شعار الموقع

أصول السنة لابن أبي زمنين (11) من باب في الأحاديث التي فيها ذكر الشرك والكفر – إلى باب من الأحاديث التي شبه فيها الذنب بأجزاء أكبر منه أو قرن به

00:00
00:00
تحميل
58

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المتن:

قال رحمه الله تعالى: باب في الأحاديث التي فيها ذكر الشرك والكفر.

قال محمد: حدثني وهب، عن ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال رسول الله: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض.

الشرح:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: ....

فهذا الباب الثلاثون من أبواب هذا الكتاب في الأحاديث التي فيها ذكر الشرك والكفر، والخلاصة في هذا الباب أن الأحاديث التي فيها ذكر الشرك والكفر إن كان شركًا في العبادة أو ناقضًا من نواقض الإسلام أو مُعرّفًا، شرك معرف أو كفر معرف، كحديث: بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة, فهو كفر أكبر يخرج من الملة.

وإن كان من الذنوب والمعاصي التي ليست ناقضًا من نواقض الإسلام وليست شركًا بالعبادة فهو شرك أصغر، كحديث: من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك.

وحديث: اثنتان في الناس هما بهما كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت.

وحديث: من قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما, فهذا شرك أصغر.

فإذا سميت بعض الذنوب أو المعاصي شركًا أو كفرًا فهذا يكون كفرًا دون الكفر، وشركًا دون الشرك، كفر أصغر لا يخرج من الملة، وإن كان أكبر من الكبائر.

أما إذا كان هذا الذنب الذي وصف بالشرك ناقضًا من نواقض الإسلام، أو شركا في العبادة، أو معرفًا مثل حديث: بين الرجل وبين الكفر "الكفر" «بين الرجل وبين الشرك»، بخلاف الشرك المنكر: اثنان في الناس هما بهما كفر, هذا منكر: من قال لأخيه: يا كافر. هذا شرك أصغر، هذا هو خلاصة ما في هذا الباب.

قال محمد وهو المؤلف رحمه الله محمد بن عبد الله بن زمنين حدثني وهب، عن ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق قال: قال رسول الله: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض هذا الحديث إسناده فيه ضعف وهو مرسل، فيه ابن وضاح متكلم فيه.

ثم هو أيضًا مرسل، مرسل من قول ابن مسروق، يعني: سقط فيه الصحابي، قال، قال رسول الله، ولكن متن الحديث صحيح، متنه صحيح، هذا وإن كان من مراسيل ابن مسروق إلا أن الحديث متنه صحيح.

فالحديث أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم، من حديث جرير بن عبد الله البجلي قال: قال لي النبي في حجة الوداع: استنصت الناس، ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض أخرجه البخاري في الصحيح، ومسلم في الصحيح من طريق شعبة، عن علي بن مدرك، عن أبي زرعة، عن جده جرير.

وهذا الحديث أيضًا أخرجه النسائي، ولكن سند الحديث هنا مرسل، والحديث كما سمعتم متنه صحيح رواه الشيخان.

والمراد بالكفر هنا كفر أصغر: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض فالقتال الذي يقع بين المسلمين كفر أصغر لا يخرج من الملة، إلا من استحل القتال، من استحل قتل أخيه كفر؛ لأنه أمر معلوم من الدين بالضرورة، فالذي يستحل قتل المسلم يكفر، لكن إذا قتله طاعة لهواه والشيطان، هذا كفر أصغر طاعة لهواه والشيطان، ويعلم أن القتل حرام ولا يجوز، أو قاتل المسلمين ويعلم أن قتالهم لا يجوز، هذا عاص مرتكب لكفر أصغر، إلا أنه لا يخرج من الملة.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثنا جرير، عن عبد الله بن منصور، عن أبي خالد، عن النعمان بن عمرو بن مقرن قال: قال رسول الله: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر.

الشرح:

وهذا الحديث أيضًا كسابقه إسناده ضعيف ومتنه صحيح، متنه صحيح أخرجه الشيخان من حديث ابن مسعود بلفظ: سباب المسلم فسوق وقتاله كفر أخرجه البخاري في الصحيح ومسلم في الصحيح، كلاهما عن شعبة، عن زبير، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.

وأما هذا السند الذي أتى به المصنف رحمه الله فهو ضعيف، في سنده إسحاق وهو التجيبي متكلم فيه، وشيخ المؤلف، وفيه ابن وضاح متكلم فيه، وكذلك فيه أبو خالد وهو الوالبي الكوفي، متكلم فيه، وأما متن الحديث فكما سمعتم صحيح.

والشاهد من الحديث قوله: وقتاله كفر فقتال مسلم من الأعمال الكفرية، لكنه كفر لا يخرج من الملة، كفر دون كفر، إلا إذا استحله، إذا استحل المسلم قتال أخيه، هذا يكفر كفرا أكبر يخرجه من الملة، لكن المسلم ما يستحله.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة قال: كنت عند ابن عمر، فحلف رجل بالكعبة فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: ويحك! لا تفعل، فإني سمعت رسول الله يقول: من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر.

الشرح:

نعم، وهذا الحديث أيضًا سنده ضعيف ومتنه صحيح، سنده ضعيف فيه إسحاق؛ لأنه موصول بالإسناد السابق، شيخ المؤلف إسحاق، وفيه كذلك ابن وضاح، وأما متن الحديث، الحديث أخرجه أبو داود في السنن، والترمذي في الجامع، وأحمد بن حنبل في المسند، وابن حبان في صحيحه، كلٌّ من طرق عن سعد بن عبيدة، فالحديث متنه صحيح وإن كان السند الذي ساقه المؤلف ضعيف.

والشاهد من الحديث أن: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك وهذا شرك أصغر لا يخرج من الملة، شرك دون شرك وكفر دون كفر؛ إلا إذا اعتقد أن المحلوف به يستحق أن يصرف له شيء من أنواع العبادة، أو أنه يعظم كتعظيم الله هذا يكفر بهذا الاعتقاد، وإلا فالأصل أن الشرك الأصغر أن الحلف بغير الله شرك أصغر وكفر أصغر لا يخرج من الملة.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن حكيم الأشرم، عن أبي تميمة الهجيمي، عن أبي هريرة عن النبي قال: من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنا وصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد.

الشرح:

وهذا الحديث كسابقه، الإسناد ضعيف والمتن صحيح، ففيه إسحاق شيخ المؤلف، وفيه ابن وضاح؛ لأنه موصول بالإسناد السابق، والحديث متنه صحيح أخرجه أبو داود في السنن، والترمذي في الجامع، وابن ماجه في السنن، وأحمد في المسند، وفيه يقول النبي ﷺ: من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنًا وصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد فهذا الكفر كفر أصغر لا يخرج من الملة، من أتى الحائض في دبرها أو امرأة في دبرها.

أما تصديق الكاهن ففيه تفصيل: من صدقه في دعوى علم الغيب فهذا كفر أكبر؛ لأنه مكذب لله، لقول الله تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ[النمل/65] .

وأما إذا صدقه فيما دون دعوى الغيب، فيما يتعلق بأمور خاصة تتعلق بشيء يخبره به الكاهن، هذا يكون كفر أصغر، ومن العلماء من توقف، من العلماء من قال: إنه كفر أكبر، ومنهم من قال: إنه كفر أصغر، ومن العلماء من توقف، والصواب التفصيل: من صدقه في دعوى علم الغيب يكفر؛ لأنه مكذب لله لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وأما إذا صدقه فيما دون ذلك فهو كفر أصغر لا يخرج من الملة.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال: أخبرنا الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن رجاء بن حيوة، أن محمود بن ربيع أخبره أنه سمع شداد بن أوس، ثم قال: لا يبعد الإسلام من أهله، فقلت: وماذا يتمون عليه؟ قال: الشرك وشهوة خفية، قلت: أيخاف عليهم الشرك وقد عرفوا الله! فدفع بكفه في صدره وقال ثكلتك أمك! وما الشرك إلا أن تجعل مع الله إلها آخر.

الشرح:

وهذا الحديث موقوف ليس مرفوعًا عن النبي من كلام شداد بن أوس، صحابي جليل، لكن الإسناد ضعيف، الإسناد فيه ضعف في سنده إسحاق، وكذلك أسلم، وفيه سعيد بن أبي هلال صدوق، وهذا الأثر أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق الليث بن سعد، عن ابن عجلان، وفيه أنه سمع شداد بن أوس قال: لا يبعد الإسلام من أهله، فقلت: وماذا يتمون عليه؟ يقول: "إنه سمع شداد بن أوس ثم قال"، الظاهر أن كلمة ثم زائدة، أنه سمع شداد بن أوس قال: لا يبعد الإسلام من أهله. فقلت: وماذا يتمون عليه؟ قال: الشرك وشهوة خفية، قلت: أيخاف عليهم الشرك بالله وقد عرفوا الله! فدفع بكفه في صدره وقال: ثكلتك أمك يعني: فقدتك أمك وما الشرك إلا أن تجعل مع الله إلها آخر.

هذا السند ضعيف، السند ضعيف ولا حاجة إليه، ومن الأحاديث النصوص الأخرى، ومن العجب أن المؤلف رحمه الله أغلب الأحاديث التي ساقها في هذا الكتاب كلها أسانيدها ضعيفة، فلماذا يختار المؤلف الأسانيد الضعيفة مع أن المتون صحيحة، لماذا لم يأت بالأسانيد الصحيحة؟.

ثم أيضًا قد يقال: يؤتى بالسند الضعيف ليعلم أن هذا السند وإن كان ضعيف له شواهد بأسانيد صحيحة تثبته، ثم أيضًا العلم بالأحاديث الضعيفة علم، له بالأسانيد الضعيفة علم مستقل، كون الإنسان يعلم الأسانيد الأحاديث الضعيفة أو الأسانيد الضعيفة هذا علم، يعني علم الرجال، يعلم أحوالهم.

المتن:

قال محمد: فهذه الأحاديث وما أشبهها معناها أن هذه الأفعال المذكورة فيها من أخلاق الكفار والمشركين وسننهم منهي عنها، ليتحاشاها المسلمون، وأما أن يكون من فعل شيئًا منها مشركًا بالله أو كافرًا فلا يدلك على ذلك قول النبي : الشرك أخفى من دبيب النمل على الحجر، فقال أبو بكر الصديق إنا لله وإنا إليه راجعون، قال رسول الله قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك مما لا أعلم.

الشرح:

قال محمد هو المؤلف هذا جوابه عن الأحاديث، جوابه عن الأحاديث التي سبق فيها ذكر الشرك والكفر، ما الجواب عنها؟ أجاب عنها بجوابين:

الجواب الأول: أن يقال مثل من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك الجواب الأول أن يقال: فقد كفر وأشرك يعني: قد فعل ما هو من أخلاق الكفار والمشركين وسننهم، هذا الجواب، وأما أن يكون من فعل ذلك مشركًا بالله كافرًا فلا، جواب واحد، والجواب عنها أن يقال: إن هذه الأفعال المذكورة في هذه الأحاديث مثل: اثنتان في الناس هما بهما كفر: الطعن في النسب يقول هذه من أخلاق الكفار والمشركين، ولكن أحسن من هذا الجواب أن يقال كما سمعتم، أن يقال: كفر أصغر أو شرك أصغر لا يخرج من الملة.

الذنوب التي سميت كفرًا أو شركًا ولم تصل إلى حد الشرك الأكبر، ليست شركًا في العبادة ولا ناقضا في الإسلام ولا استحلها، يكون كافر كفر أصغر، أما إذا استحلها يكفر كفر أكبر؛ لأنه استحل أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة، أو كانت ناقضة من نواقض الإسلام، هذا هو الجواب.

يقول المؤلف: وأما أن يكون من فعل شيئًا منها مشركًا بالله أو كافرا يخرج من الملة فلا، واستدل بقول النبي الشرك أخفى من دبيب النمل على الحجر يعني: أنواع الشرك كثيرة، أخفى من دبيب النمل، والمراد الشرك الأصغر الذي لا يخرج من الملة،.

وقلّ من يسلم منها، ولهذا قال أبو بكر: إنا لله وإنا إليه راجعون، يعني: من يسلم من هذا! فقال: قل: هذه كفارته: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك وأنا أعلم، وأستغفرك مما لا أعلم يعني: هذا دليل على ما سمي في الأحاديث من الذنوب شركًا، كثير، لا يحصى، أخفى من دبيب النمل، فدل على أنها لا تخرج من الملة.

المتن:

حدثني بذلك إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال: أخبرني بن أنعم، أن رسول الله قال: الشرك أخفى من دبيب النمل وذكر الحديث، ومصداق ذلك قول الله في آدم وحواء: فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً؛ ولدٌ ذكر فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُون[الأعراف/190] .

وذلك إنما سمياه عبد الحارث، وعلمنا أن ثَمّ شركًا غير شرك من يجعل معه إلها، ومن ذلك قوله :وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون[المائدة/44] .

قال ابن عباس لسائل سأله عن ذلك: ليس هو كفر ينقل عن الملة.

قال محمد: ومن الكفر أيضًا ما جاء في الحديث ما يكون معناه كفر النعمة، منه قول النبي في النساء، ذكر النار، فقال: ورأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال بكفرهن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئا قالت: ما رأيت منك خيرًا قط.

حدثني بذلك حدثني بذلك سعيد عن العلاء، عن أبي بكر قال: حدثنا مالك عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس، ثم ذكر الحديث في خسوف الشمس على عهد رسول الله وفي آخره ما ذكره عن النساء، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله ليُصبِّح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها ثم يصبح قوم بها كافرون، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا حدثني بذلك إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن رجل حدثه، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إن الله تعالى. . . وذكر الحديث.

الشرح:

هذه الأحاديث الثلاثة يستدل بها المؤلف رحمه الله على تفسيره النصوص التي تصل إلى حد الشرك الأكبر، يقول: هذه النصوص التي ذكرت في الأحاديث لا تخرج من الملة، بل تأويلها على أنها من أخلاق المشركين، ومن أخلاق الكفار والمشركين وسنتهم، وليس المراد أنها تخرج من الملة.

ثم استدل بأدلة منها حديث: الشرك أخفى من دبيب النمل قوله: الشرك أخفى من دبيب النمل هذا يدل على أنها معاصٍ كثيرة وهي أخفى من دبيب النمل ولا تخرج من الملة.

ذكر الحديث في قوله: حدثنا إسحاق، عن أسلم. . . إلى آخره، فهذا الحديث سنده ضعيف وهو منقطع؛ لأن في سنده إسحاق شيخ المؤلف، وأسلم وشيخ المؤلف متكلم فيهما، ثم فيه أيضًا بن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وهو ضعيف، وفيه أيضًا انقطاع بين ابن أنعم وبين النبي هذا ضعيف لا يعول عليه، ولكن المعنى صحيح: الشرك أخفى من دبيب النمل جاء عن ابن عباس أنه فسر قوله تعالى: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة/22] .

قال: الشرك أخفى من دبيب النمل.

وقال: ومصداق ذلك في قول الله في آدم وحواء: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ۖ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ ۖ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ۝ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ۚ فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[الأعراف/190-189 ]  يعني: مستويَ الخلقة، يعني: فلما أعطاهم الله الولد وصار صالحا مستوي الخلقة، ولذلك قال: ولد ذكر: جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا[الأعراف/190] .

فهذا الشرك ليس شرك في العبادة، وإنما المراد الشرك في الطاعة لا في العبادة، ولهذا قال: سمياه عبد الحارث، أطاعاه في التسمية.

فيقول المؤلف: هذا دليل على أن الشرك قد يأتي ولا يراد به الشرك الأكبر، فالذي صدر من الأبوين ليس شركًا في العبادة، الذي صدر من الأبوين آدم وحواء ما هو الشرك؟ شرك في التسمية، في الطاعة، أطاعاه في التسمية، قال سمياه عبد الحارث وإلا لأجعلن قرن أيل فيخرج من بطنك فيشقها، فأطاعاه في التسمية، فهل هذا يخرج من الملة، لا، هذا يؤيد به المؤلف رحمه الله ما ذهب إليه.

واستدل أيضًا بقوله تعالى: وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[المائدة/44] .

ابن عباس فسر الكفر هنا قال: ليس هو كفر ينقل عن الملة، بل كفر دون الكفر، واستدل أيضًا بأن الكفر يأتي ويراد به كفر النعمة، واستدل بحديث رأيت أكثر أهلها النساء، قول النبي في النار: رأيت أكثر أهلها النساء، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: بكفرهن، يكفرن بالله؟ قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان إذن هذا كفر النعمة وليس كفرا يخرج من الملة.

فالكفر الذي يأتي في المعاصي، الذي توصف به المعاصي، كفر أصغر لا يخرج من الملة، هذا كفر النعمة، وذكر له سند قال: حدثني بذلك سعيد، عن العلاء، عن أبي بكر، فهذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله، تقدم أن ذكر هذا الحديث، وهذا الحديث صحيح أخرجه الشيخان في قوله عليه الصلاة والسلام في النساء: إنهن يكفرن العشير فهذا الكفر كفر أصغر لا يخرج من الملة.

واستدل أيضًا بقوله في الحديث: إن الله ليصبِّح القوم بالنعمة ويمسيهم ثم يصبح قوم بها كافرين فهذا ذكر له سند، قال: حدثني بذلك إسحاق، عن أسلم، عن رجل، هذا الحديث سنده ضعيف؛ لأن فيه إسحاق التجيبي، وفيه أسلم، وفيه الرجل المبهم، ولكن متنه صحيح، متنه صحيح أخرجه الإمام مسلم في الصحيح، عن مالك عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة، فهذا حديث قدسي: يقول الله تعالى: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنحو كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب هذا كفر أصغر؛ لأنه كفر بالنعمة، فهذا يدل على أن المعاصي التي توصف بالكفر تكون كفر أصغر لا يخرج من الملة.

المتن:

باب في ذكر الأحاديث التي فيها ذكر النفاق

قال محمد: حدثني إسحاق، عن أحمد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثني عبد الله بن نمير قال: حدثنا الأعمش، عن عبد بن أبي مرة، عن مسروق، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: أربع من كن فيه كان فيه منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد خلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.

الشرح:

نعم، وهذا الباب في ذكر الأحاديث التي فيها النفاق، الباب السابق ذكر الأحاديث التي فيها الشرك والكفر، وهذا مثل الباب السابق، الأحاديث التي فيها ذكر النفاق فيها تفصيل: إن كانت الأحاديث التي فيها ذكر النفاق، إذا كان يظهر الإسلام ويبطن الكفر فهو نفاق أكبر يخرج من الملة، كأن يكون الشخص مكذبًا لله ورسوله في الباطن، أو يحب ظهور الكفر أو يكره انتصار الإسلام، فهذا كفر أكبر يخرج من الملة، وأما إن كان من المعاصي فهو نفاق أصغر لا يخرج من الملة، مثل الكذب في الحديث، مثل ما ذكر في هذا الحديث، حديث عبد الله بن عمرو: أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا.

هذا الحديث سنده ضعيف، فيه إسحاق، وفيه ابن وضاح، فيهما كلام كما سبق، لكن متن الحديث صحيح، أخرجه الشيخان والبخاري في الصحيح ومسلم في الصحيح، كلاهما من طريق سفيان عن الأعمش، ولمسلم طريق أخرى أيضًا وهي من طريق ابن أبي شيبة، عن ابن نمير، فالحديث صحيح وهذه الخصال التي ذكرت في الحديث نفاق أصغر وهي معاص لا تخرج من الملة، وهي: الكذب في الحديث، الخلف في الوعد، الغدر في العهد، الفجور في الخصومة: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر.

قال العلماء: إن هذه الخصال كل واحدة منها معصية من المعاصي، لكنها إذا استحكمت وكملت في الشخص فإنها تجره إلى النفاق الأكبر الذي يخرج من الملة، أعوذ بالله، لكن كل واحدة معصية، لكن إذا اجتمعت في شخص واحد واستحكمت وكملت جرَّته إلى النفاق الأكبر، نعوذ بالله.

المتن:

وحدثني إسحاق، عن أسلم، عن يونس، عن ابن وهب، عن جرير بن حازم قال: سمعت الحسن بن أبي الحسن البصري يقول: قال رسول الله: ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صلى وصام وزعم أنه مؤمن: إذا حدث كذب، وإذا أوعد أخلف، وإذا أؤتمن خان.

الشرح:

وهذا الحديث سنده ضعيف، وهو مرسل ولكن متنه صحيح، فهو فيه إسحاق، وهو مرسل من مراسيل الحسن البصري ومراسيل الحسن البصري ضعيفة، لكن له شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه الإمام مسلم بلفظ: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان زاد بعضهم: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم فهذه الخصال التي ذكرت في الحديث: الكذب في الحديث، الخلف في الوعد، الخيانة في الأمانة، هذه معاصي، كل واحدة معصية لا تخرج من الملة.

المتن:

ابن وهب، عن ابن أنعم، عن سعد بن مسعود أن رسول الله قال: اللين والحياء من الإيمان، والفحش و البذاء من النفاق.

الشرح:

نعم، وهذا الحديث سنده ضعيف، وهو مرسل ليس من كلام النبي مرسل من سعد بن مسعود، يعني: سقط فيه الصحابي، فيه إسحاق وفيه أسلم، لكن الحديث له شاهد، حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار أخرجه بن أبي شيبة في المصنف والإيمان وأحمد كلاهما من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة. وقوله: الفحش والبذاء من النفاق هذه لا تخرج من الملة ولكنها معاص تسمى نفاق أصغر، الفحش والبذاء.

المتن:

وحدثني وهب، عن ابن وضاح، عن الصمادحي، عن ابن مهدي، عن أبي الأحوص سلام بن سليم، عن أبي إسحاق، عن علي بن الهمداني قال: " قلت لابن عمر: إنا إذا دخلنا على الأمراء زكيناهم بما ليس فيهم، فإذا خرجنا من عندهم دعونا عليهم، قال: كنا نعد ذلك النفاق".

الشرح:

نعم، وهذا الحديث متنه صحيح، ولكن سنده ضعيف أيضًا، فيه ابن وضاح وفيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس، والأثر أخرجه ابن نصر في تعظيم قدر الصلاة، وأخرجه البخاري في الصحيح من طريق أبي نعيم قال: حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه قال أناس لابن عمر. . . فذكره.

وفيه أن الحديث دل على أن الذين يدخلون على الأمراء ثم يثنون عليهم ويمدحونهم، فإذا خرجوا سبوهم وتكلموا فيهم أن هذا من النفاق، لكن ليس نفاقًا يخرج من الملة، بل هو نفاق عملي، نفاق أصغر، معصية؛ لأنه ليس تكذيبًا لله ولا لرسوله.

المتن:

حدثني أبي، عن ابن فحلون، عن العناقي، عن عبد الملك قال: حدثني أسد بن موسى، عن محمد بن مطرف، عن سعد بن كعب، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع".

الشرح:

وهذا الأثر ضعيف في إسناده والد ابن أبي زمنين، وفيه ابن فحلون، وفيه عبد الملك بن حبيب الأندلسي صدوق ضعيف كثير الغلط، وفيه سعد بن كعب وهو المرادي، وهذا الأثر أخرجه ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، والبيهقي في السنن الكبرى، ولكن الأثر صحيح، عن ابن مسعود، من كلام ابن مسعود: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع»، وهذا فيه التحذير من الغناء، والمراد بالغناء الغناء الذي يلهب النفوس ويقعدها، "ينبت النفاق" المراد بالنفاق النفاق الأصغر الذي هو معصية، وليس المراد به الكفر الأكبر.

المتن:

قال محمد: والنفاق لفظ إسلامي لم تكن العرب قبل الإسلام تعرفه، وهو مأخوذ من "نافق اليربوع" وهو جحر من جحرته يخرج منه إذا أخذ عليه الجحر الذي فيه دخل، فيقال: قد نفق ونافق ومنافق، يدخل في الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد، شبيه بفعل اليربوع؛ لأنه يدخل من باب ويخرج من باب، فما كان من الأحاديث فيها ذكر النفاق، وليس معناها أن من فعل شيئًا مما ذكر فيها فهو منافق كنفاق من يظهر الإسلام ويسر الكفر، إنما معناها أن هذه الأفعال والأخلاق من أخلاق المنافقين وشيمهم وطرائقهم.

هذا ومثله يدلك على ذلك: أن رجل أتى النبي فقال: يا رسول الله، إني قرأت البارحة براءة فخشيت أن أكون قد نافقت، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، قال: نعم، قال تحدث بذلك نفسك؟ قال: لا، قال: أنت مؤمن حدثني بذلك أبي، عن علي، عن ابن يحيى محمد بن يحيى بن سلام، عن جده يحيى قال: حدثنيه عبد الرحمن بن يزيد، عن القاسم بن أبي عبد الرحمن بن يزيد، عن القاسم بن أبي عبد الرحمن، أن رجلا أتى النبي. . . وذكر الحديث.

الشرح:

قال محمد وهو المؤلف يبين كلمة النفاق قال: النفاق لفظ إسلامي لم تكن العرب قبل الإسلام تعرفه، النفاق ما وجد إلا في المدينة، ولذلك لما كان النبي في مكة ما كان فيها نفاق؛ لأن الكفار هم الأقوياء يظهرون الكفر ولا يبالون، لكن لما وقعت غزوة بدر وأعز الله نبيه والمؤمنين وخذل الكفر والكافرين قال عبد الله بن أبي: هذا أمر توجَّه، فأظهر الإسلام وأبطن الكفر، وتبعه في ذلك المنافقون فصاروا يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، خوفًا من أن تقطع رقابهم وتؤخذ أموالهم.

فهو مأخوذ من "نافق اليربوع" وهو جحر من جحريه، يعني اليربوع له جحران: جحر خفي، وجحر ظاهر، فالجحر الظاهر يدخل منه، والجحر الخفي يحفر الأرض حتى يرق ويجعل عليه التراب، فإذا دخل أحد عليه من جحره الطبيعي دفع برأسه التراب ثم خرج، فهذا الجحر الخفي ظاهره تراب وباطنه حفر، كذلك المنافق ظاهره إسلام ينطق بالشهادتين، وباطنه الكفر، فهو مأخوذ من النفاق.

ولذلك قال المؤلف: (مأخوذ من جحر اليربوع، فيقول: قد نفق ونافق ومنافق، يدخل في الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد)، يعني: بالاعتقاد، يدخل في الإسلام باللفظ يقول: لا إله إلا الله، ويخرج منه بالعقد، يعني: بالاعتقاد؛ لأنه مكذب لله في الباطن، فشبيه بفعل اليربوع، فهذا الجحر ظاهره جحر وباطنه حفر.

فما كان من الأحاديث التي فيها ذكر النفاق، ما جاء من الأحاديث أنه معصية وليس فيه إظهار الإسلام وإبطان الكفر فيعتبر معصية من المعاصي، أما إذا كان يظهر الإسلام ويبطن الكفر فهذا يخرج من الملة.

وأما من لم يكن كذلك يكون معناه أن هذه الأفعال والأخلاق من أخلاق المنافقين ومن شيمهم وطرائقهم، ثم استدل بحديث: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ إلى آخره وهذا الحديث إسناده ضعيف، في إسناده والد ابن أبي زمنين وكذلك علي المري، ولا حاجة إلى هذا الحديث، لكن على فرض صحته، قوله: أتحدث بذلك نفسك؟ قال: نعم، قال: أنت مؤمن يعني: ما يضرك كون الإنسان يخبر بخلاف ما يعتقده، إذا لم يكن في العقيدة والإيمان.

المتن:

باب من الأحاديث التي فيها ذكر البراءة

قال محمد: وحدثني إسحاق، عن أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثني يحيى بن آدم، عن شريك، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله: من شهر علينا السلاح فليس مني.

الشرح:

وهذا الباب الثاني والثلاثون مثل البابين السابقين في الأحاديث التي فيها ذكر البراءة، الذي يتبرأ منه الرسول ويقول: ليس منا تدل على أن فاعلها وصاحبها ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب لا أنه يخرج من الملة.

ولأن الكبيرة عند المحققين من أهل العلم: كل ذنب تُوعِّد صاحبه عليه في الآخرة بالنار أو اللعنة أو الغضب أو وجب فيه حد في الدنيا أو تبرأ منه الرسول قال: ليس منا، إذن ليس منا من ضرب الخدود، ليس منا من شق الجيوب برئ النبي من الحالقة والصالقة والشاقة، من حمل علينا السلاح فليس منا.

هذا كله يدل على أنه كبيرة وليس كفر بالله يخرج من الملة، ولكنه من الكبائر، فالأحاديث التي تبرأ منها النبي وليست كفرًا ولا ناقضة من نواقض الإسلام هي كبيرة من كبائر الذنوب، كما في هذا الحديث حديث أبي هريرة: من شهر علينا السلاح فليس مني.

فليس مني ليس المراد أنه كافر، بل المراد أنه ارتكب كبيرة، ولكن هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن في سنده إسحاق وهو التجيبي وابن وضاح وشريك بن عبد الله النخعي القاضي؛ لأنه لما تولى القضاء ضعف حفظه، لكن متن الحديث صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، من طريق سهيل بن صالح عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: من حمل علينا السلاح فليس منا فالذي يحمل السلاح على المسلمين مرتكب للكبيرة، وليس معنى ذلك أنه يخرج من الملة.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن أبي لبيد، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: سمعت رسول الله يقول: من انتهب نهبة فليس منا.

الشرح:

وهذا الحديث إسناده كسابقه ضعيف، فيه والد المؤلف، موصول بإسناده، ففيه إسحاق، وفيه ابن وضاح، وفيه أيضًا يعلى بن حكيم، والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وسنده حسن، وأبو داود في السنن، والطحاوي في مشكل الآثار، والحديث متنه صحيح لا بأس به، يقول النبي: من انتهب نهبة فليس منا هذا فيه وعيد، هذا من باب الوعيد عند أهل العلم، يدل على أن صاحبه مرتكب للكبيرة، الذي ينهب النهبة، غير السارق، ينهب النهبة أمام الناس، يخطف خطفًا، يسرق لكن ما يسمى سرقة، في الإعلان، يأخذ بالقوة، ينهب الشيء ويهرب، هذا من الكبائر، هذا الأمر من الكبائر وليس المراد أنه يكفر؛ لأنه لم يفعل كفرًا ولم يرتكب ناقضا من نواقض الإسلام، لكنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: حدثنا خالد بن مخلد، عن سليمان بن بلال، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «قال رسول الله: من غشنا فليس منا.

الشرح:

وهذا الحديث كسابقه فيه ما سبق من الضعفاء: إسحاق وابن وضاح، ولكن الحديث متنه صحيح، أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من طريقين:

الأولى: عن طريق يعقوب بن عبد الرحمن القاري.

والثانية: ابن أبي حازم.

يقول النبي: من غشنا فليس منا وفي لفظ: من غش فليس منا هذا وعيد شديد يدل على أن الغاش مرتكب للكبيرة، لكنه ليس معنى ذلك أنه يخرج من الملة؛ لأنه ما فعل ناقضا من نواقض الإسلام، ولا شركا في العبادة، ولكنه ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب.

والكبائر يفسق بها الإنسان، يكون الإنسان فاسق وتُرد شهادته، ومتوعد بالعقوبة في الآخرة، ومن تاب تاب الله عليه، من تاب وأقلع أمام الله وعزم ألا يعود تاب الله عليه.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: حدثنا وكيع عن الوليد بن ثعلبة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال، قال رسول الله: ليس منا من حلف بالأمانة، ومن خبَّب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس هو منا.

الشرح:

نعم، هذا الحديث كسابقه لأنه موصول بالإسناد السابق، فيه إسحاق شيخ المؤلف وابن وضاح فهو ضعيف، لكن الحديث متنه صحيح، الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند، وأخرجه أيضًا البيهقي في السنن الكبرى، والحاكم في المستدرك، والحديث لا بأس به، يقول النبي: ليس منا من حلف بالأمانة، ومن خبب على امرئ زوجته فليس هو منا.

خببها عليه يعني: خدعها وجعلها تتركه وتبغضه، يقول: ليس منا من حلف بالأمانة ارتكب كبيرة فهو ليس كافرًا، وكذلك من خبب على امرئ زوجته أو مملوكه هذا مرتكب للكبيرة لكنها لا تخرج من الملة.

المتن:

قال محمد: من العلماء من قال معنى هذه الأحاديث: ليس مثلنا، وقال بعضهم: معناها أنه من فعل هذه الأفعال فليس من المطيعين لنا، وليس من المعتدين بنا، ولا من المحافظين على شرائعنا، هذه النعوت وما أشبهها إما أن يكون المراد بها التبرؤ ممن فعلها، وأما أن يُتبرأ منه فيكون من غير أهل الملة فلا.

الشرح:

هذا المؤلف رحمه الله بيّن الأحاديث التي فيها ليس منا بعض العلماء يقول معناها: من فعل هذه الأفعال فليس من المطيعين لنا وليس من المعتدين بنا، ولا من المحافظين على شرائعنا.

فالمراد البراءة من فعلها، من هذا الفعل، وليس المراد البراءة من الفاعل فيكون كافرا خارجا من الملة، لكن المراد البراءة من الفعل.

هذا يقوله الإمام النووي وغيره، لكن الصواب ألا تُفسر بهذا التفسير، فلا يقال: من فعل هذه الأفعال فليس من المطيعين لنا وليس من المعتدين، ولكن يقال: هذه من كبائر الذنوب، حتى تفيد الزجر؛ لأن تفسير «ليس منا» ليس من المطيعين لنا وليس من المحافظين على شرائعنا، هذا فيه تهوين لها، والعلماء يقولون: لا تفسر أحاديث الوعيد وإنما تترك على حالها حتى تفيد الزجر، تقول: هذه من كبائر الذنوب.

المتن:

قال محمد: والدليل على صحة هذا التأويل والله أعلم قوله ليس منا من لم يأخذ شاربه وحدثني به إسحاق، عن أحمد بن خالد، عن ابن وضاح، عن أبي بكر بن أبي شيبة قال: حدثني عبدة بن سليمان، عن يوسف بن صهيب، عن حبيب بن يسار، عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله. . . وذكره، فهل يجوز لأحد أن يتأول على رسول الله التبرؤ ممن لم يأخذ شاربه.

الشرح:

يقول المؤلف هذا الدليل، الدليل على أن المراد بقوله: ليس منا لا يخرج من الملة حديث: ليس منا من لم يأخذ شاربه هل يستطيع أحد أن يقول: إن الذي لا يأخذ شاربه يكفر ويخرج من الملة؟ لا، هذا يدلك على أن المراد يتأول على التبرؤ من فعله.

ونقول: الصواب كما سبق أنه يقال: هذا من باب الوعيد، ويترك حتى يفيد الزجر، ولا يتأول مثل هذا التأويل؛ لأن هذا فيه تهوين من شأنه.

فالمؤلف يقول: (الدليل على أن من قال فيه الرسول ليس منا حديث: من لم يأخذ شاربه) فليس منا فهل يقول قائل: إن المراد أن يكفر ويخرج من الملة؟ لا، بل المراد أنه ارتكب كبيرة، وهذا الحديث أتى به المؤلف بسند ضعيف، بسند إسحاق وابن وضاح، ولكن الحديث متنه صحيح، أخرجه الترمذي في جامعه وقال: حسن صحيح، وأخرجه النسائي في المجتبى، وأحمد في المسند، وابن أبي شيبة في المصنف وغيرهم.

الحديث متنه صحيح ومعناه الزجر، ويفيد أن من ترك شاربه ولم يأخذ منه حتى طال ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، وليس المراد أنه يكفر.

المتن:

باب من الأحاديث التي شبه فيها الذنب بأجزاء أكبر منه أو قرن به

قال محمد: حدثني إسحاق، عن أحمد، عن ابن وضاح، عن ابن أبي شيبة قال: حدثنا ابن نمير، عن الأعمش، عن شقيق، عن عمرو بن أبي شرحبيل، عن ابن مسعود قال: أتى النبي رجلٌ يسأله عن الكبائر، فقال: أن تدعو لله ندًا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، وأن تزاني حليلة جارك. ثم قرأ: وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان/68] ..الآية.

الشرح:

فهذا الباب كالأبواب السابقة، عقده المؤلف رحمه الله وهو الباب الثالث والثلاثون للأحاديث التي شبه فيها الذنب بذنب أكبر منه أو قرن به، إما أن يشبه الذنب بذنب أكبر منه أو يقرن به، يقرن به مثل قولنا: القتل والزنا بحليلة الجار قرن بالشرك، والشرك أكبر منهما.

أو يشبه بشيء أكبر منه كحديث: شارب الخمر كعابد الوثن شبه بعابد الوثن، وعابد الوثن أكبر من شرب الخمر، فإذا جاء ذنب وقرن بذنب أكبر منه أو شبه بذنب أكبر منه فهذا ليس معناه أن يكون مثله في الكفر، شارب الخمر كعابد الوثن! ليس معناه أن شرب الخمر كالعبادة للوثن، بل المراد أنه يشترك معه في أن كلا منهما ذنب، وكلا منهما كبيرة، ولكن يتفاوتان.

فعبادة الوثن ذنب وكبيرة، يخرج من الملة، وشرب الخمر ذنب وكبيرة لا يخرج من الملة، فاشتركا في اسم المعصية واسم الكبيرة واختلفا في الإثم.

فإذا قرن الذنب بذنب أكبر منه أو شبه بذنب أكبر منه فليس معنى ذلك أنه يخرجه من الملة مثله، لا بل المراد أنه يشاركه في كون كل منهما كبيرة وإثم ومعصية، لكن الحكم يختلف.

فمثلاً هذا الحديث حديث ابن مسعود: أتى النبي رجلٌ يسأله عن الكبائر، فقال: أن تدعو لله ندًا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، وأن تزاني حليلة جارك. ثم قرأ الآية آية الفرقان: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ۝ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [الفرقان/68-69] .

هذا الحديث سنده ضعيف فيه إسحاق التجيبي، وفيه ابن وضاح، لكن متنه صحيح، أخرجه الشيخان: البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه، من طريق أبي وائل شقيق ابن سلمة، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي قال.

فهذا الحديث وهو حديث صحيح فيه ثلاثة ذنوب: الذنب الأول: الشرك.

الذنب الثاني: قتل الولد.

الذنب الثالث: الزنا بحليلة الجار.

فهذا الحديث قرن قتل الولد والزنا بحليلة الجار بدعاء غير الله وهو شرك، فهل معنى ذلك أنها متساوية، كلها شرك؟ لا، اشتركت الذنوب الثلاثة في اسم المعصية والكبيرة، واختلفت في الإثم.

فالدعاء لغير الله يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار، وقتل الولد والزنا بحليلة الجار كبيرتان لا يخرج واحد منهما من الملة إلا بالاستحلال، إلا إذا استحلها، إذا استحل قتل الولد ورأى أنه حلال هذا يخرج من الملة، ومن استحل الزنا بحليلة الجار يخرج من الملة.

أما إذا فعل الزنا وقتل الولد وهو لا يستحل، يعلم أنه كبيرة وأنه عاص لكن فعله طاعة للهوى والشيطان وهو لا يستحله ويعلم في قرارة نفسه أنه كبيرة هذا لا يكفر.

فإذًا هذه الثلاثة قرن بعضها ببعض ولا يدل على أنها متساوية في الإثم، بل إنها اشتركت في الإثم والمعصية والكبيرة، ولكن كل منهم له حكم.

فمن جعل لله ندًا خرج من الملة، ومن قتل ولده أو زنى بحليلة جاره فهو مرتكب لكبيرة جريمة، إلا أنها لا تصل إلى حد الكفر، فاشتركت الثلاثة في اسم الذنب واسم المعصية واسم الكبيرة ولكن اختلف الحكم.

المتن:

ابن أبي شيبة قال: وحدثني محمد ابن عبيد، قال: حدثنا سفيان العصفوري، عن أبيه، عن حبيب بن النعمان، عن خريم بن فاتك، قال: صلى بنا رسول الله فلما انصرف قام فقال: عُدِلت شهادة الزور بالإشراك بالله ثلاث مرات، ثم تلا: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور ۝ حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج/30-31].

الشرح:

نعم، وهذا الحديث ضعيف فيه إسحاق شيخ المؤلف، وهو موصول بالإسناد السابق، وفيه ابن وضاح، وفيه زياد العصفري، وفيه حبيب بن النعمان، كلهم ضعفاء، وفيه مجاهيل، والحديث أخرجه أبو داود في السنن وسكت عليه، والترمذي في الجامع، وابن ماجه، وأحمد في المسند، والطبراني في الكبير.

ولكن الحديث ضعيف، ولكن على فرض صحته، المؤلف على فرض صحته استدل به في أن الحديث شبّه شهادة الزور بالشرك قال: عُدلت شهادة الزور بالإشراك بالله؛ ثم استدل بالآية: ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج/30-31] .

الحديث ضعيف، لكن على فرض صحته شبه ذنب شاهد الزور وهو كبيرة بذنب أكبر منه وهو الشرك، لاشتراكهما في اسم المعصية والكبيرة، واختلفا في الإثم، يعني: المشبه غير المشبه به ما لم يستحل، فيكون مشركًا مثله.

فالمشبه ليس مثل المشبه به، إذا قلت: " زيد كالقمر " ، هل معنى ذلك أن زيدًا مثل القمر سواء بسواء، لا، المشبه يختلف عن المشبه به، هنا شبه شهادة الزور بالشرك، فكل من شهادة الزور والشرك كل منهما كبيرة، واشتركا في اسم المعصية والكبيرة، ولكن اختلفا في الإثم، فإن المشبه وهو شهادة الزور غير المشبه به وهو الشرك، إلا إذا استحل شهادة الزور، يرى أنها حلال يكفر كفرا أكبر، لكن إذا فعل شهادة الزور طاعة للهوى والشيطان؛ لأجل أن ينفع المشهود له أو لأجل أن يضر المشهود عليه، وهو يعلم أن شهادة الزور حرام، هذا مرتكب لكبيرة، ولكن الحديث ضعيف، ولكن على فرض صحته.

المتن:

وحدثني أبي، عن ابن فحلون، عن العناقي، عن عبد الملك قال: حدثني الماجشون، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه أن رسول الله قال: من مات مدمنا خمرًا مات كعابد وثن.

ومعنى الإدمان عند أهل العلم أن يكون شاربها يعتقد التمادي فيها ولو لم يشربها في السنة إلا مرة، إذا كانت نيته العودة إليها فهو مدمن.

الشرح:

هذا الحديث أيضًا إسناده ضعيف، ثم هو مرسل أيضًا، عن المنكدر بن محمد، عن أبيه، فهو ضعيف فيه والد المؤلف ابن زمنين، وفيه ابن فحلون وفيه عبد الملك بن حبيب الأندلسي صدوق ضعيف كثير الغلط، وكذلك فيه المنكدر بن محمد المنكدر القرشي المدني لين الحديث، وكذلك أيضًا هو مرسل بين محمد بن المنكدر ورسول الله فالحديث ضعيف جدًا فيه ضعفاء وهو مرسل أيضًا لا يصح.

لكن على فرض صحته فالمؤلف استدل به على أن الحديث شبه إدمان الخمر بعبادة الوثن، ومعلوم أن عبادة الوثن شرك يخرج من الملة وإدمان الخمر ليس كذلك.

فتشبيه الذنب بذنب أكبر منه لا يدل على أنه يخرج من الملة، فشبّه ذنب إدمان الخمر وهو كبيرة بذنب أكبر منه وهو عبادة الوثن الذي هو شرك، لاشتراكهما في اسم الذنب والكبيرة، اشتركا في اسم الذنب والكبيرة واختلفا في الإثم، ما لم يستحلها، فيكون شركًا مثلها إذا استحلها ورأى أنها حلال، رأى أن شرب الخمر حلال صار شركا أكبر، لكن إذا لم يستحلها شرب الخمر لكن يعلم أنه عاص ويعلم أنه مرتكب الكبيرة ويعلم أنه مطيع للشيطان لكن لا يعتقد الحل هذا يكون كبيرة.

فكون الحديث شبه إدمان الخمر بعبادة الوثن لا يدل على أنه يخرج من الملة، بل شبهه به لاشتراكهما في اسم الذنب والكبيرة واختلفا في الإثم، هذا ما لم يستحله.

ثم بين المؤلف معنى الإدمان قال: (معنى الإدمان عند أهل العلم أن يكون شاربها يعتقد التمادي فيها ولو لم يشربها في السنة إلا مرة، إذا كان نيته العودة إليها فهو مدمن). يعني: الذي يدمن الخمر ما يشترط أنه كل يوم يشرب، لا، إذا كان مصرا على المعصية ولو لم يشربها في السنة إلا مرة، إذا كان ما تاب وهو مصر عليها وهو يرى في قرارة نفسه متى ما أراد شرب، هذا يعتبر مدمنًا ولو لم يشرب في السنة إلا مرة.

أما الذي يريد تركها الآن، تركها فهذا ما هو مدمن، لكن المدمن الذي يعتقد التمادي فيها، يعني: هو متمادٍ فيها ويريد شربها في أي وقت، ولو لم يشرب إلا في السنة مرة يكون مدمنًا، هذا معنى الإدمان.

المتن:

قال محمد: وما كان من هذا النوع من الأحاديث التي شبه الذنب بأجزاء أعظم منه أو قرن به فالمعنى فيها: أن من أتى شيئًا من تلك الذنوب فقد لحق بمن شبه به في لزوم اسم المعصية به، إلا أن كل واحد منهما في الإثم على قدر ذنبه.

وبتحريف أهل الزيغ والأهواء المضلة المعاني لهذه الأحاديث التي سطرتها لك في هذا الباب والأبواب الأربعة قبله، وتفسيرهم لها بآرائهم نفوا أهل الذنوب من المؤمنين عن الإيمان، وكفروهم وحجبوهم الاستغفار ولم يوالوهم، ونحن نسأل الله المعافاة مما ابتلاهم به، ونسأله الثبات على طاعته والتوفيق لمرضاته.

الشرح:

المؤلف رحمه الله يبين معنى هذه الأحاديث التي جاءت في الأبواب الأربعة، الأحاديث التي فيها نفي الإيمان عن الذنب، قوله: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن والأحاديث التي فيها الكفر والشرك كقوله: من حلف بغير الله فقد كفر وأشرك والأحاديث التي فيها ذكر النفاق كقوله: إذا حدث كذب. . . آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب والأحاديث التي فيها البراءة، مثل قوله: من غشنا فليس منا.

وهذه الأحاديث التي شبه فيها الذنب بذنب أكبر منه مثل: شارب الخمر كعابد وثن أو قرن بما هو أكبر منه، يقول: هذه الأحاديث كلها معاص، لا تخرج من الملة.

ولهذا قال محمد وهو المؤلف: (وما كان من هذا النوع من الأحاديث التي شبه الذنب بأجزاء أعظم منه أو قرن به فالمعنى فيها: أن من أتى شيئًا من تلك الذنوب فقد لحق بمن شبه به في لزوم اسم المعصية، إلا أن كل واحد منهما في الإثم على قدر ذنبه). يعني يكون المراد أنه يماثله، مثله في اسم الذنب والكبيرة، إلا أنه لا يخرج من الملة، اشتركا في اسم الذنب والكبيرة، إلا أنه لا يخرج من الملة، كما سبق.

لكن يقول: أهل الزيغ وأهل الضلال حرفوا هذه الأحاديث مثل الخوارج، الخوارج فسروا هذه الأحاديث بأنها تخرج من الملة، قالوا: الزاني يكفر والسارق يكفر وشارب الخمر يكفر.

إذا قال الحديث: مدمن الخمر كعابد الوثن إذًا شارب الخمر يخرج من الملة، مثل عابد الوثن، من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك وصف بالشرك، إذا من حلف بغير الله يخرج من الملة، من لا يأخذ من شاربه ليس منا إذا من لم يأخذ من شاربه يخرج من الملة، وهكذا من حمل علينا السلاح فليس منا قالوا: من حمل السلاح خرج من الملة.

فكفروا بذلك المسلمين وأخرجوهم من الإسلام واستحلوا دمائهم وأموالهم وخلدوهم في النار، والعياذ بالله، هؤلاء أهل الزيغ.

هذا الذي يقوله المؤلف: (وبتحريف أهل الزيغ والأهواء المضلة المعاني لهذه الأحاديث التي سطرتها لك في هذا الباب والأبواب الأربعة التي قبلها).

من هم أهل الزيغ؟ الخوارج والمعتزلة، هم الخوارج، حرفوا النصوص وكفروا المسلمين بالمعاصي، قال: وتفسيرهم لها بآرائهم نفوا أهل الذنوب عن الإيمان، نفوا قالوا: من لم يأخذ شاربه، صاحب ذنب، قالوا يكفر الذي ما يأخذ شاربه، لماذا؟ قالوا: لأن الرسول قال: ليس منا إذًا كفر، شارب الخمر كعابد وثن قالوا: من شرب الخمر كفر، خرج من الملة، دمه حلال وماله حلال وهو مخلد في النار.

وكذلك أيضًا قول النبي: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن قالوا: الزاني كافر يخرج من الملة وهو مخلد في النار ودمه وماله حلال، كذلك أيضًا: من حمل علينا السلاح فليس منا من غش فليس منا قالوا: الغاش كافر، يخرج من الملة دمه حلال وماله حلال وهو مخلد في النار، هذا تفسير أهل الزيغ، من هم أهل الزيغ؟ الخوارج والمعتزلة، هؤلاء سبب زيغهم وضلالهم أنهم أخذوا ببعض النصوص وتركوا البعض الآخر، أخذوا بنصوص الوعيد وأغمضوا أعينهم عن نصوص الوعد، كما أن المرجئة أخذوا بنصوص الوعد وتركوا نصوص الوعيد.

فالخوارج أخذوا بنصوص الوعيد وقالوا: كل مرتكب للكبيرة كافر، لكن الأحاديث التي فيها الوعد: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة.

الأحاديث التي فيها أن الله يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أين هم منها، أغمضوا أعينهم عنها، هذه طريقة أهل الزيغ، أهل الزيغ يأخذون بعض النصوص ويتركون البعض.

قابلهم المرجئة، المرجئة قالوا: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة إذا ارتكاب الكبيرة ما يضر، قالوا: ما يضر ارتكاب الكبيرة ولو زنى أو سرق؛ لأنه قال: لا إله إلا الله، يكفيه أنه قال: لا إله إلا الله! طيب نصوص الوعيد: لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن وهو مؤمن هذه أغمضوا أعينهم عنها، فأخذوا بنصوص وتركوا نصوص.

وأهل السنة وفقهم الله، فأخذوا نصوص الوعيد التي استدل بها الخوارج وصفعوا بها وجوه المرجئة وأبطلوا بها مذهبهم، وأخذوا نصوص الوعد التي أخذ بها المرجئة وصفعوا بها وجوه الخوارج والمعتزلة وأبطلوا بها مذهبهم، فبطل مذهب الخوارج بأدلة المرجئة، وبطل مذهب المرجئة بأدلة الخوارج.

وأخذ أهل السنة النصوص من الجانبين وقالوا: نأخذ نصوص الوعيد التي استدل بها الخوارج وهي دليل لنا على أن المعاصي تؤثر وتضعف الإيمان وتنقصه، لكن لا تخرج من الملة بدليل نصوص الوعد، وأخذوا بنصوص الوعد وقالوا: نصوص الوعد تدل على أن المؤمن الموحد لا يكفر ولا يخرج من الملة ولا يخلد في النار لكن المعاصي تضعفه بدليل نصوص الوعيد، وهكذا، فجمعوا بينهما جمعًا معقولًا فهداهم الله للحق، فخرج مذهب أهل السنة من بين فرث ودم لبنا خالصًا سائغا للشاربين.

المؤلف رحمه الله يقول: (بتحريف أهل الزيغ والأهواء المضلة المعاني لهذه الأحاديث التي سطرتها لك في هذا الباب والأبواب الأربعة قبله، وتفسيرهم لها بآرائهم نفوا أهل الذنوب من المؤمنين عن الإيمان).

يعني: أخرجوهم من الإيمان وكفروهم وخلدوهم في النار واستحلوا دمائهم وأموالهم، نفوا أهل الذنوب من المؤمنين عن الإيمان وكفروهم وحجبوهم الاستغفار، قالوا: لا يستغفر له ولا يصلى عليه إذا مات لأنه كافر، ولا يدعى له بالمغفرة، ولم يوالوهم بل يعادونهم، يجعلونهم أعداء مثل اليهود والنصارى ومثل الكفار.

فالعاصي عند الخوارج والمعتزلة كافر معادى معاداة كاملة، ولا يغسّل ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم، ولا يدعى له بالرحمة، ولا يوالى بل يعادى، دمه حلال وماله حلال.

قال المؤلف رحمه الله: (ونحن نسأل الله المعافاة مما ابتلاهم به، ونسأله الثبات على طاعته والتوفيق لمرضاته)، إنه جواد كريم، وصلى الله على محمد وآله وسلم

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد