شعار الموقع

شرح كتاب التحف في مذاهب السلف_2

00:00
00:00
تحميل
9

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين, وصلى الله وسلم وبارك عَلَى عبد الله ورسوله نبينا محمد وَعَلَى آله وصحبه أجمعين؛ أَمَّا بعد: ...

هَذِهِ رسالة التحف فِي مذاهب السلف للشيخ الفاضل محمد بْنَ علي الشوكاني رَحِمَهُ الله تعالى,وهِيَ جواب عَنْ سؤال سبق بالأمس قراءة السؤال والآن نقرأ الجواب.

(المتن)

قَالَ العلامة الشيخ الشوكاني رحمنا الله وإياه جوابًا عَلَى السائل: وَأَقُول اعْلَم أَن الْكَلَام فِي الْآيَات وَالْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي الصِّفَات قد طَالَتْ ذيوله وتشعبت أَطْرَافه وتناسبت فِيهِ الْمذَاهب وتفاوتت فِيهِ الطرائق وتخالفت فِيهِ النَّحْل.

(الشرح)

يَقُول المؤلف رحمه الله: الكلام فِي الآيات والأحاديث الواردة فِي الصفات كلامٌ كثير طالت ذيوله وتشعبت أطرافه, وتناسبت فيه المذاهب وتفاوتت فيه الطرائق وتخالفت فيه النحل يَعْنِي المذاهب, يَعْنِي النَّاس انقسموا لأقسام تفرقوا شيعًا وأحزابًا, فأهل الكلام تكلم فِي الكلام كثيرون, الْمُعْتَزِلَة لهم طريقة والأشاعرة لهم طريقة, والجهمية لهم طريقة, والقدرية لهم طريقة, والجبرية لهم طريقة والرافضة لهم طريقة, والسالمية لهم طريقة, والمذاهب كثيرة متشعبة, وَلَـكِن الطريق الْحَقّ هُوَ طريق أهل السُّنَّةِ والجماعة.

وَقَدْ أخبر النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ افتراق الملل, قَالَ عليه الصلاة والسلام: «افترقت اليهود والنصارى عَلَى إحدى وسبعين فرقة, وافترقت النصارى عَلَى اثنتين وسبعين فرقة, وستفترق هَذِهِ الأمة عَلَى ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها فِي النار إِلاَّ واحدة, قِيلَ: من هِيَ يا رسول الله, قَالَ: من كان عَلَى مثل ما أنا عَلَيْهِ اليوم أنا وأصحابي».

وفي رواية: «فهي الجماعة», هَذِهِ الفرقة النَّاجِيَةُ, وصفهم النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «هم من كان عَلَى مثل ما أنا عَلَيْهِ اليوم وأصحابي», وهم أهل السُّنَّةِ والجماعة هم الطائفة المنصورة, فهم أهل الْحَقّ.

وبقية الفرق متوعدون بالنار, كلها فِي النار, كما توعد آكل مال اليتيم بالنار, كما توعد القاتل بالنار, والمعروف عِنْدَ عامة العلماء أَن هَذِهِ الفرق مبتدعة, فرق من أهل البدع وليسوا كفارًا, فهم كأهل الكبائر يتوعدون بالنار, ولهذا قَالَ العلماء: إِنَّ القدرية الَّذِينَ أنكروا علم الله بالأشياء حَتَّىَ تقع خارجون من الاثنتين وسبعين فرقة لكفرهم وضلالهم, وإن الرافضة خارجون من الاثنتين والسبعين فرقة لكفرهم وضلالهم, وإن الجهمية خارجون من الاثنتين والسبعين فرقة لكفرهم وضلالهم.

دل عَلَى أَن هَذِهِ الفرق كلها فرق مبتدعة ليسوا كفارًا, لَـكِن متوعدون بالنار لانحرافهم وبدعهم وليسوا كفارًا, والفرقة النَّاجِيَةُ هم أهل السُّنَّةِ والجماعة, والمؤلف رحمه الله سيقرر مذهب أهل السُّنَّةِ والجماعة فِي كتاب " التحف فِي مذاهب السلف " ويرد عَلَى الفرق المنحرفة, ولاسيما فِي كلام الصفات.

(المتن)

وَسبب هَذَا عدم وقُوف المنتسبين إِلَى الْعلم حَيْثُ أوقفهم الله ودخولهم فِي أَبْوَاب لم يَأْذَن الله لَهُم بِدُخُولِهَا ومحاولتهم لعلم شَيْء اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ حَتَّى تفَرقُوا فرقًا وتشعبوا شعبًا وصاروا أحزابًا وَكَانُوا فِي الْبِدَايَة ومحاولة الْوُصُول إِلَى مَا يتصورونه من الْعَامَّة مختلفي الْمَقَاصِد متبايني المطالب.

(الشرح)

سبب هَـذَا يَعْنِي اختلاف فِي آيات وأحاديث الصفات (وَسبب هَذَا عدم وقُوف المنتسبين إِلَى الْعلم حَيْثُ أوقفهم الله), لِأَنَّهُمْ دخلوا فِي شَيْء لاَّ يعنيهم, دخلوا فِي كيفية الصفات وحرفوا النصوص فدخلوا فَلَمْ يقفوا حيث وقفهم الله دخلوا فِي أبواب لَمْ يأذن الله بدخلوها، كدخلوهم فِي معرفة الكيفية, الكيفية ما يعلمها إِلاَّ الله, قَالَ الله تعالى: ( ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯪ)[آل عمران/7] .

 فدخلوا فِي أبواب لَمْ يأذن الله لهم بدخلوها, ومحاولة الوصول لعلم استأثر الله بعلمه, وهِيَ الحقيقة والكنه والكيفية, الحقيقة والكنه والكيفية للصفات استأثر الله بعلمها, لاَّ يعلم كيفية ذاته إِلاَّ هُوَ, ولا يعلم كيفية صفاته إِلاَّ هُوَ, لَـكِن المعنى معلوم معاني الصفات معلومة؛ لِأَنَّ الله تعالى أمرنا بتدبر الْقُرْآن كله ولا يستثنى شيئًا, وَلَمْ يقل: إِنَّ آيات الصفات لاَّ تتدبروها, قَالَ تعالى: (ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ)[النساء/82] .

وقال: (ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ)[محمد/24] .

ولم يقل: إلا آيات الصفات لا تتدبروها فإنها غير معلومة المعنى, (ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ)[ص/29] .

قال تعالى: (ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ)[القمر/17] .

دل على أَن القرآن كله مفهوم المعنى, آيات الصفات وغيرها, ولما سُئِل الإمام مالك رحمه الله جاءه رجل وسأله: الرحمن على العرش استوى كيف استوى؟ فأطلق مالك (.....) ثُمَّ قَالَ: الاستواء معلوم, يعني معلوم معنماه في اللغة العربية, له أربعة أسماء: استقر, وعلا, وصعد, وارتفع.

والكيف مجهول هَـذَا الكيف, كيفية الاستواء ولا يعلمها إِلاَّ الله, والإيمان به واجب؛ لِأَنَّ الله أخبرنا عَنْ نفسه, والسؤال عنه بدعة.

فمعاني الصفات معلومة معانيها معلومة, العلم ضد الْجَهْل والقدرة معناها ضد العجز, والعمى ضد البصر, والسمع ضد الصم, إذن معروفة المعاني, لَـكِن الكيفية هِيَ غير معلومة.

ومن الفرق المنحرفة المفوضة, المفوضة هؤلاء يفوضون المعنى, يَقُولُونَ: المعاني غير معلومة, ما يثبتون إِلاَّ ألفاظ فقط, ألفاظ يلوكها الإنسان بلسانه ولا يدري معناها, كأنها ليست كلام عربي.

ولهذا قَالَ بعض السلف: المفوضة شر من المؤولة, فَهَذِهِ طائفة, طائفة المؤولة من الْمُعْتَزِلَة والأشاعرة والجهمية, والمفوضة يفوضون المعنى هَـذَا معلوم؛ إِنَّمَا الَّذِي يفوض الكيف, ولهذا قَالَ الإمام مالك: الاستواء معلوم والكيف مجهول, كيفية الاستواء, والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.

قَالَ المؤلف: (وَسبب هَذَا عدم وقُوف المنتسبين إِلَى الْعلم حَيْثُ أوقفهم الله ودخولهم فِي أَبْوَاب لم يَأْذَن الله لَهُم بِدُخُولِهَا), كونهم يريدون أَن يعلموا معنى الكيفية.

(ومحاولتهم لعلم شَيْء اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ), وهِيَ الكيفيات, كيفيات الأمور الغيبية وهِيَ الَّتِي لاَّ يعلمها إِلاَّ الله, كيفية الجنة كيفية النار كيفية الصراط وهكذا, كيفية أسماء الله وصفاته.

(ومحاولتهم لعلم شَيْء اسْتَأْثر الله بِعِلْمِهِ حَتَّى تفَرقُوا فرقًا وتشعبوا شعبًا وصاروا أحزابًا), بسبب تجاوزهم للحد, هم الَّذِينَ تجاوزا الحد, هم الَّذِينَ دخلوا فِي أبواب لَمْ يأذن الله له لهم بدخلوها, فصاروا شيعًا وأحزابًا.

(وَكَانُوا فِي الْبِدَايَة ومحاولة الْوُصُول إِلَى مَا يتصورونه من الْعَامَّة مختلفي الْمَقَاصِد متبايني المطالب), كانوا فِي الأول لَمَّا حاولوا الوصول إِلَى ما يتصورونه من العامة مختلفي المقاصد متبايني المطالب, يَعْنِي مقاصدهم مختلفة ومطالبهم متباينة.

(المتن)

فطائفة وَهِي أخف هَذِه الطوائف المتكلفة علم مَا لم يكلفها الله سُبْحَانَهُ بعلمه إِثْمًا وأقلها عُقُوبَة وجرما وَهِي الَّتِي أَرَادَت الْوُصُول إِلَى الْحق وَالْوُقُوف على الصَّوَاب لَكِن سلكت فِيه طَريقَة متوعرة وصعدت فِي الْكَشْف عَنهُ إِلَى عقبَة كؤود لَا يرجع من سلكها فضلاً أَن يظفر فِيهَا بمطلوب صَحِيح وَمَعَ هَذَا أصلوا أصولًا ظنوها حَقًا فدفعوا بهَا آيَات قرآنية وَأَحَادِيث صَحِيحَة نبوية وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِك الدّفع بشبه واهية وخيالات مختلة وَهَؤُلَاء طَائِفَتَانِ.

(الشرح)

الطائفة الأولى يَقُول المؤلف: تفرعت أو انقسمت إِلَى قسمين, يَقُول: هَذِهِ الطائفة هِيَ أخف هَذِهِ الطوائف وهِيَ تكلفت علم ما لَمْ يكلفها الله سبحانه بعلمه, إثمًا وعقوبةً وجرمًا, قَالَ: هَذِهِ هِيَ أخف الطوائف, يَعْنِي الطوائف هَذِهِ كلها تكلفت علم ما لَمْ يكلفها, الله, لَـكِن أخف هَذِهِ الطوائف المتكلفة علم ما لَمْ يكلفها الله بعلمه أخفها إثمًا وعقوبةً وجرمًا هِيَ الَّتِي أرادت الوصول إِلَى الْحَقّ والوقوف عَلَى الصواب؛ لَـكِن سلكت فِي طريقة متوعرة, وصعدت فِي الكشف عنه إِلَى عقبة كؤود.

العقبة الكؤود هِيَ الطريق الوعر الشاق المصعد, لَا يرجع من سلكها سالمًا فضلاً أَن يظفر فِيهَا بمطلوب, إذًا هَذِهِ أخف هَذِهِ الطوائف تريد الْحَقّ؛ لكنها تكلفت علم ما لَمْ يكلفها الله, فوقعت فِي الإثم؛ لكنها أقل الطوائف إثمًا, وأقلها عقوبةً وجرمًا, وهِيَ تريد الْحَقّ لَـكِن الطريق الَّذِي سلكته طريق ليس سليمًا, طريق صعب متوعرة.

هم يريدون الْحَقّ والوصول إِلَى الْحَقّ لَـكِن الطريق الَّذِي سلكوه طريق متعب, وَلَمْ يسلكوا السلك السهل الَّذِي يوصلهم إِلَى ما يريدون, ولهذا قَالَ المؤلف:(لَكِن سلكت فِيه طَريقَة متوعرة وصعدت فِي الْكَشْف عَنهُ إِلَى عقبَة كؤود لَا يرجع من سلكها سالمًا فضلاً أَن يظفر فِيهَا بمطلوب صَحِيح وَمَعَ هَذَا أصلوا أصولًا ظنوها حَقًا).

كما فعل الرازي فِي كتاب " تأسيس التقديس " ورد عَلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام فِي بيان تلبيس الجهمية, بيان تلبيس الجهمية هَـذَا الَّذِي طبعه الآن جامع الملك فهد, وكانت ثماني رسائل دكتوراه, طبع الآن فِي عشر مجلدات بعنوان " بيان تلبيس الجهمية فِي تأسيس بدعهم الكلامية " وله اسم آخر وَهُوَ " نقض التأسيس " الرازي ألف كتاب سماه تأسيس التقديس " تقديس الرب وتنزيهه, ولكنه سلك مسلك أهل البدع, فنقض شيخ الْإِسْلَام بكتاب سماه " نقض التأسيس أو بيان تلبيس الجهمية فِي تأسيس بدعهم الكلامية.

فهؤلاء الطائفة أصلوا أصولًا ظنوها حقًا, هَذِهِ الأصول دفعوا بها آيات قرآنية وأحاديث صحيحة نبوية, (وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِك الدّفع بشبه واهية وخيالات مختلة وَهَؤُلَاء طَائِفَتَانِ), يَعْنِي هَذِهِ الطائفة أصلت أصولًا ظنوا أنها حقًا؛ بهذه الأصول ردوا الآيات القرآنية دفعوها والأحاديث الصحيحة, واحتجوا بِهَذَا الدفع قَالَ: بشبه واهية وخيالات مختلفة, وهم طائفتان.

(المتن)

الطَّائِفَة الأولى: هِي الطَّائِفَة الَّتِي غلت فِي التَّنْزِيه فوصلت إِلَى حد يقشعر عِنْده الْجلد ويضطرب لَهُ الْقلب من تَعْطِيل الصِّفَات الثَّابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة ثبوتًا أوضح من شمس النَّهَار وَأظْهر من فلق الصبح وظنوا هَذَا من صنيعهم مُوَافقًا للحق مطابقًا لما يُريدهُ الله سُبْحَانَهُ فضلوا الطَّرِيق الْمُسْتَقيم وأضلوا من رام سلوكها.

(الشرح)

إذًا الطائفة الَّتِي هِيَ أخف الطوائف قسمت إِلَى قسمين أو تفرعت إِلَى طائفتين:

الطائفة الأولى: الطائفة الَّتِي غلت فِي التنزيه, فِي تنزيه الرب, غلت فِي التنزيه يَعْنِي أرادوا أَن ينزهوا الرب عَنْ مماثلة المخلوقات, أو مشابهة المخلوقات, فزادوا فِي هَـذَا التنزيه وغلوا حَتَّىَ وصلوا إِلَى نفي الصفات عَنْ الله, وتعطيل الرب من أسمائه وصفاته.

لِأَنَّ هؤلاء معهم حق ومعهم باطل, ما هُوَ الْحَقّ الَّذِي معهم؟ التنزيه, ومعهم الباطل وَهُوَ الغلو فِي هَـذَا التنزيه؛ حَتَّىَ وصلوا إِلَى حدٍ أنكر الصفات, وعطلوا الرب عَنْ صفاته, كما أَن المشبهة معهم حق ومعهم باطل, الْحَقّ الَّذِي معه المشبهة هُوَ إثبات الصفات, والباطل هُوَ الغلو فِي هَـذَا الإثبات حَتَّىَ شبهوها بصفات المخلوقين.

  • فطائفتان منحرفات:
  1. طائفة معطلة.
  2. وطائفة مشبهة.

وأهل السُّنَّةِ توسطوا بين المشبهة وبين المعطلة, المشبهة معهم حق ومعهم باطل, والمعطلة معهم حق ومعم باطل, أهل السُّنَّةِ أخذ الْحَقّ الَّذِي مع المشبهة هُوَ التنزيه ونفوا الغلو, وَهُوَ المبالغة فِي التنزيه حَتَّىَ نفوا الصفات.

وأخذوا الْحَقّ الَّذِي مع المعطلة وَهُوَ تنزيه الرب عَنْ مماثلة المخلوقات أخذوا مِنْهُم التنزيه ونفوا الباطل اللي هُوَ الغلو فِي التنزيه حَتَّىَ وصلوا إِلَى التعطيل.

فصار مذهب أهل السُّنَّةِ مكون من الْحَقّ الَّذِي معه المشبهة والحق الَّذِي مع المعطلة, فَقَالُوا : نثبت الأسماء والصفات لله ولا نغلو فِي هَـذَا الإثبات, وننزه الله ولا نغلو فِي هَـذَا التنزيه, صار إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تعطيل.

الطائفة هَذِهِ الَّتِي غلت فِي التنزيه من هم هؤلاء؟ هم المعطلة كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة غلو فِي التنزيه, فوصلت إِلَى حد يقشعر منه الجلد ويضطرب له القلب من تعطيل الصفات الثابتة بالكتاب وَالسُّنَّةِ ثبوتًا أوضح من شمس النهار, وأظهر من فلق الصبح, وظنوا هَذَا من صنيعهم مُوَافقًا للحق مطابقًا لما يُريدهُ الله سُبْحَانَهُ فضلوا الطَّرِيق الْمُسْتَقيم وأضلوا من رام سلوكها. أعد الطائفة الأولى.

(المتن)

الطَّائِفَة الأولى: هِي الطَّائِفَة الَّتِي غلت فِي التَّنْزِيه فوصلت إِلَى حد يقشعر عِنْده الْجلد ويضطرب لَهُ الْقلب من تَعْطِيل الصِّفَات الثَّابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة ثبوتًا أوضح من شمس النَّهَار وَأظْهر من فلق الصبح وظنوا هَذَا من صنيعهم مُوَافقًا للحق مطابقًا لما يُريدهُ الله سُبْحَانَهُ فضلوا الطَّرِيق الْمُسْتَقيم وأضلوا من رام سلوكها.

(الشرح)

هَذِهِ الطائفة الأولى غلت فِي التنزيه حَتَّىَ وصلوا إِلَى التعطيل, وصلوا يَقُول المؤلف: (إِلَى حد يقشعر عِنْده الْجلد ويضطرب لَهُ الْقلب), وَهُوَ التعطيل, (من تَعْطِيل الصِّفَات الثَّابِتَة بِالْكتاب وَالسّنة ثبوتًا أوضح من شمس النَّهَار وَأظْهر من فلق الصَّباح), يَعْنِي هَـذَا التعطيل للصفات, عطلوا صفة ثابتة بالكتاب وَالسُّنَّةِ, ( ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﮉ)[المجادلة/22] .

( ﮀ ﮁ ﮂ ﮍ)[الممتحنة/13] .

( ﮕ ﮖ ﮗﮜ)[المائدة/80] .

( ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ)[إبراهيم/4] .

( ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ)[التحريم/2] .

(ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ)[البروج/14] .

وفي سورة تبارك كذلك: (ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ)[الملك/14] .

في كل سورة, فهؤلاء غلو في التنزيه حَتَّىَ وصلوا إِلَى التعطيل, تعطيل الرب عَنْ صفاته, فعطلوا الصفات الَّتِي ثَبِّتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّة (ثبوتًا أوضح من شمس النَّهَار وَأظْهر من فلق الصبح وظنوا هَذَا من صنيعهم مُوَافقًا للحق مطابقًا لما يُريدهُ الله سُبْحَانَهُ فضلوا الطَّرِيق الْمُسْتَقيم وأضلوا من رام سلوكها), يَعْنِي من قصد سلوكها.

قَالَ المؤلف: (وظنوا هَذَا من صنيعهم مُوَافقًا للحق مطابقًا لما يُريدهُ الله سُبْحَانَهُ فضلوا الطَّرِيق الْمُسْتَقيم وأضلوا من رام سلوكها).

(المتن)

والطائفة الْأُخْرَى: هِيَ الطائفة التى غلت فِي إِثْبَات الْقُدْرَة غلوًا بلغ إِلَى حد أَنه لَا تَأْثِير لغَيْرهَا وَلَا اعْتِبَار بِمَا سواهَا وأفضى ذَلِك إِلَى الْجَبْر الْمَحْض والقسر الْخَالِص فَلم يبْق لبعث الرُّسُل وإنزال الْكتب كثير فَائِدَة وَلَا يعود ذَلِك على عباده بعائدة وَجَاءُوا بتأويلات للآيات الْبَينَات ومماحلات لحجج الله الواضحات فَكَانُوا كالطائفة الأولى فِي الضلال والإضلال مَعَ أَن كلا المقصدين صَحِيح وَوجه كل مِنْهُمَا صبيح لَوْلَا مَا شانه من الغلو الْقَبِيح.

(الشرح)

هنا الطائف الثانية المؤلف قَالَ: الطائفة الَّتِي أخف الطوائف انقسمت إِلَى قسمين:

الطائفة الأولى: غلت فِي التنزيه, غلت فِي تنزيه الرب سبحانه وتعالى,  ووصلوا إِلَى التعطيل, لَمَّا غلوا وصلوا إِلَى تعطيل الرب من صفاته.

والطائفة الثانية: غلت (فِي إِثْبَات الْقُدْرَة غلوًا بلغ إِلَى حد أَنه لَا تَأْثِير لغَيْرهَا وَلَا اعْتِبَار بِمَا سواهَا وأفضى ذَلِك إِلَى الْجَبْر الْمَحْض والقسر الْخَالِص), وهذا مذهب الجبرية غلوا فِي إثبات القدرة غلوًا بلغ إِلَى حد أَنَّهُ لاَّ تأثير لغيرها.

قَالُوا: العبد مجبور وليس له تأثير وَهُوَ كالريشة فِي الهواء, ومسير لا مخير, قَالُوا: إِنَّ الإنسان مجبور فهم غلوا في إثبات القدرة لله ونفوا وسلبوا العبد قدرته واختياره, قَالُوا: العبد مجبور ما له اختيار, وأفعاله كلها اضطرارية, وهذا باطل, من أبطل الباطل.

  • الأفعال تنقسم إِلَى قسمين:
  1. أفعال اختيارية.
  2. وأفعال اضطرارية.

الأفعال الاضطرارية لاَّ يلام الإنسان عليها, مثل: حركة النائم, النائم هَلْ يؤاخذ إِذَا تحرك الحركة؟ ومثل حركة المرتعش هَلْ يؤاخذ بِهَذَا؟ وحركة (.....) كُلّ هَـذَا ما فيه اختيار, هَـذَا يسمى أفعال اضطرارية.

هناك أفعال اختيارية وَهُوَ ما يفعله الإنسان باختياره, يقوم ويقعد ويجلس ويذهب ويأكل ويشرب ويسافر, ويقرأ ويكتب, كُلّ هَـذَا يسمى أفعال اختيارية, يفعلها الإنسان باختياره.

أيهما الَّذِي يحاسب عليها الإنسان؟ الأفعال الاختيارية, أَمَّا الأفعال الاضطرارية لاَّ يحاسب عليها الإنسان, النَّاس فِي هَـذَا طوائف, طائفة غلت كما قَالَ المؤلف فِي إثبات قدرة الله, وسلبوا العبد قدرته واختياره, وَقَالُوا : العبد ما له تأثير ولا له قدرة كالريشة فِي الهواء, وَهُوَ وعاء, الإنسان وعاء لمرور الحركات عَلَيْهِ, والعبد مجبور لاَّ اختيار له مسير مجبور.

فَهُوَ كالكوز الَّذِي يصب فيه الماء, فالعباد كأنه كوز وعاء, والله صباب لما فيه؛ حَتَّىَ بالغوا وغلوا قَالُوا: إِنَّ الله هُوَ المصلي والصائم, هؤلاء بالغوا حَتَّىَ قَالُوا: إِنَّ الله هُوَ المصلي والصائم, والعبد ما له شَيْء؛ لِأَنَّهُ مجبور هَذِهِ الطائفة الجبرية الطائفة الثانية, غلوا فِي إثبات قدرة الله حَتَّىَ سلبوا العبد قدرته واختياره.

والأفعال للناس طوائف, هَذِهِ الطائفة الأولى الَّتِي غلو الجبرية.

الطائفة الثانية: الَّذِينَ غلوا فِي إثبات أفعال العبد, وَقَالُوا : إِنَّ العبد هُوَ الَّذِي يخلق أفعاله استقلالًا من دون الله, هَذِهِ تقابل الطائفة الأخرى, قَالُوا: العبد هُوَ الَّذِي يفعل من دون الله, أعوذ بالله, كون الإنسان يفعل المعاصي ويفعل الطاعات, وإِذَا فعل العاصي هُوَ الَّذِي خلق المعاصي وَهُوَ الَّذِي خلق الطاعات, فَإِذا فعل العاصي المعاصي وعذبه الله مستحق, فهم يرون هَـذَا, يرون أَن العبد هُوَ الفاعل, هَـذَا غلوا فِي إثبات فعل العبد.

أولئك الجبرية غلوا فِي إثبات قدرة الله؛ حَتَّىَ سلبوا العبد قدرته وفعله, وهؤلاء غلوا فِي إثبات أفعال العبد؛ حَتَّىَ قَالُوا: إِنَّ العبد هُوَ الَّذِي يخلق فعل نفسه استقلالًا من دون الله.

وطائفة توسطت كما ذكر المؤلف بين هؤلاء وبين هؤلاء, فَقَالُوا : العبد له قدر واختيار, وَلَـكِن قدرته واختياره تابعة لمشيئة الله, كما قَالَ الله تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)[التكوير/29] .

فالأفعال الَّتِي يفعلها العباد هِيَ من الله خلقًا وإيجادًا, ومن العبد فعلاً وتسببًا ومباشرة, إذًا فِي هَـذَا أفعال العبد كم مذهب؟

  • ثلاثة مذاهب:

مذهب القدرية: العبد يخلق فعل نفسه.

مذهب الجبرية: العبد مجبور ليس له قدرة ولا اختيار.

مذهب السُّنَّةِ: وسط, هُوَ أَن أفعال العباد لها تأثير وهِيَ من الله خلقًا وإيجادًا وتقديرًا, ومن العبد فعلاً وتسببًا وكسبًا.

  • المؤلف جعل الطائفة هَذِهِ قسمهم إِلَى قسمين:
  1. طائفة غلت فِي التنزيه.
  2. وطائفة غلت فِي إثبات قدرة الله.

 

غلت فِي التنزيه وهم الجهمية والمعطلة، وطائفة غلت فِي إثبات القدرة لله U, وغلوًا بلغ إِلَى حد أَنَّهُ لاَّ تأثير لغيرها, ولا اعتبار لَمَّا سواها, (وأفضى ذَلِك إِلَى الْجَبْر الْمَحْض, يَعْنِي الخالص), (والقسر الْخَالِص), ابْنَ القيم رحمه الله له فِي هَـذَا كتاب مؤلف خاص بالقدر سماه " شفاء العليل " فِي القضاء والقدر والحكم والتعليل.

وَعَلَى هَـذَا الجبرية يَقُولُونَ: (فَلم يبْق لبعث الرُّسُل وإنزال الْكتب كثير فَائِدَة وَلَا يعود ذَلِك على عباده بعائدة), الَّذِينَ غلوا فِي إثبات القدرة غلوًا بلغ إِلَى حد لاَّ تأثير لغيرها ولا اعتبار لَمَّا سواها, أفضى بهم ذَلِكَ إِلَى الجبر, القسر الخالص, وَلَمْ وصلوا إِلَى الجبر (فَلم يبْق لبعث الرُّسُل وإنزال الْكتب كثير فَائِدَة وَلَا يعود ذَلِك على عباده بعائدة)؛ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ العبد مجبور يكون العبد مجبور؛ وَعَلَى هَـذَا تكون الشرائع عبث والكتب عبث والرسل عبث.

فَإِذا قِيلَ لأحدهم إِذَا فعل المعصية: لمَ تفعل المعصية؟ قَالَ: أنا مجبور, وَقَالَ: أنا إِنَّ خالفت أمره شرعي الديني فقد وافقت أمره الكوني, هَـذَا من أبطل الباطل.

إذًا أفعال العباد هِيَ كم طائفة؟ ثلاثة طوائف:

أفعال العباد يَعْنِي عَلَى هَذِهِ الأقسام الثلاثة المذاهب:

  1. طائفة تنفي أفعال العباد وهم الجبرية.
  2. وطائفة تغلوا فِي إثبات العباد وهم القدرية.
  3. وطائفة تتوسط وهم أهل السُّنَّةِ.

المؤلف رحمه الله يَقُول: الطائفة الأخرى غلت فِي إثبات القدرة, الطائفة الأولى غلت فِي إثبات التنزيه فِي تنزيه الرب؛ حَتَّىَ وصلوا إِلَى إنكار الصفات وجحدها, وطائفة غلت فِي إثبات القدر غلوًا بلغ إِلَى حد أَنَّهُ لاَّ تأثير لغيرها, ولا اعتبار بما سواها, غلت فِي إثبات القدرة غلوًا إِلَى حد أَنَّهُ لاَّ تأثير لغيرها ولا اعتبار بما سواها, قَالَ: أفضى ذَلِكَ إِلَى الجبر المحض والقسر الخالص, الجبر المحض يعني الخالص.

الجهمية جبرية خالصة, والأشاعرة جبرية متوسطة, الجبرية المحض كالصوفية ينكرون أَن يكون المخلوق له تأثير, الجبرية المحض القسر الخالص, ولهذا قَالَ المؤلف رحمه الله: (فَلم يبْق لبعث الرُّسُل وإنزال الْكتب كثير فَائِدَة وَلَا يعود ذَلِك على عباده بعائدة).

إذًا هؤلاء الَّذِينَ قَالُوا العبد مجبور تكون الشرائع عبث والكتب عبث والرسل عبث, قَالَ: (فَكَانُوا كالطائفة الأولى فِي الضلال والإضلال مَعَ أَن كلا المقصدين صَحِيح), كلٌ منهما قصده صحيح (وحجج كل مِنْهُمَا صبيح لَوْلَا مَا شانه من الغلو الْقَبِيح).

(المتن)

وَطَائِفَة توسطت ورامت الْجمع بَين الضَّب وَالنُّون وظنت أَنَّهَا وقفت بمَكَان بَين الإفراط والتفريط ثمَّ أخذت كل طَائِفَة من هَذِه الطوائف الثَّلَاث تجَادل وتناضل وَتحقّق وتدقق فِي زعمها وتجول على الْأُخْرَى وتصول بِمَا ظَفرت مِمَّا يُوَافق مَا ذهبت إِلَيْهِ وكل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ وَعند الله تلتقي الْخُصُوم.

(الشرح)

نعم الطائفة الثالثة توسطت الطائفة الأولى اللي غلت فِي التنزيه هَـذَا قلنا: الصفات فيها ثلاثة مذاهب:

مذهب المعطلة غلوا فِي التنزيه؛ حَتَّىَ وصلوا إِلَى نفي الصفات عَنْ الله, والثانية المشبهة غلوا فِي إثبات قدرة العبد؛ حَتَّىَ قَالُوا إِنَّ العبد يخلق فعل نفسه استقلالًا, إذًا طائفة غلت فِي التنزيه؛ حَتَّىَ عطلوا الرب عَنْ صفاته.

وطائفة غلت فِي الإثبات حَتَّىَ شبهوا صفات الله بصفات خلقه.

وطائفة توسطت وهم أهل السُّنَّةِ والجماعة, فأثبتوا الأسماء والصفات لله ونفوا التشبيه الَّذِي هُوَ الغلو.

وطائفة غلت فِي التنزيه وهم المعطلة, فهم نزهوا الرب عَنْ مشابهة المخلوقات؛ لَـكِن تجاوزوا الحد فِي غلوهم؛ حَتَّىَ نفوا الأسماء والصفات وجحدوها وعطلوا الرب عَنْ أسمائه وصفاته.

ويقابلهم طائفة غلت فِي الإثبات وهم المشبهة, فأثبتوا الأسماء والصفات لله؛ لَـكِن غلوا فِي هَـذَا الإثبات؛ حَتَّىَ قَالُوا: إِنَّ المخلوق يشبه الخالق فِي الصفات, أَن صفات الله كصفات المخلوق, وطائفة تتوسط وهم أهل السُّنَّةِ والجماعة, فأثبتوا الأسماء لله ونفوا التمثيل, ونزهوا الله عما لاَّ يليق به ونفوا التعطيل.

فصار الآن عندنا ثلاثة مذاهب الآن, طائفتان متقابلتان ومتوسطة, من هما الطائفتان المتقابلتان؟ المعطلة الَّذِينَ غلوا فِي التنزيه حَتَّىَ سلبوا العبد قدرته واختياره حَتَّى أنكروا الصفات.

والطائفة الثانية المشبهة غلوا فِي الإثبات حَتَّىَ شبهوا الخالق بالمخلوق.

وأهل السُّنَّةِ الطائفة الثالثة توسطوا فأثبتوا الأسماء لله تعالى ونفوا التمثيل والتشبيه.

وكذلك الطائفة الَّتِي غلت فِي إثبات قدرة العبد غلوا فِي إثبات القدرة للرب, هَـذَا فِي مسألة أفعال الرب, طائفة غلت فِي أثبات أفعال الرب, إثبات أفعال الرب حَتَّىَ بلغوا إِلَى حدٍ لاَّ تأثير للعبد وليس له قدرة ولا اختيار, فوصلوا إِلَى القول بالجبر قَالُوا: العبد مجبور, أفضى ذَلِكَ بهم إِلَى الجبر المحض والقسر الخالص.

قَالَ المؤلف: (فَلم يبْق لبعث الرُّسُل وإنزال الْكتب كثير فَائِدَة), إذًا ما الفائدة إِذَا كان العبد مجبور؟ فَإِذا قلت له: صلِّ, قَالَ: أنا مجبور, صم, قَالَ: أنا مجبور, نقول: أنت لك الاختيار تستطيع أَن تبول وتذهب وتأكل وتشرب وتنام, تذهب تحضر الدورة أو ما تحضر ما أحد يمنعك, صحيح أَن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله, كما أخبر تعالى: (ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ)[التكوير/29] .

لَـكِن العبد يعرف من نفسه أَنَّهُ عنده قدرة واختيار, فأفعال العبد فيه ثلاث مذاهب, مذهب غلوا فِي نفي أفعال العباد؛ حَتَّىَ سلبوا العبد قدرته واختياره, ووصلوا إِلَى الجبر, وَقَالُوا : العبد مجبور وَعَلَى هَـذَا تكون الشرائع عبث والرسل عبث, ما الفائدة من الشرع؟ إِذَا قلت له: أنت عصيت الله, قَالَ: أنا عصيت أمره الديني وقد وافقت أمره الكوني, يَقُول: العبد مجبور, إِذَا قلت له: صلِّ, قَالَ: الله لو أرادني أَن أصلِّ أصلِّ, يحتج بالقدر, وهذا مشابه للمشركين الَّذِينَ قَالُوا: ( ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﮇ)[الأنعام/148]؛ ويقول: العبد مجبور, ويستدل بالبيت: ألقاه فِي اليم مكتوفًا وَقَالَ له إياك إياك أَن تبتل بالماء.

يَقُول: العبد مأمور لَـكِن ما له قدرة ولا اختيار, وهذا قول من أبطل الباطل.

  • قلنا: إِنَّ أفعال العبد تنقسم إِلَى قسمين:
  1. أفعال اختيارية.
  2. وأفعال اضطرارية.

الاضطرارية نعم لاَّ يلام عليها, حركة المرتعش والنائم وحركة الأشجار ونبض العروق, هَـذَا ليس للإنسان له اختيار.

والثاني: أفعال اختيارية وهِيَ ما يفعلها باختياره, فإذًا المذهب الأول مذهب الجبرية والمذهب الثَّانِيَ مذهب القدرية غلوا فِي إثبات أفعال العبد؛ حَتَّىَ قَالُوا: إِنَّ العبد يخلق فعل نفسه استقلالًا.

الطائفة الثالثة: أهل السُّنَّةِ والجماعة توسطوا, قَالُوا: أفعال العباد هِيَ من الله خلقًا وإيجادًا وتقديرًا, ومن العبد فعلاً وتسببًا ومباشرة, فالعبد يفعل باختياره, أعطاه الله القدرة والاختيار, وإن كان الله تعالى خلق العبد وخلق قدرته, وَلَـكِن أعطاه القدرة والاختيار, فَهُوَ مثاب عَلَى أفعاله ومعاقب؛ لِأَنَّهُ يفعل باختياره, هُوَ المصلي وَهُوَ الصائم وَهُوَ المطيع والمرابي وَهُوَ السارق.

فصارت عندنا الطائفة الأولى الَّتِي غلت فِي التنزيه قلت لَكُمْ ثلاث طوائف, والطائفة الَّتِي غلت فِي الإثبات فِي ثلاثة طوائف.

قَالَ المؤلف بين الطائفتين الَّذِينَ غلوا أو الطائفة الَّتِي غلت فِي إثبات القدرة: (وَجَاءُوا بتأويلات للآيات الْبَينَات ومماحلات لحجج الله الواضحات فَكَانُوا كالطائفة الأولى فِي الضلال والإضلال), الطائفة الأولى الَّذِينَ غلوا فِي التنزيه, وهؤلاء غلوا فِي إثبات قدرة الله U, فكانوا كالطائفة الأولى فِي الضَّلَالِ والإضلال (مَعَ أَن كلا المقصدين صَحِيح), يَعْنِي كُلّ منهما يريد الْحَقّ, (وَوجه كل مِنْهُمَا صبيح لَوْلَا مَا شانه من الغلو الْقَبِيح), فالمعطلة الَّذِينَ نفوا صفات الله مقصدهم صحيح, ما هُوَ مقصدهم؟ تنزيه الرب عَنْ المماثلة, لكنهم غلو وتجاوزا الحد.

كذلك الَّذِينَ أثبتوا قدرة الله غلوا فِي إثبات أفعال الرب؛ حَتَّىَ سلبوا العبد قدرته واختياره ووصلوا إِلَى الجبر.

وطائفة توسطت ورامت الجمع بين الضب والنون, النون هُوَ الحوت, الضب هُوَ المعروف, وظنت أنها وقفت بمكان بين الإفراط والتفريط, المؤلف ذكر هَذِهِ الطائفة قَالَ: (توسطت ورامت الْجمع بَين الضَّب وَالنُّون وظنت أَنَّهَا وقفت بمَكَان بَين الإفراط والتفريط), هَـذَا مجمل, هُوَ عرف كيف توسط أهل السُّنَّةِ بين نفاة الصفات والمشبهة, أهل السُّنَّةِ توسطوا, ونفاة الصفات المعطلة غلوا, والمشبهة غلوا فِي الإثبات, والمعطلة غلوا فِي التنزيه وأهل السُّنَّةِ توسطوا, أثبتوا الصفات ونزهوا الرب.

فأثبتوا الصفات لَـكِن لَمْ يصلوا إِلَى ما وصلت إليه المشبهة من التشبيه, وكذلك نزهوا وَلَـكِن لَمْ يصلوا إِلَى ما وصل إليه المعطلة فِي التنزيه؛ بَلْ أثبتوا إثباتًا بلا تمثيل وتنزيهًا بلا تعطيل, عَلَى حد قول الله تعالى: ( ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[الشورى/11] .

فهم يثبتون الأسماء والصفات إثباتًا لا يصل إِلَى حد التشبيه كالمشبهة والتمثيل, وينزهون الرب عن النقائص والعيوب؛ وَلَـكِن تنزيهًا لا يصل إِلَى نفي الصفات, فكان مذهب أهل السُّنَّةِ خرج بين فرث التشبيه ودم التعطيل؛ لِأَنَّهُمْ أثبتوا الصفات وتبرؤوا من التشبيه, ونزهوا الرب عَنْ مشابهة المخلوقات, وتبرؤوا من التعطيل, فخرج مذهب أهل السُّنَّةِ من بين فرث ودم لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين.

وكذلك فِي باب الأفعال, طائفتان, طائفة غلت فِي إثبات أفعال الرب وقدرته, حَتَّىَ سلبوا العبد قدرته واختياره, وَقَالُوا : العبد مجبور.

وطائفة غلت فِي إثبات أفعال العبد؛ حَتَّىَ قَالُوا: إِنَّ العبد يخلق فعل نفسه استقلالًا من دون الله.

وطائفة أهل السُّنَّةِ توسطوا بين هؤلاء وهؤلاء, فَقَالُوا : أفعال العبد هِيَ من الله خلقًا وإيجادًا وتقديرًا, وهِيَ من العبد فعلاً وتسببا ومباشرة, فالعبد هُوَ الَّذِي تسبب وفعلها وباشرها, باختياره وإن كان الله خلقها وأوجدها.

قَالَ المؤلف: (ثمَّ أخذت كل طَائِفَة من هَذِه الطوائف الثَّلَاث تجَادل وتناضل وَتحقّق وتدقق فِي زعمها وتجول على الْأُخْرَى وتصول بِمَا ظَفرت مِمَّا يُوَافق مَا ذهبت إِلَيْهِ وكل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ وَعند الله تلتقي الْخُصُوم).

يَعْنِي المعطلة يجادلون, أَمَّا الْمُعْتَزِلَة والأشاعرة والمشبهة الممثلة وهم السالمية وغيرهم, والممثلة معروف أَنَّهُمْ أكثر من الرافضة من الشيعة؛ يجادلون عَنْ مذهبهم, وأهل السُّنَّةِ يوضحون الْحَقّ ويستدلون بالنصوص.

وكذلك فِي أفعال العباد الجبرية يناضلون عَنْ مذهبهم والقدرية يناضلون عَنْ مذهبهم, وأهل السُّنَّةِ يستدلون, ولهذا قَالَ المؤلف رحمه الله: (ثمَّ أخذت كل طَائِفَة من هَذِه الطوائف الثَّلَاث تجَادل وتناضل وَتحقّق وتدقق فِي زعمها وتجول على الْأُخْرَى وتصول بِمَا ظَفرت مِمَّا يُوَافق مَا ذهبت إِلَيْهِ وكل حزب بِمَا لديهم فَرِحُونَ وَعند الله تلتقي الْخُصُوم).

(المتن)

وَمَعَ هَذَا فهم متفقون فِيمَا بَينهم على أَن طَرِيق السّلف أسلم وَلَكِن زَعَمُوا أَن طَرِيق الْخلف أعلم فَكَانَ غَايَة مَا ظفروا بِهِ من هَذِه الأعلمية لطريق الْخلف أَن تمنى محققوهم وأذكياؤهم فِي آخر أَمرهم دين الْعَجَائِز وَقَالُوا هَنِيئًا للعامة.

(الشرح)

يَقُول: مع هَـذَا فهم متفقون, الطوائف الَّتِي خالفت مذهب أهل السُّنَّةِ والجماعة من الْمُعْتَزِلَة والجهمية لهم عبارة مشهورة يَقُولُونَ: طريق السلف أسلم وطريق الخلف أعلم وأحكم, هَذِهِ العبارة المشهورة, طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم.

طريقة السلف ما هِيَ؟ عدم تحريف الصفات عدم تأوليها, (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)[طه/5]؛إثبات الاستواء.

( ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮉ)[المجادلة/22]؛ إثبات الرضا.

( ﮀ ﮁ ﮂ ﮍ)[الممتحنة/13]؛ إثبات الغضب.

طريقة السلف, يَقُول: هَذِهِ الطريقة أسلم ما فيها تأويل ولا شَيْء, وطريقة الخلف أعلم وأحكم, يَعْنِي عندهم علم فهم يؤولون الصفات, يؤولون الاستواء بالاستيلاء, والرضا بالثواب والغضب بالعقاب, عندهم علم حملهم هَـذَا العلم عَلَى التأويل, وهذا من أبطل الباطل.

وكأنه يَقُول: السلف قوم سذج ما يعرفون, سذج إِنَّمَا يمرون النصوص كما جاءت وليس عندهم معرفة, فهم قوم سذج بخلاف الخلف فإنهم أعلم وأحكم, وهذا باطل؛ بَلْ طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم.

السلف يتدبرون المعاني يبينوا المعاني, ليسوا مفوضة, فطريقة السلف أعلم وأحكم وأسلم, ذكر المحشي هنا قَالَ, أقرأ رقم أربعة, هَذِهِ العالمية فِي صفحة 41, علق عَلَى قوله: وَلَـكِن زعموا أَن طريقة الخلف أعلم.

يَقُول: هَذِهِ العالمية, قوله: أعلم, ثالثة الأسافي الَّتِي استقر عليها مذهب المعطلة, قَالَ: حشروا آيات الصفات فِي زمرة المتشابه الَّذِي لاَّ يعلم تأويله إِلاَّ الله U, ثُمَّ قَالُوا: يسعنا ما وسع أهل العلم من السلف الصالح, فنكل معرفة معانيها ونحقق المراد منها إِلَى الله, فنسبوا خير القرون إِلَى الْجَهْل.

وَلَمَّا رأوا أَن هَـذَا المذهب لاَّ يتفق أو لاَّ ينفخ فِي سوق العلم والمجادلة, قَالُوا: مذهب السلف أسلم؛ وَلَـكِن مذهب الخلف أعلم أحكم.

قلنا: هَذِهِ المقالة الَّتِي هِيَ فِي غاية الضَّلَالِ باطلة من وجوه, ذكر قَالَ: لقد فصل الخلف بين السلامة والعلم والحكمة, وهل العلم والحكمة إِلاَّ أساسًا للسلامة الَّتِي تسير في ركاب العلم؟

ثانيًا: كيف يكون الخالفون أعلم بالله من خير القرون؟ وهل الخيرية إِلاَّ فِي العلم والحكمة؟

ثالثًا: أي علم وحكمة فِي مذهب تبرأ منه رؤوسه, وأعلن أقطابه خطئه وزيفه, وأقروا عَلَى أنفسهم بالحيرة إِلَى آخره.

المقصود أَن هَذِهِ الدعوى قولهم: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم باطلة, بَلْ طريقتهم التحريف والتبديل, وطريقة السلف هِيَ الأسلم والأعلم والأحكم, ولهذا قَالَ المؤلف رحمه الله: (فَكَانَ غَايَة مَا ظفروا بِهِ من هَذِه الأعلمية لطريق الْخلف أَن تمنوا محققوهم وأذكياؤهم فِي آخر أَمرهم دين الْعَجَائِز وَقَالُوا هَنِيئًا للعامة).

يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا: طريقة الخلف أعلم وأحكم نهايتهم تمنوا أَن يكونوا عَلَى عقيدة العجائز, فَقَالَ بعضهم: يا ليتني أموت عَلَى عقيدة عجائز نيسابور, والرازي والغزالي وغيرهم حاروا فِي أمرهم وتمنوا, وكذلك الشهرستاني:

لعمري لقد طُفت المعاهد كلها
 

 

وصرحت طرفي بين تلك المعالمِ
 

فلم أرَ إلا واضعا كف حـائرِ
 

 

على ذَقَنٍ، أو قارعاً سن نادم
 

 

حائر عنده حيرة, أو قارعًا سن نادمي يفكر ما يدري, قَالَ بعضهم: ليتني أموت عَلَى عقيدة أمي فِي النهاية, والرازي له كتب وله مؤلفات وله كتاب فِي علم النجوم, ثُمَّ فِي النهاية رجع, هداه الله وتاب وترحم عَلَيْهِ شيخ الْإِسْلَام, ذكر توبته فِي " بيان تلبيس الجهمية " , وَقَالَ: إِنَّهُ دخل فِي البحر الخضم (.....) ثُمَّ هداه الله وَقَالَ: رأيت أقرب الطرق طريقة الْقُرْآن, اقرأ فِي الإثبات: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ)[طه/5]؛ واقرأ في النفي: ( ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ)[الشورى/11] .

قَالَ: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي, بعضهم بقي فِي حيرة فِي شك عِنْدَ الموت, ولا أعظم من الشك عَنْد الموت المعطلة, نسأل الله العافية.

بقوا فِي حيرة؛ حَتَّىَ إِنَّ بعضهم كما قلت لاَّ ينام, يضع رأسه عَلَى وسادته لينام ويجلس يوازن بين المذاهب وبين أقوال هؤلاء وأقوال هؤلاء, وحجج هؤلاء؛ حَتَّىَ يطلع الفجر, وَلَمْ يصل إِلَى نتيجة, نسأل الله السلامة والعافية.

الواجب عَلَى المسلم أَن يحذر من الدخول فِي شبه أهل الكلام؛ حَتَّىَ لاَّ يضل وأن يلزم مذهب أهل السُّنَّةِ والجماعة, وَهُوَ المذهب الْحَقّ, والاعتصام بكتاب الله وسُنَّةَ رسوله, وإجراء النصوص وإمرارها عَلَى ما يليق بجلال الله وعظمته.

(المتن)

 فَتدبر هَذِه الأعلمية الَّتِي حاصلها أَن يهنى من ظفر بهَا الجاهل الْبَسِيط ويتمنى أَنه فِي عدادهم وَمِمَّنْ يدين بدينهم وَيَمْشي على طريقهم فَإِن هَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوت وَيدل بأوضح دلَالَة على أَن هَذِه الأعلمية الَّتِي طلبوها الْجَهْل خير مِنْهَا بِكَثِير فَمَا ظَنك بِعلم يقر صَاحبه على نَفسه أَن الْجَهْل خير مِنْهُ وَيَنْتَهِي عِنْد الْبلُوغ إِلَى غَايَته والوصول إِلَى نهايته أَن يكون جَاهِلا بِهِ عاطلا عَنهُ.

(الشرح)

يَعْنِي تدبر هَذِهِ الأعلمية, يَعْنِي قولهم المقالة المشهورة, طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم, يَقُول: القول الخلف أعلم وأحكم, هَـذَا الأعلم والأحكم إِلَى ماذا وصلت أصحابها؟ تدبر هَذِهِ الأعلمية أَن قول الخلف أعلم وأحكم, الَّتِي حاصلها أَن يهنأ من ظفر بها لأهل الْجَهْل البسيط, قول: هينئًا للعامة الَّذِينَ لَمْ يتعلموا, عقيدتهم عَلَى الفطرة سليمة.

وهم العامة أهل جهل, ومع ذَلِكَ هَـذَا يهنأ العامة, شوف وصلت به الحال يدعي أَن طريقة الخلف أعلم؛ ثُمَّ فِي النهاية يهنأ العامة أهل الْجَهْل.

(فَتدبر هَذِه الأعلمية الَّتِي حاصلها أَن يهنى من ظفر بهَا لأهل الْجَهْل الْبَسِيط ويتمنى أَنه فِي عدادهم), يَقُول: يا ليتني كنت جاهلاً, يا ليتني أعتقد ما يعتقده العامة, يا ليتني أعتقد ما يعتقده العجائز, يتمنى أَنَّهُ فِي عدادهم وممن يدين بدينهم بسبب الحيرة والشك الَّذِي حصل, ويمشي عَلَى طريقهم.

قَالَ: (فَإِن هَذَا يُنَادي بِأَعْلَى صَوت وَيدل بأوضح دلَالَة على أَن هَذِه الأعلمية الَّتِي طلبوها الْجَهْل خير مِنْهَا بِكَثِير), طريقة الخلف أعلم وأحكم هَذِهِ الأعلمية الْجَهْل خيرٌ منها بكثير.

(فَمَا ظَنك بِعلم يقر صَاحبه على نَفسه أَن الْجَهْل خير مِنْهُ), هَـذَا علم أهل الكلام أصحابه يقرون الْجَهْل خيرٌ منه (وَيَنْتَهِي عِنْد الْبلُوغ إِلَى غَايَته والوصول إِلَى نهايته أَن يكون جَاهِلا بِهِ), فِي النهاية يكون جاهل عاطلاً عنه.

(المتن)

فَفِي هَذَا عِبْرَة للمعتبرين وَآيَة بَيِّنَة للناظرين فَهَلا عمِلُوا على جهل هَذِه المعارف الَّتِي دخلُوا فِيهَا بادئ بَدْء وسلموا من تبعاتها وأراحوا أنفسهم من تعبها وَقَالُوا كَمَا قَالَ الْقَائِل

أرى الْأَمر يُفْضِي إِلَى آخر ... يصير آخِره أَولا, وربحوا الخلوص من هَذَا التَّمَنِّي والسلامة من هَذِه التهنئة للعامة فَإِن الْعَاقِل لَا يتَمَنَّى رُتْبَة مثل رتبته أَو دونهَا وَلَا يهنئ لمن هُوَ دونه أَو مثله, وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا لمن رتبته أرفع من رتبته, ومكانه أَعلَى من مَكَانَهُ.

فيا لله الْعجب من علم يكون الْجَهْل الْبَسِيط أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ وَأفضل مقدارًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ, وَهل سمع السامعون مثل هَذِه الغريبة أَو نقل الناقلون مَا يماثلها أَو يشابهها؟.

(الشرح)

نعم يقول المؤلف: (فَفِي هَذَا عِبْرَة للمعتبرين وَآيَة للناظرين فَهَلا عمِلُوا على جهل هَذِه المعارف الَّتِي دخلُوا فِيهَا بادئ بَدْء وسلموا من تبعاتها), يَعْنِي يخاطب أهل الكلام من الْمُعْتَزِلَة والجهمية والأشاعرة الَّذِينَ نفوا الصفات ووصلوا إِلاَّ الحيرة والاضطراب, قَالَ: هلا عملوا عَلَى جهل هَذِهِ المعارف, يَعْنِي حججهم وأدلتهم العقلية الَّتِي يركبونها, الصفات لاَّ تقوم إِلاَّ بجسم وكل جسم حادث, فالله لا يتصف بصفات؛ لِأَنَّ كُلّ جسم حادث, هَـذَا من أدلتهم العقلية.

يَقُول: (فَهَلا عمِلُوا على جهل هَذِه المعارف), لو جهلوها, هَذِهِ العلوم لو جهلوها وَلَمْ يعلموها؛ حَتَّىَ يسلموا من تبعاتها, هَذِهِ العلوم الَّتِي دخلوها بادئ ذي بدء لو جهلوها لسلموا من تبعاتها وأراحوا أنفسهم من تبعاتها, وَقَالَ كما قَالَ القائل: أرى الأَمْر يفضي إِلَى آخره, يصور آخره أولا.

ثُمَّ يربح الخلوص من هَـذَا التمني, والسلامة من هَذِهِ التهنئة, يتمنون أَن يكون عَلَى دين العجائز, ويهنئون العامة, يقول: لو لَمْ يدخلوا فِي هَذِهِ الشبه وفي هَذِهِ العلوم الَّتِي أقرها أهل الكلام لربحوا الخلاص من هَـذَا التمني, من تمني أَن يكون عقيدتهم من عقيدة العجائز, والسلامة من هَذِهِ التهنئة للعامة, عامة النَّاس يخالفهم.

قَالَ: (فَإِن الْعَاقِل لَا يتَمَنَّى رُتْبَة مثل رتبته أَو دونهَا), العاقل هَلْ يتمنى مثل رتبه أو دونها؟ لا, يتمنى رتبة أعلى منها, فكونه يتمنى أَن يكون عَلَى عقيدة العجائز؛ دل عَلَى أَن عقيدة العجائز أعلى رتبة منه, كونه يتمنى أَن يكون مثل العامة مثل الجهال دليل عَلَى أَنَّهُ فِي رتبة أنزل من رتبة الجهال.

(وربحوا الخلوص من هَذَا التَّمَنِّي والسلامة من هَذِه التهنئة للعامة فَإِن الْعَاقِل لَا يتَمَنَّى رُتْبَة مثل رتبته أَو دونهَا وَلَا يهنئ لمن هُوَ دونه أَو مثله).

هم يَقُولُونَ: هنيئًا للعامة عقيدتهم وسلامتهم من الحيرة والاضطراب, فكونه يهنئونهم يَدُلُّ عَلَى أَن العامة أرفع مِنْهُم, هَلْ يهنئ الإنسان من هُوَ دونه؟ يهنئ من فوقه, لَـكِن من هُوَ مثله أو دونه لاَّ يهنئه, فدل عَلَى أَن العامة فوقهم, والجهال فوقهم؛ لِأَنَّهُمْ يهنئونهم, ولهذا قَالَ: (فَإِن الْعَاقِل لَا يتَمَنَّى رُتْبَة مثل رتبته أَو دونهَا وَلَا يهنئ لمن هُوَ دونه أَو مثله, وَلَا يكون ذَلِك إِلَّا لمن رتبته أرفع من رتبته, ومكانه أَعلَى من مَكَانَهُ).

فدل عَلَى أَن الجهال أعلى رتبةً من هؤلاء أهل الكلام أهل الحيرة, ومن مكانه أعلى من مكانه, يَقُول المؤلف: (فيا لله الْعجب), يتعجب (من علم يكون الْجَهْل الْبَسِيط أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ), ما هُوَ هَـذَا العلم؟ علم أهل الكلام المبني عَلَى الاستدلال بالأدلة العقلية وترك النصوص.

(فيا لله الْعجب من علم يكون الْجَهْل الْبَسِيط أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ), الْجَهْل البسيط هُوَ الجاهل, والجهل المركب هُوَ الجاهل ولا يدري أَنَّهُ جاهل, هؤلاء يتمنون أَن يكونوا مثل الجهال الْجَهْل البسيط.

(فيا لله الْعجب من علم يكون الْجَهْل الْبَسِيط أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ وَأفضل مقدارًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ, وَهل سمع السامعون مثل هَذِه الغريبة أَو نقل الناقلون مَا يماثلها أَو يشابهها؟).

ما هِيَ الغريبة؟ هُوَ أَن صاحب علم يتمنى أَن يكون مثل الجهال, هَـذَا غريب, شخص عنده علم يتمنى أَن يكون مثل الجهال أَن يكون جاهل؟ نعم؛ لِأَنَّ هَـذَا العلم الَّذِي حصل عَلَيْهِ أهل الكلام أورثهم حيرة واضطرابًا علم فاسد, علم معارض للنصوص, فلهذا تمنوا أن يكونوا جهالًا أفضل من هَـذَا العلم.

(المتن)

وَإِذا كَانَ حَال هَذِه الطَّائِفَة الَّتِي قد عرفناك أخف هَذِه الطوائف تكلفا وأقلها تبعة فَمَا ظَنك بِمَا عداها من الطوائف التي قد ظهر فَسَاد مقاصدها وَتبين بطلَان مواردها ومصادرها كالطوائف الَّتِي أَرَادَت بالمظاهر الَّتِي تظاهرت به ا كبار الْإِسْلَام وَأَهله وَالسَّعْي فِي التشكيك فِيهِ بإيراد الشّبَه وَتَقْرِير الْأُمُور المفضية إِلَى الْقدح فِي الدّين وتنفير أَهله عَنهُ وَعند هَذَا تعلم أَن خير الْأُمُور السالفات على الْهدى, وَشر الْأُمُور المحدثات الْبَدَائِع وَأَن الْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا شُبْهَة هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ خير الْقُرُون ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ وَقد كَانُوا رَحِمهم الله وأرشدنا إِلَى الِاقْتِدَاء بهم والاهتداء بهديهم يَمرونَ أَدِلَّة الصِّفَات على ظَاهرهَا وَلَا يتكلفون علم مَا لَا يعلمُونَ.

(الشرح)

يَقُول المؤلف: (وَإِذا كَانَ حَال هَذِه الطَّائِفَة الَّتِي هي أخف هذه الطوائف فَمَا ظَنك بِمَا عداها من الطوائف التي قد ظهر فَسَاد مقاصدها).

يَقُول: هَذِهِ الطائفة اللي هِيَ أخف الطوائف يتمنون أَن يكونوا مثل الجهال, هَذِهِ أخف الطوائف, (فَمَا ظَنك بالطوائف التي قد ظهر فَسَاد مقاصدها, وَتبين بطلَان مواردها ومصادرها, كالطوائف الَّتِي أَرَادَت بالمظاهر الَّتِي تظاهرت بهَا إكبار الْإِسْلَام وَأَهله وَالسَّعْي فِي التشكيك فِيهِ بإيراد الشّبَه وَتَقْرِير الْأُمُور المفضية إِلَى الْقدح فِي الدّين وتنفير أَهله عَنهُ).

يَعْنِي إِذَا كانت هَذِهِ أخف الطوائف يتمنون أَن يكونوا مثل العامة, وهم أخف الطوائف تكلفًا وأقلها تبعة, فالطوائف الَّتِي أعلى منها مثل طوائف الصوفية الَّذِينَ يرون أَنَّهُمْ إِذَا وصلوا إِلَى العلم وأن من علم ما قدر سيكون, وجعل أفعاله أفعال الله وصفاته صفات لله سقط عنه التكليف, يصير ليس عَلَيْهِ أوامر ولا نواهي.

ثُمَّ أيضًا الصوفية الَّذِينَ وصلوا إِلَى القول بوحدة الوجود فما ظنك بهم؟ هؤلاء ملاحدة زنادقة, فَإِذا كان حال الطائفة الَّتِي هِيَ أخف الطوائف يتمنون أَن يكونوا مثل الجهال, فَمَنْ عداهم أشد وأشد.

(فَمَا ظَنك بِمَا عداها من الطوائف التي قد ظهر فَسَاد مقاصدها, وَتبين بطلَان مواردها ومصادرها, كالطوائف الَّتِي أَرَادَت بالمظاهر الَّتِي تظاهرت بهَا إكبار الْإِسْلَام وأهله), يَعْنِي يظهرون أشياء ويتظاهرون بأنهم يكفرون الْإِسْلَام ويتقلون أهله (وَأَهله وَالسَّعْي فِي التشكيك فِيهِ بإيراد الشّبَه وَتَقْرِير الْأُمُور المفضية إِلَى الْقدح فِي الدّين وتنفير أَهله عَنهُ).

يَعْنِي هَذِهِ الطوائف الَّتِي تظهر بأنها أرادت بالمظاهر الَّتِي تظاهرت به إكبار الْإِسْلَام وأهله, (وَالسَّعْي فِي التشكيك فِيهِ بإيراد الشّبَه وَتَقْرِير الْأُمُور المفضية إِلَى الْقدح فِي الدّين وتنفير أَهله عَنهُ).

يَعْنِي هَذِهِ الطوائف الأخرى الَّتِي سعت فِي التشكيك فِي الدين وإيراد الشبه وتقرير الأمور الَّتِي تفضي إِلَى القدح فِي الدين وتغفيل أهله عنه, هَـذَا أعظم وأعظم.

قَالَ: (وَعند هَذَا تعلم أَن خير الْأُمُور السالفات على الْهدى, وَشر الْأُمُور المحدثات الْبَدَائِع), تعلم أَن الخير فِي اتِّبَاعِ السلف الصالح هم الرسل وأتباعهم من الصحابة والتابعين, خير الأمور السالفة عَلَى الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع.

قَالَ: (وَأَن الْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا شُبْهَة هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ خير الْقُرُون ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ ثمَّ الَّذين يَلُونَهُمْ), يشير إِلَى حديث: «خير النَّاس قرني ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم».

يَقُول: (وَأَن الْحق الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا شُبْهَة هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ خير الْقُرُون), وَهُوَ مذهب السلف الصالح, من الصحابة والتابعين.

قَالَ:(وَقد كَانُوا رَحِمهم الله وأرشدنا إِلَى الِاقْتِدَاء بهم), يَعْنِي السلف الصالح (والاهتداء بهديهم يَمرونَ أَدِلَّة الصِّفَات على ظَاهرهَا وَلَا يتكلفون علم مَا لَا يعلمُونَ وَلَا يتأولون).

هَذِهِ طريقة السلف أَنَّهُمْ يمرون أَدِلَّة الصفات عَلَى ظاهرها, بمعنى أَنَّهُمْ يمرونها مع إثبات المعنى يَعْنِي ويفوضون علم الكيفية إِلَى الله, كما قَالَ الإمام أحمد: أمروها بلا كيف, إذًا يمرون أَدِلَّة الصفات عَلَى ظاهرها, إيش معنى يمرون؟ يَعْنِي لاَّ يتأولون المعاني, وليس المعنى أَنَّهُمْ يفوضون؛ بَلْ المعنى أَنَّهُمْ يمرون نصوص الصفات عَلَى ظاهرها؛ يَعْنِي مثبتين ما دل عَلَيْهِ ظاهرها من المعاني الحقة, ولا يتكلفون علم ما لاَّ يعلمون ولا يتأولونه, لاَّ يتكلفون علم الشيء الَّذِي لاَّ يعلمونه ولا يتأولونه بالتأويلات الفاسدة؛ بَلْ يمرون النصوص كما جاءت ويثبتون معانيها, ولا ينفون إِلاَّ العلم الكيفية.

(المتن)

وَهَذَا الْمَعْلُوم من أَقْوَالهم وأفعالهم والمتقرر من مذاهبهم لَا يشك فِيهِ شَاك وَلَا يُنكره مُنكر وَلَا يُجَادِل فِيهِ مجادل, وَإِن نَزع بَينهم نازع أَو نجم فِي عصرهم ناجم أوضحُوا للنَّاس أمره وبينوا لَهُم أَنه على ضَلَالَة, وصرحوا بذلك فِي المجامع والمحافل وحذروا النَّاس من بدعته كَمَا كَانَ مِنْهُم لما ظهر معبد الْجُهَنِيّ وَأَصْحَابه, وَقَالُوا إِن الْأَمر أنف وبينوا ضلالته وَبطلَان مقَالَته للنَّاس فحذروه إِلَّا من ختم الله على قلبه وَجعل على بَصَره غشاوة.

(الشرح)

يَقُول المؤلف رحمه الله: (وَهَذَا الْمَعْلُوم من أَقْوَالهم وأفعالهم), يَعْنِي أهل السُّنَّةِ والجماعة, بأقوالهم وأفعالهم أَنَّهُمْ يمرون نصوص الصفات عَلَى ظاهرها؛ مثبتين معانيها ولا يتأولونها, ويفوضون علم الكيفية إِلَى الله.

(وَهَذَا الْمَعْلُوم من أَقْوَالهم وأفعالهم والمتقرر من مذاهبهم لَا يشك فِيهِ شَاك وَلَا يُنكره مُنكر وَلَا يُجَادِل فِيهِ مجادل, وَإِن نَزع بَينهم نازع أَو نجم فِي عصرهم ناجم).

إِذَا ظهر من أهل البدع, يَعْنِي ظهر بعض البدع مثل بدعة الجعد بْنَ درهم فقتل, قتل بفتاوى من الصحابة, ظهر الجهم وقتل (وَإِن نَزغ بَينهم نازغ أَو نجم فِي عصرهم ناجم أوضحُوا للنَّاس أمره وبينوا لَهُم أَنه على ضَلَالَة), وحذروا منه صرحوا فِي المجامع والمحافل وحذروا النَّاس من بدعته, كما فعل العلماء, كما ألف العلماء, ألف الإمام أحمد كتاب السُّنَّةِ وألف (.....) الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وألف الدارمي رد عثمان بْنَ سعيد الدارمي عَلَى بشر المريسي, فَإِذا ظهر مبتدع فَإِن العلماء يبينون أمره للناس, ويصرحون فِي المجامع والمحافل, يَعْنِي لاَّ يتركونه ويحذرون النَّاس من بدعته.

(كمَا كَانَ مِنْهُم لما ظهر معبد الْجُهَنِيّ), معبد الجهني كان أَوَّل من تكلم ببدعة القدر, أَوَّل من تكلم فِي القدر معبد الجهني وغيلان الدمشقي, أنكروا الأَمْر وَقَالُوا : إِنَّ الأَمْر أنف, مستأنف وجديد, قَالُوا: إِنَّ الله لاَّ يعلم بالأشياء؛ حَتَّىَ تقع, ويقال: أَوَّل من تكلم فِي القدر سوسن, رجل يقال له: سوسن, ثُمَّ أخذ معبد الجهني وغيلان الدمشقي وكان بالبصرة, وكان ذَلِكَ فِي أواخر عهد الصحابة, فِي أواخر عهد الصحابة ظهرت بدعة القدرية الأولى, الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الله لاَّ يعلم بالأشياء حَتَّىَ تقع, ويقولون: إِنَّ الأَمْر أنف, مستأنف من جديد.

كانوا يطلبون العلم فِي الحلقات ففزع زملائهم, فزعوا إِلَى الصحابة, ومن ذَلِكَ حميد الطويل ويحيى بْنَ معمر ،فزعا إِلَى عبد الله بْنَ عمر وأنكروا هَـذَا الأَمْر, وَقَالُوا: لو وفق لنا أحدٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حَتَّىَ نسأله, فخرج حاجين أو معتمرين, فَلَمَّا وصلا قَالُوا: وفق لنا عبد الله بْنَ عمر داخلاً المسجد الحرام, يَقُول: فاكتنفته أنا وصاحبي, يحيى بْنَ معمر, وظننت أَنَّهُ سيكل الكلام إِلَى, فقلت: يا أبا عبد الرحمن كنية ابْنَ عمر, إِنَّهُ ظهر قبلنا فِي البصرة أُناسٌ يتقفرون العلم, يَعْنِي يطلبون العلم, ويزعمون أَن الأَمْر أنف, يَعْنِي مستأنف وجديد, قَالُوا: إِنَّ الله لاَّ يعلم بالأشياء؛ حَتَّىَ تقع, فاستعظم هَـذَا ابْنَ عمر وَقَالَ: إِذَا لقيت هؤلاء فأخبرهم أنني بريء مِنْهُم, وَأَنَّهُمْ برآء مني, والذي نفس ابْنَ عمر بيده لو أنفق أحدٌ مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منه حَتَّىَ يؤمن بالقدر, ثُمَّ استدل بالحديث حديث عمر t فِي مجيء جبرائيل وأسئلته لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم, سأله عَنْ الْإِسْلَام, قَالَ: «الْإِسْلَام أَن تشهد أَلا إِلَهَ إِلاَّ الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزَّكَاة وتصوم رمضان وتحج البيت, قَالَ: صدقت, ثُمَّ سأله عَنْ الإيمان, قَالَ: أَن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره, ثُمَّ سأله عَنْ الإحسان, فَقَالَ: الإحسان أَن تعبد الله كأنه تراه فَإِن لَمْ تكن تراه فَإِنَّهُ يراك, ثُمَّ سأل عَنْ الساعة, فَقَالَ: ما المسئول عنها بأعلم من السائل, ثُمَّ سأله عَنْ أمارتها, فَقَالَ: أَن تلد الأمة ربتها, وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون فِي البنيان, ثُمَّ مكث مليًا فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ردوا السائل فذهبوا فَلَمْ يروا أحدًا, فَقَالَ: هَـذَا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم», وفي لفظ: «أمر دينكم», فجعل الدين مبني عَلَى هَذِهِ المراتب الثلاث: الْإِسْلَام, ثُمَّ الإيمان, ثُمَّ الإحسان.

وهذا أَوَّل حديث فِي صحيح مسلم, أَوَّل حديث فِي صحيح مسلم هُوَ هَـذَا الحديث, فالصحابة تبرأ ابْنَ عمر من القدرية وأخبر أَنَّهُمْ كفار, قَالَ: لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهبًا ما قبله الله منه؛ حَتَّىَ يؤمنون بالقدر, الَّذِي لاَّ يقبل الله أعماله هُوَ الكافر, قَالَ تعالى: (ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯴ[التوبة/54] .

ولهذا كفر العلماء القدرية الأولى, فالقدرة طائفتان: طائفة غلاة ومتوسطة, فالغلاة الَّذِينَ خرجوا فِي أواخر عهد الصحابة, الَّذِين تبرؤوا من ابْنَ عمر, أنكروا العلم علم الله بالأشياء حَتَّىَ تقع, إذًا نسبوا الله إِلَى الْجَهْل, قَالُوا: إِنَّهُ جاهل ما يدري حَتَّىَ تقع الأشياء ثُمَّ يعلم بها, فهؤلاء كفروا, وهم الَّذِينَ قَالَ فيهم شيخ الْإِسْلَام وغيره: خارجون من الاثنتين والسبعين فرقة, القدرية الأولى أنكروا علم الله.

اللي يَقُول: إِنَّ الله لاَّ يعلم بالأشياء حَتَّىَ تقع, أو رسوله جاهل, هَلْ يشك أحد فِي كفره؟ ما يشك, ولهذا الصحابة كفروهم, هم الَّذِينَ قَالَ فيهم الشافعية t: ناظروا القدرية بالعلم فَإِن أقروا به خصموا وإن أنكروا كفروا, وانقرضت هَذِهِ الطائفة وانتهت.

بقيت الطائفة الثانية وهِيَ عامة القدرية وهم الْمُعْتَزِلَة, معتزلة فِي الصفات قدرية فِي الأفعال, يؤمنون بمراتب القدر الأربعة, القدر له أربع مراتب من لَمْ يؤمن بها لَمْ يؤمن بالقدر:

المرتبة الأولى: هِيَ العلم.

المرتبة الثانية: الكتابة.

المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة.

 المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد.

هَذِهِ مراتب القدر من لَمْ يؤمن بها لَمْ يؤمن بالقدر, علم الله بالأشياء فِي الأزل, وأن الله علم فِي الأزل قبل كونها, كتابته لها فِي اللوح المحفوظ.

ثالثًا: الإرادة والمشيئة لِكُلِّ موجود فِي هَـذَا الوجود لا يمكن أَن يقع حَتَّىَ يكون الله قَدْ أراده وشاءه, ثُمَّ الخلق والإيجاد, القدرية الأولى أنكروا العلم والكتابة, أنكروا علم الله وكاتبة الأشياء, أنكروا أَن الله يكون علم الأشياء وأنكروا أَن يكون كتبها فِي اللوح المحفوظ.

الطائفة الثانية: المتوسطة وهم الْمُعْتَزِلَة أثبتوا المراتب الأربعة كلها, العلم والكتابة والإرادة والمشيئة والخلق والإيجاد, إِلاَّ أَنَّهُمْ أخرجوا من عموم المرتبة الثالثة والرابعة أفعال العباد لشبهة عرضت لهم, أخرجوها جحودًا ولا تأويلاً؟ تأويل, لو كان جحود لكفروا, فرق بني الجاحد والمتأول, هَذِهِ مسألة مهمة.

مثال ذَلِكَ مثال الجاحد ومثال المتأول, الجاحد مثل قوله: (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ[طه/5]؛ جحد الاستواء, قَالَ: لَمْ يستو الله عَلَى عرشه, هَـذَا كافر؛ لِأَنَّهُ كذب الله ومن كذب الله كفر.

الثَّانِيَ: متأول قَالَ (ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ[طه/5]؛ عَلَى الرأس والعين آية فِي كتاب الله أؤمن بها, لَـكِن معنى الاستواء الاستيلاء, وَقَالُوا: إِنَّ وصف الله بالاستواء تنقص له, شبهة عرضت لهم, هَـذَا ما يكفر لِأَنَّهُ متأول, فرق بين الجاحد وبين المتأول.

فالطائفة الأولى هِيَ الَّتِي كفرت أخرجت من الاثنين والسبعين فرقة, والطائفة الثانية متأولون وآمنوا بمراتب القدر الأربعة إِلاَّ أَنَّهُمْ أخرجوا أفعال العباد لشبهة عرضت لهم, المؤلف يَقُول: (فيا لله الْعجب من علم يكون الْجَهْل الْبَسِيط أَعلَى رُتْبَة مِنْهُ وَأفضل مقدارًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ, وَهل سمع السامعون مثل هَذِه الغريبة أَو نقل الناقلون مَا يماثلها ؟).

والمؤلف بيّن أَن معبد الجهني خرج فِي أواخر عهد الصحابة, إِذَا تكلم متكلم ونجم ناجم فِي الباطل أوضح الصحابة والسلف أمره وبينوا للناس أَنَّهُ عَلَى ضلالة, وصرحوا فِي المجامع والمحافل وحذروا النَّاس من بدعته.

مثل فَقَالَ: (كَمَا كَانَ مِنْهُم لما ظهر معبد الْجُهَنِيّ وَأَصْحَابه, وَقَالُوا إِن الْأَمر أنف), ما معنى أنف؟ مستأنف وجديد لَمْ يصل إليه عمل الله (وبينوا ضلالته وَبطلَان مقَالَته للنَّاس فحذروه إِلَّا من ختم الله على قلبه وَجعل على بَصَره غشاوة), هَـذَا لاَّ حيلة فيه.

(المتن)

وَهَكَذَا كَانَ من بعدهمْ يُوضح للنَّاس بطلَان أَقْوَال أهل الضلال ويحذرهم مِنْهَا؛ كَمَا فعله التابعون رَحِمهم الله بالجعد بن دِرْهَم وَمن قَالَ بقوله وَانْتَحَلَ نحلته الْبَاطِلَة, ثمَّ مَا زَالُوا هَكَذَا لَا يَسْتَطِيع المبتدع فِي الصِّفَات أَن يتظاهر ببدعته بل يكتمونها كَمَا تتكتم الزَّنَادِقَة بكفرهم وَهَكَذَا سَائِر المبتدعين فِي الدّين على اخْتِلَاف الْبدع وتفاوت المقالات الْبَاطِلَة.

(الشرح)

يَقُول المؤلف: إِنَّ أهل السُّنَّةِ والجماعة يمرون هَذِهِ الصفات عَلَى ظاهرها ولا يتكلفون, وهذا مذاهبهم وأقوالهم ومعلومة لاَّ يشك فيه شاك, وإِذَا نزع نازع ونجم ناجم فِي عصرهم فِي عصر الصحابة والتابعين أوضحوا أمره للناس وحذروا النَّاس منه, مثل لما أظهر معبد الجهني بدعته كفره الصحابة, وبينوا ضلالته وبطلانه, فيحذره النَّاس, إِلاَّ من ختم الله عَلَى قلبه وجعل عَلَى بصره غشاوة.

قَالَ: (وَهَكَذَا كَانَ من بعدهمْ من التابعون وأتباعهم يُوضحون للنَّاس بطلَان أَقْوَال أهل الضلال وأهل البدع ويحذرونهم مِنْهَا؛ كَمَا فعله التابعون رَحِمهم الله بالجعد بن دِرْهَم), سبق الكلام عَلَى جعد بْنَ درهم لَمَّا ابتدع, هُوَ أَوَّل من ابتدع القول بنفي الصفات, أَوَّل من حفظ عنه فِي الْإِسْلَام مقالة بالتعطيل هُوَ جعد بْنَ درهم, وكان تعطيله فِي كلمتين: إنكار الخلة وإنكار التكليم, قَالَ: إِنَّ الله لَمْ يتخذ إبراهيم خليلاً وَلَمْ يكلم موسى تكليمًا؛ لَـكِن هاتين الصفتين ترجع إليهما (.....)

وكان هَـذَا مؤدب مروان الحمار الَّذِي تولى الخلافة, ثُمَّ قتل, قتله خالد بْنَ عبد الله القسري, وَقَدْ تقلد مقالته الجهم بْنَ صفوان وتوسع فيها, فقيض الله من قتله وَهُوَ سلم بْنَ أحوز أمير خرسان, هكذا؛ لِأَنَّهُ خرج فِي أوائل المائة الثانية.

قَالَ:(كَمَا فعله التابعون رَحِمهم الله بالجعد بن دِرْهَم وَمن قَالَ بقوله وَانْتَحَلَ نحلته الْبَاطِلَة, ثمَّ مَا زَالُوا هَكَذَا لَا يَسْتَطِيع المبتدع فِي الصِّفَات أَن يتظاهر ببدعته), فِي القرون المفضلةِ؛ لِأَنَّ أهل الخير أكثر, والتابعون متوافرون والعلماء والأئمة يدمغونه, أي واحد يتكلم بالبدعة يحذرون النَّاس منه, ويردون عَلَيْهِ.

(ثمَّ مَا زَالُوا هَكَذَا لَا يَسْتَطِيع المبتدع فِي الصِّفَات أَن يتظاهر ببدعته بل يكتمونها)، صاحب البدعة يكتم بدعته, لماذا يكتمها؟ لِأَنَّهُ إِنَّ أظهرها الْحَقّ أقوى, قوي, إِذَا كان خليفة للمسلمين قتله, والعلماء يحذرون عنه, والأمراء يسجنونه أو يقتلونه, فَإِذا كان صاحب بدعة يَقُول: (بَلْ يكتمونها كَمَا تتكتم الزَّنَادِقَة بكفرهم), الزنادقة الَّذِينَ يبطنون الكفر يكتمون كفرهم لماذا؟ لِأَنَّهُمْ لو أظهروه لقتلوا, فهم يتكتمون حَتَّىَ تبقى دمائهم سالمة وأموالهم.

 قَالَ: (وَهَكَذَا سَائِر المبتدعين فِي الدّين على اخْتِلَاف الْبدع وتفاوت المقالات الْبَاطِلَة), كلهم هكذا, ثُمَّ بعد ذَلِكَ فِي القرون المتأخرة أظهروا البدع.

قَالَ المؤلف: (ولكننا نقتصر هَاهُنَا على هَذِه الْمَسْأَلَة الَّتِي ورد السُّؤَال عَنْهَا وَهِي مَسْأَلَة الصِّفَات).

المؤلف قَالَ: الآن سنقتصر عَلَى مسألة الصفات والكلام فِي الصفات, لعلنا نقف عَلَى هَـذَا وفق الله الجميع لطاعته, وصل الله وسلم عَلَى نبينا محمد.

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد