شعار الموقع

نواة الإيمان [1] من بداية الرسالة إلى قوله: "ولفظ العبادة في أصل اللغة لمطلق الذل والخضوع"

00:00
00:00
تحميل
141

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

نحمد الله سبحانه وتعالى على توفيقه وإحسانه وإنعامه وإفضاله ومن نعمه سبحانه وتعالى هذه المجالس العلمية فنسأل الله أن يرزقنا جميعاً الإخلاص في العمل والصدق في القول يسمى العلم النافع إما علم بأسماء الله وصفاته وأفعاله وإما علم بدينه وشرعه بين الحلال والحرام وإما علم بجزائه جزاء المؤمنين وجزاء المخالفين :

والعلم أقسام ثلاث ما لها من رابع والحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله وفعله وكذلك الأسماء للرحمن
والأمر والنهي الذي هو دينه وجزاءه يوم المعاد الثاني

هذه أقسام العلم النافع وما عداه فإنه علوم أخرى إذا حسنت نية المتعلم فإنه يؤجر وهي من فروض الكفاية كعلم الطب وعلم الصيدلة وكعلم الهندسة وعلم الفلك وعلم الرياضة وعلم النجارة والحدادة والسباكة والكهرباء وعلم البناء كل هذه علوم أخرى يؤجر الإنسان عليها إذا حسنت نيته قصد بذلك أن ينفع المسلمين ويستغني عن غيرهم وان أراد الدنيا فله ذلك بخلاف العلم الشرعي فإنه لا يجوز للإنسان أن يريد به الدنيا لأنه من علوم الآخرة لأنه من الدين ، إذا أراد بعمل الآخرة الدنيا فهذا عليه الوعيد الشديد مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )  وفي الحديث قال : من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة [1] ومن علوم الشريعة العلم بدينه وشرعه الذي أمر الله به وتوحيد الرب في ألوهيته وعبادته فإنه هو الغاية التي من أجلها خلق الخلق وهي الغاية المحبوبة لله المرضية له وهي العبادة التوحيد والطاعة التوحيد ثلاثة أنواع توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية وتوحيد الأسماء والصفات توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات هذا فيه معرفة الرب تعرف ربك بأسمائه وصفاته وأفعاله إذا عرفت ربك بأسمائه وصفاته عبدته فهو وسيلة توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وسيلة إلى توحيد العبادة وتوحيد الألوهية.

وهذه الرسالة التي بين أيدينا وهي نواة الإيمان هي في توحيد العبادة والإلوهية هذه الرسالة التي بين أيدينا نواة الإيمان للمؤلف عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ حفيد الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب وعبد اللطيف ابن حفيد الشيخ عبد الرحمن بن حسن حفيد الشيخ ولد ولده وعبد اللطيف ابن حفيده رحمه الله معروف في تحقيقه فهي في توحيد العبادة والإلوهية رسالة على صغر حجمها قيمة مفيدة نافعة مختصرة جامعة للمعاني الغزيرة في هذا الباب نقرأ :

قال المؤلف رحمه الله:

اعلم – رحمك الله – أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته , الجامعة لمعرفته ومحبته ، والخضوع له وتعظيمه ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، وإسلام الوجه له . وهذا هو الإيمان المطلق ، المأمور به في جميع الكتب السماوية وسائر الرسالات النبوية . 

يقول المؤلف رحمه الله اعلم رحمك الله اعلم أمر من العلم والعلم هو حكم الذهن الجازم والمعنى تيقن أن الله تعالى خلق الخلق لعبادته اعلم اجزم وتيقن لأن المدركات أنواع : وهي العلم والظن والشك والوهم . فما يعلمه الإنسان يقينا ما يتيقن فيه الإنسان يسمى علم وما يشك فيه إن كان الشك غير متساو لأحد الطرفين، طرف أرجح من الآخر فالراجح يسمى ظنا والمرجوح يسمى وهما وإن كان كل من الأمرين على حد سواء يسمى شكا .

هذه الأركان الأربع إما علم ترجوه وإما ظن وإما شك وإما وهم إن كان هذا المعلوم يتيقن به الإنسان فهو علم وإن كان يشك فيه واحد الطرفين أحد الأمرين يتحمل الآخر الراجح يسمى ظنا والمرجوح يسمى وهما وإن كانا على حد سواء فهو شك.

فقال رحمه الله اعلم أي اجزم وثاقا لا تشك ولا تظن ولا تتوهم احذر الشك والظن والوهم في هذا الأمر أن الله خلق الخلق لعبادته فلا تشك ولا تظن ولا تتوهم من شك أو ظن أو توهم ومن لم يجزم بأن الله خلق الخلق لعبادته وقامت عليه الحجة فهذا كافر لأن الله يقول : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  إذا كان جاهلاً ولا يعلم تقرأ عليه الآية يبن له أن الله خلق الخلق لعبادته فإذا شك أو توهم فلا يكون مؤمنا لا بد أن تجزم وتتيقن أن الله خلق الخلق لعبادته ثم بعد ذلك تعبد الله تلتزم تعبد الله وتؤدي حق الله اعلم .

ثم قال : رحمك الله وهي جملة خبرية المقصود منها الدعاء والمعنى الله يرحمك وهذا من نفع المؤلف رحمه الله فهو يعلمك ويدعو لك العلماء أنفع الناس للناس فهو يعلمك ويدعو لك بالرحمة يجمع بين أمرين يعلمك ويدعو لك بالرحمة اعلم رحمك الله اعلم الله يرحمك اعلم ما هو الشيء المعلوم اعلم أن الله خلق الخلق لعبادته الدليل قول الله   وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  والعبادة يقول المؤلف هي الجامعة لمعرفته ومحبته والخضوع له وتعظيمه والإنابة إليه والتوكل عليه وإسلام الوجه له هذه هي العبادة هذه هي الأمور التي تشمل العبادة الجامعة لمعرفته معرفة الله تكون بمعرفة أسمائه وصفاته وربوبيته متى تعرف الله إذا عرفت أن الله هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت مسبب الأسباب وأن له الأسماء الحسنى التي سمى بها نفسه وله الصفات العلى التي وصف بها نفسه وتعلم أن الله سميع وأنه بصير وأنه عليم وأنه قدير وأنه رحيم وأنه غفور وأنه ودود وهذه الأسماء ليست جامعة بل هي مشتقة كل اسم مشتمل على صفة الرحمن يشتمل على صفة الرحمة الله يشتمل على صفة الإلوهية العليم مشتمل على صفة العلم القدير يشتمل على صفة القدرة الحليم يشتمل على صفة الحلم فأنت تعرف الله بأسمائه وصفاته تعرفه بأسمائه وصفاته تعرف أن الله اسمه الرحيم وهو متصف بالرحمة واسمه العليم متصف بالعلم واسمه القدير متصف بالقدرة واسمه الخالق وهو متصف بالخلق من أفعاله الخلق وهكذا فإذاً العبادة لفطة جامعة يدخل فيها معرفة الله ومعرفة الله إنما تكون بأسمائه وصفاته وأفعاله ومحبته أيضاً العبادة تكون مع المحبة فالمحبة ركن من أركان العبادة المحبة والركن الثاني : الذل والخضوع ، ولهذا قال والخضوع له وتعظيمه فالعبادة لها ركنان المحبة والذل والخضوع وعلى هذين الأمرين يدور قطب الرحى غاية المحبة مع غاية الذل والخضوع هذان الأمران قطبا العبادة وفلك العبادة يدور عليهما والذي يدير فلك العبادة هو أمر الله وأمر رسوله لا يديره الهوى أو النفوس ولا هوى الشيطان إذا عبادة الله لا بد فيها من أمرين غاية المحبة مع غاية الذل والخضوع هذان الأمران تدور عليهما فلك العبادة والذي يديره هو أمر الله ورسوله كما قال العلامة بن القيم :

وعبادة الرحمن غاية حبه مع ذل عابده هما قطبان
وعليهما فلك العبادة دائر ما دار حتى قامت القطبان
ومداره بالأمر أمر رسوله لا بالهوى والنفس والشيطان

من جهة أخرى أركان المحبة ثلاثة أو أركان العبادة ثلاثة المحبة والخوف والرجاء لا بد للمسلم أن يعبد الله بالحب والخوف والرجاء فمن عبد الله بواحد من هذه الأمور وحده بواحد منها دون الآخر فإنه لم يعبد الله فمن عبد الله بالحب وحده فقط دون الخوف والرجاء فهذه محبة الزنادقة محبة الصوفية يزعمون أنهم يعبدون الله بالحب وحده وأنهم لا يخافون ولا يرجون فيقول أحدهم إني أعبد الله حباً لذاته والشوق إليه لا أعبده خوفا ولا أعبده رجاءا لأن الذي يعبده بالخوف والرجاء هذا نفعي إنسان نفعي ينفع نفسه يخاف ويرجو لكن أنا أعبده حبا لذاته وشوقا إليه هذا قول الزنادقة.

ومن ذلك ما يذكر في كتب الوعظ يذكر أن رابعة العدوية قالت : ما عبدت الله خوفا من ناره ولا طمعا في جنته فأكون كأسير السوء وإنما عبدته حبا لذاته وشوق إليه. الأنبياء أكمل الناس عبادة ومع ذلك يعبدونه بالخوف والرجاء الرد عليهم لما ذكر الله في سورة الأنبياء موسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب ولوطا ونوحا و داود وسليمان وأيوب وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس وإسماعيل واليسع قال إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا رغبا هذا الرجاء ورهباً هذا الخوف الأنبياء يعبدون الله خوفاً ورجاءً كيف يقول الصوفية لا نعبده لا خوفا ورجاءا وقال في وصف المؤمنين تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) وقال  عن المؤمنين أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ  ومن عبد الله بالخوف وحده فهو حروري يقول العلماء يعني مرجئ خارجي الخوارج يغلبون جانب الخوف ويكفرون المؤميني بالمعاصي غلّبوا جانب الرجاء جانب الخوف ،الخوف وحده ومن عبد الله بالرجاء وحده فهو مرجئ من المرجئة ومن عبد الله بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد.

يقول المؤلف رحمه الله : اعلم رحمك الله أن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته ومحبته والخضوع له وتعظيمه والإنابة إليه والتوكل عليه وإسلام الوجه له هذه الأمور كلها مجتمعة هي العبادة ، العبادة تجمع المعرفة معرفة الله ومحبة الله والخضوع له يخضع الإنسان ويذل ولا يستكبر الكافر مستكبر عن عبادة الله المؤمن يخضع لله لا بد أن يخضع لله وتعظيم الله والإنابة إليه الرجوع إليه والتوكل والاعتماد وتفويض الأمر إليه وإسلام الوجه له يعني إخلاص العمل لله هذه كلها هذه الأمور مجتمعة هي العبادة.

قال المؤلف : وهذا هو الإيمان المطلق المأمور به في جميع الكتب السماوية وسائر الرسالات النبوية الإيمان المطلق يشمل هذه الأمور كلها يشمل المحبة والمعرفة والخضوع تخضع لله تخضع فتؤدي الأوامر وتنتهي عن النواهي وتسلم الوجه لله وتخلص لله وتتوكل عليه هذا هو الإيمان المطلق يشمل عقيدة القلب وقول القلب وهو التصديق يشمل اعتقاد القلب والمحبة والخضوع والذل ويشمل قول القلب والتصديق والإقرار ويشمل قول اللسان والذكر ونطق بالشهادتين والقرآن والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويشمل الأعمال كالصلاة والزكاة والصوم والحج هذا هو الإيمان المطلق عند أهل السنة والجماعة يشمل قول القلب وعقيدة القلب وقول اللسان وعمل الجوارح وهو قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

ولهذا قال المؤلف وهذا هو الإيمان المطلق وهناك فرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان ،الإيمان المطلق الإيمان الكامل هذا يشمل امتثال الأوامر واجتناب النواهي مع تصديق القلب واعتقاده ومع إقرار اللسان وأما مطلق الإيمان فهو أصل الإيمان أصل الإيمان مطلق الإيمان هو الذي يطلق على العاصي .  العاصي عنده مطلق الإيمان العاصي الذي فرط وترك بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات هذا عنده يثبت له مطلق الإيمان ويثبت له الإسلام يقال مسلم ولكن لا يقال مؤمن بإطلاق بل لا بد من التقييد فنقول عن العاصي إنه مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن ضعيف الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته ولا يعطى الإيمان المطلق وهو عاص إنما يعطى الإيمان المطلق الذي أدى الواجبات وترك المحرمات يقال ‘نه مؤمن كما قال   إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ۝ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ۝ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا  هؤلاء هم المؤمنون قال  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ  وقال لوفد عبد القيس آمركم بالإيمان بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله وحده قالوا الله ورسوله أعلم قال : شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمس ما غنمتم هذا تعريف الإيمان المطلق وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان : الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)[2]  وفي رواية البخاري :  الإيمان بضع وستون [3] وفي رواية مسلم : الإيمان بضع وسبعون[4] هذا هو الإيمان المطلق المأمور به في جميع الكتب السماوية وسائر الرسالات النبوية والله تعالى أمر عباده بالإيمان المطلق أمرهم بأن يعتقدوا ويقروا ويعملوا بجوارحهم ويؤدوا جميع الواجبات ويتركوا جميع المحرمات أمرهم بذلك في جميع الكتب السماوية التي أنزلها التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وسائر الرسالات النبوية.

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

ويدخل في باب معرفة الله : توحيد الأسماء والصفات ، فيوصف الله سبحانه بما وصف به نفسه من صفات الكمال ، ونعوت الجلال ، وبما وصفه به رسوله ، ولا يتجاوز العبد ذلك ، ولا يوصف الله إلا بما ثبت في الكتاب والسنة .

وجميع ما في الكتاب والسنة : يجب الإيمان به ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل . قال الله  اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى  فأسماؤه كلها حسنى ، لأنها تدل على الكمال المطلق ، والجلال المطلق ، والصفات الجميلة .

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله ويدخل في معرفة الله توحيد الأسماء والصفات كما سبق أن الله  يعرف بأسمائه وصفاته وأفعاله ، الله تعرف إلى عباده بأسمائه وصفاته فيدخل في باب معرفة الله وتوحيد الله توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الأسماء والصفات هو الإيمان بالأسماء والصفات التي وردت في الكتاب والسنة فيوصف الله بما وصف به نفسه من صفات الكمال ، صفات الكمال هي التي وصف الله بها نفسه كالعلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة من صفات الكمال وهو السميع البصير وهو العليم الحكيم وهو العزيز الحكيم وهو الغفور الودود من صفات الكمال هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ   من صفات الكمال هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ  من صفات هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ   رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ من صفات الكمال غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ  كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  هذه كلها صفات والأسماء مشتملة على الصفات كل اسم مشتمل على الصفات لأن أسماء الله ليست جامدة، مشتقة كما سبق فهذه الأسماء وهذه الصفات كلها داخلة في معرفة الله فيوصف الله بما وصف به نفسه من صفات الكمال ونعوت الجلال كل صفات الله صفات كمال ونعوت الجلال . النعوت جمع نعت وهو الوصف وصف الجلال كلها صفات الله صفات كمال وكلها صفات جلال تدل على عظمة الله  الإجلال التعظيم إجلال الله أي تعظيمه وتوقيره فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ  هذا بالنسبة للرسول أما بالنسبة للرب كما أخبر الله  في سورة الفتح إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ۝ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ  هذا للرسول وَتُسَبِّحُوهُ  هذا وصف الله بكرة وأصيلا فيوصف الله بصفات الكمال ونعوت الجلال التي وصف بها نفسه صفات الكمال هي التي وصف الله بها نفسه أو وصف بها رسوله ﷺ لا يوصف الله بشيء خارج عن الكتاب والسنة على العباد أن لا يختاروا لله أسماءا من عند أنفسهم المراد بصفات الكمال ونعوت الجلال هي الصفات التي يصف الله بها نفسه في كتابه أو على لسان رسوله ﷺ هي صفات الكمال كلها صفات كمال ليس فيها نقص الكامل في صفاته وجلاله وذاته وصفات الكمال هي التي وصف الله بها نفسه وليس أن المراد أن العباد يوصفون الله بأوصاف من عند أنفسهم وبما وصفه به رسوله ﷺ كذلك وصف الرسول ﷺ ربه قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر [5] فيكون نزولا كما يليق بجلاله وعظمته كذلك حديث وإن اقترب إلي شبراً اقتربت منه ذراعاً وإن اقترب مني ذراعاً اقتربت منه باعاً وإن أتاني يمشي أتيته هرولة[6] كل هذه صفات تليق بالله .

ومن ثمراتها أن الله أسرع بالخير من العبد وأن الله لا يقطع الثواب على العبد حتى يقطع العبد العمل ولهذا قال المؤلف رحمه الله : فيوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ ولا يتجاوز العبد ذلك لا يتجاوز لا يزيد ليس للعبد أن يتجاوز الكتاب والسنة فيخترع لله أسماء وصفات من عند نفسه يسمي الله بها ويوصف الله بها من عند نفسه لا يتعدى الكتاب والسنة قال : ولا يوصف الله إلا بما ثبت في الكتاب والسنة.

ثم قال المؤلف : وجميع ما في الكتاب والسنة يجب الإيمان به الإيمان بالكتاب والسنة من الأسماء والصفات يجب الإيمان به من غير تحريف للفظ ولا تحريف للمعنى تحريف اللفظ مثل تحريف بعض الجهمية وكلم اللهَ موسى تكليما الآية وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا  فحرف بعض الجهمية وقرأ وكلم اللهَ موسى تكليما ليجعل موسى هو المكلم لأنه ينكر كلام الله فلما أنكر كلام الله لأنه لو قرأها وكلم اللهُ صار المعنى أن الله هو المتكلم وهو ينكر الجهمية أن الله يتكلم فقال وكلم اللهَ موسى أي وكلم موسى الله يعني موسى هو المتكلم والله لا يتكلم جعلوه أبكما كالأبكم لا يستطيع الكلام نعوذ بالله فتحريف المعنى هو مثل تحريف بعض الجهمية كلمه ربه قالوا جرحه بأظافر الحكمة قال بعض الجهمية لبعض  السلف أريد أن تقرأ وكلم اللهَ موسى تكليما حتى يكون المتكلم موسى فقال هب يا عدو الله أني قرأتها هكذا فكيف تفعل بقوله وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قال جرحه بأظافر الحكمة لأن معنى الكلم الجرح فلان كلمه يدمي يعني جرحه يدمى هذا تحريف بعضهم إما في اللفظ وإما في المعنى.

ولا تعطيل النص عن الصفة كأن ينكر ثم استوى على العرش ينكر الاستواء فيكون عطل النص من صفة الرب.

ومن غير تكييف ، تكييف أن يقول صفته على كذا وكذا كيفية نزول الله كذا وكذا كيفية غضبه كذا وكذا هذا التكييف والتمثيل كأن يقول نزول الله مثل نزول المخلوق هذا تمثيل وتشبيه أو ضحك الله مثل ضحك المخلوق هذا تمثيل.

 قال الله تعالى : اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى  قال المؤلف رحمه الله : فأسماؤه كلها حسنى لأنها تدل على الكمال المطلق الكمال المطلق يعني الكمال من جميع الوجوه والكمال المطلق والصفات الجليلة أسماء الله كلها تدل على الكمال المطلق يعني من جميع الوجوه بخلاف مطلق الكمال مطلق الكمال يعني رأس الكمال لكن الكمال المطلق يعني الكمال الكامل من جميع الوجوه فأسماء الله كلها حسنى تدل على الكمال المطلق لله والجلال المطلق والصفات الجليلة تدل على أن الله كامل وتدل على أن الله عظيم وتدل على الصفات الجليلة .

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

فنثبت ما أثبته الرب لنفسه ، وما أثبته له رسوله  ، ولا نعطله ، ولا نلحد في أسمائه ولا آياته ، ولا نشبه صفات الخالق بصفات المخلوق لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ  يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا 

فإن تعطيل الصفات عما دلت عليه كفر ،  والتشبيه فيها كذلك كفر . وقد سأل رجل مالك بن أنس رحمه الله ، عن الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  فاشتد ذلك على مالك ، حتى علته الرحضاء إجلالا لله وهيبة له من الخوض في ذلك ، ثم قال: "الاستواء معلوم ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة". يريد رحمه الله : السؤال عن الكيف .

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله : ونثبت ما أثبته الرب لنفسه يعني من الأسماء والصفات وما أثبته له رسوله ﷺ ولا نعطله هذا هو الواجب يثبت ما أثبته الله لنفسه في كتابه وما أثبته له رسوله ﷺ في سنته مثلا في كتاب العلم والسمع والبصر والإرادة والقدرة في السنة النزول ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا العجب يعجب ربكم من الشاب من أتاني يمشي أتيته هرولة الإتيان هو والهرولة كما يليق بجلاله وعظمته 

فنصوص الصفات التي جاءت في الكتاب أثبتها ربنا لنفسه والأسماء والصفات التي وردت في السنة وأثبتها الرسول ﷺ لربه نثبتها ولا نعطله تعطيله هو الخلو والفراغ التعطيل الخلو والفراغ ومنه قيل المرأة جيد عاطل إذا خلى من الحلي ومنهم من قال  عاطل عطل الإبل عن راعيها إذا كان الإبل ليس لها راعي خلت منه وعطل الدار عن ساكنها إذا ليس فيها ساكن والمعطل هو الذي أخلى النصوص من المعاني والصفات الرحمن على العرش استوى  هذا نص والذي ينكر الاستواء عطل أخلى النص من المعنى والوصف الذي دل عليه ووصف الرب نفسه بالاستواء المؤلف يقول لا نعطل نثبت ما أثبته الرب لنفسه وما أثبته له رسوله  ﷺ ولا نعطله ما نعطله ما نفرغ النص من المعنى والوصف بما فيه كما يفعل المعطلة.

ولا نلحد في أسمائه ولا آياته الإلحاد هو الميل ومنه اللحد الذي في القبر هو الحفرة التي تحفر في القبر من جهة القبلة ويوضع فيها الميت سميت الحفرة لحدا لأنها مائلة عن القبر إلى القبلة فالإلحاد يعني هو الميل يعني لا نلحد في أسماء الله وآياته لا نميل بها عن الحق إلى الباطل والإلحاد أنواع وأعظم الإلحاد جحودها وإنكارها إنكار أسماء الله وصفاته هذا أعظم الإلحاد ومن الإلحاد تأويلها التأويل الفاسد ومن الإلحاد في أسماء الله وصفاته تشبيهها بأسماء المخلوق وصفاته هذا من الإلحاد ومن الإلحاد تأويلها تأويلا باطلا.

فالمؤلف يقول نحن نثبت ما أثبته الرب لنفسه وما أثبته له رسوله ولا نعطله ولا نلحد في أسمائه وصفاته ولا آياته ولا نشبه صفات الخلق بصفات المخلوق يعني لا نقول الله  يضحك مثل ضحك المخلوق ينزل مثل تنزيل المخلوق يعلم مثل علم المخلوق هذا تشبيه قال الله : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ  الآية فيها رد على الممثلة والمشبهة  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  ورد على المعطلة

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ۝ اللَّهُ الصَّمَدُ ۝ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ۝ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ  هذه الآية فيها وصف الرب قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن لأنها وصف الرب  لما قالوا أوصف لنا ربك فنزلت هذه السورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  يعني واحد في ذاته وأسمائه وصفاته من صفاته الأحد سبحانه قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  في ذاته وأسمائه وصفاته اللَّهُ الصَّمَدُ من أسمائه الصمد ،الصمد هو السيد الكامل في سؤدده الذي تصمد له الخلائق في حوائجها فهو صمد في نفسه الذي لا يحتاج إلى غيره قال هو الصمد الذي لا جوف له لا يأكل ولا يشرب والملائكة صمد لا يأكلون ولا يشربون والصمد القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى أحد هو صمد في نفسه وتصمد إليه الخلائق في حوائجها لم يلد ولم يولد يعني لم يتفرع منه شيء ولم يتفرع من شيء ليس له أصل فرع ولا أصل ليس له ولد ولا والد بل هو إله واجب الوجود لذاته والواجب واجب الوجود لذاته سبحانه ليس له أصل ليس له والد ولم يتفرع من شيء وليس له ولد لم يتفرع منه شيء لم يتفرع هو من شيء ليس له أصل ليس له ولد ليس له والد لا والد ولا أب ولا جد وليس له فرع ابن تعالى الله عما يقولون وعما يصفه به المشركون وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ليس له مثيل لا يمثله أحد في ذاته ولا في أسمائه وصفاته.

وقال  يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا   فيه إثبات صفة العلم وأن المخلوقين لا يحيطون بالله علما لكماله وعظمته سبحانه.

قال المؤلف فإن تعطيل الصفات عن ما دلت عليه كفر ومن أنكر الاستواء قال الرحمن على العرش استوى ومن قال الله لم يستو كفر لأنه كذب الله ومن كذب الله كفر من جحد صفة من صفاته كفر لكن من تأول لشبهة عرضت له وقال أنا أؤمن بالاستواء وهذا صحيح لكن معنى الاستواء الاستيلاء متأولا لا يكفر للشبهة من أجل التأويل الذي يحرف الاستواء ويحرفه إلى استيلاء الاستواء معناه الاستيلاء لشبهة عرضت له من باب التأويل فهذا لا يكفر لماذا لأنه متأول وأما الذي يجحد وينكر الاستواء فهذا كافر لأنه مكذب لله فرق بين الجاحد والمتأول الجاحد ينكر هو ينكر يقول الرحمن على العرش استوى يقول لا لم يستو الرب هذا معناه صادم النص هذا جاحد يكون كافرا لكن شخص آخر يقول الرحمن على العرش استوى حرف هذه آية وأخبر الله أنه استوى هذا له شبهة من أجل الشبهة التي تعرض له فإن تعطيل الصفات عما دلت عليه كفر يعني إذا عطلها أنكرها بلا شبهة.

والتشبيه كذلك فيه كفر التشبيه أن يقول صفة الخلق مثل صفة المخلوق التشبيه يقول : ينزل ربنا إلى السماء الدنيا [7] مثل نزول المخلوق يضحك مثل ضحك المخلوق هذا كافر حتى التشبيه هو كفر يعني المعطل كافر والمشبه كافر ولهذا قال بعض السلف -الشيخ البخاري-: من شبه الله بالخلق كفر ومن نفى عن الله ما وصف به نفسه كفر أو وصفه به رسوله ﷺ فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه أو فيما وصف به رسوله تشبيه". قال من شبه الله بالخلق كفر ومن نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله كفر وليس  فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ من ذلك تشبيه وهذا في البخاري عن الأوزاعي من شبه الله بخلقه كفر ومن نفى عن الله ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله ﷺ كفر وليس فيما وصف الله به نفسه من ذلك تشبيه.

فلهذا قال العلامة بن القيم لسنا نشبه وصفه بالصفات إن المشبه ... كلا ولا نخليه عن أوصافه إن المعطلة بهتان فالمعطل كافر والمشبه كافر إذا جحد لكن من أول الصفات تأولها فهذا لا يكفر بالشبهة حصلت له فرق بين الجاحد والمتأول  المتأول إذا قامة عليه الحجة خلاص يكفر بعد أن تقوم عليه الحجة فإن تعطيل الصفات عن ما دلت عليه كفر والتشبيه فيها كذلك كفر.

وقد سأل رجل مالك بن أنس رحمه الإمام المشهور إمام دار الهجرة أحد الأئمة الثلاثة سأله عن قوله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى  فاشتد ذلك على مالك جاء رجل إلى الإمام مالك وهو جالس في حلقته الدرس قال يا مالك الرحمن على العرش استوى كيف استوى ماذا عمل الإمام مالك رحمه الله اشتد ذلك عليه وأطرق حتى علته الرحضاء والعرق إجلال لله وهيبة له من الخوض في ذلك مالك صدم لما جاءه هذا السائل سأل عن الكيفية قال كيف استوى؟ صدم الإمام مالك وعلته الرحضاء والعرق إجلالا لله وهيبة له من الخوض في ذلك ثم قال أين السائل ؟ فجاء فقال الاستواء معلوم والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وفي رواية الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة الاستواء معلوم يعني معلوم في اللغة العربية معناه الاستقرار والصعود والعلو والارتفاع فله أربعة معاني استقر وعلا وصعد وارتفع هذا معناه وعلى هذه المعاني الأربع تدور تفاسير السلف في الاستواء أما الكيف غير معقول يعني لا يعقل كيفية استواء الرب هذا مجهول أما معنى الاستواء معلوم ثم قال والإيمان به واجب الإيمان بالاستواء واجب لأن الله وصف به نفسه والسؤال عنه بدعة المؤلف يريد سؤال الكيفية وهذا كلام عظيم للإمام مالك تلقته الأمة بالقبول يقال هذا في جميع الصفات إذا قال قائل في الحديث يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر فيدخلان الجنة يضحك الله ما معنى الضحك فيقال له الضحك معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة إذا قال شخص ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا ما كيفية النزول؟ نقول النزول معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فهذا في جميع الصفات العلماء تلقوا هذه المقالة من الإمام مالك بالقبول وروي هذا الجواب عن ربيعة شيخ الإمام مالك أنه قال هذا وروي عن أم سلمة أيضا رضي الله عنها لكن رواية أم سلمة فيها ضعف ولهذا فإن هذا الجواب يقال في جميع الصفات .

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

وهذا الجواب يقال في جميع الصفات ، لأنه يجمع الإثبات والتنزيه.
ويدخل في الإيمان بالله ومعرفته : الإيمان بربوبيته العامة الشاملة لجميع الخلق والتكوين ، وقيوميته العامة الشاملة لجميع التدبير والتسخير والتمكين ، فالمخلوقات بأسرها مفتقرة إلى الله في قيامها وبقائها ، وحركاتها وسكناتها ، وأرزاقها وأفعالها ، كما هي مفتقرة إليه في خلقها وإنشائها وإبداعها . قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۝ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ۝ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ  .

(الشرح)
يقول المؤلف رحمه الله :

هذا الجواب من الإمام مالك يقال في جميع الصفات كما سبق يعني ليس خاصا بالاستواء من سأل عن النزول يقال له مثل جواب الإمام مالك من سأل عن العلم يقال له مثل جواب الإمام مالك من سأل عن السمع وهو السميع البصير كيف السمع يقال السمع معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة العلم معلوم أنه ضد الجهل السمع ضد الصمم معروف هذا معناه في اللغة العربية أما سمع الله وعلم الله فهذا مجهول الكيفية والإيمان واجب لأنه ورد جاء به النص والسؤال عنه بدعه لأن هذا خلاف قول السلف ولهذا قال المؤلف وهذا الجواب يقال في جميع الصفات لأنه يجمع الإثبات والتنزيه يجمع الإثبات للصفات والتنزيه تنزيه الله عن مشابهة المخلوقات هذا الجواب جواب الإمام مالك يجمع بين الإثبات والتنزيه.

ثم قال المؤلف ويدخل في الإيمان بالله ومعرفته الإيمان بربوبيته العامة الشاملة لجميع الخلق والإيمان بقيوميته يعني يدخل في الإيمان بالله ومعرفته يعني من الإيمان بالله ومن معرفة الله أن تؤمن بمعرفة الله وربوبيته وأن تؤمن بقيوميته الإيمان بربوبيته يعني بأن ربوبية الله عامة شاملة لجميع الخلق كما قال: وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ  رب السماوات ورب الأرضين ورب البحار ورب الأشجار ورب كل شيء عامة ثابتة رب السماوات والأرض ومن فيهن بخلاف الاستواء ،الاستواء ما يقال أن الاستواء عام انه استوى عل كل شيء الاستواء خاص بالعرش والعلو عام فهو علو عام على جميع المخلوقات علو الله على جميع المخلوقات وربوبية الله على جميع المخلوقات وأما الاستواء فهو خاص على العرش لأنه علو خاص قال استوى على العرش فلا يقال استوى على الأرض ولا يقال استوى على البحر ولا يقال استوى على الشجر الاستواء خاص بالعرش علو خاص، وأما العلو فهو شامل  لجميع مخلوقات والاستواء علو خاص.

فيدخل في الإيمان بالله ومعرفته الإيمان بربوبية الله العامة الشاملة لجميع الخلق والتكوين تؤمن بأن الله  رب كل شيء هو رب كل شيء ومالك كل شيء ومكون كل شيء فربوبية الله يدخل في الإيمان بالله ومعرفته الإيمان بربوبية الله العامة الشاملة لجميع الخلق كل الخلق مربوبين لله كل الخلق خلقهم الله وكونهم وأوجدهم.

ويدخل في الإيمان بالله ومعرفته الإيمان بقيومية الله العامة والقيومية العامة تشمل التدبير وأن الله  مدبر لهذا الكون ليس معه شريك وهو خالق لهذا الكون هو الذي أوجدهم وهو الذي خلقهم ورزقهم هو الذي يميتهم هو الذي يحييهم هو الذي ينزل عليهم المطر ويسبب الأسباب القيومية العامة الشاملة لجميع التدبير والتسخير والتمكين فليس هناك مدبر مع الله بل هو المدبر وهو المسخر سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض سخر لنا ما في السماوات من قمر وشمس ونجوم ننعم بها وهو المدبر وهو المسخر الذي مكننا من الأرض جعلها ممهدة نزرع عليها ونحرثها ونسافر عليها سخر الحيوانات لنا من تسخيره  أن الجمل عظيم الخلقة يقوده الطفل ويذهب به حيث يشاء هذا من تسخير الله فهذا من قيومته العامة الشاملة لجميع التدبير والتسخير والتمكين.

ومن ذلك أن المخلوقات قائمة بالله وباقية بالله لولا الله ما قامت ولا بقيت من الذي أقامها هو الله من الذي يبقيها هو الله من الذي يحركها هو الله من الذي يسكنها هو الله إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا   من الذي يرزق هذه المخلوقات الله من الذي يجعلها تفعل وتتحرك ويخلق أفعالها هو الله فهي مفتقرة إلى الله بأسرها مفتقرة إلى الله في بقائها ومفتقرة إلى الله في قيامها ومفتقرة إلى الله في حياتها ومفتقرة إلى الله في سكناتها ومفتقرة إلى الله في أرزاقها ومفتقرة إلى الله في أفعالها كما أنها مفتقرة إليه في خلقها وإنشائها وإبداعها في ربوبية الله العامة كما أنها مفتقرة إلى الله في الخلق والإنشاء والإبداع هي مفتقرة إلى الله في القيام والبقاء والحركات والسكنات والأرزاق والأفعال.

ثم ذكر المؤلف رحمه الله تعالى قال : قال الله تعالى :  يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ  فالناس فقراء إلى الله مفتقرون إلى الله في خلقهم وإنشائهم وإبداعهم وأفعالهم وأرزقاهم قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ۝ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ۝ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ   إن شاء أذهبكم وأتى بخلق جديد وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ  ليس ذلك بصعب ولا شاق عليه بل هو قادر عليه .

(المتن)

قال المؤلف رحمه الله تعالى :

ويدخل في الإيمان : إيمان العبد بتوحيد الإلهية ، الذي تضمنته شهادة الإخلاص (لا إله إلا الله ) فقد تضمنت نفي استحقاق العبادة بجميع الأنواع عما سواه ، من كل مخلوق ومربوب وأثبتت ذلك على وجه الكمال الواجب والمستحب لله . فلا شريك له في فرد من أفراد العبادة ، إذ هو الإله الحق المستقل بالربوبية والملك والعز ، والغنى والبقاء . وما سواه فقير ومربوب ومعبد خاضع له ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا . فعبادة أحد سواه تعالى أظلم الظلم , وأسفه السفه . والقرآن كله راد على من هدم توحيد الإلهية والعبادة . فأشرك مع الله غيره ، في أي نوع من هذه العبادة ، مبطل لمذهب جميع أهل الشرك والتنديد ، آمراً وحاضاً ومرغباً في إسلام الوجه لله وحده ، والإنابة إليه ، والتوكل عليه ، والتبتل له في عبادته، ولفظ (العبادة ) في أصل اللغة : لمطلق الذل والخضوع .

(الشرح)

قال المؤلف رحمه الله : إنه يدخل في الإيمان بالله إيمان العبد في توحيد الإلوهية الإيمان إذا أطلق يشمل الإيمان بربوبية الله والإيمان بأسماء الله وصفاته والإيمان بإلوهيته ووحدانيته فيشمل توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الإلوهية فالمؤمن هو الذي وحد الله في ربوبيته ووحد الله في أسمائه وصفاته ووحد الله في ألوهيته وعبادته فمن لم يوحد الله في نوع من هذه الأنواع فليس بمؤمن هذا الإيمان المطلق الإيمان المطلق يشمل توحيد الله في ربوبيته وتوحيد الله في أسمائه وصفاته وتوحيد الله في عبادته وألوهيته ولهذا قال المؤلف ويدخل في الإيمان إيمان العبد بتوحيد الألوهية الذي تضمنته شهادة الإخلاص لا إله إلا الله فإن معناها لا معبود بحق إلا الله هذه الكلمة كلمة عظيمة أفضل كلمة وأعظم كلمة تكلم بها الأولون والآخرون هي هذه الكلمة بعد القرآن أفضل الكلام بعد القرآن كلمة لا إله إلا الله أفضل الكلام كلام الله القرآن ويأتي بعده أفضل ما تكلم به الناس كلمة التوحيد وفي الحديث أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له فكلمة التوحيد داخلة في الإيمان.

وكلمة التوحيد مشتملة على أمرين مشتملة على نفي واثبات وبها يتم توحيد العبادة بهذين الأصلين الأصل الأول النفي هو أن تنفي جميع أنواع العبادة عن غير الله وهذا هو الكفر بالطاغوت الكفر بالطاغوت هي البراءة من كل معبود سوى الله بأن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتنكرها وتبغضها وتكفر أهلها وتعاديهم "لا إله" هذا هو الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله هو الأصل الثاني هو أن توحد الله وتعبده سبحانه دون ما سواه فليس هناك توحيد إلا بأمرين نفي وإثبات النفي هذا هو الكفر بالطاغوت والإثبات هو الإيمان بالله قال :  فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ولهذا قال المؤلف ويدخل في الإيمان إيمان العبد بتوحيد الإلهية الذي تضمنته شهادة الإخلاص لا إله إلا الله فقد تضمنت يعني هذه الكلمة نفي  استحقاق العبادة جميعها عما سواه هذا هو الشطر الأول هو صدرها تضمنت نفي استحقاق العبادة بجميع أنواعها عما سواه وهو قولك لا إله فهذا هو الكفر بالطاغوت تضمنت نفي نفسها يعني لا إله يعني لا يستحق العبادة في جميع أنواعها من سوى الله هذا معنى لا إله وهذا هو الكفر بالطاغوت من كل مخلوق ومربوب وأثبتت ذلك على وجه الكمال الواجب والمستحب في قول إلا الله نفت استحقاق العبادة من جميع أنواعها من كل مخلوق ومربوب في قولك لا إله وأثبتت ذلك أثبتت استحقاق العبادة لله  على وجه الكمال الواجب والمستحب لله في قوله إلا الله هذه كلمة التوحيد مشتملة على نفي وإثبات وكفر وإيمان وليس هنا إيمان إلا بتوحيد وكفر بالطاغوت والإيمان بالله الكفر بالطاغوت لا إله الإيمان بالله إلا الله.

ولهذا قال المؤلف فلا شريك له في فرد من إفراد العبادة كل فرد من إفراد العبادة الصلاة فرض فمن تركها كفر الدعاء فرض الذبح فرض النذر فرض الطواف بالبيت فرض الرغبة فرض الرهبة فرض الرجاء فرض الخوف فرض التوكل فرض جميع أنواع العبادة كلها لله لا شريك له في فرد من إفراد العبادة لأنه  هو الله الحق قال إذ هو الإله الحق يعني المعبود الحق سبحانه المستقل بالربوبية والملك والعز والغنى والبقاء مستقل يعني وحده مستقل بالربوبية ليس له شريك في الربوبية هو الرب وليس له شريك في الملك هو المالك وليس له شريك في العز وليس له شريك في الغنى وليس له شريك في البقاء وما سواه ما سواه قال المؤلف فقير ومربوب ومعبد خاضع لله ما سوى الله فقير ومربوب ومعبد خاضع لله وهذا وصف جميع المخلوقات جميع المخلوقات هذا وصفها كل ما سوى الله من آدميين ومن ملائكة ومن جن أو السماوات أو الأرضين أو البحار أو النفوس أو غيرها كل منها فقير ومربوب ومعبد خاضع لله لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ومن عبد غير الله ما حكمه مشرك ويسمى ظالم أظلم  الظلم معناه وضع الشيء في غير موضعه والمشرك وضع العبادة في غير موضعها العبادة حق الله فوضعها وعبد بها المخلوق فوقع في الظلم في أعظم الظلم أعظم الظلم وأظلم الظلم هو الشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم فمن عبد غير الله فقد وقع في أظلم الظلم أسفه السفه فالمشرك أظلم الناس وأسفه الناس حيث وضع العبادة في غير موضعها فعبادة أحد سواه أظلم الظلم وأسفه السفه.

والقرآن كله راد على من هدم توحيد الإلهية والعبادة و أشرك مع الله غيره في أي نوع من هذه العبادة القرآن يرد على من أشرك مع الله غيره وهدم توحيد العبادة من عبد غير الله فقد هدم توحيد الإلهية والعبادة من ذبح لغير الله فقد هدم توحيد العبادة وأشرك مع الله فمن طاف بغير بيت الله فقد تقرب بالعبادة لغير الله فأشرك من صلى لغير الله فقد هدم توحيد العبادة وأشرك مع الله غيره والقرآن كله راد على من هدم توحيد الإلهية والعبادة لا تشرك مع الله غيره في أي نوع من هذه العبادة مبطل لجميع مذهب أهل الشرك والتنديد يعني القرآن يهدم القرآن يرد على من هدم التوحيد ويبطل مذهب جميع أهل الشرك والتنديد والقرآن يحض ويرغب في إسلام الوجه لله وإسلام الوجه لله يعني إخلاص العمل لله بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ  يعني يخلص عمله لله بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعني من أخلص وجهه لله فالقرآن كله يرد على من هدم التوحيد بالشرك مع الله بأي نوع من هذه العبادة وهو مبطل لجميع مذهب أهل الشرك والتنديد وهو الآمر والحاض والمرغب في إسلام الوجه لله والإنابة إليه يعني الرجوع إليه والتوكل عليه يعني الاعتماد عليه وتفويض الأمر إليه في جميع الأمور والتمثل له في أن تطاع له في العبادة .


-[1] أبوداود (3664) ابن ماجه (252)

-[2] البخاري( 9) مسلم( 162 )

[3]- البخاري( 9 )

[4]- مسلم ( 162)

-[5] البخاري( 1145) مسلم ( 1808 )

-[6] الترمذي ( 3603 )

[7]- البخاري( 1145) مسلم ( 1808 )

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد