شعار الموقع

اللمعة في الأجوبة السبعة (1) من بداية الرسالة إلى قوله: "وأما زيارة القبور المشروعة..."

00:00
00:00
تحميل
92

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين و العاقبة للمتقين و لا عدوان إلا على الظالمين وأصلي وأسلم على عبد الله و رسوله نبينا محمد و على آله و أصحابه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد :

فإن تعلم العلم و تعليمه من أفضل القربات و أجل الطاعات ينال بها الإنسان عند ربه أفضل الدرجات فإن العلم وسيلة إلى العمل و الله تعالى خلقنا لعبادته و توحيده و طاعته و لا طريق لنا إلى معرفة هذه العبادة إلا العلم ، العلم هو الوسيلة التي تعرف بها العبادة التي أمر الله بها و خلقك أيها العبد لها فإننا خلقنا لعبادة الله و توحيده و طاعته نحن عبيد مخلوقون لأمر عظيم هو أن نعبد الله و نطيعه و نمتثل أمره و نجتنب نهيه كما قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ فلا بد من العلم بما أمر الله به حتى يفعله المسلم و لا بد من العلم عن ما نهى الله عنه حتى يتركه المسلم و الله من رحمته بعباده لم يتركهم سدا و لم يخلقهم عبثا بل بين لهم السبيل التي توصل إليه و الأمر الذي يحبه و الأمر الذي يكرهه و يمنعه و ذلك عن طريق الرسل فأرسل الله الرسل مبشرين و منذرين كما قال  كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ و كان حظنا من الرسل هو نبينا محمد ﷺ الذي هو أفضل الخلق على الإطلاق فمن الله به على هذه الأمة و كمل خلقه عليه الصلاة و السلام فكان عليه الصلاة و السلام من أنفسنا من العرب فبعثه الله بالحق بشيرا و نذيرا يتلو آيات الله التي تزكي النفوس و يعلم الناس الكتاب و الحكمة و قد كانوا قبل بعثته عليه الصلاة و السلام في ضلال و بعد عن الحق فهو عليه الصلاة و السلام يشق عليه ما يشق على الأمة و يعنتها و هو حريص على هدايتها و إيصال النفع الدنيوي و الأخروي إليها و هو عليه السلام من صفته الرأفة و الرحمة بالأمة  لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ  فبلغ نبينا عليه الصلاة و السلام الرسالة و أدى الأمانة و نصح الأمة و جاهد في الله حق جهاده حتى أتاه من ربه اليقين فصلوات الله و سلامه عليه و على إخوانه من النبيين و المرسلين و على أصحابه و على أتباعه إلى يوم الدين و لم يمت عليه الصلاة و السلام حتى أكمل الله الدين لهذه الأمة و أتم عليها النعمة الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا  و لم يترك شيئا عليه الصلاة و السلام تحتاجه الأمة إلا بينها لهم قال سلمان قال بعض الصحابة مات رسول الله ﷺ و ما طائر يقلب في جناحيه إلا ذكر لنا منه علما. و قيل لسلمان الفارسي : علمكم نبيكم كل شيء , قال : نعم علمنا كل شيء حتى الخراءة , يعني حتى أحكام الاستنجاء و الاستجمار  عليه الصلاة و السلام.

و من أعظم ما يهم الأمة و يكون سببا في نجاتها و سعادتها هو تعليم الأمة التوحيد و نهيهم عن الشرك و لذا أنزل الله تعالى القرآن الكريم هذا الكتاب العظيم الذي هو أعظم كتاب و أفضل كتاب و خير كتاب , كتاب عظيم من عمل بما فيه فهو السعيد و من تركه و أعرض عنه فهو الشقي هذا الكتاب العظيم الذي بين الله فيه طريق أهل السعادة و طريق أهل الشقاوة فيه صفات المؤمنين و صفات الكفار و صفات المنافقين فيه الدعوة إلى الطريق الموصل إلى الله فيه النهي عن طرق الضلال و سبل الضلال فيه الهداية لأقوم الطرق و لأحسن الأخلاق فيه البشارة للمؤمنين بالجنات و التنعم في دار الكرامة فيه النذارة و التحذير للكفار  إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ۝ وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا فأكمل الله الدين لهذه الأمة و بلغ النبي ﷺ البلاغ المبين و دخل الناس في دين الله أفواجا فانتهت مهمته عليه الصلاة و السلام عبد ربه حتى أتاه اليقين , وبلغ الرسالة و أدى الأمانة فأنزل الله عليه في آخر حياته سورة النصر و جعل له علامة على قرب أجله و هي مجيء نصر الله و فتح مكة و دخول الناس في دين الله أفواجا فهذه علامة أجله عليه الصلاة و السلام فأنزل الله عليه هذه السورة إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ۝ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا  و لهذا فقه ذلك حبر الأمة و ترجمان القرآن عبد الله بن عباس و أن هذه الآية علامة أجله عليه الصلاة و السلام و لما جمع عمر الصحابة و سألهم عن هذه السورة و اختلفوا ثم سأل ابن عباس قال : أتقول مثلهم ! قال : لا , إنما هي أجل رسول الله ﷺ.

 و الصحابة الكرام الذين صحبوا رسول الله ﷺ هم خير الناس و أفضل الناس آثرهم الله بصحبة نبيه لا كان و لا يكون مثلهم أسلموا عن طواعية و اختيار و ذاقوا حلاوة هذا الدين فاعتنقوا هذا الدين و أحبوه و كان هذا الدين أحب إليهم من أموالهم و أنفسهم و أهليهم و نبيهم محمد ﷺ هو أفضل الناس و خير الناس و أحب إليهم من كل شيء يفدونه بكل غال و نفيس عليه الصلاة و السلام و القرآن الكريم يتنزل و الوحي يتنزل بين أظهرهم و النبي ﷺ بينهم و يبين لهم آيات الله و يسألونه عما أشكل عليهم و يجاهدون معه فهم خير الناس و أفضل الناس اختارهم الله لصحبة نبيه لا كان و لا يكون مثلهم فمن طعن فيهم أو سبهم فذلك لمرض في قلبه و حب الصحابة دين و إيمان و بغضهم كفر و نفاق  وطغيان كما قال ذلك الطحاوي رحمه الله في عقيدته الطحاوية, حملوا دين الله و دعوا إلى دين الإسلام و نشروا دين الله في مشارق الأرض و مغاربها.

ثم خلفهم التابعون فدعوا إلى دين الله و جاهدوا في الله حق جهاده ثم خلهم تابعوا التابعون و هكذا و العلماء في كل زمان يدعون إلى الله و يجاهدون في سبيل الله و يبينون للناس الأمر الذي خلق له العباد فرسوا خطا النبي ﷺ و خطا الصحابة الكرام.

ثم لما تطاولت العهود والأعصار حصل للناس ضعف في دينهم و ظهرت بعض الفرق المنحرفة فظهر في أواخر عهد الصحابة الخوارج الذين اشتبهت عليهم بعض النصوص و تأولوها على غير تأويلها و حملوا النصوص التي و ردت في الكفار جعلوها في العصاة فاعتقدوا أن المسلم يكفر بالمعصية و الكبيرة فكفروا المسلمين و قاتلوهم و استحلوا دماءهم و أموالهم فالصحابة بينوا لهم خطأهم و لما لم يرجعوا قاتلوهم.

ثم ظهرت أيضا عقيدة السمائية و هي التشيع المنحرف و هو الغلو في آل البيت و عبادتهم من دون الله و سب الصحابة و الطعن فيهم.

ثم ظهرت عقيدة الجهمية ظهر الجهم بن صفوان و أنكر صفات الله و تقلدها عنه المعتزلة و ظهرت فرقة القدرية و فرقة المرجئة و كثرت الفرق فانبرى العلماء و الأئمة و تصدوا للرد على هؤلاء و ردهم إلى حظيرة الحق و الصواب و ألفوا في ذلك المؤلفات و الكتب و الرسائل التي تبين للناس الحق الذي التبس على كثير من الناس.

و من أشهر هؤلاء الأئمة الأربعة الإمام أبو حنيفة النعمان و الإمام مالك بن أنس و الإمام الشافعي و الإمام أحمد بن حنبل و تسلط المعتزلة في زمان الإمام أحمد رحمه الله حينما أثروا على الخليفة المعتصم و تأثروا بعقيدة المعتزلة و تصدى لهم الإمام أحمد رحمه الله و رد على هؤلاء و وقف وقفة صادقة و لم ينثني و صبر على الأذى و امتحن في ذلك حتى صار إمام أهل السنة و الجماعة , حتى قال بعض العلماء إن الله نصر هذا الدين في رجلين أبو بكر الصديق حين ارتد الناس بعد وفاة النبي ﷺ فردهم أبو بكر و الصحاب إلى الحق و الإمام أحمد بن حنبل حينما ظهرت الفتنة (فتنة القول بخلق القرآن) فصمد لها الإمام أحمد رحمه الله.

و تتابع الأئمة بعد ذلك في كل عصر , في كل عصر يقيض الله في هذه الأمة من يجدد لها دينها و ظهر في القرن السادس أو السابع الهجري شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الإمام و المجاهد الصابر قيضه الله للرد على أهل البدع فألف المؤلفات و ألف الرسائل في الرد على الصوفية و الرافضة و القدرية و الخوارج و المعتزلة و الصوفية و غيرهم من أهل البدع و انتفع الناس بهذه الكتب و ذلك بسبب إخلاص هذا الإمام و علمه الغزير أعطاه الله بصيرة , بصيرة و نصحا لعباد الله بصيرة في دين الله و نصحا لعباد الله فنفع الله به بكتبه و رسائله و مؤلفاته رحمه الله و رضي عنه و ما زال الناس من عصره إلى يومنا هذا و هم يستفيدون من كتبه و هو إمام مجتهد و قد جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله من مؤلفاته و رسائله حتى بلغت سبع و ثلاثين مجلدا و له رسائل كثيرة.

و من الرسائل التي ألفها هذه الرسالة التي بين أيدينا اللمعة في الأجوبة السبعة و غالب رسائل هذا الإمام أجوبة عن أسئلة توجه إليه , سؤال أو أسئلة توجه لهذا الإمام ثم يجيب عنها ثم تنشر , هذه الرسالة التي بين أيدينا لهذا الإمام رحمه الله لا شك في نسبتها إلى الإمام وأنها من مؤلفات شيخ الإسلام بن تيمية لأن اسم الشيخ رحمه الله موجود في أول الرسالة في المخطوطة كما ذكر المحقق و الرسالة منسوبة إليه و أسلوب الكتاب أيضا أسلوب شيخ الإسلام و كذلك إذا قرنت المواضيع التي تعرض لها المؤلف بكتبه فإنها لا تختلف عنه و لا يوجد اختلاف في المسائل و الأحكام التي يقررها فحصل اليقين بأن هذه الرسالة من رسائل الإمام رحمه الله و وجد في المخطوطة كما ذكر المحقق في أول صفحة من المخطوطة هذا الاسم اللمعة في الأجوبة السبعة و هي مطبوعة ضمن الرسائل التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله في مجموع الفتاوى.

و هذا التسمية باللمعة في الأجوبة السبعة لا يجزم بأن هذا الاسم من الإمام و أنه سماها بذلك و هي هذه الرسالة مطبوعة في مجموع الفتاوى و لم يكتب فيه هذا الاسم و لكن وجد في بعض المخطوطات فيحتمل أن هذا الاسم وضعه بعض تلاميذ الإمام رحمه الله , استخلص منه , رأى أن الأسئلة التي وجهت للإمام سبعة أسئلة أجاب عنها فسماها اللمعة في الأجوبة السبعة و هذا هو الأقرب لأن المؤلف رحمه الله يُسأل و يجيب ثم تنتشر رسائله و كتبه رحمه الله و رضي عنه فهذه الرسالة و هذه الفتوى جواب عن أسئلة سبعة أجاب عنها رحمه الله و هذه الأجوبة  السبعة كلها تتعلق بالتوحيد و إخلاص الدين الله و بيان حكم من استغاث بغير الله أو استنجد بالمقبورين و كذلك أيضا في معنى كون إذا قيل إن المقبور واسطة بيننا و بين الله و كذلك في من ينذر لغير الله و من يستلم القبور و يمرغ وجهه و كذلك من يقول إن هناك قطبا أو غوثا كل هذه موضوعات الرسالة نبدأ الآن مستعينين بالله في هذه الرسالة بقراءة السؤال :

الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين , اللهم اغفر لنا و لشيخنا و للحاضرين و المستمعين برحمتك يا أرحم الراحمين .

(المتن)

يقول السائل : بسم الله الرحمن الرحيم و به ثقتي:

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين و علماء المسلمين رضي الله عنهم أجمعين  في من يزور القبور و يستنجد بالمقبور لمرض به أو فرسه أو بعيره يطلب إزالة المرض الذي بهم و يقول : يا سيدي أنا في جيرتك أنا في حسبك فلان ظلمني فلان قصد أذيتي و يقول إن المقبور يكون واسطة بينه و بين الله تعالى و فيمن ينذر للمساجد و الزوايا و المشايخ حيهم و ميتهم بالدراهم و الإبل و الغنم و الشمع و الزيت و غير ذلك يقول : إن سلم ولدي فللشيخ علي كذا و كذا و أمثال ذلك و في من يستغيث بشيخه إذا أصابته نائبة أو سمع حسا خلفه أزعجه استغاث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع و فيمن يجيء إلى شيخه و يستلم القبر و يمرغ وجهه عليه و يمسح القبر بيديه و يمسح بهما وجهه و أشباه ذلك و فيمن يقصده بحاجته فيقول : يا شيخ فلان ببركتك فيقول : قضيت حاجتي ببركة الله و بركة الشيخ و فيمن يعمل السماع و يجيء إلى القبر فيكشف و يحط وجهه بين يدي شيخه على الأرض ساجدا نحوه و فيمن قال إن ثم قطبا غوثا فردا جامعا في الوجود. أفتونا مأجورين و أبسطوا القول في ذلك  !؟

(الشرح)

هذه هي الأسئلة التي وجهت إلى المؤلف رحمه الله و هي سبعة أسئلة كما ذكر أحد التلاميذ سماها اللمعة , يعني الشيء اللامع و التشويق , الشيء اللامع في الأجوبة السبعة فهذا السؤال يقول (ما تقول السادة العلماء) لاشك أن العلماء هم السادة هم سادة الناس و أشرافهم و مقدموهم أفضل الناس أفضل الناس هم العلماء و العلماء هم ورثة الأنبياء، و العلماء قرن الله شهادتهم بشهادته و شهادة ملائكته على أجل مشهود به و هو الشهادة لله تعالى بالوحدانية , قال الله تعالى شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ و المراد بالعلماء علماء الشريعة العلماء بالله و أسمائه و صفاته إذا جاءت النصوص في مدح العلماء و الثناء عليهم المراد بهم علماء الشريعة العلماء بالله و أسمائه و دينه , العلم كما بين العلامة ابن القيم رحمه الله و غيره ثلاثة أقسام العلم النافع ثلاثة أقسام : القسم الأول : العلم بأسماء الله و صفاته و أفعاله , العلم بأسماء الله و صفات الله و أفعاله , الثاني : العلم بالأوامر و النواهي التي هي دين الله , علم بما أمر الله به و نهى عنه , و الثالث : العلم بالجزاء بجزاء المؤمنين يوم القيامة و جزاء الكافرين , هذه أقسام العلم النافع و ليس لها رابع كما قال العلامة القيم رحمه الله :

و العلم أقسام ثلاث ما لها من رابع و الحق ذو تبيان
علم بأوصاف الإله و فعله و كذلك الأسماء للرحمن

   

هذا الأمر الأول.

و الأمر و النهي الذي هو دينه و جزاؤه يوم المعاد الثاني

                  

هذا القسم الثاني و الثالث , هذا هو العلم النافع , علم بالله و أسمائه و صفاته و أفعاله , علم بالأوامر و النواهي التي هي دين الله , علم بالجزاء يوم القيامة .

فإذا جاءت النصوص في مدح العلماء و الثناء عليهم فالمراد بهم هؤلاء العلماء العاملون الذين يعملون بعلمهم و أما إذا انحرف الإنسان و لم يعمل بعلمه صار مغضوبا عليه حل عليه الغضب مثل اليهود , اليهود معهم علم و لم يعملوا به فغضب الله عليهم حلت عليهم الغضب و صاروا يسمون الأمة الغضبية كما أن من يعمل و يتعبد لله بغير علم فهو ضال و منحرف و الله تعالى قسم الناس في سورة الفاتحة التي هي أعظم  سورة و أفضل سورة , قسمهم فيه لثلاث أقسام منعم عليهم و مغضوب عليهم و ضالون و نحن في كل ركعة من ركعات الصلاة من فضل الله علينا أوجب علينا أن نسأله و أن ندعو بهذا الدعاء العظيم الذي هو أعظم دعاء و أفضل دعاء نسأله الله أن يهدينا الصراط المستقيم صراط المنعمين عليهم و نسأله أن يجنبنا طريق المغضوب عليهم و طريق الضالين فالمنعم عليهم هم الذين منّ الله عليهم بالعلم و العمل و هم الرسل و أتباعهم إلى يوم القيامة يتعلم و يتبصر في شريعة الله ثم يعمل و القسم الثاني : المغضوب عليهم الذين معهم علم أعطاهم الله العلم و لكنهم انحرفوا و لم يعملوا فصاروا غاويين , و القسم الثالث : الذين ليس عندهم علم و لا بصيرة يتعبدون على جهل و ضلال و من رحمة الله أنه أمرنا أن ندعو بهذا الدعاء في كل ركعة من ركعات الصلاة في اليوم و الليلة سبع عشرة مرة في الفرائض ما عدا النوافل اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ الذين من الله عليهم بالعلم و العمل و هم أربعة أصناف كما ذكرهم الله في سورة النساء وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يعني غير طريق المغضوب عليهم الذين يعلمون ولا يعملون وَلَا الضَّالِّينَ و لا طريق الضالين و هم الذين ليس عندهم علم و إنما يتخبطون في الظلمات.

و لهذا فإن حاجة الإنسان إلى الهداية و حاجته إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام و الشراب بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبي الإنسان لأن الإنسان إذا فقد الطعام و الشراب و فقد النفس مات , مات الجسد و الموت لا بد منه إن عاجلا أو آجلا و لا يضر الإنسان إذا مات و هو مستقيم و على طاعة الله لكن إذا فقد الهداية مات روحه و قلبه و صار إلى النار و لهذا تبين أن حاجة الإنسان لهذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام و الشراب اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ

أما إذا أطلق العلم و قيل العلم المراد علم الشريعة و إذا أطلق العلماء المراد بهم العلماء بالله أما العلوم الأخرى كعلم الزراعة و علم الصيدلة و علم الطب وعلم الفلك وعلم الهندسة هذه علوم , علوم دنيوية علم النجارة علم الحدادة علم السباكة علم الكهرباء , هذه علوم يحتاجها الناس إذا تعلمها المسلم و حسنت نيته و قصد بذلك أن ينفع المسلمين  فهو مأجور و أن يتعلمها من أجل كسب المعيشة لا بأس بخلاف العلم الشرعي لا يجوز أن نتعلمه لأجل الدنيا لأنه عبادة.

 فإذا جاءت النصوص بفضل أو بالثناء على العلماء المراد بها العلماء بالله و أسمائه و صفاته و دينه و شرعه و كذلك إذا أطلق العلم يراد به العالم بالشريعة أما إذا أريد علم آخر أو عالم آخر فلا بد أن يقيد فيقال : علم فلك علم طب علم هندسة علم صيدلة عالم كذا , لكن عكست القضية عند بعض الناس يسمون علماء الطبيعة و علماء الفضاء عالما , رواد الفضاء , هذا خطأ فلا بد أن يقيد عالم فضاء عالم فلك , أما إذا قيل عالم بإطلاق فهذا هو العلم بالشريعة.

 فالسائل يقول : ما تقول السادة العلماء , لاشك أنهم سادة من مقدمي الناس و أفضل الناس علماء الحق أئمة الدين , السائل الذي ألقى السؤال عنده بصيرة يقول للشيخ : (ما تقول السادة العلماء أئمة الدين و علماء المسلمين رضي الله عنهم أجمعين) في هذه الأسئلة التي أشكل علينا , يسأل يعني ما قولك , و الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية هو من هؤلاء من هؤلاء السادة هو إمام و هو من العلماء و هو من أئمة الدين و من علمائهم فهو إمام بحق وهو جدير بأن يبين هذه الأمور , السائل الآن وجه إلى المؤلف سبعة أسئلة و لهذا سميت اللمعة في الأجوبة السبعة ننظر هذه الأسئلة السبعة .

السؤال الأول : (في من يزور القبور ويستنجد بالمقبور لمرض به أو فرسه أو بغيره يطلب إزالة المرض الذي بهم!) هذا السؤال الأول : حكم من يزو القبور و يستنجد بالمقبور في مرض به أو بفرسه أو بغيره يطلب إزالة المرض الذي بهم , يعني يستنجد بالمقبورين , يطلب من صاحب القبر أن يزيل المرض الذي حصل به أو بفرسه سيأتي أن هذا شرك سيأتي  المؤلف ويبين أن هذا شرك أكبر مخرج من الملة لأن الذي يزيل المرض هو الله و هو الذي أنزل الداء و هو الذي يزيله هذا الأمر بيد الله , صاحب القبر ما الذي عنده صاحب القبر مسكين مشغول بنفسه بليت عظامه و صارت ترابا كيف تستنجد به و تسأله أين العقل و لذلك فإن المشرك ألغى عقله ألغى عقله و جعل يستنجد بصاحب القبر و لو كشف القبر ما وجد إلا تراب بليت عظامه و صارت ترابا كيف يستنجد بالتراب و ينسى رب الأرباب و يقول أيضا : (يا سيدي) يخاطب صاحب القبر (أنا في جيرتك أنا في حسبك فلان ظلمني فلان قصد أذيتي) يخاطب من؟ يخاطب ميتا بليت عظامه و أصبحت ترابا يقول : (أنا في حسبك أنا في جيرتك) في حسب من؟ في حسب مسكين صارت عظامه ترابا كيف تقول أنا في حسبك أنا في جيرتك فالمشرك ألغى عقله نسأل الله السلام و العافية .

يقول (بأن المقبور يكون واسطة بينه و بين الله) هذا الشرك , المقبور واسطة بينك و بين الله ! هو محتاج إليك فكيف تقول هذا الكلام , هذا السؤال الأول، السؤال الأول : حكم السؤال من صاحب القبر؟ شرك أكبر يخرج من الملة كما سيبين المؤلف.

السؤال الثاني : (و فيمن ينذر للمساجد و الزوايا و المشايخ حيهم و ميتهم بالدراهم و الإبل و الغنم و الشمع و الزيت و غير ذلك يقول : إن سلم ولدي فللشيخ علي كذا و كذا) هذا السؤال الثاني ينذر للمساجد ينذر للمسجد ينذر للزوايا النذر عبادة معلوم أن النذر عبادة و العبادة لا تكون إلا لله و من صرفها لغير الله فهو مشرك أيضا هذا شرك كما سوف يقول المؤلف رحمه الله من نذر لغير الله فقد أشرك لأنه عبد غير الله.

 السؤال الثالث : (و في من يستغيث بشيخه إذا أصابته نائبة أو سمع حسا خلفه أزعجه استغاث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع) يستغيث بشيخه و لو كان غائبا إذا أصابته نائبة قال يا شيخ سواء حيا أو ميتا يستغيث به (أو سمع حسا خلفه أزعجه استغاث بشيخه) و لو كان بعيدا , (أو يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع) أيضا هذا شرك هذا أمر لا يقدر عليه إلا الله , هذا أمر لا يقدر عليه إلا الله لكن من استغاث بحي قادر فيما يقدر عليه فلا بأس حي حاضر أمامك تستغيث به و هو قادر كأن يستغيث غريق بسباح لا بأس يستغيث به فيما يقدر عليه كذلك أيضا لو استغاث مثلا شخص في حريق لا قدر الله على المسلمين إلا الخير ثم استغاث برجال الإطفاء لا بأس لأنهم قادرون لكن يستغيث بميت أو يستغيث بغائب أو بحي غائب لا يقدر هذا شرك.

 السؤال الرابع : (و في من يجيء إلى شيخه و يستلم القبر و يمرغ وجهه عليه و يمسح القبر بيديه و يمسح بهما وجهه و أشباه ذلك) يجيء إلى الشيخ يستلم القبر و يتمسح بالقبر و يمرغ وجهه على القبر و يمسح القبر بيديه و يمسح بهما وجهه لماذا يفعل ذلك ! لأنه يطلب البركة يأتي إلى صاحب القبر يستلم القبر يتمسح به و يمرغ وجهه عليه و يمسح القبر بيديه ما حكم ذلك ! هذا فيه تفصيل , إن كان يعتقد أن فيه البركة بهذا العمل فهذا شرك أكبر و إن كان يعتقد أنه سبب البركة و البركة من الله فهو شرك أصغر و وسيلة للشرك الأصغر لأن هذا ما جعله الله وسيلة فهو دائر بين الشرك الأصغر و بين الشرك الأكبر إن كان يعتقد أن البركة من هذا التراب من تراب الشيخ و أن البركة منه فهذا شرك أكبر و إن كان يعتقد أن البركة من الله جعلها في تربة هذا الشيخ فهذا شرك أصغر.

 السؤال الخامس : (في من يقصده بحاجته) يقصد صاحب القبر في حاجته (فيقول : يا شيخ فلان ببركتك فيقول : قضيت حاجتي ببركة الله و بركة الشيخ) هذا فيه تفصيل أيضا مثل التفصيل السابق إن كان يقصد أن البركة من الشيخ نفسه و أن هو الذي يعطيه البركة فهذا شرك أكبر و إن كان يعتقد أن البركة من الله جعلها في هذا الشيخ فهذا شرك أصغر.

 السؤال السادس : (في من يعمل السماع) السماع هذا يعمله الصوفية , سماع الغناء يتعبدون لله بسماع الغناء (و يجيء للقبر فيكشف و يحط وجهه بين يدي شيخه على الأرض ساجدا) نحوه , إن كان يفعل هذا يتعبد يعني ينوي بهذا التعبد له فهذا شرك أكبر فهذا شرك أكبر و كذلك إذا كان يعتقد أن البركة منه فهو شرك أكبر.

 السؤال السابع : (في من قال إن ثم قطبا غوثا فردا جامعا في الوجود) , يعني يقول هناك قطب غوث فرد , قطب يعني غوث فرد يستغاث به , فرد يتصرف في هذا الكون هذا من اعتقادات بعض الصوفية بعضهم يقول هناك أقطاب في الأرض أربعة أقطاب أوتاد يتصرفون في هذا الكون و بعضهم يقول القطب واحد فرد غوث هذا لا شك أنه شرك أكبر بل و أعظم من  شرك كفار قريش هذا شرك في الربوبية يعني ما وصل إليه كفار قريش الذي يتصرف بالكون هو الله , من كان يعتقد أن هناك أحد يتصرف في الكون مع الله فهو مشرك في الربوبية فالله تعالى هو الرب و غيره المربوب من قال أن هناك قطبا أو غوثا أو فردا يتقرب به يتصرف في هذا الكون فهذا شرك أكبر بإجماع المسلمين نسأل الله السلامة و العافية .

هذه هي الأسئلة السبعة المؤلف رحمه الله أجاب عليها نبدأ بالجواب .

(المتن)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى و جمعنا به في جنات النعيم:

 الحمد لله رب العالمين.

الدين الذي بعث الله به رسله و أنزل به كتبه هو عبادة الله وحده لا شريك له و استعانته و التوكل عليه و دعاؤه لجلب المنافع و دفع المضار كما قال الله تعالى: تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ۝ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ۝ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ و قال الله تعالى وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا و قال الله تعالى قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ و قال الله تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا قالت طائفة من السلف : كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا و الملائكة قال الله تعالى : هؤلاء الذين تدعونهم عبادي كما أنتم عبادي و يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي و يخافون عذابي كما تخافون عذابي و يتقربون إلي كما تتقربون إلي فإذا كان هذا حال من يدعوا الأنبياء و الملائكة فكيف بمن دونهم .

(الشرح)

المؤلف رحمه الله بدأ الجواب بقوله الحمد لله رب العالمين، و كثيرا ما يبتدئ الأجوبة بالحمد لله رب العالمين و الحمد هو الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية  الجميلة و ( أل ) للاستغراق و المعنى جميع المحامد كلها لله ملكا استحقاقا و الحمد أبلغ من المدح لأن المدح يكون على الصفات الاختيارية و الصفات التي جبل عليها الإنسان فمثلا المدح تمدح الإنسان بأنه طويل القامة و أنه جميل المنظر و هذا لا اختيار له فيه لكن الحمد لا يكون إلا على الصفات الاختيارية التي يفعلها باختياره تمدح الإنسان بأنه كريم بأنه حسن الخلق بأنه يحسن إلى الناس تمدحه بإحسانه إلى الناس بأنه كريم و بأنه مجاهد و بأنه ينفع الناس و يبذل العطاء إلى غير ذلك هذه الصفات الاختيارية هذه  إذا أثنيت عليه بالصفات الاختيارية يسمى حمد أما المدح فيكون على الصفات التي جبل عليها الإنسان و الحمد أبلغ من المدح فإن الحمد يكون في الثناء على المحمود بصفاته الاختيارية مع حبه و إجلاله و تعظيمه و لهذا جاء الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ افتتح الله بها الفاتحة و افتتح بها كثيرا من السور الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ

( أل ) للاستغراق يعني جميع أنواع الحمد كلها لله ملكا واستحقاقا و أما المخلوق فله ما يناسبه.

( لله ) اللام للملك ( الله ) اسمه الشريف أصل ( الله ) الإله على وزن فعال ثم حذفت الهمزة فالتقت اللام الزائدة باللام التي هي عين الكلمة ثم فخمت فصارت ( الله ) و الله هو المألوه التي تألهه القلوب محبة و إجلالا و تعظيما.

 (رب العالمين) يعني هو مربيهم بنعمه وخلقهم و أوجدهم من العدم، و العالمين جمع عالم و هو كل ما سوى الله , كل ما سوى الله فهو عالم أنا و أنت و الآخرون و السماوات كلها عالم و الله رب الجميع الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 

ثم قال المؤلف رحمه الله : (الدين الذي بعث الله به رسله و أنزل به كتبه هو عبادة الله) الدين هو ما يدين به الإنسان ربه و يلتزمه ما يدين الإنسان به ربه و يتعبد به لله و يقال له دين , يعني سيدين به لله و يخضع يؤديه لله على وجه الخضوع و الانقياد و الطاعة و الامتثال فالدين الذي يتعبد به المسلم لربه الذي بعث الله به رسله و أنزل به كتبه (هو عبادة الله) هذا هو الدين , الدين الذي بعث الله به الرسل و أنزل به الكتب الدين الذي يدين به الإنسان ربه متقربا به إلى الله الذي بعث الله به الرسل و أنزل به الكتب (هو عبادة الله وحده لا شريك له) أن تعبده  العبادة هي التذلل و الخضوع و الانقياد تؤدي العبادة تؤديها عن خضوع و ذل و انقياد يعني تتقرب إلى الله بهذا الأمر تتقرب إلى الله بالصلاة تتقرب إلى الله بالصيام تتقرب إلى الله بالزكاة تتقرب إلى الله بالحج تتقرب إلى الله ببر الوالدين تتقرب إلى الله بصلة الأرحام تتقرب إلى الله بكف نفسك عن المحرمات هذه هي العبادة و لا تشرك مع الله غيره فإن تقربت إلى الله و إلى غيره وقعت في الشرك و لهذا قال : تعبد الله لا شريك له لا تجعل له شريكا لا تجعل مع الله شريكا في العبادة , العبادة حق الله فمن صرفها لغيره وقع في الشرك , هذا حق الله و لهذا فإن المشرك وقع في أعظم أنواع الظلم أظلم الظلم , الظلم معناه هو وضع الشيء في غير موضعه و المشرك وضع العبادة في غير موضعها فصرفها لغير الله فوقع في أعظم الظلم و لهذا قال الله تعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ و أي ظلم أعظم من أن الله خلقك لعبادته ثم تعبد غيره , و لله المثل الأعلى فلو أن إنسانا عنده عبد اشتراه , اشتراه بحر ماله بالآلاف و قال له : أنت عبدي اشتغل و اعمل و ائتني بالكسب فجعل يعمل و يشتغل و يعطي الكسب لغيره و كل ما كسب أعطاه فلانا ماذا تكون حالة هذا العبد ! هذا عبد سيئ هذا عبد سيئ كيف سيده اشتراه بحر ماله و أحسن إليه و رباه ثم بعد ذلك يعمل و يشتغل و يعطي الكسب لغيره فكذلك المشرك الذي خلقه الله لعبادته ثم يعبد غير الله قال تعالى ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ

يقول المؤلف رحمه الله : (الدين الذي بعث الله به رسله و أنزل به كتبه هو عبادة الله وحده لا شريك له) تأكيد، و استعانته يعني تستعين بالله يعني تطلب العون من الله إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فإذا طلبت العون من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك أما إذا طلبت العون من حي حاضر  قادر لا بأس إذا قلت يا فلان أعني على إصلاح سيارتي أعني يا فلان على إصلاح مزرعتي أعني في قضاء ديني لا بأس لكن تطلب العون من ميت أو غائب أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله هذا شرك.

(و التوكل عليه) التوكل الاعتماد على الله و تفويض الأمر إليه هذا خاص بالله من توكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله وقع في الشرك الأكبر و من توكل على غير الله في الأمور التي يقدر عليها البشر فهو مشرك شركاً أصغر لما فيه من ميل القلب لغير الله و دعاؤه لجلب المنافع و دفع المضار، لا يدعى لجلب المنافع و دفع المضار إلا الله.

ثم استشهد المؤلف بالآيات كما قال تعالى تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ۝ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ  هذا الشاهد (اعبد الله مخلصا) و الإخلاص هو أن تخص لله بالعبادة تفرده بالعبادة تفرده بالتقرب لا تتقرب إلا إلى الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ و لهذا قال سبحانه أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ الدين هو العبادة ألا لله العبادة الخالصة خاصة به  .

 ثم بين الله شبهة المشركين الذين يعبدون غير الله و يصرفون العبادة لغير الله وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ هذه شبهة المشركين مَا نَعْبُدُهُمْ و الآية فيها حذف و التقدير : قائلين ما نعبدهم و الذين اتخذوا من دون الله أولياء قائلين ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ يعني هذه شبهة المشركين يعبدون غير الله يزعمون أنهم يقربونهم إلى الله زلفى و أنهم يشفعون لهم عند الله و الله تعالى حكم عليهم كذبهم في أنهم يكذبون في عبادتهم لغير الله و كفرهم فقال إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ فهم كفرة كذبة، كذبة في قولهم إنهم يقربونهم لله و كفار بهذا العمل و لهذا قال إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ.

ثم قال المؤلف رحمه الله (و قال الله تعالى وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا و أحدا نكرة في سياق النهي فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا أي أحد ملكا أو نبيا أو جنيا أو قبرا أو جمادا أو حجرا أو شجرا لا تدعوا مع الله أحدا , النكرة في سياق النهي أو النفي تعم هذه قاعدة أصولية من القواعد الأصولية أن النكرة في سياق النهي أو النفي أو الاستفهام تعم و هنا أحدا نكرة سبقها النهي فتكون عامة فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا  

و قال الله تعالى قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ  يعني بالعدل القسط العدل وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ الصلاة , الصلاة لله وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَادْعُوهُ الضمير يعود إلى الله مُخْلِصِينَ  حال تقديره حالة كونكم مخلصين له الدين , الدين هو العبادة ادعوا الله مخلصين له العبادة.

و قال تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ادعوا هذا خطاب للمشركين ادعوا الذين زعمتم من دون الله هل يملكون كشف الضر إذا نزل بكم ؟! لا وَلَا تَحْوِيلًا يعني النقل من حال إلى حال من الذي يملك ذلك هو الله ثم قال أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ هم أولئك الذين يخاطبهم الله يقول هؤلاء الذين تدعونهم و تعبدونهم من دون الله هم يطلبون الوسيلة إلى الله، الوسيلة القرب إلى الله يَبْتَغُونَ  يطلبون الوسيلة التقرب إلى الله وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُفكيف تعبدون من هذه حاله هؤلاء الذين تعبدونهم أنتم هم يطلبون القربة إلى الله بطاعته و هم يرجون رحمة الله و يخافون عذابه و لهذا قال المؤلف (قالت طائفة من السلف : كان أقوام يدعون المسيح وعزيرا و الملائكة قال الله : هؤلاء الذين تدعونهم عبادي كما أنتم عبادي و يرجون رحمتي كما ترجون رحمتي و يخافون عذابي كما تخافون عذابي و يتقربون إلي كما تتقربون إلي فإذا كان هذا حال من يدعوا الأنبياء و الملائكة فكيف بمن دونهم؟!) يعني إذا كان الملائكة و الأنبياء و الصالحين هم الآن يطلبون القرب إلى الله و يرجون رحمة الله و يخافون عذابه فكيف بمن دعا غيرهم فكيف بمن دعا فاسقا أو دعا كافرا أو دعا شجرا أو حجرا يكون من باب أولى إذا كان من دعا الصالح أو دعا النبي فالنبي و الصالح يطلبون القربة إلى الله و يخافون و يرجونه و لا يستطيع أن يملك له شيئا فمن كان دونهم دون الأنبياء و الصالحين من باب أولى من كان دعا شجرا أو دعا حجرا أو دعا جمادا أو دعا فاسقا أو عاصيا أو كافرا من باب أولى لا ينفعه، إذا كان النبي الأنبياء و الملائكة و الصالحين لا ينفعون فغيرهم من باب أولى و لهذا قال المؤلف : (فإذا كان هذا حال من يدعوا الأنبياء و الملائكة فكيف بمن دونهم؟!)

(المتن)

و قال الله تعالى أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا و قال الله تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ  ۝ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ فبين سبحانه أن من دعي من دون الله من جميع المخلوقات من الملائكة و البشر و غيرهم أنهم لا يملكون مثال ذرة في ملكه و أنه ليس له شريك في ملكه بل هو سبحانه له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير و أنه ليس له عون يعاونه كما يكون للملك أعوان و ظهراء و أن الشفعاء عنده و لا يشفعون إلا لمن ارتضى فنفى بذلك وجوه الشرك.

و ذلك أن من يدعى من دونه إما أن يكون مالكا و إما ألا يكون مالكا و إذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا و إما ألا يكون شريكا و إذا لم يكن شريكا فإما أن يكون معاونا و إما أن يكون سائلا طالبا و هو أعلم فالأقسام الأول الثلاثة و هي الملك و الشركة و المعاونة منتفية و أما الرابع فلا يكون إلا من بعد إذنه و كما قال الله تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ و كما قال الله تعالى وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى و قال تعالى أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ  ۝ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ و قال الله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ  وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ وقال وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ و قال الله تعالى مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ  ۝ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فبين أن من اتخذ الملائكة و النبيين أربابا كان كافرا فكيف من اتخذ من دونهم من المشايخ و غيرهم أربابا .

(الشرح)

المؤلف رحمه الله لا يزال يبين أن من دعا غير الله هو مشرك أنه من أهل النار المخلدين فيها إذا مات على ذلك و لهذا قال تعالى أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا  يعني أيظن الكفار أنهم يتخذون عباد الله من دونه أولياء و هم أشركوا مع الله غيره و عبدوا غيره و لهذا حكم عليهم بالخلود في النار فقال إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا  يعني مقرا و مستقرا و مآلا و مصيرا نسأل الله السلامة و العافية.

ثم أيضا استدل بقوله تعالى قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ  ۝ وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ هذه الآية يقول العلماء أنها قطعت عروق الشرك قطعت عروق الشرك بالله فإن الله تعالى تحدى الذين يعبدون غيره فقال هؤلاء الذين تعبدونه من دون الله هل ينفعونكم وجوه الانتفاع واحد من أربعة أمور , يعني حينما يدعو الإنسان شيئا يطلب النفع أليس كذلك؟! يطلبون النفع لماذا يعبدون لماذا يدعون؟ يطلبون النفع يطلبون أن ينفعه أليس كذلك؟! و النفع محصور في واحد من الأمور الأربعة: الأمر الأول : أن يكون هذا الذي تدعوه يملك مطلوبك يملك الشيء الذي تريده , ماذا تريد من هذا , تريد أن ينفعك تريد أن يدخلك الجنة تريد أن ينجيك من النار تريد أن يعافيك من مرضك ماذا تريد منه ! أي شيء تريده منه ! هذا الذي تدعوه إما أن يكون مالكا لما تريده منه فإذا لم يكن مالكا هناك الشرط الثاني كان شريكا للمالك فإن لم يكن شريكا للمالك كان معينا و مساعدا فإن لم يكن معينا ولا مساعدا صار شفيعا عنده هل هناك غير هذه الأمور الأربعة ! ما في ما يمكن , هذه وجوه النفع فأنت حينما تدعو شخصا تريد النفع و النفع إما أن يكون يملك هذا الذي تطلبه منه أو يكون شريكا للمالك أو يكون معينا أو مساعدا للمالك أو يكون شفيعا عنده و تقبل شفاعته و الله تعالى نفى هذه الأمور الأربعة كلها عن معبود المشركين نفيا مرتبا منتقلا من الأعلى إلى الأدنى فقال : فقال قل يا محمد ( الخطاب للرسول ﷺ) قُلِيا محمد للمشركين ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ما يملك ولا مثقال ذرة لا في السماوات ولا في الأرض هذا الأمر الأول ثم قال وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ ليس لهم ملك ولا شراكة أيضا ثم نفى المساعدة و المعاونة فقال وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ يعني ليس له منهم من معين ثم نفى الشفاعة قال وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ما تنفع الشفاعة المنفية إلا بإذنه بشرطين الشرط الأول إذن الله للشافع أن يشفع و الشرط الثاني رضاه عن المشفوع له , انظر كلام المؤلف رحمه الله قال : (فبين سبحانه أن من دعي من دون الله من جميع المخلوقات من الملائكة و البشر و غيرهم أنهم لا يملكون مثال ذرة في ملكه) هذا الأمر الأول رقم واحد (وأنه ليس له شريك في ملكه) هذا الأمر الثاني (بل هو سبحانه له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير و أنه ليس له عون يعاونه) هذا الثالث (كما يكون للملك أعوان و ظهراء) الملوك لهم أعوان يساعدونهم وزراء لكن الله ليس له أعوان الله تعالى لا يقاس بخلقه ليس له معين ولا ظهير، المخلوق و لو كان ملكا يحتاج لمن يساعده و يعينه و ينفذ أمره أما الله فلا يحتاج إلى أحد كما يكون للملك أعوان و ظهراء (و أن الشفعاء عنده) هذا الأمر الرابع (و أن الشفعاء عنده لا يشفعون إلا لمن ارتضى) قال المؤلف رحمه الله : (فنفى بذلك وجوه الشرك و ذلك أن من يدعى من دونه إما أن يكون مالكا) و هذا الأمر الأول (و إما أن لا يكون مالكا و إذا لم يكن مالكا فإما أن يكون شريكا) هذا الأمر الثاني (و إما ألا يكون شريكا و إذا لم يكن شريكا فإما أن يكون معاونا و إما أن يكون سائلا طالبا) و هو أعلم (فالأقسام الأول الثلاثة و هي الملك و الشركة و المعاونة منتفية) نفاها الله , قال لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ كلها منتفية , بقي الأمر الرابع و هو الشفاعة قال : (و أما الرابع فلا يكون إلا من بعد إذنه).

ثم ذكر المؤلف الأدلة التي تدل على أن الشفاعة تكون بإذن الله كما قال تعالى : مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ لا يستطيع أحد أن يشفع عند الله لعظمته إلا بإذنه حتى نبينا محمد ﷺ الذي هو أعظم الناس وجاهة عند الله و أعظم الناس قربة عند الله أقرب الناس إلى الله و أحب الناس إلى الله نبينا محمد ﷺ و إذا كان الله قال تعالى في موسى عليه السلام وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا فنبينا محمد عليه الصلاة و السلام أعظم وجاهة من موسى لأنه أفضل و مع ذلك إذا كان يوم القيامة و نزل الكرب العظيم بالناس و بعث الناس حفاة عراة واقفين بين يدي الله و يموج الناس بعضهم ببعض و تدنو الشمس من الرؤوس و يزاد في حرارتها يموج الناس بعضهم ببعض و يفزعون إلى الأنبياء يطلبون منهم الشفاعة فيأتون لنوح  هذا ثابت في الصحيحين يعتذر ما يستطيع يقول إن الأمر عظيم و إن الله غضب غضبا لم يغضب قبله مثله و يتذكر أنه دعا على أهل الأرض فيشير إلى الناس فقال ائتوا إلى غيري ائتوا إلى إبراهيم فإنه خليل الله فيأتون إلى إبراهيم  فيعتذر أيضا و يقول أنه كذب في الإسلام ثلاث كذبات و يقول ائتوا إلى موسى فيأتون موسى  فيعتذر يقول ائتوا إلى موسى فإنه كليم الله فيعتذر بالنفس التي قتلها قبل النبوة القبطي الذي قتله لما اختصم مع الإسرائيلي فقال ثم يشير إليهم فيقول اذهبوا إلى عيسى فيأتون إلى عيسى   فيقول لا يذكر ذنبا إلا أنه يقول إن الناس اتخذوني و أمي الهين من دون الله و لكن ائتوا إلى محمد ﷺ فإنه خاتم النبيين فيأتون نبينا محمد ﷺ و يطلبون منه الشفاعة فيقول عليه الصلاة و السلام أنا لها أنا لها ﷺ ماذا يعمل ! هل يشفع يبدأ يشفع بالشفاعة ! لا ما يستطيع و هو أفضل الناس ماذا يعمل ! لا بد من الإذن يأتيه الإذن من رب العزة و الجلال , ماذا يعمل ! أول ما يبدأ يسجد تحت العرش لله فيفتح الله عليه بالمحامد يلهمه بها في ذلك الموقف يمجد الله و يحمده بالمحامد يفتح عليه في ذلك الوقت فيدعوه الله ما شاء أن يدعوه ثم يأتي الإذن من رب العزة و الجلال فيقول : يا محمد ارفع رأسك وسل تعطى واشفع تشفع فيرفع رأسه عليه الصلاة و السلام و يسأل ربه الشفاعة فيشفعه الله , إذا ما يستطيع أحد أن يشفع إلا بعد الإذن حتى نبينا محمد ﷺ هذا الأمر الرابع لا يكون إلا من بعد الإذن قال تعالى مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ

و قال تعالى وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ذكر شرطين الشرط الأول : الإذن و الشرط الثاني : الرضا عن المشفوع له مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ هذا الشرط الأول وَيَرْضَى هذا الشرط الثاني.

 قال تعالى أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ  ۝ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا هو مالكها الشفاعة لله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ 

و قال الله تعالى اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ليس له من دون الله ولي ولا شفيع.

و قال تعالى  وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ  كل هذه الآيات فيها دلالة على أن الشفاعة لا تكون إلا بإذن الله الشفاعة لله هو يملكها لا يشفع أحد إلا من بعد إذنه.

و قال الله تعالى مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ  ۝ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ​​​​​​​

قال المؤلف رحمه الله : (فبين أن من اتخذ الملائكة و النبيين أربابا كان كافرا) إذا من اتخذ النبيين و الملائكة أربابا فهو كافر فكيف بمن اتخذ من دونه من المشايخ و غيرهم أربابا يكون كافرا من باب أولى فالذي يتخذ الملائكة و النبيين أربابا كافر و الذي يتخذ الفساق و العصاة أربابا يكون كافرا وإلا ما يكون كافر؟؟ من باب أولى إذا كان الذي يتخذ الملائكة و النبيين أربابا يكون كافرا الذي يتخذ من دونهم كافرا من باب أولى .

(المتن)

وتفصيل القول أن مطلوب العبد إن كان من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين و البهائم أو وفاء دينه من غير جهة معينة أو عافيته أو عافية أهله و ما به من بلاء الدنيا و الآخرة و انتصاره على عدوه و هداية قلبه أو غفران ذنبه أو دخول الجنة أو نجاته من النار أو أن يتعلم القرآن و العلم أو أن يصلح قلبه و يحسن خلقه و يزكي نفسه و أمثال ذلك فهذه من الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى و لا يجوز أن يقول لملك و لا نبي و لا شيخ سواء كان حيا أو ميتا اغفر ذنبي ولا انصرني على عدوي ولا اشف مريضي ولا عافني وعافي أهلي و دوابي و ما أشبه ذلك و من سأل ذلك مخلوقا كائنا من كان فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذين يعبدون الملائكة و الأنبياء و التماثيل الذين يصورونها على صورهم و من جنس دعاء النصارى للمسيح و أمه , قال الله تعالى وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ  و قال الله تعالى اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ و أما ما يقدر عليه العبد يجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة و قد تكون منهيا عنها و قال الله تعالى فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ  ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ وأوصى النبي ﷺ ابن عباس إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله و أوصى النبي ﷺ طائفة من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا فكان أحدهم يسقط سوطه من يده فلا يقول لأحد ناولني إياه و ثبت في الصحيحين أنه ﷺ قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب وهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون و الاسترقاء طلب الرقية و هو من أنواع الدعاء و مع هذا فقد ثبت عنه في الصحيحين أنه قال ما من رجل يدعو لأخيه بظهر الغيب دعوة إلا وكل الله بها ملكا كلما دعا لأخيه بدعوة قال الملك الموكل و لك بمثل ذلك.

(الشرح)

هذا جواب السؤال الأول من الأسئلة السبعة لو رجعتم إلى السؤال الأول في الأسئلة السبعة (في من يزور القبور و يستنجد بالمقبور في مرض به أو بفرسه أو غيره يطلب منه إزالة المرض الذي بهم فيقول يا سيدي أنا في جيرتك أنا في حسبك فلان ظلمني فلان قصد أذيتي , ويقول المقبور واسطة بينه و بين الله) هذا السؤال الأول يقول المؤلف رحمه الله : هذا الأمر سؤال , هذا السؤال أو هذا الطلب الموجه إلى غير الله فيه تفصيل إما أن يكون من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله و إما أن يكون من الأمور التي يقدر عليها العبد إما أن يكون يقدر عليها المخلوق أو لا يقدر فإن كان الذي تسأل لا يقدر عليه إلا الله و طلبته من غير الله فهذا شرك سواء كان الذي طلبته منه حيا أو ميتا و إن كان الذي طلبته يقدر عليه العبد و هو حي قادر فهذا يطلب منه في بعض الأحوال ولا يطلب منه في بعض الأحوال فالأمر الأول الذي لا يقدر عليه إلا الله قال المؤلف رحمه الله:

(و تفصيل القول) إذا إذا سألك إنسان فقال شخص يطلب من مخلوق أمورا فهل يجوز أو لا يجوز ؟ فتقول هذا الأمر الذي يطلبه من المخلوق إن كان لا يقدر عليه إلا الله فهذا شرك و إن كان يقدر عليه المخلوق و هو حي حاضر فإنه يجوز أن يطلب في بعض الأحيان و لا يطلب في بعض الأحيان، من الأمر الأول الذي لا يقدر عليه إلا الله مثل أن يطلب شفاء مريضه يقول : يا فلان اشف مريضي هذا لا يقدر عليه إلا الله فالذي يطلب شفاء المريض حكمه مشرك , قال : طيب أنا أطلب من الطبيب و هو أمامي يعالج نقول ولو هذا لا يقدر عليه إلا الله الطبيب لا يقدر أن يشفي الطبيب لديه السبب لكن الشفاء لا يقدر عليه إلا الله فكيف تقول يا طبيب اشف مريضي ! و إذا كان يخاطب الميت يقول له اشف مريضي فمن باب أولى فهذا شرك إذا طلب شفاء مريضه سواء هذا المريض من الآدميين أو البهائم أو قال يا فلان وفِ ديني حي أو حاضر هذا شرك , ما يستطيع أن يوفي الدين , أما إذا كان يخاطب شخصا قادرا من المحسنين , يا فلان أوفي ديني جزاك الله خيرا لا بأس هذا يقدر يستطيع عنده مال يستطيع يدفع عنك هذا حي حاضر قادر , هذا يكون من القسم الثاني لكن إذا كان يخاطب ميتا يقول اقضي ديني أو يخاطب فقيرا يعلم أنه هذا فقير مقتر يطلب منه أن يوفي الملايين التي عليه هذا الشرك لأنه ما طلب منه إلا يعتقد أن فيه تأثيرا و أن عنده تصرف بحيث إنه يستطيع أن يفي دينه أو يطلب عافيته قال عافني يا فلان أو عافي أهلي أو يطلب شفاء ما به من بلاء الدنيا و الآخرة أو يقول يا فلان انصرني على عدوي يخاطب ميتا أما إذا خاطب شخصا قادرا قال انصرني على عدوي و هو يستطيع بيده من السلاح و من الوجاهة فهذا لا بأس به.

و إذا قال اهدي قلبي يا فلان هذا لا يقدر عليه إلا الله من الذي يقدر على الهداية لا يقدر عليها إلا الله فهذا شرك , شرك أكبر , أو غفران ذنبه قال يا فلان اغفر ذنبي كما يقول بعض الصوفية إن الشيخ يغفر الذنب و يوصلك بالغفران إلى الجنة أو بعض النصارى هذا شرك , قال تعالى وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ لا يغفر الذنوب إلا الله , أو قال يا فلان أدخلني الجنة هذا لا يقدر عليه إلا الله أو قال يا فلان نجني من النار هذا لا يقدر عليه إلا الله , إذا طلبه من مخلوق هذا شرك.

( أو أن يتعلم القرآن و العلم) يعني يطلب من فلان أن يعلمه العلم أو يعلمه القرآن هذا لا يقدر عليه إلا الله أو يطلب من فلان أن يصلح قلبه أو يحسن خلقه أو يزكي نفسه هذه الأمور يقول المؤلف : (فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله , ولا يجوز أن يقول لا لملك و لا نبي و لا شيخ سواء كان حيا أو ميتا اغفر ذنبي ولا انصرني على عدوي ولا اشف مريضي ولا عافني أو عاف أهلي و دوابي) لماذا ! لأن هذه الأمور لا يقدر عليها إلا الله حتى ولو كان حيا! ولو كان ما يقدر , ولا يقول لحي اغفر ذنبي و الميت مقضي أمره , فإذا قال يا فلان اغفر ذنبي أشرك بالله لأنه لا يغفر الذنب إلا الله , أو قال انصرني على عدوي و هو لا يقدر أو قال اشف مريضي هذا لا يقدر عليه إلا الله أو قال عافني أو عافي أهلي و دوابي.

 قال المؤلف : (و من سأل ذلك مخلوقا كائنا من كان فهو مشرك بربه من جنس المشركين الذي يعبدون الملائكة و الأنبياء و التماثيل التي يصورونها على صورهم و من جنس دعاء النصارى للمسيح و أمه) مثل النصارى , النصارى يعبدون المسيح , قال تعالى وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ  أنكر الله عليهم ذلك أنكر ذلك و هذا فيه تمقيت للنصارى الذين عبدوا من دون الله و لهذا قال عيسى سُبْحَانَكَ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ۝ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ 

و قال الله تعالى منكرا على النصارى و اليهود  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ الأحبار هم العلماء و الرهبان هم العباد أنكر الله عليهم قال اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ يعني علمائهم وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ يعني جعلوا علماءهم أربابا و عبادهم أربابا و المسيح جعلوه ربا و هل أمروا بهذا ! لا أمروا بعبادة الله ولهذا قال وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا إلَهًا وَاحِدًا لَا إلَهَ إلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ هذا القسم الأول الذي لا يقدر عليه إلا الله.

 القسم الثاني ما يقدر عليه العبد قال المؤلف: (يجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض) لماذا ! (فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة و قد تكون منهيا عنها قال الله تعالى فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ  ۝ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ )الشاهد قوله وإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ارغب إلى الله في سؤاله و التضرع إليه (وأوصى النبي ﷺ ابن عباس فقال إذا سألت فاسأل الله) يعني لا تسأل مخلوقا ( و إذا استعنت فاستعن بالله و أوصى النبي ﷺ طائفة من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا) جاء في الحديث أن النبي ﷺ بايع أصحابه بعض أصحابه بيعة و من ضمن البيعة قال: قال ألا تسألوا الناس شيئا. ما تسأل أحدا حتى ما تكون محتاجا إلى مخلوق فوفوا بهذه البيعة فكان أحدهم الذين بايعهم النبي ﷺ إذا كان راكبا على دابته و سقط  سوطه أو عصاه ما يقل يا فلان أعطني سوطي ينزل و يأخذ السوط حتى لا يسأل الناس حتى لا يحتاج لأحد يعني مسألة المخلوق يعني حتى و لو كانت جائزة فيها أذية للمخلوق فيه أذية للمخلوق و ينبغي للإنسان ألا يحتاج للمخلوق إن أمكنك أن لا تحتاج للمخلوق فهذا أولى. فتجد مثلا بعض الناس , بعض كبار السن مثلا جالس في المسجد فيسأل من عنده عدة أسئلة يا فلان أعطني العصا هذا سؤال , يا فلان أعطني المصحف يا فلان أعطني كأس ماء كم سؤال ! يا فلان أعطني حذائي أربعة أسئلة، مكروه هذا، لا تسأل مخلوقا كل ما أمكنك ألا تسأل مخلوقا فلا تسأل لكن يستثنى من هذا مثلا إذا كان المسؤول يسره ذلك كأن يكون تلميذا للشيخ أو يكون ابنا له أو خادما له و ما أشبه ذلك فهذا يسره لأنه إنما جاء لخدمته لكن بعض الناس ما يكون له صلة بالشخص و لكن يؤذي بالأسئلة أعطني يا فلان كذا أعطني كذا أعطني كذا , فالصحابة الذين بايعهم الرسول ﷺ كان من بنود البيعة ألا تسألوا الناس شيئا. شيئا نكرة في سياق النهي أي شيء , فوفوا بهذه البيعة فكان الواحد منهم إذا كان على دابته و سقط سوطه و عصاه لا يقول لأحد أعطني ينزل و يأخذ السوط و العصا ثم يركب ولهذا قال المؤلف : (وأوصى النبي ﷺ طائفة من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئا فكان أحدهم يسقط سوطه من يده فلا يقول لأحد فناولني إياه.

(وثبت في الصحيحين أنه ﷺ قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب و هو الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون و على ربهم يتوكلون. و هذا الحديث رواه البخاري رحمه الله في كتاب الرقاق ورواه الإمام مسلم رواه الشيخان و الشاهد من هذا الحديث أن الذين يدخلون الجنة  بغير حساب ولا عذاب من صفاتهم أنهم لا يسألون الناس شيئا لا يسترقون , ويسترقون يعني الهمزة و السين و التاء و الياء للطلب يعني لا يطلبون الرقية و الرقية هي العوذة و هي أن تقرأ على المريض فلا يقول يا فلان اقرأ علي ارقني و إن كان جائزا لكن فيه حاجة إلى المخلوق و فيه ميل من قلبك إلى هذا المخلوق و الذين يدخلون الجنة من غير حساب و لا عذاب لا يسألون أحدا لا يسألون إلا الله ولهذا قال : ختم من صفاتهم لا يسترقون و هذا خلاف الأولى ولا يكتوون الكي بالنار هذا فيه تعذيب و هذا يتركونه من الأمور المكروهة إلا إذا تعين طريقا للشفاء فهذا لا بأس لأن النبي ﷺ كوى بعض أصحابه و كما يقال آخر الطب الكي , ولا يتطيرون الطيرة من الشرك , وعلى ربهم يتوكلون , فهم لا يسترقون هذا أمر خلاف الأولى الرقية طلب الرقية ولا يكتوون هذا أمر مكره ولا يتطيرون هذا شرك و هم لا يفعلون الشرك و لا المكروه و لا خلاف الأولى و ختم ذلك بقوله وعلى ربهم يتوكلون , فمن صفاتهم أنهم لا يسألون الناس الرقية لكن إن جاء ورقاه بدون طلب فلا بأس و دلت الأدلة على أن الرقية إذا تعينت طريقة للشفاء فلا حرج ولا تخل بالصفات السبعين ألفا لأن النبي ﷺ أمر أولاد جعفر أمر أسماء أن تسترقي لجعفر و قال لأنه تشفي لهم العين.

قال المؤلف : (و الاسترقاء طلب الرقية) الرقية معروفة يعني تطلب شخصا يقرأ عليك يرقيك و هو من أنواع الدعاء و مع هذا فقد ثبت في الصحيحين أنه قال ما من رجل يدعو لأخيه في ظهر الغيب دعوة إلا وكل الله بها ملكا كلما دعا لأخيه دعوة قال الملك الموكل و لك بمثل ذلك و الله أعلم .

و هذا الحديث رواه الإمام مسلم بقريب من ذلك فإذا دعا لأخيه المسلم فهو على خير يدعو له الملك نفع أخاه المسلم و الملك يدعو له و يقول لك بمثله , لكن إذا دعا لك بدون طلب لكن لا تطلب لا تطلب منه تقول يا فلان ادع لي حتى الدعاء كما سيبين المؤلف رحمه الله كما بين أن حتى الدعاء بعض الناس يؤذيك يا فلان ادع الله كلما لقيك قال يا فلان ادع الله لي يا فلان ادع الله لي , ادعوا أنت لنفسك , يعني أنت أنصح ما تكون لنفسك ادع أنت لماذا تحتاج لغيرك و إذا طالب من فلان أن يدعو له فهذا مكره لأنه فيه سؤال للناس إلا في حالة واحدة إذا نويت أنه إذا دعا لك أنه يستفيد و يدعو له الملك بهذه النية لا بأس أنت مستفيد  هو مستفيد أما إذا لم تنظر إلا إلى مصلحة نفسك تقول يا فلان ادع الله لي , بعض الناس يؤذيك كلما قابلك يا فلان ادع الله لي ادع الله لأولادي ادع الله كذا , أنت ادع لنفسك أنت ما بينك و بين الله واسطة أنت أسأل ربك لا تحتاج إلى أحد وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ.

(المتن)

و من الأمر المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب و لهذا أمرنا النبي ﷺ بالصلاة عليه و طلب الوسيلة له و أخبرنا بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا بذلك فقال في الحديث إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم اسألوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة.

(الشرح)

هذا من الأمر المشروع في الدعاء لأن المؤلف رحمه الله قال إن دعاء المخلوق تارة تكون جائزة و تارة تكون غير جائزة و من الدعاء المشروع دعاء الغائب للغائب دعاء غائب لغائب و مثل لذلك قال : (و لهذا أمرنا النبي ﷺ بالصلاة عليه) و هو غائب (و طلب الوسيلة له) الوسيلة درجة عالية في الجنة و هي منزلة النبي ﷺ و أخبرنا بما لنا في ذلك من الأجر إذا دعونا له و ذكر الحديث إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول يعني تجيبوا المؤذن ثم صلوا علي نقول اللهم صل و سلم على نبينا محمد قال : فإن من صلى علي مرة صلى الله عليه به عشرا هذا فضل عظيم مرة واحدة تصلي على النبي ﷺ يصلي الله عليك عشرا و صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى , أصح ما قيل في تعريف صلاة الله على العبد ما رواه البخاري عن أبي العالة في صحيحه قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلىقال ثم اسألوا الله لي الوسيلة نقول اللهم رب هذه الدعوة , في الحديث الآخر جاء بيان الدعاء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة و الفضيلة و ابعثه مقاما محمودا الذي و عدته الوسيلة ما هي الوسيلة ! هي منزل النبي ﷺ في الجنة درجة عالية و بعض العامة يزيد : آتي محمد الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة، هذا خطأ زيادة الوسيلة هي الدرجة الرفيعة مثل ما يزيد بعض العامة في الاستفتاح سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك و لا إله غيرك بعض العامة يزيد ( ولا معبود سواك ) ولا معبود سواك هي معنى ولا إله غيرك لا تزيد و أيضا بعضهم : آتي محمدا الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة , الوسيلة هي الدرجة الرفيعة و هي منزلة النبي ﷺ في الجنة قال فإنها درجة في الجنة  يعني الوسيلة لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله و أرجو أن أكون أنا ذلك العبد ورجاؤه عليه الصلاة و السلام محقق فهو وعد له عليه الصلاة و السلام قال فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي و هذه بشارة للمؤمن نسأل الله له الوسيلة حلت لنا شفاعته يوم القيامة .

(المتن)

و يشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه و ممن هو دونه فقد روى طلب الدعاء من الأعلى و الأدنى فإن النبي ﷺ ودع عمر إلى العمرة فقال لا تنسانا من دعائك يا أخي لكن النبي ﷺ لما أمرنا بالصلاة عليه و طلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرا و أن من سأل له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك و فرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه و من يسأل غيره لحاجته إليه فقط و ثبت عنه في الصحيح أنه ﷺ ذكر أويسا القرني  قال لعمر إن استطعت أن يستغفر لك فافعل و في الصحيحين أنه كان بين أبي بكر و عمر رضي الله عنهما شيء فقال أبو بكر لعمر : استغفر لي , لكن في الحديث أن أبا بكر ذكر أنه حنق على عمر , و ثبت أن أقواما كانوا يسترقون و كان النبي ﷺ يرقيهم .

(الشرح)

يقول المؤلف رحمه الله يشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه و ممن هو دونه , يعني تطلب الدعاء من شخص فوقك كأن يكون عالما فاضلا، و تطلب الدعاء من دونك كأن يكون تلميذا لك ما دام أنه مخلوق و ما دام أنه حي فلا بأس و لهذا قال المؤلف (يشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه و ممن هو دونه) ثم ذكر طلب الدعاء من الأعلى للأدنى طلب  النبي ﷺ من عمر أن يدعو له , معلوم أن عمر دون النبي ﷺ فقال : أن النبي ﷺ ودع عمر لما ذهب إلى العمرة و قال : لا تنسانا من دعائك يا أخي لكن الحديث فيه ضعف عند أهل العلم  في سنده، رواه العمري و فيه ضعف لكن هذا مثال و له شواهد  يعني هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده كما ذكر المحقق و الترمذي و ابن ماجة و فيه ضعف , قال : (لكن النبي ﷺ لما أمرنا بالصلاة عليه و طلب الوسيلة له ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشرا) و هذا فضل عظيم , الرسول ﷺ قال ثم صلوا علي طلب من الأمة أن يصلوا عليه هذا طلب , طلب من المخلوق لكن فيه نفع لهم هذا فيه نفع لهم إذا صليت عليه مرة صلى الله عليك عشرا فهذه فائدة يأمرهم بما فيه فائدة لهم قال : (و أن من سأل له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة) فيكون المسؤول مستفيد أو غير مستفيد ! مستفيد , قال : (فكان طلبه منا لمنفعتنا بذلك و فرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه و من سأل غيره لحاجته إليه) الرسول ﷺ طلب سألنا سؤالا ما هو ! أن ندعو له , لكن سألنا لحاجتنا لمنفعتنا أو لمنفعته هو ؟ لمنفعتنا نحن و هو مستفيد لكن نحن مستفيدون أكثر لأن إذا صلينا على النبي ﷺ مرة صلى الله بها علينا عشرا , فالرسول ﷺ يطلب من غيره لمنفعتنا نحن بخلاف غيره فإنه يطلب من الشخص لمنفعته هو فقط , يقول المؤلف : (و فرق بين من طلب من غيره شيئا لمنفعة المطلوب منه و من يسأل غيره لحاجته فقط) فرق شخص يطلب منك شيئا حتى تستفيد أنت و بين من تطلب منه لتستفيد أنت فقط ففرق بين من يسأل المسؤول لينتفع هو و بين من يسأل لينتفع الطالب السائل , فالرسول ﷺ يطلب منا شيئا لمنفعتنا نحن و غيره يسأل شيئا لمنفعته هو.

 (وثبت في الصحيح أنه ﷺ ذكر أويسا القرني وقال لعمر إن استطعت أن يستغفر لك فافعل) و هذا رواه الإمام مسلم في صحيحه أويس القرني من التابعين من بلاد اليمن ذكره النبي ﷺ و قال  سيأتيكم رجل من بلاد اليمن يقال له أويس القرني كان بارا بأمه و كان به برص شفاه الله إلا موضع درهم فمن لقيه فليطلب من أن يستغفر له فهذا سؤال أمر النبي ﷺ أن نسأله فهذا سؤال مخلوق يقول المؤلف قد يكون منهيا عنه و قد يكون جائزا هذا من السؤال الجائز فجاء أويس القرني في زمن عمر و سأله الأسئلة و قال أنت فلان  كذا هل لك أم وأنت بار بها و كان فيك برص فبرأت منه إلا موضع درهم , قال : نعم , فقال : استغفر لي , فاستغفر له ثم فطن له الناس و جعلوا يطلبون منه ثم ذهب حتى اختفى في غبراء الناس لأن لا يراه الناس , قال النبي ﷺ ذكر أويس القرني و قال لعمر إن استطعت أن يستغفر لك فافعل 

(وكذلك في الصحيحين أنه كان بين أبي بكر  عمر شيء) يعني حصل بينهما بعض الخلاف (فقال أبو بكر لعمر : استغفر لي) لكن في الحديث أن أبا بكر ذكر أنه حنق على عمر , و القصة معروفة و الصحابة أفضل الناس و مع ذلك يحصل بينهم خلاف أحيانا لكن سرعان ما يرجعون و فيه بيان فضل أبي بكر , حدث بين أبي بكر و عمر خلاف فجاء أبو بكر لعمر و قال سامحني  فقال : لا ما أسامحك فغضب أبو بكر و ذهب إلى النبي ﷺ مغضبا ثم ندم عمر و لحقه جعل يطلبه يريد أن يسامحه فسبقه أبو بكر وقد جاءه و كشف عن ركبته فلما أقبل أبو بكر رآه النبي فقال إن صاحبكم غامرغضب يعني , فقال يا رسول الله إنه كان بيني و بين ابن الخطاب شيء فسألته أن يغفر لي فلم يقبل فجاء عمر  بعد ذلك فغضب النبي ﷺ حتى تمعر وجهه و قال إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْت وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقْت وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي و غضب النبي ﷺ على عمر اشتد غضبه حتى خشي أبو بكر على عمر من غضب النبي ﷺ فجعل يخفف من غضبه و قال يا رسول الله أنا أظلم أنا أظلم أنا الظالم أنا أظلم مرتين أو ثلاثا , وهذا فيه بيان فضل الصديق و منزلته , و الصحابة أفضل الناس , حصل بينهما شيء فقال أبو بكر لعمر : استغفر لي , و هذا هو الشاهد أنه طلب منه أن يغفر له.

 (و ثبت أن قوما كانوا يسترقون) يعني يطلبون الرقية (و كان النبي ﷺ فيهم).

(المتن)

وثبت أن أقواما كانوا يسترقون و كان النبي ﷺ يرقيهم .

(الشرح)

يسترقون يطلبون الرقية يعني يقولون ادع الله لي فيأتي النبي ﷺ يقرأ عليهم يرقيهم فأقرهم النبي ﷺ و لم ينهاهم عن ذلك .

(المتن)

و ثبت في الصحيحين أن الناس لما أجدبوا و سألوا النبي ﷺ أن يستسقي لهم فدعا الله لهم حتى سقوا , وفي الصحيح أيضا أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس فدعا فقال ( اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا و إنا نتوسل إليك بعم نبينا فأسقنا ) فيسقون، و في السنن أن أعرابيا قال للنبي ﷺ جهدت الأنفس و جاع العيال وهلك المال فادع الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك , فسبح رسول الله ﷺ حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه و قال : ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك فأقره على قوله إنا نستشفع بك على الله وأنكر عليه قوله نستشفع بالله عليك لأن الشافع يسأل المشفوع إليه للمشفوع له والعبد يسأل الله و يستشفع إليه و الرب تعالى لا يسأل العبد و لا يستشفع إليه والله أعلم.

(الشرح)

يقول المؤلف : (وثبت في الصحيحين أن الناس لما أجدبوا) أصابهم الجدب و الجدب هو القحط و عدم نزول المطر (سألوا النبي ﷺ أن يستسقي لهم فدعا الله لهم حتى سقوا) و الحديث رواه الشيخان البخاري و مسلم فيه أن الناس لما أصابهم الجدب سألوا النبي ﷺ هذا من سؤال المخلوق الذي أجازه النبي ﷺ سؤال المخلوق يجوز تارة و ينهى عنه تارة هذا من الأمور الجائزة لما حصل لهم جدب (سألوا النبي ﷺ أن يستسقي لهم) يعني أن يسأل الله أن يسقيهم المطر (فدعا الله لهم فسقوا و كذلك ثبت في الصحيحين أن عمر استسقى بالعباس) استسقى بالعباس (فدعا) و هذا أيضا رواه البخاري في صحيحه فاستسقى بالعباس يعني بدعاء العباس في زمان عمر أصاب الناس جدب فاستسقى بالعباس و طلب منه أن يدعو فقال عمر : (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا و إنا نتوسل إليك بعم نبينا) ثم قال قم يا عباس فادع الله فدعا العباس و هم يأمنون فسقي الناس فسقاهم الله تعالى ,  (و في السنن أن أعرابيا قال للنبي ﷺ جهدت الأنفس وجاع العيال وهلك المال فادع الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك، فسبح رسول الله ﷺ حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه وقال : ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك هذا الحديث رواه أبو داود في كتاب السنة و في الجهمية و الدارمي في الرد على الجهمية و رواه أيضا الآجري في الشريعة و البيهقي و الطبراني كما ذكر المحقق و الحديث في سنده محمد بن إسحاق و هو مدلس و قد عنعن محمد بن إسحاق ثقة , ضعفه بعض العلماء و حسنه آخرون مثل شيخ الإسلام بن تيمية حسنوه لأن له شواهد , له شواهد له وابن القيم وجمع و بعضهم ضعفه لأن في سنده محمد بن إسحاق و محمد بن إسحاق ثقة إلا أنه مدلس عنعن هو صرح بالسماع و زال المحذور لكن المؤلف شيخ الإسلام و غيره حسنوا الحديث لأنه له شواهد و الشاهد من الحديث أن الأعرابي الذي جاء إلى النبي ﷺ و قال : جهدت الأنفس يعني أصابها الجهد و التعب , و جاع العيال و هلك المال و كل ذلك من قلة المطر فادع الله لنا يخاطب من ! الرسول عليه الصلاة و السلام فإنا نستشفع بك الله و نستشفع بالله عليك , فسبح رسول الله ﷺ حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه أنكر عليه قوله : و نستشفع بالله عليك و أقر قول نستشفع بك الله , نستشفع بك على الله يعني نتوسل بدعائك إلى الله و نستشفع بالله عليك يعني نجعل الله وسيلة إليك و هذه أنكرها الرسول عليه الصلاة و السلام قال : ويحك, ويحك , سبح النبي ﷺ حتى عرف قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم , فالأعرابي أتى بجملتين جملة أقرها النبي ﷺ و جملة أنكرها , الجملة التي أقرها قوله : نستشفع بك على الله يعني نتوسل بك إلى الله بدعائك إلى الله هذه لا بأس , والجملة الثانية أنكرها فقال : نستشفع بالله عليك يعني نتوسل بالله عليك هذا غلط و لهذا أنكرها , سبح النبي ﷺ فقال :  ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه شأن الله أعظم 

قال المؤلف تعليق على الحديث : (فأقره على قوله إنا نستشفع بك على الله) أقره بقول إنا نتوسل بك إلى الله , (وأنكر عليه قوله نستشفع بالله) عليك لماذا ! قال : (لأن الشافع يسأل المشفوع إليه للمشفوع له) الشافع يسأل المشفوع الرسول ﷺ شافع يسأل الله للمشفوع له و هم الخلق أن يغيثهم , لكن هل يمكن أن تسأل الله في أن يشفع عند الرسول عليه الصلاة و السلام لا يمكن هذا و لهذا أنكر عليه قوله : نستشفع بالله عليك و أقره عليه قال (لأن الشافع يسأل المشفوع إليه) للمشفوع له فالرسول شافع و الله مشفوع إليه و العباد مشفوع لهم فالرسول شافع يشفع عند الله أما قوله : نستشفع بك على الله , جعل الرب شافع و جعل الرسول مشفوع إليه و هذا خطأ أنكرها , أنكرها عليه و قال ويحك إن الله لا يستشفع به على أحد من خلقه و العبد يسأله الله و يستشفع إليه و الرب تعالى لا يسأل العبد أحد ليس فوقه أحد الرب لا يسأل العبد ولا يستشفع إليه الله تعالى ليس فوقه أحد و هو يُسأل و لا يسأل أحد و بالمناسبة : أن هناك بعض العامة إذا سألته و كذا قال : الله يسأل عن حالك , الله ينشد عن حالك , هذا خطأ الله ما يسأل أحد و الله تعالى لا تخفى عليه خافية بعض الناس عن حسن نية يقول : الله يسأل عن حالك , هذا خطأ هذه من الأخطاء الشائعة الله لا يسأل عن أحد لأنه لا تخفى عليه خافية , المخلوق هو الذي يسأل لأنه يخفى عليه أما الله فلا يسأل أحدا.

(المتن)

و أما زيارة القبور المشروعة فهي أن يسلم على الميت و يدعو له بمنزلة الصلاة على جنازته كما كان النبي ﷺ يعلم أصحابه إذا زاروا القبور و أن يقولوا : السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين و إنا إن شاء الله بكم لاحقون و يرحم الله المستقدمين منا و منكم و المستأخرين نسأل الله لنا و لكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا بعدهم وروي عن النبي ﷺ أنه قال ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله روحه إليه حتى يرد عليه السلام والله تعالى يثيب الحي إذا دعا للميت المؤمن كما يثيبه إذا صلى على جنازته و لهذا نهى نبيه ﷺ أن يفعل ذلك بالمنافقين في قوله وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ فليس في الزيارة الشرعية حاجة الحي إلى الميت و لا مسألة له و لا توسله به بل فيها منفعة الحي للميت كالصلاة عليه و الله تعالى يرحم هذا و يثيب على عمله و يرحم هذا بدعاء هذا و إحسانه إليه فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له

(الشرح)

هذا البحث في زيارة القبور , زيارة القبور المشروعة و زيارة القبور كما سبق زيارة على ثلاثة أقسام زيارة شرعية و زيارة بدعية و زيارة شرعية فالزيارة الشركية هي أن يزور الميت و يصرف له نوعا من أنواع العبادة يزوره و يدعوه من دون الله و يزوره و يذبح له من دون الله أو يزوره و ينذر له هذا شرك هذه زيارة شركية.

 والثاني زيارة بدعية و هي أن يزوره و يفعل عنده عبادة ليس مشروعة كأن يزور الميت و يصلي لله عند قبره هذه وسيلة للشرك بدعة أو يزور الميت و يقرأ القرآن عنده هذا وسيلة للشرك يزور الميت و يجلس عنده و يقرأ عليه سورة يس كاملة هذه بدعة لأن الشيطان يتدرج الإنسان يصلي الآن لله يقول أنا أصلي لله عند القبر لأنه يعتقد أن الصلاة عند القبر فيها فضل فتجده أولا يصلي لله ثم يتدرج به الشيطان حتى يصلي للميت فهذه زيارة بدعية.

 و أما الزيارة الشرعية فهي أن تزور الميت و تدعو له و تنصرف فالزيارة الشرعية لها فائدتان فائدة للحي  فائدة للميت فائدة الحي بأن يرق قلبك و أن تتذكر الآخرة و فائدة الميت بأن تدعوا له و تشفع له عند الله و أما الكافر فإنه يزار أيضا  لكن لا يدعا له تزور الكافر حتى يرق قلبك و تتذكر الآخرة ولا تدعو له , المؤلف رحمه الله : (و أما زيارة القبور المشروعة) هذه الزيارة الشرعية (فهي أن يسلم على الميت و يدعو له) يقول السلام عليك يا فلان و رحمة الله و بركاته غفر الله لك و رحمك اللهم اغفر له اللهم ارحمه فهي أن يسلم على الميت و يدعو له , السلام عليك يا فلان و رحمة الله و بركاته غفر الله لك و رحمك اللهم اغفر له اللهم ارحمه , (بمنزلة الصلاة على جنازته) كما أنك إذا صليت على الميت صلاة الجنازة تقوم في الثالثة ماذا تقول : اللهم اغفر له و ارحمه و عافه و اعف عنه تدعو له (كما كان النبي ﷺ يعلم أصحابه إذا زاروا القبور) أن يدعو له (أن يقولوا السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين و إنا إن شاء الله بكم لاحقون و يرحم الله المستقدمين منا و منكم و المستأخرين نسأل الله لنا و لكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا بعدهم ) هذا تعليم من النبي ﷺ لنا إذا زرنا القبور أن ندعو للميت هذه الزيارة الشرعية. والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه و زيادة اللهم لا تحرمنا أجرهم و لا تفتنا بعدهم  رواه لإمام أحمد.

(وروي عن النبي ﷺ أنه قال ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه إليه حتى يرد عليه السلام ) و هذا الحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان و ابن أبي الدنيا و ابن عبد البر و الخطيب البغدادي و ابن الجوزي في العلل المتناهية كما ذكر المحقق , فهذا فيه دليل على أن الميت إذا مر الرجل بقبر الميت و سلم عليه فإن الله يرد إليه روحه حتى يرد عليه السلام.

(والله تعالى يثيب الحي إذا دعا للميت المؤمن) لماذا ! لأنه أحسن إليه و من أحسن إلى مؤمن أثابه الله , الله تعالى يثيبك إذا دعوت للميت أنك أحسنت إلى أخيك و من أحسن أحسن الله إليه (كما يثيبه إذا صلى على جنازته) إذا صليت على جنازة كان لك أجر كان القيراط من صلى على ميت كان له قيراط فأنت مثاب إذا صليت على الميت و أن تدعو للميت و إذا زرت قبره و دعوت له أيضا مثاب لك أجر فالميت يستفيد و أنت تستفيد لك أجر و الميت يستفاد من دعواتك.

أما الكافر فلا يدعا له و لا يصلى عليه قال : (ولهذا نهى نبيه ﷺ أن يفعل ذلك بالمنافقين في قوله وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ نهاهم عن الصلاة و نهاهم عن القبر ما هي العلة اقرأ التي بعدها قال إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ فالعلة في النهي عن الصلاة و الدعاء الكفر فالكافر لا يصلى عليه و لا يقام عند قبره و المؤمن يصلى عليه و يدعى لقبره.

 قال المؤلف رحمه الله : (فليس في الزيارة الشرعية حاجة الحي إلى الميت و لا مسألته له و لا توسله به بل فيها منفعة الحي للميت كالصلاة عليه و الله تعالى يرحم هذا و يثيب على عمله و يرحم هذا بدعاء هذا و إحسانه إليه) الزيارة الشرعية أن تزور الميت و تدعو له تنصرف هل أنت محتاج إلى الميت لا لست محتاجا إلى الميت هو محتاج إليك هو محتاج إليك تدعو له فالذي يدعو صاحب القبر و يقول يا فلان أغثني يا فلان كذا معناه جعل نفسه محتاجا إليه صار يدعوا الميت و يطلب منه قضاء حاجته و هذا باطل هذا شرك لكن الميت هو محتاج إليك بأن تدعو له و لهذا قال (فليس في الزيارة الشرعية حاجة الحي إلى الميت و لا مسألته له و لا توسله به بل فيها منفعة الحي للميت كالصلاة عليه) كما أن الصلاة عليه فيها منفعة له (و الله تعالى يرحم هذا و يثيبه على عمله) يرحم هذا يعني الحي و يثيبه على عمله حيث نفع أخاه المسلم بالدعاء له (ويرحم هذا) أي الميت (بدعاء هذا و إحسانه إليه فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له هذا رواه الإمام مسلم في كتاب الوصية، و الشاهد من الحديث قوله أو ولد صالح يدعو له إذا الميت يستفيد من الولد الصالح الذي يدعو له و يستفاد أيضا من غيره هذا كله من الدعاء و في بيان أن الزيارة الشرعية هي أن يزور الميت و يدعو له و يتذكر الآخرة و يلين قلبه و الميت ينتفع .

................................................................

(سؤال)

هل هناك فرق بين قول من يقول: إن شفي مريضي فللولي الفلاني علي كذا و قوله إن شفى الله مريضي فللولي الفلاني علي كذا !؟

(الجواب)

العبارة واحدة المعنى واحد هذا يكون نذرا لغير الله شرك , إن شفى الله مريضي فلفلان علي كذا و كذا مثلا لأذبحن خروفا على روح فلان أو لأتصدق على روحه هذا شرك لأنه نذر لغير الله مثل قوله إن شفى الله مريضي أو لأن شفي مريضي فإن لفلان علي كذا و كذا هذا شرك لأنه نذر لغير الله و من نذر لغير الله فقد أشرك لأنه صرف العبادة لغير الله .

(سؤال)

على القول بأن ( أل) استغراقية و بأن المحامد كلها لله  في قوله الحمد  فهل إذا حمد الإنسان شخصا يكون قد أشرك في هذا !؟

(الجواب)

( أل ) الاستغراق جميع المحامد فيها ملك لله و مستحقة له كما يليق و لكن المخلوق نعم يمدح بما يليق به يمدح و يحمد بما يليق به و لكن المحامد كمالها على وجه الكمال هي ملك لله و مستحقة له و مستغرقة له .

(سؤال)

ذكرتم أن مخاطبة الميت غير جائزة و نداء الميت لا تجوز فما حكم  قول بعضهم : فداك أبي و أمي يا رسول الله؟

(الجواب)

هذا ليس خطابا و ليس دعاء له و ليس طلبا و إنما يفديه، يفديه و يقدمه على أبيه و أمه في المحبة والتفدية و ليس دعاء له، ما طلب منه شيئا و إنما يفديه و مثله قول المصلي في التشهد السلام عليك أيها النبي و رحمة الله هذا استحضار و ليس دعاء يستحضر هذا في نفسه , أفديك بأبي و أمي يعني أقدمك , أقدم محبتك على أبي و أمي و لم يطلب منه شيئا خلاف لمن يقول يا رسول الله أغثني يا رسول الله فرج كربتي يا رسول الله اشفع لي طلب منه أنت ما طلبت منه شيئا تفديه تقدم محبته تفيده ما في دعاء ولا طلب .

(سؤال)

تقسيم التبرك الشركي إلى أكبر و أصغر على التفصيل المذكور ألا يشكل عليه حديث ذات أنواط و جعل النبي ﷺ طلب البركة منه منها مشابه لطلب بني إسرائيل في اتخاذ الآلة و عليه فيكون التبرك كله شرك أكبر !؟

(الجواب)

الصحابة الذين أسلموا حديثا مروا بالمشركين الذين لهم شجرة يتعلقون بها و يعلقون بها أسلحتهم يطلبون  منها البركة يعبدونها من دون الله و هذا شرك أكبر و لكن الصحابة لم يفعلوا الشرك فلما زجرهم النبي ﷺ و نهاهم انتهوا فالمشركون يعبدون و يتعلقون بها و يطلبون منها البركة .

(سؤال)

هل شروط الشفاعة المذكورة محصورة في الإذن و الرضا أم تصح الزيادة عليها كمن يزيد في المشفوع له أن يكون مسلما و أن يكون ذلك في مقدور الشافع , نرجو التوضيح مأجورين!؟

(الجواب)

لا يحتاج، هذان الشرطان كافيان الشرط لأول : إذن الله للشافع و الشرط الثاني : أن يرضى الله عن المشفوع له و الله لا يرضى إلا عن الموحد و لا يحتاج هذا , الله لا يرضى إلا عن الموحد و لا يأذن الله لأحد أن يشفع لمشرك و لا حاجة وما ذكره السائل داخل في ضمن هذين الشرطين , الشرطان كافيان أن يأذن الله للشافع و لا يمكن أن يأذن الله لأحد أن يشفع لمشرك و كذلك المشرك لا يرضى الله قوله و عمله , إذن الله للشافع أن يشفع و رضاه عن المشفوع له و لا يمكن أن يرضى عن المشرك فالشرط الذي ذكره السائل داخل في ضمن الشرطين .

(سؤال)

لو أن سائلا سأل قارئا أن يقرأ على والده أو والدته فهل يدخل هذا في حديث ولا يسترقون !؟

(الجواب)

نعم لا يطلب من أحد أن يرقيه لأنه حينما طلب أن يرقى من غيره سأل المخلوق فيه سؤال للمخلوق و سؤال المخلوق خلاف الأولى فالسبعون ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا تميل قلوبهم إلى أحد لا يطلبون من أحد من مخلوق شيئا و إن كان جائزا خلاف الأولى لأنهم وصلوا إلى درجة عالية بحيث أن نفوسهم و قلوبهم لا تتعلق إلا بالله و من سأل مخلوقا مال إليه شعبة من قلبه و إن كان جائزا .

(سؤال)

ما صحة قول القائل في الذين لا يكتوون أن المراد به أنهم لا يطلبون الكي قبل وقوع المرض !؟

(الجواب)

لا ليس بصحيح , لا يكتوون حتى بعد وقوع المرض و المعنى أنهم يجتنبون الأسباب التي فيها المكروهة و هذا مكروه لما فيه من التعذيب لكن إذا تعينت طريقا للشفاء فلا بأس هي جائزة لكن كما يقال آخر الطب الكي و لهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح عند الإمام البخاري الشفاء في ثلاث: شربة من عسل، أو كية من نار، أو شرطة من حجامة فالكي جائز لكن إنما يكون معلوما أن الكي بعد نزول المرض و إذا تعين طريقا للشفاء جاز فإنه لا يمنع .

(سؤال)

 ما حكم قول القائل توكلت على الله ثم على فلان !؟

الجواب :

لا يجوز هذا و إن كان قادرا التوكل فيه ميل القلب إلى المتوكل عليه فهذا ممنوع و لو كان حيا قادرا و لهذا ذكر العلماء أن التوكل نوعان النوع الأول شرك أكبر و هو أن يتوكل على غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله كالذين يتوكلون على الأموات في رجاء مطالبهم أو نصرهم أو حفظ أو شفاعة والثاني شرك أصغر و هو أن يتوكل على المخلوق فيما يقدر عليه كأن يتوكل على أمير أو سلطان لجلب منفعة أو دفع مضرة لما فيه من ميل القلب إلى غير الله و أما الرجاء فلا بأس ترجوا تقول يا فلان أرجوك أن تقضي حاجتي أرجوك أن تساعدني لا بأس أما التوكل فهو أقوى من الرجاء لميل القلب , فلا تتوكل إلا على الله فيقول : توكلت على الله.

وفق الله الجميع إلى طاعته و ثبت الله الجميع و صلى الله و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد