شعار الموقع

شرح الرسالة الشخصية_13

00:00
00:00
تحميل
7

الرسائل الشخصية 13

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم وأبارك وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

الرسالة الثالثة عشرة: رده -يعني الإمام- الشيخ محمد بن عبد الوهاب على سليمان بن سحيم.

سليمان بن سحيم هذا معارض للدعوة، ثم متناقض متردد، مرة يوافق الشيخ على عقيدة التوحيد، ومرة يخالف، الشيخ بيّن تناقضه وتردده، وأنه لم يستقر على حال، مرة يقرر التوحيد، ومرة يقرر الشرك، مرة يوافق الشيخ ومرة يرد عليه، كتب المؤلف هذه الرسالة في الرد على سليمان بن سحيم، الرسالة الثالة عشرة.

طالب: محسوب من العلماء يا شيخ؟

أقرأ يا شيخ؟

الشيخ: نعم.

(قارئ المتن):

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولشيخنا وللحاضرين ولجميع المؤمنين، الأحياء منهم والميتين، قال الإمام المجدد إمام الدعوة، الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رسالته الثالثة عشرة:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله أيضا حشره الله في زمرة النبيين والصديقين:

يعلم من يقف عليه أني وقفت على أوراق بخط ولد ابن سُحيم، صنفها يريد أن يصد بها الناس عن دين الإسلام، وشهادة أن لا إله إلا الله، فأردت أن أنبه على ما فيها من الكفر الصريح، وسب دين الإسلام، وما فيها من الجهالة التي يعرفها العامة.

(شرح الشيخ):

بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

هذه الرسالة رد على سؤال ابن سحيم، وسليمان بن سحيم كتب أوراقًا بخط يده، أو بخط ولده، يقول المؤلف الإمام صنفها يريد بها أن يصد الناس عن دين الإسلام وشهادة أن لا إله إلا الله، إذًا هذا معادٍ لدين للإسلام، صنف أوراقًا يريد أن يصد بها الناس، يصرف الناس عن دين الإسلام وعن شهادة أن لا إله إلا الله، قال المؤلف: "فأردت أن أنبه على ما فيها من الكفر الصريح، وسب دين الإسلام، وما فيها من الجهالة التي يعرفها العامة"، ينبه الشيخ على الكفر الصريح الواضح.

ثانيًا: ينبه على سبه لدين الإسلام.

ثالثًا: ينبه على الجهل العظيم الذي اتصف به هذا الشخص، جهلٌ عظيم، هذا الجهل لم يخفَ على العامة وخفي عليه، جهلٌ عظيم مع كفر صريح وسب لدين الإسلام، نسأل الله السلامة والعافية.

إذًا الأوراق التي كتبها ولده، بخط ولده، صنفها يريد بها أن يصد الناس عن التوحيد وعن دين الإسلام، كلمة التوحيد التي هي أصل الدين وأصل صفة الله، فالمؤلف رحمه الله يريد الرد في هذه الرسالة وأن ينبه على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: الكفر الصريح في كلامه.

الأمر الثاني: سبه لدين الإسلام.

الأمر الثالث: الجهل الذي اتصف به حتى تجاوز العامة، صار العامي أحسن منه في هذا، كيف يتصف بهذا الجهل الذي العامة يعرفونه.

(قارئ المتن):

فأما تناقض كلامه فمن وجوه:

(شرح الشيخ):

أيضًا يريد أن يبين أنه متناقض، الرجل متناقض، كيف متناقض؟

التناقض معناه هو أن يفعل الشيء ثم يفعل ضده، أو يقرر شيئًا ثم يقرر ضده، هذا التناقض.

التناقض أن يقول شيئًا -كلامًا- ثم ينقضه، أو يفعل فعلًا ثم ينقضه، هذا هو التناقض، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾[النحل:92]، نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا، قيل إن هذه امرأةٌ خرقاء في مكة كانت تغزل بقوة في النهار ثم تنقض غزلها في الليل، فنهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بها، وقيل إن هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده، ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾[النحل:92]، فالتناقض هو أن يقول شيئًا ثم ينقضه.

القضية متناقضة كأن يقول مثلا: هذا الشيء موجود، ثم يقول: لا موجود، يقول: حي، ثم يقول: لا حي، هذا تناقض، يثبت شيئًا ثم ينقضه.

مثل قول أهل البدع والعياذ بالله الذين وصفوا الرب، أهل البدع الذين استولى عليهم الشيطان وجرهم، أهل البدع الأشاعرة والمعتزلة والجهمية، الشيطان تدرج بهم، وأظهر لهم نفي الصفات والتنقص في الرب في قالب النزيه والتعظيم، قالوا: "نحن ننزه الرب عن أن يشابه المخلوقات"، فنفوا الصفات، وزعموا أنهم بذلك ينزهون الرب.

فأما نفي الصفات: الذي ليس له صفات إما جماد وإما حيوان، وإما المعدوم، فلزمه التشبيه، قالوا: إن الله ليس له سمع ولا بصر، لو قلنا له سمع وبصر وعنده قدرة شابه المخلوقات، فقيل لهم: طيب إذا نفيتم السمع والبصر شابهتم الجمادات، هي التي ليس لها سمع ولا بصر! فقالوا: ننفي أيضًا كذلك مشابهة الوجوه، فقال: شابهتم المعدومات، ثم وصلوا إلى مشابهة الممتنعات، الممتنع هو المستحيل، فأوصلهم إلى أعظم الكفر حتى وصلوا إلى القول وحدة الوجود، أوصلهم أن فصاروا يقولون أن ينفون الصفات، ينفون سبع صفات، ثم ينفون الصفات، ثم ينفون الأسماء والصفات، ثم نفوا الصفات الموجودات، ثم نفوا الصفات المعدومات، فوصل بهم الحال إلى أن يقولوا: موجود، لا موجود، عليم ليس بعليم، سميع ليس بسميع، لا حي ولا ليس بحي، لا موجود وليس بموجود، لا عالم وليس بعالم، لا قادر وليس بقادر، هكذا أوصلهم الشيطان.

فتناقضوا، موجود وليس بموجود، فهذا تناقض، والقضيتان المتناقضتان لا يجتمعان ولا ينقطعان، فيقال: زيد لا موجود ولا معدوم، هذا لا يمكن، لأنك إذا نفيت الوجود ثبت العدم، وإذا نفيت العدم ثبت الوجود، فإذا قلت لا موجود ثبت العدم، وإذا قلت لا معدوم ثبت الوجود، كما أنك لا تجمع بين النقيضين فلا تقول زيد موجود معدوم، لا يمكن، أو زيد حي ميت، لا يمكن في وقت واحد، إذا قلت: زيد موجود؛ انتفى العدم، وإذا قلت: معدوم؛ انتفى الوجود، وإذا قلت: زيد حي؛ انتفى الموت، وإذا قلت: ميت؛ انتفى الحياة، إذا قلت: زيد عالم؛ انتفى الجاهل، وإذا قلت: جاهل؛ انتفى العلم، لا يمكن لزيد أن يكون عالمًا وأن يكون جاهلًا، أو حي ميت، أو لا موجود لا معدوم، لا حي ولا ميت، هذا التناقض، القضيتان لا تجتمعان ولا تنقطعان.

فالشيخ رحمه الله يقول: إن هذا إنسان متناقض، يقول الشيء ثم ينقضه، يقرر التوحيد ثم ينقضه ويقرر الشرك، يقرر الشرك ثم ينقضه، وهكذا، المؤلف: يقول: (فأما تناقض كلامه فمن وجوه)، من عدة وجوه، ذكر كم وجه الآن؟

ذكر ثلاثة عشر وجها ليبين تناقضه، وفي ضمن تناقضه الكفر الصريح وسب دين الإسلام والجهل الذي اتصف به.

طالب: جهلاً منه يا شيخ؟

الشيخ: جهله هو، يعني اتصف هو بجهل تجاوز فيه العامة، يعني جهل في أمر واضح لا يشكل العامة، وهو كذلك، يعني لا يتصف به العامة وهو اتصف به.

طالب: لا يؤاخذ به يا شيخ؟

الشيخ: لا، يؤاخذ، كيف لا يؤاخذ؟

(قارئ المتن):

فأما تناقض كلامه فمن وجوه:

الأول: أنه صنف الأوراق يسبنا، ويرد علينا في تكفير كل من قال: لا إله إلا الله، وهذا عمدة ما يشبّه به على الجهال وعقولها؛ فصار في أوراقه يقول: أما من قال: "لا إله إلا الله" لا يكفر، ومن أمّ القبلة لا يكفر. فإذا ذكرنا لهم الآيات التي فيها كفره، وكفر أبيه، وكفر الطواغيت، يقول: نزلت في النصارى، نزلت في الفلاني. ثم رجع في أوراقه يكذب نفسه ...

(شرح الشيخ):

هذا التناقض: (ثم رجع في أوراقه يكذب نفسه)، تناقض.

(قارئ المتن):

ثم رجع في أوراقه يكذب نفسه ويوافقنا ويقول: من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أملس الكف كفر، ومن قال: كذا كفر، تارة يقول: ما يوجد الكفر فينا، وتارة يقرر الكفر. أعجب لبانيه يخربه!

(شرح الشيخ):

اعْجَبْ لباني البيت يخربه، تعجب، يبني البيت ثم يخربه، يقرر التوحيد ثم ينقضه، إذًا هذا الـ ... صار هذا يقول: (من قال: لا إله إلا الله) لا يكفر ولو فعل الكفر، قال: لا إله إلا الله، وسب الدين، لا يكفر، يكفي أن يقول (لا إله إلا الله).

ومن أمّ القبلة لا يكفر، إذا أم القبلة وهو يدعو غير الله ويذبح لغير الله لا يكفر على هذا، إذًا هنا قرر الشرك، يقول: "فإذا ذكرنا لهم الآيات التي فيها كفره، وكفر أبيه، وكفر الطواغيت، يقول: هذه نزلت في النصارى، نزلت في الفلاني".

ثم كتب أوراقًا أخرى يكذب نفسه ويوافق الشيخ على أن هذا كفر ويقول: من قال إن النبي أملس الكف كفر، يعني يتنقص النبي صلى الله عليه وسلم، من تنقص النبي كفر، ومن قال كذا كفر.

ثم يقول تارة: ما يوجد الكفر فينا، وتارة يقرر الكفر؛ متناقض، اعجب لبانيه ... أي اعجب لباني البيت ثم يخربه، يعني اعجب لهذا الشخص الذي يقرر التوحيد ثم ينقضه بتقرير الكفر.

(قارئ المتن):

الثاني: أنه ذكر في أوراقه: أنه لا يجوز الخروج عن كلام العلماء، وصادق في ذلك، ثم ذكر فيها كفر القدرية، والعلماء لا يكفّرونهم، فكفّر ناساً لم يكفروا، وأنكر علينا تكفير أهل الشرك.

(شرح الشيخ):

الثاني في تناقضه أنه ذكر في أوراقه: "أنه لا يجوز الخروج عن كلام العلماء"، وهو صادق في ذلك، ثم ذكر كفر القدرية، القدرية هم المعتزلة الذين يقولون: "إن الله لا يقدّر الشر ولا يقضيه" لشبهةٍ عرضت لهم، يؤمنون بمراتب القدر الأربع وهي: العلم، ثم الكتابة، ثم المشيئة، ثم الخلق والإيجاد، هذه مراتب القدر الأربعة، من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر.

القدرية الأولى الذين ظهروا على عهد الصحابة أنكروا المرتبتين الأوليين، قالوا: إن الله لا يعلم بالأشياء حتى تقع، فكفّرهم الصحابة، انقرضوا وانتهوا، هؤلاء كفار، لذا قال العلماء إن القدرية الأولى خارجون عن اثنتين وسبعون ويسمون فرقة، افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة، وافترقت هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، يقول القدرية والرافضة والجهمية خارجون عن الثلاث والسبعين لكفرهم وضلالهم، هؤلاء مبتدعة، فالقدرية الأولى انتهوا وانقرضوا.

بقيت القدرية الثانية وهم المعتزلة، يؤمنون بالعلم والكتابة والمشيئة والخلق والإيجاد، لكن أخرجوا من عموم المشيئة وعموم الخلق أفعال العباد، قالوا: "إن الله شاء كل شيء إلا أفعال العباد، وخلق كل شيء إلا أفعال العباد"، لماذا؟

لشبهة، قالوا: لو قلنا الله قدر المعاصي وخلقها لصار ظالما، ففرارا من ذلك نقول العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، العلماء ما كفّروهم، قالوا لهم شبهة.

هو يقول: نحن الآن لا نكفر، ابن سحيم أن يقول لا يجوز الخروج على كلام العلماء، طبعا هو صادق في ذلك، لكن خرج عن الكلام وكفّر القدرية، والعلماء ما كفروهم، فصار تناقض، كيف يقول مرة: لا يجوز الخروج عن كلام العلماء، ثم يخرج على كلام العلماء ويكفّر القدرية! قال: "فكفّر ناس لم يكفروا".

وأيضًا أنكر على الشيخ تكفير أهل الشرك، يقول لا يكفّروا عباد القبور وأشباههم.

(قارئ المتن):

الثالث: أنه ذكر معنى التوحيد: أن تصرف جميع العبادات من الأقوال والأفعال لله وحده، لا يجعل فيها شيء لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل، وهذا حق. ثم يرجع يكذب نفسه ويقول: إن دعاء شمسان وأمثاله في الشدائد، والنذر لهم ليبرئوا المريض، ويفرجوا عن المكروب، الذي لم يصل إليه عبدة الأوثان، بل يخلصون في الشدائد لله، ويجعل هذا ليس من الشرك؛ ويستدل على كفره الباطل بالحديث الذي فيه: «أن الشيطان يئس أن يعبد في جزيرة العرب».

(شرح الشيخ):

الثالث من تناقضه أنه ذكر أن معنى التوحيد أن تُصرف جميع العبادات من الأقوال والأفعال لله وحده، لا يجعل فيها شرك، لا لملك مقرب، ولا نبي مرسل.

 هذا حق، صحيح، هذا هو التوحيد، تُصرف جميع العبادات من الأقوال (تلاوة القرآن والذكر) والأعمال (إقامة الصلاة والصيام) وأعمال القلوب وأفعال الجوارح، كلها لله، يقرأ القرآن لله، يصلي لله، كذلك أيضًا أعمال القلوب (النية، والإخلاص، والمحبة) كلها لله، لا يُجعل فيها شيء، لا يقرأ القرآن لملك، أو للنبي أو للرسول أو لفلان، لا، العبادة حق الله: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[غافر:60]، فالعبادة تصرف جميعها سواء كانت قولية أو فعلية أو قلبية أو باللسان لله، لا يُجعل فيها شيء لا لملك مقرب كجبريل، ولا نبي مرسل كمحمد، فهذا حق، ومن صرف شيئا من العبادة قولية أو فعلية أو قلبية لغير الله فقد أشرك بالله، أقر هذا، وهذا حق.

ثم كذّب نفسه، تناقض، هذا التناقض، رجع يكذب نفسه ويقول: إن دعاء شمسان وأمثال شمسان، هذا قبر موجود في زمن الشيخ، شخص مثل شمسان يُعبد من دون الله، فقال:

"إن دعاء شمسان وأمثاله في الشدائد، والنذر لهم ليبرئوا المريض، ويفرجوا عن المكروب لا يكون شركا"، كيف تقول العبادة كلها يجب صرفها لله، ثم تقول دعاء شمسان ليس شركًا! أنت قلت في الأول أن جميع العبادات كلها يجب صرفها لله من أقوال وأفعال، ولا تُصرف لغير الله، لا لملك مقرب ولا نبي مرسل، ثم تقول إن دعاء شمسان وأمثاله في الشدائد والنذر لهم ليبرئوا المريض ويفرجوا عن المكروب ليس بشرك الذي لم يصل إليه عبدة الأوثان، بل يخلصون في الشدائد لله، ويجعل هذا ليس من الشرك؛ هذا تناقض، يقرر أن التوحيد يجب صرفه لله، ثم يقرر أن دعاء الأموات ليس من الشرك، قوله: من دعا شمسان أو نذر له ليبرئ مريضه أو يفرج كربته فهذا ليس من الشرك، يقول: "ويفرجوا عن المكروب، الذي لم يصل إليه عبدة الأوثان، بل يخلصون في الشدائد لله"، عباد الأوثان كقريش وأشباههم يخلصون في الشدائد، إذا جاءت الشدة أخلصوا لله، وإذا جاءت السعة أشركوا، قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾[العنكبوت:65]، إذا خف الشرك.

فلهذا ذكر الشيخ رحمه الله وغيره أن المشركين الأوائل أخف شركًا من المشركين المتأخرين من جهتين:

الجهة الأولى: أن المشركين الأوائل يكون شركهم في الرخاء، في السعة والرخاء يشركون، فإذا تلاطمت بهم الأمواج في البحر، قالوا: يا الله، يا الله، ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ وحدوا ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾[العنكبوت:65] عادوا إلى الشرك، قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا﴾[الإسراء:67].

أما المشركون المتأخرون إذا تلاطمت الأمواج زادوا كعباد الـ ... إذا تلاطمت الأمواج: يا علي يا علي، يا حسين يا حسين، صاروا يلهجون بمعبوداتهم في الشدائد، لا يبالون، إذا اشتدت بهم الكروب وتلاطمت الأمواج زادوا في الشرك: يا علي يا علي، يا حسين ، والمشركون السابقون لا، إذا جاءت شدة: يا الله، يا الله، فإذا جاء الرخاء أشركوا، وهؤلاء يشركون في الشدة والرخاء، زاد شركهم والعياذ بالله.

والوجه الثاني: أن المشركين الأوائل إنما يعبدون أنبياء، أو صالحين، أو ملائكة، أو حجرا، والأحجار والأشجار تسبح الله فقط، والمتأخرون زادوا عليهم فعبدوا كفارًا ومشركين، أغلظ، زادوا عليهم، لا يكفيهم الحجر والشجر، بل زادوا وعبدوا الكفار، فصاروا أشد (00:20:49).

هنا يقول: "دعاء شمسان وأمثاله في الشدائد، والنذر لهم ليبرئوا المريض، ويفرجوا عن المكروب" هذا ليس من الشرك، هذا ما وصل إليه عباد الأوثان، عباد الأوثان يخلصون في الشدائد، وهؤلاء يعبدون شمسان وأمثاله في الشدائد وفي الرخاء.

"ويستدل على كفره الباطل بالحديث الذي فيه: «أن الشيطان يئس أن يعبد في جزيرة العرب»"، هذا الحديث معروف، وهو حديث صحيح، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن رضي بالتحريش بينهم»، بعض الناس استدلوا به على أن الشرك غير موجود في هذه الأمة، قالوا هذه الأمة مطهرة ما فيها شرك، لا يبقى فيها الشرك، الرسول قال: «يئس الشيطان»، يئس من الشرك، ويستدلون عن الشرك الذي يقع يقولون: "هذا ليس شركا، هذا توحيد، لأن الرسول أخبر أنه لا يوجد شرك"، لكن النصوص دلت على أنه يقع شرك، قال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تقوم لساعة حتى تُعبد اللات والعزى»، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس عند ذي الخلصة يعبدونه من دون الله»، يعني الشرك موجود، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان»، الجماعات الكبيرة، إذًا الشرك موجود، لا يقال إن الأمة مطهرة.

ما معنى الحديث أن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب؟

الحديث أجاب عنه العلماء بأجوبة:

الجواب الأول: أن النبي قال: «إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب»، الشيطان يئس لما رأى انتشار الإسلام، ولكن وقع ... يعني ظن، هذا ظن منه، وهو ليس معصوم الشيطان، لا في يأسه ولا في رجائه، ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن الشيطان إن الله أيأسه، لا، هو الذي يئس لما رأى انتشار الإسلام، ولكنه ليس معصومًا، لا في يأسه ولا في رجائه.

الجواب الثاني: أن المعنى أن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب خاصٌ بالصحابة الذين زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم، يئس أن يعبده الصحابة.

المعنى الثالث: أن الشيطان يئس أن تطبق الأمة كلها على الشرك، وهذا صحيح، لا يمكن أن تطبق الأمة على الشرك، قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى»، لا بد تبقى طائفة على التوحيد إلى قبل قيام الساعة، لا يمكن أن تخلوا الأرض من التوحيد، لو خلت الأرض من التوحيد قامت القيامة، خرُب هذا الكون، بقاء هذا الكون بالتوحيد، فإذا خلا من التوحيد خرُب، قامت القيامة، ومتى هذا يكون؟

في آخر الزمان بعد أشراط الساعة الكبار، بعد خروج الدجال ونزول عيسى ويأجوج ومأجوج وهدم الكعبة، والدخان وطلوع الشمس من مغربها، والدابة، والنار التي تحشر الناس، تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى أحدٌ مؤمن إلا قبضته، في الحديث: «حتى لو كان أحدكم في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه»، فلا يبقى إلا الكفرة (00:24:29)، وهم في ذلك حسن رزقهم، دار عيشهم، ينعم الله عليهم من أمطار والخيرات وهم على كفرهم، فيتمثل لهم الشيطان يقول: ألا تسجدون لي؟ فيقولون: ماذا تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأصنام، فيعبدون الأصنام والأوثان، ويتناكحون في الأسواق في الشوارع، يركب بعضهم بعضا (00:24:51)، فعليهم تقوم الساعة.

لا تقوم الساعة إلا على الكفرة، تقوم يوم الجمعة بعد الفجر قبل طلوع الشمس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» فيخرب هذا الكون، فيأمر الله إسرافيل فينفخ في الصور، فيموت الناس، وتنشق السماء، وتُكور الجبال، وتكون الجبال كالعهن، تكور الشمس والقمر ويخرب هذا الكون، خرابه بالخلو من التوحيد، أما ما دام فيه توحيد وإيمان ومن يعبدون الله فلا يمكن أن يخرب هذا الكون، خرابه بخلوه من التوحيد والإيمان.

إذًا يئس الشيطان المعنى الثالث أنه يئس أن تطبق الأمة على الشرك، وهذا صحيح.

طالب: ولكن الشرك يقع.

(شرح الشيخ): تطبق، ما معنى تطبق؟ يعني يكون الناس كلهم كفار، هذا نعم، لا يمكن أن يكون الأمة كلها على الكفر، لا بد أن تظل طائفة على التوحيد والإيمان.

(قارئ المتن):

الرابع: أنه قسم التوحيد إلى نوعين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، ويقول: إن الشيخ بيّن ذلك، ثم يرجع يرد علينا في تكفير طالب الحمضي وأمثاله، الذين يشركون بالله في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، ويزعمون أن حسيناً وإدريسَ ينفعون ويضرون، وهذه الربوبية، ويزعم أنهم يُنْخَوْن ويندبون وهذا توحيد الألوهية.

(شرح الشيخ):

(الرابع: أنه قسم التوحيد إلى نوعين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، ويقول: إن الشيخ بين ذلك)، هذا صحيح، التوحيد توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية ويدخل توحيد الأسماء والصفات في توحيد الربوبية، هذا حق، ثم ويقول: (إن الشيخ بين ذلك)، هذا كلام صحيح.

ثم تناقض، قال: (قسّم التوحيد إلى نوعين: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، ويقول: إن الشيخ بين ذلك)، يعني الشيخ محمد بيّن ذلك، أن التوحيد ينقسم إلى ... (ثم يرجع يرد علينا في تكفير طالب الحمضي وأمثاله، الذين يشركون بالله في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية)، كيف يتناقض؟

يقول إن التوحيد لا بد فيه أن يوحد الإنسان الله في الربوبية وفي الألوهية، ثم يرد على الشيخ لما كفّر المشرك الذي أشرك في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، تناقض، فطالب الحمضي هذا يقول أشرك بالله في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، ويزعم أن الحسين وإدريس ينفعون ويضرون، كأن حسين وإدريس أهل قبور، يقولون إنهم ينفعون ويضرون من دون الله، هذا شرك في الربوبية، من اعتقد أن أحدًا ينفع ويضر من دون الله هذا اشد من الشرك في الألوهية، فهم أشركوا في الربوبية، هذا الشرك في الربوبية.

(ويزعم أنهم ينخون ويندبون): ينخون هذه كلمة عامية، معنى يُنخى يعني يُدعى، يُطلب منه ويُنادى، ومنه قولك أنخاك تسوي كذا، (أنهم ينخون ويندبون وهذا توحيد الألوهية)، يُندب يعني يُدعى ويُنخى، أنخاك يعني أطلب منك.

طالب: لهجة عامية.

الشيخ: نعم، عامية بمعنى يُدعى من دون الله، (أنهم ينخون ويندبون)، الشاعر يقول:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا

(البيت في بحث النت كما كتبته لا كما قال الشيخ)

شعر جاهلي، يقول القبيلة هؤلاء إذا ندبهم أخوهم وقال افزعوا، ولو على الباطل، لا يسألون، يقومون معه، سواء على حق أو على باطل، هذا شاعر جاهلي:

لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا

هذا يستدلون به الأصوليين في الأصول في الفقه، إذا ندبهم أخاهم فقال افزعوا لا يسألون ويقولون ما السبب، فزعة جاهلية، يقومون معه على حق أو على باطل، يأخذون السلاح، هنا يقول: (يزعم أنهم ينخون ويندبون)، يُنخى: يُطلب ويُدعى هذا توحيد الألوهية، هذا التناقض، يقول إن الشيخ قسّم التوحيد إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وهذا حق، ثم يرجع على الشيخ لما كفّر طالب الحمضي وأمثاله، الذين أشركوا في الربوبية، فقالوا إن حسين وإدريس ينفعون ويضرون، وهذا شرك الربوبية، وأن حسين وإدريس ينخون ويندبون وهذا في توحيد الألوهية، تناقض، مرة يقر بالتوحيد ومرة ينقضه.

(قارئ المتن):

الخامس: أنه ذكر في: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] أنها كافية في التوحيد، فوحد نفسه في الأفعال: فلا خالق إلا الله، وفي الألوهية: فلا يعبد إلا إياه، وبالأمر والنهي: فلا حكم إلا لله؛ فيقرر هذه الأنواع الثلاثة، ثم يكفر بها كلها ويرد علينا. فإذا كفّرنا من قال: إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون، قال: كفّرتم أهل الإسلام، وإذا كفّرنا من يدعو شمسان وتاجاً وحطاباً، قال: كفّرتم أهل الإسلام. والعجب أنه يقول: إن من التوحيد توحيد الله بالأمر والنهي، فلا حكم إلا لله، ثم يرد علينا إذا عملنا بحكم الله، ويقول: من عمل بالقرآن كفر، والقرآن ما يفسر.

(شرح الشيخ):

شوف هذا التناقض تناقض، هو ذكر في تفسير سورة ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] على أنها كافية في التوحيد، قال إن الله وحّد نفسه في الأفعال، فلا خالق إلا الله، ووحّد نفسه في الألوهية فلا يعبد إلا إياه، وبالأمر والنهي فلا حكم إلا لله؛ أقر هذه الأنواع الثلاثة، هذا طيب.

قال: (ثم يكفر بها كلها ويرد علينا، فإذا كفّرنا من قال: إن عبد القادر والأولياء ينفعون ويضرون، قال: كفّرتم أهل الإسلام)، هؤلاء أهل إسلام؟ هؤلاء أهل الشرك.

(وإذا كفّرنا من يدعو شمسان وتاجاً وحطاباً)، وكل هذه قبور تعبد من دون الله، ومن دعاها فقد صرف نوعًا من العبادة -وهو الدعاء- لغير الله، (وإذا كفّرنا من يدعو شمسان وتاجاً وحطاباً، قال: كفّرتم أهل الإسلام)، هؤلاء أهل إسلام؟ هؤلاء أهل شرك.

قال: (والعجب أنه يقول: إن من التوحيد توحيد الله بالأمر والنهي، فلا حكم إلا لله)، قال: (ثم يرد علينا إذا عملنا بحكم الله، ويقول: من عمل بالقرآن كفر، والقرآن ما يفسر)، ما هذا تناقض والعياذ بالله! نسأل الله السلامة، تناقض وعدم ثبات.

(قارئ المتن):

السادس: أنه ينهى عن تفسير القرآن، ويقول: ما يعرف، ثم يرجع يفسره في تصنيفه، ويقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] فيها كفاية، فلما فسرها كفر بها.

(شرح الشيخ):

(السادس: أنه ينهى عن تفسير القرآن، ويقول: ما يعرف)، القرآن لا أحد يعرفه، هذا مثل المفوضة، يقولون (00:33:02) إلا الله، يفوض أمرها إلى الله، المفوضة طائفة من المبتدعة أشد من المؤولة، يقولون: ما يُعرف معاني النصوص، (ثم استوى على العرش) كلمة يلوكها الإنسان بلسانه كأنها كلمة أعجمية، لا يدري معناها، ماهي معناها؟ يقولون لا أحد يعرف معناها، نفوضها إلى الله، هؤلاء المفوضة شرٌ من المؤولة.

هذا يقول: القرآن لا يُفسر، لا أحد يعرف معناه، ثم يرجع وينقض نفسه ويفسر، يكتب مُؤلَّفا ويفسر، (ويقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾[الإخلاص:1] فيها كفاية، فلما فسرها كفر بها)، تناقض، نسأل الله السلامة والعافية.

(قارئ المتن):

السابع: أنه ذكر أن التوحيد له تعلق بالصفات وتعلق بالذات، وقبل ذلك قد كتب إلينا أن التوحيد في ثلاث كلمات: أن الله ليس على شيء، وليس في شيء، ولا من شيء؛ فتارة يذكر أن التوحيد إثبات الصفات، وتارة ينكر ذلك ويقول: التوحيد نفي الصفات.

(شرح الشيخ):

السابع من تناقضه: (السابع: أنه ذكر أن التوحيد له تعلق بالصفات وله تعلق بالذات)، يعني إثبات الذات وإثبات الصفات، الله له ذات لا تشبه الذوات، وله صفات لا تشبه الصفات سبحانه وتعالى.

(وقبل ذلك قد كتب إلينا أن التوحيد في ثلاث كلمات: أن الله ليس على شيء)، أي كأنه ينكر الاستواء على العرش، (00:35:01) قال تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5]، يقول إن الله ليس على شيء، فهذا إنكار الاستواء.

ثم يقول: (وليس في شيء)، ليس في شيء من المخلوقات، إن قصده ليس في شيء من المخلوقات هذا حق، الله تعالى ليس في شيء من مخلوقاته، لا يدخل في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء بذاته، بل هو سبحانه وتعالى فوق العرش، المخلوقات سقفها عرش الرحمن، انتهت المخلوقات، سقفها عرش الرحمن، والله فوق العرش بعد أن تنتهي الخلوقات، مستوٍ عليه استواء يليق بجلاله وعظمته، وهو الحامل للعرش بقوته وقدرته وليس محتاجًا إليه ولا لشيء من خلقه، فهو الحامل للعرش ولخلقه بقوته وقدرته لا يحتاج إلى أحد ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾[فاطر:41]، من الذي أمسك السماء الآن بغير عمد ترونها؟ من الذي أمسك الأرض؟ الأرض الآن ما هي؟ على أي شيء؟ من الذي يمسكها؟ الله.

توجد بعض الآثار ذكرها كتحت كذا وأنها على قرن ثور و ...، لكنها آثار لا تثبت، فالله تعالى يمسك السماوات والأرض، من الذي يمسك العرش؟ الله، العرش والكرسي والسماوات كلها في الهواء، أمسكها الله.

فيقول: فالله تعالى (ليس على شيء)، كأنه ينكر الاستواء على العرش، (وليس في شيء) ليس في شيء من مخلوقاته، إن قصد هذا فهذا حق، (ولا من شيء) يعني مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾[الإخلاص:1-3] لم يتفرع له شيء ولم يتفرع منه شيء، ليس له أصل ولا فرع، ليس له ولدٌ ولا والد سبحانه وتعالى، ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ ما تفرع عنه شيء، ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾ ليس من شيء، بل هو سبحانه واجب الوجود لذاته، فكأن قوله: (ولا من شيء) كأنه يقول: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ ليس من شيء، ليس له أصل ولا فرع.

الطالب: خلط حقاً بباطل.

الشيخ: يعني هذه الكلمات مجملة، لكن إذا قصد (ليس على شيء) نفي الاستواء هذا باطل، (وليس في شيء) من مخلوقاته حق، (ولا من شيء) كذلك.

قال: (فتارة يذكر أن التوحيد إثبات الصفات، وتارة ينكر ذلك ويقول: التوحيد نفي الصفات)، انظر التناقض، تارة يقول: التوحيد إثبات الصفات، وتارة يقول: التوحيد نفي الصفات، هذا تناقض، ولا شك أن التوحيد إثبات الصفات لا نفيها، الله تعالى أثبتها لنفسه ؟؟؟ العلم والقدرة والسمع والبصر، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾[البقرة:255]، ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[التوبة:100]، ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾[الأنفال:67]، ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾[الإنسان:30]، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ﴾[الأنفال:30]، صفات: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾[التوبة:100]، ﴿وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾[الفتح:6]، ﴿لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾[غافر:10] ، إثبات الصفات توحيد، ونفي الصفات هذا تعطيل، فتارة يذكر أن التوحيد إثبات الصفات، وتارة ينكر ذلك ويقول: التوحيد نفي الصفات.

(قارئ المتن):

الثامن: أنه ذكر آيات في الأمر بالتوحيد، وآيات في النهي عن الشرك، ثم قال: المراد بهذا الشرك في هذه الآيات والأحاديث الشرك الجلي، كشرك عباد الشمس، لا على العموم كما يتوهمه بعض الجهال. فصرح بأن مراد الله ومراد النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل فيه إلا عبادة الأوثان، وأن الشرك الأصغر لا يدخل فيه، ويسمي الذين أدخلوه فيه الجهال. ثم في آخر الصفحة بعينها قال: وقد يطلق الشرك بعبارات أخر، وكل ذلك في قوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108]، فرد علينا في أول الصفحة، وكذب على الله ورسوله في أن معنى ذلك بعض الشرك. ثم رجع يقرر ما أنكره، ويقول: إن الشرك الأكبر والأصغر داخل في قوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108].

(شرح الشيخ):

وهذا واضح التناقض، أنه ذكر آيات في الأمر بالتوحيد، وآيات في النهي عن الشرك، آية ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾[الزمر:2] فاعبدوا الله مخلصين له الدين، وتنهى عن الشرك: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ﴾[يونس:106] ولا تعبد من غير الله ما لا ينفعك ولا يضرك، هذه في التوحيد وهذه في الشرك.

ثم قال: المراد بهذا الشرك في هذه الآيات والأحاديث الشرك الجلي -الجلي يعني الواضح- وليس الشرك الخفي، ومثل للشرك الجلي شرك عُبّاد الشمس، لا على العموم كما يتوهمه بعض الجهال، التخصيص من قال إنه خصص؟ النهي عن الشرك عام، الجلي والخفي، كله منهي عنه، فيقول: المراد بهذا الشرك ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ﴾[يونس:106] مثلا الشرك الجلي كشرك عباد الشمس، هذا واضح، أما من يدعو أصحاب القبور وينذر لهم ويذبح لهم هذا ليس شرك، لا يدخل فيه إلا الشرك الجلي، من يعبد الشمس والقمر، ومن يعبد القبور ويذبح لها هذا لا يسمى شرك.

قال: "المراد بهذا الشرك الجلي كشرك عباد الشمس لا على العموم كما يتوهمه بعض الجهال"، سمّاهم جهال، من يقولون الشرك كله منهي عنه هؤلاء جُهال، قال: فصرح بأن مراد الله ومراد النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل فيه إلا عبادة الأوثان فقط، وأن الشرك الأصغر لا يدخل فيه، ويسمي الذين أدخلوه -الشرك- فيه الجهال. ثم في آخر الصفحة بعينها -في صفحة واحدة- قال: وقد يطلق الشرك بعبارات أخر، وكل ذلك في قوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108]، تناقض، كيف في الأول يقول لا يدخل في الشرك، ثم قال وقد يطلق الشرك بعبارات أخر وهو داخل في قوله: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108]؟

قال: فرد علينا في أول الصفحة وكذب على الله ورسوله في آخر الصفحة في أن معنى ذلك بعض الشرك، ثم رجع يقرر ما أنكره، ويقول: إن الشرك الأكبر والأصغر داخل في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[يوسف:108]. هذا التناقض، نسأل الله العافية، نعوذ بالله من هذا التناقض وعدم الثبات.

(قارئ المتن):

التاسع: أنه ذكر أن الشرك أربعة أنواع: شرك الألوهية، وشرك الربوبية وشرك العبادة، وشرك الملك؛ وهذا كلام من لا يفهم ما يقول. فإن شرك العبادة هو شرك الإلهية، وشرك الربوبية هو شرك الملك.

(شرح الشيخ):

يعني هو قسم الشرك إلى أربعة أمور: شرك الألوهية، وشرك الربوبية، وشرك العبادة، وشرك الملك، التقسيم ليس له وجه، شرك العبادة هو شرك الألوهية، واحد، الألوهية هي العبادة، الشرك في العبادة كأن يدعو غير الله ويذبح لغير الله وينذر لغير الله يسمى شرك الألوهية ويسمى شرك العبادة، شرك الربوبية وسموه شرك العبادة، واحد، فكونه جعله اثنين لا وجه له.

كذلك شرك الربوبية وشرك الملك واحد، شرك الربوبية، الله تعالى هو الرب وهو المالك، فمن أشرك بربوبيته أو زعم أن أحدًا اشترك معه في ملكه فقد أشرك في الربوبية والملك، واحد، فتقسيمه الشرك إلى أربعة أنواع باطل ، هذه الأربعة كلها ترجع إلى اثنين، إلى شركين شرك في الربوبية وشرك في الألوهية.

(قارئ المتن):

العاشر: أنه قال في مسألة الذبح والنذر: ومن قال: إن النذر والذبح عبادة، فهو منه دليل على الجهل، لأن العبادة ما أمر به شرعاً، من غير اطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي، لكن البهيم لا يفهم معنى العبادة، فاستدل على النفي بدليل الإثبات.

(شرح الشيخ):

العاشر أنه قال -يعني سحيم- في مسألة الذبح والنذر: "ومن قال: إن النذر والذبح عبادة، فهو منه دليل على الجهل"، (من قال إن النذر) إذا نذر للميت أو ذبح له وقال هذه عبادة، قال: هذا يدل على جهله، ليست عبادة، لماذا؟

عرّف "العبادة: ما أمر به شرعاً، من غير اطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي"، هذا بعضهم فصّل العبادة، قال: "العبادة: ما أمر به شرعاً، من غير اطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي"، هذا قول لبعض العلماء، وعرّفها شيخ الإسلام أن العبادة اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، هذا تعريف شيخ الإسلام.

فالعبادة هي ما أمر به شرعاً، هي الأوامر والنواهي، هي العبادة، الأوامر سواء أمر إيجاب مثل: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾[الإسراء:78]، أو للاستحباب كالأمر بالسواك عند كل صلاة، هذا كله عبادة.

والنهي ما نُهي عنه شرعاً، سواء كان نهي تحريم كالنهي عن الزنا، أو نهي تنزيه كالنهي عن الحديث بعد صلاة العشاء، كله عبادة، هي الأوامر والنواهي، العبادة اسمٌ جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.

بعض العلماء عرفه هذا التعريف قال: العبادة ما أُمر به شرعًا من غير اطراد عرفي، ولا اقتضاء عقلي، مثل ما أمر به شرعا: مثل :﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ﴾[الإسراء:78]، من غير أن يطرد به العرف، أحيانا تصير (00:44:40) والأعراف مطّردة، ماشيين عليها، والعبادة لا  ليست أعراف تطرد، وإنما أمر شرعي.

 (ولا اقتضاء عقلي)، ليس العبادة ما يقتضيه العقل ويوجبه العقل، العبادة لا تكون العبادة إذا أن العقل يقتضيها، ولا تكون العبادة لأن العرف اطرد فيها، وإنما ما أمر به شرعاً، هذا صحيح.

المؤلف يقول: "لكن البهيم لا يفهم معنى العبادة"، البهيم البليد، هذا بليد، هذا ابن سحيم هذا بليد، لا يفهم معنى العبادة، لو فهم معنى العبادة ما قال هذا الكلام، (فاستدل على النفي بدليل الإثبات)، أين النفي؟

قال: النذر من قال إن النذر عبادة فهو دليل على الجهل، نفى أن يكون النذر وجه والذبح عبادة، وما الدليل؟

الدليل "ما أُمر به شرعًا من غير اطراد عرفي"، هذا يثبت العبادة أم ينفيها؟

يثبتها، وقوله: النذر والذبح عبادة، من قال إن النذر والذبح أنه عبادة (00:45:46)، استدل على النفي، أين النفي؟ النذر والذبح ليس عبادة، بدليل الإثبات هو قوله: ما أمر به شرعاً، من غير اطراد عرفي، فاستدل على نفيه بدليل الإثبات يقول البهيم، هذا بليد، "لكن البهيم لا يفهم معنى العبادة، فاستدل على النفي بدليل الإثبات"، النفي ما هو؟

قوله: من قال النذر ولذبح عبادة فهو دليل على الجهل، فهو ليس عبادة، من قال إنه عبادة فهو جاهل، إذًا النذر والذبح ليس عبادة، هذا النفي، دليله التعريف: العبادة ما أمر به شرعاً، من غير اطراد عرفي، هل هذه تدخل الذبح أم لا تدخل الذبح في العبادة؟ تدخلها في العبادة، فاستدل على النفي بدليل الإثبات، فصار بهيما، جاهل لا يفهم، سماه المؤلف بهيما، قال: إن البهيم لا يفهم معنى العبادة، فاستدل على النفي بدليل الإثبات، لأن البليد لا يفهم، يستدل على الشيء بضده، فهذه بلادته.

(قارئ المتن):

الحادي عشر: بعد أربعة أسطر، كذب نفسه في كلامه هذا فقال: من ذبح لمخلوق يقصد به التقرب، أو لرجاء نفع، أو دفع ضر من دون الله، فهذا كفر. فتارة يرد علينا إذا قلنا إنه عبادة، وتارة يكفّر من فعله.

(شرح الشيخ):

هذا التناقض واضح، الحادي عشر: بعد أربعة أسطر، كذب نفسه، فقال: "من ذبح لمخلوق يقصد به التقرب، أو لرجاء نفع، أو دفع ضر، من دون الله، فهذا كفر"، هذا صحيح، ثم رجع وقال إن هذا ليس بشرك.

المؤلف يقول: "فتارة يرد علينا إذا قلنا إنه عبادة، وتارة يكفّر من فعله"، وتارة يرد على الشيخ إذا قال هو عبادة، فالرجل متناقض.

(قارئ المتن):

الثاني عشر: أنه قرر أن من ذبح لمخلوق لدفع ضر أنه يكفر، ثم قرر أن الذبح للجن ليس بكفر.

(شرح الشيخ):

هذا تناقض، قرر قال: من ذبح لمخلوق لدفع ضر فإنه يكفر، المخلوق شامل، يشمل الجن أم لا يشمل؟ (00:48:37)، فمن ذبح لمخلوق لدفع ضر أنه يكفر، يعني من ذبح للجن، أو للإنس، أو للملائكة، ولا يشترط لدفع الضر، حتى لو ذبح لمخلوق ولو لم يكن لدفع الضر قصده، فهو يكفر، فمن ذبح لمخلوق كفر، من ذبح لغير الله فقد أشرك.

"ثم قرر أن الذبح للجن ليس بكفر"، الجن ليسوا مخلوقين؟ كيف تقول: من ذبح لمخلوق يكفر، ثم تقرر وتقول: الذبح للجن ليس بكفر! تناقض ظاهر.

(قارئ المتن):

الثالث عشر: أنه رد علينا في الاستدلال بقوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر:2]، ثم رجع يقرر ما قلنا بكلام البغوي: كان ناس يذبحون لغير الله، فنَزلت فيهم الآية. فيا سبحان الله! ما من عقول تفهم أن هذا الرجل من البقر التي لا تميز بين التبن والعنب؟! والحمد لله رب العالمين.

(شرح الشيخ):

لا يفرق بين التبن والعنب، هو جهل كبير، أما التين والعنب قد يكون فيه إشكال، لو كان التين والعنب قد يكون فيه تشابه، لكن التبن والعنب؟

"الثالث عشر: أنه رد علينا في الاستدلال بقوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر:2]"، الآية أمر الله فقال: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر:2]، فيها إثبات الصلاة لله والنحر لله، الصلاة عبادة والنحر لله، الشيخ الإمام قرر في هذه الآية أن الصلاة عبادة، والذبح عبادة لله.

"ثم رجع يقرر ما قلنا بكلام البغوي -سبب نزول هذه الآية-: كان الناس يذبحون لغير الله، فنَزلت فيهم الآية". ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[الكوثر:2]، يعني الشيخ رحمه الله قرر معنى هذه الآية، وأن هذه الآية في إثبات الصلاة والذبح لله عبادة، ثم يقرر ما ... يقول الشيخ: وافقنا مرة ثانية، يأتي ويستدل بكلام البغوي الذي يقول: "كان الناس يذبحون لغير الله، فنَزلت فيهم الآية".

المؤلف قال: "فيا سبحان الله! ما من عقول تفهم أن هذا الرجل من البقر التي لا تميز بين التبن والعنب"، البقرة الآن الذي يأكل التبن هو حيوان، البقرة لا تميز بين التبن والعنب، أليس كذلك؟ ليس بين التين والعنب، إذًا التبن، معروف التبن، ما هو التبن؟

طالب: علف.

(شرح الشيخ): نعم، العلف اليابس الذي تأكله البهائم، البقر تعرف التبن الذي تأكله، ولا تميز بينه وبين العنب، إذا يبس العنب صار تبنا وأكلته، "فيا سبحان الله! ما من عقول تفهم أن هذا الرجل من البقر التي لا تميز بين التبن والعنب؟! والحمد لله رب العالمين".

هذه الرسالة.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد