شعار الموقع

أصول السنة لابن أبي زمنين (10) من باب في أن الإيمان قول وعمل – إلى نهاية باب في الأحاديث التي فيها نفي الإيمان بالذنوب

00:00
00:00
تحميل
126

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المتن:

قال رحمه الله تعالى: باب في أن الإيمان قول وعمل

قال محمد: ومن قول أهل السنة: أن الإيمان إخلاص لله بالقلوب، وشهادة بالألسنة، وعمل بالجوارح على نية حسنة، وإصابة السنة قال : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون[الحجرات/15].

وقال: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ[التوبة/111].

ثم وصفهم بأعمالهم فقال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ؛ وهم الصائمون الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين[التوبة/112].

وقال: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ[التوبة/5].

وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[فاطر/10].

قال محمد: والإيمان بالله هو باللسان والقلب، وتصديق ذلك العمل، فالقول والعمل قرينان لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه.

الشرح:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: هذا الباب السادس والعشرون في أن الإيمان قول وعمل، كما دلت على ذلك النصوص من كتاب الله وسنة رسوله وكما هو معتقد أهل السنة والجماعة، خلافًا للمرجئة الذين أخرجوا الأعمال، فلم يدخلوها في مسمى الإيمان، أهل السنة يعتقدون أن الإيمان قول وعمل، والقول نوعان، والعمل نوعان، فالقول قول القلب، وهو التصديق والإقرار، وقول اللسان وهو النطق.

والعمل نوعان: عمل القلب: وهو النية والإخلاص والصدق، والمحبة والخوف والرجاء.وعمل الجوارح: كالصلاة والصيام والزكاة والصوم والحج.هذا هو معتقد أهل السنة، أن الإيمان مكون من أربعة أشياء قول اللسان وقول القلب، وعمل القلب وعمل الجوارح، قول اللسان وهو النطق، وقول القلب وهو التصديق والإقرار، وعمل القلب وهو النية والإخلاص والصدق والم حبة، وعمل الجوارح وهي ما يباشر الإنسان من الأعمال بجوارحه، من الصلاة والصيام والحج وبر الوالدين، وصلة الرحم وغير ذلك، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، وخالف في ذلك المرجئة، فأخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان.

والمرجئة أربعة أنواع: النوع الأول: المرجئة المحضة، المرجئة المحضة يعني الخالصة ويقال لهم مرجئة الجهمية، ورئيسهم الجهم بن صفوان، يعتقدون أن الإيمان معرفة الرب بالقلب، والكفر جهل الرب بالقلب، فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، ومن جهل ربه بقلبه فهو كافر، هذا أفسد تعريف للإيمان هو تعريف الجهم.

أفسد ما قيل في تعريف الإيمان هو تعريف الجهم، يقول: الإيمان هو معرفة الرب بالقلب، والكفر هو جهل الرب بالقلب، فعلى ذلك فمن عرف ربه بقلبه فهو مؤمن، فألزمه العلماء أن إبليس مؤمن؛ لأنه يعرف ربه بقلبه، قال:  قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [ص/79].

وفرعون مؤمن يعرف ربه بقلبه قال: الله تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا[النمل/14].

واليهود مؤمنون على تعريف الجهم قال الله تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ[البقرة/146]. عندهم معرفة.

وأبو طالب عم الرسول ﷺ مؤمن على قولهم لأنه يقول:

ولقـد علمـت بأن دين محمد

من خير أديان البرية دينا

 بل إن العلماء ألزموا الجهم ألزموه بالكفر هو، قالوا: هو كافر بتعريفه هو؛ لأنه جاهل بربه، لا أحد أجهل منه بربه؛ لأن الكفر هو جهل الرب بالقلب ولا أحد أجهل منه بربه حيث جعل الإيمان هو المعرفة، هذا أفسد ما قيل في تعريف الإيمان هو تعريف الجهمية المحضة، هم جهمية المرجئة.

والطائفة الثانية: الكرامية، الذين يقولون الإيمان هو النطق باللسان، فمن نطق بلسانه وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فهو مؤمن عندهم، ولو كان مكذبًا بقلبه، فيقولون: إن المنافقين الذين يقولون: لا إله إلا الله بألسنتهم وقلوبهم مكذبة مؤمنون عند المرجئة.

ويقولون: إن المنافقين إذا نطقوا بألسنتهم فهم مؤمنون، وإذا كذبوا بقلوبهم فهم مخلدون في النار، فيقول: إن المنافقين الذين ينطقون بألسنتهم مؤمنون، كاملوا الإيمان ومع ذلك مخلدون في النار، جمعوا بين المتناقضين، كيف؟.

فيقولون إن المنافقين مؤمنون؛ لأنهم نطقوا بألسنتهم وكاملوا الإيمان، ومخلدون في النار؛ لأنهم كذبوا بقلوبهم، فيلزم على قولهم أن يكون المؤمن كامل الإيمان ومخلد في النار، جمعوا بين النقيضين، وهذا التعريف يلي تعريف الجهم في الفساد.

الطائفة الثالثة: الماتريدية والأشعرية: الذين يقولون الإيمان هو تصديق القلب، وهذا رواية عن الإمام أبي حنيفة وعليها بعض أصحابه.

والطائفة الرابعة: مرجئة الفقهاء الذين يقولون الإيمان شيئان:

الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب، والأعمال ليست من الإيمان لكنها مطلوبة، هم طائفة من أهل السنة، وهذا هو مذهب الإمام أبي حنيفة وهو عليه جمهور وأصحابه، وأول من قال بالإرجاء شيخ الإمام أبي حنيفة حماد بن أبي سليمان، أول من قال بالإرجاء شيخ الإمام أبي حنيفة، أبي حنيفة من المرجئة، المرجئة الفقهاء، ولكنه من أهل السنة.

ولهذا أقر الطحاوي الطحاوية مذهب المرجئة يقول إيمان أهل الأرض وأهل السماء سواء، لا يزيد ولا ينقص، عندهم الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لكن مرجئة الفقهاء يختلفون عن المرجئة المحضة؛ لأنهم يقولون الأعمال مطلوبة، الواجبات واجبات والمحرمات محرمات، ومن فعل الطاعات فهو ممدوح ويثاب يستحق الثواب الذي رتب عليه، ومن فعل الكبائر فهو مذموم ويقام عليه الحد ويستحق العقوبة، لكن ما يسمى إيمانا يسميه واجب آخر يقول الأعمال مطلوبة؛ لكن ليست من الإيمان نسميها بر، نسميها تقوى، فالإنسان عليه واجبان واجب الإيمان وواجب العمل.

وجمهور أهل السنة يقولون: هي بر وتقوى وإيمان، وهي داخلة في مسميات فقالوا: لا ليست داخلة، هذا الخلاف بينهم، الخلاف لفظي.

لكن أهل السنة تأدبوا ووافقوا النصوص، وهؤلاء خالفوا النصوص، ولا يسن مخالفة النصوص في اللفظ ولا في المعنى، كما أنهم فتحوا باب المرجئة المحضة فدخلوا منه، المرجئة المحضة يقولون: الأعمال ما هي مطلوبة حتى لو فعل جميع النواقض والكبائر، ما دام يعرف ربه بقلبه فهو مؤمن، هذا عند الجهمية المرجئة المحضة، الأعمال ما هي مطلوبة والواجبات ليست مطلوبة، والمحرمات لا تضر، بل الكبائر ما تضر، بل حتى نواقض الإسلام ما تضر، هؤلاء كفرة والعياذ بالله الجهمية.

لكن مرجئة الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه لا يوافقونهم، وإن كانوا يوافقونهم على أن الأعمال ليست داخلة في مسمى الإيمان، إلا أنهم يقولون: إن الإيمان الأعمال مطلوبة، والواجبات واجبات والمحرمات محرمات، لكن ما نسميها إيمانًا؛ ولهذا هم طائفة من أهل السنة ويسمون مرجئة الفقهاء.

والإمام أبو حنيفة له روايتان: الرواية الأولى: أن الإيمان شيئان:

هو الإقرار باللسان، والتصديق بالقلب، وهذا هو الذي عليه جمهور أصحابه.

والرواية الثانية: أن الإيمان هو التصديق بالقلب، وأما الإقرار باللسان فهو ركن زائد، وهذا مذهب الماتريدية والأشعرية.

وتبين بهذا أن المرجئة أربعة طوائف، مرجئة الفقهاء وهم من أهل السنة ويوافقون أهل السنة في المعنى دون اللفظ، وإن كان له آثار تترتب عليه.

والثانية: الماتريدية والأشعرية يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب.

والثالثة: الكرامية الذين يقولون: الإيمان هو الإقرار باللسان.

والرابعة: الجمهية الذين يقولون: الإيمان هو معرفة الرب بالقلب.

وأفسد هذه التعريفات وأقبحها هو تعريف الجهم، ثم يليه تعريف الكرامية، ثم يليه الماتريدية ثم قول مرجئة الفقهاء.

المؤلف رحمه الله يقرر مذهب أهل السنة والجماعة، ويستدل بالنصوص فيقول: قال محمد وهو محمد بن عبد الله بن أبي زمنين: (ومن قول أهل السنة إخلاص لله بالقلوب) هذا عمل القلب (وشهادة بالألسنة) هذا عمل قول اللسان (وعمل بالجوارح).

إخلاص الله بالقلوب يشمل الإقرار والعمل الإقرار والتصديق وأعمال القلوب، وشهادة بالألسنة هذا قول اللسان، وعمل بالجوارح على نية حسنة وهي إصابة السنة.

ثم ذكر الأدلة قال: قال : إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ[الحجرات/15].

إنما المؤمنون؛ ذكر الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا؛ هذا عمل القلب وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ هذه عمل الجوارح؛ كلها أدخلها في مسمى الإيمان فقال: أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ في إيمانهم[الحجرات/15]؛ وأما الذي لا يعمل فهو ليس صادقًا في إيمانه فهو ضعيف الإيمان.

وقال: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ[التوبة/111].

ثم وصفهم بأعمالهم هذه أعمال المؤمنين فقال: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة/112]. فسَّر السائحون: بأنهم الصائمون.

هذه أوصافهم، هذه أعمالهم داخلة في مسمى المؤمنين إن الله اشترى من المؤمنين ما هي أوصاف المؤمنين؟ هذه الأعمال وقال: ففَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ[التوبة/5].

إذن لا يخلى سبيلهم إلا إذا تابوا من الشرك، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، إذن الأعمال داخلة لا يكونون مؤمنين إلا بهذه التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.

وقال: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر/10]؛ لأنه من الإيمان.

قال محمد؛ يعني المؤلف: (والإيمان بالله هو باللسان) يعني إذا قرأ النص باللسان (والقلب) أي تصديق القلب (وتصديق ذلك العمل، فالقول والعمل قرينان لا يقوم أحدهما إلا بصاحبه) صدق، القول تصديق لا يصح إلا بالعمل، وإلا صار كإيمان إبليس وفرعون، قولهم تصديق بلا عمل.

والعمل ما يصح إلا بالقول، اللي يعمل ويصلي ويزكي ويصوم لا بد له من إيمان يصدقه وإلا صار كإسلام المنافقين المنافقون عندهم عمل، يصومون لكنهم ما عندهم إيمان يصححه، وإبليس وفرعون يصدق بقلبه، لكن ما عنده إيمان يتحقق به، فلا بد من الأمرين: تصديق وعمل.

المتن:

وحدثني وهب عن ابن وضاح، عن أبي محمد سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا أسد قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن أن رجلا أتى إلى أبي ذر فقال: يا أبا ذر ما الإيمان؟ فقرأ عليه: لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون [البقرة/177].

فقال الرجل: ليس عن البر سألتك فقال أبو ذر: «أتى النبي رجل فسأله عما سألت عنه، فقرأ عليه النبي الذي قرأت عليك، فأبى أن يرضى كما أبيت أن ترضى».

الشرح:

نعم، وهذا الحديث إسناده ضعيف، وهو منقطع، فيه ابن وضاح سبق عليه الكلام، وفيه المسعودي، واختلط كثيرًا، وكذلك فيه انقطاع بين القاسم وبين أبي ذر، هذا الرجل مبهم، لا يُدرَى هل هو ثقة أو غير ثقة، ولكن الآية واضحة في أنها فيها خصال البر.

ما هي خصال البر؟ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ.. فسَّر البر، ماهي خصال البر؟ قال: من آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ؛ في إيمانه وتقواهم [البقرة/177].

هذه خصال البر، وهي خصال الإيمان، فالآية دلت واضحة في خصال البر، وأنها من الإيمان ولو لم يصح الحديث، الحديث غير صحيح ولكن الآية كافية، الآية وحدها كافية في أنها بين الله فيها خصال البر، فهذه البر وخصال التقوى، وخصال الإيمان.

المتن:

أسد قال: حدثنا يحيى بن سليم قال: حدثنا أبو حيان قال: سمعت الحسن البصري يقول: "لا يستوي قول إلا بعمل، ولا يصلح قول وعمل إلا بنية، ولا يصلح قول وعمل ونية إلا بالسنة".

الشرح:

نعم، وهذا الأثر موصول بالإسناد السابق، وهو من كلام الحسن البصري، مرسل من كلام الحسن البصري، والحسن البصري من التابعين، يقول: (لا يستوي قول إلا بعمل، ولا يصح قول وعمل إلا بنية، ولا يصح قول وعمل ولا نية إلا بالسنة).

هذا صحيح، هذا كلام صحيح، حتى ولو لم يصح، هذا من كلام البصري، والعلماء يبينون مسمى الإيمان حسب ما فهموه من النصوص الكتاب والسنة، هذا كلام حق عن الحسن البصري، وهذا الكلام ليس من كلام الرسول، ولا من كلام ولكنه من كلام الحسن البصري، قوله لا يستوي القول إلا بعمل، ما يصح القول إلا بعمل، الإنسان يدعي إنه مؤمن ولا يعمل ما يصح، ما يصح، ولا يصح قول وعمل إلا بنية، ولو قال وعمل إلا بنية النية هي التي تبنى عليها العمل، ولا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة، يكون القول والعمل والنية موافق للسنة، هذا حق، وهذا فيه دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، هذا هو قول أهل السنة قاطبة قول أهل السنة والجماعة داخلة في مسمى الإيمان، خلافًا للمرجئة.

المتن:

أسد قال: حدثنا ضمرة عن سفيان عن داود بن أبي هند قال: "لا يستقيم قول إلا بعمل، ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بنية موافقة للسنة".

الشرح:

نعم، وهذا الحديث من هذا الإسناد فيه ضعف، فيه ما تقدم ابن وضاح، وكذلك فيه ضمرة بن ربيعة الفلسطيني صديق يهم، ثم هو من قول داود بن أبي هند، فهو مقطوع، ولكن هذا الكلام صحيح، حتى ولو لم يصح الأثر، وقوله: (لا يستقيم قول إلا بعمل ولا قول وعمل إلا بنية، ولا قول وعمل ونية إلا بنية موافقة للسنة)، هذا حق، هذا حق وكلام صحيح، وهذا هو الذي قول أهل السنة قاطبة بصرف النظر عن صحة هذا السند، عن أبن أبي هند، أو عدم صحته، لكنه كلام حق هذا قول أهل السنة والجماعة.

المتن:

أسد قال: وحدثنا يحيى بن سليم قال: "سألت سفيان الثوري وهشام بن حسان عن الإيمان فقالا: الإيمان قول وعمل، قال: يحيى وسألت ابن جريج عنه فقال مثل ذلك، وسمعت مالك ابن أنس يقول: مثل ذلك".

الشرح:

نعم، وهذا الأثر إسناده ضعيف، لكنه صحيح عن سفيان، وهو كلام جيد موافق لما أقره أهل السنة من دخول الأعمال في مسمى الإيمان، قال: يحيى قال: سألت سفيان الثوري وهشام بن حسان عن الإيمان فقالا: الإيمان قول وعمل، هذا قول أهل السنة قاطبة، وهذا الذي دلت عليه النصوص، وكذلك سأل ابن جريج قال: مثل ذلك، ومالك بن أنس فقال: مثل ذلك، هذا قول الأئمة والعلماء والصحابة والتابعين، كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل، خلافًا للمرجئة، وهذا الأثر أخرجه الآجري في الشريعة، واللالكائي في شرح السنة، من طرق عن يحيى بن سليم، فهذه الأقوال كلها قول حق، سواء صح سنده أو لم يصح، وهو قول أهل السنة قاطبة، ودلت عليه النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ.

المتن:

باب في تمام الإيمان وزيادته ونقصانه

قال محمد: ومن قول أهل السنة أن الإيمان درجات ومنازل، يتم ويزيد وينقص، ولولا ذلك لاستوى الناس فيه، ولم يكن للسابق فضل على المسبوق، وبرحمة الله، وبتمام الإيمان، يدخل المؤمنون الجنة، وبالزيادة فيه يتفاضلون في الدرجات انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا [الإسراء/21].

ومثل هذا في القرآن كثير.

الشرح:

نعم، هذا الباب السابع والعشرون في تمام الإيمان وزيادته ونقصانه، أهل السنة والجماعة يعتقدون أن الإيمان يزيد وينقص، ويقوى ويضعف، خلافًا للمرجئة، المرجئة يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، الإيمان شيء واحد في القلب لا يزيد ولا ينقص، ويقولون: إيمان أهل الأرض، وإيمان أهل السماء واحد، ويقول إيمان أفجر الناس وأفسق الناس، وإيمان جبريل وميكائيل واحد، فيقول: إيمان جبريل وميكائيل وإيمان أبو بكر والصديق، مثل إيمان الفاجر والفاسق، ما في فرق لماذا؟ يقول الإيمان هو التصديق، فيأتي السكير والعربيد السكير والعربيد، فيقول أنا مؤمن كامل الإيمان، إيماني كإيمان جبريل وميكائيل، وكإيمان أبي بكر وعمر.

فإذا قلت: أبو بكر وعمر لهما أعمال عظيمة، قال: مالي دعوة في الأعمال، أنا مصدق وهو مصدق، فالتصديق واحد، والأعمال شيء آخر، ليست من الإيمان سمها بر، سمها تقوى.

فإذًا المرجئة مرجئة الفقهاء، فتحوا باب للمرجئة المحضة، حتى يأتي السكير العربيد فيدعي أن إيمانه مثل إيمان أبي بكر وعمر، ويدعي أن الأعمال غير داخلة في مسمى الإيمان.

وكذلك أيضًا فتحوا باب المرجئة المحضة، الذين قالوا الأعمال ليست مطلوبة، كالجهمية فتحوا لهم الباب مرجئة الفقهاء، فالواجب على المسلم أن يتأدب مع كتاب الله وسنة رسوله، والنصوص من كتاب الله وسنة رسوله أدخلت الأعمال في مسمى الإيمان، مثل ما سمعنا في خصال البر يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ۝ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ۝ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال/1-4].

مؤمنون بهذه الأعمال، وجل القلب هذا من عمل القلوب، وزيادة الإيمان عند تلاوة القرآن، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والتوكل، كلها أدخلها في مسمى الإيمان.

فالمرجئة يقولون أن الإيمان واحد، إيمان أهل الأرض وإيمان أهل السماء سواء، ولا يزيد الإيمان ولا ينقص، شيء واحد تصديق.

وأهل السنة والجماعة يقولون: ينقص ويزيد؛ لأن إذا قصر الإنسان في الأعمال وإذا عصى ربه نقص الإيمان، وإذا أطاع ربه تم زاد الإيمان، والنصوص دلت على هذا قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ[الفتح/4].

لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ[المدثر/31]. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ[التوبة/125].

فالإيمان يزيد وينقص، والكفر يزيد وينقص، والنفاق يزيد وينقص.

قال المؤلف رحمه الله: (قال محمد يعني نفسه: ومن قول أهل السنة أن الإيمان درجات ومنازل، أن الإيمان درجات ومنازل يتم ويزيد وينقص، ولولا ذلك استوى الناس فيه ولم يكن للسابق فضل على المسبوق).

نعم هذا صحيح، لو كان الناس إيمانهم واحد كان يتساوى الفاجر والمتقي، ولا يكون للسابق فضل اللي سبق إلى الإسلام وسبق إلى الخير يكون هو والمتأخر سواء، وهذا باطل، يقول برحمة الله وبتمام الإيمان، يدخل المؤمنون الجنة، المؤمنون يدخلون الجنة بإيمانهم يدخلون برحمة الله بسبب الإيمان، ثم عد زيادة الإيمان ونقصانه يقتسمون الدرجات، يتقاسمون الدرجات بأي شيء؟ بزيادة الأعمال.

دخول الجنة المؤمنون كلهم يدخلون الجنة بالإيمان، كل مؤمن يدخل الجنة، كل مؤمن يدخل الجنة برحمة الله، قوي الإيمان وضعيف الإيمان كلهم يدخلون الجنة، ثم الجنة درجات، يتقاسمونها بزيادة الإيمان، يقولون من زاد إيمانه ارتفعت درجته، ومن نقص إيمانه صارت درجته نازلة.

اقتسام الدرجات تقاسم الدرجات بالأعمال الصالحة وزيادة الإيمان، ودخول الجنة بالإيمان، كل مؤمن يدخل الجنة، وكل كافر يخلد في النار وكل مؤمن يدخل الجنة ولو عذب ولو أصابه عذاب في النار يخرج منها، ثم يدخل الجنة بسبب الإيمان والتوحيد.

وقال المؤلف رحمه الله: نظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا[الإسراء/21]؛ التفضيل بينهم بالأعمال الصالحة التي يزيد بها الإيمان.

المتن:

وحدثني أبي عن علي عن أبي داود عن يحيى قال: حدثنا إسماعيل بن المسلم عن أبي المتوكل الناجي قال: قال رسول الله : الدرجة في الجنة فوق الدرجة كما بين السماء والأرض، وإن الرجل يرفع بصره فيلمع برق يكاد يخطف أبصارهم، فيفزع لذلك فيقول: ما هذا فيقال هذا نور أخيك فلان، ويقول أخي فلان كنا نعمل في الدنيا جميعًا وقد فضل علي هكذا؟ فيقال له: إنه كان أفضل منك عملاً، ثم يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى.

الشرح:

هذا الحديث ضعيف السند، في إسناده والد المؤلف بن أبي زمنين، وهو ضعيف وعلي بن الحسن المري أيضًا ضعيف، ويحيى بن سلام أيضًا ضعيف، وكذلك مرسل من مراسيل أبي المتوكل الناجي، فهو ضعيف السند، لكن ما دل عليه من أن الدرجة في الجنة كما بين السماوات جاءت النصوص الصحيحة أن الجنة درجات، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، هذا جاء في الأحاديث الصحيحة، والمؤمنون يتقاسمون الدرجات بأعمالهم، والأعمال داخلة في مسمى الإيمان، وأما هذا الحديث فهو ضعيف السند، مرسل.

المتن:

وحدثني وهب عن ابن وضاح عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا أبو أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو صيد نقص من عمله قيراطًا كل يوم.

الشرح:

نعم وفي لفظ: نقص من عمله كل يوم قيراطان، فهذا الحديث فيه ابن وضاح، وهو يعني يحتمل يكون السند لا بأس به ومتنه صحيح، ابن وضاح صدوق يخطئ، ولكن الحديث صحيح أخرجه الشيخان، متن الحديث صحيح، أخرجه البخاري في الصحيح ومسلم في الصحيح، كلاهما من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعًا، وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم من طريق آخر من طريق سالم عن أبيه.

وأخرجه البخاري أيضًا ومسلم من طريق ثالث من طريق مالك عن نافع عن طريق بن عمر، فالحديث صحيح وفيه دليل على أن الإنسان إذا اقتنى كلب عصى ربه، وإذا عصى ربه نقص عمله، وإذا نقص عمله نقص دينه، وإذا نقص دينه نقص إيمانه، وهذا فيه الرد على المرجئة الذين يقولون: أن الإيمان لا ينقص لا يزيد ولا ينقص، والحديث صريح في نقصان العمل، والعمل داخل في مسمى الإيمان، وهو دليل على أن زيادة الإيمان ونقصانه، وفيه الرد على المرجئة الذين يقولون الإيمان لا يزيد ولا ينقص.

المتن:

وحدثني وهب عن ابن وضاح قال: حدثنا حامد قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن ذر، عن وائل بن مهانة، عن عبد الله قال: قال النبي : نقصان دين النساء الحيض.

الشرح:

نعم، وهذا الحديث أيضًا سنده كسابقه، ومتنه أيضًا صحيح، والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في الإيمان والمصنف، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، وله شاهد أخرجه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن عمر عن رسول الله ﷺ أنه قال: يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن، قالت: يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين، قال: أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان فهذا نقصان الدين، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه.

فالحديث صحيح، وهو دليل على نقصان الدين، والدين هو الإيمان، الدين والبر والتقوى والإيمان واحد، والدين ثلاث مراتب، الإسلام والإيمان والإحسان، كما في حديث جبريل، لما سأل النبي ﷺ عن الإسلام وعن الإيمان وعن الإحسان قال في الآخر: آتاكم جبريل يعلمكم دينكم.

فالدين ثلاث مراتب: إسلام، ثم إيمان، ثم إحسان، وهذا دليل على أن المرأة عندها نقصان دين، ونقصان الدين هو نقصان الإيمان، إذا كان كونها كذلك تكثر اللعن وتكفر العشير هذا نقصان في الدين ونقصان في العمل، فدل على أن الإيمان يزيد وينقص، خلافًا للمرجئة الذين يقولون: الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أحمد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثنا محمد بن بشر، حدثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا.

الشرح:

الحديث إسناده ضعيف، إسناد إسحاق وهو ابن إبراهيم التجيبي، وفيه كذلك ابن وضاح، ولكن متن الحديث صحيح، فالحديث ثابت وهو صحيح على شرط مسلم، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، والدارمي في السنن، والبيهقي في السنن، والحديث متنه صحيح ثابت، وفيه: أن الإيمان يزيد وينقص، وأن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا.

فيه أن الإيمان يكمل وينقص، فيكمل لمن حسن خلقه، وينقص لمن ساء خلقه، فدل على أن الإيمان يزيد وينقص، وهو قول أهل السنة خلاف المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص.

المتن:

وحدثني وهب، عن ابن أبي مريم، عن أسد قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن أبي جعفر الخطمي، عن عمير بن حبيب صاحب النبي قال: الإيمان يزيد وينقص، قالوا: وما زيادته ونقصانه، قال: إذا ذكرنا الله صمنا وصلينا زاد، وإذا غفلنا وسهونا نقص.

الشرح:

وهذا الحديث أيضًا سنده ضعيف، في إسناده أبو جعفر الخطمي، وهو لم يسمع من جده عمير، فيكون منقطع، والمنقطع ضعيف عند أهل العلم، والحديث أخرجه الآجري في الشريعة، واللالكائي في شرح السنة، ولكن معناه صحيح تشهد له النصوص، الإيمان يزيد وينقص، دل عليه قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا[الفتح/4].

لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ[المدثر/31].

وفيه: أنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، ولهذا قال: إذا ذكرنا الله وصمنا وصلينا زاد، وإذا غفلنا وسهونا نقص هذا دلت عليه نصوص كثيرة، أما هذا الأثر فهو ضعيف.

المتن:

أسد قال: وحدثني إسماعيل بن أبي عياش، عن صفوان بن عمرو، عن عبد الله بن ربيعة الحضرمي، عن أبي هريرة أنه كان يقول: "الإيمان يزيد وينقص".

الشرح:

نعم، وهذا موصول بالإسناد السابق، وفي سنده عبد الله بن ربيعة الحضرمي، مجهول لكن له متابع، والحديث معناه صحيح، الإيمان يزيد وينقص، دلت عليه النصوص الكثيرة وله شواهد بأن الإيمان يزيد وينقص من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وفيه الرد على المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال: حدثني ابن سمعان، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن حسين أخبره، عن شهر بن حوشب الأشعري، حدثه أن رسول الله  كان إذا قام من مجلسه، فرغ من حديثه، خلفه عبد الله بن رواحة في مجلسه، وأخذ بيد الصاحب له أو الصاحبين أو الثلاثة، فيقول: تعالوا نزدد إيمانًا، تعالوا نؤمن ساعة، تعالوا نذكر ربنا بطاعته لعله يذكرنا برحمته فانطلق رسول الله : ثلاث من أصل الإيمان: الكف عن من قال: لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ أن بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار كلها».

الشرح:

نعم، وهذا الحديث في سنده ابن سمعان وهو متكلم فيه، ثم هو لم يسمع من عبد الله بن عبد الرحمن بن حسين، فهو منقطع، فالحديث فيه ضعف، وفيه انقطاع، سنده ضعيف، ولكن مع قول عبد الله بن رواحة: تعالوا نزدد إيمانًا، تعالوا نؤمن ساعة، تعالوا نذكر ربنا بطاعته لعله يذكرنا برحمته هذا صحيح، هذا ثابت، دلت عليه النصوص، وثابت عن عدد من الصحابة أنهم يقول بعضهم لبعض: " تعالوا نجلس ساعة " فيذكرون الله ويقرءون القرآن فيزاد الإيمان.

فإذا أطاع المسلم ربه وذكر الله وقرأ القرآن زاد إيمانه، وإذا غفل وأعرض وعصى ربه نقص إيمانه، هذا دلت عليه النصوص، ودلت عليه الآثار أيضًا من كلام الصحابة، وأما قوله: «فانطلق رسول ﷺ ثلاث من أصل الإيمان: الكف عن من قال: لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ أن بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمة الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار كلها».

هذا كما نبه المحقق أدخل حديث في حديث، قوله: «فانطلق»، هذا حديث مستقل، لكن أدخل الراوي حديث في حديث، فهذا حديث مستقل لكن الراوي أدخله، وفيه: «الكف عمن قال: لا إله إلا الله، لا نكفره بذنب، ولا نخرجه من الإسلام بعمل»، هذا معتقد أهل السنة والجماعة، أن الكافر إذا نطق بالشهادتين يحكم له بالإسلام ولا يقتل، ثم بعد ذلك ينظر، إن التزم بأحكام الإسلام فالحمد لله، وإن فعل ما ينقض الإسلام قتل بعد ذلك من قِبَل ولاة الأمور.

وفيه: أن الجهاد ماض مستمر مع الأئمة برا كانوا أو فجارًا، والإيمان بالأقدار كلها، هذا حديث آخر، دخل على الراوي، أدخل حديثا في حديث.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال، أخبرني رجال عن الأوزاعي، عن الحسن قال: قال رسول الله : بني الإسلام على ثلاث فذكر الحديث وفيه: وكف عن أهل "لا إله إلا الله" لا تكفروهم بذنب، ولا تشهدوا عليهم بشرك.

الشرح:

وهذا الحديث سنده ضعيف، في إسناده إسحاق والشيخ أسلم، وفيه رجال مبهمون، قال: أخبرني رجال عن الأوزاعي، مبهمون لا تعرف حالهم، ثم أيضًا هو من مراسيل الحسن، ومراسيل الحسن ضعيفة، مرسل من مراسيل الحسن فلا يثبت هذا المتن، لكن معناه صحيح، قوله: بني الإسلام على ثلاث والصواب: بني الإسلام على خمس كما جاء في حديث جبريل ليس على ثلاث.

لكن قوله: «الكف عن أهل "لا إله إلا الله" لا تكفروهم بذنب، ولا تشهدوا عليهم بشرك»، هذا حق دلت عليه النصوص، من قال: "لا إله إلا الله" يكف عنه ولا يكفر، ولا يشهد عليه بالشرك إلا إذا إلا إذا فعل ناقضًا من نواقض الإسلام.

المتن:

إسحاق قال: حدثني قاسم بن أصبغ، عن محمد بن عبد السلام، عن أبي جعفر محمد بن وهب، عن عباس بن عفان قال: أخبرنا أبو عبيد قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان قال: "سأل رجل جابر بن عبد الله: هل كنتم تسمون أحدا من أهل القبلة كافرا؟ قال: معاذ الله، قال: فهل تسمونه مشركا؟ قال لا".

الشرح:

وهذا الحديث أخرجه الطبراني في الأوسط، وأبو يعلى الموصلي في مجمع الزوائد، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وقال الحافظ بن حجر (..) على الصحيح، وهذا من كلام جابر سئل: هل كنتم تسمون أحدا من أهل القبلة كافرا؟ قال: معاذا الله، قال: فهل تسمونه مشركًا؟ قال: لا، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، أن أهل القبلة لا يحكم عليهم بالكفر، يحكم عليهم بالإسلام.

والمراد بأهل القبلة كل من اتجه إلى القبلة في الصلاة والذكر والذبح يحكم عليهم بالإسلام، إلا إذا وجد مناقض، حتى المنافقون، المنافقون من أهل القبلة؛ لأنه يتجه إلى القبلة في الصلاة، تُجرى عليهم أحكام الإسلام، لكن من أظهر منهم نفاقه قتل وحكم عليه بالكفر، ومن أخفى كفره ونفاقه أجريت عليه أحكام الإسلام وأمره إلى الله في الآخرة.

هذا حق أن أهل القبلة ما يسمى كافرًا، ولا يسمى مشركا، بل يحكم عليه بالإسلام ما دام ملتزمًا بأحكام الإسلام ولا يظهر منه ما يوجب الردة، فإن ظهر منه ما يوجب الردة حكم عليه بالكفر.

المتن:

وحدثني إسحاق قال: حدثني أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال: أخبرني جرير بن حازم، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة قال: قال رسول الله : لا تنزلوا العارفين المحدثين الجنة والنار حتى يكون الله هو الذي يقضي بينهم يوم القيامة.

الشرح:

وهذا الحديث سنده ضعيف، ضعيف جدًا، وهو منقطع في إسناده إسحاق، وكذلك أيضًا أسلم، وفيه الحسن بن عمارة، متروك، وفيه الحكم بن عتيبة، وهو مرسل من كلام الحكم بن عتيبة، والحكم بن عتيبة لم يسمع من أحد من الصحابة، وله شاهد من حديث زيد بن أرقم، أخرجه الطبراني في الكبير، ولكن هذا الأثر ضعيف، وهو من كلام الحكم بن عتيبة، لكن المتن معناه صحيح: " لا تنزلوا العارفين المحدثين الجنة والنار حتى يكون الله هو الذي يقضي بينهم يوم القيامة " يعني: لا يحكم الإنسان على الإنسان بجنة ولا بنار إلا بحسب ما دلت عليه النصوص، فالله تعالى هو الذي يقضي بين عباده، وهو الذي يحكم بالكفر والشرك والإيمان، هذه أحكام شرعية، يعني: تؤخذ من الشرع.

المتن:

وحدثني وهب، عن ابن وضاح، عن موسى بن معاوية، عن ابن مهدي، قال: حدثنا إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود قال: "كنا لا نقول في رجل شيئًا حتى ننظر على أي حال يموت، فإن ختم له بخير رجونا أن يصيب خيرًا، وإن ختم له بغير ذلك خفنا عليه".

الشرح:

وهذا السند ضعيف ومنقطع، فيه ابن وضاح وفيه أبو عبيدة، وهو ابن عبد الله بن مسعود، لم يسمع من أبيه فيكون منقطعًا، أبو عبيدة هذا قيل: إنه اسمه وكنيته، أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، فروايته عن أبيه منقطعة، فهو منقطع ضعيف.

ولكن هذا الكلام صحيح، ما دل عليه المتن، يقول: "كنا لا نقول في رجل شيئا حتى ننظر على أي حال يموت، فإن ختم له بخير رجونا أن يصيب خيرًا، وإن ختم له بغير ذلك خفنا عليه".

هذه عقيدة أهل السنة والجماعة: أن من مات على الخير وعلى الإيمان والعمل الصالح نرجو له الجنة ولا نشهد له بها، وإذا رأينا الإنسان يعمل المعاصي والفسق نخاف عليه من النار ولا نشهد عليه بها.

المتن:

ابن وضاح قال، أخبرني زهير بن عباد، قال: كل من أدركت من المشايخ: مالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، وفضيل بن عياض، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح وغيرهم لا يكفرون أحدا بذنب، ولا يشهدون لأحد أنه في الجنة وإن لم يعص الله، ولا أنه في النار وإن عمل الكبائر، ومن خالف هذا فهو عندهم مبتدع.

قال ابن وضاح: وقال لي يونس بن عبد الأعلى: الزم هذا ولا تدعه، قال حسين بن الحسن المروزي: نعم، هذا هو الحق ولا يقول خلافه إلا زنديق.

الشرح:

هذه المقالة التي رويت عن زهير بن عباد حق، رواها عن المشايخ: كل من أدركت من المشايخ: مالك بن أنس وهو إمام دار الهجرة، وسفيان بن عيينة، وعيسى بن يونس، وفضيل بن عياض، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، كل هؤلاء الأئمة من أهل السنة والجماعة، يقول: لا يكفرون أحدا بذنب، ولا يشهدون لأحد أنه في الجنة وإن لم يعص الله، ولا أنه في النار وإن عمل بالكبائر، ومن خالف هذا عندهم فهو مبتدع.

هذا كله حق، أهل السنة لا يكفرون أحدا بذنب، الذنب يعني: الذنب الذي دون الشرك، لا يكفر.

وإنما الذي يكفر بهذا هم الخوارج، الخوارج والمعتزلة يكفرون ويخلدون في النار، أما أهل السنة يقولون: إذا فعل الكبيرة يكون فاسقًا حتى يتوب، عاصيًا ضعيف الإيمان، ولا يشهدون لأحد أنه في الجنة إلا ما شهدت له النصوص، مثل العشرة المبشرين بالجنة، والحسن والحسين، لكن يشهدون بالعموم، كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، أما فلان بن فلان فالناس لا تشهد له الناس بالجنة إلا إذا شهدت له النصوص.

هذا هو الذي عليه الجمهور، ومن العلماء من يشهد عملاً ببعض الأحاديث: " من شهد له اثنان عدلان بالجنة شهد له " كما كان أبو ثور يشهد للإمام أحمد بالجنة عملاً بالحديث، قول النبي: أنتم شهداء الله في الأرض.

لكن جمهور أهل السنة على أنه لا يشهد لأحد بالجنة إلا من شهدت له النصوص، لكن يشهد بالعموم: كل مؤمن في الجنة وكل كافر في النار، لكن فلان بن فلان في الجنة ما تشهد له إلا بنص، هذا هو عقيدة أهل السنة والجماعة.

قال ابن وضاح: ومن خالف هذا فهو مبتدع، من كفر أحدًا بالمعصية فهو مبتدع، أو شهد لأحد بالجنة بغير دليل يكون مبتدعًا، قال ابن وضاح: وقال يونس بن عبد الأعلى: الزم هذا ولا تدعه.

الزم هذه العقيدة: لا تكفر أحدًا بذنب، ولا تشهد لأحد بالنار ولا بالجنة، ولا أحدًا من أهل القبلة إلا بالنصوص، إلا بما دل عليه النص.

وقال حسين بن حسن المروزي: نعم، هذا هو الحق ولا يقول خلافه إلا زنديق، الزنديق هذا يطلق على المنافق، يطلق على الجاحد المعطل، وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة أقرها العلماء في كتبهم.

ولهذا يقول الطحاوي في عقيدته: وأهل الكبائر من أمة محمد ﷺ في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين، بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه، إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر الله في كتابه: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا[النساء/48].

وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يُخرَجون منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته.

إلى أن قال قال رحمه الله: ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم، ولا ننزل أحدًا منهم جنة ولا نارًا.

والذي يستثنى من هذا من شهدت له النصوص: كالعشرة المبشرين بالجنة، وعكاشة بن محصن، ونحوهم، وأما من سواهم من المسلمين ممن لا يشهد لهم الرسول ﷺ بجنة ولا نار، فإننا لا نشهد لأحد بعينه، ولكن نشهد بالعموم للمؤمنين، ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء.

المتن:

باب في الاستغفار لأهل القبلة والصلاة على من مات منهم

قال محمد: وأهل السنة لا يحجبون الاستغفار عن أحد من أهل القبلة، ولا يرون أن تترك الصلاة على من مات منهم وإن كان من أهل الإسراف على نفسه، وقال لنبيه عليه الصلاة والسلام: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[محمد/19].

وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة/103].

الشرح:

هذا الباب الثامن والعشرون في الاستغفار لأهل القبلة والصلاة على من مات منهم، هذا هو الذي دلت عليه النصوص أنه يستغفر لأهل القبلة، من مات من أهل القبلة يعني: من مات ملتزمًا بأحكام الإسلام في الظاهر، ويصلي بالقبلة، يتجه للقبلة في الصلاة، هذا يستغفر له ويصلى عليه، إلا إذا ظهر ما يدل على نفاقه وكفره فلا يستغفر له ولا يصلى علي.

ولهذا قال الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ؛ من المنافقين، ثم بين العلة إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ[التوبة/84].

فهذه العلة من تبين كفره لا يصلى عليه ولا يستغفر له، ومن لم يظهر كفره فيصلى عليه ويستغفر له، ولهذا النبي صلى على عبد الله بن أبي لما مات قبل أن ينهى، ثم نزلت هذه الآية فلم يصل بعد ذلك على منافق.

قال محمد هو المؤلف ابن أبي زمنين: (وأهل السنة لا يحجب الاستغفار عن أهل القبلة)، نعم كل واحد من أهل القبلة يستغفر له، إلا إذا تبين كفره، إذا علم أنه منافق أو كافر أو فعل ناقضة من نواقض الإسلام هذا يحكم عليه بالكفر، ولا يرون أن تترك الصلاة على من مات منهم وإن كان من أهل الإسراف على نفسه، يعني: كل من مات من أهل القبلة يصلى عليه ولو كان مسرفًا على نفسه من المعاصي، المعاصي ما تخرجه من الإيمان، ما دام أن المعاصي لا توصله إلى الكفر، ثم استدل بالآية، وقال لنبيه ﷺ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم[محمد/19]؛ هذا عام يشمل العصاة والمطيعين.

وقال: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [التوبة/103]؛ وهذا عام لجميع المؤمنين، وكل من لم يعمل كفر فهو مؤمن ولو كان عاصيًا.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال: حدثني يحيى بن أيوب، عن إسحاق بن أسيد، عن عطاء الخراساني، عن الحسن: أن رسول الله قال: من دعا للمؤمنين والمؤمنات رد الله عليه مثلما دعا به ممن مضى وممن بقي.

الشرح:

هذا الأثر سنده ضعيف، وهو مرسل، فيه إسحاق وفيه أسلم، وفيه إسحاق بن أسيد متكلم فيه، ثم هو أيضًا من مراسيل الحسن، ومراسيل الحسن ضعيفة فهو ضعيف، ضعيف الإسناد، مرسل، لكن ما دل عليه مِن أن مَن دعا للمؤمنين والمؤمنات فإن الله يثيبه ويأجره، وهذا دلت عليه النصوص، قال: من دعا للمؤمنين والمؤمنات رد الله عليه مثلما دعا به ممن مضى وممن بقي جاء في الحديث أن المؤمن إذا دعا لأخيه بظاهر الغيب وكل الله به ملكا يقول: ولك بمثل فمن دعا لأخيه سواء حيًا أو ميتًا فإن الملك يدعو له بأن يأجره الله ويعطيه مثل ذلك، أما هذا السند فهو ضعيف.

المتن:

وأخبرني وهب، عن ابن وضاح، عن زهير بن عباد قال: "كان من أدركت من المشايخ يرون أن لا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة وإن عمل أي عمل".

الشرح:

نعم، وهذا من كلام زهير بن عباد يقول: "أدركت المشايخ يرون أن لا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة ما دام ملتزما بأحكام الإسلام وإن عمل أي عمل" يعني: من المعاصي، ما لم يعمل كفرًا، فهذا لا تترك الصلاة عليه، كل مسلم يصلى عليه ولو كان عاصيًا، ولو فعل الكبائر، ولو مات على شرب الخمر، لكن بعض المعاصي جاء في الحديث النهي عن الصلاة عليه، قال العلماء: يَترك الصلاة عليهم أهلُ الأعيان زجرًا للأحياء، القاتل لنفسه، والمجلود بحد.

جاء في بعض الأحاديث عدم الصلاة عليهم، قال العلماء: هذا لا يصلي عليهم أهل الأعيان من العلماء والوجهاء زجرًا للأحياء، حتى لا يفعلوا مثل فعلهم، أما عامة الناس يصلون عليهم لأنهم مسلمون، هذا كلام حق، لا تترك الصلاة على كل أحد من أهل القبلة وإن عمل أي عمل من المعاصي ما لم يعمل كفرًا.

المتن:

وحدثني أبي، عن سعيد بن فحلون، عن العناقي، عن عبد الملك رحمه الله أنه قال: "السنة أن يصلى على كل من وحد الله وإن مات مسرفًا على نفسه بالذنوب، وإن كانت كبائر، إذا كان مستمسكًا بالتوحيد مقرًا بما جاء من عند الله فإنه يصلى عليه، وإثمه على نفسه، وحسابه على ربه، وهو عندنا مؤمن بذنبه، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، ولا نخرجه بالذنوب من الإسلام، ولا يوجب له بها النار، حتى يكون الله الذي يحكم فيه بعلمه ويصيره إلى حيث شاء من جنة أو نار، إلا أنّا نرجو للمحسن ونخشى على المسيء المذنب، بهذا ندين الله وبه نوصي من اقتدى بنا وأخذ بهدينا، وهو الذي عليه أهل السنة وجمهور هذه الأمة.

قال عبد الملك رحمه الله: ومعنى حديث عبد الله بن عمر: إذا لقيتم شربة الخمر فلا تسلموا عليهم، وإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم إنما يعني: نأخذ بذلك الرجل في خاصة نفسه، ولا يعني: أن الصلاة تترك عليهم أصلاً.

الشرح:

وهذا الحديث الأول سنده ضعيف، فيه والد أبي زمنين وسعيد بن فحلون، وهو من كلام عبد الملك ليس من كلام النبي ﷺ ولا من كلام الصحابة، لكنه كلام صحيح، كلام صحيح موافق لما دلت عليه النصوص، وموافق لكلام السلف، يقول رحمه الله: "السنة أن يصلى على كل من وحد الله، هذا حق كل من وحد الله يصلى عليه، والكافر ليس موحدًا، الكافر كفرًا أكبر أو نفاقًا أكبر غير موحد فلا يصلى عليه، كل موحد يصلى عليه، دليله قول الله تعالى: وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ؛ ثم بين العلة فقال سبحانه: إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ[التوبة/84].

هذه العلة، من كان كافرًا فلا يصلى عليه، ومن لم يعمل الكفر يصلى عليه ولو كان عاصيا، يسمى موحدًا، السنة أن يصلى على كل من وحد الله وإن مات سَرَفًا على نفسه بالذنوب وإن كانت كبائر، يعني: ولو مات من يشرب الخمر أو يزني أو يسرق وما استحلها يكون عاصيا، لكن إذا استحل كفر.

ولهذا قال: "يصلى عليه وإن مات سرفًا على نفسه وإن كانت كبائر إذا كان مستمسكا بالتوحيد" بهذا القيد، يعني: ما عمل ناقضًا من نواقض الإسلام، مقرًا بما جاء من عند الله، فإنه يصلى عليه وإثمه على نفسه، المعاصي على نفسه، الله تعالى هو الذي يحاسبه، وهو عندنا مؤمن بذنبه، مؤمن ولو كان عاصيا، أما ذنبه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، دليله قول الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا[النساء/48].

ولا نخرجه بالذنوب من الإسلام، نعم، إذا عصى ما نقول: إنه خرج من الإسلام، هذا قول الخوارج، لكن أهل السنة يقولون: مسلم، لكن ضعيف الإيمان، ولا يوجب له بها النار، ما نقول: يجب عليه النار، العاصي والسارق وشارب الخمر، لا، نقول: تحت مشيئة الله قد يعفو الله عنه وقد يعذبه، وإذا أقيم عليه الحد طهره، صار طهارة له، كفارة لذنوبه.

أما الخوارج يوجبون له بها النار، الخوارج والمعتزلة، ولا يوجب له بها النار حتى يكون الله الذي يحكم فيه بعلمه ويصيره إلى حيث شاء من جنة أو نار، إلا أننا نرجو للمحسن ونخشى على المسيء المذنب، المحسن نرجو له الخير ولكن ما نحكم له بالجنة، ما نشهد له بالجنة، والمسيء نخاف عليه من النار ولا نحكم عليه بالنار.

قال عبد الملك: بهذا ندين الله، هذا هو كلام حق وبه نوصي من اقتدى بنا وأخذ بهدينا، وهو الذي عليه أهل السنة وجمهور هذه الأمة، صدق، هذا كلام صحيح، قاله عبد الملك رحمه الله.

ومعنا حديث عبد الله بن عمر: إذا لقيتم شربة الخمر فلا تسلموا عليهم، وإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، هذا سنده ضعيف، أخرجه سعيد بن منصور موقوفًا.

يقول: إنما يعنى بذلك، نأخذ بذلك الرجل في خاصة نفسه، ولا يعني أن الصلاة تترك عليهم أصلاً، هذا صحيح، المعنى: أنه لا يسلم عليه مثلاً لو صح، شرب الخمر ما يسلم عليه ولا يعاد زجرًا له، لكن ليس معنى ذلك أنه لا يصلى عليه، إنما تصلي عليه لأنه لم يكن كافرا، كونه يشرب الخمر هذا ليس كفرًا إلا إذا استحله، فلا نسلم عليه تأديبا له حتى يتوب، لكن إذا مات يصلى عليه لأنه ليس بكافر، بل هو مؤمن ضعيف الإيمان.

المتن:

وأخبرني إسحاق، عن محمد بن عمر بن لبابة، عن محمد بن أحمد العتبي قال: "سُئِل سحنون عن قول مالك في أهل البدع الإباضية والقدرية وجميع أهل الأهواء أنه لا يصلى عليهم؟ فقال: إنما قال ذلك تأديبًا لهم، ونحن نقول به على هذا الوجه، فأما إذا وقفوا ولم يوجد من يصلي عليهم فأرى ألا يُتركوا بغير صلاة، قيل له: فهؤلاء الذين قتلهم الإمام من أهل الأهواء لما بانوا عن الجماعة ودَعوا إلى ما هم عليه ونصبوا الحرب هل يصلى عليهم؟ فقال: نعم، وهم من المسلمين وليس بذنوبهم التي استوجبوا بها القتل يتركون بغير صلاة، فقيل له: فما القول في إعادة الصلاة خلف أهل البدع؟ فقال: لا يعاد في الوقت ولا بعده".

وكذلك يقول أشهب والمغيرة وغيرهما من أصحاب مالك، وقد أنزله من يقول: إن الصلاة تعاد خلفه في الوقت وبعده بمنزلة النصراني، وركَّبَ قياس قول الإباضية والحرورية الذين يكفرون جميع المسلمين بالذنوب من القول.

الشرح:

وهذا السند إلى مالك رحمه الله وهو إمام دار أهل الهجرة، قال: سُئِل سحنون عن قول مالك في أهل البدع الإباضية والقدرية وجميع أهل الهوى أنه لا يصلى عليهم، فقال: إنما قال ذلك تأديبًا لهم، يعني: سُئِل سحنون أن الإمام مالك قال في أهل البدع الإباضية، الإباضية هم الخوارج، طائفة من الخوارج يقال لهم: الإباضية نسبة إلى فلان الإباضي، والقدرية وجميع أهل الأهواء، يعني: وجميع أهل البدع، يقول مالك: لا يصلى عليهم، فقال: إنما قال ذلك تأديبًا لهم، ونحن نقول: على هذا الوجه.

فأما إذا وُقِفوا، يعني: إذا ماتوا ووقفوا ولم يوجد من يصلي عليهم فأرى ألا يتركون بغير صلاة، يعني الإمام مالك إذا قال لا يصلي عليهم، يعني: المقصود التأديب لهم، لا يصلي عليهم أهل الأعيان وأهل الفضل وأهل الخير من العلماء والأمراء العابدين والدعاة، ما يصلون عليهم تأديبًا لهم، لكن يصلي عليهم عامة الناس، لا يصلون عليهم زجرا للأحياء حتى لا يفعلوا مثل فعلهم.

فهذا معنى قوله: (لا يصلى عليهم)، وليس معنى ذلك أن جميع المسلمون لا يصلون عليهم، لا، بل كل موحد يصلى عليه، والإباضية وهم الخوارج الصحابة عاملوهم معاملة المسلمين، فعلى هذا فهم مؤمنون ضعيفوا الإيمان،

وفي رواية عن الإمام أحمد أنهم كفار، لقول النبي ﷺ: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فعلى القول بأنهم مسلمون يُصلى عليهم، ولذلك قال: قيل له: هؤلاء الذين قتلهم الإمام من أهل الأهواء لما بانوا على الجماعة ودعوا إلى ما هم عليه ونصبوا الحرب هل يصلى عليهم؟ يعني: أهل البدع الذين خرجوا على المسلمين وقاتلوهم ثم قتلوا هل يُصلَّى عليهم؟ قال: نعم يصلى عليهم لأنهم مسلمون، وليس بذنوبهم التي استوجبوا بها القتل يتركون بغير صلاة.

قد يقاتل الباغي الذي بغى على الإمام والخلق، يقتل، يقتل دفعًا لشره، لكن ليس مع قتله أنه كفر، ما هو كافر، ولو حارب ولو قاتل المسلمين هذا من ضعف إيمانه، ما هو بكافر إلا إذا استحل قتال المسلمين فيصلى عليه.

فقيل له: ما القول في إعادة الصلاة خلف أهل البدع؟ فقال: لا تعاد في الوقت ولا بعده، بعض العلماء يقول: تعاد، يصلى عليهم وتعاد، الصواب أنها ما تعاد، قال: لا يعاد في الوقت ولا بعده، يعني: إذا صليت خلف مبتدع هل تعيد الفريضة؟ بعض العلماء يقول: تعيد، تصلي عليهم وتعيد.

والقول الثاني: إنها لا تعاد، ما داموا مسلمين.

إذا صليت خلف مبتدع أو فاسق هل تعاد الصلاة؟ فيها قولان لأهل العلم، بعض أهل العلم يقول: تعاد، وبعضهم يقول: لا تعاد، وبعض العلماء قال: إذا كان من أئمة المسلمين فلا يعاد، وغيرهم تعاد، وكذلك يقول أشهب والمغيرة وغيرهما من أصحاب مالك، وقد أنزله من يقول: إن الصلاة تعاد خلفه في الوقت وبعده بمنزلة النصراني، والذي يقول: إن الصلاة تعاد أنزله بمنزلة الكافر، الكافر هو الذي تعاد الصلاة، إذا خلف إمام كافر يجب إعادة الصلاة بالاتفاق.

وإذا صليت خلف العاصي الفاسق ففيه قولان لأهل العلم: قيل: تعاد، وقيل: لا تعاد، والصواب أنها لا تعاد؛ لأن الصحابة صلوا خلف الحجاج بن يوسف وكان فاسقًا ظالمًا ولم يعيدوا الصلاة.

فقال: إن الذي يقول: تعيد الصلاة يلزمه أن يجعله مثل النصراني، وركَّب قياس قول الإباضية والحرورية الذين يكفرون جميع المسلمين بالذنوب من القول، فالذي يقول: تعاد، معناه أنه وافق الخوارج، والحرورية الذين نزلوا بلدة حروراء، وهم من الخوارج كفروا المسلمين بالمعاصي، فالذي يقول: لا تعاد الصلاة، كأنه كفرهم، فوافق الخوارج في القول بتكفيرهم.

المتن:

باب في الأحاديث التي فيها نفي الإيمان بالذنوب

قال محمد: والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وربما ذكرت لك شيئا بما يستدل به على معاني ما ضاهاها مما لم أذكره وتحريف تأويلها، كفَّر الخوارج الناس بصغار الذنوب وكبارها، منها ما حدثني به إسحاق، عن أحمد، عن ابن وضاح، عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس أبصارهم إليها وهو مؤمن.

الشرح:

هذا الباب التاسع والعشرون في الأحاديث التي فيها نفي الإيمان بالذنوب، الأحاديث التي فيها نفي الإيمان بالذنوب تدل على نقص الإيمان ولا تدل على ذهاب الإيمان، ولهذا قال محمد وهو المؤلف محمد بن عبد الله بن زمنين: (والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وربما ذكرت لك شيئًا مما يستدل به على معاني ما ضاهاها مما لم أذكره وتحريف تأويلها، كفَّر الخوارج الناس بصغار الذنوب وكبارها).

يعني يقول: إن الأحاديث التي فيها نفي الإيمان عن بعض المعاصي مثل: لا إيمان لمن لا أمانة له لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، هذا نفي كمال الإيمان وليس نفي الإيمان بالمرة.

إذا فعل الإنسان معصية ينفى عنه الإيمان، والمراد نفي الإيمان الواجب، لكنه لا ينفى عناصر الإيمان، والذي ينفي عنه الإيمان الكامل هو الخوارج، فلا ينبغي للإنسان أن يوافق الخوارج، بل المسلم يعتقد ما يعتقد أهل السنة والجماعة مما دلت عليه النصوص أن العاصي لا يخرج من الإيمان ولكن يضعف إيمانه، فإذا جاء نص ينفي الإيمان عن العاصي فهذا يدل على ضعف إيمانه، مثل الحديث هذا الذي ساقه المؤلف، حديث أبي هريرة: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس أبصارهم إليها وهو مؤمن.

هذا الحديث رواه الشيخان، أخرجه البخاري في الصحيح، وأخرجه مسلم أيضًا في الصحيح، من طريق ابن الشهاب، عن أبي سلمة، عن أبي سلمة، وابن المسيب، عن أبي هريرة، وكذلك أخرجه البخاري ومسلم من طريق ابن الشهاب، عن أبي بكر وهو من أصح الأحاديث، لكن هذا السند ضعيف، أن في إسناده إسحاق وهو التجيبي، وقد تقدم الكلام عليه، ففيه بعض الضعف، لكن الحديث متنه من أصح الأحاديث.

وفيه نفي الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر والناهب، لكن هذا النفي إنما هو نفي لكمال الإيمان، والدليل على ذلك أن الزاني لو كان كافرًا كان قتل، ما يجلد، وكذلك السارق تقطع يده ولا يقتل، لو كان كافرًا لقتل، والنصوص يضم بعضها إلى بعض، إذا جاءت النصوص تدل على أن الزاني والسارق يرث ويورث ويعامل معاملة المسلمين، والنصوص يضم بعضها إلى بعض، ولا يأخذ بعض النصوص دون البعض إلا أهل الزيغ كالخوارج والمعتزلة.

فلا ينبغي للإنسان أن يأخذ بعض النصوص ويترك البعض، فالخوارج والمعتزلة أخذوا بهذا الحديث وكفروا وقالوا: الزاني كافر، والسارق كافر، والشارب كافر، لهذا الحديث، لكن أغمضوا أعينهم عن النصوص الأخرى، وأهل السنة جمعوا بين النصوص وعملوا بالنصوص من الجانبين، فهداهم الله لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

المتن:

أبو بكر قال: حدثنا مصعب بن المقدام، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة، عن أنس قال: ما خطب رسول الله الناس إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له.

الشرح:

وهذا الحديث إسناده كإسناد الحديث السابق، فيه ابن وضاح، ولكنه محتمل ومتنه صحيح، والحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند، وابنه عبد الله في السنة، واللالكائي في شرح السنة، وهو حديث متنه صحيح، وفيه أن النبي نفى الإيمان لمن لا أمانة له، قال: لا إيمان لمن لا أمانة له وهذا المراد نفي كمال الإيمان، وليس المراد أن الذي لا أمانة له كافر، لا، المراد هنا نفي كمال الإيمان، خلافًا للخوارج الذين يكفرون من لا أمانة له.

أهل السنة يقولون: لا إيمان، يعني: لا إيمان كاملاً؛ لأنه لا يكفر إلا إذا فعل مكفرًا، فالذي عنده خيانة في الأمانة عاص، وقوله: «لا إيمان له»، يعني: لا إيمان له كاملاً.

فالأحاديث التي فيها نفي الإيمان بالذنوب لا يكفر بها الإنسان ولا يسلب عنه الإيمان، فالعاصي لا يسلب عنه سوى الإيمان الكامل، ولا يعطى مطلق الإيمان، فلا تقل على العاصي والزاني والسارق: إنه مؤمن، وتسكت، ولا تقل: ليس بمؤمن، وتسكت، غلطان، إذا قلت: مؤمن للزاني تكون غلطان، غلطت، وإذا قلت ليس بمؤمن غلطت.

إذن ماذا أعمل؟ قيّد في النفي والإثبات، تقول: مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن ضعيف الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، هذا هو الصواب.

ولا تقل: الزاني ليس بمؤمن، لكن إذا قلت: الزاني مؤمن، وافقت الخوارج، وإذا قلت: ليس بمؤمن، وافقت المرجئة، إذن ماذا تعمل؟ قيِّد في النفي والإثبات، في الإثبات تقول: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن ضعيف الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وفي النفي ما تقول: ليس بمؤمن، وتسكت، قيد، ليس بصادق الإيمان، ليس بمؤمن حقًا.

فكذلك «لا إيمان لمن لا أمانة له»، يعني: لا إيمان كاملاً، هذا هو عقيدة أهل السنة والجماعة، وهذا هو ما دلت عليه النصوص؛ لأن النصوص يضم بعضها إلى بعض؛ لأن النصوص جاءت تدل على أنه مؤمن، على أن من خان الأمانة عنده أصل الإيمان.

فالنصوص التي فيها إثبات الإيمان تحمل على أن عنده أصل الإيمان، والنصوص التي فيها نفي الإيمان تحمل على أنه زال عنه كمال الإيمان، واضح هذا؟.

لأنه إذا نفيت الإيمان عن العاصي معناه وافقت الخوارج والمعتزلة، وإذا أثبت له الإيمان وافقت المرجئة، فلا بد من الجمع بين النصوص بحمل النصوص التي فيها النفي على نفي الكمال، والنصوص التي فيها إثبات الإيمان على إثبات أصل الإيمان.

المتن:

أبو بكر قال: وحدثنا ابن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سنان بن سعد، عن أنس قال: سمعت رسول الله يقول: ما هو بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه.

الشرح:

نعم، وهذا الحديث في متنه كما سبق ابن وضاح، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وفيه سنان بن سعد، ولكن الحديث صحيح، متنه صحيح، أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وابن نصر في تعظيم قدر الصلاة، وأخرجه الحاكم في المستدرك، وللحديث شاهد من حديث أبي شريح المرفوع، أخرجه البخاري في الصحيح بلفظ: والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله، لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه.

قوله: ما هو بمؤمن من لا يأمن جاره بوائقه، والبوائق هي الغوائل والشر، الذي لا يأمن جاره شره، هذا نفي عنه الإيمان، لكن هل نفي أصل الإيمان أو كمال الإيمان؟ نفي كمال الإيمان الواجب، يعني الذي لا يأمن جاره بوائقه ضعيف، لكن ليس بكافر كما يقول الخوارج، معه أصل الإيمان لكن نفي عنه كمال الإيمان.

المتن:

أبو بكر قال: حدثنا أحمد بن عبد الله، عن أبي بكر، عن الحسن بن عمرو، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الرحمن، عن عبد الله قال، قال رسول الله : ليس المؤمن باللعان ولا الطعان، ولا بالفاحش ولا بالبذيء.

الشرح:

نعم، وهذا الحديث في سنده أيضًا بعض الضعف كما سبق، ولكن متنه أيضًا صحيح، المتن صحيح، والحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وله طرق أيضًا يصح بها، فالمتن صحيح ثابت، يقول النبي: ليس المؤمن باللعان ولا الطعان، ولا بالفاحش البذيء فاللعان والطعان والفاحش ينفى عنه الإيمان، لكن الذي نفي عنه كمال الإيمان الواجب، لكن ما هو أصل الإيمان، فالمؤمن الذي يشتم ويلطم هل هو كافر؟ لا، الخوارج يقولون: كافر، والمعتزلة يقولون: نفي عنه الإيمان، لكن أهل السنة يقولون: مؤمن ضعيف الإيمان.

لأن النصوص دلت على أنه ما ليس بناقض من نواقض الإسلام، كونه يلعن ويطعن ما هو بناقض من نواقض الإسلام، معصية، والمعصية لا يخرج بها من الإيمان، فقوله: ليس المؤمن باللعان؛ ليس المؤمن كامل الإيمان، فنفي عنه الإيمان وهو كمال الإيمان الواجب لا أصل الإيمان.

المتن:

أبو بكر قال، وحدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عدي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله: ولا يبغض الأنصارَ رجلُ يؤمن بالله واليوم الآخر.

الشرح:

وهذا الحديث إسناده فيه بعض الشيء، ومتنه صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله: لا يبغض الأنصارَ رجلٌ يؤمن بالله واليوم الآخر وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن أبي شيبة في المصنف، فهو صحيح وفيه نفي الإيمان عمن أبغض الأنصار، وهذا فيه تفصيل: الذي يبغض الأنصار قد يكون منافقًا، وقد يكون مؤمن ناقص الإيمان يبغضهم لشيء يتعلق بأشخاص، أو ذواتهم، أما الذي يبغضهم لدينهم فهذا كافر، الذي يبغض الأنصار لدينهم كافر، أما الذي يبغضهم لأمور شخصية وأمور تتعلق بذواتهم أو بأفعالهم فهذا ناقص الإيمان.

المتن:

وحدثني ابن فحلون، عن العُكي، عن ابن بكير، عن مالك، عن صفوان بن سليم أنه قال: قيل لرسول الله: يكون المؤمن كذابًا؟ فقال: لا.

الشرح:

نعم وهذا الحديث إسناده ضعيف، فيه ابن فحلون، فيه العكي، وفيه صفوان بن سليم، ثم أيضًا مرسل من كلام صفوان بن سليم، ولكن متن الحديث صحيح: قيل لرسول الله يكون المؤمن كذابًا؟ قال: لا.

في اللفظ الآخر: قيل: أيكون المؤمن جبانًا؟ قال: نعم، قيل: أيكون كذابًا؟ قال: لا، والمراد به نفي كمال الإيمان، وليس المراد أن الكذاب يكفر، لا، بل المراد نفي كمال الإيمان.

المتن:

وقال محمد: فهذه الأقوال المذمومة في هذه الأحاديث لا تزيل إيمانا ولا توجب كفرا، وقد قال بعض العلماء: معناها التغليظ، ليهاب الناس الأفعال التي ذكر الحديث أنها تنفي الإيمان وتجانبه، وقال بعضهم: المراد بها أنها تنفي من الإيمان حقيقته وإخلاصه، فلا يكون إيمان من يرتكب هذه المعاصي خالصًا حقيقيًا كحقيقة إيمان من لا يرتكبها، لأهل الإيمان علامات يعرفون بها، وشروط أُلزِموها، ينطق بها القرآن والآثار، فإذا نُظر إلى من خالف إيمانه هذه المعاصي قيل: ليس مما وصف به أهل الإيمان، فنفيت هذه حينئذ، حقيقة الإيمان وتمامه، وهذا التأويل أشبه، والله أعلم.

الشرح:

المؤلف رحمه الله بين الكلام على هذه الأحاديث، والأحاديث التي نُفي فيها الإيمان عن صاحبه للعلماء فيها قولان:

القول الأول: المراد التغليظ ليهاب الناس هذه الأفعال حتى يرتدعوا عن هذه الأفعال.

والقول الثاني: إن المراد بها نفي حقيقة الإيمان وكماله، وقالوا هذا الثاني هو الصواب، وهو كما قال، الصواب: نفي كمال الإيمان وحقيقته.

المتن:

ويصدقه عندي قول عمر رضي الله تعالى عنه: "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محق، والكذب في المزاح" حدثني بذلك وهب، عن ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب قال، قال عمر: "لا يبلغ. . . " وذكر الحديث.

الشرح:

نعم، يقول المؤلف: يُصدِّق القول الثاني وهو المراد نفي حقيقته الإيمان قول عمر: "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وهو محق، والكذب في المزاح" يعني: الذي ما يدع المراء والجدال ولا يدع الكذب لا يبلغ حقيقة الإيمان، لا يبلغ حقيقة الإيمان، الكمال، يعني: يكون إيمانه ضعيفًا، يعني: الذي يريد كمال الإيمان يترك المراء ويترك المزاح، الذي لا يترك المزاح عنده ضعف، تساهل.

وهذا السند الذي روي بهذا الأثر عن عمر فيه ضعف، فيه ابن وضاح، فيه ميمون بن أبي شبيب، لكن المعنى صحيح، المعنى صحيح وهذا الكلام له شواهد تدل عليه، وهو أن الإنسان الذي لا يترك الجدال ولا يترك الكذب لا يبلغ حقيقة الإيمان، بل يكون عنده ضعف، ولكن كمال الإيمان يقتضي أن يترك الإنسان المزاح والكذب.

المتن:

ومثل ذلك أيضًا قول عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "لا يؤمن العبد كل الإيمان حتى لا يأكل إلا طيبًا، ويتم الوضوء على المكاره، ويدع الكذب ولو في المزاح" حدثني بذلك إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب، عن إبراهيم بن نشيط، عن قيس بن رافع، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

الشرح:

وهذا السند ضعيف، فيه إسحاق وفيه قيس بن رافع الأشجعي، وهو من قول عبد الله بن عمرو، لكن المعنى صحيح، معناه صحيح دلت عليه النصوص، يقول: "لا يؤمن العبد كل الإيمان حتى لا يأكل إلا طيبًا" يعني: لا يؤمن العبد كل الإيمان، يعني: الإيمان الكامل، "حتى لا يأكل إلا طيبا"، فالذي يأكل من المتشابه وغير الطيب ما يبلغ كمال الإيمان، بل عنده ضعف ونقص إيمان، الذي يأكل من المتشابه.

ويتم الوضوء على المكاره، فالذي لا يتم الوضوء عنده نقص في إيمانه، ويدع الكذب ولو في المزاح، فالذي يمزح ويكذب فهذا دليل على نقص إيمانه ومروءته، ولهذا لا تقبل شهادته، لكن لا ينفى عنه الإيمان الكامل، كل هذا صحيح ودلت عليه النصوص، وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد