شعار الموقع

شرح كتاب أربع قواعد تدور الأحكام عليها_1

00:00
00:00
تحميل
12

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.

ففي هذه الجلسة إن شاء الله، والجلسة التي بعدها يوم غد إن شاء الله بعد الفجر نتكلم على ما يفتح الله به على رسالة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله المسماة أربع قواعد من قواعد الدين الذي تدور الأحكام عليها.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين، قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: (هذه أربع قواعد من قواعد الدين التي تدور الأحكام عليها، وهي من أعظم ما أنعم الله تعالى به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته، حيث جعل دينهم دينًا كاملاً وافيًا أكمل وأكثر علمًا من جميع الأديان، ومع ذلك جمعه لهم سبحانه وتعالى في ألفاظ قليلة، وهذا مما ينبغي التفطن له قبل معرفة القواعد الأربع، وهو أن تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر لنا ما خصه الله به على الرسل، يريد منا أن نعرف نعمة الله ونشكرها، قال: لما ذكر الخصائص "وأعطيت جوامع الكلم").

قال إمام الحجاز محمد بن شهاب الزهري: معناه أن الله يجمع له المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة)

بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد.

قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: (هذه أربع قواعد من قواعد الدين التي تدور الأحكام عليها، وهي من أعظم ما أنعم الله تعالى به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته) أربع قواعد الدين تدور الأحكام عليها؛ لأن هذه الشريعة شريعة كاملة وصالحة لكل زمان ومكان، ولا يمكن أن يأتي أمر من أمور الدنيا والآخرة إلا وفي الإسلام له حكم بعد بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم له في القرآن أو في السنة حكم.

قال الله تعالى عن كتابه المبين: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89]، فالقرآن فيه تبيان لكل شيء، والسنة كذلك أعطي النبي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، وهناك قواعد تدور الأحكام عليها، هناك قواعد كلية تدخل تحتها مسائل وجزئيات كثيرة، فالقرآن والسنة لم ينص فيه على كل مسألة، كل جزئية تقع من الآن إلى يوم القيامة، لا الجزئيات والمسائل ما تنحصر أعدادها وأفرادها، ولكن الله سبحانه وتعالى من فضله ومنته ونعمته على عباده أن جعل كتابه وسنة نبيه فيها قواعد، قواعد عامة تدخل تحتها جزئيات ومسائل إلى يوم القيامة، ما تأتي مسألة ولا جزئية من حين بعث الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة إلا ويوجد لها حكم في القرآن وفي السنة، توجد هذه المسألة داخلة تحت قاعدة من القواعد، تكون هذه المسألة وهذه الجزئية التي وقعت داخلة تحت قاعدة من قواعد الدين التي جاءت في الكتاب وفي السنة.

وهذا من نعمة الله على عباده وهذا فيه بيان يسر الشريعة وكمال الشريعة وعموم الشريعة وصلاحيتها لكل زمان ومكان، فالشريعة عامة وصالحة لكل زمان ومكان، والشريعة شريعة يسر ورحمة، قال عليه الصلاة والسلام: "بعثت بالحنيفية السمحة" كل مسألة تجد من الآن من بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة لابد أن تدخل تحت قاعدة من قواعد الدين وقواعد الحلال والحرام، القواعد في الأخلاق وفي الآداب، وهذا لأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان؛ ولأن الشريعة كاملة؛ ولأن الشريعة فيها يسر وسهولة، قال الله تعالى في كتابه العظيم: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185]، وقال سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، وقال سبحانه:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].

فهذه القواعد الأربع كلها تدل على الذي ذكره الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، كلها قواعد تدخل تحتها جزئيات ومسائل، ويتبين في هذه القواعد اجتهادات أهل العلم وتفاوتهم في الاجتهاد والفقه والاستنباط كلهم مرجعهم الكتاب والسنة، ولكن الله تعالى فاوت بين االأفهام، فاوت بين العلوم، فالحديث الواحد هذا الحديث الواحد هذا العالم يستنبط منه ستة أحكام أو ست مسائل، ويأتي عالم آخر ويستنبط عشرة، ويأتي عالم آخر ويستنبط عشرين، ويأتي عالم آخر ويستنبط ثلاثين وعالم يستنبط خمسين وهو واحد، حديث واحد، فالله فاوت بين عباده في العلوم والأفهام والاستدراك وقوة الاستنباط والفهم.

وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه إلى عباده، بفضله ومنته على عباده، فيقول المؤلف رحمه الله: (هذه أربع قواعد من قواعد الدين التي تدور الأحكام عليها) الأحكام المراد الأحكام التكليفية، أحكام الحلال والحرام، الوجوب والتحريم والندب والاستحباب والإباحة، الوجوب الواجب والحرام والمباح والمسنون والمكروه، هذه الأحكام الخمسة، هذه القواعد تدور الأحكام عليها كلها، هذه القواعد تدور الأحكام الخمسة على هذه القواعد، كلها ترجع إلى هذه القواعد الأربع، أحكام الوجوب الأمور الواجبة والأمور المحرمة والأمور المستحبة والأمور المكروهة والأمور المباحة، تدور هذه الأحكام على هذه القواعد الأربع التي سيذكر المؤلف، وهذه القواعد الأربع كما سيبين المؤلف بعضها أحاديث، وبعضها مستنبط من الأحاديث.

مثلاً السواك، السواك له فوائد، استنبط بعض العلماء منه فوائد كثيرة، والذكر له فوائد بعضهم يستنبط من السواك فوائد، مثلاً عشر فوائد أو عشرين فائدة أو يزيد إلى مائة فائدة، وكذلك فوائد الذكر وهكذا؛ لأن الله فاوت بين عباده، والمرجع واحد، مرجعي ومرجعك واحد الحديث، لكن أنا أستنبط من الحديث مثلاً فوائد وأنت تستنبط فوائد، والثاني يستنبط فوائد، هذا يستنبط على حسب ما أعطاه الله، هذا يستنبط عشر، وهذا يستنبط عشرين، وهذا يستنبط فائدة، وهذا ما يستفيد إلا فائدة واحدة.

لما قيل لعي بن أبي طالب رضي الله عنه هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء يا أهل البيت؟ قال: لا لم يخصنا بشيء، ليس عندنا شيء  إلا ما في كتاب الله وما في هذه الصحيفة كان فيها سنن الإبل والعقل وفكاك الأسرى إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في كتاب الله، إلا فهم ما في عندنا شيء، عندنا القرآن وعندنا السنة وعندنا ما عند الناس، وليس عندنا شيء خاص إلا الفهم الذي يعطيه الله لمن شاء من عباده المؤمنين، يخص الله هذا بفهم فيفهم من هذا الحديث ويستنبط مائة فائدة، والثاني ما يستطيع يستنبط إلا عشر، وواحد ما يستطيع يستنبط إلا فائدة، والحديث واحد ولكن الله فاوت بين عباده ولا بأس.

هذه أربع قواعد من قواعد الدين التي تدور عليها الأحكام، أحكام الوجوب والتحريم والاستحباب والكراهة والإباحة، (وهي من أعظم ما أنعم الله به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته حيث جعل دينهم كاملاً وافيًا أكمل وأكثر علمًا من جميع الأديان) إذًا هذا الدين دين الإسلام والإسلام بمعناه الخاص الذي بعث الله به محمد صلى الله عليه وسلم ليس عليه إلا أمة، وهي شريعة الإسلام المتضمنة العمل بالقرآن ليس عليها إلا محمد وأمته.

أما الإسلام بمعناه العام هو دين الأنبياء جميعًا، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19] وهو توحيد الله والنهي عن الشرك وطاعة كل نبي في زمنه، هذا دين الإسلام، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}، دين الله في الأرض والسماء واحد، دين الأنبياء جميعًا، {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85] ، فدين الإسلام هو دين نوح ودين هود ودين صالح ودين شعيب، ودين إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد، كلهم دينهم الإسلام وهو توحيد الله والتحذير من الشرك، وطاعة كل نبي في زمانه، فالإسلام في زمن آدم توحيد الله وطاعة آدم فيما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن نوح توحيد الله وطاعة نوح فيما جاء به من الشريعة والعمل بشريعته، والإسلام في زمن هود توحيد الله وطاعة هود فيما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن إبراهيم توحيد الله وطاعة إبراهيم فيما جاء ب من الشريعة، والإسلام في زمن موسى توحيد الله وطاعة موسى فيما جاء به من الشريعة، والإسلام في زمن موسى توحيد الله وطاعة عيسى فيما جاء به من شريعة الإنجيل.

فلما بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالشريعة الخاتمة صار الإسلام بمعناه الخاص وهو شريعة القرآن المتضمنة للعمل بالقرآن التي عليها محمد وأمته، وليس عليها أحدٌ غيرهم، فالإسلام بمعناه الخاص هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من الشريعة الخاتمة، والإسلام بمعناه العام هو دين الأنبياء جميعًا وهو توحيد الله وطاعة كل نبي فيما جاء به من الشريعة.

وهذه الأمة المحمدية شريعتها أكمل الشرائع وأسهلها وأيسرها؛ لأن دين الأنبياء واحد كما في الحديث "نحن معشر الأنبياء أخوة لعلات، ديننا واحد وأمهات شتى" الدين واحد، والأخوة لعلات هم الأخوة من الأب، الأب واحد والأمهات متعددة، فالأب يمثل الدين والأمهات تمثل الشرائع، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:48]، فالشرائع تختلف الحلال والحرام والأوامر والنواهي من، لكن الدين واحد وهو التوحيد، ففي شريعة مثلاً آدم كانت حواء تأتي بولد وأنثى في كل بطن، والإنسان يتزوج أخته التي ليست معه في بطن واحد، والتي معه في بطن واحد حرامٌ عليه، تحرم عليه؛ لأن الناس ما في ناس حتى تكاثر الناس، يتزوج الإنسان أخته التي في بطن سابق أو بطن لاحق، أما التي معه في بطن واحد حرامٌ عليه في شريعة آدم، مباح زواج الأخت، فلما كثر الناس حرم الله زواج الأخت.

في شريعة يعقوب يجوز الجمع بين الأختين، يجمع بين الأختين، في شريعة التوراة يجب القصاص وقتل القاتل، وليس هناك عفو ولا سماح ولا دية، وفي شريعة التوراة فيه العفو والسماح وليس هناك قتل، ولهذا يقال في شريعة الإنجيل: من ضربك على خدك الأيمن، فأدر له الأيسر، تسامح، وفي شريعتنا، شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يخير ولي القتيل بين القصاص وبين الدية وبين العفو أكمل الشرائع.

تختلف الشرائع،{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}، لكن الدين واحد وهو التوحيد، وطاعة النبي فيما جاء به من الشريعة، وهذه الشريعة أكمل الشرائع، قال المؤلف: (حيث جعل دينهم دينًا كاملاً وافيًا أكمل وأكثر علمًا من جميع الأديان) أكمل من شريعة التوراة وأكمل من شريعة الإنجيل، وأكمل من الشرائع التي جاء بها نوح وهود وصالح، (حيث جعل دينهم دينًا كاملاً وافيًا أكمل وأكثر علمًا من جميع الأديان ومع ذلك جمعه لهم سبحانه وتعالى في ألفاظ قليلة) هذه القواعد، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "وأعطيت جوامع الكلم" ومثل قوله صلى الله عليه وسلم "إن الحلال بين والحرام بين"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" اتق الله حيثما كنت عام، حيثما كنت وحدك أو مع الناس، في بيتك، في المسجد، في طائرة في السيارة، في المكتب، في السوق، في الشارع، في كل مكان، عام، اتق الله حيثما، حيث ظرف مكان، هذا من جوامع لكلم الذي أوتيها عليه الصلاة والسلام.

(حيث جعل دينهم دينًا كاملاً وافيًا أكمل وأكثر علمًا من جميع الأديان ومع ذلك جمعه لهم سبحانه وتعالى في ألفاظ قليلة) لفظ قليل "اتق الله حيثما كنت" لو أردت أن تفسر الأمكنة تكتب شيء كثير، في كل مكان اتق الله، وأنت في الجو وأنت في البر وأنت في البحر، وأنت في البيت، وأنت في الشارع، وأنت في المكتب، وأنت في المدرسة وأنت وحدك، مع أهلك، وأنت في أي مكان عليك أن تتق الله، هذا من جوامع الكلم.

(ومع ذلك جمعه لهم سبحانه وتعالى في ألفاظ قليلة) قال المؤلف: (وهذا مما ينبغي التفطن له) قبل معرفة القواعد الأربع تتفطن وتتأمل وتعلم أن الله أنعم على هذه الأمة بأن جعل دينهم دينًا كاملاً وافيًا أكمل وأكثر علمًا من جميع الأديان وأن الله جمعه لهم في ألفاظ قليلة.

قال: (وهو أن تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر لنا ما خصه الله به على الرسل، يريد منا أن نعرف نعمة الله ونشكرها، قال: لما ذكر الخصائص "وأعطيت جوامع الكلم") النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت الأرض لي مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل أدركته الصلاة من أمتي فليصلي" وفي لفظ: "فعنده مسجده وطهوره" "وأحلت لي الغنائم لم تحل لأحد قبلي، وكان النبي يبعث إلى قومه عامة وبعثت إلى الناس خاصة" وفي الحديث الآخر: "أعطيت ستًا"  وذكر منها "وأعطيت جوامع الكلم"، لما ذكر من الخصائص قال: "وأعطيت جوامع الكلم" يعني تجمع له المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة.

يقول المؤلف: (وهو أن تعلم قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر لنا ما خصه الله به على الرسل، يريد منا أن نعرف نعمة الله ونشكرها، قال: لما ذكر الخصائص "وأعطيت جوامع الكلم") إيش معنى جوامع الكلم؟ (قال إمام الحجاز محمد بن شهاب الزهري: معناه أن الله يجمع له المعاني الكثيرة في ألفاظ قليلة) لفظ قليل، من جوامع الكلم قول الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة:179]  القصاص حياة، القصاص ما معناه؟ القصاص قتل القاتل بمثل ما قتل به، إذا قتل شخص شخصًا بسكين نقتله بسكين، إذا قتل بألقاه من شاهق نلقيه من شاهق، بمثل ما قتل به، إذا قتل بالخنق نقتل بالخنق، إذا قتل بالسم نحسي بالسم، هذا معنى القصاص.

معنى القصاص قتل القاتل بمثل ما قتل به، والله يقول القصاص حياة؛ لأن قتل القاتل بمثل ما قتل به حياة؛ لأن القاتل إذا علم أنه سيقتل بمثل ما قتل به كف عن القتل فسلمت نفسه وسلمت نفس من يقتله، القصاص حياة هذا من جوامع الكلم.

هناك مثل من أمثال العرب قبل نزول القرآن يقولون: القتل أنفى للقتل، قال العلماء: قول الله القصاص حياة أبلغ من قولهم القتل أنفى للقتل، يقولون: القتل أنفى للقتل، يعني إذا قتلته يكون سببًا في أنه ينفي القتل، إذا قتلته ينفي القتل في المستقبل، لكن قال: القتل أنفى للقتل إذا كان قصاص نعم، وإذا ما كان قصاص ما يكون أنفى للقتل وأكثر، فقول الله: القصاص حياة أبلغ، القصاص قتل القاتل الذي قتل أبلغ من قوله القتل أنفى للقتل، ثم القصاص حياة كلمات قصيرة ألفاظ قلقلة، أقصر من قوله: القتل أنفى، فهذا من جوامع الكلم القصاص حياة.

قال الإمام رحمه الله: (القاعدة الأولى تحريم القول على الله بلا علم لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} إلى قوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]).

نعم هذه القاعدة الأولى تحريم القول على الله بلا علم، معناه لا يجوز للإنسان أن يقول على الله بلا علم، فيقول مثلاً: حرم الله كذا أو أباح كذا أو أوجب كذا أو كره كذا أو سن كذا إلا بعلم، الدليل لقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، جعل القول على الله بلا علم فوق الشرك، انظر للآية {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} الفواحش الكبائر العظيمة، عظم فحشه، {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} الأشياء قسمان شيء ظاهر وشيء باطن، شيء ظاهر مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر والشيء الباطن مثل أعمال القلوب الخبيثة كالحسد والحقد والبغضاء وغير ذلك،{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ} عموم المعاصي، {وَالْبَغْيَ} العدوان على الناس في دمائهم وأموالهم، {وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ} الشرك، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} خمسة جعل القول على الله بلا علم فوق الشرك لماذا؟ لأن القول على الله بلا علم يشمل الشرك وغيره.

 فالذي يقول على الله إن الله حرم وهو لم يحرم أو يقول: إن الله أباح كذا وهو لم يعلم ما عنده دليل، يتقول على الله، يقول: إن الله أباح كذا ذنبه عظيم هذا، ومعناه يتقول على الله يقول على الله ما لم يقل، يفتي ومن هنا يتبين خطورة الفتوى، المفتي يوقع عن الله عز وجل، فإذا سئل وقال: هذا حلال أو هذا حرام معناه أنه يفتي وينقل الفتوى من كلام الله وكلام رسوله، فإذا لم يكن متأكدًا فإن إثمه عظيم قال الله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فوق الشرك بالله؛ لأنه يشمل الشرك ويشمل غيره، فالقول على الله من أعظم الذنوب.

القاعدة الأولى: تحريم القول على الله بلا علم، وهؤلاء الذين يتسرعون في الفتاوى ويفتون في القنوات الفضائية أو في الصحف أو في الإذاعات أو في المجلات لاشك أنهم سلكوا مسلكًا خطيرًا إذا لم يكونوا مؤهلين ولم يكن عندهم العلم والبصيرة ، القاعدة الأولى: تحريم القول على الله بلا علم، العلم ما هو؟ الكتاب والسنة، تقول قال الله كذا والدليل كذا، يحرم كذا والدليل كذا، الدليل قول الله وقول الرسول، يجوز كذا الدليل قول الله وقول الرسول، يسن كذا الدليل قول الله وقول الرسول، يباح كذا الدليل قول الله وقول الرسول يكره كذا الدليل قول الله وقول الرسول، هذا العلم، العلم من أين يؤخذ العلم؟ من كلام الله وكلام رسوله، العلم هو كلام الله كتاب الله وسنة رسوله، الدليل من الكتاب والسنة هو العلم.

فيحرم على الإنسان أن يقول على الله أنه أباح كذا أو حرم كذا أو أوجب كذا أو سن كذا أو كره كذا إلا بعلم وبدليل من الكتاب والسنة، الدليل قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، خمسة أشياء حرمها الله بدأ بأقلها حتى وصل إلى الأعلى وهو القول على الله بلا علم، فجعله فوق الشرك بالله.

 وفي الآية الأخرى جعل الله القول على الله بلا علم إرادة الشيطان في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:168-169] فجعل القول على الله من إرادة الشيطان، جعله من أمر الشيطان القول على الله بلا علم، هنا جعله من المحرمات فوق المحرمات، وهنا جعله من أمر الشيطان { إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} هاتان الآيتان هما الدليل على هذه القاعدة.

قال رحمه الله: (القاعدة الثانية أن كل شيء سكت عنه الشرع فهو عفو، لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، فلا تسألوا عنها").

القاعدة الثانية أن كل شيء سكت عنه الشارع فهو عفو، والشارع يطلق، الشارع يعني المشرع، والمشرع هو الله، ويطلق على الرسول مشرع؛ لأنه يشرع بوحي من الله، ما سكت عنه الشارع يعني ما سكت عنه الشارع في الكتاب والسنة فهو عفو، لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه، الشيء المسكوت عنه ما في الكتاب والسنة أنه حرام ولا واجب ولا مستحب، مسكوت عنه.

فهذه القاعدة تقول: لا يجوز لأحد أن يقول هذا حرام ولا حلال ولا مستحب ولا مكروه ولا واجب، المؤلف ذكر الحرمة والوجوب والاستحباب والكراهة والإباحة، الإباحة يكون عليها يكون مباح، الأحكام الخمسة أن كل شيء سكت عنه الشارع فهو عفو، إيش معنى عفو؟ معفوٌ عنه، مباح، عفو مباح، فهو مباح لا يحل لأحد أن يحرمه ويقول: حرام أو يوجبه ويقول: هذا واجب أو يستحبه ويقول: هذا مستحب أو يقول: هذا مكروه؛ لأنه مسكوت عنه ما تكلم فيه الشارع، ما تكلم فيه ما جاء في الكتاب ولا في السنة أنه حرام ولا واجب ولا مستحب ولا مكروه، إذًا يبقى على الإباحة.

أن كل شيء سكت عنه الشارع فهو العفو لا يحل لأحد أن يحرمه أو يوجبه أو يستحبه أو يكرهه، الدليل؟ ذكر المؤلف دليلان لهذه القاعدة، الدليل الأول من الكتاب والدليل الثاني من السنة، الدليل الأول من الكتاب لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}، والدليل الثاني من السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها وسكت عن رحمة بكم غير نسيان، فلا تسلوا عنها" والشاهد وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان، والله تعالى منزه عن النسيان، {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى} [طه:52]، سكت عنها تخفيفًا من الله، وسكت عن رحمة بكم غير نسيان، فلا تسلوا عنها.

هاتان قاعدتان لكل منهما دليل، دليل واضح من الكتاب والسنة، والقاعدتان اللتان يأتيان بعدهما استنبط المؤلف رحمه الله، استنبطهما من النصوص، نعم القاعدة الثالثة.

قال الإمام رحمه الله: (القاعدة الثالثة أن ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ مشابه هو طريق أهل الزيغ كالرافضة والخوارج، قال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7]، والواجب على المسلم إتباع المحكم وإن عرف معنى المتشابه ووجده لا يخالف المحكم بل يوافقه، وإلا فالواجب عليه إتباع الراسخين في قولهم: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}).

القاعدة الثالثة: أن ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه هو طريق أهل الزيغ والانحراف كالرافضة والخوارج يترك الدليل الواضح ويأخذ الدليل المشتبه المشكل، عندنا دليلان دليل واضح ودليل مشتبه فيه إشكال، فأهل الحق يأخذ بالدليل الواضح ويرد المتشابه إلى المحكم ويفسره به فيتفقان، وأما أهل الزيغ والانحراف يأخذ بالدليل المشتبه، ويترك الدليل الواضح، هذه قاعدة أن أخذ الدليل المشتبه وترك الدليل الواضح علامةٌ على الزيغ والانحراف، وهذه طريقة الروافض والخوارج وغيرهم من أهل البدع يستدل على بدعته بالدليل المشتبه، ويترك الدليل الواضح.

وأما أهل الحق فإنهم يأخذون الدليل الواضح، ويردون المتشابه إليه ويفسرونه به فيتفقان، هذا المشتبه أرده إلى المحكم وتبين معناه، واضح هذا، الدليل قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [آل عمران:7].

بين الله تعالى أن القرآن منه محكم ومنه متشابه، وأن الذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ويتركون المحكم { مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}، وأن الراسخون في العلم إذا لم يظهر لهم المعنى يقولون: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، وثبت في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله، فاحذروهم" سمى الله في هذه الآية: { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}.

المؤلف الشيخ الإمام يقول: (والواجب على المسلم إتباع المحكم) المحكم الواضح المعنى، والمتشابه الذي لا يتضح معناه، ما هو المحكم؟ الدليل واضح المعنى، والمتشابه الدليل الذي لا يتضح معناه، قال المؤلف: (والواجب على المسلم إتباع المحكم) يعني الدليل واضح المعنى، (وإن عرف معنى المتشابه وجده لا يخالف المحكم بل يوافقه) يعني إذا رد المتشابه إلى المحكم وجده لا يخالفه بل يوافقه، فإن لم يتبين له ماذا يجب عليه؟ (، وإلا فالواجب عليه إتباع الراسخين في قولهم:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}).

إذًا أهل الحق إذا كان عندهم دليلان مشتبه ومحكم، يأخذ بالمحكم الواضح المعنى ويرد المتشابه إليه ويفسره به، فإن لم يتبين له عمل بالمحكم وقال عن المتشابه:{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، أهل الزيغ طريقتهم يأخذون المتشابه المشكل المعنى، ويتركون المحكم الواضح، ولا يعملون بالمحكم، المحكم الواضح يردونه، والمتشابه يتعلقون به.

هل هناك أمثلة للمحكم والمتشابه قبل أن نأخذ القاعدة الرابعة؟ في أمثلة؟ نعم ذكر العلماء أمثلة مثلاً في القرآن إذا استدل نصراني على تعدد الآلههة، النصراني يقول: الآلهة ثلاثة الله وعيسى ومريم، تعالى الله، فيقول عندكم في القرآن آية تدل على مذهبنا التثليث، ما هي؟ قال: قول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، نحن ضمير جمع تدل على أن الآلهة متعددة الله وعيسى ومريم، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، فأهل الحق يقولون: أنت في قلبك زيغ منحرف نصراني تأخذ المتشابه، لكن عندنا محكم وهي قول الله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:163].

فأهل الحق يردون المتشابه، نحن ضمير كلمة جمع يتكلم ب الواحد الذي يعظم نفسه في لغة العرب، ويتكلم بها الواحد الذي له جنود يطيعونه ويمتثلون أمره، والله تعالى هو أعظم، وإذا كان الملوك في مراسمهم الملكية يقولون: نحن فلان الفلان أمرنا بما هو آت، وهو واحد يعظم نفسه، فالله أولى بالتعظيم، في المراسيم الملكية يقولون: نحن فلان الفلان أمرنا بما هو آت، المرسوم الملكي، والمرسوم مثلاً الجمهوري وما أشبه ذلك، فالواحد يقول: نحن يعظم نفسه، لغة العرب، فكذلك الواحد والواحد ملوك يقول: نحن أمرنا بكذا، نحن هزمنا جيش، نحن بنينا القصر والمراد أنه بجنوده الذين يساعدونه ويعينونه.

والله تعالى أولى من يعظم نفسه، هو سبحانه وتعالى له الأسماء والصفات والعظمة، وله من الجنود والملائكة الذين يطيعونه ويمتثلون أمره ما هو معلوم.

كذلك من الأمثلة أيضًا النصوص التي فيها الفوقية وعلو الله على خلقه تزيد أفرادها على ألف دليل، {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام:18]، {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى:4]، {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1]، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:54]، {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:16]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10] والصعود من أسفل إلى أعلى، {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:158] الرفع، {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ} [المعارج:4]  إلى آخره.

"أين الله؟ قالت: في السماء" هذه نصوص محكمة واضحة وعندنا نصوص المعية كقوله تعالى :{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:4]، {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]، أهل الزيغ من الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذين ينكرون علو الله على عرشه وفوقيته واستوائه على العرش أبطلوا العلو وقالوا: إن الله ليس فوق العرش بل هو مختلط بالمخلوقات، ودليلنا نصوص المعية :{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} فهو مختلط بالمخلوقات.

أين الله؟ قالوا: الله مختلط بالمخلوقات حتى قالوا: إنه في بطون السباع وفي الطيور تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، قال: وهو معكم أينما كنتم في كل مكان،{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [المجادلة:7]  إذًا هو مختلط بالمخلوقات، وأبطلوا نصوص الفوقية التي تزيد على ألف دليل، أهل الحق: قالوا كل من عند ربنا، هذا حق وهذا حق، نصوص الفوقية والعلو محكمة، ولا شك أن الله فوق العرش مستوٍ على عرشه بائن من خلقه.

وأما نصوص المعية فلا تفيد الاختلاط، المعية في لغة العرب معناها المصاحبة، مطلق المصاحبة ولا تفيد الاختلاط ولا الامتزاج ولا المحاذاة ولا المماساة، العرب إذا قلت: أنا معك يعني مصاحب لك، تقول العرب في لغتها: ما زلنا نسير والقمر معنا، والقمر فوق رأسك بعيد عنك، بينك وبينه مسافات ولا يمكن أن تمسه، ما زلنا نسير والنجم معنا، وتقول: فلان زوجته معه وهي في المشرق وهو في المغرب، إيش معنى زوجته معه؟ يعني في عصمته، ولا يلزم منذ لك أن يكون محاذيًا لها.

وبالمناسبة في فائدة يقول الأحناف على المشرقية، لو تزوج مشرقي مغربية يعني عقد عليها ثم أتت بولد بستة أشهر لألحقنا الولد به حفاظًا على الأنساب لجواز أن تكون من أهل الخطوة ولو لم يتسنى  أنه التقى بها، عندهم في زمانهم في ذلك الزمان هل يمكن أن يلتقي مشرقي بمغربي بعد ستة أشهر؟ ما يمكن، المواصلات، بعض الأئمة الذي جاء من المغرب إلى الإمام أحمد جلس سنتين، سنتين في الطريق يمشي يريد الإمام أحمد يحدثه، فلما جاء وجده مسجون، فقال: إنه لله، سنتين أمشي وأنا في الطريق الآن سفر ولما جئت مسجون ماذا أعمل؟ سلم عليه فقال مثل ما تريد، لكن كل صباح تأتي دق الباب كأنك شحات وأملي عليك حديث أو حديثين، والشاهد من هذا المسافات والمواصلات، من كان يحلم الآن بأن الإنسان يذهب إلى المشرق من المغرب في ساعات من كان يحلم بهذا، في الطائرات وكان الناس يأتون بعضهم في الحج مسافة سنتين أو ثلاث سنوات، يمشي من بلد إلى بلد ويشتغل ويعمل حتى يحصل مثلاً أجرة، وعلى الإبل وعلى الجمال وعلى البواخر وفي البحار ولا يستطيع يقطع من المشرق إلى المغرب، ما يستطيع.

فيقولون: لو تزوج مشرقي مغربية ثم أتت بولد، ألحقنا الولد به لجواز أن يكون من الخطوة، من الكرامة وأنه وصل إليها خطوة، كرامة حصلت له فاتصل بها فأتت بولد، والمقصود من هذا أن أهل الزيغ قالوا: المعية من دون اختلاط وهذا باطل، يقال: فلان زوجته معه في المشرق والمغرب وهذه معية، يعني معاه في عصمته.

ويقول القائد للجيش اذهب وأنا معكم وبينه وبين الجيش مسافات، معهم بأي شيء؟ بعنايته وإمداده واهتمامه ومراسلاته، والوالد يطلع على ابنه في الدور الرابع والخامس وابنه يصيح ويبكي فيقول: لا تبك أنا معك، فيسكت الطفل يقول: أنا معك وهو في الدور الخامس والدور السادس، هذه المعية إذًا المعية ما تفيد الاختلاط ولا تفيد الامتزاج ولا المحاذاة ولا المماسة، وإنما تفيد المصاحبة، مطلق المصاحبة، وعلى ذلك فالله تعالى مع المخلوقات وفوق العرش بذاته، معهم بعلمه وإطلاعه وإحاطته ونفوذ قدرته ومشيئته وهو فوق العرش.

هذه المعية نوعان معية عامة، ومعية خاصة مع المؤمنين ومع الرسل بنصره وتأييده وتوفيقه وتسديده وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، فلا منافاة بينها، عرفتم كيف أهل الحق جمعوا بين النصوص وأهل الباطل كيف أبطلوا النصوص بعضها ببعض.

أيضًا من الأمثلة من النصوص حجاب المرأة، كانت المرأة في الجاهلية وفي أول الإسلام تكشف وجهها مباح، ثم أوجب الله الحجاب، فأنزل {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]، والحجاب ما يحجب المرأة عن الرجل ويمنعه، قد يكون حجاب جدار وقد يكون باب وقد يكون غطاء، قالت عائشة رضي الله عنها: يرحم الله نساء الأنصار لما أنزل الله {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} شققن مروطهن فاختمر نبها فكأن على رءوسهن الغربان، سواد، يغطين إيش؟ وجوههن، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59] ، يدنين عليهن ما تلقيه المرأة من على رأسها وتستر به وجهها وصدرها، في حديث عائشة كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإّا حذونا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه، وهن محرمات إذا مر الركبان أسدلت كذا، وإذا جاوزوها كشفن عن وجوههن، هذا يدل على وجوب الحجاب.

وفي حديث عائشة في صحيح البخاري في قصة الإفك لما ذهب الجيش وتركوها الذين يرحلون الهودج، خفيفة ظنوا أنها فيه وهي ذهبت تقضي حاجتها بعيد ولما رجعت وجدت الجيش ذهب، ماذا عملت؟ قالت: فجلست في مكاني لعلهم يفقدوني ويرجعون إلي، فكان صفوان بن المعطل السلمي يتأخر، متأخر عن الجيش وجاء من بعيد، وغلبتها عيناها نامت مع طلوع الشمس فجاء من بعيد فعرفها، فلما عرفها قال: إن الله وإنا إليه راجعون، أهل رسول الله إنا لله وإنا إليه راجعون جعل يسترجع وهي نائمة.

قالت: فاستيقظت باسترجاع صفوان وإنا لله وإنا إليه راجعون، فخمرت وجهي بجلبابي وكان يعرفني قبل الحجاب، رواه البخاري في الصحيح، وهذا من أصح الأدلة على وجوب الحجاب وأن المرأة يجب عليها أن تحجب وجهها عن الرجال الأجانب، قال: فاستيقظت باسترجاع صفوان فخمرت، ما معنى خمرت؟ غطيت، فخمرت وجهي بجلبابي، وكان يعرفني قبل الحجاب، فدل على أن المرأة قبل الحجاب تكشف الوجه، وبعد الحجاب تستر الوجه.

 هذه أدلة صريحة واضحة ما في إشكال، أهل الحق أخذوا بها، لكن أهل الزيغ، كل هذه ضربوا ببعضها الحائط، يقول: لا يجوز كشف الوجه يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، والنصوص هذه تركوها، قالوا: عندنا دليل على كشف الوجه، دليل مشتبه ما هو؟ حديث الخثعمية، الخثعمية جاء في حجة الوداع جاءت امرأة من خثعم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أردف الفضل وكان شابًا وسيمًا، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجهه إلى الشق الآخر، وسألت الخثعمية رسول الله عن الحج عن أبيها، قالوا: هذا دليل على أن المرأة كاشفة؛ لأن الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فلولا أنها كاشفة ما نظر إليها الفضل.

 نقول: هل فيه أنها كاشفة؟ ما فيه أنها كاشفة، جاءت وسألت النبي صلى الله عليه وسلم والفضل شاب فجعل ينظر إليها وجعل النبي يصرف وجهه عنها إلى الشق الآخر، وجعل ينظر إليها وتنظر إليه، ما يلزم أنها كاشفة ينظر إليها أعجبه طولها أو كلامها أو صوتها أو ثيابها أو كشفت عن شيء منها فينظر إليها وتنظر إليه، ما يلزم أن تكون كاشفة الوجه، قالوا: لا هذا دليل على كشف الوجه وأن المرأة كاشفة الوجه.

نقول: أنتم أهل زيغ، لماذا تتركون فخمرت وجهي بجلبابي الصريح وتأخذون بحديث الخثعمية  الذي ما فيه دليل واضح على كف الوجه، خمرت وجهي بجلبابي صريح، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} تضربون به عرض الحائط وتأخذون بالدليل المشتبه، أنتم أهل زيغ، هذا أهل الزيغ والانحراف يتركون المحكم ويأخذون المتشابه، أما أهل الحق يأخذون الواضح المحكم، وحديث الخثعمية ما ينافي ما يلزم أنها كاشفة الوجه تنظر إليه وينظر إليها لأمر آخر، لصوتها أعجبه صوتها أو كشفت الريح شيئًا من ثيابها أو أعجبه طولها أو ما أشبه ذلك، ولا يلزم أن تكون كاشفة بدليل أن النصوص الأخرى دلت على أنه لا يجوز كشف الوجه، واضح هذا، هذه ثلاثة أمثلة ذكرتها لكم لبيان أن أهل الزيغ يأخذون بالمتشابه ويتركون المحكم، وأهل الحق يأخذون المحكم ويردونه إلى المتشابه ويفسرونه به، نعم القاعدة الرابعة.

قال رحمه الله: (القاعدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتبهات، فمن لم يفطن لهذه القاعدة وأراد أن يتكلم على مسألة بكلام فاصل، فقد ضل وأضل، فهذه ثلاث ذكرها الله في كتابه والرابعة ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم)

(القاعدة الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الحلال بين والحرام بين) الحديث معروف من أحاديث الأربعين النووية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب" والشاهد من القاعدة، القاعدة تقول: (إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات) هذه القاعدة.

إذًا هناك حلال بين الذي لا إشكال فيه، وحرام بين لا إشكال فيه، وهناك أمرٌ مشتبه ما يتبين يحتمل أن يكون حلال ويحتمل أن يكون حرام، الحلال البين هذا يفعله الإنسان ويباشره، والحرام البين يجب تركه والبعد عنه، والمشتبه ما موقفه من المشتبه قد يكون حلال وقد يكون حرام، ما تدري، الورع تترك المتشابه، تترك المتشابه يكون فاصل بينك وبين إيش؟ بينك وبين الحرام؛ لأنك إذا وصلت إلى المتشابه تنتقل من المتشابه إلى الحرام حاجز، مثل الراعي يرعى حول الحمى، ملك له مزرعة وجعلها حولها حمى، قال هذا الحمى، فأنت إذا أبعدت الدابة عن الحمى بعدت ما وصلت إلى المزرعة، أما إذا تساهلت جعلتها تأكل الحمى تدخل على المزرعة، فيعاقبك الملك.

قال المؤلف رحمه الله: (فمن لم يفطن لهذه القاعدة وأراد أن يتكلم على مسألة بكلام فاصل، فقد ضل وأضل) هذه المسألة فيها بيان أن الأشياء ثلاثة أقسام قسمٌ حلالٌ بين واضح، وقسمٌ حرامٌ واضح، وقسمٌ مشتبه، فالحلال الواضح يفعله الإنسان ويباشره، والحرام الواضح يجب اجتنابه، والمشتبه الورع التوقف فيه، المؤلف يقول: (فمن لم يفطن لهذه القاعدة وأراد أن يتكلم على مسألة بكلام فاصل، فقد ضل وأضل) لأن المسألة تكون محتملة لهذه الأمور الثلاثة، تحتمل أن تكون مسألة حلال وتحتمل أن تكون حرام وتحتمل أن تكون متشابه، وسيذكر المؤلف رحمه الله أمثلة لهذا.

(فهذه ثلاثٌ ذكرها الله في كتابه) يعني الثلاث الأولى وهي تحريم القول على الله بلا علم، هذه دليلها الكتاب {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}، القاعدة الثانية كل شيء سكت الله عنه فهو عفو، دليلها القرآن، {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، القاعدة الثالثة ترك الدليل الواضح والاستدلال بلفظ متشابه دليلها من القرآن {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ}.

هذه الثلاث قواعد دليلها من القرآن، والرابعة دليلها من السنة حديث "إن الحلال بين والحرام بين" فهذه ثلاث كذرها الله في كتابه والرابع ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم.

(واعلم رحمك الله أن أربع هذه الكلمات مع اختصارهن يدور عليها الدين سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول أو في علم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك أو في علم الحديث أو في علم الحلال والحرام والأحكام الذي يسمى علم الفقه أو في علم الوعد والوعيد أو في غير ذلك من أنواع علوم الدين وأنا أمثل لك مثلاً تعرف به صحة قلته وتحتذي عليه إن فهمته، وأمثل لك في فن من فنون الدين وهو علم الفقه وأجعله كله في باب واحد منه وهو الباب الأول باب المياه)

يقول المؤلف رحمه الله: اعلم، يعني تيقن واجزم، والعلم هو الدليل الجازم، رحمك الله هذا دعاء خبر مع الدعاء الله يرحمك، وهذا من فضل المؤلف رحمه الله يعلمك ويدعو لك بالرحمة، يعلمك ويدعو لك، هذا يعني إسداء معروفين، المعروف الأول أن يعلمك والمعروف الثاني يدعو لك بالرحمة، اعلم رحمك الله أن أربع هذه الكلمات مع اختصارها، يعني الأربع قواعد التي قرأناها مع اختصارهن يدور عليها الدين سواء كان المتكلم يتكلم في علم التفسير أو في علم الأصول، يدور على هذه القواعد الأربع علم التفسير وعلم الأصول يدور عليها وعلم أعمال القلوب الذي يسمى علم السلوك، أو علم العقائد والتوحيد، وعلم الحديث يدور عليها وعلم الحلال والحرام والأحكام الذي يسمى علم الفقه يدور عليها وعلم الوعد والوعيد يدور عليها إلى غير ذلك.

يعني هذه الأربع قواعد يدور عليها علم الفقه وعلم الحديث وعلم العقائد وعلم الأحكام وعلم الحلال والحرام وعلم الوعد والوعيد، قال المؤلف: أنا أمثل لك مثال، يأتي بالمثال ويأتي بالقواعد الأربع كلها تمر في هذا المثال، (وأنا أمثل لك مثلاً تعرف به صحة ما قلته وتحتذي عليه) يعني تقيس، وأتيك بمثال الآن وأذكر فيه هذا المثال القواعد الأربع كلها تمر عليه حتى تقيس عليها في المستقبل، تقيس عليها ما يماثلها وتعرف صحة ما قلت لك وأن الأحكام تدور على هذه القواعد الأربع، هذه الأحاديث الأربعة ثم أنت تحتذي حذوها يعني تقيس عليها، (وأمثل لك في فن واحد من فنون الدين) ما جاء بعدة فنون، فن واحد فن الفقه وفي باب واحد باب المياه فقط، أجيب لك مثال في باب المياه يتبين لك أن الأحكام تدور على هذه القواعد الأربع.

(وأمثل لك في فن واحد من فنون الدين وهو علم الفقه وأجعله كله في باب واحد منه وهو الباب الأول باب المياه فنقول).

قال رحمه الله: ( فنقول: قال بعض أهل العلم: الماء كله طهور إلا ما تغير بنجاسة أو خرج عنه اسم ماء كماء ورد أو باقلاء ونحوه، وقال آخرون: الماء ثلاثة أنواع: طهور وطاهر ونجس، والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم" فلولا أنه يفيد منعًا لم ينهى عنه، ودليلهم من النظر أنه لو وكلهم في شراء ماء فاشترى ماءً مستعملاً أو متغيرًا بطاهر لم يلزمه قبوله، فدل على أنه لا يدخل في الماء المطلق، قال الأولون)

المؤلف مثل الآن بمثال في الفقه وهو الماء، الماء الآن أهل العلم له مذهبان مشهوران في المياه إذا تغير بنجاسة أو غيرها، فالمحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وجمع من أهل العلم وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والشيخ عبد الرحمن السعدي وغيرهم يقولون: الماء قسمان: طهور ونجس، ما في قسم ثالث، طهور ونجس، فالنجس ما تغير بنجاسة، هذا ما تغير بنجاسة طعمه ولونه وريحه هذا نجس، وما لم يتغير بنجاسة فهو طاهر ما دام يسمى ماءً، حتى ولو سقط فيه شيء من، مثلاً شيء من الطاهرات، سقط فيه شيء من الطاهرات أوراق وأشجار وتغير ببعض الأوراق أو الأشجار أو الزهور وتغير بعض لونه أو بعض طعمه وسقوط الأشجار والأتربة والأشياء التي تسقط فيه.

ولو سقط فيه شيء من الحبر أو شيء من الزنجبيل أو شيء من الشاي أو ما أشبه ذلك، يقولون: ما دام اسم الماء باقي عليه فهو طهور إلا إذا سلب عنه اسم الماء، ما يسمى ماءً مثل لو تعصر الشجر، عصير البرتقال هذا ما يسمى ماءً يسمى ماء عصير، هذا ما نسميه ماء، ما يجوز للإنسان أن يتوضأ بماء العصير؛ لأنه ليس ماءً مطلقًا، مقيد بأنه ماء عصير، مثلاً إذا تغير اسمه صار شاهي بدل قهوة، ما يجوز تتوضأ بالماء والشاي؛ لأنه لا يسمى ماءً، ما يسمى بإطلاق، يسمى بتقييد ماء شاهي، ماء قهوة، هذا يقول خرج ما يسمى ماء.

لكن ما دام يسمى ماء فإنه ماء طهور يجوز التغير به، يجوز التوضأ به، ماء سقطت فيه أوراق أشجار وتغير وصار أخضر أو أبيض هل يسمى ماء ولا ما يسمى ماء؟ يسمى ماء، إذًا يجوز الوضوء به إلا إذا سلب اسم الماء وصار كله أخضر وسقط فيه حبر وصار أزرق كله، هذا ما يسمى ماء يسمى حبر، أو سقط فيه شيء جعله كله ينتقل اسمه إلى اسم آخر بدل ما يسمى ماء يسمى شاهي، يسمى كذا، يسمى زنجبيل يسمى باسم آخر.

أما ما دام الاسم باقي فيجوز الوضوء به مطلقًا؛ لأن الماء قسمان أما نجس وإما طاهر وهذا طاهر ويسمى ماء، فلا نمنع أحد من الوضوء به إلا إذا انتقل عن اسم الماء إلى اسم آخر، وأوحى هذا، هذا كلام من؟ بعض المحققين من العلماء الماء قسمان، (الماء كله طهور إلا ما تغير بنجاسة أو خرج عنه اسم ماء كماء ورد) هذا ما يسمى ماء، ماء ورد أو باقلاء ماء باقلاء، ماء برتقال، توضأ بماء البرد، لا تقول هذا ماء؟ لا ليس ماء مطلق ماء مقيد، مسمى بأنه ماء، ماء ورد ليس ماءً مطلقًا.

جمهور العلماء يقول: المياه ثلاثة طاهر وطهور ونجس، النجس مثل ما تعين ما تغير بنجاسة لونه وطعمه، الماء الطاهر، قال والماء الطهور هو الطاهر في نسفه والمطهر لغيره، الباقي على خلقته مثل مياه الآبار والأمطار والعيون هذا طاهر في نفسه مطهر لغيره، يجوز أن تتوضأ فيه وتستعمله في الوضوء وفي الأكل وفي الشرب وفي الطبيخ وكل شيء؛ لأنه طهور في نفسه مطهرٌ لغيره.

النوع الثاني: طاهر في نفسه لكنه غير مطهر لغيره، مثلاً تغير مثلاً بالأشجار وهذا نقول سقطت فيه أوراق كثيرة حتى تغير، هذا يقلون تغير طعمه ولونه وريحه ما يجوز أن تتتوضأ فيه لكن يجوز تشرب منه وتستعمله في الطبخ وفي الغسيل، وإذا أصاب الثوب ما يسمى نجس لكن لا يرفع الحدث، نسميه طاهر ولا نسميه طهور.

وكذلك أيضًا يقولون: لو توضأ شخص، توضأ وصار يجمع قطرات الماء في إناء هل يتوضأ بها مرة ثانية، يقولون: لا هذا استعمل في عبادة، هذا يسمى طاهر ولا يسمى طهور، ليس بنجس لو أصاب ثوبك ولو استعملته في غسيل أو في الأكل والشرب ما في مانع، لكن ما يرفع الحدث لماذا؟ لأنه توضأت به، ما تتوضأ به مرة ثانية وتستعمله مرتين، استعملته في عبادة فلا تستعمله مرة أخرى، هذا نسميه طاهر ولا نسميه طهور.

فصارت المياه كم قسم عندهم؟ ثلاثة، طهور يرفع الحدث وطاهر في نفسه، وطاهر طاهر في نفسه ولكن لا يرفع الحدث والنجس، الدليل، وفي محاورة بين الطائفتين الطائفتان المؤلف سيجري محاورة بينهما وننظر أيهما الذي يغلب أي الطائفتان وأيهما الذي يغلب بالدليل وأيهما المصيب، والمؤلف سيأتي بالأحكام الأربعة كلها تدور بينهم، وننظر من هو أسعد بالدليل.

عرفنا الآن إذًا هنا طائفتان، طائفة تقول: المياه نوعان طهور ونجس فقط وهم الجمهور وكثير من الفقهاء من الحنابلة والشافعية والمالكية وغيرهم أكثر العلماء وأكثر الفقهاء تقول: المياه ثلاثة طهور وطاهر ونجس، طيب ما هو دليلكم؟ كل واحد له دليل، الذين يقولون المياه ثلاثة عندهم دليل من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري" الماء الدائم الذي لا يجري، قال الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الاغتسال فيه، فلولا أنه ممنوع لم ينهى عنه، دل على أنه ما يصلح تغتسل فيه، الدائم ولو اغتسلت فيه ما ارتفع الحدث؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قال: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري" والدائم الذي لا يجري في بركة مثلاً أو في حوض.

قالوا: فلو أنه يفيد منعًا، لو أنه يرفع الحدث ما منع الرسول منه، فلما منع منه الرسول دل على أنه لا يرفع الحدث، فلو اغتسلت بالماء الدائم لا يجزءك، لا يرفع الحدث، لو أنه يفيد منعًأ لما نهى عنه.

وعندنا دليل من القياس من العقل دليل وهو لو أنه وكلك شخصًا في أن تشتري له ماءً فاشتريت ماءً مستعملاً، وشخص يتوضأ ويجمعه في إناء حتى ملأ ما عنده وراح باعه على شخص، وكلك شخص تشتري ماء واشتريت هذا الماء المستعمل  هل يقبله ولا ما يقبله؟ يقولون: لو وكلك شخص في شراء ماء فاشترى ماءً مستعملاً او تغير بطاهر، اشتريت ماء تسقط به الأوراق والأشجار حتى صار أخضر، واشتريته وأعطيته إياه، يقبله ولا ما يقبله؟.

قال: لو وكله في شراء ماء فاشترى ماءً مستعملاً أو متغير بطاهر  لم يلزمه قبوله، هو ما يبيك تأتيه بماء أخضر، يبي تأتيه بماء صافي نظيف ما فيه أوراق ولا أشجار ولا تغير، فدل على أنه لا يدخل في الماء المطلق، قالوا: هذا دليلنا دليل على أن هناك الماء نوعان ماء مطلق وهو الذي لم يتغير بشيء، وماءٌ مقيد وهو الذي تغير بشيء.

قال الأولون، الذين يقولون الماء قسمان، قال الأولون: نحن نجيب عن شبهتكم هذه النهي، نهى أن يغتسل في الماء الدائم.

قال رحمه الله: (قال الأولون: النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغتسل الرجل في الماء الدائم، وإن عصى وفعل فالقول في الماء مسألة أخرى لا تعرض لها في الحديث لا بنفي ولا إثبات، وعدم قبول الموكل لا يدل، فلو اشترى له ماءً من ماء البحر لم يلزمه قبوله ، ولو اشترى له ماءً متقذرًا طهورًا لم يلزمه قبوله فانتقض ما قلتموه، إن كنتم معترفين أن هذه الأدلة لا تفيدكم إلا الظن، وقد ثبت أن الظن أكذب الحديث، فقد وقعتم في المحرم يقينًا أصبتم أم أخطأتم؛ لأنكم أفتيتم بظن مجرد، فإن قوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} كلام عام من جوامع الكلم، فإن دخل فيه هذا خالفتم النص، وإن لم يدخل فيه وسكت عنه الشارع فهو عفو لا يحل الكلام فيه، وعصيتم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}، كذلك إذا تركتم هذا اللفظ العام الجامع مع قوله صلى الله عليه وسلم "الماء طهور لا ينجسه شيء" وتركتم هذه الألفاظ الواضحة العامة، وزعمتم أن الماء ثلاثة أنواع بالأدلة التي ذكرتموها وقعتم في طريق أهل الزيغ بترك المحكم وإتباع المتشابه.

فإن قلتم: لم يتبين لنا أنه طهور وخفنا أن النهي يؤثر فيه، قلنا: قد جعل الله لكم مندوحة وهي الوقف وقول لا أدري، وإلا ألحقوه بمسألة المتشابهات، وأما الجزم بأن الشرع جعل هذا طاهرًا غير مطهر، فقد وقعتم في البحث عن المسكوت عنه، وإتباع المتشابه، وتركتم قوله صلى الله عليه وسلم: "وبينهما أمور مشتبهات")

الآن هذا محاورة بين الفريقين، هذا جواب الأولون عن استدلالهم، الأولون الذين يقولون: الماء قسمان يستدلون بحديث "الماء طهور لا ينجسه شيء" لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب، قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء" فالأولون الذين يقولون: الماء قسمان طهور ونجس يجيبون عن قولكم إن النبي قال: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم" هذا نهي صحيح النبي نهى أن يغتسل في الماء الدائم، لكن ما قال أنه نجس، ما قال أنه يرفع الحدث ولا يقول أنه لا يرفع الحدث، سكت، ما تكلم عن كونه يرفع الحدث أو لا يرفع الحدث ما تكلم عنه، إنما نهى فقط وأنتم تجاوزتم النهي وأفتيتم بأن هذا يجوز وتكلمتم في الطهارة ، والرسول ما تكلم في الطهارة، الرسول ماذا قال؟  نهى فقط، "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم".

قال: والنبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغتسل الرجل في الماء الدائم، لو عصى واغتسل في الماء الدائم وفعل، ما حكم الماء هل يكون نجس؟ قال: لا القول في الماء مسألة أخرى ما تكلم عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، هل قال الرسول: الماء نجس لو اغتسل، نحن معكم الرسول نهى، قال: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم"، طيب إذا عصى واغتسل في الماء الدائم، تقولون: الماء ما يرفع الحدث، ما دليلكم؟ ما قال: الرسول بالماء ما يرتفع الحدث، ولا قال: شيء، سكت، ما قال يرتفع ولا قال لا يرتفع، ولا قال طاهر ولا نجس، إنما نهى فقط.

قال: (إن عصى وفعل فالقول في الماء مسألة أخرى)، نبحث عن الماء هل هو نجس ولا طاهر ولا يرفع الحدث ولا ما يرفع الحدث هذه مسألة ثانية، غير مسألة النهي، النهي شيء واستعمال الماء شيء آخر، قال: (إن عصى وفعل فالقول في الماء مسألة أخرى لا تعرض لها في الحديث بنفي ولا إثبات).

وأما المثال الذي مثلوا به قال: لو وكل رجلاً في شراء ماء فاشترى ماءً مستعملاً أو متغيرًا بطاهر لم يلزمه قبوله، فدل على أنه لا يدخل في الماء المطلق أجابوا عنه، قالوا: وعدم قبول الموكل لا يدل على أن الماء نجس ولا أنه لا يرفع الحدث لماذا؟ عدم القبول الموكل لا يدل على أن الماء لا يستعمل، بدليل أنه لو اشترى له ماءً من ماء البحر لا يلزمه قبوله، قال: اشتري ماء واشترى ماء بحر، وماء البحر ماء مالح لكن ما هو بنجس، النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن ماء البحر قال: "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" يرفع الحدث، هو الطهور ماؤه.

وكل شخص أن يشتري له ماء فاشترى له ماء بحر هل يلزمه قبوله؟ لا يلزم يرده، لماذا؟ لأنه لا يرفع الحدث، لا لأنه مالح ما يريده، يريد ماء للشرب، فلذلك بطل استدلالكم.

قال: (فانتقض ما قلتموه فإن كنتم معترفين أن هذه الأدلة لا تفيد إلا الظن)، تفيد الظن يعني يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى أن يغتسل في الماء الدائم يظن أنه لا يرفع الحدث أو يظن أنه نجس، هل في جزم؟ ما في جزم، إذًا ما في إلا ظن، من أين جاء الظن هذا؟ يأتي الظن من كون الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يغتسل "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم" لما نهى صار يظن الواحد لماذا نهانا الرسول؟ لأنه لا يرفع الحدث ظن، أو لأنه نجس، هذا ظن لكن ما عندنا شيء نجزم به.

(فإن كنتم معترفين أن هذه الأدلة لا تفيد إلا الظن) إذًا ما عندكم إلا الظن، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "الظن أكذب الحديث" ما يعمل بالظن، الظن أكذب الحديث فقد وقعتم في المحرم يقينًا، تعملون بالظن، تمنعون الناس وتقولون لا يجوز للإنسان أن يتوضأ فيه وتقولون إذا توضأ لا يرتفع الحدث بالظن، والظن أكذب الحديث.

(فإن كنتم معترفين أن هذه الأدلة لا تفيد إلا الظن وقد ثبت أن الظن أكذب الحديث فقد وقعتم في المحرم يقينًا) لأن الرسول قال: "الظن أكذب الحديث"  ، وأنتم وقعتم في أكذب الحديث وأفتيتم بأكذب الحديث، إذًا وقعتم في المحرم والقول على الله بلا علم محرم لا يجوز.

(فقد وقعتم في المحرم يقينًا أصبتم أم أخطأتم لأنكم أفتيتم بظن مجرد) والله تعالى يقول: فإن قوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} وهذا عندك مآلان، تقول له لا يجوز ترفع الحدث وعنده ماء، والله يقول: ماء، هذا ماء ولا ليس بماء؟ الله يقول:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} ، هذا عنده ماء يتركه ولا يرفع الحدث، والله يقول: :{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} يتركه لماذا؟ عنده ماء ويتركه بالظن الذي توهمتم وظننتم أنه لا يرفع الحدث، واضح كيف المناقشة الآن.

(فقد وقعتم في المحرم يقينًا أصبتم أم أخطأتم لأنكم أفتيتم بظن مجرد، فإن قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} كلام عام من جوامع الكلم) الآية الكريمة {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} ما يتمم أحد إلا متى؟ إذا لم يجد ماءً، طيب إذا وجد ماء مستعمل، توضأ إنسان وجمع فيه الماء، ماء ولا ما هو ماء؟ ماء، لا هم يقولون: لا هذا ليس بماء مطلق، ما يرفع الحدث ولو توضأ ما تصح الصلاة، ما الدليل ما عندهم إلا ظن؛ لأن الرسول نهى عن الوضوء قال: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم"؛ لأن الرسول نهى، والنهي أخذنا منه الظن، ظننا أنه لما نهى عنه أنه لا يرفع الحدث.

لكن هل الظن يعمل به؟ لا الظن أكذب الحديث، فإذا جاء إنسان، ما وجد ماء إلا هذا الماء الذي مجموع من إيش؟ من القطرات التي يغسل بها وجهه ويديه، يتوضأ ولا لا يتوضأ بها؟ الجمهور يقول: ما يتوضأ بها ولا ترفع الحدث لماذا؟ ما الدليل؟ الدليل: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم"، طيب هل الرسول قال: إذا اغتسل ما يصح ولا فقط نهى، النهي شيء والاغتسال شيء آخر، من أين لكم أنه لا يرفع الحدث، ظن قالوا: نحن نظن أنه لما نهى استنبطنا منه أنه لا يرفع الحدث، لكن هل صريح ولا ظن؟ ظن، والظن أكذب الحديث لا يعمل به.

 هل نترك قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}من أجل الظن، الآية صريحة{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وأنا عندي ماء، والله يقول: :{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} أتيمم وأترك الماء هذا مستعمل لأجل الظن.

 

(فإن قوله تعالى:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} كلام عام من جوامع الكلم فإن دخل فيه هذا) إن كان الماء المستعمل يدخل في قوله ماءً خالفتم النص، والله يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وهذا داخلٌ فيه، وأنتم تمنعون من الوضوء فيه خالفتم النص.

 (فإن دخل فيه هذا خالفتم النص) هم الآن يناقشون ويقولون الماء المستعمل هل يدخل في قوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} أو لا يدخل؟ إن قلتم دخل فيه إذًا أنتم خالفتم النص، منعتم من استعمال ما يدخل في قوله:{فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}، إذا قيل أنه لا يدخل فيه، إذا كان لا يدخل في قوله ماء وسكت عنه الشارع، إذًا نقول: لا يدخل فيه، وسكت عنه الشارع إذًا هو عفو، مباح لا يحل لكم أن تقولوا حرام ولا واجب ولا مكروه ولا مستحب.

(فهو عفو لا يحل الكلام فيه، وعصيتم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}) لا تسألوا عن أشياء هذا مسكوتٌ عنه، هذا الماء مسكوتٌ عنه، وعصيتم قول الله تعالى،{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}، وتركتم هذا اللفظ الواضح، هذه الألفاظ العامة.

(وكذلك إذا تركتم هذا اللفظ العام الجامع مع قوله صلى الله عليه وسلم "الماء طهور لا ينجسه شيء" وتركتم هذه الألفاظ الواضحة العامة، وزعمتم أن الماء ثلاثة أنواع طهور وطاهر ونجس للأدلة التي ذكرتموها، وقعتم في طريق أهل الزيغ في ترك المحكم وإتباع المتشابه) ما هو المحكم {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}، وأنا وجدت ماء محكم، وأنتم الآن منعتموني بشيء مشتبه وأخذتم المشتبه وتركتم المحكم، هذه طريقة أهل الزيغ، وعلى هذا إذا كان إنسان عنده ماء، ما دام يسمى ماء يتوضأ فيه إلا إذا تغير بالنجاسة، واضح الآن المحاورة بين الفريقين.

فإن قلتم أجابوا هم، (فإن قلتم لم يتبين لنا أنه طهور) هذا ما تبين أنه طهور حتى حتى نقول أنه داخلٌ في قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}، ما تبين لنا أنه طهور، هذا توضأ فيه الشخص وجمع قطرات ما يتبين لنا أنه طهور، ونخشى أن النهي يؤثر فيه؛ لأن الرسول نهى قال: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم" يعني لو اغتسل شخص في الماء الدائم، اغتسل ماء في بركة ثم خرج منه هل تتوضأ بالماء الذي بعده ولا ما تتوضأ، هذا هو محل الخلاف، هل هو ماء ولا غير ماء؟

الأولون يقولون: توضأ فيه ماء مطلق هذا، هل هو ماء ولا غير ماء؟ والآخرون يقولون: لا تتوضأ فيه لماذا؟ لأن الرسول نهى، لا يغتسل أحدكم، والنهي نخشى أن يكون ممنوع، تخشى من أي شيء تخشاه؟ ظن، نظن الرسول ما نهى عنه إلا أنه لا يرفع الحدث؛ لكن الظن أكذب الحديث لا يعمل به.

قال الأولون: الآن عندنا ماء مطلق ولا ما هو مطلق، إن كان يدخل فيه فيكون أنتم خالفتم الحديث، خالفتم النص وقلتم على الله بلا علم، وإن كان لا يدخل فيه فهو عفو مسكوت عنه، فلا يجوز لكم أن تتكلموا، لا تقول حلال ولا حرام ولا يجوز ولا غير ما يجوز، فأيهما أقوى حجة الآن؟ الأولون.

فإن قلتم لم نذهب إليه لأنه ماء طهور وخفنا أن يكون النهي أثر فيه، قلنا: قد جعل الله لكم مندوحة وهو الوقف، إذا قلتم: نحن ما يتبين لنا، لكن نخشى أن النهي يؤثر فيه، قول الرسول: "لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم"، فلما اغتسل شخصٌ في الماء الدائم وخرج منه نخشى أن النهي يؤثر فيه، قال لهم الأولون: إذا كنتم تخشون توقفوا لا تقولون يجوز ولا غير ما يجوز، توقفوا، أما تقولون يجوز أو لا يجوز هذا قول على الله بلا علم.

(قلنا: قد جعل الله لكم مندوحة وهو الوقف وقول: لا أدري، وإلا ألحقوه بمسألة المتشابهات) فأنتم بأحد أمرين إما أن تقولوا: ما ندري أو تقولوا: هذا متشابه، أما أن تجزموا وتمنعوا الناس من الوضوء في الماء الذي اغتسل فيه شخص فهذا ليس عليه دليل، ما عندكم دليل من المنع.

(وأما الجزم بأن الشرع جعل هذا طاهرًا غير مطهر، فقد وقعتم في البحث عن المسكوت عنه، وإتباع المتشابه، وتركتم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وبينهما أمور مشتبهات") هذه المسألة الآن مثل المؤلف هل الأحكام الخمسة تدور على ماذا؟ على هذه المسألة.

وعلى هذا إذا اغتسل شخص في حوض يسع أربع قرب أو خمس قرب، اغتسل من الجنابة، اغتسل غمس نفسه فيه واغتسل وخرج، فجاء شخص يريد أن يتوضأ نمنعه ولا ما نمنعه أن يتوضأ من هذا الماء الذي اغتسل فيه؟ غمس فيه شخص واغتسل غسل الجنابة وخرج، وجاء شخص يغتسل فيه.

الأولون يقولون: توضأ فيه؛ لأنه ماء، والله يقول: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وهذا واجد للماء يتوضأ فيه، والآخرون يقولون: لا تتوضأ فيه لماذا؟ لأن الرسول يقول:"لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم" طيب الأولون قالوا: الرسول هل نهى عن الوضوء ولا نهى عن الاغتسال؟ نهى عن الاغتسال لكن ما قال: لا تتوضأ فيه، فإذا عصى وتوضأ يجزيه يرفع الحدث ولا ما يرفع؟ الأولون يقولون: يرتفع الحدث وهو عاصٍ بكونه اغتسل ولكن وضوءه يرتفع، والآخرون قالوا: لا نخشى أن يكون لا يرفع الحدث، تخشون بأي شيء؟ قالوا: بالظن، نظن، قال الأولون: الظن لا يعمل به، الظن أكذب الحديث، إذا خفتم توقفوا على الأقل قالوا ما ندري الحكم أو قولوا:متشابه، أما أن تجزموا وتمنعوا الناس من الوضوء بالظن، فهذا لا يجوز.

كونكم تجزمون بأن الشرع جعل هذا طاهر غير مطهر، وقعتم في البحث عن شيء مسكوت عنه، الرسول ما قال طاهر ولا قال، سكت عنه، نهى عن الاغتسال ولم يتكلم عن حكم الوضوء بعد من اغتسل.

قال رحمه الله: (المسألة الثانية: قولهم: إن الماء الكثير ينجسه البول والعذرة نهي عن البول فيه، فيقال لهم: الذي ذكر النهي عن البول فيه، وأما نجاسة الماء وطهارته فلم يتعرض لها، وتلك مسألة أخرى يستدل عليها بدليل آخر وهو قوله في الكلمة الجامعة: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}وهذا ماء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض وعذرة الناس)

يعني حيض النساء والخرق التي فيها الحيض.

قال: (وهي بئر يلقى فيها الحيض وعذرة الناس "الماء طهور لا ينجسه شيء" فمن ترك هذا المحكم وأفتى بنجاسته معللًا بنهيه عن البول فيه، فقد ترك المحكم واتبع المتشابه ووقع في القول بلا علم؛ لأنه لا يجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد نجاسة الماء لما نهى عن البول فيه، وإنما غاية ما عنده الظن، فإن قدرنا أن هذا لا يدخل في العموم الذي ذكرنا وتكلم فيه بالقياس، فقد خالف قوله: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}، وإن تعلل بقوله:لا يبين لي دخوله في العموم وأخاف لأجل النهي عن نجاسته، قيل: لك مندوحة عن القول بلا علم وهو إلحاقه بالمتشابهات، ولا تزعم أن الله شرع نجاسته وحرم شربه)

هذه أيضًا مسألة ثانية في المياه يبين المؤلف رحمه الله أن الأحكام الخمسة تدور عليها، (المسألة الثانية: قولهم: إن الماء الكثير ينجسه البول والعذرة نهي عن البول فيه) يعني الرسول صلى الله عليه وسلم قال نهى عن البول "لا يبولن أحدكم في الماء الراكد الذي لا يجري" الفقهاء يقولون: الماء ينقسم إلى قسمين: كثير وقليل، الكثير أكثر من القلتين لحديث "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" فإذا بلغ قلتين وزاد عن قلتين ما يتنجس إلا إذا تغير طعمه ولونه وريحه، إذا كان أقل من القلتين يتنجس ولو لم يتغير قالوا: إلا العذرة والبول هذا حتى لو كان قلتين، فإذا بال الشخص في الماء ولو كان كثير نجس، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البول قال: "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري".

قالوا: فلو بال شخص في ماء أو بركة أو في حوض أو في إناءٍ كبير فيه ماء، فإنه ينجس يكون نجس، قال الأولون: الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الماء طهور لا ينجسه شيء" قال الأولون: لا ينجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه ولو بال فيه، فيقال لهم: قال الأولون الرسول نهى عنه، فلما نهى عنه دل على نجاسته، فقال لهم الأولون: الرسول نهى عن البول ولم يتكلم في النجاسة، ما قال: إنه ينجس، إنما نهى عن البول.

(فيقال لهم: الذي ذكر النهي عن البول فيه، وأما نجاسة الماء وطهارته فلم يتعرض لها) ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم الماء يكون نجس فلا يتوضأ به أحد، إنما نهى عن البول فيه، والنهي عن البول فيه مسألة، ومسألة كونه نجس أو غير نجس هذه مسألة أخرى، تلك مسألة أخرى يستدل عليها بدليل آخر، نشوف الدليل الآخر هل هو نجس ولا طاهر؟ الحديث "لا يبولن أحدكم في الماء الدائم" أما كونه نجس أو طاهر هذا يؤخذ من الدليل الآخر، وعندنا كلمة جامعة وهي قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وهذا ماء، فالأولون يقولون: هذا ماء يجوز أن نتوضأ فيه إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة، لكن ما دام أنه لم يتغير هو يسمى ماء ولا غير ماء؟ يسمى ماء.

لو بال شخص في بركة الآن إن تغير طعمه أو لونه أو ريحه هذا ما فيه إشكال نجس، لكن إذا لم يتغير قال الأولون: لا يتوضأ فيه، لأن الرسول نهى، قالوا: ما دليلكم؟ قالوا: نخشى؛ لأن الرسول نهى، قال الأولون: النهي شيء والحكم بنجاسته شيء آخر، وعندنا دليل عام وهو قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} هل هذا ماء ولا غير ماء؟ هذا ماء ولم يتغير بالنجاسة إذًا نتوضأ به، وهذا ماء.

(وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض وعذرة الناس "الماء طهور لا ينجسه شيء") يعني لم يتغير.

(فمن ترك هذا المحكم وأفتى بنجاسته معللًا بنهيه عن البول فيه، فقد ترك المحكم واتبع المتشابه) عندنا قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} ، هذا ماء محكم، فمن ترك هذا المحكم وقال: إن الماء الذي بال فيه الشخص نجس، ما عنده دليل ترك المحكم واتبع المتشابه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح نهى عن البول لكن ما قال أنه ينجس إذا بال فيه وما قال أنه يمنع من الوضوء فيه، إنما نهى عن البول فيه لئلا يقذره على غيره، فمن أفتى بأنه من ترك هذا المحكم {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} وأفتى بنجاسة معللًا بالنهي عن البول فيه قد ترك المحكم واتبع المتشابه ووقع في القول على الله بلا علم، أنت قلت على الله بلا علم، هل قال الله بأنه نجس؟ هل قال الرسول نجس؟ ما قال، إنما فيه النهي عن البول فيه.

(ووقع في القول بلا علم؛ لأنه لا يجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد نجاسة الماء) النبي ما أراد نجاسة الماء إنما نهى فقط.

(لأنه لا يجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد نجاسة الماء لما نهى عن البول فيه، وإنما غاية ما عنده الظن) يظن الرسول نهى عنه يمكن أنه نهى عنه؛ لأنه نجس، يحتمل هذا ويحتمل غيره فالمسألة ظن.

 (فإن قدرنا أن هذا لا يدخل في العموم الذي ذكرنا) إن قدرنا أن هذا الماء الذي بال فيه الشخص لا يدخل في قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}.

 (وتكلم فيه بالقياس، فقد خالف قوله: {لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ}، وإن تعلل بقوله:لا يبين لي دخوله في العموم) ما تبين لي لأنه داخل في قوله: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً}.

 وأخاف لأجل النهي عن نجاسته، قيل: لك مندوحة عن القول بلا علم وهو إلحاقه بالمتشابهات، ولا تزعم أن الله شرع نجاسته وحرم شربه) هذا مثالين وسيذكر مثال ثالث ورابع، لعلنا نقف على هذا، ويأتي دور الأسئلة، وفق الله الجميع لطاعته وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد