شعار الموقع

شرح كتاب سلوك الطريق الأحمد_2

00:00
00:00
تحميل
6

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:...

(المتن)

قال الشيخ إسحاق بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى أجمعين: وأما ما يدل على ذلك لغةً ووضعًا، فأصل الهجرة: الترك، والهجرة إلى الشيء الانتقال من غيره إليه، ويؤخذ من لفظ العداوة، لأنها وضعت للمجانبة والمباينة؛ لأن أصل العداوة: أن تكون في عدوة، والعدو في أخرى؛ وأصل البراءة: الفراق والمباينة أيضًا.

(الشرح)

بالعدوة، بضم العين، يقول: أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى.

(المتن)

مأخوذ من براه إذا قطعه؛ قال الحافظ في الفتح: والعداوة تجر إلى البغضاء، انتهى.

فعُلم: أن العداوة سببٌ للبغضاء ووسيلة؛ وبغض الكافر مشروط في الإيمان، محبوب إلى الرحمن، فكانت مطلوبة؛ لأن وسيلة المطلوب المحبوب مطلوبة محبوبة، فاتفق الشرع والوضع على هذه الشعبة، التي هي من أعظم شعب الإيمان.

(الشرح)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

بعد أن استدل المؤلف رحمه الله بالكتاب والسنة والإجماع، استدل باللغة، فقال: الهجرة تدل على الانتقال؛ لأن أصل الهجر الترك (والهجرة إلى الشيء الانتقال من غيره إليه)، فإذًا الهجرة واجبة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، إذا كان استظهر دينه، بالكتاب والسنة والإجماع، والعقل، واللغة، أيضًا اللغة تدل على الهجرة، وذلك لأن الهجر هو الترك، والهجرة إلى الشيء: الانتقال من غيره إليه.

وكذلك قال: (ويؤخذ من لفظ العداوة) المسلم يعادي المشركين، والعداوة (وضعت للمجانبة والمباينة؛ لأن أصل العداوة: أن تكون في عدوة، والعدو في أخرى؛ وأصل البراءة: الفراق والمباينة أيضًا) فصارت اللغة تدل أيضًا على الفراق، مفارقة الكفار ومباينتهم.

ولهذا قال المؤلف: (فعُلم أن العداوة سببٌ للبغضاء ووسيلة؛ وبغض الكافر مشروط في الإيمان) لا يصح الإيمان إلا ببغض الكافر، فكانت الهجرة مطلوبةً، الهجرة مطلوبة؛ لأنها وسيلة إلى بغض الكافر، (لأن وسيلة المطلوب المحبوب مطلوبة محبوبة).

قال المؤلف: (فاتفق الشرع والوضع على هذه الشعبة) اتفق الشرع والوضع، يعني: الوضع اللغوي, (على هذه الشعبة) وهي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام، (التي هي من أعظم شعب الإيمان).

(المتن)

وأما وجوب الهجرة، وفراق المشركين عقلا، فلأن الحب أصل كل عمل من حق وباطل؛ ومن علامة صدق المحبة: موافقة المحبوب فيما أحب وكره، ولا تتحقق المحبة إلا بذلك؛ ومُحال أن توجد المحبة مع ملاءمة أعداء المحبوب، وهذا مما لا تقتضيه المحبة؛ فكيف إذا كان قد حذرك من عدوه الذي قد طرده عن بابه، وأبعده عن جنابه، واشترطه عليك في عهده إليك، هذا والله مما لا يسمح به المحب، ولا يتصوره العاقل.

متى صدقت محبة من يراني من الأعداء في أمر فظيع، فتسمح أذنه بسماع شتمي وتسمح عينه لي بالدموع.

(الشرح)

وهذا دليل من العقل، المؤلف استدل على وجوب الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام بالكتاب والسنة، والإجماع واللغة والعقل، قال: (وأما وجوب الهجرة، وفراق المشركين عقلا، فلأن الحب أصل كل عمل من حق وباطل؛ ومن علامة صدق المحبة: موافقة المحبوب فيما أحب) فالمؤمن يحب الله ورسوله والمؤمنين، والصادق في محبته هو الذي يوافق محبوبه فيما يحب ويكره، والله تعالى يكره المشركين، فعليك أن تكره المشركين، ومن كراهة المشركين البعد عنهم وفراقهم، والهجرة من ديارهم، فدل العقل على وجوب الهجرة.

يقول المؤلف: (فلأن الحب أصل كل عمل من حق وباطل؛ ومن علامة صدق المحبة: موافقة المحبوب فيما أحب وكره) ومُحال أن توجد المحبة مع معاداة أعداء الحبيب، لا يمكن:

أتحب أعـداء الحبيب وتزعم

 

حبهم ما ذاك في الإمكـان

لو كنت صادقًا لأطعته

 

إن المحب لمن يحب مطيع

 

فإذا كنت صادق في المحبة؛ فإنك تحب ما يحبه المحبوب، وتبغض ما يبغضه، فإذا كان المؤمن صادقًا في محبة الله ورسوله، فالله تعالى يحب المؤمنين ويُبغض الكافرين، ومن بغض الكافرين أن تبتعد عنهم وتهاجر من بلادهم، إذا كنت لا تستطيع إظهار دينك.

يقول المؤلف رحمه الله: (ومُحال أن توجد المحبة مع ملاءمة أعداء المحبوب) محال أن توجد المحبة وأنت تحب أعداء محبوبك، لا يمكن، فكيف إذا كان محبوبك قد حذَّرك من عدوه وهو كافر، عدوه الذي طرده عن بابه، وأبعده عن جنابه، واشترطه عليك في عهده إليك، اشترط الله عليك في إيمانك أن تعادي الكافر وتبغضه، شرط في صحة الإيمان، لا يصلح الإيمان إلا ببغض الكافر، ثم استدل به قال: (متى صدقت محبة من يراني من الأعداء في أمر فظيع، فتسمح أذنه بسماع شتمي وتسمح عينه لي بالدموع).

(المتن)

إذا تقرر ذلك، فالكلام على إظهار الدين الذي هو مقصود السائل، والذي قد وقع فيه الإشكال في مقامين:

الأول: وهو أعلاها، الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ وقد تقدم بعض التنبيه عليه، فيما نقله ابن جرير وغيره عن السلف، ويأتيك له مزيد بسط، في كلام الحنابلة والشافعية وغيرهم، وإليه يومئ كلام الماوردي رحمه الله.

الثاني: الامتياز عن عبادة الأوثان والأصنام، وتصريح المسلم بما هو عليه من دين الإسلام، والبعد عن الشرك ووسائله، وهو دون الأول. فأصغي سمعك لبرهان هذين المقامين، لعل الله أن ينفعك به.

واعلم: أن الدين كلمة جامعة لخصال الخير، وأعلاها التوحيد، كما تقدم؛ وهو على القلب بالاعتقاد، والصدق والمحبة، وعلى اللسان بتقريره وتحقيقه والدعوة إليه واللهجة به، وعلى الجوارح بالعمل بمقتضاه، والسعي في وسائله والبعد عن مضاده.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله لما قرر وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام، إذا كان الإنسان لا يستطيع إظهار دينه، أراد أن يبين معنى إظهار الدين، ما هو إظهار الدين؟ هل إظهار الدين كون الإنسان يصلي ويصوم فقط؟ أو إظهار الدين زائدٌ عن ذلك؟

قال المؤلف رحمه الله: (إذا تقرر ذلك، فالكلام على إظهار الدين الذي هو مقصود السائل، والذي قد وقع فيه الإشكال في مقامين: الأول: وهو أعلاها، الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة) يعني: إذا كان الإنسان يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، يكون داعي إلى الله في بلاد المشركين، وله تأثير، ويُسْلِم على يديه خلق كثير، فهذا من إظهار الدين؛ لأن الداعي إلى الله يظهر محاسن الإسلام، ويبين عيوب ما عليه أهل الشرك من الدين الباطل، إذا كان الإنسان داعيةً إلى الله؛ فهذا معروف دينه، لاشك أن الداعية يظهر دينه، إذا كان يستطيع الإنسان يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ويدعو إلى دين الإسلام، ويُسلم على يديه أناس، فهذا قد أظهر دينه، فلا بأس أن يقيم.

الأمر الثاني: (الامتياز عن عبادة الأوثان والأصنام، وتصريح المسلم بما هو عليه من دين الإسلام، والبعد عن الشرك ووسائله، وهو دون الأول) معنى الامتياز: الانفصال والبعد، يتميز الإنسان عن عبادة الأوثان والأصنام، يكون هناك تمييز أو فرق بينه وبين المشركين الذين يعبدون الأصنام والأوثان، بحيث يعلم كل واحد أنه منفصل عنهم، وأنه ليس موافقًا لهم، ولا يندمج معهم، لا يندمج مع الكفار ولا ينفصل، بل يتميز، ويصرح بما هو عليه من دين الإسلام، يصرح بأنه على دين الإسلام لكل أحد، والبعد عن الشرك ووسائله, إذًا المسلم الذي يجوز له أن يقيم بين المشركين، هو الذي يظهر دينه.

  • وإظهار الدين له مقامان:

المقام الأول: الدعوة إلى الله، يكون داعيًا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

والمقام الثاني: أن يتميز عن المشركين، يتميز وينفصل عنهم، ويصرح بما هو عليه من دين الإسلام، وأنه يعتز بدين الإسلام، وأنه على دين الإسلام، ويبين محاسن الإسلام، والبعد عن الشرك ووسائله.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (واعلم أن الدين كلمة جامعة لخصال الخير) الدين كلمة تشمل خصال الخير كلها، وأعلاها التوحيد، والدين يكون على القلب، وعلى اللسان، وعلى الجوارح, (وعلى القلب بالاعتقاد، والصدق والمحبة) يعتقد أن الله هو المستحق للعبادة، ويوالي الله ورسوله والمؤمنين، ويبغض المشركين ويعاديهم, (وعلى اللسان بتقريره وتحقيقه والدعوة إليه واللهجة به، وعلى الجوارح بالعمل بمقتضاه، والسعي في وسائله والبعد عن مضاده).

(المتن)

قال الوالد رحمه الله في رسالته لأهل الأحساء: فإن الإنسان لا يصلح له إسلام ولا إيمان، إلا بمعرفة هذا التوحيد، وقبوله، ومحبته، والدعوة إليه، وتطلب أدلته، واستحضارها ذهنًا وقولًا وطلبًا ورغبة؛ انتهى بحروفه.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن والده، المؤلف الشيخ إسحاق نقل عن والده عبد الرحمن بن حسن بن الإمام محمد بن عبد الوهاب (في رسالته لأهل الأحساء: قال: فإن الإنسان لا يصلح له إسلام ولا إيمان، إلا بمعرفة هذا التوحيد، وقبوله، ومحبته، والدعوة إليه، وتطلب أدلته، واستحضارها ذهنًا وقولًا وطلبًا ورغبة) هو لا يصلح له إسلام ولا يصلح إسلامه ولا إيمانه إلا بأن يعرف التوحيد، وأن يقبل التوحيد، وأن يحب التوحيد، وأن يدعو إلى التوحيد، وأن يتطلب أدلته، وأن يستحضرها ذهنًا، وقولًا، وطلبًا ورغبة، ثم بعد ذلك سيذكر الأدلة التي تدل على هذا.

(المتن)

وقد أوضح ذلك القرآن أي إيضاح، وضمن لمن قام به ودعا إليه، وصبر عليه، السعادة والفلاح؛ قال تعالى: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يونس: 105].

وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ)[الشورى: 13].

فقوله تعالى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ)[الشورى: 13] أمرٌ عام، وقد اقتبسه العماد ابن كثير فيما تقدم في قوله: وليس متمكنا من إقامة الدين.

وقال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْر إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر: 1-3]؛ فأقسم سبحانه بالعصر وهو الزمن أو الوقت على خسران جميع هذا النوع الإنساني، إلا من استثنى، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتواصوا بالحق، بأن دعوا إليه وصبروا على الأذى فيه؛ وهذا أصل الأصول، وهو طريق الرسول؛ والصلاة وسائر العبادات فروعه.

(الشرح)

المؤلف ذكر الأدلة على ما قال من أن الإنسان لا يصح له الإسلام والإيمان إلا بمعرفة التوحيد وقبوله ومحبته والدعوة إليه، وتطلب أدلته، لا يصح الإسلام إلا بأن يعرف التوحيد، ويقبل التوحيد، ويحب التوحيد، ويدعو إلى التوحيد، ويطلب أدلته، ويستحضرها ذهنًا وقولًا وطلبًا ورغبة، ذكر الأدلة, قوله تعالى: (ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ) [يونس/ 105].

وإقامة الدين أمر عام، وقال: (ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ)[الشورى/ 13].

وكذلك سورة العصر، هذه السورة القصيرة التي قال الشافعي فيها: لو ما أنزل الله على خلقه حجةً إلا هذه السورة لكفتهم؛ وإن الله تعالى قال: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ) [العصر/ 1-3]؛ أقسم الله أن كل إنسان خاسر، إلا من استثناه الله، إلا من وحد الله، وحقق توحيده بالعمل، ودعا إلى الله على بصيرة، وصبر على الأذى.

(المتن)

وقال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة: 4].

ففي هذه الآية أعظم دلالة: على أعلى مقامات إظهار الدين، لأن الله بين هذا الحكم العميم، وأكد هذا المشهد العظيم، الذي هو مشهد الأسوة بالأنبياء والرسل، معبرًا بصيغة الماضي، وبقد التحقيقية الدالة على لزوبه، ولزومه على البرية، ووصفه بالحسن، وضد الحسن القبيح؛ وأزال دعوى الخصومة بقوله: (وَالَّذِينَ مَعَهُ)[الممتحنة: 4]، ترغيبًا في معية أوليائه.

ثم صرح: بأنها هي القول باللسان، مع العداوة، والبغضاء؛ خلافًا لمن قال: أبغضهم بقلبي، وأتبرأ من العابد والمعبود جميعًا؛ وقدّم البراءة من العابد، تنويهاً بشناعة فعله، ثم أعادها بلفظ آخر أعم من البراءة، وهو قوله: (كَفَرْنَا بِكُمْ)[الممتحنة: 4]، أي: جحدناكم، وأنكرنا ما أنتم عليه.

وكشف الشبهة بقوله: (وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ)[الممتحنة: 4]. ومعنى: (وَبَدَا) ظهر؛ وقرن بين العداوة والبغضاء إشارة إلى المباعدة والمفارقة، بالباطن والظاهر معا، وأكد العداوة.

وأيدها بقوله: (أَبَداً)[الممتحنة: 4]، معبرًا بالظرف الزماني المستقبل المستمر، إلى غاية وهي الإيمان، وأتى بحتى الغائية، الدالة على مغايرة ما قبلها لما بعدها، المعنى: إن لم تؤمنوا فالعداوة باقية.

وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)[الكافرون: 1-2]، إلى أخر السورة، أمر الله تعالى نبيه أن يخاطبهم بأنهم كافرون، وأن يخبرهم أنه لا يعبد ما يعبدون، أي: أنه بريء من دينهم؛ ويخبرهم أنهم لا يعبدون ما يعبد، أي: أنهم بريئون من التوحيد.

(الشرح)

هذه أيضًا من الأدلة، قول الله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ) [الممتحنة/ 4].

هذه الآية من الأدلة على إظهار الدين، أن إظهار الدين لابد فيه من البراءة من المشركين، لابد من البراءة منهم ومن دينهم ومن معبوداتهم، ولهذا قال: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ) ؛ يعني: قدوة (ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ) .

إذًا لابد أن يتبرأ من المشركين، وينفصل عنهم، حتى يتم إظهار دينه، أما إذا كان يندمج بينهم ولا يتبرأ منهم؛ فلا يكون إظهار الدين، لابد من إظهار الدين والبراءة منهم وإظهار العداوة؛ ولهذا قال: (ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ).

ثم الدليل الذي بعده سورة الكافرون: (ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ) [الكافرون/ 1-2]؛ وجه الدلالة أن الله أمر بأن يخاطبهم بأنهم كافرون، ويخبرهم بأنه لا يعبد ما يعبدون، وأنه بريء من دينهم، ويخبرهم أنهم أيضًا بريئون من التوحيد؛ لأنه لابد من البراءة وإظهار العداوة والبغضاء.

(المتن)

وقال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يونس: 104-105].

والآيات في بيان الدعوة إلى الله، ومباينة المشركين، والبعد عنهم، وجهادهم بالحجة واللسان، والسيف والسنان، كثيرة جدا؛ وهذا المقام العظيم، للنفس فيه مغالطات، وللشيطان فيه ركضات، قد غلط فيه أكثر الناس، وأشكل أمره حتى على العباس, فتدبر القرآن إن رمت الهدى فالعلم تحت تدبر القرآن.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى على قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الزخرف: 26-28] أي: هذه الموالاة لله، والمعادة التي هي معنى شهادة أن لا إله إلا الله، باقية في عقبه، يتوارثها الأنبياء وأتباعهم إلى يوم القيامة، انتهى ملخصًا.

وهو من تفسير الشيء بلازمه؛ والمعاداة والموالاة، من باب المفاعلة الدالة على المشاركة، كالمباينة والمقاتلة والمعاهدة؛ المعنى: أن كلا منهما أظهر العداوة للآخر، واشتركا فيها؛ لأن الاشتراك هو الأصل، كما هو معلوم عن علماء الصرف، وليس مع المنازع ما يدفع هذه الآيات المحكمات، والقواطع البينات، إلا دعوى الخصوصية، وأنى له ذلك؟!

وقد قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)[آل عمران: 110].

وقال تعالى: (فأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف: 165].

وفي الحديث الصحيح: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، إلى يوم القيامة».

(الشرح)

ذكر المؤلف رحمه الله، من الأدلة بأنه بريء من المشركين، وبريء من عبادتهم، وإعلان بالتوحيد، وأنه لا يعبد إلا الله، لهذا قال: (ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ )[يونس: 104], فلابد للمسلم أن يعلن دينه، وأن يتبرأ من دين المشركين، وإذا ترك ذلك يكون مقيمًا للدين، أما إذا كان لا يستطيع إظهار دينه، ولا يستطيع أن يتبرأ منهم، من المشركين؛ فلا يجوز له الإقامة بين أظهرهم.

(المتن)

وقد هاجر جعفر وأصحابه إلى الحبشة؛ وتسمى هجرة الانتقال عن دار الخوف، وصبروا على الغربة وفراق الوطن، ومجاورة غير الشكل، وما ذاك إلا لأجل هذه البراءة، والتصريح بما هم عليه من الدين.

ولما قال قريش لابن الدُغُنة، بعد إرجاعه أبا بكر إلى مكة، وإجارته إياه: مره أن يعبد بداره ولا يستعلن، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا، أبى إلا الاستعلان بالقرآن، ونبذ إلى ابن الدغنة ذمته، ورضي بجوار الله. ولم يزل على ذلك إلى أن هاجر، والقصة مشهورة مبسوطة في دواوين الإسلام.

فمن كان بهذه المثابة، داعيًا إلى الله، ناهيًا عن المنكر، أو مصرحًا بما هو عليه، بحيث أن يُرجى بإقامته هداية غيره، فمقامه والحالة هذه جائزة؛ وقد نازع الماوردي، في إطلاق الأفضلية في حقه، فإنه قال الشوكاني لما ذكره: ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب, ويأتيك باقي الكلام عليه في الجواب عن المعارضة، إن شاء الله تعالى.

(الشرح)

ذكر المؤلف رحمه الله أن جعفر بن أبي طالب وأصحابه هاجروا إلى الحبشة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد أذى قريش عليهم، وصبروا على الغربة وفراق الوطن، ومجاورة غير شكلهم، ليجدوا البراءة من المشركين، والتصريح بما هم عليه من الدين، ولما آذت قريش أبا بكر، أجاره بن الدغنة، يعني أمنه، ثم بعد ذلك بنى له أبو بكر مسجدًا، وصار يصلي، ويرفع صوته، فيجتمع عليه أولاد المشركين ونساؤهم يستمعون قراءته، وكان لا يملك عينيه من البكاء.

فأتى المشركين ابن الدغنة، وقال: مر صاحبك أن يدخل في بيته، ولا يستعلن، ولا يعلن دينه؛ فإنه نخشى على نسائنا وأبنائنا أن يفتتنوا، فجاء لابن الدغنة وقال: أنا أنذرتك، فإما أن تدخل بيتك ولا تستعلن، وإما أن ترد علي إجارتي، فقال: أرد عليك إجارتك وأرضى بجوار الله، فرد عليه إجارته، وأبى إلا أن يستعلن، أن يستعلن يعني يعلن دينه، يقول المؤلف رحمه الله: (كان داعيًا إلى الله، ناهيًا عن المنكر) فهذا المعلن لدينه، وكذلك من كان (مصرحًا بما هو عليه) من الدين، ومتبرئًا من المشركين، فهذا معلنٌ لدينه.

(المتن)

وقال ابن القيم رحمه الله في "البدائع" على قوله: (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 28] إلى قوله: (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً)[آل عمران: 28].

ومعلوم أن التقاة ليست بموالاة، ولكن لما نهاهم عن موالاة الكفار، اقتضى ذلك معاداتهم والبراءة منهم، ومجاهرتهم بالعداوة في كل حال، إلا إذا خافوا من شرهم، فأباح لهم التقية، وليست التقية موالاة لهم، فهو إخراجٌ من متوهم غير مراد، انتهى كلامه.

فانظر إلى قوله: والبراءة منهم، ومجاهرتهم في كل حال، وأن الاستثناء منقطع، وعليه فالتقية ليست من الركون، ولا حجة فيها لمفتون، بل هي إباحة عارضة لا تكون إلا مع خوف القتل، كما قاله أكثر المفسرين، وعن سعيد بن جبير: لا تكون التقية في سلم إنما هي في الحرب.

(الشرح)

وقد قال ابن القيم رحمه الله في البدائع: (ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ) [آل عمران/ 28]، إلى قوله: (ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ) [آل عمران/28]؛ يعني يقول المؤلف: (ومعلوم أن التقاة ليست بموالاة) والمعنى: أنه يجاهرهم بالعداوة في كل حال، إلا إذا خاف من شرهم، فإذا خاف من شرهم فإنه يتقيهم؛ فدل على أنه إظهار هذا الدين المجاهرة، المجاهرة بالعداوة، وأنهم أعداء، إلا إذا خاف من شرهم فإنه يتقي منهم، إذا خاف شرهم، حتى يزول هذا العارض.

(المتن)

وقد بنى العلامة ابن قدامة، وابن أبي عمر وغيرهما، كالحافظ وغيره حكم الإباحة على مقدمتين: إظهار الدين، وأداء الواجبات; والحكم إذا عُلق بوصفين لم يتم بدونهما، خصوصًا إذا أعيدت الأداة، وتكررت الصيغة; وقد أعيدت الأداة وتكررت، وأعيدت الصيغة هنا، حيث قالوا: ولا يمكنه إظهار دينه، ولا يمكنه إقامة واجبات دينه، وهذا يدل على أن لكل جملة معنى غير الذي للأخرى.

ولو كان إظهار الدين هو أداء الواجبات البدنية فقط كما فهم المجيز لما طابق مقتضى الحال، وحاشا الأئمة من ذلك; فالفهم فاسد والمحصل كاسد؛ نعم: لو سلمنا أن إظهار الدين هو أداء الواجب، فأوجب الواجبات: التوحيد وما يتضمنه، وهو أوجب من الصلاة وغيرها؛ وهو الذي ما زالت الخصومة فيه، وهذا اللفظ يصدق عليه.

فإظهاره هو الإعلان بمباينة المعتقد، والبعد عن ضده، دع الدعوة إليه فإنه أمرٌ وراء ذلك؛ فلو استقل الحكم بما زعمه المجيز هداه الله من أن العلة عدم المنع من العبادة، لبقيت نصوص الشارع عديمة الفائدة؛ لأنه لا يُمنع أحد من فعل العبادات الخاصة في أكثر البلاد، فبطل ما زعمه وسقط ما فهمه.

(الشرح)

يبين المؤلف رحمه الله نقلًا عن ابن قدامة وابن أبي عمر، أن إباحة الإقامة في بلاد المشركين.

  • لا بد لها من مقدمتين:

المقدمة الأولى: إظهار الدين.

والمقدمة الثانية: أداء الواجبات.

أداء الوجبات: أن يؤدي ما أوجب الله عليه، ويستطيع إظهار دينه، وإظهار الدين معناه: هو أن يصرح لهم بالعداوة والبغضاء، وأن ما هم عليه من الدين باطل، ويتبرأ منهم ومن دينهم، ويبين أن دين الإسلام هو الحق، ودين المحاسن الإسلام، يقول المؤلف رحمه الله: ولا يكفي أحد الأمرين، بل لابد من الأمرين جميعًا: إظهار الدين، وأداء الواجبات، وأما ما فهمه بعض الناس، من أنه يكفي أن يؤدي الواجبات، يصلي ويصوم، هذا لا يطابق قوى الحال ولا يسلم، يقول: (لو سلمنا أن إظهار الدين هو أداء الواجبات؛ فأوجب الواجبات هو التوحيد) فلابد أن يظهر التوحيد؛ لأن التوحيد أوجب من الصلاة وغيرها، وإظهار التوحيد معناه: أنه يعلن أن دين الإسلام هو الحق، ويتبرأ من المشركين ومن دينهم.

(المتن)

قال شيخنا العلامة عبد اللطيف رحمه الله في بعض رسائله: قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في المواضع التي نقلها من السيرة: فإنه لا يستقيم للإنسان إسلامٌ ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء.

قال: فانظر إلى تصريح الشيخ، بأن الإسلام لا يستقيم إلا بالتصريح لهم بالعداوة والبغضاء، وأين التصريح من هؤلاء المسافرين؟! والأدلة من الكتاب والسنة ظاهرة متواترة على ما ذكره الشيخ، وهو موافقٌ لكلام المتأخرين في إباحة السفر لمن أظهر دينه، ولكن الشأن كل الشأن في إظهار الدين؛ وهل اشتدت العداوة بينه صلى الله عليه وسلم وبين قريش، إلا لما كافحهم بسب دينهم، وتسفيه أحلامهم، وعيب آلهتهم

وأي رجل يُعمل المطي جاد.

(الشرح)

يُعمل المطي، يعني: الإبل.

(المتن)

وأي رجل يعمل المطي جاد جادا في السفر إليهم واللحاق بهم، حصل منه أو نقل عنه ما هو دون هذا الواجب؟! والمعروف المشتهر عنهم ترك ذلك كله بالكلية، والإعراض عنه، واستعمال التقية والمداهنة وشواهد هذا كثيرة، إلى أن قال: حتى ذكر جمعٌ بتحريم القدوم إلى بلد تظهر فيها عقائد المبتدعة، كالخوارج والمعتزلة والرافضة، إلا لمن عرف دينه في هذه المسائل، وعرف أدلته وأظهره عند الخصم، انتهى كلامه.

فانظر إلى قوله: وأنه لا يستقيم الإسلام إلا بالتصريح لهم بالعداوة، يعني: أن الإسلام ناقص وصاحبه معرض للوعيد؛ وانظر إلى قوله: والأدلة عليه من الكتاب والسنة متواترة، أي: على وجوب التصريح، وإلا فالعداوة لا يخلو منها من يؤمن بالله ورسوله، ففرق بين العداوة وإظهار العداوة؛ ومن هنا غلط من غلط حجاب طبعه ولم يعرف المفهوم من التخاطب ووضعه.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن الشيخ عبد اللطيف، والشيخ عبد اللطيف نقل عن الشيخ الإمام المجدد محمد رحمه الله، أنه لا يستقيم إسلام الإنسان ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء، إذًا إظهار الدين معناه لابد فيه من التصريح بالعداوة والبغضاء، كما في الآية قال الله تعالى: (ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ)[الممتحنة/4].

ولا يكفي في هذا أداء الواجبات، بل لابد من أداء الواجبات من التصريح بالعداوة والبغضاء، ويقول: إن كثيرًا من الذين يسافرون إلى بلاد المشركين يكتفي بأداء الواجبات فقط، وتجده يداهنهم، يكون عندهم مداهنة لهم، ويستعمل التقية، وهذا لا يكفي، ولا يكفي كونه يبغضهم بقلبه؛ لأن البغض بالقلب هذا لابد منه، ما يصح الإسلام إلا به، بغض المشركين بالقلب هذا لابد منه، لكن إظهار الدين معناه إظهار العداوة والبغضاء، والبراءة منهم ومن دينهم، يعني يُظهر ذلك، أما كونه يبغضهم في الباطن هذا لابد منه، لا يصح الإسلام إلا به.

(المتن)

وكلام الشيخ هذا، هو صريح كلام السلف قديما وحديثا، كما قدمنا لك عن سعيد بن جبير، وعطاء ومجاهد، ومن بعدهم؛ وقد مر بك صريحا في كلام ابن القيم، رحمه الله وغيره، وفي قصة خالد مع مجاعة، حين أسره دلالة ظاهرة، فإنه قال له: قد أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس، فإن يكن كذابا خرج فينا، فإن الله يقول: (وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164].

وقول خالد له: تركتَ اليوم ما كنت عليه أمس، وكان سكوتك إقرارًا له، فهلا أبديت عذرًا وتكلمت فيمن تكلم؟ فقد تكلم فلان وفلان؛ فإن قلت: أخاف قومي فهلا عمدت إليَ أو بعثت إليَ رسولًا، فخصمه خالد، فطلب العفو فعفا عن دمه، والقصة مشهورة.

(الشرح)

وهذا فيه دليل على أنه لابد من إظهار الدين، ولابد من البراءة من المشركين؛ فإن المؤلف استدل بقصة مجاعة، وذلك في حروب الردة، لما ارتد بنو حنيفة، وأقروا بنبوءة مسيلمة، وقاتلهم الصحابة، أسر خالد بن الوليد رضي الله عنه مجاعة، فلما أسره قال له مجاعة: أنا أسلمت، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس، فإذا كان مسيلمة ظهر كذاب، فهذا أنا لست مسئول عنه، الله يقول: (ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ) [الأنعام/ 164].

فقال له خالد: (تركت اليوم ما كنت عليه أمس) سكت، ما أنكرت على مسيلمة، والسكوت إقرارٌ له، سكت مع قومك الذين أقروا بنبوته، ما أنكرت, (فهلا أبديت عذرًا) هل تكلمت فيما تكلم؟ هل أنكرت؟ هل أظهرت أن مسيلمة على الباطل وعلى الكفر؟!

وقال: (إن كنت أخاف قومي فهلا أرسلت إلي أو بعثت إلي رسولًا) تبلغني أنك تنكر ما عليه مسيلمة من الكفر، فدل على أنه لابد من إظهار العداوة للمشركين، والبراءة منهم ومن دينهم.

(المتن)

قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في شعب الإيمان، ما نصه: فالظاهر منها، أي: من الهجرة هو الفرار بالجسد من الفتن، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من أهل ملتين تتراءى ناراهما» فتبرأ النبي صلى الله عليه وسلم منهم، لتخلف شعبة الهجرة عنهم، إذ هي من أعظم شعب الإيمان، ولقوله صلى الله عليه وسلم وقد ذكر الفتن: لا يسلم لذي دين دينه، إلا من فر من شاهق إلى شاهق، وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيتين [النساء: 97].

وفي البخاري: والفرار من الفتن من الإيمان، فما كان من الإيمان فهو من شعبه بلا شك؛ فالفرار ظاهر من بين ظهراني المشركين، واجبٌ على كل مسلم، وكذلك كل موضعٍ يُخاف فيه من الفتنة في الدين من ظهور بدعة، أو ما يجري إلى كفره في أي بلد كان من بلاد المسلمين، فالهجرة منها واجبة إلى أرض الله الواسعة.

وكلام أبي عبد الله الحليمي في هذا المقام واضح، فإنه قال: وكل بلد ظهر فيها الفساد، وكانت أيدي المفسدين أعلى من أيدي أهل الصلاح، وغلب الجهل، وسُمعت الأهواء فيهم، وضعف أهل الحق عن مقاومتهم، واضطروا إلى كتمان الحق، خوفًا على أنفسهم من الإعلان، فهو كمكة قبل الفتح في وجوب الهجرة منها، لعدم القدرة عليها؛ ومن لم يهاجر فهو من السَّمحَاء بدينه.

وقال: ومن الشح بالدين أن يهاجر المسلم من موضع لا يمكنه أن يوفي الدين فيه حقوقه إلى موضع يمكنه فيه ذلك؛ فإن أقام بدار الجهالة ذليلًا مستضعفًا، مع إمكان انتقاله عنها، فقد ترك فرضًا في قول كثير من العلماء، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ) الآيتين [النساء: 97].

لا يقال ليس في الآية تصريح بذكر المؤمنين، فيجوز أن يكون المراد بها الكافر، لأنا نقول: ذكر العفو عمن استثنى يرد ذلك، فإن الله لا يعفو عن الكافرين، وإن عزم على الإيمان ما لم يؤمن، انتهى.

فهو صريح في بيان المقصود؛ بهذا كله تعرف أن من عبر من أهل العلم بأمن الفتنة، أو القدرة على أداء الواجبات، أو إطلاق لفظ العبادة، فكلامه مجمل، يرد إلى صريح الظاهر الذي قد قال به السلف الصالح من سلف هذه الأمة وأئمتها، ممن قدمنا ذكرهم وغيرهم.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن الحافظ أبو بكر البيهقي، وعن أبي عبد الله الحليمي، أنه لابد في إظهار الدين من البراءة من المشركين، والتصريح بعداوتهم وبغضهم والبراءة منهم ومن دينهم، لذا نقل عن الحافظ البيهقي أنه قال: الهجرة هي الفرار بالجسد من الفتن؛ وكذلك أيضًا نقل عن أبي عبد الله الحليمي، أنه قال: (كل بلد ظهر فيها الفساد، وكانت أيدي المفسدين أعلى من أيدي أهل الصلاح، وغلب الجهل، وسمعت الأهواء فيهم، وضعف أهل الحق عن مقاومتهم، واضطروا إلى كتمان الحق) حكمهم، حكم المهاجرين الأولين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لما أوجب الله عليهم الهجرة من مكة إلى المدينة، (في وجوب الهجرة منها؛ لعدم القدرة) على إظهار الدين.

ثم بين المؤلف رحمه الله أن كلام العلماء في هذا يُضم بعضه إلى بعض، وهذه قاعدة أن النصوص يُضم بعضها إلى بعض، وأن المجمل يبين ويوضح، والمطلق يقيَّد، والخاص يخصص العام، بعض العلماء نقل عنه في جواز البقاء في بلاد المشركين، قال: إن أمن الفتنة، بعض العلماء قال: إن قدر على أداء الوجبات، بعض العلماء قال: إن كان يعبد الله.

فيقول المؤلف هنا: هذا كلام مجمل يُرَدُّ إلى كلام العلماء الصريح، ويفسر بأن المراد بأداء الواجبات وأمن الفتنة وأداء العبادة أنه لابد مع ذلك من البراءة من المشركين، البراءة منهم ومن دينهم، ولابد من الامتياز عن المشركين، وعدم الاندماج معهم.

(المتن)

وقد ذكر صاحب المعتمد وهو من أجلاء الشافعية أن الهجرة كما تجب من دار الشرك، تجب من بلد إسلام أظهر بها حقًا، أي: واجبًا ولم يُقبل منه، ولا قدرة له على إظهاره; وهو موافق لقول البغوي الذي قدمنا: يجب على من كان ببلدٍ يُعمل فيها بالمعاصي، ولا يمكنه تغييرها، الهجرة إلى حيث تتهيأ له العبادة، نقله عنهما ابن حجر في شرح المنهاج.

وقال به جمعٌ من الشراح، منهم: الأوزاعي والزركشي، وأقروه؛ ومن متأخريهم البلقيني، لما ذكر ابن حجر أنه صرح به، وبأن شرط ذلك: أن يقدر على الانتقال إلى بلد سالمة من ذلك؛ فإظهار الدين هو ما صرح به هؤلاء الأئمة، وكلامهم لا يُختلف فيه؛ والقول بأن الشارع رتب الوعيد على مجرد المساكنة والمجامعة، هو الذي يعطيه ظاهر الدليل، وقد قال به طائفة من أهل العلم؛ والقول بأن إظهار الدين يبيح الإقامة، رخصة، ومن الجناية على الشرع: أن تفسر هذه الرخصة بما يوافق الرأي والهوى، ثم يُدفع به في نحر النصوص الواضحة البينة، وأما متأخرو الحنابلة فكلامهم في الباب أشهر من نار على علم.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن الشافعية صاحب المعتمد من الشافعية، أن من لم يقدر على إظهار الواجبات، أو كان يُعمل فيه بالمعاصي، في بلد يُعمل فيه بالمعاصي ولا يستطيع إنكارها؛ أنه يجب عليه الهجرة، فكيف بمن أقام في بلاد المشركين وهو لا يستطيع إظهار دينه!.

(المتن)

قال في الإقناع وشرحه: وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه بدار الحرب، وهو ما يغلب عليها حكم الكفر، زاد جماعة وجزم في المنتهى أو بلد بغاة، أو بدع مضلة، كالرافضة والخوارج، فيخرج منها إلى دار أهل السنة وجوبًا، إن عجز عن إظهار مذهب أهل السنة فيها.

فعُلم: أن إظهار الدين في عبارة الموفق ومن قبله ومن بعده من الأصحاب، هو: إظهار التوحيد الذي هو إفراد الله بالعبادة، في بلد يخفى فيه، بل يجعل ضده هو الدين؛ ومن تكلم به هو الوهابي الخارجي، صاحب المذهب الخامس الذي يكفر الأمة.

(الشرح)

وهذا نقله عن الإقناع من كتب الحنابلة، أنها تجب الهجرة على من عجز عن إظهار دينه، بدار الحرب، بدار الكفر، وأنه زاد جماعة أيضًا أنه يجب الهجرة من بلد البغاة، أو بلد البدع المضلة، إذا كانت في بلد تظهر فيه البدع، بلاد الرافضة والخوارج، فينتقل منها إلى بلاد أهل السنة، إذا عجز عن إظهار مذهب أهل السنة، فكيف إذا كان مقيمًا في بلاد المشركين، ولا يستطيع إظهار دينه، والبراءة من المشركين، والانفصال عنهم من باب أولى تجب عليهم الهجرة.

(المتن)

وقال الشيخ العلامة، حمد بن عتيق رحمه الله: وأما مسألة إظهار الدين، فكثير من الناس قد ظن أنه إذا قدر أن يتلفظ بالشهادتين، وأن يصلي الصلاة، ولا يُرد عن المساجد؛ فقد أظهر دينه، وإن كان ببلد المشركين؛ وقد غلط في ذلك أقبح الغلط.

قال: ولا يكون المسلم مظهرًا للدين حتى يخالف كل طائفة بما اشتهر عنها، ويصرح لهم بعداوته: فمن كان كفره بالشرك؛ فإظهار الدين له أن يصرح بالتوحيد والنهي عن الشرك، والتحذير منه, ومن كان كفره بجحد الرسالة؛ فإظهار الدين عنده التصريح بأن محمدًا رسول الله, ومن كان كفره بترك الصلاة؛ فإظهار الدين عنده بفعل الصلاة, ومن كان كفره بموالاة المشركين، والدخول في طاعتهم، فإظهار الدين التصريح بعداوته وبراءته منه ومن المشركين..إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.

وقد مر بك هذا صريحًا في كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، في المواضع التي نقلها من السيرة، وسماه العلامة عبد اللطيف واجبًا، قال فيه: وأي رجل نُقل عنه، ما هو دون هذا الواجب؟!

فالحاصل هو ما قدمناه من أن إظهار الدين الذي تبرأ به الذمة، هو الامتياز عن عُبَّاد الأوثان بإظهار المعتقد، والتصريح بما هو عليه، والبعد عن الشرك ووسائله؛ فمن كان بهذه المثابة إن عرف الدين بدليله، وأمن الفتنة، جاز له الإقامة، والله أعلم.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله نقل عن العلامة حمد بن عتيق معنى إظهار الدين الذي يُبيح له البقاء في بلاد المشركين، قال: كثير من الناس يظن أن إظهار الدين أن ينطق بالشهادتين، وأن يصلي، ولا يُمنع من المسجد، قال: هذا ليس إظهار الدين؛ وإنما إظهار الدين أن (يخالف كل طائفة بما اشتهر عنها، ويصرح لها بعداوته، فمن كان كفره بالشرك؛ فإظهار الدين له  أن يصرح بالتوحيد) ويصرح بالنهي عن الشرك.

(ومن كان كفره بجحد الرسالة، فإظهار الدين عنده التصريح عنده، بأن محمدًا رسول الله؛ ومن كان كفره بترك الصلاة، فإظهار الدين عنده بفعل الصلاة) عنده وهكذا.

(ومن كان كفره بموالاة المشركين، فإظهار الدين التصريح بعداوته) فيبين الخلاصة في هذا أنه الخلاصة في إظهار الدين هو الانفصال عن المشركين، والامتياز عنهم، بأن يُظهِر الإنسان ما يعتقده من التوحيد، ويصرح بعقيدة التوحيد، ويبتعد عن الشرك ووسائله، وهذا هو المظهر لدينه، إذا عرف الدين بدليله وأمن من الفتنة أيضًا.

(المتن)

بقي مسألة العاجز عن الهجرة ما يصنع؟ قال الوالد رحمه الله، لما سُئل عنه: وأما إذا كان الموحد بين ظهراني أناس من المبتدعة والمشركين، ويعجز عن الهجرة، فعليه بتقوى الله، ويعتزلهم ما استطاع، ويعمل بما وجب عليه في نفسه، ومع من يوافقه على دينه، وعليهم أن يصبروا على أذى من يؤذيهم في الدين؛ ومن قدر على الهجرة وجبت عليه، وبالله التوفيق؛ انتهى جوابه، وبه انتهى الجواب عن المسألة، وبالله التوفيق.

(الشرح)

نقل المؤلف رحمه الله عن والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله في مسألة العاجز ماذا يصنع؟ العاجز عن إظهار الدين، والعاجز عن الهجرة من بلاد المشركين، ماذا يصنع؟ يقول: عليه بتقوى الله ما استطاع، وأن يعتزلهم ويبتعد عنهم على حسب استطاعته، ويعمل بما أوجب الله، هذا على حسب استطاعته، وعليه بعد ذلك الصبر على الأذى، حتى يفرج الله كربته.

(المتن)

وأما المسألة الثالثة، وهي مسألة السفر إلى أوطانهم، ففرع عما تقدم، فمن حرَّم الإقامة بين أظهرهم إلا بشروطها حرَّم السفر، ولكن ليس كمن أقام بين ظهراني المشركين، يشهد ما هم عليه من الكفر الجلي البواح، والحكم بالقوانين، ورد الأحكام الشرعية، وغير ذلك مما لا يُحصى، بل لكلٍ درجات مما عملوا؛ فذنب المسافرين أخف من ذنب المقيمين، وذنب المقيمين فقط أخف من ذنب من تولاهم بالمحبة والنصرة والطاعة، مما هو بنص القرآن منافٍ للإيمان.

(الشرح)

هذه المسألة في السفر إلى بلاد المشركين، ما حكمه؟ قال المؤلف رحمه الله: (فمن حرَّم الإقامة بين أظهرهم إلا بشروطها حرَّم السفر) ولكن هناك فرق بين المسافر وبين المقيم، فالمقيم الذي يسكن عندهم أشد وأعظم؛ لأنه يشاهد الكفر ويشاهد ما ينافي الإسلام.

فذنب المسافر أخف من ذنب المقيم، وذنب المقيم، أخف من ذنب من تولاهم بالمحبة والنصرة والطاعة درجات؛ فالذي يتولى المشركين بالمحبة والنصرة والطاعة هذا ذنبه أغلظ، والذي يقيم بين أظهرهم ذنبه أغلظ من المسافر، والذي يسافر ثم يرجع أخف.

(المتن)

قال في الإقناع وشرحه: وتكره التجارة والسفر إلى أرض العدو، وبلاد الكفر مطلقًا، أي: مع الأمن والخوف، وإلى بلاد الخوارج، والروافض، والبغاة والبدع المضلة؛ لأن الهجرة منها لو كان فيها، مستحبة إن قدر على إظهار دينه، وإن عجز عن إظهاره فيها حرم سفره إليها، انتهى بلفظه.

وقد علمت معنى إظهار الدين فيما مر من كلامهم، وقد جعلوا هنا حكم المسافر حكم المقيم صريحًا، موافقين للسلف في ذلك، فجزاهم الله عن الإسلام خيرًا.

قال الشيخ عبد اللطيف في بعض رسائله: ولابد في إباحة السفر إلى بلاد المشركين من أمن الفتنة؛ فإن خاف بإظهار الدين الفتنة بقهرهم وسلطانهم، أو شبهات زخرفهم وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم والمخاطرة بدينه.

ولما اعترض ابن منصور على إمام الدعوة، قدَّس الله روحه، بأنه يمنع السفر إلى جميع بلاد الإسلام، قال عبد اللطيف، رحمه الله، في جوابه: يطالب أولًا بتصحيح هذا، فإن صح فللسلف فيه كلامٌ معروف، في السفر إلى ما يظهر فيه شيء من شعائر الكفر والفسوق، لمن لم يقدر على إظهار دينه، وللقادر أيضًا، كما يعرفه أهل العلم والفقه.

وقد منعوا من السفر إلى بلادٍ تظهر فيها البدع، لمن خشي الفتنة، فكيف ببلد يدعى فيها غير الله، ويستغاث بسواه، ويتوكل على ما عُبد معه من الآلهة؟ فماذا على شيخنا رحمه الله لو حمى الحمى، وسد الذريعة، وقطع الوسيلة لاسيما في زمن فشا فيه الجهل، وقُبض العلم، وبعد العهد بآثار النبوة، وجاءت قرون لا يعرفون أصل الإسلام ومبانيه العظام؟

وأكثرهم يظن أن الإسلام هو التوسل بدعاء الصالحين، وقصدهم في الملمات والحوائج، وأن من أنكر جاء بمذهب خامس لا يُعرف قبله؛ فإن كان الحال هكذا، فأي مانع من قوله؛ يعني: الشيخ محمد رحمه الله تعالى, وأي دليل يجيز السفر ويبيحه مطلقا؟ هذا لا يقوله إلا جاهل بأصل الشريعة ومدارك الأحكام، انتهى كلامه رحمه الله.

ونحن نقول كما قال هذا الإمام: بأنه لا ينكر على منكر السفر والحالة هذه إلا جاهل، أو صاحب هوى، وأنه قد ورث هذا المعترض في أغلوطاته؛ ومن تشبه بقوم فهو منهم.

ولما سُئل العلامة سليمان بن عبد الله عن السفر إلى بلاد المشركين، أجاب: بأنه إن كان يقدر على إظهار دينه، وإظهار الدين هو الذي قدمنا لك مرارًا، ولا يوالي المشركين جاز له ذلك، فقد سافر بعض الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر وغيره، وإن كان لا يقدر على إظهار دينه، ولا على معاداتهم، لم يجز له؛ نص على ذلك العلماء، وعليه تُحمل الأحاديث التي تدل على النهي؛ لأن الله تعالى أوجب على الإنسان العمل بالتوحيد، وفرض عليه عداوة المشركين، فما كان ذريعة وسببًا إلى إسقاط ذلك مُنع منه، وقد يجر إلى موالاتهم وموافقتهم وإرضائهم كما هو الواقع من كثير ممن يسافر من فساق المسلمين انتهى بلفظه.

وقال شيخ الإسلام، في "اقتضاء الصراط المستقيم": فإن استقراء الشريعة في مواردها ومصادرها، دال على أن ما أفضى إلى الكفر غالبًا حرام، وما أفضى إليه على وجه خفي حرم، انتهى.

فظهر لك من كلام هؤلاء الأئمة ما يكفي ويشفي، إذ هم أئمة الإسلام، ومصابيح الظلام؛ فانظر إلى عمن تأخذ دينك، ولا تغتر بمن مال معه العامة عن غير فقه ولا ورع، ولا من قابله بزائد على ما أمر الله به وشرع.

فإذا تبين لك ما قدمناه، تبين لك جهل من قال: أعطونا دليلاً ولو من تاريخ، أننا نقول إذا سافرنا: يا كفار، ولو زال حجاب الدنيا وشهواتها عنه، واتقى الله وحلت الغيرة الإيمانية لله ولدينه من قلبه محل سويداه، لعرف: أن الكتاب والسنة وصريح العقل، مع من أمر بالإغلاظ على المشركين، وحذَّر عنهم العامة المساكين، إلا لمن ليس في سفره مضرة على الدين؛ وذلك إلا ما شاء الله، قد تعذر، وصار كالكبريت الأحمر.

ولما عظمت غربة الإسلام، ولاذ أكثر المتفقهة بالأوهام، جعلوا يؤسسون عقد المصالحة بين أهل الإسلام، وضدهم اللئام، وليت شعري إلى أي شيء قاموا به من عداوة المشركين؟ وأي ثغر رابطوا فيه ولو ساعةً لنصر الدين؟ لقد والله نسجت على الدين عناكب النسيان، وسُمح دونه بكثرة الهذيان، وعُدَّ عند الأكثرين في خبر كان.

فنعوذ بالله من الخذلان، ومن نزغات الشيطان؛ هذا وأنا لا أعرف عين من نسبت إليه هذا الأمر، ولا أدري أهو من أهل الغُمر، أو من أهل الغمر؟! لكني أقول: من هذا الذي يرد ما قرره علماء الدين؟ ومن جعل الله دعوتهم رجومًا للشياطين، بأقوال منبوذة بالعراء، مطروحة من وراء وراء وهذا القول كاف لمن وفق للإنصاف، وبالله التوفيق، وهو الهادي لأقوم طريق.

(الشرح)

يعني المؤلف رحمه الله أسهب في النقول عن العلماء بأهمية هذا المقام، في بيان أنه لا يجوز للمسلم أن يبقى بين المشركين إلا إذا كان يستطيع إظهار دينه، وإن إظهار الدين ليس هو مجرد أن ينطق بالشهادتين ويصلي ويصوم، إظهار الدين لابد فيه من أن يتميز عن المشركين، ولا يندمج معهم، ويصرح ببيان ما عليه من الدين، يُظهر دينه وإيمانه، يظهر محاسن الإسلام، ويتبرأ من المشركين ومما هم عليه، ويبين ما هم عليه من الدين الباطل، لابد من هذا.

بل إن كثير من العلماء نقلوا أنه يجب الهجرة من بلد تظهر فيه المعاصي والبدع، كما نقل المؤلف عن الإقناع وشرحه أنه يجب الهجرة من بلد تظهر فيه البدعة كالخوارج والروافض والبغاة، وأن من زعم أن إظهار الدين هو مجرد القيام بشعائر الدين، مجرد الصلاة والصيام؛ فقد غلط.

(المتن)

فإن قلت: قد أرخيت عنان القلم في هذا الباب، وأطنبت في هذه المسائل بعض الإطناب، فأجب عن المعارضة، وإن خرج بنا عن قانون الجواب، لشدة الحاجة إلى كشف هذا الحجاب.

قلت: الجواب عن المعارضة، وإن كان يُستفاد مما تقدم لمن جعل الله له نورًا، هو من وجهين: مجمل، ومفصل.

أما المجمل: فإنه لو كان مع المجيز نص في محل النّزاع، وأنى له ذلك، فقد تقرر في الأصول: أنه لا تعارض بين نصين، ولا بين نص وظاهر، ولا بين مجمل ومفصل؛ لأن التعارض بين النصين محال قطعًا؛ لأن السنة لا تتناقض ولا تتعارض، ولو صح؛ لأنه قد يكون صحيحًا لا صريحًا، فيقدم النص الذي لا يحمل إلا مدلولًا واحدًا، ويُحمل عليه ما عداه.

وقد صرح أئمة الأصول بأن ما احتمل معنيين، وكان أحدهما أظهر، فدلالته ظنية، ولا يعارض متحد المعنى إجماعًا، بل يطلب التوفيق، ثم لو كان كلاهما متحد المعنى في المقابلة، ولا سبيل إلى نسخٍ ولا جمع، فالتوقف إلى أن يظهر الترجيح، أو تحف القرائن، كالحظر مثلًا، فإنه مقدم على الإباحة، خصوصًا إذا صار أظهر في سد المفاسد؛ لأن الشرع جاء بالمصالح المحضة.

ثم إن القضايا العينية مقصورة على مواردها، لا يُقاس عليها، ولا تعارض النصوص بوجه عند الأصوليين، ثم لو كان المعارض مساويًا، فقد قرروا أن المساوي مدفوع، فكيف بما هو دونه؟ قال الرصفي في آداب البحث:

فإن يكن مساويا فيدفع             وإن يكن أخص ليس ينفع

وكل ما ذكرنا يجري في مسألتنا عند التأمل والتفصيل؛ فليعرض المجيز بضاعته على هذا الأصل، الذي يسلمه أئمة النقل، وإن لم يتخلص منه فلا يدعي ما ليس له، وليتعلم ثم ليتكلم.

وليته جمع بين النصوص المتقدمة، وبين ما يستدل به، ولم يضرب الصريح الصحيح بتلك المحتملات، وأعطى كل ذي حق حقه، فلم ينفِ وجوب الهجرة عن كل أحد، وقوفًا مع المنع، ولم يوجب الهجرة على كل أحد، وقوفًا مع الرخصة بشروطها، فإنه خيرٌ من الإطلاق المتكرر في عباراته، وأحسن عاقبةً وأخف ضررًا.

(الشرح)

هذا فيه الرد على من قال بأنه يجوز الإقامة بين المشركين، واستدل ببعض العمومات، يقول: لابد من أن يجمع بين النصوص بعضها ببعض، والنصوص لا تتناقض، ولا يمكن أن يكون هناك تعارض بين نصين صريحين؛ لأنه قد يكون نصًّا صحيحًّا لكن ليس بصريح، فالعمدة على الصريح، وقد يكون التعارض بين نصين، لكن أحدهما يحتمل معنيين أو أكثر، وأحدهما لا يحتمل إلى معنًى واحدًا، فالعمدة على من يحتمل معنًى واحدًا.

فالخلاصة: أن من قال بأنه يجوز الإقامة بين المشركين بمجرد إقامة الصلاة ونصب شعائر الدين؛ هذا قوله ليس بصحيح، وليس هذا هو إظهار الدين؛ لأن النصوص صريحة في أن إظهار الدين هو البراءة من المشركين، والامتياز عنهم، والانفصال عنهم، وبيان محاسن الإسلام، وبيان عيوب ما عليه المشركون من الدين الباطل، وأما ما يحتج به المجيز مطلقًا؛ فإن أدلته لا تعارض الأدلة التي تدل على وجوب البراءة والامتياز، هذا جواب مجمل، وسيأتي الجواب المفصل.

نقف على هذا، وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه.

نكمل إن شاء الله غدًا في الصباح، في درس الصباح، وأما غدًا الظهر ليس فيه درس؛ لأن عندنا زيارة للمدينة العسكرية إن شاء الله، فيكون غدًا درس الصباح فقط، ويوم الثلاثاء إن شاء الله درس في الصباح وفي الظهر، وفق الله الجميع لطاعته، فيه أسئلة؟ وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

(المتن)

أخبار خاصة لا تعارض العلم المطلق المستغرق لما صلح له، بل لا يُعمل بها إلا إذا سلمت عن معارض.

وأما إذا كان العمل بها يفضي إلى ترك المحكم البين، فيتعين الجمع كما قدمنا؛ ودعواهم أنها عمومات خطأ بين؛ لأن العمومات عند أهل العلم هي دعوى تناول اللفظ العام للمحكم الخاص، والمنازع لا يسلم ذلك.

وأما اللفظ العام الكلي المستغرق لما صلح له، الصادق على كل فرد من أفراد الجنس، كالإنسان مثلاً، والمنوط بالوصف كالإسلام مثلًا، أو الشرك، فهو من الكليات المطلقة؛ ومن زعم أنه يعارض بالمحتمل أو بالمجمل، أو القضايا العينية فهو أضل من حمار أهله.

أما المتعلق بالشخص فهو محل نظر، فإذا لم يُعارض بما هو أولى منه، فهو عام ويقال فيه: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ وقد رُجِّح عمومه بحديث: «حكمي على الواحد حكمي على الجماعة» وفيه نزاع ذكره في المحصول وغيره; قال في جمع الجوامع، في وجوب الترجيح: ويرجح بما فيه تهديد، وما كان عمومًا مطلقًا على ذي السبب إلا في السبب.

وقد وردت بحمد الله نصوص القرآن والسنة في إثبات هذا الحكم العام، المتعلق بكل فرد من أفراد جنسه، فعكس هذا الزاعم القضية، فجعل المتشابه دليلًا قاطعًا، والمحكم الذي هو عام الخطاب، المنوط بالأوصاف المطابق لمدلوله، جعله من العمومات التي يُضعفها أهل العلم، إذا عارضها ما هو أقوى منها. فالله المستعان!

ومن لم يفرق بين العام المطلق المطابق لمدلوله، وبين المحكم الذي يدَّعي أن العمومات تتناوله، فهو حاطب ليل وحاطم سيل.

(الشرح)

المؤلف رحمه الله بين فيما سبق أنه يجب على الإنسان أن يهاجر من بلاد المشركين التي لا يستطيع فيها إقامة دينه، ولا يستطيع إنكار الشرك، ولا إنكار البدع، وبين أن بعض الناس قد أجاز البقاء فيها، واستدل بأدلة عامة، والمؤلف رحمه الله رد عليه، وقال: إن هناك أدلةً خاصةً، وأما الأدلة العامة التي استدل بها فلابد أن تُضَمَّ إلى النصوص الأخرى، العمومات تخصصها الأدلة الخاصة، كما أن المطلقات النصوص المطلقة تقيدها النصوص المقيدة، فالنصوص يُضَمُّ بعضها إلى بعض.

(المتن)

قال العلامة الشيخ عبد اللطيف رحمه الله: ثم إن النصوص الواردة في وجوب الهجرة، والمنع من الإقامة بدار الشرك، نصوص عامة مطلقة، وأدلة قاطعة محققة، ومن قال بالتخصيص والتقييد لها، إنما يستدل بقضايا عينية خاصة، وأدلة جزئية لا عموم لها عند جمهور الأصوليين، بل هي في نفسها محتملة للتخصص والتقييد، ومن قال بالرخصة لا ينازع في عموم الأدلة، الموجبة للهجرة من المجامعة والمساكنة... إلى آخر كلامه فراجعه.

(الشرح)

العلامة الشيخ عبد اللطيف رحمه الله بين أن النصوص الواردة في وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام نصوص عامة وأدلة قاطعة، وأما من قال بالتخصيص والتقييد فإنما يستدل بقضايا عينية خاصة وأدلة جزئية لا عموم لها، فيجب على الإنسان أن يعمل بالنصوص، وأن يضم النصوص بعضها إلى بعض، وألا يستدل ببعض النصوص ويترك البعض الآخر.

(المتن)

فإذا علمت أن الشيخ ومن قبله سلفًا وخلفًا، ممن قد قدمنا لك ذكرهم، وغيرهم فهموا من النصوص أنها أدلة قاطعة، والمعارض لها قابل للتخصيص والتقييد، تبين لك خطأ المجيز في تمريضه أدلة المانع؛ لأن كل مخالف للشرع معه من الشبهات، ومحتملات الدليل التي ساء فيها فهمه أن يوفق للتوفيق بينها وبين مقابلها، أضعاف أضعاف ما مع هؤلاء؛ فيلزم منا أن نتوقى رد أباطيله نظرًا إلى ملفق دليله؛ كلا، بل نعلم سوء فهمه قبل النظر في وهمه لما تمسكنا به من هذا الأصل الأصيل، وهو: أن السنة يُصدق بعضها بعضًا، والبدعة ينقض بعضها بعضا.

(الشرح)

هذا إذا ضُمت النصوص بعضها إلى بعض، فالنصوص يصدق بعضها بعضًا، ويوافق بعضها بعضًا، ولا تتناقض، وكلام الله لا يتناقض، وكلام الرسول لا يتناقض، يصدق بعضه بعضًا، ولكن بعض الناس يأخذ بعض النصوص، ويترك البعض الآخر؛ فيكون عنده خلل في فهمه.

(المتن)

وأما قوله: فيها ما فيها، يعني حجة المانع، فمن أين علم أن فيها ما فيها؟ وهو ما رواها ولا اطلع ولا دراها؛ هذا والله سطوة على النصوص، وكأنه قصد حديث قيس بن أبي حازم، وحديث سمرة، وقد تقدم لك ما يعضدهما من الأحاديث المشتهرة.

ولو لم يكن إلا حديث جرير المتقدم، وقد تأخر إسلام جرير من مبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على أن يعبد الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويفارق المشركين، لكان كافيًا؛ وقد روى البخاري في صحيحه أنه يُعمل بالآخر، فالآخر من أمره صلى الله عليه وسلم، قال في "مرقاة الوصول إلى علم الأصول": والحديث إذا تلقته الأمة بالقبول، وكان راويه عدلًا وله شاهد، فهو كالمتواتر في أنه يُحتج به، انتهى.

وحكى النووي في شرح المهذب: أن الشافعي يحتج بالمرسل إذا اعتضد بشاهد واحد؛ وهو من أعظم الأئمة توقفًا فيه، ومن المالكيين والكوفيين من يقبل مطلقًا؛ وقد اعتضد هذا بأكثر من عشرين شاهدًا، مع الآيات المحكمات والكليات.

(الشرح)

يعني حديث: «أنا بريء من كل مسلم يكون بين المشركين».

(المتن)

من الشرع، كما قدمنا لك: منها وجوب عداوة المشركين، والعداوة تقتضي البعد والمفارقة، ومنها القاعدة الكلية والأصل العظيم، وهو سد الذرائع المفضية إلى أشد المفاسد، إذ الوسائل لها حكم الغايات؛ وقد تقدمت الإشارة إلى هذا كله.

ومنها: أن ما كان في أمر الوعد والوعيد، فالصحابة والتابعون لا يطلقونه مرفوعًا، إلا مع الجزم بصحته، فإن قيس بن أبي حازم مخضرم، ويُقال له رواية، روى عن العشرة المبشرة، فعلى هذا: إما أن يكون من كبار التابعين، وهو المعتبر عند الشافعي وغيره، وإما أن يكون صحابيًا روايته مرسلة، ومرسل صحابي له حكم المرفوع؛ لأن الصحابة كلهم عدول, وقد رجح جمع من المحدثين وصله عن جرير، وأصله في صحيح مسلم، هذا لو لم يكن إلا هو في هذا الباب.

فقول المجيز: إن المانعين استدلوا بأحاديث فيها ما فيها، مجرد هذيان لا طائل تحته، ولو لم يكن مع المانعين إلا مجرد المنع المترجح بتحقق المفسدة لكفى، لما في آداب البحث: أنه يقدم دليل الحظر على دليل الإباحة عند التعارض، إلا في أشياء ذكروها، الأصل فيها البراءة، كالعقود، أو حسية كالأطعمة.

وأما قوله: البلاد بلاد إسلام؛ لأن شعائر الإسلام ظاهرة فيها من غير ذمة من المشركين ولا جوار، ولهذا إذا كانت الغلبة لأهل الإسلام، صارت دار إسلام، فكلام متناقض لفظًا؛ وقد تقدم التنبيه على ما مرَّ فيه من الوهم معنا.

وقوله: "من غير ذمة ولا جوار"، فأظنه لاحظ ظلم الأموال والأبدان؛ لأن حب الدنيا قد غلب على النفوس، والمصيبة فيها هي المصيبة العظمى عندهم؛ فإذا كان هذا هو المرام، فهو موجود في جميع الممالك، وللنصارى لعنهم الله في ذلك الحظ الأوفر.

وأما ظلم الأديان والخفارة فيها، فلا يعرفها إلا من نور الله بصيرته، وكان من الأشحاء بدينه؛ وأي خفارة وذلة أعظم من كون الإنسان يسمع ويرى الكفر البواح في المساء والصباح؟ ولو أظهر أن هذا هو من فعل المشركين لقتلوه أو أخرجوه.

ومن العقوبات القدرية على القلوب: عدم الإحساس بالشر، وهي آلام وجودية يُضرب بها القلب، تنقطع بها مواد حياته وصلاحه، وإذا انقطعت عنه حصل له أضدادها بلا شك؛ وعقوبة القلب أشد من عقوبة البدن، فلذلك يصير المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا.

وهل يشك أحدٌ أن المقيم هناك لا يسعه إلا الحكومة الضالة، وأن مولوده يكون في القرعة، وأن جبايات أمواله ومعشراته لهم، وغير ذلك من البلايا التي كلما ازداد مكوثه ازداد تحكمًا عليه في قلبه وقالبه؛ فمن ادعى غير ذلك فهو مباهت، ومن له مشاركة فيما قرره المحققون، علم أن البلد بلد شرك، وأن الغلبة فيها للشرك وأهله، وأن الحق مع من حكَّم النصوص القاضية بالمنع، وقال العدل وقام بالشرع.

(الشرح)

نقف على هذا، هنا المؤلف رحمه الله يناقش من أجاز الإقامة في بلاد المشركين، ويقول: البلاد بلاد إسلام، وأن شعائر الإسلام ظاهرة، وأن في غيرهن من المشركين والجوار، يقول: إن هذا المتكلم ينظر إلى المال، وما يتعلق بالأموال والأبدان، ولو كان في أمور دنياه لا خطر عليه؛ لأن الخطر آتٍ، فإذا كان لا يستطيع إظهار دينه، ولا يستطيع أن يبين محاسن الإسلام، ولا يستطيع أن يرد الشبه التي ترد عليه؛ فإن عليه أن يهاجر.

وفق الله الجميع، وصلى الله على نبينا محمد.

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد