كتاب الصوم 6 مدة الملف34:21
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فنحمد الله -سبحانه وتعالى-على نعمه ونسأله -سبحانه وتعالى-أن يوفقنا في هذه الليالي المباركة للعمل الصالح الذي يُرضيه، ويوفقنا للتوبةِ النصوح، وأن يرزقنا العلم النافع.
وصحيح الإمام البخاري -رحمه الله-ضرب بسهمٍ عظيمٍ في العلم من جميع النواحي، ونحن في كتاب الصيام مع الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-في باب الصومِ بشعبان.
قارئ المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فاللَّهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللقارئ وللمستمعين، فقد أخذنا فيما مضى من صحيح الإمام أبي عبد الله/ محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المُغيرة الجعفي البخاري -رحمه الله تعالى-إلى أن وصلنا إلى كتاب الصوم.
قال البخاري –رحمه الله تعالى-: (بَابُ صَوْمِ شَعْبَانَ)
قال البخاري –رحمه الله تعالى: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ يُوسُفَ، قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرَ عَنْ أَبِي سَلَمَهَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-أنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهرٍ إِلاَّ فِي رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
هذا الحديث فيه بيان أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان يسرد الصوم أحيانًا ويسرد الفطر أحيانًا، وذلك لأنه -عليه الصلاة والسلام-يكون له في بعض الأحيان اشغال تشغله؛ من قدوم الوفود والضيوف فينشغل فيسرد الفطر، وأحيانًا يكون عنده فراغ فيسرُد الصوم -عليه الصلاة والسلام-، ولهذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام-يسرد الصوم حتى نقول لا يُفطر، تقول عائشة: (حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ) من كثرة سرده للصوم.
ينتهز الفرصة -عليه الصلاة والسلام-في وقت الفراغ، الوقت الذي لا يكون فيه انشغال، وفي وقت الانشغال بالضيوف والوفود وتعليم الناس وعقد ألوية الجهاد ينشغل فيسرُد الفطر، فهكذا ينبغي للمسلم يعني يتأسى بالنبي -صلى الله عليه وسلم-بأن يكون في وقت ينتهز الفرص فيما يقربه إلى الله -عز وجل-في وقت الفراغ يقوم بما بالشغل الذي انشغل به من عبادة الله -عز وجل-، من العبادات المتنوعة، وفي وقت الفراغ يسرد الصوم ويخلو بربه -عز وجل-.
قالت: (وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ)، كان يصوم شعبان، كان يصوم شعبان كله؟ كان يصوم شعبان إلا قليلًا؟ اختلف العلماء في الحكمة في كونه يسرد الصوم في شعبان، قيل: لأنه -عليه الصلاة والسلام-كان ينشغل أحيانًا عن الصوم، صيام ثلاثة أيام من كل شهر، فإذا جاء شعبان أكثر الصوم منه قضاءً لما فاته.
وقيل: لأن صوم شعبان مُقدمة لرمضان، فكان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلًا، والمعنى أنه قال بعض العلماء أنه كان أحيانًا يصوم الشهر كامل وأحيانًا كان يصوم الشهر ويُفطر أيامًا قليلة منه، ومن أفطر قليلًا من الشهر فيُعتبر صام الشهر.
فيصوم الشهر إلا أيام قليلة من آخره، هذا مشروع، ولكن إذا كان الإنسان لا يصوم إلا بعد منتصف الشهر فليس له أن يصوم؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-في حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -رضي الله عنه-«إذا انتصف شعبان فلا تصوموا»؛ لأن هذا يكون من باب الاحتياط كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-في حديث أبي هريرة: «لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا من كان له عادة»، كصيام يوم الخميس والاثنين أو أيام من رمضان الماضي أو نذر أو كفارة فلا بأس، لكن إذا انتصف شعبان وهو مُفطِر فلا يصوم إلا أيام العادة، أما إذا أراد أن يسرد الصوم من أول الشهر فله أن يستمر من أول الشهر إلى آخره.
قارئ المتن:
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ، قال: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَة أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-حَدَّثَتْهُ أنها قَالَتْ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، وَكَانَ يَقُولُ: «خُذُوا مِنَ العَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَإنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»، وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلًاة دَاوَمَ عَلَيْهَا).
شرح الشيخ:
نعم، كان أحب الصلاة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-أدومه، (وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلًاة دَاوَمَ عَلَيْهَا) وكان عمل النبي -صلى الله عليه وسلم-كما قالت عائشة -رضي الله عنها-لما سئلت عن عمله، قالت: "كان عمله ديمة"؛ لأنه مستمر -عليه الصلاة والسلام-يستمر، يستمر في الليل يُصلي إحدى عشرة ركعة، يستمر في السنن الرواتب، وهكذا، كان إذا عَمِل عملًا أثبته وكان عمله ديمة، وكان يقول: «اكلفوا من العمل ما تطيقون»، يعني يعمل الإنسان ما يستطيعه ولا يشق على نفسه.
يقول: «فَإنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»، هذا فيه إثبات الملل وصفٌ يليق بالله -عز وجل-لا يُماثل وصف المخلوق؛ لأن المخلوق هذا فيه ضعف ونقص وأما الملل الذي يُصاب الله به فهو ليس فيه نقص ولا ضعف، ومن ثَمرة هذه الصفة أن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل، «فَإنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»، فلا يقطع الله الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل، هذا من ثمرات هذا، النووي -رحمه الله تعالى-قال: "«فَإنَّ الله لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» المعنى: إنه لا يقطع الثواب حتى يقطع العمل" هذا ليس معنى الحديث، هذا ثمرة من آثار الوصف، من آثار هذا الوصف أن الله لا يقطع الثواب عن العبد حتى يقطع العبد العمل.
قارئ المتن:
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (بابُ مَا يُذْكَرُ مِنْ صَوْمِ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم-وَإِفْطَارِهِ)
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا أَبو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيِد بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-أنه قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرً رَمَضَان وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ لاَ والله لاَ يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ القَائِلُ لاَ وَالله لاَ يَصُومُ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
نعم، كما سبق كان يسرد الصوم في وقت الفراغ وكان يسرد الفطر في وقت الانشغال، وما صام -عليه الصلاة والسلام-شهرًا قط إلا رمضان، ويستثنى من هذا شعبان كما سبق، أنه كان يصوم شعبان إلا قليلًا.
قارئ المتن:
وقال البخاري -رحمه الله تعالى-: (حَدَّثنِي عَبْدُ العَزِيِز بْنُ عَبْدِ الله قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه-يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ مِنْهُ وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا وَكَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلَّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ"، وَقَالَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ: أَنَّهُ سَأَلَ أَنسًا فِي الصَّوْمِ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
نعم وهذا كما سبق كان يسرد الصوم في وقت الفراغ ويسرد الفطر في وقت الانشغال، (وَكَانَ لاَ تَشَاءُ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلَّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ) لأنه يُصلي وينام، يُصلي بعض الليل وينام بعض الليل.
في تعليق على البخاري التعليق على هذا والأحاديث السابقة في سرد الصوم وسرد الفطر.
الطالب:
التعليق: قال البخاري رحمه الله: "وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان يتحرى وقت فراغه فإذا فرغ سرد الصوم، وإذا حصل له شغل سرد الفطر وكذلك في الصلاة,
الشيخ: والذي قبله الحديث الذي قبله السابق
الطالب:
قال الشيخ -حفظه الله-: "هذا هديه -صلى الله عليه وسلم-وهو أنه إذا كان الصوم يُضعفه عن القيام بالمصالح العامة فإنه يُفطر، وإذا كان في وقتٍ لا يمنعه إن صام ليحصل على فضيلة الصوم، فيجمع بين الأمرين على خلاف ما يتكلفه كثيرٌ من العُبَّاد من الصوم المستمر الذي يُضعفه عن القيام بالواجبات الأخرى والمصالح العامة".
قال شيخنا: "رأيت بعض العُبَّاد من أهل الهند يصوم يومًا ويُفطر يومًا، فقلت له: لو رفقت وصمت ثلاثة أيام من كل شهر، قال: إني تعودت على الصيام حتى اليوم الذي أُفطر فيه لا أشتهي الطعام بالنهار، ثالثًا: الملل صفة كمال تليق بالله -جلَّ وعلا-ليس فيه نقص في مقابلة من ملٍ وترك العمل، ومن ثمراته قطع الثواب عند قطع العمل، ومثله الكيد والمكر والخداع الذي ورد في مقابلة الماكر والكائد والمخادع من الناس، وهي صفات تليق بالله مُجازاةً لهؤلاء، وهي في المخلوق صفة نقصٍ؛ لأنها ظلم، رابعًا: فيه فضل المداومة على العمل الصالح، وإن كان قليلًا مثل ركعات معدودة يُصليها من آخر الليل وأيام يصومها من كل شهر.
قارئ المتن:
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، قال: أَخْبَرَنَا أَبو خَالِدٍ الأَحْمَرُ، قال: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، قَالَ: سألتُ أَنَسًا -رضي الله عنه-عَنْ صِيَامِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَاِئمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مُفْطِرًا إِلاَ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ نَائِمًا إِلاَّ رَأَيْتُهُ، وَلاَ مَسِسْتُ خَزَّةً وَلاَ حَرِيَرةً أليَنَ مِنْ كَفَّ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وَلاَ شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلاَ عَبِيرَةً أَطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
اللَّهمَّ صلِّ وسلم، -عليه الصلاة والسلام-لا يتكلف، لا يتكلف ولا يشق على نفسه، فأنت لا تشاء تراه صائمًا إلا رأيته ولا تشاء تراه يفطر إلا رأيته، يعني يصوم بعض الأيام ويفطر بعض الأيام، ما يسرد الصوم ولا يسرد الفطر.
وكذلك أيضًا لا تشاء تراه في الليل إلا مصليًا ولا تشاء إلا تراه نائمًا، يعني ينام بعض الليل ويُصلي بعض الليل، ولا يشق على نفسه، فهو -عليه الصلاة والسلام-على خلاف مع تكلف بعض العُبَّاد، يسرد الصوم ويشق على نفسه أو بعض الناس الذين يُهمل ولا يصوم ولا يُصلي.
إنما يُصلي بعض الليل وينام بعض الليل، يصوم بعض الأيام ويفطر بعض أيام -عليه الصلاة والسلام-، له من كلٍ نصيب -عليه الصلاة والسلام-، وكذلك فيه أن كف النبي -صلى الله عليه وسلم-ألين من الحرير وإن رائحته أطيب من المسك -عليه الصلاة والسلام-.
قارئ المتن:
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (بَابُ حَقَّ الَضَّيْفِ فِي الصَّوْمِ)
وقال البخاري -رحمه الله تعالى-: (حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا هارون بن إسماعيل، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثني أبو سلمه، قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهم-أنه قال: "دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فذكر الحديث -يعني: «إن لزورك عليك حقًّا، وإن لزوجك عليك حقًّا -فقلت: وما صوم داوود؟-قال: نصف الدهر»).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
هذا في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-كان شابًا ويسرد الصوم ويسرد الصلاة، فكان رضي الله عنه-يسرد الأيام كلها صائم ويُصلي الليل كامل، ويقرأ القرآن في كل يوم، كان شاب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام-بلغه فأرسل إليه فجاء إليه.
قال: ألم أُخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل، قال: لا تفعل، ثم قال له: صم من الشهر ثلاثة أيام ونم بعض الليل وصلي بعضه، واقرأ القرآن في شهر، قال: يا رسول الله، أُطيق أكثر من ذلك، ثم في قراءة القرآن قال: اقرأه في خمسة أيام، في سبعة أيام، حتى أوصلها إلى سبع، قال: لا تزد إلا سبعة أيام.
وفي صلاة الليل كذلك الليل أيضًا، قال: أوصاه قال صم صوم داود، قال: وما صوم داوود؟ قال: صل صلاة داود قال: «ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه»، قال وفي الصوم: ثلاثة أيام من كل شهر، قال زدني، زاده حتى قال: صم يومين وأفطر، صم يومًا وأفطر يومين، قال زدني، حتى قال: حتى أوصله إلى أن يصوم يوم ويفطر يوم، قال" تصوم صيام داوود، قال: أطيق أكثر من ذلك؟ قال: لا، أفضل من ذلك، قال: (وما صوم داوود؟ قال: يصوم يومًا ويُفطر يومًا)، فداوود النبي -عليه الصلاة والسلام-شوفت داوود ملك أعطاه الله الملك والنبوة ومع ذلك اشتهر بأنواع من العبادات:
اشتهر بالصلاة، الصلاة كان ينام نصف الليل -النصف الأول-ثم يقوم الثلث الأول السدس الرابع والخامس ثم ينام السدس السادس يستعين به على قضاء النهار؛ لأنه قاضي، قاضي يحكم بين الناس ويستعين به على قضاء النهار، ونبينا -صلى الله عليه وسلم-انتهى وتره إلى السحر، وثبت في الصحيحين والحديث متواتر، قول النبي -صلى الله عليه وسلم: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل آخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له».
وثلث الليل الآخر هو السدس الخامس والسادس، وصلاة داوود السدس الرابع والخامس، وعلى هذا يكون النصف الأخير من الليل فاضي، من أسداسه الثلاثة، السدس الرابع والخامس هذا صلاة داوود، والخامس والسادس هذا التنزل الإلهي، وأما النصف الأول للنوم، النصف الأول من الليل.
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم-إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه، لكن نحن الآن ماذا حالنا الآن؟ النصف الأول والثاني ولا ننام إلا إذا جاء آخر الليل السحر الذي يصحى، النصف الأول هكذا، كان النبي -صلى الله عليه وسلم-ينام نصفه وكانوا يأوون إلى فرشهم، لكن نحن الآن أين نصف الأول؟ ثلثي الليل وثلاثة أرباع الليل كله يذهب ما ننام، نُضيعه، ليت نُضيعه في شيء مفيد، في قيل وما قال وكذا، وإذا كان وبعض الناس على غيبة ونميمة وعلى ملاهي، فإلى الله المشتكى.
فكان داوود -عليه السلام-يشتهر بالصلاة، داوود مع أنه نبي وملك آتاه الله الملك، وكان أيضًا يشتهر بالصيام كان يصوم يومًا ويُفطر يومًا، قال -عليه الصلاة والسلام-لعبد الله بن عمرو: «صم صوم داوود» قال وما صوم داوود؟ قال: ««كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا»، واشتهر بالقتال، كان «لاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى» في الجهاد، وكان يصنع الدروع، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾[سبأ:1-11]، يعمل في الحديد وكذلك كان يقرأ الزبور، آتاه الله صوتًا حسنًا، تجاوبه الجبال والطير، كم اشتهر الآن؟ اشتهر بعبادات متنوعة:
اشتهر بالصلاة: «أفضل الصلاة صلاة داود».
«وأفضل الصيام صوم داود».
في الجهاد كان «وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى».
وكان يقرأ الزبور له صوت حسن، قال لأبي موسى الأشعري: «لقد أُتيت مزمارًا من مزامير آل داوود».
وكانت الطير والجبال تجاوبه إذا قرأ الزبور،﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سبأ:10].
وكان يصنع الدروع: ﴿أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾[سبأ:11].
وهو ملك، ما أشغله الملك، ما أشغله الملك لا عن الصلاة ولا عن الصيام ولا عن الجهاد وكان قاضيًا يقضي بين الناس، ولا عن القضاء ولا عن صُنع الدروع والعمل -عليه السلام-.
وهكذا ينبغي التأسي بالأنبياء -عليهم السلام-.
قارئ المتن:
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (بَابُ حَقَّ الجِسْمِ فِي الصَّوْمِ)
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِل، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله، قال: أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبو سَلَمَهَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رضي الله عنهما-أنه قال: "قَالَ لِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَا عَبْدَ الله أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟» فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجَكَ عَلَيْكَ حَقًّا وإَنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلَّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلَّهِ»، فَشَدَّدْتُ فَشُدَّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله إِنَّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ نَبِيَّ الله دَاوُدَ -عليه السلام-وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ» قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيَّ الله دَاوُدَ -عليه السلام-؟ قَالَ: «نِصْفَ الدَّهْرِ»، فَكَانَ عَبْدُ الله يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
(بِحَسْبِكَ): يعني يكفيك، نعم وكان عبد الله بن عمرو رجل شاب وقوي وعنده قوة ونشاط التي في وقت الشباب، يصوم الأيام ويُصلي الليل، فالنبي -عليه الصلاة والسلام-قال: ارفق بنفسك، قال: «فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجَكَ عَلَيْكَ حَقًّا وإَنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ولأهلك عليك حقًا، فأعطِ كل ذي حقٍ حقه».
إذا اتجهت إلى الصلاة والصيام أهملت بقية الواجبات، فقال: "يا رسول الله زدني، زدني"، فجعل يزيده، يزيده، يزيده في الصيام، حتى وصل إلى أن يصوم يوم ويُفطر يوم، فقال: يا رسول الله، زدني: ثلاثة أيام من كل شهر، قال زدني، قال: خمسة أيام، قال: زدني، قال: سبعة أيام، قال: زدني، زدني، وهكذا حتى أوصله إلى أن يصوم يومًا ويفطر يومًا.
فكان بعد ذلك لما كبرت سنه، وجد مشقة، تقدمت به السن، وقال: (يَا لَيْتَنِي قَبلْتُ رُخْصَةَ رسول الله) فكان لما كبرت سنه صار يشق عليه الصوم، فكان يسرد الصوم ستة أيام سبعة، ثم يُفطر مثلها، يُفطر يتقوى ستة أيام مُفطر، ثم ستة أيام صائِم.
ويقول: (يَا لَيْتَنِي قَبلْتُ رُخْصَةَ رسول الله)، ويجوز له أن يُفطر، هذا نفل لكن هو لا يُحب أن يترك شيئًا اتفق فيه مع النبي -صلى الله عليه وسلم-.
اتفق مع النبي على هذا؛ يقول: أنا ما اترك الشيء الذي اتفقت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-استمر عليه، (يَا لَيْتَنِي قَبلْتُ رُخْصَةَ رسول الله) لما قال لي: ثلاثة أيام من كل شهر تكفي، خمسة أيام، سبعة أيام، تُفطر يومين وتصوم يوم، قال: يا ليتني قبلت كان أرفق بي، وقال: «ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر»، كل يوم عن عشرة، «من صام ثلاثة أيام من كل شهر كان كصوم الدهر»، كل يوم بعشرة أيام، هذا صوم الدهر.
قارئ المتن:
وقال البخاري -رحمه الله تعالى-:(بَابُ صَوْمِ الدَّهْرِ):
قال البخاري -رحمه الله تعالى-: حَدَّثَنَا أَبو اليَمَانِ، قال: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيَّ، قَالَ: أَخْبَرِنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ وَأَبو سَلَمَهَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-قَالَ:
أُخْبِرَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-أَنَّي أَقُولُ: وَالله لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمَّي قَالَ: «فَإِنَّكَ لاَ تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْر أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ» قُلْتُ: إَنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَّلِكَ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ» قُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد -عليه السلام-وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّيَامِ» فَقُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ»).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
نعم، هذا الباب في صوم الدهر، هل يجوز صوم الدهر؟ في أن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-كان لما كان في وقت الشباب حلف أن يصوم الدهر كله ويُصلي الليل كله، قال: (وَالله لأَصُومَنَّ الدهر ما عشت النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ) يصوم كل الأيام، ما يبغى يسرد الأيام ويُصلي كل الليل.
فلما بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-دعاه، قال: يا فلان، أنت قلت الكلام هذا؟ قال: قلت يا رسول الله، أنا ما أريد إلا الخير، قال: لا، لا تفعل، قال: صوم ثلاثة أيام تكفيك، قال: (إَنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَّلِكَ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ» قُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ: «فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد -عليه السلام-وَهُوَ أَفْضَلُ الصَّيَامِ» فَقُلْتُ: إِنَّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ») دلَّ على أن هذا هو النهاية، النهاية نصف الدهر، صوم يوم ويفطر يوم.
احتج به جمع من أهل العلم على أنه لا يجوز صوم الدهر، جاء في الحديث الآخر: «من صام الدهر لا صام ولا أفطر»، فاحتج به جمع من العلماء صوم الدهر.
وجاء في حديث وإن كان فيه ضعف: «من صام الدهر ضُيقت عليه جهنم» أو كذا وإن كان فيه ضعف، فالمقصود أن هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز صوم الدهر.
بعض العلماء يعني أجاز هذا وتأول إلى أنه إذا أفطر يوم العيد -العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق-أنه يكفي وله أن يسرد بقية 25:36 كالنووي وجماعة، ولكن ظاهر السنة أنه لا يجوز، لا يجوز ولا يكفي كونه يُفطر يوم العيد، يوم العيد ما يكفي، النهاية قال: «لاَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ») هذا صريح في أنه إذا صام الدهر لا يجوز، ويدل عليه الحديث الآخر أن «من صام الدهر لا صام ولا أفطر»، ما صام ولا أفطر ما حصل على الفضيلة، لا صام ولا أفطر تدل على أن النهاية صوم الدهر، «أفضل الصيام صيام داود كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا نِصْفَ الدَّهْرِ».
وكذلك الصلاة، قال له أيضًا: «وَقُمْ وَنَمْ» ولا تصلي الليل، وفي قراءة القرآن كذلك، كان يقرأ القرآن في كل يوم، أوصله إلى قال: اقرأ في كل شهر، وقال: واقرأ في كل عشرين، وقال: في خمسة عشر، حتى أوصلها إلى سبعة أيام، وقال: «اقرأ القرآن في سبعة أيام ولا تزد».
جاء في حديث آخر: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» ثلاثة أيام.
قارئ المتن:
قال البخاري -رحمه الله-: (بَابُ حَقِّ الأَهْلِ فِي الصَّوْمِ: رَوَاهُ أَبُو جُحَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، سَمِعْتُ عَطَاءً، أَنَّ أَبَا العَبَّاسِ الشَّاعِرَ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ، وَأُصَلِّي اللَّيْلَ، فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ، فَقَالَ: «أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلاَ تُفْطِرُ، وَتُصَلِّي؟ فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا»، قَالَ: إِنِّي لَأَقْوَى لِذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ» قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: «كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى»، قَالَ: مَنْ لِي بِهَذِهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ -قَالَ عَطَاءٌ: لاَ أَدْرِي كَيْفَ ذَكَرَ صِيَامَ الأَبَدِ-قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ» مَرَّتَيْنِ).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
(«لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَدَ» مَرَّتَيْنِ): هذا دليل على أنه لا يجوز صوم الدهر، وإنما يصوم يومًا ويفطر يومًا، وفيه من الفقه إن الأنسان عليه أن يؤدي الحقوق المتعدية، وإذا صام جميع النهار أخل بالحقوق، ولذا قال: «فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًا وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجَكَ عَلَيْكَ حَقًّا وإَنَّ لِزَوْرِكَ – يعني الضيف - عَلَيْكَ حَقًّا ولأهلك عليك حقًا».
فالضيف له حق والأهل لهم حق والجسم له حق، فلا بد تؤدي هذه الحقوق، فإذا صار الإنسان يسرد الصوم ويسرد الصلاة أهمل بقية الحقوق، ينبغي للإنسان أن يؤدي الحقوق وأن يكون عنده تتوازن.
قارئ المتن:
قال البخاري -رحمه الله-: (بَابُ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ:
قال -رحمه الله-: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: «صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ»، قَالَ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَمَا زَالَ حَتَّى قَالَ: «صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا» فَقَالَ: «اقْرَأ القُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ»، قَالَ: إِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ فَمَا زَالَ، حَتَّى قَالَ: «فِي ثَلاَثٍ»).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
هنا «فِي ثَلاَثٍ» وفي إحداها في سبع، يعني أوصلها إلى أن يقرأ القرآن في ثلاث، في كل يوم عشرة أجزاء، هذا النهاية، ولا ينبغي أن يقرأ في كل يوم، لكن بعض أهل العلم قال رأى أنه لا بأس في الأيام الفاضلة والأوقات الفاضلة ورمضان والحج.
وأُثِر عن بعض السلف أنه كانوا يقرأون القرآن في كل يوم في الأيام الفاضلة في أيام رمضان، ورُوي عن الشافعي أنه له ستون ختمة في رمضان، قال بعض العلماء: مستثنى هذه الأوقات الفاضلة، وإلا فهذا الحديث واضح في أنه لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، أوصلها إلى ثلاث، وفي الحديث الآخر: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث».
ثلاثة أيام يستطيع يقرأ ويتدبر عشرة أجزاء، ما زاد عن ذلك يكون سرد، والسرد هذا رماه لا يستطيع أن يتدبر، وكذلك الصوم يكون نهايته يوم ويفطر يوم، والصلاة كذلك يُصلي.
كان النبي -صلى الله عليه وسلم-ينام نصف الليل، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل قام يُصلي -عليه الصلاة والسلام-ما كان يُصلي الليل كامل، كان ينام ويُصلي، أما كونه يسرد كل الليل يُصلي؛ هذا فيه مشقة على الجسد وإهمال بقية الحقوق، كونه يُسرد الدهر كذلك مشقة وإهمال بقية الحقوق.
إن كان يصوم يوم ويُفطر يوم على حسب، ثم أيضًا كذلك حسب فراغ الإنسان، إذا كان الإنسان صاحب عائلة يحتاج إلى كسب ما يستطيع يصوم يوم ويفطر يوم، يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، يصوم الأثنين والخميس والحمد لله، ولا يشق على نفسه، وإذا كان عنده فراغ وعنده قدرة واستطاعة وأحب يصوم صوم داود فهذا طيب، هذا أفضل.
قارئ المتن:
قال البخاري –رحمه الله-: (بَابُ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ:
قال: حَدَّثَنَا آدَمُ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ المَكِّيَّ، -وَكَانَ شَاعِرًا وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ-قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ لَتَصُومُ الدَّهْرَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ لَهُ العَيْنُ، وَنَفِهَتْ لَهُ النَّفْسُ، لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ، صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، قُلْتُ: فَإِنِّي أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: «فَصُمْ صَوْمَ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَلاَ يَفِرُّ إِذَا لاَقَى».
قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ الوَاسِطِيُّ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو المَلِيحِ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِيكَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، فَحَدَّثَنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ لَهُ صَوْمِي، فَدَخَلَ عَلَيَّ، فَأَلْقَيْتُ لَهُ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَجَلَسَ عَلَى الأَرْضِ، وَصَارَتِ الوِسَادَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَقَالَ: «أَمَا يَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ؟»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «خَمْسًا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «سَبْعًا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «تِسْعًا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «إِحْدَى عَشْرَةَ»، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ شَطْرَ الدَّهَرِ، صُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا»).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شرح الشيخ:
وهذا كان في عبد الله بن عمرو كما سبق كان يسرد الصوم، بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-فأرسل إليه، فجاء إليه، فلما جاء وضع وسادة للنبي -صلى الله عليه وسلم-، النبي ما أرادها جعلها بينه وبينه، غضبان مغضب، كأنه يقول: ما أقبل هذه الوسادة، كأنه -صلى الله عليه وسلم-يقول: ما جئت لأتكئ، جئت لأخبرك، جعل الوسادة، والنبي -صلى الله عليه وسلم-ما أخذ الوسادة جعلها بينه وبينه، ما قبل الوسادة كان مُغضب من عمله.
قال: ألم أُخبرك أنك تصوم الدهر وتقوم الليل قال نعم، قال: لا تفعل، صم ثلاثة أيام من كل شهر، قال: يا رسول الله زدني، قال خمس، خمسة أيام من كل شهر، قال: يا رسول الله زدني، قال: سبع، قال: يا رسول الله زدني، قال: تسع، قال: يا رسول الله زدني، قال: إحدى عشر من كل يوم، قال: زدني، قال صوم داوود –يصوم يوم ويفطر يوم-، قال: زدني، قال: ما فيه، «لاَ صَوْمَ فَوْقَ صَوْمِ دَاوُدَ»، ولما كبرت سنه شق عليه الصوم وتمنى أنه قبل الرخصة وأنه اكتفى بثلاثة أيام أو ثلاثة من كل شهر أو خمس؛ حتى يستطيع.