بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد: ...
في هذه الجلسة المباركة، نسأل الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وهذا اليوم هو يوم السبت؛ اليوم الثالث عشر من شهر ربيع الآخر، من عام أربع وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية، نجتمع في هذا المركز؛ مركز عبد العزيز بن عبد الله الراجحي للاستشارات والدراسات التربوية والتعليمية، وبين يدينا هذه الرسالة لسماحة شيخنا الشيخ العلامة/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، عنوانها: "المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم".
أسئلة أجاب عليها سماحة الشيخ العلامة/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله، وكتب رحمه الله: لا مانع من طبع الأسئلة العشرة وأجوبتها، على ضوء المرفقة، وفق الله الجميع لما يرضيه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، مفتي عام المملكة العربية السعودية.
(المتن)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:
"المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم" أسئلة أجاب عليها سماحة الشيخ العلامة الإمام/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز يرحمه الله تعالى.
قال: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن يتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛ فهذه مجموعة من الأسئلة طُرحت على سماحة العلامة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى.
السؤال الأول: سماحة الشيخ، هناك من يرى اقتراف بعض الحكام للمعاصي والكبائر موجبًا للخروج عليهم ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضررٌ للمسلمين في البلد، والأحداث التي يعاني منها عالمنا الإسلامي كثيرة، فما رأي سماحتكم؟.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد؛
فقد قال الله U: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النساء:59]؛ فهذه الآية نصٌ في وجوب طاعة أولي الأمر؛ وهم الأمراء والعلماء، وقد جاءت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين أن هذه الطاعة لازمةٌ، وهي فريضةٌ في المعروف.
والنصوص من السنة تبين المعنى، وتفيد الآية بأن المراد طاعتهم بالمعروف، فيجب على المسلمين طاعة ولاة الأمور في المعروف لا في المعاصي، فإذا أمروا بالمعصية فلا يطاعون في المعصية، لكن لا يجوز الخروج عليهم بأسبابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ألا من وَلِيَ عليه والٍ فرآه يأتي شيئًا من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزِعن يدًا من طاعة» أخرجه مسلم، وأحمد، وغيرهم من حديث عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه. وأوله: خيار أئمتكم الذين تحبونهم.
وروى في الحديث: «ومن خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية» أخرجه مسلم، وأحمد، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» أخرجه مسلم، والنسائي وغيره من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وسأله الصحابي لما ذكر أنه يكون أمراء تعرفون منهم و تُنكرون قالوا: «فما تأمرنا ؟، قال: أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم» متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، وقال: إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان» أخرجه مسلم، والنسائي، وابن أبي عاصم وغيره.
فهذا يدل على أنه لا يجوز لهم منازعة ولاة الأمور ولا الخروج عليهم إلا أن يروا كفرًا بواحًا؛ أي ظاهرًا مكشوفًا عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يسبب فسادًا كبيرًا وشرًّا عظيما فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن، فيترتب على الخروج على ولاة الأمور فساد عظيم وشر كثير.
إلا إذا رأى المسلمون كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًّا أكثر فليس لهم الخروج؛ رعايةً للمصالح العامة، والقاعدة الشرعية المجمع عليها: "أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو شرٌ منه؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه".
وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين، فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرًا بواحًا، وعندها قدرة تُزيله بها وتضع إمامًا صالحًا طيبًا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان؛ فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير، واختلال الأمن، وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال، إلى غير هذا من الفساد العظيم؛ فهذا لا يجوز، بل يجب الصبر، والسمع والطاعة في المعروف، ومناصحة ولاة الأمور، والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر و تقليله، وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يُسلك؛ لأن في ذلك مصالحَ للمسلمين عامة؛ ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير؛ ولأن في ذلك حفظ الأمن، وسلامة المسلمين من شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية.
(الشرح)
هذا السؤال الأول، جوابه: إذا فعل الحاكم كبائر؛ فهل يجوز الخروج عليه أو لا يجوز؟ والجواب: أنه لا يجوز الخروج عليه إلا بشروط.
- وأنا ذكرتها في درس سابق أنه يجوز الخروج على ولي الأمر بشروط خمسة:
الشرط الأول: أن يفعل ولي الأمر كفرًا، لا فسقًا ولا معصية.
الشرط الثاني: أن يكون هذا الكفر بواح، يعني ظاهر لا خفاء فيه، إن كان فيه شبهة (...) .
الشرط الثالث: أن يكون دليله واضح من الكتاب والسنة.
وهذه الشروط الثلاثة دل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان».
الشرط الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله، كما قال الشيخ: (إذا قدروا على أن يقيموا إمامًا صالحًا), أما إذا لم يوجد بديل؛ إذًا نبقى على الأول، يزال كافر ويؤتى بكافر، حكم عسكري ينقلب ويرجع حكم عسكري، إذًا نبقى على الأول.
الشرط الخامس: القدرة والاستطاعة؛ لقوله تعالى: (ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ) [البقرة/ 286].
فإذا وجدت هذه الشروط الخمسة؛ جاز الخروج على ولي الأمر، وإلا فإنه كما ذكر الإمام رحمه الله يبقى الإنسان، ويخفف من الشر ما استطاع، ويتعاون معهم على الخير، ويسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين، هذا هو السؤال الأول وجوابه.
الطالب: ضابط القدرة على الإزالة ؟
الشيخ: نعم، يعني: يزال ويكون فيه بديل مسلم يقيم شرع الله، ما نقول: يحكم بالقانون ولا بالدستور؛ يقيم شرع الله، يزال هذا الحاكم الكافر الذي كفره صريح، ويحل محله إمام مسلم يحكم بشريعة الله، بكتاب الله وبسنة رسوله، ويكون القدرة موجودة؛ بمعنى أنه لا يحصل اختلال الأمن، ولا يحصل إراقة دماء، ولا يحصل فوضى ولا اضطراب، واضح الآن هذا؟ ننتقل إلى السؤال الثاني.
(المتن)
السؤال الثاني: سماحة الوالد: نعلم أن هذا الكلام أصل من أصول أهل السنة والجماعة ولكن هناك للأسف من أبناء أهل السنة والجماعة من يرى هذا فكرًا انهزاميًّا، وفيه شيء من التخاذل، وقد قيل هذا الكلام؛ لذلك يدعون الشباب إلى تبني العنف في التغيير؟
الجواب: هذا غلطٌ من قائله وقلة فهم؛ لأنهم ما فهموا السنة ولا عرفوها كما ينبغي، وإنما تحملهم الحماسة والغيرة لإزالة المنكر، على أن يقعوا فيما يخالف الشرع كما وقعت الخوارج والمعتزلة، حملهم حب نصر الحق أو الغيرة للحق، حملهم ذلك على أن وقعوا في الباطل حتى كفَّروا المسلمين بالمعاصي، أو خلدوهم في النار كما تفعل المعتزلة.
فالخوارج كفَّروا بالمعاصي وخلدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة، وأنهم في النار مخلدون فيها, ولكن قالوا: إنما هم في الدنيا في منزلة بين المنزلتين، وكلهم ضلال.
(الشرح)
لعله كلهم ضلال، كلهم يعني: الخوارج والمعتزلة.
(المتن)
قال: وكلهم ضلال، والذي عليه أهل السنة هو الحق؛ أن العاصي لا يكفر بمعصيته ما لم يستحلها.
فإذا زنا لا يُكفَّر وإذا سرق لا يُكفَّر ، وإذا شرب الخمر لا يُكفَّر ، ولكن يكون عاصيًا ضعيف الإيمان، فاسقًا تقام عليه الحدود، ولا يكفر بذلك إلا إذا استحل المعصية وقال: إنها حلال وما قاله الخوارج في هذا باطل، وتكفيرهم للناس باطل، ولهذا قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «إنهم يمرقون من الإسلام ثم لا يعودون فيه» بعض حديث أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي ذر رضي الله تعالى عنه مع اختلاف في لفظه, «يقاتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان».
(الشرح)
يعني: الخوارج، يقاتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان، قتلوا المسلمين ويتركون الكفار، ما يقاتلونهم.
(المتن)
هذه حال الخوارج؛ بسبب غلوهم وجهلهم وضلالهم، فلا يليق بالشباب ولا غير الشباب أن يقلدوا الخوارج والمعتزلة، بل يجب أن يسيروا على مذهب أهل السنة والجماعة على مقتضى الأدلة الشرعية، فيقفون مع النصوص كما جاءت، وليس لهم الخروج على السلطان من أجل معصية أو معاصٍ وقعت منه، بل عليهم المناصحة بالمكاتبة والمشافهة، بالطرق الطيبة الحكيمة، بالجدال بالتي هي أحسن؛ حتى ينجحوا، وحتى يقل الشر أو يزول، ويكثر الخير.
هكذا جاءت النصوص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله U يقول: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آل عمران:159].
فالواجب على الغيورين لله وعلى دعاة الهدى أن يلتزموا بحدود الشرع، وأن يناصحوا من ولاهم الله الأمور بالكلام الطيب، والحكمة والأسلوب الحسن؛ حتى يكثر الخير ويقل الشر، وحتى يكثر الدعاة إلى الله، وحتى ينشطوا في دعوتهم بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، ويناصحوا من ولاهم الله بشتى الطرق الطيبة السليمة، مع الدعاء لهم في ظهر الغيب أن الله يهديهم ويوفقهم، ويُعينهم على الخير، وأن الله يعينهم على ترك المعاصي التي يفعلونها، وعلى إقامة الحق.
هكذا يدعو الله ويضرع إليه، أن يهدي الله ولاة الأمور، وأن يعينهم على ترك الباطل، وعلى إقامة الحق بالأسلوب الحسن بالتي هي أحسن، وهكذا مع إخوانه الغيورين ينصحهم ويعظهم ويذكرهم؛ حتى ينشطوا في الدعوة بالتي هي أحسن، لا بالعنف والشدة، وبهذا يكثر الخير، ويقل الشر، ويهدي الله ولاة الأمور للخير والاستقامة عليه، وتكون العاقبة حميدةً للجميع.
(الشرح)
هذا السؤال الثاني وجوابه، واضح الآن؟ فيه إشكال؟ يعني السؤال يقول: إن بعض الحكام يقترفون المعاصي والكبائر وأن هذا يوجب للخروج عليهم، ومحاولة التغيير وإن ترتب عليه ضرر مشين بذلك.
نقول: الجواب كما قال الشيخ، الكبائر والمعاصي لا توجب الخروج عليهم، ما دام أن هذه الكبائر لا تصل إلى الكفر الأكبر، بل يجب الصبر عليهم.
- لأن عندنا أمرين الآن:
إما الخروج عليهم أو الصبر.
فانظر أيهما أقل مفسدة، عندنا مفسدة اقتراف ولي الأمر للكبائر والمعاصي، هذه مفسدة، والخروج عليه مفسدة، يترتب عليها إراقة وسفك الدماء، واختلال الأمن، واضطراب الأحوال، واختلال السبل، وتغير أحوال الناس، وتعطل أحوال المجتمع؛ كالزراعة، والتجارة، والصناعة، والدراسة... إلى آخره، أيهما أشد؟ أيهما أكبر مفسدة؟ أو نصبر عليه ويفعل الكبائر والمعاصي: يشرب الخمر، أو يتعامل بالربا، أو يظلم بعض الناس بالسجن، قتل بعض الناس، أو لا يوزع المال، يعطيه أصحاب الحكم، هذا ظلم وكبائر، لكن أيهما أقل ضررًا؟
لاشك أن الصبر أقل ضررًا، يعني: نصبر عليه وهو يعرف هذا الظلم، نراه يتعامل بالربا، نراه يظلم بعض الناس، نراه يسجن بعض الناس، نراه يقتل بعض الناس، لكن الأمور مستقرة، الأحوال مستقرة، المدارس والجامعات تعمل، الأمن مستتب، الأحوال المعيشية كلها مستمرة، السبل مؤمنة، هذا أقل، فنرتكب المفسدة الصغرى لدفع المفسدة الكبرى، واضح؟
الطالب: أحسن الله إليك، السؤال الأول: ذكرت من الضوابط الخمس: الكفر البواح، الآن مثلًا من يرى تعطيل الحاكم بالنسبة للشريعة جملةً أو بعضها مثلًا، فما الضابط في هذه المسألة؟ يعني مثلًا هل يكفر الحاكم بتعطيل الشريعة كاملةً أو بعضها؟ تطبيق الدستور مثلًا؟
الشيخ: هو لاشك أنه كفر ذلك، لابد من إقامة الحجة، الحكم بغير الشريعة، إلى سن القوانين والدساتير، هذا لاشك أنه كفر، هذا كفر بواح، لكن لابد من إقامة الحجة، قد يكون ما يدري، ما يعلم أن هذا كفر؛ يمكن لو كان بعضهم يعلم يمكن يرجع، فلابد من إقامة الحجة عليهم، يعني أحيانًا الإنسان يفعل الكفر، لكن ما يدري أنه كفر، ولا يعلم أنه كفر، لو يعلم أنه كفر لرجع؛ فلابد من إقامة الحجة، والبيان له، والتعريف فإن أصر بعد ذلك خلاص فعل كفر بواح، واضح هذا؟ لأن النصوص واضحة: (ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ) [المائدة/ 44].
(ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ) [المائدة/ 45].
(ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ) [النساء/ 65].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [النساء/ 60]، واضحة، وإذا كان يسن الدساتير يكون أشد، أو إذا كان يلزم الناس بهذا صار أشد أعظم وأعظم، وهكذا.
الطالب: معتبر فيها الكفر دون كفر، والفسق دون الفسق؟.
الشيخ: الكفر الأصغر كفر دون كفر، مثل ما جاء في الحديث: «اثنتان من الناس هما بهما كفر، الطعن في النسب، والنياحة على الميت»؛ هذا كفر دون كفر، ومثل الحلف بغير الله، هذا شرك دون شرك، يعني: ضابط الشرك الأصغر أنه المعاصي والذنوب التي سماها الشرع شركًا وكفرًا وهي لم تصل إلى درجة الكفر الأكبر، الكفر الأكبر يكون شركًا في العبادة وناقضًا من نواقض الإسلام، إذا كان شركًا في العبادة وناقضًا من نواقض الإسلام هذا كفر، وإذا كان دون ذلك وسمي شركًا أو كفرًا يكون أصغر، وفيه النياحة على الميت جاء تسميتها الكفر، الطعن في الأنساب، الاستسقاء بالنجوم، من انتسب إلى غير أبيه فقد كفر، وهكذا، كل هذه معاصي سميت كفرًا.
الطالب: السلام عليكم، إجابة الشيخ رحمه الله حيث أنه أمر بالدعاء لولي الأمر، هل هذا من منهج أهل السنة؟ لأن بعض الناس يستنكف عن الدعاء له، بعضهم يدعو عليه، هل يجب على العلماء أن يتواصوا على قضية الدعاء لولي الأمر؟.
الشيخ: الدعاء له، هذا هو ما ثبت عن أهل السنة والجماعة, قال الشارح صاحب الطحاوية: وندعو لهم بالصلاة، ولا نخرج على أئمتنا، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة, وجاء عن الإمام أحمد أنه قال: لو عرفت لي دعوة صالحة لصرفتها إلى السلطان؛ لأنه لو صلح تصلح الرعية، ما الفائدة من الدعاء عليه، ماذا تريد من الدعاء عليه؟ ليزداد شر وسوءًا؟ المصلحة في الدعاء له أن الله يهديه للحق.
الطالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، هل هناك فرق بين سؤال الأخ قبل قليل في قضية الحكم الجزئي بالشريعة، أو ترك الحكم مطلقًا مثل ما يفعل اليوم بالدساتير، قضايا الأحوال الشخصية؟.
الشيخ: إذا كان الحكم بالدستور عام في جميع شئون الدولة، هذا كفر بواح وتبديل للدين، هذا تبديل للدين, لكن إذا كان إنما يحكم بالشريعة، لكن في بعض القضايا لا يحكم بالشريعة، يُنظر إذا كان ما استحله، ورأى أن هذا فيه مصلحة، أو لشبهة عرفها، ويعتقد أنه يجب الحكم بالشريعة، لكن حكم بعض القضايا، مثلًا الرشوة، أو لأنه قريب أو لغير ذلك؛ فهذا يكون كفر أصغر، كفر دون كفر في بعض القضايا.
الطالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، قول من يقول بأن في قضية إقامة الحجة: الآن الحجة أقيمت، العلم موجود، وما يخفى على أحد اليوم وجوب الحكم بالشريعة.
الشيخ: لا، يخفى، ما هو بصحيح، بعض الحكماء ما يدرون، بعض الحكام لا يدرون، لا درسوا ولا تعلموا ولا يسمعون شيئًا، ولا يسمعون إلا الثناء عليهم من الناس، ما سمعوا أن هذه الدساتير كفر، لابد أن يبلغوا، ليس بصحيح، ولو عرف خلاص انتهى الأمر، إذا عُرِّف وبُيِّن له وقامت عليه الحجة؛ انتهى الأمر، صار الأمر واضحًا الآن ليس هناك لبس، لكن لو قام عليه وخرج عليه، يمكن يقول: أنا ما بيدي ولا أعرف، وأن أولياء الأمر تتابعوا على هذا الدور كلهم يتبعونها.
الطالب: بعض الحكام عندهم من يفتي لهم بأن هذه القوانين ليست استبدالًا للشريعة.
الشيخ: إي هذا هو، ولذلك يقول بأنه لبس عليه، الآن بعض الناس يفتيهم بأن هذا ليس تبديلًا، فهذا تلبيس، قال: لُبس عليّ، إذًا لا بد أن تبين لهم، تعرفهم بالحق، وتقيم عليهم الحجة.
هذه الأسئلة قد تأتي، لنقرأ الأسئلة الثمانية ونرى ربما تأتي، وبعدها نتناقش إن شاء الله.
(المتن)
السؤال الثالث: لو افترضنا أن هناك خروجًا شرعيًّا لدى جماعة من الجماعات، هل هذا يبرر قتل أعوان هذا الحاكم وكل من يعمل في حكومته مثل الشرطة والأمن وغيرهم؟.
الجواب: سبق أن أخبرتك أنه لا يجوز الخروج على السلطان إلا بشرطين:
أحدهما: وجود كفر بواح عندهم فيه من الله برهان.
والشرط الثاني: القدرة على إزالة الحاكم إزالةً لا يترتب عليها شر أكبر، وبدون ذلك لا يجوز.
(الشرح)
- الشيخ الآن أجملها في شرطين:
الشرط الأول: وجود كفر بواح، وهذه الثلاثة شروط:
(وجود كفر) هذا الشرط الأول.
(بواح) هذا الشرط الثاني.
(عندهم من الله برهان) هذا الشرط الثالث.
(كفر) يعني لا فسق ولا معصية، (بواح) يعني ما فيه لبس ولا شبهة، (عندهم من الله برهان) دليل واضح من الكتاب والسنة.
الشرط الثاني: (القدرة على إزالة الحاكم)، وأيضًا الشرط الخامس: وهو وجود البديل، الحاكم الشرعي، البديل الذي يحكم، البديل المسلم، وهذا معلوم؛ لأنه إنما أجيز الخروج عليه من أجل وجود البديل المسلم، هذه الشروط الخمسة.
(المتن)
السؤال الرابع: يظن البعض من الشباب أن مجافاة الكفار ممن هم مستوطنون في البلاد الإسلامية أو الوافدين من الشرع، ولذلك البعض يستحل قتلهم وسلبهم إذا رأوا منهم ما ينكرون؟
الجواب: لا يجوز قتل الكافر المستأمن الذي أدخلته الدولة آمنًا، ولا قتل العصاة، ولا التعدي عليهم؛ بل يحالون للحكم الشرعي. هذه مسائل يُحكم فيها بالحكم الشرعي.
(الشرح)
بعض الناس إذا وجد بعض الوافدين مثلًا غير المسلمين إذا حصل منه شر قتله، يستحل دمه، هذا دخل بأمان، حتى ولو كانت دولته محاربة، وهو دخل بأمان خلاص، فهو مستأمن حتى يُرد إلى مأمنه.
عندنا الذمي، والمستأمن، والحربي، هذه أنواع الكفار، الحربي الذين يحاربون المسلمين، ما بينه وبينهم حرب، هذا حلال دمه وماله، وهذا الذي جاء فيه الحديث أنه ما يطعم ولا يسقى، وجاء في الحديث الوعيد الشديد على من أعطى له كذا أو برى له قلمًا أو كذا، هذا الحربي، هذا مثل اليهود المحاربين في فلسطين الآن، هؤلاء حربيون، ما بيننا وبينهم إلا قتال، هؤلاء دمهم حلال ومالهم حلال، هذا الكافر الحربي.
الكافر المستأمن الذي دخل بأمان، فالكافر الذي له عهد، عهد الذمة، الذمي اليهودي أو النصراني الذي تحت الدولة الإسلامية، يدفع الجزية، والدولة الإسلامية تحميه، هذا أيضًا دمه معصوم، كم صار الآن؟ عندك الآن الحربي، والذمي، والمستأمن، والمعاهد الذي له عهد، هؤلاء كلهم «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة» لا يجوز قتلهم.
وبعض الناس الآن يستحل ويقتل بعض الوافدين إلى البلاد، يشوف يهودي ولا يشوف نصراني ولا كذا يروح يقتله على طول، هذا له عهد أمان ما يجوز قتله، دمه معصوم، وماله معصوم.
الطالب: أحسن الله إليك يا شيخ، الذمي هل هناك ارتباط بين بذل الجزية وكونه ذميًّا إذا بذل الجزية؟.
الشيخ: الذمي معناه يكون من رعايا الدولة الإسلامية، تحت حكم الدولة الإسلامية، ويبقى على دينه ويدفع الجزية، ملتزم بالأحكام، منها أنه لا يُظهر دينه، ولا كذا ولا كذا، ولا يتعدى.. إلى آخره.
الطالب: وإذا لم تُدفع الجزية هل يسمى ذميًّا؟ وهو متجنس بجنسية الدولة؟.
الشيخ: لابد أن يدفع الجزية، هذا هو الأصل، وفي بعضهم قد لا يدفع الجزية، ما يستطيع دفع الجزية لكونه فقير أو لكونه كذا، ليس كل واحد يدفع الجزية، القادر هو من يدفع الجزية.
الطالب: أحسن الله إليك، هل ثبت أن من أهل الجنة من كانوا يعطون من بيت مال المسلمين؟.
الشيخ: يمكن، هذا يمكن قد يعطى إذا كان فقير ولا يستطيع، يترك يموت؟ ذمي، الآن هو ملتزم بدينه، الآن يخير بين الإسلام والجزية والقتال، فاختار دفع الجزية، لكن ما يستطيع دفع الجزية، فقير.
(المتن)
السؤال الخامس: وإذا لم توجد محاكم شرعية؟
الجواب: إذا لم توجد محاكم شرعية فالنصيحة فقط، النصيحة لولاة الأمور، وتوجيههم للخير والتعاون معهم، حتى يحكموا شرع الله، أما أن الآمر والناهي يمد يده أو يقتل أو يضرب فلا يجوز، لكن يتعاون مع ولاة الأمور بالتي هي أحسن حتى يحكموا شرع الله في عباد الله، وإلا فواجبه النصح، وواجبه التوجيه إلى الخير وواجبه إنكار المنكر بالتي هي أحسن، هذا هو واجبه، قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)[التغابن:16]؛ ولأن إنكاره باليد بالقتل أو بالضرب يترتب عليه شر أكثر وفساد أعظم بلاشك ولا ريب لكل من سبر هذه الأمور وعرفها.
(الشرح)
لأنه إذا صار يريد أن يقتل ويضرب ما يُترك، ما يتركونه، إذا قتل يأتي من ينتصر له ويقتله، إذا ضرب أو كذا يأتي من يضربه، يترتب عليه مفسدة، ما يحصل المقصود، كونه يمد يده ما يحصل المقصود، وإنما يتعاون بما يستطيعه من الخير.
(المتن)
السؤال السادس: هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالذات التغيير باليد حق للجميع أم أنه حق مشروط لولي الأمر أو من يعيِّنه ولي الأمر؟
الجواب: التغيير للجميع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم، وأحمد، وأهل السنن، لكن التغيير باليد لابد أن يكون عن قدرة، لا يترتب عليه فساد أكبر وشر أكثر، فليغير باليد في بيته: على أولاده وعلى زوجته وعلى خدمه، أو موظف في الهيئة المختصة معطاة له صلاحيات، يغير بيده، وإلا فلا يغير شيئًا بيده ليس له فيه صلاحية؛ لأنه إذا غير بيده يترتب ما هو أكثر شرًّا، ويترتب بلاء كثير وشر عظيم بينه وبين الناس، وبينه وبين الدولة.
ولكن يغير باللسان كأن يقول: اتق الله يا فلان، هذا لا يجوز، هذا حرام عليك، هذا واجب عليك، يبين له بالأدلة الشرعية باللسان، أما باليد فيكون في محل الاستطاعة في بيته، فيمن تحت يده، فيمن أُذن له من جهة السلطان أن يأمر بالمعروف؛ كالهيئات التي يأمرها السلطان ويعطيها الصلاحيات، يغيرون بقدر الصلاحيات التي أعطوها على الوجه الشرعي الذي شرعه الله، لا يزيدون عليه.
(الشرح)
واضح هذا؟.
الطالب: شيخ أحسن الله إليك، لو رجل رأى منكرًا في طريق مثلًا وأمن أنه لا يترتب عليه منكر أكبر، مثل: صورة امرأة عارية متبرجة تؤذي الناس، فهل له أن يزيلها إذا كان يعلم يقينًا أنه لايترتب عليه منكر أكبر .
الشيخ: نعم، إذا أمن حصول مفسدة له أن يزيلها ويكسرها، وهذا إذا أمن أنه يغلب على ظنه أنه ما يحصل مفسدة أكبر.
الطالب: وإن لم يكن معطى صلاحية.
الشيخ: ولو؛ لأن هذا منكر الآن؛ لأنه لو منع ما يترتب عليه منكر.
الطالب: اختراق بعض الحسابات التي فيها مفسدة من باب تغيير المنكر؟
الشيخ: حسابات؟ أي حسابات؟
الطالب: الحسابات الموجودة في تويتر مثلًا أو هذا الإنترنت، الاختراق هذا المعروف.
الشيخ: كيف يخترقها؟
الطالب: يعطلها.
القارئ: بعض الناس عندهم شيخ قدرة على اقتحام هذه المواقع بطريقة فنية معينة، ويستطيع أن يلغي هذه المواقع، بحيث أنه لا أحد ينظر إليها ولا يستفيد منها، قد تكون هذه فيها خلل في العقيدة.
الطالب: الدولة تمنع استعمال البرامج هذه، تلغي مواقع أخرى.
الشيخ: تمنعها الدولة.
الطالب: بل تفرض عليها غرامات مثل السجن سنوات، ولكن أنه يكون له قدرة، فيدخل على مواقع فيها فساد مثلًا، أو مواقع إباحية، مواقع فيها سب الدين وإلحاد، فيعطلها، يأتي واحد يفتح الموقع لا يستطيع أن يدخل، تتعطل شهر شهرين، ويعمل هكذا، أو يكتب نصيحة لهم مثلًا، من أراد أن يدخل ملحد فيجد نصيحة لهم، مثلًا ارجعوا إلى المصدر هذا وتجدون الضلال الذي فيه وهكذا...
الشيخ: والله هذا محل لغط، يعني هل هي كلها شر محض ما فيها شيء من الخير، هذه المواقع التي تريد تعطيلها؟ أم فيها شيء من الخير؟
الطالب: الغالب هو الشر، يعني مواقع أصلًا خصصت للطعن في الدين، ونشر الإلحاد، وبث الشبه، هذا في الجانب العقدي، في الجانب الأخلاقي: القضايا الإباحية ومثلها.
الشيخ: والذي يريد طمس هذا إنسان عنده بصيرة وفاهم، عنده فهم، يظن أن هذا كذلك وهو ليس كذلك، إذا كان الشخص عنده بصيرة ويعلم هذا واستطاع...
الطالب: هو يا شيخ عنده بصيرة في تخصص إبطال المواقع، لكن قضية المناقشة ودفع الشبه لن يدخل في ذلك، سيعطل الصفحة ثم يخرج.
الشيخ: طيب، لكن هو يعرف أن هذه شبه؟.
الطالب: نعم ظاهرة.
الشيخ: عنده بصيرة أن الفساد هنا شر محض.
الطالب: يعني إذا عملها يا شيخ؛ ما تؤدي إلى أن هؤلاء يعملون مواقع على نفس الشيء؟.
الشيخ: هو هذا الكلام، هو يقول: ما يترتب عليه مفسدة، إذا كان يترتب عليه مفسدة كما قال تعالى: (ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ) [الأنعام/ 108]؛ نهى الله عن سب المشركين لئلا يسبوا الله، إذا كان يترتب على هذا أنهم ينتقمون فيعطلون مواقع الخير؛ فلا يفعل، وإنما تبقى مواقع الخير تبين فسادها وأضرارها.
(المتن)
السؤال السابع: هناك من يرى حفظك الله أن له الحق في الخروج على الأنظمة العامة التي يضعها ولي الأمر؛ كالمرور والجمارك والجوازات... إلى آخره، باعتبار أنها ليست على أساس شرعي. فما قولكم حفظكم الله؟
الجواب: هذا باطل ومنكر، وقد تقدم أنه لا يجوز الخروج ولا التغيير باليد، بل يجب السمع والطاعة في هذه الأمور التي ليس فيها منكر، بل نظمها ولي الأمر لمصالح المسلمين، يجب الخضوع لذلك والسمع والطاعة في ذلك؛ لأن هذا من المعروف الذي ينفع المسلمين.
وأما الشيء الذي هو منكر؛ ضريبة يرون أنها غير جائزة، هذه يراجع فيها ولي الأمر بالنصيحة بالدعوة إلى الله، وبالتوجيه إلى الخير، لا بيده يضرب هذا أو يسفك دم هذا أو يعاقب هذا بدون حجة ولا برهان... لا، لا بد أن يكون عنده سلطان من ولي الأمر يتصرف به حسب الأوامر التي لديه، وإلا فحسبه النصيحة والتوجيه، إلا فيمن هو تحت يده من أولاد وزوجات ونحو ذلك ممن له السلطة عليهم.
السؤال الثامن: هل من مقتضى البيعة حفظك الله حفظك الله الدعاء لولي الأمر؟
الجواب: من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر، ومن النصح: الدعاء له بالتوفيق والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة، لأن من أسباب صلاح الوالي ومن أسباب توفيق الله له أن يكون له وزير صدق يُعينه على الخير، ويذكره إذا نسي، ويعينه إذا ذكر، هذه من أسباب توفيق الله له.
فالواجب على الرعية وعلى أعيان الرعية التعاون مع ولي الأمر في الإصلاح وإماتة الشر والقضاء عليه, وإقامة الخير بالكلام الطيب والأسلوب الحسن والتوجيهات السديدة التي يُرجى من ورائها الخير دون الشر، وكل عمل يترتب عليه شر أكثر من المصلحة لا يجوز؛ لأن المقصود من الولايات كلها تحقيق المصالح الشرعية ودرء المفاسد، فأي عمل يعمله الإنسان يريد به الخير ويترتب عليه ما هو أشر مما أراد إزالته وما هو أنكر منه لا يجوز له.
السؤال التاسع: ومن يمتنع من الدعاء لولي الأمر حفظك الله؟
الجواب: هذا من جهله، وعدم بصيرته، الدعاء لولي الأمر من أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده، والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له إن دوسًا, ودوس: هي قبيلة الطفيل بن عمرو وأبي هريرة رضي الله عنهما، وهم بنو دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد، والأزد من قحطان، وبلاد دوس تقع في جنوب المملكة العربية السعودية بإمارة منطقة عسير.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: إن دوسًا عصت قال: «اللهم اهد دوسًا وأت بهم، اللهم اهد دوسًا وأت بهم» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يدعو للناس بالخير، والسلطان أولى من يُدعى له؛ لأن صلاحه صلاح للأمة، فالدعاء له من أهم الدعاء، ومن أهم النصح أن يوفق للحق وأن يُعان عليه، وأن يُصلح الله له البطانة، وأن يكفيه الله شر نفسه وشر جلساء السوء، فالدعاء له بأسباب التوفيق والهداية وبصلاح القلب والعمل من أهم المهمات ومن أفضل القربات.
السؤال العاشر: هل من منهج السلف نقد الولاة فوق المنابر، وما منهج السلف في نصح الولاة؟
الجواب: ليس من منهج السلف التشهير بعيوب الولاة وذكر ذلك على المنابر؛ لأن ذلك يُفضي إلى الفوضى وعدم السمع والطاعة في المعروف، ويُفضي إلى الخوض الذي يضر ولا ينفع، ولكن الطريقة المتبعة عند السلف النصيحة فيما بينهم وبين السلطان والكتابة إليه أو الاتصال بالعلماء الذين يتصلون به حتى يوجه إلى الخير, وإنكار المنكر يكون من دون ذكر الفاعل، فيُنكر الزنا ويُنكر الخمر ويُنكر الربا من دون ذكر من فعله، ويكفي إنكار المعاصي والتحذير منها، من غير أن يذكر فلانًا يفعلها، لا حاكم ولا غير حاكم.
ولما وقعت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه قال بعض الناس لأسامة بن زيد رضي الله عنه: ألا تكلم عثمان؟ فقال: إنكم ترون أني لا أكلمه إلا أُسمعكم؟ إني لأكلمه فيما بيني وبينه دون أن أفتتح أمرًا لا أحب أن أكون أول من افتتحه. أخرج القصة الشيخان، وأحمد وغيرهم، من حديث: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار» الحديث بألفاظه عن أسامة بن زيد.
ولما فتحوا؛ أي الخوارج, الشر في زمان عثمان رضي الله عنه وأنكروا على عثمان جهرةً تمت الفتنة والقتال والفساد الذي لا يزال الناس في آثاره إلى اليوم، حتى حصلت الفتنة بين علي ومعاوية، وقُتل عثمان بأسباب ذلك، وقُتل جمع كثير من الصحابة وغيرهم بأسباب الإنكار العلني، وذكر العيوب علنًا، حتى أبغض الناس ولي أمرهم وقتلوه، نسأل الله العافية, انتهى كلام الشيخ رحمه الله.
(الشرح)
هذا كلام شيخ الإسلام، نعم انتهى كلام الشيخ.
(المتن)
وبعد هذا نذكرك رعاك الله بحديث عياض بن غنم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية، ولكن يأخذ بيده ويخلو به، فإن قبل منه فذاك، وإلا كان قد أدى الذي عليه» رواه أحمد، وابن أبي عاصم بإسناد صحيح.
هذا كلام سماحة الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله تعالى ونفعنا بعلمه في العلاقة بين الحاكم والمحكوم ووجوب السمع والطاعة، ولكن في عصرنا هذا كثرت الفتن بسبب الخوارج التكفيريين الذين يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة، وأنهم من أتباع السلف، وكثرت هذه الجماعات التي تسمي نفسها سلفية، وأكثرت الفساد في الأمة الإسلامية كالجزائر وحاليًا المغرب، وأصبحوا يستحلون دماء المسلمين وأموالهم، ولكن ما للسلفية دخل في هذا، بل هي بريئة منهم؛ لأن سلفنا لم يكونوا على هذا الوجه، والله المستعان.
(الشرح)
الشيخ: هذا من كلامه؟.
القارئ: أظنه المحقق يا شيخ.
الشيخ: هذا ما عندي.
القارئ: أظنه كلام المحقق؟
الشيخ: التمست هذا، ليس هناك شيء بعدها. على كل حال، سمعتم الآن الأسئلة والأجوبة.
طالب: الحديث الآن عن وجوب السمع والطاعة للحاكم. يذكر بعضهم أن هذه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام السمع والطاعة، إنما هي وردت في الخليفة، إذا كان خليفة المسلمين واحداً, أما إذا كانوا متفرقين ولكل بلد حاكم، فلا تطبق عليهم حديث السمع والطاعة.
الشيخ: من الذي يقول هذا؟ إذا كانوا متفرقين تصير فوضى؟ كل بلد له حاكم، وعلى أهل البلد السمع والطاعة، معناه أنه يقول لأهل البلد تمردوا عليهم، تصبح فوضى في البلاد كلها؟ هذا ليس بصالح، كل بلد الآن له حاكم، وعليهم السمع والطاعة، وعليهم أن يعملوا سواء كان عامًّا أو خاصًّا، ولاشك لما سقطت الخلافة الإسلامية في الدولة العثمانية صارت دويلات الآن، والاستعمار فرقهم، كل بلد جاء عليها حاكم، ولاشك أن الدولة الإسلامية لها هيبتها ولها قوتها.
هارون الرشيد يقول للسحابة: أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجك, ملك الشام ومصر والحجاز ونجد وكل البلدان، ما فيه شيء خارج عن الدولة الإسلامية، خلافة عامة، يقول للسحابة: أمطري حيث شئتِ فسيأتيني خراجك، هذا يكون هيبةً وقوةً للدولة الإسلامية.
ويكتب لملك النصارى نقفور كلب الروم: أما بعد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه لا ما تسمعه” والسيف أصدق أنباءً من الكتب، لكن الآن كما ترون الآن، الآن مزقت الدول الإسلامية وصارت دويلات، ولم يخرج الاستعمار منها حتى تأكد أنه يخلفه من هو يتحمس لها أكثر، اُبتلي المسلمون بهذه الدويلات والحكام، وتغيرت الأحوال الآن، أولًا ما كان هناك إعلام، ولا كان التطور في الإعلام، كانت الدولة الإسلامية هي الدولة الأم، ما يعلمون كم عدد الجيوش، ولا يعلمون كم عندهم من السلاح، ولا يعلمون كم عندهم من المال، أي نعم الدولة تعلم ميزانيتها كذا وكذا، وعندها من السلاح كذا، وعندها من الجيش كذا، والأعداء يعلمون قبلها أكثر من الدولة، يعلمون ما عندها من الأموال، وما عندها من السلاح والعتاد، تغيرت الأحوال.
الطالب: أحسن الله إليك، كما تفضلتم يا شيخنا، الحين بالنسبة للصبر على ولاة الأمور، يكون مثلًا دفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى، لكن شيخنا، أحد الإخوان مثلًا يقول: ما يحصل في العراق الآن، مثلًا الرافضة ماسكهم، يقولون: نحن أهل السنة نُذبح يوميًا، فنخرج مظاهرات، نحن كل يوم نذبح، إذا خرجنا لعلنا نطيح به ونولي غيره، إذا كان شيء لعله يكون أرفق أو يخاف مننا أننا نفعل به مثل السابق، أو أن يأتي سني.
الشيخ: هذا صحيح، يقول الآن هذا هو الذي يشرع الفساد، نفس الحاكم ينشر الفساد الآن، كونه يقتل السنة، وكونه يُفعل الفواحش بنساء أهل السنة، هذا نشر للفساد، هذا الحاكم ينشر الفساد، ما المطلوب من الحاكم؟ أن يستتب الأمن، ويعطي الحقوق لكل ذي حق حقه، فإذا كان الحاكم هو المفسد، وهو الذي يقتل أهل السنة، وهو الذي يأمر جنوده أن يفعلوا الفواحش بنساء أهل السنة؛ هذا سقط، ما هو بحاكم، هذا صار مجرم الآن، ينشر الإجرام.
الطالب: لا بأس يعني؟.
الشيخ: هو مجرم الآن، هو ليس حاكمًا الآن، يعني نصف شعبه الآن يشتتهم ويقتلهم، ويأمر جنوده أن يفعلوا الفواحش، هل هذا حاكم؟ ما هو بحاكم، هو نفسه الآن نشر الإجرام والفساد.
الطالب: أحسن الله إليك، بارك الله فيك، أنا أسمع بعض المشايخ لما يتكلمون على قضية خروج الناس في المظاهرات وكذا، يقول لك: فرق بين أنك تخرج على الحاكم، وفرق مثلًا أنت قبل ما تخرج، فهذا لو سألني، أقول لك: لا، حرام ما يجوز، لأنه خيار فاسد، لكن بعد ما تخرج الناس، ويحصل القتل وكذا وتتوسع رقعة هذه، أرى أن بعض المشايخ تختلف الفتوى عنده، تقول: لا الآن غير.
الشيخ: إذا توسعت وصار القتل، تقول لهم: ما فيه مانع؟ زيدوا في القتل؟.
الطالب: لا يقول: أخشى أنكم إذا رجعتم سيصفيكم الحاكم، فما توجيهكم؟.
الشيخ: واضح، من الأساس الخروج هو الذي سبب هذه المفسدة؛ لأنه أحيانًا يتورطون ما يستطيعون مثل سوريا الآن، يرجعون الآن؟ ما فيه رجوع، يقتلون ويصفون، الله يصلح الأحوال.
الطالب: يا شيخ، أحسن الله إليك، ما رأيكم في القول بأن علاقة الحاكم بالمحكوم كعلاقة الوكيل بالموكل؟ للوكيل أن يفسخ العقد مع موكله، وأيضًا الشعب له أن يفسخ العقد مع الحاكم.
الشيخ: ما الدليل على هذا؟ هذا يحتاج إلى دليل، هذا من جعبتك، النصوص دلت على أن الحاكم ما يُفسخ إلا بالشروط الخمسة، إذا وجدت الشروط الخمسة خلعناه، فهمت؟ ما هو علاقة وكالة، ما يصير وكالة.
الطالب: طيب يا شيخ هذا قول باطل؟
الشيخ: قول باطل، ما فيه شك.
الطالب: يا شيخ أحسن الله إليك، لعل هذه العبارة أخذت من كلام لشيخ الإسلام في السياسة الشرعية، لكن هو ظاهر كلامه في مقام الموعظة للحاكم.
الشيخ: ليس في هذا، أخذها من موضع جاءت في موضع آخر.
الطالب: كيف نرد على من يحتج بآثار السلف بالخروج على الحاكم؟
الشيخ: اجتهاد منهم، المجتهد له اجتهاده، والنصوص باقية على عمومها.
الطالب: يقول يا شيخ: نحن لسنا مجتهدين بعد.
الشيخ: أنت مثل السلف؟ تقيس نفسك على السلف؟ ما تقيس، هؤلاء علماء كبار لهم اجتهادهم، وأنت لا، ما عندك علم شرعي ولا كذا، لا عندك ما عندهم من العلم ولا من الثقة، فكيف تقيس نفسك بهم؟.
الطالب: شيخنا، أحسن الله إليك، هل يلزم من طاعة ولاة الأمور محبتهم؟.
الشيخ: محبتهم بقدر ما فيهم من الخير، المحبة والموالاة للمؤمنين، الحب في الله والبغض في الله والمعاداة في الله هذا عام للحاكم ولغيره، من أوثق عرى الدين الحب في الله والبغض في الله، توالي الشخص المؤمن المستقيم على طاعة الله، وتعادي العاصي، وتحب وتوالي وتعادي.
- والناس ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شخص مستقيم على طاعة الله، يؤدي ما أوجب الله عليه، وينتهي عما حرم الله عليه، مؤمن تقي، هذا تواليه موالاةً كاملة، سواءً كان حاكم أو غير حاكم.
القسم الثاني من الناس: الكافر، هذا يبغض بغضًا سواءً كان حاكمًا أو غير حاكم، بغضًا كاملًا من جميع الوجوه، تبغضه وتعاديه، لكن ما يلزم من المعاداة قتله والخروج عليه.
القسم الثالث: المؤمن العاصي، هذا تواليه بقدر ما فيه من الإيمان والطاعات، وتعاديه بقدر ما فيه من المعاصي.
إذا رأى الشخص شخصًا يحرض على الصلاة، وشخصًا ينهى غيره عن المحارم، وشخص يؤدي الأمانة، ويصل رحمه، ويبر والديه، فهذا تحبه، لكن الشخص التي تجده يشرب الخمر، ويشرب الدخان، ويتعامل بالربا، ويؤذي الجيران، فأنت تبغضه بقدر ما فيه من المعاصي، هذا هو ما عليه أهل السنة والجماعة، سواءً كان حاكم أو غير حاكم، إذا كان الحاكم عادلًا في جميع الأمور تواليه، وإذا كان الحاكم جائر ظالم عاصي؛ تواليه بقدر ما فيه من الطاعات، تواليه لأنه يقيم الحدود مثلًا، تواليه لأنه يحرص على استتباب الأمن، لكن من جهة أخرى تجده يتساهل في كذا، في إدخال الخمور، في إدخال كذا، تُبغضه بقدر ما فيه من المعاصي، وتحبه بقدر ما فيه من الطاعات, هذه الأقسام الثلاثة سواء كانوا حكامًا أو غير حكام.
الطالب: يا شيخنا، أحسن الله إليك، نفس العاصي يحبه من وجه ويبغض من وجه؟.
الشيخ: إي، العاصي يحب من وجه، ويبغض من وجه؛ لأن الله تعالى يواليه ويعاديه، فهو ولي الله من جهة، وعدو الله من جهة، فو ولي لله بقدر ما فيه من الطاعات والإيمان، وعدو لله بقدر ما فيه من المعاصي؛ فأنت تواليه كما يواليه ربك، يتسع صدرك لهذا ولهذا.
الطالب: شيخنا، أحسن الله إليك، لدي سؤال، الآن بالنسبة للسؤال السابق، هل هناك تفريق بين قضية بغض الكافر لذاته أو بغض ما يحمله من كفر، يعني بعضهم يفرق يقول أن هذا لا يبغض لذاته، وإنما يبغض لما يحمله من الكفر؟.
الشيخ: ما يحمله من الكفر هو ذاته، هو شيء واحد، تبغضه لذاته؛ لأنه يحمل الكفر، الذات ذات بشرية، الذات الآن تحمل الكفر وتحمل الإيمان، فالذات البشرية التي تحمل الإيمان نواليهم موالاةً كاملةً، والذات البشرية التي تحمل الكفر نبغضهم ونعاديهم معاداةً كاملةً، ما تنفصل الذات عن العمل.
الطالب: شيء واحد؟.
الشيخ: نعم.
الطالب: طيب شيخنا، أحسن الله إليك، قضية أن بعضهم يقول أن الأصل أن من مات على الكفر أنه في النار، لكن أعيان الكفار ممن لم يأت فيه النص، يعني نتكلم عن واقعنا مثلًا ما بعد زمن نزول الوحي، أنه لا يصح أن تقول: فلان بعينه في النار.
الشيخ: هذه المسألة، أما الشهادة العامة يُشهد لكل مؤمن في الجنة، كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، هذا على العموم، واضح هذا؟.
الطالب: نعم.
الشيخ: كل مؤمن في الجنة، وكل كافر في النار، أما المعين هل يشهد له بعينه؟ فيه أقوال:
قيل: لا يُشهد إلا للأنبياء.
وقيل: يُشهد للأنبياء، ولمن شهدت له النصوص.
وقيل: يُشهد لمن شهد له أربعة بالخير، أو اثنان عدلان بالخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «مرت عليه جنازة، فأثني عليها خيرًا فقال: وجبت، ثم مرت عليه الجنازة فأثني عليها شرًا فقال: وجبت، فسألوا: فقال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار».
والصواب من هذا أنه لا يُشهد بالجنة بعينه إلا للأنبياء ومن شهدت له النصوص، أما المؤمن الذي لا يشهد له بعينه، فإنه يرجى له الخير ولو كان لا يُشهد له بعينه؛لم يكن هناك فرق بين المبشرين بالجنة وغيرهم، هناك فرق بين العشرة المبشرين بالجنة وغيرهم، فغيرهم ما يشهد له بعينه، يشهد بالعموم، كل مؤمن في الجنة.
وكذلك الكفار كل كافر في النار، كل من مات على الكفر فهو في النار، وأما الشخص بعينه فيشهد لمن شهد لهم الرسول، كأبي لهب، وأبي جهل، وكذلك الشخص الذي عُرف أنه مات على الكفر وقامت عليه الحجة وأنه ما له شبهة، هذا نشهد عليه بالكفر، ويشهد عليه في النار؛ لأن له مصير الكافرين، أما إذا كنت ما تدري هل قامت عليه الحجة؟ هل هو عاش في بلاد... ما يدري، هذا تتوقف، تشهد بالعموم.
الطالب: من أجمعت الأمة على إمامته يا شيخ ما يشهد له بالخير؟.
الشيخ: هذه بعض العلماء قالها، مثل هذا، هذا في قول بعض أهل العلم، قال: من شهد لهم بالخير، من ذلك أن أبا ثور يشهد للإمام أحمد بالجنة، هذا قول من العلماء, لكن المعروف عند العلماء أنه ما يشهد إلا بالعموم، ولكن يُرجى للمحسن ويخاف على المسيء، المحسن يُرجى له الخير، والمسيء يخاف عليه من النار، ولكن لا نشهد للمسيء بالنار، ولا نشهد للمحسن بالجنة، إلا من شهدت له النصوص.
الطالب: بالنسبة يا شيخنا للحديث: «من أحب أن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه»، فقط أريد أن أورد توضيحًا هل هذا صحيح أو لا؟ بعضهم يرى أن الزيادة هنا زيادة حسية حقيقية، أن للمؤمن في اللوح المحفوظ أجلين: أجل أعلمه الله للملك لما كتب أجله، وأجل استأثر الله بعلمه لنفسه، فإذا مات الإنسان واصلًا رحمه، مات بالأجل الثاني الموجود في اللوح المحفوظ، وإن مات غير واصل لرحمه مات بالأجل الآخر أيضًا الموجود في اللوح المحفوظ الذي علمه الملكان، هل هذا التفسير صحيح؟.
الشيخ: ليس بصحيح، ليس في اللوح المحفوظ أمران متناقضان، فيه أجل قريب وأجل بعيد هذا ليس بصحيح، ما في اللوح المحفوظ لا يغير، ولكن المعنى «من أحب أن ينسأ له في أثره»؛ يعني: يؤخر في أجله «فليصل رحمه»، للعلماء فيه أقوال؛ منها:
القول أن المراد: البركة في العمر، يبارك له في عمره، يكون في هذا العمر القصير يحصل له من الخير والأعمال الصالحة ما لا يحصله الآخر.
القول الثاني: أن المعنى أن صلة الرحم سبب في طول العمر، وطول العمر مسبب، والسبب والمسبب كلاهما مكتوب في اللوح المحفوظ، مكتوب في اللوح المحفوظ أن هذا يطول عمره بصلة الرحم، وهذا يقصر عمره بقطيعة الرحم، هذا موجود في اللوح المحفوظ، وهو يعمل ما قدره الله له.
الطالب: نعم، والأجل واحد؟
الشيخ: والأجل واحد.
الطالب: الملك هل ثبت بأن أنه يُعلم بأجل ثم يعلم بأجل آخر؟.
الشيخ: لا أذكر شيئًا، لكن جاء في مثل قوله تعالى: (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ) [الرعد/39] . ؛ يمحو ما في كتب الحفظة ليوافق ما في اللوح المحفوظ، (ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ) من كتب الحفظة (ﯙ ﯚ) ليوافق ما في اللوح المحفوظ، ولهذا قال: (ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الرعد/ 39]؛ فإذا كتب شيئًا يخالف ما في اللوح المحفوظ يمحى، ويثبت ما في اللوح المحفوظ.
الطالب: ممكن يكتب مثلًا بيد الملائكة ما ليس موجودًا في اللوح المحفوظ.
الشيخ: قد يكتب، ظاهر كلام بعض السلف على هذه الآية.
الطالب: يا شيخ أحسن الله إليك، هل ثبت عن عمر أنه كان يدعو اللهم إن كنت كتبتني شقيًّا فامحني واكتبني سعيدًا
الشيخ: اللهم إن كنت كتبتني شقيًّا فامحني واكتبني سعيدًا؟ هذه مشهور عن عمر، ما صحت ولكن لو صحت قد تحمل على مفهوم صحيح، يعني تحمل الكتابة على التقدير.
الطالب: الوصية لأبنائك، اختم بها.
الشيخ: والله أوصيهم ونفسي بتقوى الله عز وجل، نسأل الله أن يرزقنا وإياهم التقوى، والحرص على طلب العلم، وجهاد النفس على التوبة النصوح، وجهاد النفس على أداء ما أوجب الله، وترك ما حرم الله، وجهاد النفس على كف الأذى عن الناس، وجهاد النفس على فعل الخير، وفعل المعروف، وبذل الندى وحُسن الخلق، فحسن الخلق يشمل بسط الوجه وكف الأذى وبذل المعروف، ثلاثة أشياء.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حُسن الخلق، وأن يرزقنا وإياكم الثبات على دينه والاستقامة عليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم, سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.