن فلا حجة فيما دل عليه من أن كون الإنسان يأكل ما اشتهى من السرف لا حرج للإنسان أنه إذا اشتهى شيئا من الطعام اشتراه وأكله بغير إسراف لا حرج, أما هذا الحديث فهو ضعيف يقول ايش أعد الحديث.

(المتن)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت".

الشرح: هذا ضعيف ليس من السرف, إذا احتاج الإنسان اشتهى شيئا ثم أكله باقتصاد وبغير إسراف فلا حرج عليه لأن الحديث هذا ضعيف سويد بن عبد العزيز ضعيف, وفيه بقية بن الوليد مدلس وقد عنعن وفيه الحسن, فليس من الإسراف كون الإنسان إذا اشتهى نوعا من الطعام, ونوعا من الفاكهة واشتراه, وشكر الله على ذلك, وكان باقتصاد ولم يكن مسرفا, ولم يتجاوز الحد فلا حرج عليه في ذلك.

...

(المتن)

وقال السدي: كان الذين يطوفون بالبيت عراة، يحرمون عليهم الودك ما أقاموا في الموسم؛ فقال الله [تعالى] لهم: {وكلوا واشربوا [ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين] }.

الشرح: كل هذا من جهلهم من جهل المشركين وابتداعهم في دين الله ما ليس منه, يحرمون على أنفسهم الودك.

(المتن)

يقول: لا تسرفوا في التحريم.

وقال مجاهد: أمرهم أن يأكلوا ويشربوا مما رزقهم الله.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {ولا تسرفوا} يقول: ولا تأكلوا حراما، ذلك الإسراف.

وقال عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين}.

في الطعام والشراب.

وقال ابن جرير: وقوله: {إنه لا يحب المسرفين} يقول الله: إن الله [تعالى] لا يحب المتعدين حده في حلال أو حرام، الغالين فيما أحل أو حرم، بإحلال الحرام وبتحريم الحلال، ولكنه يحب أن يحلل ما أحل، ويحرم ما حرم، وذلك العدل الذي أمر به.

قال الله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون (32) }.

يقول تعالى ردا على من حرم شيئا من المآكل أو المشارب، والملابس، من تلقاء نفسه، من غير شرع من الله: {قل} يا محمد، لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما يحرمون بآرائهم الفاسدة وابتداعهم: {من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } أي: هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا، وإن شركهم فيها الكفار حسا في الدنيا، فهي لهم خاصة يوم القيامة، لا يشركهم فيها أحد من الكفار، فإن الجنة محرمة على الكافرين.

قال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو حصين محمد بن الحسين القاضي، قال: حدثنا يحيى الحماني، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراة، يصفرون ويصفقون. فأنزل الله: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده} فأمروا بالثياب.

الشرح: قوله: يصفرون ويصفقون, يعني تعبدا, كان المشركون يتعبدون بالصفير والتصفيق, قال الله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}[الأنفال:35].

والمكاء هو الصفير, والتصدية التصفيق, وبعض الناس الآن في الحفلات يصفرون ويصفقون وإن كانوا لا يتعبدون بهذا لكن فيه مشابهة للمشركين, فينبغي للإنسان إذا أعجبه كما دلت عليه السنة يكبر يقول الله أكبر الله أكبر, يقول سبحان الله سبحان الله, وهذا يفعل بعض الناس بعض المتقيدين بالسنة إذا علم شيء قال الله أكبر الله أكبر, سبحان الله سبحان الله, النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبحان الله ماذا أنزل الليلة من خزائن».

ولما قالوا اجعلنا يا رسول الله آلهة؟ قال الله أكبر إنها السنن, فإذا أعجب الإنسان شيء يقول الله أكبر الله أكبر, سبحان الله سبحان الله, أما التصفيق والصفير فلا ينبغي هذا, هذا مشابهة للمشركين, وإن كان المشركين يتعبدون بالصفير والتصفيق, لكن ما ينبغي مشابهتهم.

(المتن)

قال الله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون (33) }.

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أغير من الله، فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله".

أخرجاه في الصحيحين، من حديث سليمان بن مهران الأعمش، عن شقيق أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه, وتقدم الكلام في سورة الأنعام على ما يتعلق بالفواحش ما ظهر منها وما بطن.

وقوله: {والإثم والبغي بغير الحق}, قال السدي: أما الإثم فالمعصية، والبغي أن تبغي على الناس بغير الحق.

وقال مجاهد: الإثم المعاصي كلها، وأخبر أن الباغي بغيه كائن على نفسه.

وحاصل ما فسر به الإثم أنه الخطايا المتعلقة بالفاعل نفسه، والبغي هو التعدي إلى الناس، فحرم الله هذا وهذا.

وقوله: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} أي: تجعلوا له شريكا في عبادته، وأن تقولوا عليه من الافتراء والكذب من دعوى أن له ولدا ونحو ذلك، مما لا علم لكم به كما قال تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان [واجتنبوا قول الزور * حنفاء لله غير مشركين به] } الآية [الحج: 30، 31].

الشرح: هذه الآية فيها الترقي في المحرمات من ذنب إلى ذنب أعظم منه, {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [الأعراف:33].

أولا بدأ بالفواحش وهي الفواحش التي ظهر فحشها, كالخمر, والزنا, والسرقة, ثم الإثم, وهو المعصية التي أعظم منها لكن فيما بين الإنسان وبين ربه, قد يكون مثلا من أعمال القلوب كالعجب والكبر والرياء واحتقار الناس وازدرائهم, ثم ترقى إلى البغي على الناس والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم ثم الشرك {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا}, ثم القول على الله بلا علم يشمل الشرك وغيره, القول على الله بلا علم في أسمائه أو في صفاته أو في أفعاله أو في شرعه ودينه, وفيه دليل على أن القول على الله بغير علم فوق الشرك, جعل القول على الله بلا علم فوق الشرك لأنه يشمل الشرك وغيره, فالآية فيها الترقي من محرم إلى محرم أعظم منها, جعل أولا: الفواحش, ثم الإثم, وهي الكبائر فيما بين الإنسان وبين نفسه, ثم البغي على الناس, ثم الشرك, ثم القول على الله بلا علم خمسة مراتب, وفيه الحذر من القول على الله بلا علم, تقول إن الله حل كذا, أو أباح كذا, أو حرم كذا من غير بصيرة ومن غير دليل, هذا من القول على الله بلا علم.

(المتن)

قال الله تعالى:{ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (34) يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (35) والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (36) }.

يقول تعالى: {ولكل أمة} أي: قرن وجيل {أجل فإذا جاء أجلهم} أي: ميقاتهم المقدر لهم {لا يستأخرون ساعة} عن ذلك {ولا يستقدمون}.

الشرح: وهذا في إثبات القدر, وأن كل شيء قدره الله وقضاء, كل أمة, وكل جيل كل قرن له أجل فإذا جاء الأجل فإنه لا يتقدم ولا يتأخر, كذلك الموت الذي قدره الله على الإنسان لا يتقدم ولا يتأخر, {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها}[المنافقون:11].

وكذلك ما قدر الله للإنسان من الأرزاق ومن العلم أيضا لابد أن يحصل له.

 

(المتن)

ثم أنذر تعالى بني آدم بأنه سيبعث إليهم رسلا يقصون عليهم آياته، وبشر وحذر فقال: {فمن اتقى وأصلح} أي: ترك المحرمات وفعل الطاعات {فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها} أي: كذبت بها قلوبهم، واستكبروا عن العمل بها {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} أي: ماكثون فيها مكثا مخلدا.

الشرح: يشمل تكذيب القلوب وتكذيب الألسنة, كذبت فيها ألسنتهم وقلوبهم, أو ألسنتهم وجحدتها قلوبهم, وفي هذا الآية الجمع بين الترغيب والترهيب ليسير المؤمن بين الخوف والرجاء, {فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.

فالمتقون هم أهل الجنة هم أهل السعادة, المتقون هم الموحدون الذين أخلصوا العبادة لله واتقوا الشرك والمعاصي, فمن اتقى الله وأصلح العمل فهذا من أهل السعادة لا خوف عليه ولا يحزن, لا خوف عليه في المستقبل ولا يحزن على ما خلف في الدنيا من مال وولد, وأما الكافر المكذب فهم أصحاب النار بسبب جحودهم وتكذيبهم الأنبياء والرسل, سواء كذبوا بألسنتهم, أو كذبوا بقلوبهم وألسنتهم, نسأل الله السلامة والعافية.

(المتن)

قال الله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ..

(انتهى)

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد