شعار الموقع

شرح كتاب منسك شيخ الإسلام_4

00:00
00:00
تحميل
4

(المتن)

الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين يا رب العالمين، قال الإمام شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية رَحْمَةِ اللَّه تعالى في منسكه:

والسنة أن يبيت بمزدلفة إلى أن يطلع الفجر فيصلى بها الفجر في أول الوقت ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يسفر جده قبل طلوع الشمس، فإن كان من الضعفة كالنساء والصبيان ونحوهم، فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر.

ولا ينبغي له القوة أن يخرج مزدلفة حتى يطلع الفجر، فيصلي بها الفجر ويقفوا بها ومزدلفة كلها موقف, لكن الوقوف عند قزح أفضل وهو جبل المقيدة, وهو المكان الذي يقف فيه الناس اليوم وقد بُنِى عليه مسجد يخص باسم المشعر الحرام.

(الشرح)

الحمد الله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال المؤلف رَحْمَةِ اللَّه تعالى: والسنة أن يبيت، يعني: الحاج، بمزدلفة إلى أن يطلع الفجر فيصلى بها الفجر في أول وقتها، وذلك حتى يتسع الوقت للوقوف.

كما ثبت في الصحيح البخاري عن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: «ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاةً لغير ميقاتها إلا الفجر يوم مزدلفة وإلا العشاء ليلة مزدلفة»، ما صلى صلاة لغير ميقاتها، يعني: قبل ميقاتها المعتاد وليس المراد قبل دخول الوقت؛ لأنه ♥ كان من عادته أن يؤذن بلال ثم يضطجع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على شقه الأيمن فيأتيه بلال يؤذنه ثم يقوم فيصلي السنة الراتبة ينتظر بعض الشيء.

لكن في ليلة المزدلفة بادر مبادرةً شديدة بعض طلوع الفجر، من حين أنشق الفجر فصلى الفجر، ولهذا المؤلف قال: «ما رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاةً لغير ميقاتها إلا الفجر يوم عرفة»، ولذلك والحكمة من ذلك حتى يتسع وقت الوقوف؛ لأن الوقوف من طلوع الفجر إلى الإسفار فيتسع الوقوف فلو تأخر يعني ضاق الوقت، فلهذا السنة المبادرة في صلاة الفجر من حين ينشق الفجر، وليس المراد أنها تصلى قبل أوقاتها فإن الصلاة لا تصح قبل وقتها.

قال اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، يعني: مفروضة في الأوقات، وكذلك المغرب يوم ليلية العيد فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع بعد غروب الشمس وصلى المغرب مع العشاء حين وصوله إلى مزدلفة في غير وقتها؛ لأنها تجمع مع العشاء, والسنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء من حين وصله إلى مزدلفة سواءً صلاها في وقتها الأولى أو وقتها الثانية.

قال: ثم يقف بالمشعر الحرام إلى أن يسفر جده قبل طلوع الشمس، والمراد بالوقوف هنا الدعاء استقبال القبلة والدعاء ورفع اليدين ترفع اليدين في هذا الموطن من المواطن الستة التي تُرفع فيها اليدين في الحج، وسواءً كان وافقًا أو جالسًا.

ومزدلفة تسمى بالمشعر الحرام، وتسمى مزدلفة: لازدلاف الناس، وتسمى جمع: لاجتماع الناس فيها كلها أسماء لها، تسمى المشعر الحرام وتسمى مزدلفة وتسمى جمع.

فإذا أسفر جده قبل طلوع الشمس دفع إلى منى، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما سبق خالف هديه هي المشركين؛ فإن المشركين كانوا ما يدفعون مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، إذا أشرق الشمس على الجبال دفعوه، ويقولون مقالتهم المشهورة: "أشرق فبير كما نغير"، فبير: جزع جبل هناك، كما أن هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالف هدي المشركين في دفع من عرفة، فإنهم يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، إذا صارت الشمس فوقت رؤوس الجبال كعمائم الرجال دفعوا.

فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالفهم فلم يدفع حتى غابت الشمس واستحكم غروبها وغاب القرص، وقال: خالف هدينا هدي المشركين، قال المؤلف: فإن كان من الضعفة والنساء والصبيان ونحوهم، فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر.

وذلك لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص لابن عباس في الدفع مع ضعفة أهله آخر الليل، وكذلك رخص لسوده رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وكانت امرأة ثبطه ثقيلة، وقالت عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها: تمنت أنها استأذنت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما استأذنت سوده رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها، فهؤلاء قال: فإن كان من الضعفة والنساء والصبيان ونحوهم، فإنه يتعجل من مزدلفة إلى منى إذا غاب القمر.

وذلك قبل خطبة الناس فهم يدفعون ليرمون الجمرة آخر الليل قبل خطبة الناس، يعني: قبل زحمت الناس، وأما حديث ابن عباس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ابن عباس: «أدخلنا ويقول: لا يتم قبل طلوع الشمس» فهو حديث ضعيف منقطع برواية الحسن العُرني عن ابن عباس.

لأن الحكمة من دفعه أن يرموا قبل خطبة الناس، فكيف تقول: لا ترموا إلا بعد طلوع الشمس، وهو حديث منقطع عند أهل العلم فعل هذا الضعفة من النسا والصبيان والكبار والمرضى كل هؤلاء يتعجلون ويرمون قبل طلوع الشمس.

قال المؤلف: ولا ينبغي له القوة أن يخرج مزدلفة حتى يطلع الفجر، فيصلوا بها الفجر ويقفوا بها، "لا يبغي له القوة" يعني: الأقوياء من الرجال أن يخرجوا من مزدلفة حتى يطلع الفجر لا ينبغي، هكذا ذكر المؤلف رَحْمَةِ اللَّه وقرر في هذا أن الضعفة هم الذين يدفعون والأقويان لا يدفعون قر هذا لعله ابن القيم رَحْمَةِ اللَّه في (زاد المعاد)، وذلك أن سوده بعد ذلك تقول لمولها:إذا حجت هل غاب القمر؟ فإذا قال: غاب القمر دفعته.
والدفع بغيبوبة القمر وليس المراد بنص الليل؛ لأن غيبوبة القمر ليلة العاشر تكون بعد مضي ثلثي الليل أكثر من نصف الليل، وأما الفقهاء من الحنابلة والشافعية وغيرهم فإنهم يرون الدفع بعد نصف الليل، قالوا: الدفع بعد نصف الليل لأن غيبوبة القمر تتحقق بنصف الليل، ويرون أنه يجوز الدفع لكل أحد الأقوياء وغيرهم.

ولكن يروا أن الأفضل للأقوياء ألا يتعجلوا وإن تعجلوا فلا حرج هذا قره الفقهاء في المسألة والمسألة فيها خلاف، كثير من الفقهاء يرون الدفع للجميع للأقوياء وغيرهم.

والقول الثاني: أنه لا يدفع إلا الضعفة، وهذا الذي اختاره المؤلف شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن القيم والجماعة وهذا هو الذي دلت عليه السنة أنه ما يدفع إلا الضعفاء؛ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رخص للضعفة، والرخصة لا تكون إلا بشيء واجب فلو لم يكن واجبًا لكان الرخصة للجميع.

وعلى كل حال، الفقهاء يرون الآن أنه لا بئس بالتعجل للجميع، قالوا: لا يتعجل فبل نصف الليل فإن تعجل قبل نصف الليل فعليه دم، ولا يجوز له أن يرمي قبل نصف الليل هكذا أقره الفقهاء، ولكن ينبغي للمسلم أن يعمل بالسنة وأن لا يدفع إلا بعد غيبوبة القمر إذا كان من الأقوياء، وإن كان من الضعفه ومن معهم فحكمه حكم من معهم حكمه حكمهم، فإنه إن كان من النساء أو من الأطفال أو من كبار السن ومن معهم حكمه حكمهم.

قال: فيصلوا بها الفجر ويقفوا بها، والوقوف كما سبق الجلوس ورفع اليدين للدعاء سواء كان واقفًا أو جالسًا، ومزدلفة كلها موقف, لكن الوقوف عند قزح أفضل وهو جبل المقيدة, يعني: جبل توقد عنده النار، وهو المكان الذي يقف فيه الناس اليوم وقد بُنِى عليه مسجد يخص باسم المشعر الحرام، يسمونه: المشعر.

والجبل هذا جبل صغير بُني عليه المسجد الآن، مسجد المزدلفة بُنيت على هذا الجبل الصغير هذا اسمه قزح وهو المكان الذي وقف فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنده، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: وقفت ها هنا وجمعٌ كلها موقف، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وقفت ها هنا، ولكن جمع كلها موقف أي مكان من أرض مزدلفة تستقل القبلة وتدعوا.

قد بني عليه البناء في زمن الشيخ رَحْمَةِ اللَّه والآن بني عليه المسجد وهو الذي يخصه كثير من الفقهاء باسم المشعل الحرام.

(المتن)

أحسن الله إليكم، فإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى فإذا أتى محسراً أسرع قدر رمية بحجر, فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ويرفع يده في الرمي الجمرة التي وهى آخر الجمرات من ناحية منى وأقربهن من مكة وهى الجمرة الكبرى ولا يرمى يوم النحر غيرها.

يرميها مستقبلا لها يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه هذا هو الذي صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها, ويستحب أن يكبر مع كل حصاة وإن شاء قال مع ذلك: "اللهم اجعله حجاً مبروراٌ وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً" ويرفع يديه في الرمي ولا يزال يلبي في ذهابه من مشعر إلى مشعر مثل ذهابه إلى عرفاتٍ وذهابه من عرفات إلى مزدلفة حتى يرمي جمرة العقبة, فإذا شرع في الرمي قطع التلبية فإن حينئٍذ يشرع في التحلل.

 (الشرح)

يقول: فإذا كان قبل طلوع الشمس أفاض من مزدلفة إلى منى، هذا هدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالف هدي المشركين الذين لا يُفضون إلا بعد الشمس، فإذا أتى محسراً، وهو وادي محسر أسرع قدر رمية حجر, لأنه مكان عذاب قيل أن هذا المكان الذي حُبس فيه الفيل وعُدم فيه أصحاب الفيل، وقيل إن المكان الذي حُبس فيه الفيل هو المغمس المهم يسرع قد رمية حجر اقتضاء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فإنه أسرع لما وصل أسرع السير.

فإذا أتى منى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ويرفع يده في الرمي، حتى يكون رمي يعني:ما يضعها وضعًا إذا أخذها ووضعها ما صار رمي، فالرمي لابد أن ترفع يدك، ترفعها وتقول: اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، يرفع يديه في الرمي، وهي الجمرة التي وهى آخر الجمرات من ناحية منى وأقربهن من مكة وهى الجمرة الكبرى وهي جمرة العقبة وهي الجمرة الكُبرى.

 ولا يرمى يوم النحر غيرها، لا يُرمى يوم النحر غير جمرة العقبة، يرميها مستقبلا لها يجعل البيت عن يساره ومنى، مستقبل لها؛ لأنها كانت من جهة واحدة كانت متكئة على الجبل الآن أُزيل الجبل كانت متكئة على الجبل ما كان تُرمى إلا من جهة واحدة الآن أُزيل الجبل ولهذا قال: يكون مستقبلًا لها، لو رماها من جهة الجبل ما صار مستقبلًا لها، مستقبلًا لها وإذا استقبل لها صارت منى عن يمينه ومكة عن يساره فيرميها.

قال: هذا هو الذي صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها, ويستحب أن يكبر مع كل حصاة، يقول: اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ ويرميها ويرفع يديه ما يأخذها ويضعها، إذا أخذها ووضعها ما صار رمي حتى يرى الرمي اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، يُكبر مع كل حصى، وإن شاء قال مع ذلك: "اللهم اجعله حجاً مبروراٌ وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً".

هذا ذكره الفقهاء ô يحتمل أنه ثابت, ويحتمل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلد فيه الفقهاء، ويرفع يديه في الرمي ولا يزال يلبي في ذهابه من مشعر إلى مشعر، يعني: بعد ما يحرم الحاج يوم ثمانية وكذلك القارن وفد لا يزال بالتلبية من مشعر إلى مشعر، مثل ذهابه إلى عرفه ويلبي، وذهابه من عرفات إلى مزدلفة ويلبي، حتى يرمي جمرة العقبة, فإذا شرع في الرمي قطع التلبية لِمَاذَا؟. قال: فإن حينئٍذ يشرع في التحلل، فلذلك يقطع التلبية.

(المتن)

أحسن الله إليكم، والعلماء في التلبية على ثلاثة أقوال:

 منهم من يقول: يقطعها إذا وصل إلى عرفة.

ومنهم من يقول: بل يلبى بعرفة وغيرها، أي لا أن يرمى الجمرة.

والقول الثالث: أنه إذا أفاض من عرفة إلى مزدلفة لبى وإذا أفاض من مزدلفة إلى منى لبى حتى يرمى جمرة العقبة وهكذا صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(الشرح)

يقول: العلماء في التلبية على ثلاثة أقوال:

 منهم من يقول: يقطعها إذا وصل إلى عرفة.

ومنهم من يقول: بل يلبى بعرفة وغيرها، أي لا أن يرمى الجمرة، هذا هو الذي قضاه الجمهور.

والقول الثالث: أنه إذا أفاض من عرفة إلى مزدلفة لبى وإذا أفاض من مزدلفة إلى منى لبى حتى يرمى جمرة العقبة، هذا الثالث هو الثاني ما ذكر القول الثالث.

القول الثالث: إذا أفاض من عرفة إلى مزدلفة لبى وإذا أفاض من مزدلفة إلى منى لبى حتى يرمى جمرة العقبة، والثاني حتى يرمي جمرة العقبة ما الفرق بينها؟ إلا أن أريد، يعني: إذا فاض من عرفة يُلبي ثم لا يلبي، وإذا أفاض لبى ثم لا يلبي حتى يرمي جمرة العقبة، وهكذا صح عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(المتن)

أحس الله إليكم، فصلٌ وأما التلبية في وقوفه بعرفة ومزدلفة, فلم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نُقل عن الخلفاء الراشدين وغيرهم أنهم كانوالا يلبون بعرفة, فإذا رمى جمرة العقبة نحره هديه إن كان معه هدي، ويستحب أن تُنحر الإبل مستقبلة القبلة قائمة معقولة اليد اليسرى, والبقر والغنم يضجعها على شقها الأيسر مستقبلاً القبلة ويقول: بسم الله و اللَّهِ أَكْبَرُ اللهم منك ولك, اللهم تقبل منى كما تقبلت من إبراهيم خليلك.

(الشرح)

التلبية في وقوفه بعرفة ومزدلفة, يقول: لم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد نُقل عن الخلفاء الراشدين وغيرهم أنهم كانوالا يلبون بعرفة, يعني: إنما يلبون إذا دفعوا من عرفة إلى مزدلفة وإذا دفعوا من مزدلفة في الطري، وأما وقت الوقوف فلا يلبون والأمر في هذا واسع إذا لبى في وقوف عرفة أو قرأ شيئًا من القرآن فلا حرج.

 فإذا رمى جمرة العقبة نحره هديه إن كان معه هدي، وهذا هو الأفضل أن يكون النحر قبل التقصير ربتها أعمال يوم العيد،رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي ثم الحلق أو التقصير ثم الطواف أو السعي هكذا أعمال يوم العيد، ولهذا سُمي يوم العيد وهو يوم الحج الأكبر في معظم أعمال الحج، فهذا هو الأفضل، والأحناف يجب عليه الترتيب وإذا خل بالترتيب عليه دم عند الأحناف إذا قدم بعضها على بعض عليه دم، والجمهور: أنه لا بأس النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما سؤل عن شيء قدم ولا أُخر وقال: افعل ولا حرج.

وقف للناس يوم النحر، قائلٌ قال: نحرت قبل أن أرمي الحجر قال: ارمي ولا حرج، حلقت قبل أن انحر، قال: أنحر ولا حرج، وما سُؤل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: لا حرج لا حرج، لكن الأفضل الترتيب.

قال: ويستحب أن تُنحر الإبل مستقبلة القبلة، وإن نحرها غير القبلة صح، والإبل تنحر قائمة معقولة اليد اليسرى, يضربها في وهدها بين أصل العنق والصدر فإذا سقطت أجزع عليه، وأما الغنم والبقر يضجعها على شقها الأيسر مستقبلاً القبلة ويقول: بسم الله و اللَّهِ أَكْبَرُ اللهم منك ولك, "منك" أنت الذي أعطيتني ورزقتني يا رب، "ولك" يعني: أتقرب به إليك، اللهم تقبل منى كما تقبلت من إبراهيم خليلك.

(المتن)

أحسن الله إليكم، وكل ما ذُبِح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم فإنه هدي، سواءٌ كان الإبل أو البقر أو الغنم ويسمى أيضاً أضحية بخلاف ما يذبح يوم النحر بالحل فإنه أضحية وليس بهدي، وليس من منى ما هو أُضحيةٌ وليس بهدي كما في ثائر الأمصار فإذا اشترى الهدي من عرفات وساقه إلى منى فهو هدي باتفاق العلماء.

وكذلك إذا إن اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم، وأما إذا اشترى الهدى من منى وذبحه فيها ففيه نزاع, فمذهب مالك أنه ليس بهدي وهو منقول عن ابن عمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ومذهب الثلاثة أنه هدي وهو منقول عن عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها.

(الشرح)

 وكل ما ذُبِح بمنى وقد سيق من الحل إلى الحرم فهذا هدي، يعني: إذا ساقه من الحل يعني: من خارج الحرم حتى ولو من التنعيم، التنعيم من خارج الحرم إذا ساق الهدي من الحل إلى الحرم هذا يُسمى هدي سواءٌ كان الإبل أو البقر أو الغنم ويسمى أيضاً أضحية، يُسمى أُضحية ويسمى هدي.

 بخلاف ما يذبح يوم النحر بالحل فإنه يسمى أضحية هؤلاء الأمصار يذبحون الضحايا ولا يسمى هدي، وليس من منى ما هو أُضحيةٌ وليس بهدي، كل ما منى يسمى أضحية ويمسى هدي كما في ثائر الأمصار فإذا اشترى الهدي من عرفات وساقه إلى منى فهو هدي باتفاق العلماء، من عرفات إلى الحرم من الحل.

وكذلك إذا إن اشتراه من الحرم فذهب به إلى التنعيم فهو هدي، وأما إذا اشترى الهدى من منى وذبحه فيها من الحرم إلى الحرم ففيه نزاع هذا يسمى هدي أو لا؟, فمذهب مالك أنه ليس بهدي وهو منقول عن ابن عمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ومذهب الثلاثة أنه هدي وهو منقول عن عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها, والأقرب أنه هدي كل ما يُذبح بها يسمى هدي.

(المتن)

أحسن الله إليكم، وله أن يأخذ الحصى من حيث شاء لكن لا يرمى بحصى قد رُمي به, ويستحب أن يكون فوق الحمص ودون البندق وإن كسره جاز, والتقاط الحصى أفضل من تكسيره.

 ثم يحلق رأسه أو يقصره والحلق أفضل من التقصير وإذا قصره جمع الشعر وقص منه بقدر الأنملة أو أقل أو أكثر, والمرأة لا تقص أكثر من ذلك، وأما الرجل فله أن يقصره ما شاء، وإذا فعل ذلك فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول, فيلبس الثياب ويقلم أظفاره وكذلك له على الصحيح أن يتطيب ويتزوج وأن يصطاد، ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء.

(الشرح)

يقول: له أن يأخذ الحصى من حيث شاء، يعني: من الحرم هذا هو الأصل أن الحصى يؤخذ من الحرم يعني: من مكة أو منى أو مزدلفة، ولا يأخذه من الحل هذا كما أقره الفقهاء ما يأخذ الحصى من عرفات أو يأخذ الحصى من التنعيم أو من الطائف لا! يكون من الحرم، له أن يأخذ الحصى من حيث شاء يعني: من الحرم.

 لكن لا يرمى بحصى قد رُمي به, هذا المؤلف رَحْمَةِ اللَّه مشى على ما مشى عليه الفقهاء، العلماء يقلون: لا يرمي بحصى قد رُمي به لِمَاذَا؟. قالوا: لأنه أستعمل في عبادة كالماء، والماء الذي أستعمل في عبادة ما فيه مانع توضأ الآن وتجمع الماء تتوضأ به مرة ثانية فلا بأس على الصحيح، لكن الفقهاء يقولون: هذا ما يجزي في الوضوء لكن يجزي في الشرب وفي الطعام وفي غسل الثياب إذا جمعت الماء الذي توضأت فيه أستعمل في العبادة فلا يرفع الحادث مرة أخرى، وكذلك الحصى الذي رمي به لا يرمى مرة أخرى أستعمل في العبادة.

الماء الذي توضأت فيه تجمعه أستعمل في العبادة، يقولون: هذا طاهر وليس بطهور، ولكن الذي أقره جمع من المحققين أنه لا بأس به تتوضأ به مرة أخرى، وكذلك الحصى لو استعملته في مرة أخرى قره هذا الشيخ محمد بن العثيمين رَحْمَةِ اللَّه وجمع، كان المؤلف رَحْمَةِ اللَّه في بعض منسكه مشى على ما مشى عليه الفقهاء، وذكر إنه قال: كتبة منسك في أوائل عمري وقلدت فيه غير من العلماء مثل هذه الأشياء قلد فيها رَحْمَةِ اللَّه، قال: لكن لا يرمي بحصًا قد رمي به.

هذا متابعة لما قره الفقهاء جمهور الفقهاء؛ لأنه لا يرمي بحصًا قد رمي به كما أنه لا يتوضأ بماءً تُوضأ به، مثل ما سبق في مواضع في التغليم مثل ما ذكر الدعاء هذا ذكر عند رؤية البيت كذلك هذا قلد فيه بعض الفقهاء، قال: ويستحب أن يكون فوق الحمص ودون البندق، يعني: حصى الجمار فوق الحمص ودون البندق كأن البندق أكبر، يعني: الحصى الذي يُرمى به فوق الحمص لكن أكبر من الحمص قليلًا مثل حبة الفول مثل بعر الغنم هذا هو الضابط.

قال العلماء ولا في ذي الصغيرة مثل حبة الحنة هذه صغيرة ما تجزي، ولا كبيرة جدًا ولا تكون كبيرة تكون متوسطة تقول: اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، وإن كسره جاز, والفقهاء يقولون: لا يكسره من الجبل والنبي يقول: لا بأس، والتقاط الحصى أفضل من تكسيره من الجبل ويرميها بهدوء واستشعار يستشعر أنه عبادة بسم الله والله أكبر، أما ما يفعله بعض العامة من كونه يرمي منفعلًا يشتم ويلطم ويرمي بحصًا كبار وبالنعال ويشتم الشيطان هذا من الجهل.

الشيطان ما في شيطان الآن، الآن في مشاعر صحيح أن الشيطان تعرض لإبراهيم عَلَيْهِ السَّلَامُ في أولًا لكن الآن فيه مشاعر وتكبير، قال النبي ♥: «إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة فرمي الجمار لإقامة ذكر الله»، ينبغي بهدوء اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، أما كونه يشتم مثل بعض العامة يقول: أيها الملعون أيها كذا أيها كذا ويشتم ويلطم ويرمي بالحجارة هذا كله ينافي الأدب وهذا كله خلاف السنة هذه عبادة هذه مشاعر مثل ذكر الله.

قال العلماء: لا تجزي صغيرة جدًا مثل حبة الحنة، ولا تجزي كبيرة جدًا يأخذ واحدة مثل كبيرة مثلًا مثل الكرة بالبيد هذه ما تجزي كبيرة ولا تجزي صغيرة جدًا لابد أن تكون السنة مثل حبة الفول ومثل بعرة الغنم.

 ثم يحلق رأسه أو يقصره، بعد مَاذَا؟ بعد ذبح الهدي، يحلق رأسه يعني: أولًا يرمي ثم يذبح ثم يحلق هذا الترتيب ثم يحلق رأسه أو يقصر والحلق أفضل من التقصير، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا المحلقين ثلاثًا والمقصرين واحدة اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قال: يا رسول الله والمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين، قال: اللهم اغفر للمحلقين، قالوا: يا رسول الله والمقصرين، قال والمقصرين في المرة الرابعة.

فإذا أردت ثلاثة دعوات احلق رأسك، وإذا أدرت دعوة واحدة قصر كثيرًا من الناس ما يهون عليه يحلق رأسه ويمتنع ويأبى أشد الإباء، ما يمتنع أن يحلق رأسه احلقه لله يا أخي يقول: لا ما يمكن يقصر هذا لا شك أنه ينبغي للإنسان أن يقدم أمر الله وأمر رسوله على هوى النفس.

 وإذا قصره جمع الشعر وقص منه بقدر الأنملة، والأنملة هي رأس الأصبع أو أقل أو أكثر, والمرأة لا تقص أكثر من ذلك، المرأة إذا كان عمايل أو جدائل تأخذ من كل عميلة قدر رأس الإصبع، وإن كان ما هو عمايل تجمع الشعر وتأخذ قدر رأس الإصبع، وكذلك أو مدجراه تأخذ قدر رأس الإصبع وأما الرجل فإنه يقصر من جميع الجهات من هنا ومن هنا ومن هنا وإذا جمعه وأخذه منه فلا بأس سواء قل أو أكثر، نمرة أثنين كما يقولون، أو ثلاثة كل هذا من التقصير، أو جمعه وأخذ قليل أو كثير قدر الأنملة أو أكثر، لكن المرأة لا تزيد على قدر الأنملة لأن شعلها جمعٌ لها.

 وإذا فعل ذلك، يعني: رمى ثم ذبح يعني نحر ثم حلق تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول, الحاج له تحللان التحلل الأول والتحلل الثاني يسميه بعض العلماء التحلل الأصغر، الفرق بينهما أن التحلل الأول يحل له كل شيء إلا الزوجة فقط من النساء والتحلل الثاني تحل له الزوجة ولو كان في منى ولو بقي رمي الجمرة الزوجة له حلال لو بقي عليه الرمي، إذا رمى وحلق تحلل التحلل الأول، وإذا طاف مع السعي حلت له زوجته حل له كل شيء.

ويقلم أظفاره، فقد تحلل باتفاق المسلمين التحلل الأول ويلبس الثياب ويقلم أظفاره وكذلك له على الصحيح أن يتطيب ويتزوج، يتزوج يعني: يعقد النكاح بعد التحلل كان يرى أنه يعقد النكاح، والأقرب أنه لا ينبغي له أن يعقد حتى يتحلل الثاني؛ لأنه ممنوع من النساء وهذا وسيلة للزواج، قد يتساهل بعض الناس وتزوج ثم يدخل قبل أن يطوف، يتزوج وأن يصطاد، له أن يصطاد إذا كان خارج الحرم يحل له الصيد، يحل له الصيد ولو بقي عليه الطواف، يحل له الصيد ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء.

(المتن)

أحسن الله إليك، وبعد ذلك يدخل مكة فيطوف طواف الإفاضة إن أمكنه يوم النحر وإلا فعله بعد ذلك، لكن ينبغي أن يكون في أيام التشريق فإن تأخيره عن ذلك فيه نزاع.ثم يسعى بعد ذلك سعى الحج وليس على المفرد إلا سعى واحد وكذلك القارن عند جمهور العلماء.

 وكذلك المتمتع في أصح أقوالهم وهو أصح الروايتين عند أحمد، وليس عليه إلا سعيٌ واحد، فان الصحابة الذين تمتعوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة قبل التعريف, فإذا اكتفي المتمتع بالسعي الأول أجزأه ذلك كما يجزئ المفرد والقارن قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قيل لأبى: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين يعنى بالبيت وبين الصفا والمروة فهو أجود وإن طاف طوافاً واحداً فلا بأس وإن طاف طوافين فهو أعجب إليِّ.

وقال أحمد قال: حدثنا وليد بن المسلم، قال: حدثنا الأوزعي عن عطاء عن ابن عباس رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أنه كان يقول: "المفرد والمتمتع يجزئه طواف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة".

(الشرح)

 يقول المؤلف رَحْمَةِ اللَّه تعالى: وبعد ذلك يدخل مكة فيطوف طواف الإفاضة، يعني: بعد ما يرمي ثم ينحر ثم يحلق يطوف طواف الإفاضة قبل ذلك الأفضل أن يتطيب، يتطيب ويلبس ثيابه، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طيبته عائشة قبل أن يطوف بالبيت كما أنها طيبته عند الإحرام.

قالت:"طيبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت"، هذا هو السنة يلبس ثيابه ويتطيب ثم يدخل إلى مكة فيطوف طواف الإفاضة، إن أمكنه يوم النحر وإلا فعله بعد ذلك هذا هو الأفضل، الأفضل أن يكون يوم النحر وإلا فعله بعد ذلك فلا حرج.

وقد جاء في الحديث، أخذا بعض العلماء: «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى رجلين أمسيا يوم النحر ولم يطوفوا بالبيت، قال: طفتما بالبيت، قال: لا قال: عدتما حُرما كما كنتما، فلبس ثياب الإحرام مرة أخرى»، وأنه لابد أن يكون طواف الإفاضة يوم العيد، لكن هذا الحديث لم يقل به أحد كما قال: أصحاب المنكرة من أهل العلم، قال به الشيخ ناصر الدين الألباني رَحْمَةِ اللَّه وقر هذا في منسكه.

أن من لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد وغابت الشمس فإن عليه أن يلبس الإحرام، يعود حُرمًا، والصواب الذي عليه الجماهير أنه تحلل ويدل على القول العاشر طيبت ملابس الإحرام قبل ولحله، حل تحلل وهذا ما عليه جماهير أهل العلم ولم يقل أحدٌ بهذا الحديث كأن هذا خاص أو منسوخ، والصواب أنه لا يعود حرمًا وأنه يبقى حلال، وله أن يطوف والطواف وقت موثق.

 لكن ينبغي أن يكون في أيام التشريق، قال صاحب القراءة: أنه لم يقل به أحدٌ من أهل العلم، لكن ينبغي أن يكون في أيام التشريق، فإن تأخيره عن ذلك فيه نزاع، ينبغي أن يكون طواف الإفاضة يوم العاشر أو الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر فإن أخره ففيه نزاع، ولهذا ذهب الأحناف إلى أن عليه دم إذا أخر أيام التشريق فعليه دم، والصواب أنه ليس عليه الدم، لكن الاحتياط حسن،

قال: ثم يسعى بعد ذلك سعى الحج، لأن سعي الحج إنما يكون يوم العيد بعد طواف الإفاضة يسعى سعي الحج، ولكن المفرد له أن يسعى وكذلك القارن له أن يسعى سعي الحج مع طواف القدوم فإن أخره فلا بأس، وأما المتمتع فعليه سعيان، سعيٌ للعمرة مع طواف العمرة وسعيٌ للحج مع طواف الحج هذا الذي قره جمهور العلماء.

والقول الثاني: أن المتمتع لا يسعى إلا سعيٌ واحد وهو الذي قره المؤلف رَحْمَةِ اللَّه، قال: وليس على المفرد إلا سعى واحد، هذا بالاتفاق المفرد ليس عليه إلا سعي واحد هذا بالإجماع ما أحد يقول: المفرد عليه سعيان، وكذلك القارن عند جمهور العلماء، القارن الذي لبى بالحج والعمرة معًا، فالعمرة داخلة الحج وإذا دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ما عليه إلا طوافٌ واحد وسعي واحد.

طواف الحج والعمرة وسعي الحج والعمرة، هذا الذي قره جمهور العلماء وذهبوا الأحناف إلى أنه عليه طوافين وسعيين، خالف الأحناف فقال: القارن عليه طوافان وسعيان لكن هذا خلاف السنة فإن الصحابة الذي حجوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما طافوا إلا طواف واحد ولا سعوا إلا سعيًا واحد.

 قال المؤلف: وكذلك المتمتع في أصح أقوالهم، المتمتع أَيْضًا كما ذكر المؤلف ما عليه إلا سعيٌ واحد وهو أصح الروايتين عن أحمد، وليس عليه إلا سعيٌ واحد هكذا قال المؤلف رَحْمَةِ اللَّه، قال: المفرد ما عليه إلا سعيٌ واحد والقارن سعيٌ واحد والمتمتع سعي واحد ما في إلا سعيٌ واحد، طوافٌ واحد وسعيٌ واحد للجميع، لكن الصواب الذي عليه جمهور العلماء أن المتمتع عليه سعيان وطوافان فرق بينه وبين القارن، القارن عمرة داخلة في الحج لكن المتمتع منفصلة تمامًا يطوف ويسعى ويقصر وتحلل ويلبس ثيابه كيف يكون ما عليه إلا سعيٌ وحد؟

وهو قول رواية عن الإمام أحمد كما ذكر المؤلف اختارها المؤلف رَحْمَةِ اللَّه وقرها قال: وهو أصح الروايتين عن أحمد في كونه أصح الروايتين نظر وليس عليه سعيٌ قال: "فان الصحابة الذين تمتعوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يطوفوا بين الصفا والمروة إلا مرة واحدة قبل التعريف" يعني قبل قدومهم بعرفة، هذا قالته: عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها، لكن هذا محمول على القارنين لم يطوفوا إلا طائفة واحدة.

لم يطوف يعني: بين الصفا والمروة،السعي بين الصفا والمروة ثم طواف، قالت عائشة: ثم طاف الذين تمتعوا بالحج والعمرة طوافًا واحدًا أخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم، المؤلف رَحْمَةِ اللَّه قال: هذا الرواية فيها قول الزهري وليست مرفوعة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال المؤلف: فإذا اكتفي المتمتع بالسعي الأول أجزأه ذلك، يعني: عند المؤلف كما يجزئ المفرد والقارن، لكن الصواب أنه لا يجزئه، الصواب أنه لابد من سعي آخر، وكذلك قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قيل لأبى: المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة؟ قال: إن طاف طوافين، يعني: بالبيت وبين الصفا والمروة فهو أجود وإن طاف طوافاً واحداً فلا بأس وإن طاف طوافين فهو أعجب إليِّ.

إذا قر أنه أعجب إليِّ أن يطوف طوافين يعني: بين الصفا والمرة، وقال أحمد قال: حدثنا وليد بن المسلم، قال: حدثنا الأوزعي عن عطاء عن ابن عباس رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أنه كان يقول: "المفرد والمتمتع يجزئه طواف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة".

وقد اختلفوا الصحابة في المتمتعين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هل سعوا سعيًا آخر أو لم يسعوا اختلفوا، اختلفوا بالصحابة المتمتعين مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع اتفاق الناس على أنهم طافوا أولًا بالبيت طافوا في البيت ما في إشكال، وبين الصفا والمروة طافوا أولًا بالبيت طواف العمرة وسعوا بين الصفا والمرة سعي العمرة هذا بالاتفاق، لكن هل سعوا مرة أخرى أو لم يسعوا؟ هذا محل الخلاف.

قال: لوم رجعوا من عرفة قيل:أنهم سعوا أَيْضًا بعد طواف الإفاضة، فيكون هذا السعي للحج والسعي الأول للعمرة، وقيل: لم يسعوا، وهذا هو الذي ثبت في صحيح مسلم عن جابر قال: "لم يطف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه بين الصفا والمرة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول"، لكن الجمهور حملوا هذا على القارنين،النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن معه من القارنين لم يطوفوا بالصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا.

قد رُوي في حديث عائشة: أنهم طافوا مرة أخرى قالت: «فطاف الذين تمتعوا بين الصفا والمروة طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم هذا في حديث عائشة»، المؤلف حمل على هذا من قول الزهري، قد روي في حديث عائشة أنهم طافوا مرتين، لكن هذه الزيادة قيل: إنها من قول الزهري لا من قول عائشة.

والمسألة تحتاج إلى أَيْضًا جمع الطرق والنظر في الروايات هل ثبت أنه من قول عائشة أو من قول الزهري؟ المؤلف يقول: قيل، المؤلف أَيْضًا ما حقق المسألة قال:قيل إنها من قول الزهري لا من قول عائشة، وقد احتج بها بعضهم على أنه يستحب طوافان بالبيت هذا قول الجمهور، قالوا: هذا ضعيف والأظهر ما في حديث جابر هكذا المؤلف قر أن ... كونه ضعيف يحتاج إلى المراجعة لعلها تراجع إجماع النصوص في هذا والروايات وينظر.

قال المؤلف: والأظهر ما في حديث جابر، جابر هذا محمول على القارنين الذين سعوا سعيًا واحدًا ويؤيده قوله: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، فالمتمتع من حين أحرم للعمرة دخل في الحج، لكنه فُصل بتحللٍ ليكون أيسر على الحاج أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة، هكذا المؤلف رَحْمَةِ اللَّه يرى أن العمرة الداخلة في الحج ولو كانت مفصولة، والجمهور يرون أن هذا خاص بالعمرة القارن الذي يدخل العمرة في الحج، فلذلك القارن ليس عليه إلا سعيٌ احدًا، بخلاف المتمتع.

(المتن)

ولا يستحب للمتمتع ولا لغيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف بل هذا الطواف هو السنة في حقه كما فعل الصحابة رَضِيَ اَللَّهُ تعالى عَنْهُم مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،فإذا طاف طواف الإفاضة فقد حل له كل شيء النساء وغير النساء.

وليس بمنى صلاة بل رمي جمرة العقبة لهم كصلاة العيد لأهل الأمصار والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصل جمعة ولا عيداً في السفر لا بمكة ولا عرفة، بل كانت خطبته بعرفة خطبة نُسك لا خطبة جمعة ولم يجهر بالقراءة في الصلاة بعرفة.

(الشرح)

 وقوله: ولا يستحب للمتمتع ولا لغيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف، يعني: بعد أن يرجع من عرفة ليطوف طواف الإفاضة ما يطوف طواف القدوم بل يطوف طواف الحج ولا يحتاج إلى القدوم، القدوم في الطواف الأول حتى ولو كان لم يأتي إلى مكة إلا الآن، يكون يطوف طواف العمرة أو طواف الحج ويكفيه عن القدوم بعد التعليث بعد الرجوع من عرفة لا يستحب أن يطوف طواف للقدوم ثم طواف للحج لا! طواف واحد.

وهو طواف الركن وليس هناك طواف للقدوم، طواف القدوم أول ما يقوم به الإنسان من مكة قبل الحج قبل عرفة أما بعد عرفة ما في طواف القدوم، ولهذا قال المؤلف: ولا يستحب للمتمتع ولا لغيره أن يطوف للقدوم بعد التعريف بل هذا الطواف هو السنة في حقه كما فعل الصحابة مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

يُسمى هذا طواف الإفاضة، يسمى طواف الصدر، ويسمى طواف الفرض، طواف الحج، قال: فإذا طاف طواف الإفاضة فقد حل له كل شيء النساء وغير النساء؛ لأنه فعل الأربعة إذا رمى جمرة العقبة ثم ذبح هديه ثم حلق رأسه ثم طاف وسعى فقد حل له كل شيءٌ النساء وغير النساء.

وليس بمنى صلاة بل رمي جمرة العقبة لهم كصلاة العيد لأهل الأمصار، يعني: أهل الحج بعض الناس يقولون: أنا ذاهب أصلي العيد وهو حاج، نقول: لا ما عليك صلاة عيد، رمي جمرة العقبة بمثابة صلاة العيد صلاة العيد لأهل الأمصار، لكن لو دخل الإنسان إلى مكة لطواف الإفاضة وصادف في الحرم المسجد الحرام يصولون العيد فصلى مهم فلا بأس، لكن كونه يذهب متعمدًا لصلاة العيد ليس عليه صلاة العيد, وليس بمنى صلاة بل رمي جمرة العقبة لهم كصلاة العيد لأهل الأمصار.

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصل جمعة ولا عيداً في السفر لا بمكة ولا عرفة، المسافر ما عليه جمعة ولا عيد السفر ما فيه عيد ولا جمعة ولا تقام الجمعة في الأسفار وكذلك في الأعياد، والذي يغلط بعض الناس، بعض الناس يأتون يصولون جمعة وهم مسافرين أو يصلون في مزرعة ولا في استراحة بعضهم يجمع الحجاج ويصولون ما في صلاة جمعة! عليه أن يصليها ظهرًا.

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يصل جمعة ولا عيداً في السفر لا بمكة ولا عرفة، بل كانت خطبته بعرفة خطبة نُسك، ما هي خطبة جمعة وكان يوم الجمعة يوم عرفة لكنها الخطبة قبل الأذان ولو كانت خطبة جمعت لصليت بعد الأذان، لو كانت الجمعة لجهر بالقراءة وهو سر بالقراءة فدل على أن الخطبة خطبة نسك لا خطبة جمعة ولم يجهر بالقراءة في الصلاة بعرفة إنما أسر وكان يوم الجمعة فدل على أنها ليس صلاة جمعة, وإنما هي صلاة نسك يعني: خطبة نسك.

نقف على هذا لأنه بقي خمس دقائق أو عشر دقائق لوقت الدعاء وفق الله الجميع لطاعته، وصلى الله على محمد على آله وصبح وسلم.

(المتن)

الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحْمَةِ اللَّه تعالى في منسكه: فصلٌ المبيت بمنى ورمي الجمرات:

ثم يرجع إلى منى فيبيت فيها ويرمى الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال يبتدئ بالجمرة الأولى التي هي أقرب إلى مسجد الخيف, ويستحب أن يمشى إليها فيرميها بسبع حصيات، ويستحب له أن يكبر مع كل حصاة, وإن شاء قال: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً", ويستحب له إذا رماها أن يتقدم قليلاً إلى موضع لا يصيبه الحصى فيدعوا الله تعالى مستقبل القبلة رافعاً يديه بقدر قراءة سورة البقرة, ثم يذهب إلى الجمرة الثانية فيرميها كذلك فيتقدم عن يساره يدعوا مثل ما فعل عند الأولى.

 ثم يرمى الثالثة وهي جمرة العقبة بسبع حصيات أيضاً ولا يدعوا عندها ثم يرمى في اليوم الثاني من أيام منى مثل ذلك ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل وإن شاء تعجل باليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس كما قال تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]، فإذا غربت الشمس وهو بمنى أقام حتى يرمى مع الناس في اليوم الثالث.

 ولا ينفر الإمام الذي يقيم للناس المناسك بل السنة أن يقيم إلى اليوم الثالث، وسنة الإمام أن يصلى بالناس بمنى ويصلى خلفه أهل الموسم, ويستحب أن لا يدع الصلاة في مسجد منى،و هو مسجد الخيف مع الإمام, فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا كانوا يصلون بالناس قصرًا بلا جمع بمنى ويقصر الناس كلهم خلفهم أهل مكة وغير أهل مكة وإنما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قال: «يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر»، لما صلى بهم في مكة نفسها.

فإن لم يكن للناس إمامٌ عامٌ صلى الرجل بأصحابه، والمسجد بُني بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن على عهده.

(الشرح)

 يقول المؤلف رَحْمَةِ اللَّه: فصلٌ، ثم يرجع إلى منى فيبيت فيها ويرمى الجمرات الثلاث كل يوم بعد الزوال، يعني: بعد أن يطوف الإفاضة طواف الحج يوم العيد يرجع إلى منى ويبيت بها ثلاث ليالٍ إن تأخر وليلتين إن تعجل، ويرمي كل يوم من الأيام الثلاثة بعد الزوال الجمرات الثلاثة مبتدأً بالجمرة الأولى ثم الجمرة الصغرى وهي التي أقرب إلى مسجد الخيف وهي أول جمرة تليك من جهة منى يرميها بسبع حصيات.

يقول المؤلف: ويستحب أن يمشى إليها، يعني: ما يركب إلا إذا دعت الحاجة يمشي إليها فيرميها بسبع حصيات، ويستحب له أن يكبر مع كل حصاة, يرمي ما يضعها يقول: اللَّهِ أَكْبَرُ، اللَّهِ أَكْبَرُ، وإن شاء قال: "اللهم اجعله حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً", هذا ذكره الفقهاء، ويحتاج إلى البحث عن الدليل.

قالوا: ويستحب له إذا رماها أن يتقدم قليلاً إلى موضع لا يصيبه الحصى، من جهة يجعلها عن يساره أو عن يمينه يجعلها عن يمنيه كما جاء في الأحاديث يجعلها عن يمينه يعني: يتقدم بحيث لا يصبه الحصى يتقدم قليلًا إلى موضع لا يصبه الحصى ثم يتقدم جهة اليمين وتكون عن يساره الجمرة، فيدعوا الله تعالى مستقبل القبلة رافعاً يديه بقدر قراءة سورة البقرة، كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف وقوفًا طويلًا رافعًا يديه بمقدار قراءة سورة البقرة هذا وقتٌ طويل جزءان ونصف وهذا يعني: صبرٌ عظيم ♥، كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما قالت عائشة: «يقوم يصلي في الليل حتى تتفطر قدماه» تتشقق، تقول له: لما تفعل هذا يا رسول الله وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورا، يفعل هذا شكر الله وتعبد لله وتتأسى به أمته، ولكنا ضعفاء لا تستطيع أن نقف مقدار سورة البقرة.

ولكن إذا لم يستطع الإنسان أن يقف هذا الوقوف الطويل يقف ولو وقتٌ قليل حسب ما يتيسر له حسب ما يستطيع، خمس دقائق عشر دقائق ربع ساعة ثلث ساعة نصف ساعة حتى يفعل السنة فحن ضعفاء لا نستطيع الوقوف، ولكن يفعل الإنسان ما يستطيعه ويدعوا الله مستقبل القبلة رافعًا يديه وهذا من المواضع التي تُرفع اليدين في الحج، ثم يذهب إلى الجمرة الثانية فيرميها كذلك فيتقدم عن يساره ويجعلها عن يمينه.

ثم يق ويدعوا دعاءً طويلًا؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دعا بمدار سورة البقرة أَيْضًا بعد الجمرة الثانية ونحن أَيْضًا نفعل ما نستطيعه, ثم يرمى الثالثة وهي جمرة العقبة بسبع حصيات ولا يقف عندها ولا يدعوا، ما الحكمة في ذلك؟

قال بعض العلماء الحكمة في ذلك أن المكان ضيق، جمرة العقبة كانت ملصقة بالجبل والمكان ضيق جدًا، فلذلك لم يقف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا قاله كثير من الفقهاء، ولكن العلامة ابن القيم رَحْمَةِ اللَّه ليس هذا هو الصواب لكن الصواب أنه لما كان في الجمرة الأولى والجمرة الثانية كان في صلب العبادة فدعا، ولما رمى جمرة العقبة كان أنه سلم من الصلاة فانصرف.

وليس السبب أن المكان ضيق، إنما السبب إنه انتهت العبادة، انتهت العبادة فانصرف كما أنه إذا سلم من الصلاة انصرف، والدعاء في صلب العبادة ولم يصل الدعاء بعدها، فلذلك لم يقف عند جمرة العقبة ولم يدعوا بعدها.

 قال: ثم يرمى في اليوم الثاني من أيام منى مثل ما يرمي في الأول، يعني الرمي يكون بعض الظهر بعد الزوال إذا زالت الشمس، الزوال: هو أذان الظهر إذا زالت الشمس يرمي ثم يرمي اليوم الثاني من أيام منى مثل ما رمى في الأول.

ثم إن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل وإن شاء تعجل، إذا رمى في اليوم الثالث يكون رمى سبعين حصى وإن تعجل ورمى في اليوم الثاني يكون رمى تسعً وأربعين حصى، وإذا تعجل فإنه ليس عليه رابط في اليوم الثالث ولا يحتاج كما يقول بعض الناس أن يدفعن الحصى الذي أخذه والسنة للإنسان أن المسلم أن يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حصات لا يجمعها وإن جمعها فلا بأس، لكن إذا تعجل ما يحتاج إلى أن يدفنها ولا يرميها، ثم يقول: وإن شاء رمى في اليوم الثالث وهو الأفضل، وإن شاء تعجل في اليوم الثاني بنفسه قبل غروب الشمس.

إن شاء رمى في اليوم الثالث وإن شاء بعد ما يرمي الجمر الثلاث يتعجل في اليوم الثاني عشر قبل غروب الشمس بشرط أن يخرج قبل غروب الشمس فإن غربت الشمس لزمه المبيت والرمي من الغد بعد زوال الشمس، لابد أن يخرج من منى قبل غروب الشمس، لقول اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ} [البقرة: 203].

ومن تعجل في يومين المراد: أيام التشريق الثلاثة وهي الحدي عشر والثاني عشر والثالث عشر، فمن تعجل في يومين الحادي عشر والثاني عشر، ومن تأخر اليوم ثلاثة عشر، بعض الناس يغلط يحسب يوم العيد معه، قال: ومن تعجل في يومين يوم العيد والحادي عشر، ثم يتعجل في يوم الحادي عشر لا!

المراد في أول الآية: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]، الأيام المعدودات هي أيام التشريق فالحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ليس منها يوم العيد، من تعجل في يومين من الأيام المعدودات الحادي عشر والثاني عشر، من تأخر اليوم الثالث عشر، والرمي في أيام التشريق يبدأ بزوال الشمس إلى غروبها عند كثير من الفقهاء عند الفقهاء من الحنابلة وغيرهم يرون أن الرمي من الزوال، من أذان الظهر إلى غروب الشمس.

ويرى آخرون أن الرمي يمتد إلى طلوع الفجر؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدد أوله ولم يحدد آخره، وهذا هو الذي يفتي به كبار العلماء بالأغلبية، روى أن رمي الجمرة يوم العيد رمية العقبة يبتدئ من طلوع الشمس يوم العيد إلى طلوع الفجر ليلة الحادي عشر، واليوم الحادي عشر يبدأ من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ليلة الثاني عشر، واليوم الثاني عشر يبدأ من زوال الشمس إلى طلوع الفجر ليلة الثالث عشر.

واليوم الثالث عشر يبدأ من زوال الشمس إلى غروبها، يوم الثالث عشر ما في رمي في الليل ليلة الرابع عشر، بغروب الشمس ليلة الثالث العشر انتهت أيام العيد وانتهت الرمي وانتهت أيام الذبح وانتهت أيام الحج ما في رمي بعد غروب الشمس ما في رمي ولا ذبح هدي، من لم يرمي استقر الدم في ذمته اليوم الثالث عشر.

هذا هو الذي هو قره كثير من العلماء وبعض الفقهاء يرون أنه لا رمي في الليل، وأنه لم يكن رمى بعد غروب الشمس يرميها من الغد بعد الزوال، قال: المؤلف فإذا غربت الشمس وهو بمنى ألقاه حتى يرمي مع الناس اليوم الثالث؛ لأنه لزمه المبيت ولا ينفر الإمام الذي يقوم للناس المناسك ، يعني: الإمام ما يتعجل يتأخر بال السنة أن يقيم في إلى اليوم الثالث، والسنة أن الإمام يصلي بالناس بمنى ويصلى خلفه أهل الموسم, يصلي الإمام ونائبه الآن يعتر الإمام الذي يصلي في مسجد الخيف نائب عن الإمام، قال: ويستحب أن لا يدع الصلاة في مسجد منى،و هو مسجد الخيف مع الإمام, فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبا بكر وعمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا كانوا يصلون بالناس قصرًا بلا جمع بمنى ويقصر الناس كلهم.

يعني: الأفضل ألا يقصر إذا كان قريبًا منه؛ لأنه معنا بالإمام ولكثرة الجامع أَيْضًا المسجد فيه جمع كثير والصلاة كلما كثير الجمع كان أفضل، فإن كان بعيدًا يشق عليه صلى مع أصحابه، قال: وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكثر الناس كلهم خلفه أهل مكة وغير أهل مكة هكذا قره المؤلف وهو الذي دلت عليه النصوص.

وذهب كثير من الفقهاء إلى أن أهل مكة لا يقصرون وإنما يتمون لأن المسافة قريبة من مكة وليست مسافة قصر، ومن العلماء من قال: إنهم يقصرون لأن مسافة ليست قصر؛ من مقال: القصر نسك من مناسك الحج إذا كان نسك ما في إشكال أهل مكة وغيرهم، فإذا لم يكن نسك فالمسافة ليست قصر لكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالحجاج أهل مكة وغيرهم ولم يأمرهم بالإتمام.

قال: وإنما روي عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قال: «يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر»، لما صلى بهم في مكة نفسها كما سبق هذا في غزوة الفتح صلى بهم وقصر وأتموا خلفه، لكن في الحج قصروا خلفه, قال: فإذا لم يكن للناس إمامٌ عامٌ صلى الرجل بأصحابه، والمسجد بُني بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن على عهده مسجد الخيف كلها بينت بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلي في الأرض مكانه.

(المتن)

أحسن الله إليكم، ثم إذا نفر الناس من منى فإن بات بالمحصب وهو الأبطح وهو مابين الجبلين إلى المقبرة، ثم نفر بعد ذلك فحسن. فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بات به وخرج ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى لكنه ودع البيت وقال: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت». فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت, ومن أقام بمكة فلا وداع عليه.

وهذا الطواف يؤخره الصادر من مكة حتى يكون بعد جميع أموره فلا يشتغل بعده بتجارة ونحوها لكن إن قضى حاجته أو اشترى شيئاً في طريقه بعد الوداع، أو دخل المنزل الذي هو فيه ليحمل المتاع على دابته ونحو ذلك مما هو من أسباب الرحيل فلا إعادة عليه, وإن أقام بعد الوداع أعاده, وهذا الطواف واجب عند الجمهور ويسقط عن الحائض.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحْمَةِ اللَّه: ثم إذا نفر الناس من منى فإن بات بالمحصب وهو الأبطح وهو مابين الجبلين إلى المقبرة، ثم نفر بعد ذلك فحسن اقتضاءً بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بات به وخرج.

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان حينما رمى جمرة العقبة رماها ضحى وظلل عليه بثوب بلال والصحابة كانوا يظلونه بثوب، وأما أيام التشريق فإنه كان يرمي بعد الزوال إذا زالت الشمس رمى ثم يذهب يصلي في مكانه يعني: يرمي قبل الصلاة ويدعوا هذا الدعاء الطويل ثم يرجع؛ لأنه وقت الظهر والوقت واسع ثم يرجع يصلي.

وفي اليوم الثلاث عشر لما رمى، رمى ودعا ثم نزل إلى الأبطح، الأبطح هو الوادي الذي بين مكة ومنى العزيزية كانت كلها أرض في منى، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رمى في اليوم الثالث عشر وجد قبته قد ضربت له في هذا المكان وهما بين الجبلين المقبرة والمحصب، ثم فيه الحصبة يعني فيه الحصبة وهو الوادي وهو البطحة المحصب الذي فيه الحصبة، وهو الأطبح يعني: البطحة يمشي في الماء.

كان من مكة إلى منى ما في بينان، وكان الناس في الحج إلى عهد قريب كان يخيمون هناك الحجاج، يقيمون مخيماتهم ويجلسون فيها، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جليس فيها لما جاء من المدينة ضربت له خيمة في الأبطح كان يصلي بها من أربعة ذي الحج إلى ثمانية من ذكي الحج، لو لما نفر يوم الثالث عشر قيل له أين تنزل غدًا؟ قال: بالمحصب أو في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر وذلك لأن قريش تقاسموا على الكفر وقاطعوا بني هاشم ومعهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكتبوا بذلك صحيفةً جعلوها في جوف الكعبة أن يحاصروا، حاصروا بين هاشم وبين المطلب ومعهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقاطعوهم حتى يسلموا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فصار حصار اقتصادي لا يبيعون لهم ولا يشترونهم ولا ينكحونهم ولا يجيبون دعوتهم ولا يدخل عليهم أي طعام حتى يسلموا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حصار اقتصادي، حتى أصابهم شدة ثلاث سنوات أصابهم شدة عظيمة ومعهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أخبرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبر أبا طالب أن الأرض أكلت هذه الصحيفة الآثمة، فوجدوها كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فهذا المكان تقاسموا فيه على الكفر، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نريد أن تضرب له خيمة في هذا المكان، المكان الذي دارت فيه شعائر الكفر تضرب فيه شعائر الإسلام، أين تنزل غدًا في مكة قال: في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الفكر، والخيف: هو الوادي وهو المحصب وهو البطحة، في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر.

أظهور شعائر الكفر نحن نظهر شعائر الإسلام في هذا المكان، واختلف العلماء هل النزول في المحصب ليلة الرابع عشر سنة أو ليس بسنة؟ من العلماء من قال: أنه سنة ومنزل تنزله الخلفاء أبو بكر وغيره، وقال عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها وجماعة: إنه ليس سنة وإنما هو منزل نزله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه أسمح لخروجه، والصواب أنه سنة لمن تيسر له وأنه منزل نزله الخلفاء.

فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل فيه ليلة الرابع عشر بعد ما رمى جمر العقبة وجد الخيمة ضربت هناك وجلس فيه وعائشة طلبت أن يعمره من التنعيم، فأرسل أخاه عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت وقال: افرغا وإتيان ها هنا فلما فرغ أذن بالرحيل فدخل آخر الليل إلى مكة وطاف طواف الوداع قبل الفجر.

ثم أدركه الفجر في المسجد الحرام فصلى بالناس صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقرأ سورة الطور، وأم سلمة كانت ساكنة قال: لها طوفي من وراء الناس ثم لما صلى الفجر قفل ورجع إلى المدينة في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة ♥، هكذا فصار نزوله بالمحصب هذا مقصود، ولذلك قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نحن نازلون في خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر، وهو مقصد يقصده الخلفاء.

 كما قال: جمع من أهل العلم قال: بعض العلماء وبعض من الصحابة أنه ليس سنة وإنما هو منزلٌ نزله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه كان أسمح لخروجه كما قالت عائشة وجمعٌ من أهل العلم، ولهذا قال المؤلف: إذا نفر من منى فإن بات بالمحصب وهو الأبطح، المحصب يعني: الذي يوجد فيه حصبة مجرى الوادي وهو مابين الجبلين إلى المقبرة، ثم نفر بعد ذلك فحسن فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بات به وخرج ولم يقم بمكة بعد صدوره من منى لكنه ودع البيت يعني طاف طواف الوداع في آخر الليل، في آخر الليل ليلة الرابع عشر وأدركه الفجر وصلى بالناس صلاة الفجر.

وقال: «لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت». فلا يخرج الحاج حتى يودع البيت فيطوف طواف الوداع حتى يكون آخر عهده بالبيت, وفي حديث ابن عباس أمر أن يكون آخر عهدهم بالبيت إلا أنه خفف عن الحائض، وقال لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت»، قال المؤلف: ومن أقام بمكة فلا وداع عليه، من أقام بمكة ما عليه وداع وليجلس مئة سنة، لكن إذا خرج لازم طواف الوادع.

إذا حج أهل مكة وغيرهم ما أحد يخرج من مكة إلا ويطوف الوداع ما دمت في مكة ما عليك طواف الوداع ولو تقيم مئة سنة، وإذا خرجت يجب عليك أن تطوف إذا أدرت الخروج يجب عليك أن تطوف، كل من حج لا يخرج حتى يطوف من أهل مكة وغيرهم إذا أراد الخروج وما دام باقيًا في مكة فلا وداع عليه.

قال المؤلف: وهذا الطواف يؤخره الصادر من مكة حتى يكون بعد جميع أموره، يسمى طواف الوداع حتى يشتغل بعده بتجارة ونحوها, لكن إن قضى حاجته يعني: بعد طواف الوداع أو اشترى شيئاً في طريقه بعد الوداع، أو دخل المنزل، فلا بأس إذا قضى حاجته يشتري خبز يشتري شيء يسير وهو في الطريق لا بأس بعد طواف الوداع لكن لا يشتري شيء للتجارة وإذا دخل إلى المنزل الذي هو فيه ليحمل المتاع على دابته أو سيارته ونحو ذلك مما هو من أسباب الرحيل فلا إعادة عليه, كونه يذهب إلى مكان يحمل العفش هذا ما فيه إشكال، أو ينتظر الرفقة.

وإن أقام بعد الوداع أعاده, إن أقام أو بات يعيد طواف الوداع، إذا بات أو أقام يعني: ما عنده شغل جالس، ما عندك شغل لابد أن تمشي فإذا أقتم فلابد أن تطوف وإذا بت لابد أن تعيد طواف الوداع، وإن أقام بعد الوداع أعاده، قال: وهذا الطواف واجب عند الجمهور، لكن يسقط عن الحائض.

كما يقول ابن عباس: "أمر الناس أن يكونوا عهدٍ بالبيت إلا أن خفف عن الحائض" واجب عند جمهور العلماء ومن تركه فعليه دم.

(المتن)

أحسن الله إليكم، وإن أحب أن يأتي الملتزم وهو مابين الحجر الأسود والباب فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعوا ويسأل الله تعالى حاجته فعل ذلك، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع؛ فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره, والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة.

ولو شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس:" اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عنى فازدد عنى رضًا وإلا فمن الآن فارض عنى قبل أن تنأى عن بيتك دارى فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك ولا ببيتك ولا راغباً عنك ولاعن بيتك, اللهم فاصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني وأجمع لي بين خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير" .

ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً, فإذا ولّى لا يقف ولا يلتفت ولا يمشى القهقرى، قال الثعالبي في فقه اللغة: القهقرى: مشية الراجع إلى خلف حتى قد قيل إنه إذا رأى البيت رجع وودع، وكذلك عند سلامه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينصرف ولا يمشي قهقرى، بل يخرج كما يخرج الناس من المساجد عند الصلاة.

(الشرح)

يقول المؤلف: إن أحب أن يأتي الملتزم، يعني: بعد طواف الوداع، والملتزم: وهو مابين الحجر الأسود والباب، ما بين باب الكعبة وبين الحجر الأسود هذا يسمى الملتزم، هذا جاء عند ابن عباس وأخذ به بعض العلماء فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه وكفيه ويدعوا يرفع يديه يدعوا في هذا المكان بين الباب والحجر بين باب الكعبة والحرج، يوثق عليه صدره وزراعيه ووجه وكفيه ويرفع يديه يسأل الله حاجته، فعل ذلك.

وقال المؤلف: وإن فعل ذلك لو لم يأتي الملتزم، فعل ذلك، إن فعل ذلك يعني: ولم يقفع عند الباب وعند الباب مقابل الباب فإذا فعل ذلك فالأمر في هذا واسع، وهذا مروي عن ابن عباس وجماعة من أخذوا به بعض العلماء، ومن العلماء قالوا: لا يشرع هذا ولا يسن وبعض العلماء قال: أخذ به؛ لأن هذا مروي عن ابن عباس وليس فيه حديث، أخذ به بعض العلماء والمؤلف رَحِمَهُ اللّهُ استحسن هذا.

قال: وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع؛ سواء قبل طواف الوداع أو بعده، قال: فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع أو غيره, والصحابة كانوا يفعلون ذلك حين يدخلون مكة، وإن شاء قال في دعائه الدعاء المأثور عن ابن عباس، يعني: يدعوا بهذا الدعاء يقول:

" اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك حملتني على ما سخرت لي من خلقك وسيرتني في بلادك حتى بلغتني بنعمتك إلى بيتك وأعنتني على أداء نسكي فإن كنت رضيت عنى فازدد عنى رضًا وإلا فمن الآن، "يعني: من الآن ارضَ عني يا الله، وفي رواية قال: وإلا فمن الآن، يعني: من الآن ارض عني، أو وإلا فمن الآن" فارض عنى قبل أن تنأى عن بيتك دارى فهذا أوان انصرافي إن أذنت لي غير مستبدل بك،"هذه حال" ولا ببيتك ولا راغباً عنك ولاعن بيتك, اللهم فاصحبني العافية في بدني والصحة في جسمي والعصمة في ديني وأحسن منقلبي وارزقني طاعتك ما أبقيتني وأجمع لي بين خير الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير".

يقول المؤلف: ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً, لو وقف عند الباب مقابل الباب إذا كان فيه زحام ودعا حسن، وهذا قال به وأخذ به بعض العلماء بهذا الأثر عن ابن عباس، ومن العلماء من قال: إنه لا يشرع فيه قولان لأهل العلم، قال: فإذا ولّى لا يقف ولا يلتفت ولا يمشى القهقرى.

 قال الثعالبي في فقه اللغة: القهقرى: مشية الراجع إلى خلف حتى قد قيل إنه إذا رأى البيت رجع وودع، يعني: بعض الناس يتكلف يقول: إذا ودعت ما تجعل ظهرك إلى البيت ترجع من الخلف، تجعل وجهك إلى البيت وترجع إلى الخلف، يمكن تصطدم بمن خلفك وتسقط على من خلفك وإذا كان خلفك مصاحف ولا أدمين تصطدم بهم، هذا غير مشروع هذا.

يرجع من الخلف يقول: حتى لا يرى الكعبة؛ لأنه إذا ولى الكعبة ظهره يقول: لابد أن يعيد الطواف مرة ثانية إذا حل الخلف وجعل يرجع إلى الخلف هذا تكلف وليس عليه دليل، ولهذا قال المؤلف: فإذا ولّى لا يقف ولا يلتفت ولا يمشى القهقرى، يمشي القهقرى مشية الراجع إلى الخلف، وكذلك بعضهم إذا زار المسجد النبوي وسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينصرف يقول: يمشي القهقرى.

ما يجعل الحجرة النبوية خلفه، يمشي القهقرى كل هذا تكلف وليس عليه دليل، قال: بل يخرج كما يخرج الناس من المساجد عند الصلاة، سواء في المسجد الحرام أو المسجد النبوي.

(المتن)

وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد, لكن عليه وعلى المتمتع هدي بدنه أو بقرة أو شاة أو شرك في دم، فلم يجد الهدي صام ثلاثة أيام قبل يوم النحر وسبعةً إذا رجع وله أن يصوم الثلاثة أيام من حين أحرم بالعمرة في أظهر أقوال العلماء وفيه ثلاث روايات عن أحمد.

قيل: أنه يصومها قبل الإحرام بالعمرة, وقيل:لا يصومها إلا بعد الإحرام بالحج, وقيل: يصومها من حين الإحرام بالعمرة وهو الأرجح, وقد قيل: أنه يصومها بعد التحلل من العمرة فانه حينئذ شرع في الحج ولكن دخلت العمرة في الحج، كما دخل الوضوء في الغسل.

قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا متمتعين معه، وإنما يحرم بالحج يوم التروية وحينئذ فلا بد من صوم بعض الثلاثة قبل الإحرام بالحج.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: وليس في عمل القارن زيادة على عمل المفرد, يعني: المفرد والقارن عملهم واحد، كلٌ منهما عليه الطواف واحد وسعيٌ واحد طواف الحج وسعي الحج، والقارن طواف واحد الحج أو العمرة وسعي واحد الحج أو العمرة العمل واحد؛ لكن الفرق بينهما؟

 أولًا في النية هذا نوى الإفراد وهذا نوى الحج والعمرة.

وثانيًا: أن القارن عليه هدي شاة تذبحها، والمفرد ما عليه لِمَاذَا؟. لأن القارن أتى بنسكين في سفرة واحدة فواجب عليه أن يشكر الله بذبح دم بخلاف المفرد.

قال: لكن عليه وعلى المتمتع هدي، وكذلك المتمتع من باب أولى المتمتع عليه هدي، عليه وعلى المتمتع هدي بدنه أو بقرة، بدنه: بعير أو بقرة أو شاة أو شرك في دم، شرك سبعة يشتركون في بدنة يكون عمرها خمس سنين أو بقرة عمرها سنتان تكون سليمة من الأمراض والعيوب.

 فلم يجد الهدي أو لم يجد ثمنه صام عشرة أيام ثلاثة أيام قبل يوم النحر وسبعةً إذا رجع إلى أهله قبل يوم العيد إن فاته صام أيام التشريق الثلاثة لقول اللهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] لابد ثلاثة في الحج قبل يوم العيد أو بعده في أيام التشريق الثلاثة وسبعة إذا رجع إلى أهله.

قال: وله أن يصوم الثلاثة أيام من حين أحرم بالعمرة في أظهر أقوال العلماء، إذا أحرم بالعمرة الآن وجد السبب فله أن يصوم الثلاثة، قال: وفيه ثلاث روايات عن الإمام أحمد.

قيل: يصومها قبل الإحرام بالعمرة, هذا ضعيف قبل الإحرام بالعمرة ما وجدت الأسباب، يعني: ناوي للعمرة وما أحرم للعمرة يصوم هذا ضعيف.

 وقيل:لا يصومها إلا بعد الإحرام بالحج وهذا وسط.

 وقيل: يصومها من حين الإحرام بالعمرة وهو الأرجح, قيل يصومها إلا بعد الإحرام بالحج الصواب أنه بعد العمرة.

 وقيل: أنه يصومها بعد التحلل من العمرة فانه حينئذ شرع في الحج ولكن دخلت العمرة في الحج، كما دخل الوضوء في الغسل، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»، والصواب أنه يصومها بعد الإحرام والأمر في هذا واسع، وأصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا متمتعين معه، وإنما يحرم بالحج يوم التروية وحينئذ فلا بد من صوم بعض الثلاثة قبل الإحرام بالحج.

يعني: لأنهم أحرموا بالحج يوم ثمانية لابد أن يحرم قبل اليوم الثامن والأفضل أن يكون قبل يوم عرفة لو طال أن يكون يوم عرفة مفطر هذا هو الأفضل، حتى يكون عونًا لها على الدعاء، يعني: يصومها السادس والسابع والثامن، فإن فات صامها أيام التشريق، الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ولا يتعجل يرمي الجمار الثلاث صائمًا, وحينئذ فلا بد من صوم بعض الثلاثة قبل الإحرام بالحج.

(المتن)

أحسن الله إليكم، ويستحب أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه ويدعوا عند شربه بما شاء من الأدعية الشرعية ولا يستحب الاغتسال منها.

وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة غير المسجد الحرام: كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه كمسجد المولد وغيره، فليس قصد الشيء من ذلك من السنة ولا يستحب أحدهم من الأئمة، وإنما مشروع إتيان المسجد الحرام خاصة، والمشاعر عرفة والمزدلفة والصفا والمروة.

 وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر، غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى، مثل جبل حراء والجبل الذي عند منى الذي يقال فيه قبة الفداء ونحو ذلك، فإن ذلك كله ليس من سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيارة شيء من ذلك بل هو بدعة, وكذلك ما يوجد في الطرقات مساجد المبنية على آثار والبقاع التي يقال: إن من الآثار لم يشرع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيارة شيء من ذلك بخصوصه ولا زيارة شيء من ذلك.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: ويستحب أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه ويدعوا عند شربه، عند شرب ماء زمزم يتضلع يعني: يروى حتى يصل الماء إلى أضلاعه ويدعوا عند شرب ما شاء من الأدعية الشرعية ومنه، وجاء في الحديث الآخر: «ماء زمزم لما شرب له»، وفي الحديث الآخر : «ماء زمزم شفاء سقم وطعام وطعم»، قال: لما شرب له، يعني:إن أردت الشفاء يكون شفاؤك وإن أردت العلم يكون علم، ولهذا ذكر بعضهم أنه من الأدعية التي تقال: اللهم اجعله لنا رزقًا واسع، اللهم اجعله لنا شفاءً من كل داء وشبعًا وريًا، اللهم اجعله لنا شبعًا وريًا وشفاءً من كل داء.

فإذا دعا بما تيسر حسن، قالوا: ويدعوا عند شربه بما شاء من الأدعية الشرعي، ولا يستحب الاغتسال منها، الاغتسال من ماء زمزم ما في دليل يدل على الاستحباب، وأما زيارة المساجد التي بنيت بمكة، هذه مسائل عقدية في المنسك وأما زيارة المساجد التي بنيت في مكة غير المسجد الحرام: كالمسجد الذي تحت الصفا، كأنه في زمان رَحِمَهُ اللّهُ تحت الصفا الآن لا يوجد مسجد تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس كان في مسجد في ذلك الوقت ونحو ذلك من المساجد التي بنيت على آثار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه.

 كمسجد المولد وغيره، الآن ما في مسجد المولد لكن مولد الآن مكان المولد ومكان المكتبة الآن يأتيه بعض الناس بعض الزوار أو بعض المخرفين يأتون ويتبركون به وهذا كل هذا من البدع، المكان يقول: هذا المكان الذي ولد فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو صح أنه المولد ما يشرع هذا إلا بدليل.

قال: فليس قصد الشيء من ذلك من السنة ولا يستحب أحدهم من الأئمة، لا يأتي أي مسجد من مساجد مكة يقصده ما عدا المسجد الحرام وبعض المشاعر ولا يأتي أي مكان، وإنما مشروع إتيان المسجد الحرام خاصة، والمشاعر عرفة والمزدلفة والصفا والمروة وكذلك قصد الجبال والبقاع التي حول مكة غير المشاعر، غير المشاعر عرفة ومزدلفة ومنى، مثل جبل حراء، يأتي الناس إلى جبل حراء تجد فيه الزوار يعني: ازدحام شديد هناك كل هذا لا أصل له

 والجبل الذي عند منى الذي يقال فيه قبة الفداء ونحو ذلك، كان في زمن المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ فإن ذلك كله ليس من سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيارة شيء من ذلك بل هو بدعة, وكذلك ما يوجد في الطرقات مساجد المبنية على آثار، في الطرقات التي يقال: لها أنها طريق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والآثار كله ما يشرع قصده ولا إتيانها، والبقاع التي يقال: إن من الآثار لم يشرع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيارة شيء من ذلك بخصوصه ولا زيارة شيء من ذلك.

ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ما كان اجتهد وكان يتتبع الآثار التي ينزل فيها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهناك بو بن خالد رَحِمَهُ اللّهُ فالمكان الذي ينزل فيه ينزل فيه والمكان الذي ينام فيه ينام فيه والمكان الذي يبول فيه يبول فيه، هذا اجتهاد منه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ولم يفعله من هو أكبر أبو بكر أبوه عمر وكذلك الصديق فلا يشرع زيارة الآثار إلا ما دل الدليل عليه، مثل المواقيت ويغرها هذا المكان الذي بات فيه والمكان الذي بال فيه ما يشرع، وفعل ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجتهاد منه.

(المتن)

أحسن الله إليكم، ودخول الكعبة ليس بفرض ولا سنة مؤكدة بل دخلوها حسن، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يدخلها في الحج ولا في العمرة، لا عمرة الجارنا ولا عمرة القضية، وإنما دخلها عام فتح مكة ومن دخلها يستحب له أن يصلي فيها ويكبر الله ويدعواه ويذكره.

فإذا دخل مع الباب تقدم حتى يصير بينه وبين الحائط ثلاثة أزرع والباب خلفه فذلك هو المكان الذي صلى فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يدخلها إلى حافيا، والحجر أكثره من البيت من حيث ينحني حائطه، فمن دخله فهو كمن دخل الكعبة و ليس على داخل الكعبة ما ليس على غيره من الحجاج، بل يجوز له من المشي حافيا وغير ذلك ما يجوز لغيره والإكثار من الطواف في البيت من الأعمال الصالحة.

فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية، فإن هذا لم يكن من أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ولا رغب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته بل كرهه السلف.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: دخول الكعبة ليس بفرض ولا سنة مؤكدة بل دخلوها حسن، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يدخلها في الحج ولا في العمرة، لا عمرة الجارنا ولا عمرة القضية، وإنما دخلها عام الفتح يوم فتح مكة، دخلها عام الفتح وهو حاجب الكعبة وبلال وأغلقوا عليهم الباب، ثم خرجوا وكان ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سأل بلال أين المكان الذي صلى فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأشار إليه.

كما ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ أنه جعل بينه وبين الحائط الغربي بثلاثة أزرع وكانت الكعبة على ستة أعمدة أو على ثلاثة أعمدة، جعل بينه وبين الحائط ثلاثة أزرع والباب خلفه، والحائط الغربي أمامه، فذلك هو المكان الذي صلى فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، جعل ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما دخل الكعبة لم يصلي فيها وإنما كبر في نواحيها وجل ابن عمر أنه صلى فيها ركعتين.

والمثبت مقدم على النافي ابن عمر سأل بلال، أول ما خرج سأله فأخبره أنه صلى فيها، ابن عباس ظن أنه لم يصلي فيها، وكذلك الحديث في البخاري والصواب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى فيها صلى فيها ركعتين وكبر في نواحيها ♥، ويستحب لمن دخلها أن يصلي، ومن صلى في الحجر فكأنه صلى في داخل الكعبة ولهذا قال النبي للعاشر صلي في هذا صلي في الحجر، ومن صلى في الحجر فكأنما دخل مكة.

لأن الحجر من الكعبة كأنما دخل الكعبة، ومن دخلها يستحب له أن يصلي فيها ويكبر الله ويدعواه ويذكره فإذا دخل مع الباب تقدم حتى يصير بينه وبين الحائط ثلاثة أزرع والباب خلفه, فذلك هو المكان الذي صلى فيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يدخلها إلى حافيا، والحجر أكثره من البيت حيث ينحني حائطه، الوقت الانحناء يعني: ستة أزرع ونصف كلها من الكعبة.

أخرجتها قريش لما هدموا الكعبة؛ لأنهم لا يريدوا أن يبنوا الكعبة إلا بمالٍ حلال ولم يجدوا مالًا حلال يبنون به الكعبة الأرض كلها طبقها الحرام ما في حلال يكفي بناء الكعبة، قالوا: المال الحلال نبني الكعبة ونخرج جزء منها، فأخرجوا هذا الجزء لأنهم ما استطاعوا أن يبنوه بمالٍ حلال فبقيت على ما كانت عليه وسبق أن قلنا: أن عبد الله بن الزبير أدخل الحجر ثم هدمها.

وجاء الحجاج وهدمها ثم أخرج الحجر فأعادها الحجاج بن يوسف عادها على ما كانت عليه في الجاهلية، وسبق أن الإمام مالك استفتاه المنصور وقال: هل نعيد الكعبة لندخل الحجر أو نتركها؟ وأن الإمام مالك أشار عليه بأن يتركها حتى لا تصير الكعبة ملعبة للملوك، فكان رأي الإمام موفق في هذا مالك رَحِمَهُ اللّهُ، قال رَحِمَهُ اللّهُ: و ليس على داخل الكعبة ما ليس على غيره من الحجاج، بل يجوز له من المشي حافيا وغير ذلك ما يجوز لغيره، في الأول قال: ما يدخلها إلا حافيًا وقال: بل يجوز له من المشي حافيا وغير ذلك ما يجوز لغيره.

يقول: لا يدخلها إلا حافيًا بعد ما قال: بل يجوز له من المشي حافيا وغير ذلك ما يجوز لغيره، يعني: حافيًا وغير حافيًا، قال: والإكثار من الطواف في البيت من الأعمال الصالحة، وهو عمل صالح وهو أفضل جاء في بعض الأحاديث أنه من طاف في حديث صححه الألباني: «من طاف بالبيت سبعة أشواط كأنه كأنما أعتق رقبة» يحتاج إلى مراجعة مساندة.

فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية، المؤلف الأفضل أن تتم الطواف بالبيت أفضل من كونك تخرج من مكة تأتي بعمرة، العمرة للداخل ليست في الخارج مادمت في مكة فلا تأتي بعمرة أكثر الطواف بالبيت، إنما العمرة للداخل لا للخارج هذا ما قره المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ.

قال: فهو أفضل من أن يخرج الرجل من الحرم ويأتي بعمرة مكية فإن هذا لم يكن من أعمال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ما كان من عمله أنه يأتون بعمرة من مكة، ولا رغب به النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته بل كرهه السلف، يعني: كره السلف أن يخرج الإنسان من مكة يأتي بعمرة وإنما العمرة للداخل.

ومن العلماء من قال: لا بأس العمرة من مكة إذا مضى بعد العمرة الأولى ما يمكن ما ينبت به شعر الرأس خمسة أيام ستة أيام سبعة أيام، كان أنيس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إذا اعتمر ثم حمم رأسه أسود رأسه اعتمر ثانيًا.

(المتن)

أحسن الله إليكم، فصلٌ في الزيارة.

الشيخ: هذا يكون انتهينا من منسك الحج، الآن نتقل إلى الزيارة زيارة المسجد النبوي وما يستحب فيه، فيكون الآن انتهينا من المنسك الآن منسك الذي يتعلق الحج، والآن فصل عقده المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ للزيارة وفيه مباحث عقدية نفيسة كما سيتبين.

(المتن)

أحسن الله إليكم، فصل في الزيارة:

وإذا دخل المدينة قبل الحج أو بعده، فإنه يأتي مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلى فيه، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، ولا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيدٍ وهو مروي من طرقٍ أخر.

 ومسجده كان أصغر مما هو اليوم وكذلك المسجد الحرام لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: فصلٌ في الزيارة, إذا دخل المدينة قبل الحج أو بعده، فإنه يأتي مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلى فيه، يعني: الزيارة في المسجد النبوي سواء قبل الحج أو بعده وزيارة المسجد النبوي سنة مستقلة ليست مرتبطة بالحج، بعض الناس يظنوا أنه ما يصح الحج حتى يزور المسجد النبوي.

لا لو حج ولم يزور المسجد النبوي حجه صحيح فزيارة المسجد النبوي سنة مستقلة ليست مرتبطة بالحج وسواء كان قبل الحج أو بعده تزوره في أي وقت، تزوره في محرم تزوره في صفر في ربيع في جماد في شعبان في شوال في ذو القعدة في أي وقت ليس مرتبط بالحج، سواء قبل الحج أو بعده سنة مستقلة، ولو تركتها فحجك صحيح.

فإذا دخل المدينة قبل الحج أو بعده، فإنه يأتي مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلي فيه والصلاة فيه خير من ألف صلاة إلا المسجد الحرام، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وصلاة في المسجد الحرام خيرٌ من مائة ألف صلاة، وصلاة في المسجد الأقصى خير من خمسمائة صلاة» ولا تشد الرحال إلا إليه والمسجد الحرام والمسجد الأقصى هكذا ثبت في الصحيحين أخرجه البخاري ومسلم.

لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى، ولهذا لما شد الرحل أبو هريرة إلى الصحراء للصلاة في بيت المقدس أنكر عليه أبو بصلة الغفاري قال: لو علمت متا شددت ما ذهبت إليه، فلا يشرع السفر لبقعة للعابدة إلا المساجد الثلاثة المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، إما أن تذهب إلى مسجد في الطائف أو في الرياض أو في مكان أو بقعة للعبادة هذا ما يجوز من البدع، لكن تسافر لطلب العلم تسافر لتجارة تسافر للصلاة على الميت تسافر لعقد زينة لا بأس.

لكن تسافر بقعة للعابدة ممنوع إلا في المساجد الثلاثة ما في بقعة تشد الرحال لها إلا المساجد الثلاثة، المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في الصحيح من حديث أبو هريرة وأبي سعيد وهو مروي طرق أخر.

 ومسجده، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أصغر مما هو اليوم، على وقت شَيْخُ الإِسْلَامِ، وكذلك المسجد الحرام لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام، يقول : السجد الحرام كان صغير ثم زاد فيه الخلفاء الراشدون على عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كان فيه أبواب ولا أسوار دخل على البعير وطاف على البعير.

الآن زاد الخلفاء وما صار يزيدون الآن صارت الزيادة واسع المسجد الحرام جدًا صار أربعة أدوار، والمسجد النبوي زاد زيادة طويلة، حتى قيل: أن الآن المسجد النبوي زيادته هي المدنية كلها كانت سابقة، مدينة كانت الناس ما كان فيه سيارات ولا كان فيه شوارع البيوت متلاصقة، وكانت البيت الصغير يسع عائلة مجموعة، كانت القبائل كلهم تجد الشارع الصغير فيه قبيلة كاملة قبائل فكانت كل المدينة هي المسجد النبوي الآن.

الآن توسيعاته كتوسيعة المدينة كلها، وحكم الزيادة حكم المزيد مزيد حكمه يعني: الزيادة كلها الصلاة فيه بألف صلاة المسجد الحرام بمائة ألف صلاة كل ما زيد فيه فهو تبع الأصل، ومسجده كان أصغر مما هو اليوم، وكذلك المسجد الحرام لكن زاد فيه من الخلفاء الراشدون ومن بعدهم وحكم الزيادة وحكم المزيد في جميع الأحكام.

(المتن)

أحسن الله إليكم، ثم يسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبيه فإنه قد قال: «ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عَلَيْهِ السَّلَامُ» رواه أبو داود وغيره, وكان عبد الله بن عمر يقول إذا دخل المسجد: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف.

 وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه، ويسلمون عليه مستقبلي الحجرة مستدبر القبلة عند أكثر العلماء كمالك والشافعي وأحمد, وأبو حنيفة قال: يستقبل القبلة فمن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة ومنهم من قال:يجعلها عن يساره.

واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلي عليها, وإذا قال في سلامه:السلام عليك يا رسول الله يا نبي الله يا خيرة الله من خلقه يا أكرم الخلق على ربه يا إمام المتقين فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك إذا صلى عليه مع السلام عليه فهذا مما أمر الله به، ولا يدعوا هناك مستقبل الحجرة فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: ثم يسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم صاحبيه، يعني: أبي بكر وعمر فإنما دفنا في حجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجرة عائشة فيها ثلاث قبور يسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم صاحبيه، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد قال: «ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عَلَيْهِ السَّلَامُ» رواه أبو داود وغيره.

 وكان عبد الله بن عمر يقول إذا دخل المسجد: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف، وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه، ويسلمون عليه مستقبلي الحجرة مستدبر القبلة عند أكثر العلماء، هذا هو السنة يجعل القبر أمامه والقبلة خلفه وكذلك أَيْضًا في أقبر من القبور تزوره في المقبرة سواء كان قريبك أو غير قريبك تستقبل وجه الميت فتكون القبلة خلفك ووجه الميت أمامك.

كذلك أَيْضًا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هكذا تكون مستدبر الكعبة ويأتيك أول ما يأتيك على يسارك المكتوب عليه قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم على اليمين قبر أبو بكر ثم قبر عمر، وأبو حنيفة يقول: يستقبل القبلة حينما يزور النبي، ومن أصحابه من قال: يستدر الحجرة ومنهم من قالك يجعلها على يساره، والصواب ما كمالك والشافعي وأحمد, وأبو حنيفة قال: يستقبل القبلة فمن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة ومنهم من قال:يجعلها عن يساره.

والصواب ما عليه جمهور العلماء، أنه يستدبر القبلة ويستقبل وجه الميت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيره، واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلي عليها؛ لأنه سبق أن قال المؤلف: أن هذا من البدع من أقبح البدع، يستلم الحجر يعني: يمسحه بيده ولا يقبلها بشفتيه ولا يطوف بها كما يطوف بالكعبة ولا يصلي لها كل هذا من البدع.

 وإذا قال في سلامه:السلام عليك يا رسول الله يا نبي الله يا خيرة الله من خلقه يا أكرم الخلق على ربه يا إمام المتقين فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي ♥ ، وكذلك إذا صلى عليه مع السلام عليه فهذا مما أمر الله به.

 والصلاة والسلام عليك يا رسول الله يا خيرة الله من خلقه يا إمام المتقين، وإذا قال: أشهد أنك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين حسن هذا كله من صفات رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يتقدم ويسلم عل الخلفاء، السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا خليفة رسول الله غفر الله لك ورحمك وجازاك الله عن أمة محمد خير حسن، يسلم على عمر السلام عليك يا عمر الفاروق غفر الله لك ورحمك وجازاك الله عن أمة محمد خير حسن، لكن ابن عمر ما يزيد على هذا، السلام عيك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عيك يا أبت ثم ينصرف.

قال المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ تعالى: ولا يدعوا هناك مستقبل الحجرة فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة، ما يدعوا أراد أن يدعوا يستقبل القبلة، يستقبل القبر ويدعوا هذا من البدع كذلك في المقبرة ما في دعاء في المقبرة ولا صلاة إذا أردت أن الدعاء والصلاة اذهب إلى المساجد.

كذلك إذا كانت في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أردت الدعاء استقبل القبلة فلا يدعوا وهو مستقبل الحجرة فإن هذا كله منهي عنه ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك.

(المتن)

أحسن الله إليكم، والحكاية المروية عنه أنه أمر المنصور أن يستقبل الحجرة وقت الدعاء كذبٌ على مالك، ولا يقف القبر الدعاء نفسه فإن هذا بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعوا لنفسه ولا إن كانوا يستقبلون القبلة ويدعوان في مسجده،فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اللهم لا تجعل قبري وثن يُعبد».

وقال: «لا تجعلوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني», وقال: أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي، فقالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت "أي بليت" قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فأخبر أنه يسمع الصلاة والسلام من القريب وأنه يُبلغ ذلك من البعيد.

وقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكنه كره أن يتخذ مسجداً» أخرجه في الصحيحين، فدفنته الصحابة في موضعه الذي مات فيه من حجرة عائشة وكانت وسائر الحجر خارج المسجد من قبليّه وشرقيّه, لكان في زمن الوليد بن عبد الملك عَمر هذا المسجد وغيره، وكان نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز فأمر أن تشترى الحجر ويزاد للمسجد فدخلت الحجرة في المسجد من ذلك الزمان وبنيت منحرفة عن القبلة مسنمة لئلا يصلى أحد إليها، فإنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» رواه مسلم, عن أبي مرتد الغنوي والله أعلم.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ:والحكاية المروية عنه أنه أمر المنصور أن يستقبل الحجرة وقت الدعاء كذبٌ على مالك، الرواية تقول: لما تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم هذا كذب، أن المنصور قال للإمام مالك: إذا أدرت الدعاء استقبل القبلة قال: لا تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم يقول: هذا كذب المؤلف عن المنصور أن أمر المنصور أن يستقبل الحجرة وقت الدعاء كذبٌ على مالك.

ولا يقف القبر الدعاء نفسه فإن هذا بدعة، إذا أردت أن تدعوا لنفسك اذهب إلى مكان آخر واستقبل القبلة وادعوا فإن هذا بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعوا لنفسه، ما في أحد من الصحابة يقف عند قبره ويدعوا لنفسه أبدًا، ولكن كانوا يستقبلون القبلة ويدعوان في مسجده، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اللهم لا تجعل قبري وثن يُعبد».

وقال: «ولا تجعلوا قبري عيدًا ولا تجلعوا قبري وثنًا يعبد» قال ابن القيم رَحِمَهُ اللّهُ: أجاب الله دعاء نبيه، استجاب الله دعاء نبيه فلم يكن وثنًا يعني أحد يباشره بالشرك ولكن بينه وبينه حاجز، وقال: لا تجعلوا قبري عيدا،يعني لا تجعلوه كالعيد الذي تكررون الزيارة تجعلون كالعيد الذي يتكرر ويعود، يعني: تكثرون الترداد والتكرار لا حاجة إلى التكرار والتردد لكن في وقت دون وقت.

لا تجعلوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبور، يعني صلوا فيها فإن القبور لا يصلى فيها، لا تجعلوا بيوتكم قبورا يعني تعطلوها من الصلاة والقراءة تكون كالقبور، وصلوا علي حيثما كنتم فإذن صلاتكم تبلغني» رواه الإمام أحمد وأبو داود فهذه الحديث صحيح، «لا تجعلوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني».

لا تجعلوا قبري عيدًا فتكرروا الزيارة وتكثروا من الزيارة كل يوم كل يوم مرتين، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا فتعطلوها من الصلاة والدعاء فتكون كالقبور، وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلتكم تبلغني، ولما رأى علي بن حسين زيد العابدين، علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تجعلوا قبري عيدا يعني: لا تكثروا من الترداد فيكون كالعيد الذي يعود ويتكرر.

ولا تجعلوا بيوتكم قبورا يعني تعطلوها من الصلاة والقراءة فتكون كالقبور، فصلوا فيها صلوا في بيوتكم واقرؤوا فيها القرآن ولا تجعلوها كالمقابر، وصلوا علي حيثما كنتم فصلاتكم تبلغني.

قد روى علي بن حسين زيد العابدين حديثًا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبرني أبي الحسين عن جدي عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه علي بن حسين رأى رجلًا إلى فرجت من القبر فيدعوا فنهاه علي بن حسين، وقال: ما أنت ورجلٌ بالأندلس سواء ، أنت والموجود في أسبانيا واحد.

ثم روى الحديث عن أبيه الحسين عن جده علي بن أبي طالب عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «صلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم»، «لا تجعلوا قبري عيدا ولا تجعلوا بيوتكم قبروا وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تعرض علي حيثما كنتم».

انظر قول العلماء، انظر إلى هذا الحديث من مشكاة النبوة خرج، علي بن حسين بن علي بن أبي طالب روى هذا الحديث ونهى هذا الرجل الذي يأتي إلى القبر، وقال: ما أنت ورجل بالأندلس إلا سواء، ادعوا في أي مكان نهاه، وروى له الحديث.

وقال: أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي، فقالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت، يعني: وقد بليت، قال ♥ : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، الأنبياء أجسادهم باقية ما تأكلها الأرض، وأما الشهداء فوجد منهم بقي جسد مدة طويلة، قال العلماء: فيحتمل والله أعلم أن كلما كانت الشدة أعظم كلما كان بقاء جسده أكثر، ولكن الأنبياء حياتهم أكبر من حياة الشهداء وأجسادهم حرم الله على الأرض هذا تحريم قدري، يوجد تحريم شرعي وتحريم قدري.

تحريم شرعي: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23]، تحريم قدري: حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، مثل قوله تعالى عن بني إسرائيل قال: {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 26]، تحريم قدري.

حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء، فأخبر أنه يسمع الصلاة والسلام من القريب وأنه يُبلغ ذلك من البعيد تبلغه الملائكة، البعيد تبلغه الملائكة والقريب يسمعه، وقال: «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلو» في مسلم «لعن الله الذين اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» هذه مهمة"وصالحيهم" قالت عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره ولكنه كره أن يتخذ مسجداً» أخرجه في الصحيحين.

لولا أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خشي أن يتخذ قبره مسجدًا لأبرز قبره، عائشة تقول: النبي خشي أن يتخذ قبره مسجد ولذلك دفن في المكان الذي مات فيه في حجرة عائشة، و أَيْضًا جاء في الحديث أن كل نبيٍ يدفن في المكان الذي مات فيه.

يعني عائشة قال: إنه السبب دفن في حجرتها أنه خشي أن يتخذا مسجدًا له في الإسلام، ولكن هذا أمر آخر وهو أنه كل نبيٍ يدفن في المكان الذي مات فيه، وهو مات في حجرة عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها قالت ولولا ذلك لولا أنه خشي أن يتخذ مسجدًا لأبرز قبره ولم يدفن في الحجرة، لكنه كره أن يتخذ مسجًد أخرجه في الصحيح.

 فدفنته الصحابة في موضعه الذي مات فيه من حجرة عائشة، لأمرين الأمر الأول أنه خشي أن يتخذ مسجدًا، والأمر الثاني كل نبيٍ يدفن في المكان الذي مات فيه، فدفنته الصحابة في موضعه الذي مات فيه من حجرة عائشة وكانت وسائر الحجر خارج المسجد حجر عائشة وسائر الحجر خارج المسجد، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له تسع نسوة بنى لكل واحدة بيت ولك بيت حجرة واحدة.

حجرة عائشة ليست طويلة السقف قريب وكانت عائشة معترضة عليه وهو يصلي، فإذا قام للصلاة مدة رجلها وإذا أراد أن يسجد غمزها فكفت رجلها، حجرة صغيره هذه حجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الحجرة الذي نزل فيها الوحي، قال: مالي وللدنيا إنما أنا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها ♥.

لو أراد أن تسير له الجبال ذهباً لسير له، لكنه ♥ أثر ما عند الله، وكانت حجرة عائشة وجميع الحجر خارج المسجد، خارج مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كيف أدخلت؟ قال: كانت خارج المسجد من قبليّه وشرقيّه, كانت الحجرة بعضها قبلة وبعضها شرق، القبلة الجنوب معروف قبلة المسجد النبوي جنوب حجرة عائشة شرق الآن.

و لكان في زمن الوليد بن عبد الملك عَمر هذا المسجد يعني المسجد النبوي وسع المسجد النبوي، وكان نائبه على المدينة عمر بن عبد العزيز فأمر أن تشترى الحجر ويزاد في المسجد فدخلت الحجرة في المسجد من ذلك الزمان، يعني: عبد المالك بن مروان لما أراد أن يوسع المسجد النبوي وسع المسجد وأدخل الحجر.

ونصحه العلماء ألا يدخل الحجر وأن يوسع من الجوانب الأخر لكنه لم يقبل، فأدخل الحجر كلها الحجر كلها زالت بقيت حجرة عائشة أدخل البيت كامل، فأمر أن تشترى الحجر ويزاد في المسجد فدخلت الحجرة في المسجد من ذلك الزمان وبنيت منحرفة عن القبلة مسنمة لئلا يصلى أحد إليها، فإنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها» رواه مسلم, عن أبي مرتد الغنوي والله أعلم.

يعني لما أدخلت المسجد والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «اللهم لا تجعل قبري وثن يعبد»، بني عليه جدار مثلث من جهة الشمال يعني القبلة في الجنوب من جهة الشمال ثلاث جدران وجُعل من جهة الشمال مسنم زاوية حتى ما يستطيع أحد أن يستقبلها، ولهذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهم لا تجعل قبري وثن يعبد»، قال ابن القيم رَحِمَهُ اللّهُ فأجاب رب العالمين دعائه وأحاطه بثلاثة جدران حتى غدت أرجائه بدعائه في عزة وحماية وصيان.

يعني بنيت ثلاثة جدران وجُعل مسن من جهة الشمال فيأتي الإنسان يصلي ما يستطيع أن يستقبل؛ لأنه زاوية هذا في الأول، والآن صارت الحجرات الثلاث فيها الآن وصار بعيدًا عنه مسافة وصار في ناس الآن في دكه خلف الحجرة يأتي بعض الناس يقصد هذه الدكه يجلسون فيها بعضهم يقرأ القرآن وهذا خطأ أن يقصد هذا المكان المقصود أن الجدار كان مسنم ثم بعد ذلك جاء البناء الثاني الآن فصار الآن الحجرة بعيدة الآن.

ويقول بعض الناس: إنكم تقولون: إن الصلاة في المسجد لا تجوز يعني المسجد الذي فيه قبر، وقبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد كيف الجواب؟ والجواب أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ممنوع أن يدفن الميت في المسجد أو يبنى المسجد على قبره، وهذا غير موجود.

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دفن في المسجد وإنما دفن في بيته والبيت خارج المسجد ومسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بني على قبره، هو ما بني على قبره هو بنى مسجده وهو حي ♥ فهذا المسجد ما بني على القبر، والقبر ما دفن في المسجد لا هذا ولا هذا، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات في بيته ودفن في بيته والبيت خارج المسجد لكن جاء الوليد وأدخل البيت كامل، فدخل البيت كامل في المسجد.

الخطأ خطأ الوليد بن عبد الملك، إنه أدخل البيت، المقصود إنه ما يصدق على مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه يقال: مسجد فيه قبر، بل يقال: أن مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيه قبر ولم يبنى المسجد على قبره ولم يدفن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المسجد لا هذا ولا هذا، ولكنه دفن في بيته, لكن الوليد لما وسع المسجد أدخل البيت كامل، فدخل هذه الحجرة.

(المتن)

أحسن الله إليكم، أنواع زيارة القبور وزيارة القبور على وجهين زيارة شرعية وزيارة بدعية:

 فالشرعية: المقصود بها السلام على الميت "هذا بحث عقدي جيد"، أحسن الله إليك والدعاء له، كما يقصد بالصلاة على الجنازة، كما يقصد بصلاته على جنازته فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه فالسنة أن يسلم على الميت ويدعوا له سواء كان نبياً أو غير نبي كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا أحدهم : «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم».

 وهكذا إذا زار أهل البقيع ومن به من الصحابة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُم وغيرهم أو زار شهداء أُحد أو غيرهم, وليست الصلاة عند قبورهم أو قبور غيرهم مستحبة عند أحد من أئمة المسلمين, بل الصلاة في المساجد التي ليس فيها قبر أحد من الأنبياء والصالحين وغيرهم أفضل من الصلاة في المساجد التي فيها ذلك، باتفاق أئمة المسلمين, بل الصلاة في المساجد التي على القبور إما محرمة وإما مكروهة.

(الشرح)

 هذه الزيارة ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ زيارة القبور على وجهين زيارة شرعية وزيارة بدعية، وسيأتي أن الزيارة البدعية تنقسم إلى قسمين زيارة شركية وزيارة بدعية، الزيارة الشركية أن يدعوا الميت أو يذبح له أو يندر، يزور الميت ويدعوا له ويذبح له أو يندر له أو يدعواه من دون الله هذا شرك.

والزيارة البدعية يزوره يقرأ القرآن عنده أو يصلي عنده يطيل المكث عنده هذه بدعة أما الزيارة الشرعية كما ذكر المؤلف المقصود منها شيئان فيها فائدة للحي وفائدة للميت، فائدة للحي يرق قلبه ويتذكر الموت والآخرة، وفائدة للميت وهي الدعاء له، يدعوا له يدعوا للميت ويترحم عليه ويستفيد الميت, والحي يستفيد لأن قلبه يتذكر الآخرة.

هذا المقصود من الزيارة الشرعية قال: الشرعية: المقصود بها السلام، تسلم عليه وتدعو له وأنت تستفيد مأجور تستفيد من السلام وعليه والزيارة أنت ليك أجر، ومن جهة أخرى يرق قبلك وتتذكر الآخرة والميت منتفع هذه الزيارة حينما تدعو له وتزوره فالميت ينتفع ولاحي ينتفع هذه الزيارة الشرعية.

الزيارة الشرعية المقصود بها السلام على الميت والدعاء له، كما يقصد بالصلاة على الجنازة، تصلي على جنازة تدعو له وأنت لك أجر القيراط إذا صليت على الجنازة وتدعو للميت اللهم اغفر له اللهم ارحمه، فأنت مستفيد والميت مستفيد، الصلاة على الجنازة وزيارة القبر.

فالزيارة الشرعية المقصود بها السلام على الميت والدعاء له، كما يقصد بصلاته على جنازته فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه، فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه، الصلاة عليه فيها فائدة للحي وفيها فائدة للميت، الحي له قيراط والميت يدعى له، الزيارة كذلك بعد الموت فيها فائدة للحي يرق قلبه ويتذكر الآخرة ويحصل الأجر للزيارة والميت يدعوا له ويستفيد من الدعاء.

فزيارته بعد موته من جنس الصلاة عليه فالسنة أن يسلم على الميت ويدعوا له سواء كان نبياً أو غير نبي، الرسول تدعو له وتصلي وتسلم عليه ويدعوا له سواء كان نبيًا أو غير نبي، كما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمر أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا أحدهم : «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم»، هذا أخرجه الإمام مسلم.

هكذا يشرع للمسلم، وهكذا إذا زار أهل البقيع ومن به من الصحابة أوغيرهم أو زار شهداء أُحد أو غيرهم, يدعوا لهم هكذا «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم».

قال المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: وليست الصلاة عند قبورهم أو قبور غيرهم مستحبة عند أحد من أئمة المسلمين, كونه يصلي ركعتين عند القبر ليست مستحبة، بل الصلاة في المساجد التي ليس فيها قبر أحد من الأنبياء والصالحين وغيرهم أفضل من الصلاة التي في المساجد التي فيها ذلك، باتفاق أئمة المسلمين, الصلاة في المسجد الذي ليس فيه قبر أفضل من الصلاة الذي فيه قبر، بل الصلاة في المساجد التي على القبور إما محرمة وإما مكروهة.

والنصوص دلت على أنها محرمة، لا تصلوا إلى القبور، حديث أبي مرتد الغنوي «لا تجلسوا على قبوري ولا تصلوا إليها»، وفي الحديث «لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد».

إذا المؤلف قرر في موضع آخر أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر لا تجوز، ولا تصح الصلاة في المسجد الذي فيه قبر، والمؤلف هنا قال: إما محرمة وإما مكروهة ظاهرها أن الصلاة أنها الصلاة الصحيحة ومنهم من فرق بين الإقامة في القبلة وغير القبلة؛ لكن ظاهر الأدلة المنع وأنه لا تصح الصلاة في المسجد الذي فيه قبر.

والعبرة بالأقدم إن كان القبر هو الأول دفن القبر وبني عليه مسجد يجب هدم المسجد ويبنى في مكان آخر، وإن كان المسجد هو الأول ودفن فيه القبر يجب نبش القبر ويوضع في مكان آخر، السابق هو الذي يبقى إن كان المسجد هو الأول والقبر دفن فيه ينبش القبر ويوضع مع القبور، وإن كان القبر هو الأول وبني عليه مسجد يهدم المسجد ويبنى في مكان آخر, قال المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: بل الصلاة في المساجد التي على القبور إما محرمة وإما مكروهة.

(المتن)

الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، قال الإمام شَيْخُ الإِسْلَامِ ابن تيمية رَحِمَهُ اللّهُ تعالى في منسكه: والزيارة البدعية: أن يكون مقصود الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت أو يقصد الدعاء عند قبره أو يقصد الدعاء به فهذا ليس من سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا استحب أحدٌ من سلف الأمة وأئمتها، بل هو من البدع المنهي عنها باتفاق سلف الأمة وأئمتها.

(الشرح)

يعني الزيارة البدعية: تكون زيارة شركية أو زيارة بدعية يقصد بها الشرك، المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ دمج النوعين الزيارة ثلاثة أنواع زيارة شرعية كما سبق وزيارة شركية وهي التي فيها الزائر الميت ويدعواه من دون الله أو يذبح له أو ينذر له يصف نوع من أنواع العبادة هذه زيارة شركية.

والثاني زيارة بدعية تصل إلى الشرك يفعل الزائر أمرًا مبتدع على أن يصل إلى الشرك كأن يزور الميت ويقرأ القرآن عنده، أو يصلي ركعتين لله عنده أو يطيل المكث عنده هذا كله من البدع التي تصل إلى الشرك يصلي لله لا يصلي للميت، العلماء يقولون: إن الشيطان يستدرج من لسانه الأول يصلي لله ثم يقول: صلي للقبر، يدعوا الله يقول: لا ادعوا صاحب القبر وهكذا هي وسيلة، زيارة بدعية هي وسيلة للشرك.

فتجده في أول الأمر يطيل المكث عند القبر ويصلي لله ثم يستدرجه الشيطان ثم يصلي لصاحب القبر، يدعوا الله لنفسه ثم يستدرجه الشيطان فيدعوا الميت فيقع في الشرك، الزيارة للميت للصلاة عنده أو الدعاء عنده أو قراءة القرآن عنده هذه بدعة.

والزيارة الشركية أن يدعوا الميت أو يذبح له أو ينذر له أو يصف له نوعًا من أنواع العبادة، لهذا المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ دمج النوعين فقال: الزيارة البدعية: أن يكون مقصود الزائر أن يطلب حوائجه من ذلك الميت، إذا طلب حوائجه من ذلك الميت فصار مشرك، قال للميت: اشفع لي، رد غائبي، اغفر ذنبي، أدخلني الجنة، نجني من النار، اشفي مريضي، شرك هذا شرك.

نحن ما ندعو إلا الله، {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} [فاطر: 14]، {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106].

أن يقصد حوائجه من ذلك الميت أو يقصد الدعاء عند قبره، هذه وسيلة هذه البدعة أو يقصد الدعاء به، يدعوا بالميت أسألك يا الله بفلان بالميت يجعله وسيلة يتوسل بدعته وهذا بدعة أَيْضًا, فهذا ليس من سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا استحب أحدٌ من سلف الأمة وأئمتها، بل هو من البدع المنهي عنها باتفاق سلف الأمة وأئمتها.

وهذه المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ ما فصلها هنا ... قال: أن يقصد حوائجه من ذلك الميت هذا شرك، أو يقصد الدعاء عند قبره هذا بدعة، أو يقصد الدعاء به.

(المتن)

أحسن الله إليكم، وقد كره مالك وغيره أن يقول القائل: زرت قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا الفظ لم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل الأحاديث المذكورة في هذا الباب مثل قوله:-«من زارني، وزار أبي إبراهيم في عام واحد، ضمنت له على الله الجنة»، وقوله: «من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي».

«ومن زارني بعد مماتي حلت عليه شفاعتي» ونحو ذلك, كلها أحاديث ضعيفة، بل موضوعة ليست في شيء من دواوين الإسلام، التي يعتمد عليها، ولا نقلها إمام من أئمة المسلمين لا الأئمة والأربعة ولا نحوهم.

 ولكن روى بعضها البزار، والدارقطني ونحوهما بأسانيد ضعيفة، ولأن من عادة الدارقطني وأمثاله يذكرون هذا في السنن ليعرف، وهو وغيره يبينون ضعف الضعيف من ذلك، فإذا كانت هذه الأمور التي فيها شرك وبدعة نهى عنها عند قبره وهو أفضل الخلق فالنهى عن ذلك عند قبر غيره أولى وأحرى.

(الشرح)

 يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: وقد كره مالك وغيره أن يقول القائل: زرت قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما يقول: زرت قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: زرت المسجد النبوي أو سلمت على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الفظ لم ينقل عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل الأحاديث المذكورة في هذا الباب مثل قوله:«من زارني، وزار أبي إبراهيم في عام واحد، ضمنت له على الله الجنة»، هذا موضوع، «من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي», «ومن زارني بعد مماتي حلت عليه شفاعتي» ونحو ذلك, ومثله حديث: «من حج لو لم يزرني فقد جفاني» كل هذه الأحاديث موضوعة.

قال المؤلف: كلها أحاديث ضعيفة، بل موضوعة، يقول المؤلف: انظر إلى ضعفها وتفريدها الصادم والمنكي في الرد بن السبكي لابن عبد الهادي، ليست في شيء من دواوين الإسلام، التي يعتمد عليها، ولا نقلها إمام من أئمة المسلمين لا الأئمة والأربعة ولا نحوهم.

 ولكن روى بعضها البزار، والدارقطني ونحوهما بأسانيد ضعيفة، ولأن من عادة الدارقطني وأمثاله يذكرون هذا في السنن ليعرف، ليعرف أنه ضعيف هذا مقصده، يعني: يعرف هذا الموجود في الباب هذا ضعيف يذكرون بالسند، ولأن من عادة الدارقطني وأمثاله يذكرون هذا في السنن ليعرف.

 وهو وغيره يعني: الدارقطني يبينون ضعف الضعيف من ذلك، ولذلك برأت عهدتهم برؤوا من العهدة، وهو وغيره يبينون ضعف الضعيف من ذلك فإذا كانت هذه الأمور التي فيها شرك وبدعة نهى عنها عند قبره وهو أفضل الخلق فالنهى عن ذلك عند قبر غيره أولى وأحرى, إذا كان النبي نهى أن تقف عند قبره فلا تقف عند قبر غيره من باب أولى.

(المتن)

أحسن الله إليكم، ويستحب أن يأتي مسجد قباء ويصلى فيه فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من تطهر في بيتي وأحسن الطهور ثم أتى إلى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان له كأجر عمرة» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.

وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «الصلاة في مسجد قباء كعمرة»، قال الترمذي حسن.

(الشرح)

هذا الحديث: ويستحب أن يأتي مسجد قباء ويصلى فيه فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من تطهر في بيتي وأحسن الطهور ثم أتى إلى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان له كأجر عمرة» رواه أحمد في المسند والنسائي وابن ماجة من حديث سهل بن حنيف وفيه محمد بن سلمان الكرماني قال الحافظ مقبول.

والمقبول إذا تبع يكون حسن، له شواهد، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الصلاة في مسجد قباء كعمرة»، قال الترمذي حسن، هذه يشهد له يكون شاهد له، «الصلاة في مسجد قباء كعمرة»، قال الترمذي حسن، قال الجامع في حسن غريب وعلى هذا يقبل الحديث يشد أحدهما الآخر، فيدل على أن مسجد قباء تشرع الصلاة فيه وأنها كأجر عمرة، هذا فضل عظيم.

(المتن)

أحسن الله إليكم، والسفر إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف مستحب في أي وقت شاء سواءً كان عام الحج أو بعده،ولا يفعل فيه وفي مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ما يفعل في سائر المساجد، وليس فيها شيء يتمسح به ولا يقبل ولا يطاف به هذا كله ليس إلا في المسجد الحرام خاصة.

ولا تستحب زيارة الصخرة بل المستحب أن يصلى في قبلي المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين، ولا يسافر أحد ليقف بغير عرفات ولا يسافر للوقوف بالمسجد الأقصى ولا للوقوف عند قبر أحد لا من الأنبياء ولا المشايخ ولا غيرهم باتفاق المسلمين، بل أظهر قول العلماء أنه لا يسافر أحد لزيارة قبر من القبور.

ولكن تزار القبور بالزيارة الشرعية من كان قريبًا ومن اجتاز بها، كما أن مسجد قباء يزار من المدنية وليس لأحد أن يسافر إليه لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: السفر إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف مستحب؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «تشد الرحال إلى ثلاث مساجد» وهو أحد المساجد الثلاثة، والصلاة فيه والدعاء والذكر والقراءة والاعتكاف مستحب في أي وقت شاء سواءً كان عام الحج أو بعده،ولا يفعل فيه وفي مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا ما يفعل في سائر المساجد.

 وليس فيها شيء يتمسح به ولا يقبل ولا يطاف به هذا، لا في المسجد الأقصى ولا في المسجد النبوي، قال: هذا كله ليس إلا في المسجد الحرام خاصة، الحجر الأسود يمسح ويقبل، والركن اليماني يمسح ولا يقبل، والحجر الأسود يمسح ويقبل، إذا ما في شيء يسمح ويقبل إلا الحجر الأسود يسمح ويقبل، والركن اليماني يمسح ولا يقبل، ولا شيء في الدنيا أحد يطاف به إلا الكعبة.

فلا يطاف في المسجد الأقصى ولا في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا في حجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا كله ليس إلا في المسجد الحرام خاصة، ولا تستحب زيارة الصخرة، صخرة بيت المقدس ما يستحب زيارتها، بل المستحب أن يصلى في قبلي المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب للمسلمين، صلي بالمسجد أما الصخرة ما فيها فضل الخاصة.

 ولا يسافر أحد ليقف بغير عرفات، هذا خاص بالحج منسك من مناسك الحج، ولا يسافر للوقوف بالمسجد الأقصى، ما في وقوف بالمسجد الأقصى، ولا للوقوف عند قبر أحد لا من الأنبياء ولا المشايخ ولا غيرهم باتفاق المسلمين، قال: بل أظهر قول العلماء أنه لا يسافر أحد لزيارة قبر من القبور، الحديث: «لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد» والأظهر قول العلماء يعني: في قول آخر، لا بأس من الزيارة زيارة القبور وهذه مسألة شد الرحال إلى القبور المسألة امتحن فيها شَيْخُ الإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللّهُ.

كان المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ هنا قال: بل أظهر قول العلماء، وفي موضع آخر بين أنها لا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة، قال: ولكن تزار القبور بالزيارة الشرعية من كان قريبًا ومن اجتاز منها، كان في البلد أو قريب منه يزوره، كما أن مسجد قباء يزار من المدنية وليس لأحد أن يسافر، يسافر من الرياض إلى قباء إنما يسافر إلى المسجد النبوي لا بأس، وليس لأحد أن يسافر إليه؛ لنهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة.

(المتن)

أحسن الله إليكم، بناء الدين على أصلين:

 وذلك أن الدين مبنى على أصلين: أن لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، ولا يعبد إلا بما شرع لا نعبده بالبدع كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110], ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل فيه لأحد شيئاً".

 وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: 7]، قال: أخلصه وأصوبه، قيل يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه،قال: إن العمل إذا كان خاصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإن كان صوابًا ولم يكن خاصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صواباً، والخالص أن يكون لله, والصواب أن يكون على السنة.

 وقد قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، والمقصود بجميع العبادات أن يكون الدين كله لله وحده، فالله هو المعبود والمسئول الذي يخاف ويرجى ويسأل أو يعبد فله الدين خالصاً: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83]، والقرآن مملوء من هذا.

كما قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 1 - 3] ،إلى قوله تعالى {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 14]، إلى قوله {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64]، وقالت تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 79]، الآيتين، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ} [الإسراء: 56]، الآيتين.

(الشرح)

الدين مبني على أصلين: الأصل الأول أن لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، وهذا هو تحقيق شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، والثاني:أن لا يعبد إلا بما شرع لا نعبده بالبدع، وهذا هو تحقيق شهادة أن محمد رسول الله، وهذان الأصلان هما أصل الدين وأساس الملة، أن لا يعبد إلا الله وأن لا يعبد إلا ما شرع.

دل عليه قول الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110], فالعمل الصالح ما كان موفقاً للشرع وما خالفه بدعة، والعمل الذي ليس فيه شرك هو الخالص لله وما خالفه يكون شرك، وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [لقمان: 22]، وإسلام وجه: إخلاص العمل لله، والإحسان هو أن يكون العمل موافقًا للشرع.

قال تعالى : {لَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [البقرة: 112]، في حديث عمر بن الخطاب في الصحيحين:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى»، هذا الأصل الأول والأصل الثاني دل عليه الحديث في الصحيحين من حديث عائشة «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه الشيخ خالد، وفي لفظ لمسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرًا فهو رد».

وإذا تخلف الأصل الأول حل محله الشرك، وإذا تخلف الأصل الثاني حل محله البدع، والأول تحقيق شهادة أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ والثاني تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وأشهد أن محمد رسول الله وهما أصل الدين وأساس الملة بهما يدخل الإنسان في الإسلام وبهما يخرج من الدنيا، «ومن كان آخر كلامه لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ دخل الجنة».

فالدين مبني على أصلين أن لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له هذا الأصل الأول، والثاني ألا يعبد إلا بما شرع أن نعبده كما قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف: 110]، العمل الصالح ما كان موافقًا للشرع، {وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، هذا هو الخالص لله.

 ولهذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في دعائه: "اللهم اجعل عملي كله صالحاً، هذا الأصل الثاني، العمل الصالح هو الموافق للشرع واجعله لوجهك خالصاً، هذا الأول وهو أن يكون لله ولا تجعل فيه لأحد شيئاً".

 وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] ، {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، أيها المسلمون أيها الناس أيكم أحسن عملًا، قال الفضيل بن عياض رَحِمَهُ اللّهُ في تفسير الآية فسر قوله: " أَحْسَنُ عَمَلًا" قال: أخلصه وأصوبه، الأحسن هو الأخلص والأصوب، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، أحسن يعني: أخلص وأصوب عملًا.

قيل يا أبا علي كنية أبو الفضيل يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه فسر لنا؟،فقال: إن العمل إذا كان خاصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإن كان صوابًا ولم يكن خاصًا لم يقبل حتى يكون خالصًا صواباً، والخالص أن يكون لله, والصواب أن يكون على السنة.

العمل إذا كان خالصًا لله، لكنه ما هو صواب على السنة ما ينفع، مثل التعبد بالبدع، يريدون وجه الله ما ينفع، كذلك الذي يتعبد بالبدع وإن كان عمله لله ما ينفع، ما ينفعه حتى يكون العمل موافقًا للشرع، ما ينفع كونه خالصًا لغير لله، يقول: أنا أريد أن أصلي صلاة سادسة لله خالصة لوجه الله، يقول: لا تمنعوني لله فريضة سادسة، نقول: هذا بدعة، وإذا شخص صلى صلاة لكن ما يؤديها كما أمر الله وأمر رسوله.

نقول: هذه صلاة باطلة ما تكمل الأركان والشروط، قال: خالصة لله لكن ما أديتها كما شرع الله، لابد من أمرين أن يكون لله وأن يكون موفقًا للشرع، الخالصة: أن يكون لله والصواب: أن يكون على السنة، وقد قال الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21]، فلابد الشرع أن يكون أذن الله به، والمقصود بجميع العبادات أن يكون الدين كله لله وحده هذا المقصود، من جميع العبادات التي شرعها لله أن يكون الدين لله وحده، فالله هو المعبود سبحانه وغيره معبود بالباطل {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج: 62]، فالله هو المعبود والمسئول الذي يخاف ويرجى ويسأل أو يعبد فله الدين خالصاً: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: 83]، والقرآن مملوء من هذا.

كما قال تعالى في أول سورة الزمر: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 1 - 3]، الشاهد: " فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ"، " أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ" الذي ليس فيه شيئًا لغيره.

قال: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} [الزمر: 14]، إلى قوله {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64]، وقال تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 79، 80] .

وقال تعالى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56]، من حال إلى حال أو تخفيفه أو نقله هذا كله بيد الله،" فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا" إذا كيف تدونه من دون الله؟ وهم لا يستطيعون ما عندهم لا كشف الضر ولا تحويله ولا تخفيفه ولا نقله من حال إلى حال.

(المتن)

أحسن الله إليكم، فصلٌ: وقالت: طائفة من السلف كان قومٌ يدعون الملائكة والأنبياء كالمسيح وأزير فأنزل اللهِ تَعَالَى هذه الآية قال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26].

(الشرح)

يعني: أنزل الله هذه الآية {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا} [الإسراء: 56]، وقالت: طائفة من السلف كان قومٌ يدعون الملائكة والأنبياء كالمسيح وأزير فأنزل اللهِ تَعَالَى هذه الآية.

(المتن)

{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} [الأنبياء: 26، 27]، الآيات ومثلها مثل هذا في القرآن كثير بل هذا مقصود القرآن ولبه وهو مقصود دعوة الرسل كلهم ولو خلق الخلق, كما قال تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

(الشرح)

 {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]، يعني الملائكة {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27]، قال: ومثلها مثل هذا في القرآن كثير بل هذا مقصود القرآن ولبه وهو مقصود دعوة الرسل أن تكون العبادة لله، وله خلق الخلق كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56], خلق الخلق لعبادة الله وتوحيده وإخلاص الدين لله.

(المتن)

أحسن الله إليكم، فيجب على المسلم أن يعلم أن الحج من جنس الصلاة ونحوها من العبادات التي يعبد الله بها وحده لا شريك له وأن الصلاة على الجنائز زيارة قبور الأموات من جنس الدعاء لهم والدعاء للخلق من جنس الإحسان.

الشيخ: كل هذا مبحث نفيس في العقيدة هذا، كل هذا في الزيارة في آخر المنسك.

أحسن الله إليكم، أحسن الله إليكم، فيجب على المسلم أن يعلم أن الحج من جنس الصلاة ونحوها من العبادات التي يعبد الله بها وحده لا شريك له وأن الصلاة على الجنائز زيارة قبور الأموات من جنس الدعاء لهم والدعاء للخلق من جنس الإحسان، والعبادات التي أمر الله بها توحيد وسنة وغيرها فيها شرك وبدعة.

كعبادات النصارى ومن أشبهم مثل قصد البقعة لغير العبادات التي أمر الله بها، فإنه ليس من الدين، ولهذا كان أئمة العلماء يعدون من جملة البدع المنكرة السفر لزيارة القبور الأنبياء والصاحين، وهذا في أصح القولين غير مشروع حتى صرح بعض من قال: أن من سافر هذا السفر لا يقصر فيه للصلاة؛ لأنه سفر معصية.

وكذلك من يقصد البقعة من أجل طلب مخلوق هي منسوبة إليه كالقبر والمقام، أو لأجل الاستعانة به ونحو ذلك، فهذا شرك وبدعة، كما تفعله النصارى ومن أشباه المبتدعة هذه الأمة، حيث يجعلون الحج والصلاة من جنس ما يفعلونه من الشرك والبدع، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر بعض أزواجه كنيسة بأرض الحبشة وذكر له عن حسنها وما فيه من التصاوير، فقال:

أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة، ولهذا نهى العلماء عما فيه عبادة لغير الله وسؤال لمن مات من الأنبياء والصالحين، مثل من يكتب رقعة ويعلقها عند قبر نبي أو صالح أو يسجد للقبر ويدعوه، أو يرغب إليه.

وقالوا: إنه لا يجوز بناء المساجد على القبور، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال قبل أن يموت بخمس ليال: «إلا من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجدآلا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن هذا» رواه مسلم.

وقال: لو كنت متخذ من أهل الأرض خليلًا، لا اتخذت أبا بكر خليل وهذه الأحاديث في الصحاح وما يفعله بعض الناس من أكل التمر في المسجد أو تعليق الشعر في القناديل بدعة مكروهة.

(الشرح)

هذه كلها بحث عقدي بحث مهم، مفيد عظم، يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: فيجب على المسلم أن يعلم أن الحج من جنس الصلاة ونحوها من العبادات التي يعبد الله بها وحده لا، فالحج يعبد الله به وحده، والصلاة يعبد الله به وحده، والزكاة يعبد الله به وحده، والصيام يعبد به الله وحده، فالحج كذلك من جنس الصلاة ونحوه من العبادات التي تعبد الله بها وحده لا شريك له، وأن الصلاة على الجنائز زيارة قبور الأموات من جنس الدعاء لهم، الصلاة على الجنائز المقصود بها: الدعاء للميت.

وكذلك زيارة القبور المقصود بها: الدعاء للميت من جنس الدعاء لهم، والدعاء للخلق من جنس المعروف الإحسان، الدعاء للخلق معروف مثل الزكاة والصدقة، الزكاة معروفة إحسان من الحي تدفع الزكاة تدفع الصدقة، كذلك أَيْضًا تدعوا له تدعوا للحي والميت هذا إحسان، والصلاة على الجنازة إحسان إلى الميت، زيارة قبره إحسان إليه، الصلاة على الجنازة وزيارة قبور الأموات من جنس الدعاء لهم، والدعاء للخلق من جنس المعروف والإحسان، الذي هو من جنس الزكاة.

فالدعاء للخلق الأموات والأحياء معروف وإحسان، والزكاة والصدقة معرف وإحسان، قال: والعبادات التي أمر الله بها توحيد وسنة وغيرها فيها شرك وبدعة، العبادات التي أمر الله بها توحيد وسنة، والعبادات التي يتعبد بها من خالف شرع الله شرك وبدعة، مثال ذلك: عبادات النصارى ومن أشبهم، شرك وبدعة.

ومن أشبهم مثل قصد البقعة لغير العبادات التي أمر الله بها، فإنه ليس من الدين، مثل لما قصد أبا هريرة الطور نهاه أبو بصلة الغفاري، قصد البقعة لغير العبادات التي أمر الله بها، فإنه ليس من الدين ولهذا كان أئمة العلماء يعدون من جملة البدع المنكرة السفر لزيارة القبور الأنبياء والصاحين.

شد الرحل هذا بين هنا رَحِمَهُ اللّهُ أكثر من بيانه السابق، السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، وهذا في أصح القولين غير مشروع، بعض المتأخرين يرون أنه لا بأس بالزيارة إلى القبور مثل شد الرحل امتحن فيها شَيْخُ الإِسْلَامِ ، والصواب أنه لا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاثة كما في الحديث.

 حتى صرح بعض من قال: أن من سافر هذا السفر لا يقصر فيه للصلاة؛ لأنه سفر معصية، يعني الزيارة للقبور السفر إلى زيارة القبور بدعة، ومن زار شد الرحل إلى القبر لا يقصر الصلاة لأنه مبتدع ولا يعان، قصر الصلاة هذا تخفيف، تخفيف عن الزائر والمبتدع لا يعان، ولا يخفف عنه فلا يقصر الصلاة، وكذلك من يقصد البقعة من أجل طلب مخلوق هي منسوبة إليه كالقبر والمقام، المقام الذي يسمونه مقامات مقام الولي، يقصد البقعة حتى يطلب من مخلوق، مقام السيد البدوي مقام نفيسة مقام كذا مقام عبد القادر الجيلاني يسمونه مقام.

يقصد البقعة لأجل الطلب من مخلوق كالقبر والمقام، أو لأجل الاستعانة به ونحو ذلك، فهذا شرك وبدعة، فلا يذهب إلى قبر يطلب حاجة منه ولا يستعيذ به فهذا شرك وبدعة كما تفعله النصارى ومن أشباه المبتدعة هذه الأمة، حيث يجعلون الحج والصلاة من جنس ما يفعلونه من الشرك والبدع، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما ذكر بعض أزواجه كنيسة رأينها بأرض الحبشة وذكر له عن حسنها وما فيه من التصاوير، فقال:

أولئك، خطاب الزوجة إذا مات فيهم الرجل الصالح بنو على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله، لماذا صاروا شرار الخلق؟ لأن بناء المساجد على القبور وسيلة للشرك، والشرك هو أعظم الذنوب، وفي الحديث الآخر: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد» حديث ابن عباس.

 من تدركه الساعة وهم أحيان؛ لأن الساعة ما تقوم إلا على الكفرة، والذين يتخذون القبور مساجد وسيلة للشرك الحديث عن هذا أخرجه البخاري ومسلم عرفه الشيخان، قال: ولهذا نهى العلماء عما فيه عبادة لغير الله وسؤال لمن مات من الأنبياء أو الصالحين، كل ما فيه عبادة لغير الله أو سؤال لما مات من الأنبياء والصالحين، مثل من يكتب رقعة ويعلقها عند قبر نبي أو صالح، يقول: يا فلان أكتب رقعة اشفعلي أعطني يعني: اقضي حاجتي كل هذا من وسائل الشرك.

بل هو شرك إذا دعاه مثل ما يكتب رقعة ويعلقها عند قبر نبي أو صالح أو يسجد للقبر أو يدعوه هذا شرك إذا سجد للقبر شرك لا يسجد إلا لله، أو يدعوه، أو يرغب إليه وقالوا: إنه لا يجوز بناء المساجد على القبور لِمَاذَا؟. لأنها وسيلة للشرك ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال قبل أن يموت بخمس ليال: «إلا من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد آلا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن هذا» رواه مسلم.

وقال: لو كنت متخذًا من أهل الأرض خليلًا، لا اتخذت أبا بكر خليل قال المؤلف: وهذه الأحاديث في الصحاح وما يفعله بعض الناس من أكل التمر في المسجد أو تعليق الشعر في القناديل بدعة مكروهة، أكل التمر في المسجد يعني: هذا إذا كان يعتقد أن هذا أنه من السنة أن تأكل التمر في المسجد، أما إذا كان التمر في المسجد لحاجته طعام أو إفطار فهذا لا شيء فيه.

لكن كان يفعلون بعض الناس يأكلون التمر يعني: يعتقد أنه كربة، يقول: بدلًا من أكله في البيت أكله في المسجد، إذا كان يعتقد هذا فبدعة، أو تعليق الشعر في القناديل فبدعة مكروهة.

(المتن)

أحسن الله إليكم، ومن حمل شيئًا من ماء زمزم جاز، قد كان السلف يحملونه، وأما التمر الصيحاني فلا فضيلة فيه بل غيره من التمر البرني والعجوة خير، والأحاديث إنما جاءت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل ذلك كما جاء في الصحيح: «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يصبه ذلك اليوم سم ولا سحر»، ولم يجئ عنه في الصيحاني شيء.

وقول بعض الناس إنه صاح بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهلًا منه بل إنما سمي بذلك ليبسه، فإنما يقال: تصوح التمر إذا يبس، وهذا كقول بعض الجهال العين الزرقاء جاءت معه مكة، ولم يكن بالمدينة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عين جارية لا الزرقاء ولا عيون حمزة ولا غيرهما بل كل هذا مستخرج بعده.

(الشرح)

المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ يقول: ومن حمل شيئًا من ماء زمزم جاز، هذا لا بأس ولازال الناس يحملون الماء؛ لأنه ماء مبارك وماء شريف، فإذا حمله فلا بأس، فقد كان السلف يحملونه، يعني هذا شيء يفعله السلف ، وأما التمر الصيحاني فلا فضيلة فيه بل غيره من التمر البرني والعجوة خير، لأن العجوة قال فيها حديث «من تصبح بسبع تمرات»، والبرني قال: إنه جيد.

والأحاديث إنما جاءت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مثل ذلك كما جاء في الصحيح: «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يصبه ذلك اليوم سم ولا سحر»، أما الصيحاني التمر الصياحني كان يسمى الصيحاني لما فيه الصوت، ولم يجئ عنه في الصيحاني شيء، وقول بعض الناس إنه صاح بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم بالصيحاني؛ لأنه صاح بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهلًا منه؛ بل إنما سمي بذلك ليبسه.

صار له صوت، فإنما يقال: تصوح التمر إذا يبس، وهذا كقول بعض الجهال العين الزرقاء، التي في المدينة جاءت معه مكة، جاءت مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءت العين انتقلت إلى مكة، ولم يكن بالمدينة على عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عين جارية لا الزرقاء ولا عيون حمزة ولا غيرهما بل كل هذا مستخرج بعده, هذا بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(المتن)

ورفع الصوت في المساجد منهي عنه وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد فقال: لو أعلم أنكم من أهل البلد لأوجعتكما ضربا إن الأصوات لا ترفع في مسجده» ، فمن يفعل بعض جهال العامة من رفع الصوت عقب الصلاة من قول السلام عليك يا رسول الله بأصوات عالية من أقبح المنكرات، ولم يكن أحد من السلف يفعل شيء من ذلك عقب السلام بأصوات عالية ولا منخفضة.

بل ما في الصلاة من قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته هو مشروع كما أن الصلاة عليه مشروعة في كل زمان ومكان، وقد ثبت في الصحيح أنه قال:-«من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشراً».

وفي المسند أن رجلًا قال: «يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي قال: إذاً يكفيك الله ثلث أمرك فقال: أجعل عليك ثلثي صلاتي قال إذاً يكفيك الله ثلثي أمرك قال أجعل صلاتي كلها عليك قال إذاً يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وأمر أخرتك».

وفي السنن عنه أنه قال: «لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا على حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني»، وقد رأى عبد الله بن حسن شيخ الحسنيين في زمنه رجلا ينتاب قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للدعاء عنده قال: يا هذا إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا على حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» فما أنت ورجل بالأندلس إلا سواء.

(الشرح)

 يقول المؤلف رَحِمَهُ اللّهُ: ورفع الصوت في المساجد منهي عنه وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «رأى رجلين يرفعان أصواتهما في المسجد، يعني: ما في الأدب كونه يرفع صوته في المسجد، فقال: لو أعلم أنكم من أهل البلد لأوجعتكما ضربا، قال: ترفعان صوتكم في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الأصوات لا ترفع في مسجده».

 فمن يفعل بعض جهال العامة من رفع الصوت عقب الصلاة من قولهم يعني في مسجد الرسول، السلام عليك يا رسول الله بأصوات عالية من أقبح المنكرات، ولم يكن أحد من السلف يفعل شيء من ذلك عقب السلام بأصوات عالية ولا منخفضة، يعني: يأتي بعد الصلاة يقول: السلام عليكم إنما يأتي بآداب ويسلم عليه.

بل ما في الصلاة من قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته هو مشروع، ولا كما يفعل البعض الصلاة عليك يا رسول الله الصلاة عليك يا رسول الله ما يحتاج أنت تصلي عليه في التشهد، كما أن الصلاة عليه مشروعة في كل زمان ومكان، وقد ثبت في الصحيح أنه قال:-«من صلى على مرة صلى الله عليه بها عشراً».

إذ يكف تصلي عليه ♥ ولا أحد يرفع الصوت، الحديث الأول أخرجه مسلم، والثاني وفي المسند وفي الحاشية يقول: أخرجه أحمد قال هيثم في المجموعة إسناده جيد، قال: يقول: يكون فيه محمد بن عبد الله بن عقيل المتكلم فيه، مسند أن رجلًا قال: «يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي، أظن أن القصة تحتاج إلى مراجعة إنه قصة أبي وأنه قال: خصص وقت للذكر في كل يوم ساعتين أو ثلاث أو أربع للذكر.

قال: يا رسول الله أجعل ثلث صلاتي قال: ما شئت، قال: أجعل لك ثلثي صلاتي قال: ما شئت، قال: أجعل لك كل صلاتي قال: يغفر ذنبك وتكفى همك، يعني هذا الوقت الذي خصصه ساعتين أو ثلاثة أو أربعة خصها للذكر، يقول: أجعل لك نصف هذا الوقت ثلت هذا الوقت للصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أجعل لك الثلثين أو أجعل لك كله، إذا جعلته كفيت همك وغفر ذنبك، يعني هذا وقت خصصه للذكر.

أظن هذا ما المراد عن أبي في المسند يراجع الحديث أظن هذا أبي قال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن رجلًا قال أجعل لك ثلث صلاتي يعني في الوقت الذي خصصه قال: إذاً يكفيك الله ثلث أمرك فقال: أجعل عليك ثلثي صلاتي قال إذاً يكفيك الله ثلثي أمرك قال أجعل صلاتي كلها عليك قال إذاً يكفيك الله ما أهمك من أمر دنياك وأمر أخرتك.

يراجع قدي يكون حديث آخر، لكن أذكر أنه أظنه أبي، وفي السنن عنه أنه قال: «لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا على حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني» سبق الحديث، وقد رأى عبد الله بن حسن شيخ الحسنيين في زمنه رجلًا ينتاب قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للدعاء عنده قال: يا هذا إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا على حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم» فما أنت ورجل بالأندلس إلا سواء.

سبق أن هذا ثبت عن علي بن الحسين زيد العابدين، عبد الله بن الحسن شيخ الحسني في زمنه يراجع هذا.

(المتن)

ولهذا كان السلف يكثرون الصلاة والسلام عليه في كل مكان وزمان, ولم يكونوا يجتمعون عند لقراءة ختمه ولا إقاد شمع ولا وإطعام وإسقاء ولا إنشاد قصائد ولا نحو ذلك بل هذا من البدع، بل كانوا يفعلون في مسجده ما هو المشروع في سائر المساجد من الصلاة والقراءة والذكر والدعاء والاعتكاف وتعليم القرآن والعلم وتعلمه ونحوه ذلك.

وقد علموا أن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له مثل أجر كل عمل صالح تعمله أمته فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً، وهو الذي دعا أمته إلى كل خير فكل خير يعمله أحد من الأمة فله مثل أجره، فلم يكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتاج إلى أن يهدى إليه ثواب الصلاة أو صدقة أو قراءة من أحد، فإنه له مثل أجر ما يعملونه من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا.

(الشرح)

يقول:ولهذا كان السلف يكثرون الصلاة والسلام عليه في كل مكان وزمان, لأنه ذكر مشروع وفيه أجر وثواب عظيم، ولهذا كان السلف يكثرون الصلاة والسلام عليه، قال ♥ «من صلى علي صلاة صلى الله به عليه عشر»، في كل مكان وزمان ولم يكونوا يجتمعون عند لقراءة ختمه، مثل ما يفعل بعض الصوفية وبعض الزهاد يجتمعون عند قبره لقراءة خاتمة هذه بدعة.

 ولا إقاد شمع، إقاد قبل أن توجد الكهرباء يقودون شمع، ولا وإطعام وإسقاء ولا إنشاد قصائد ولا نحو ذلك بل هذا من البدع، كونهم يجتمعون يقرؤون ختمة عند قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يوقدون شمعة أو يأكلون ويشربون أو ينشدون قصائد هذا من البدع، بل كانوا يفعلون في مسجده ما هو المشروع في سائر المساجد من الصلاة والقراءة والذكر والدعاء والاعتكاف وتعليم القرآن والعلم وتعلمه ونحوه ذلك.

هذا مشروع في مسجد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفي جميع المساجد، وقد علموا أن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له مثل أجر كل عمل صالح تعمله، الرسول له مثل أجر الأمة كلها، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً»، هذا من عدل«من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً».

مثل أنت دعوت شخص ما يصلي سنة الضحى فأنت قلت له: يا أخي صلي الضحى فيه فضيلة وفيه أجر وحث عليه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمر أبا هريرة ألا يدعها، ومن صلى ركعتين كأنما أدن السلاميات يستفاد مثل أجره.

دعوت شيخ مثلًا لصيام الاثنين والخميس، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر ثم استفاد لك مثل أجره، الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي دعا الأمة كله فله مثل أجور الأمة كلها، وقد علموا أن للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له مثل أجر كل عمل صالح تعمله، الرسول له مثل أجر الأمة كلها، فإنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً»

 وهو الذي دعا أمته إلى كل خير فكل خير يعمله أحد من الأمة فله مثل أجره، كل خير تعمله الأمة إلى قيام الساعة فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له مثل أجره، ولهذا كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل الأمة، أفضلها وأعظمها أجرًا ومنزلة في الجنة أعلى منزلة وهي الوسيلة, وسقفها عرش الرحمان، قال: وهو الذي دعا أمته إلى كل خير فكل خير يعمله أحد من الأمة فله مثل أجره.

 فلم يكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحتاج إلى أن يهدى إليه ثواب صلاة أو صدقة أو قراءة فإنه له مثل أجر ما يعملونه من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ما يحتاج أن تقول: أهدي النبي صلاة، أصلي ركعتين وأهديها للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أتصدق وأهدي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أصوم وأهدي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو أقرأ القرآن وأهديه للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول:ما يحتاج، للرسول له مثل أجرك.

سواء أهديته أو لم تهديه بل الإهداء بدعة، بل قال بعض العلماء نصوا على أنها بدعة، يعني الإهداء إهداء الثواب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعة وأما غيره فلا بأس، على خلاف بين العلماء، ما الذي يهدى، الذي يهدى للميت وينتفع به من سعي أربعة أشياء بالاتفاق.

الدعاء والصدقة والحج والعمرة، هذا بالاتفاق ما فيه خلاف، ينتفع من الدعاء ينتفع من الصدقة، ومثله الأضحية، وأختلف العلماء في العبادات كأن تصلي ركعتين وتهدي ثوابها للميت، هل يستحب؟ أو تصوم يوم وتهدي ثوابه للميت، أما صوم ما وجب على الميت من نذر أو كفارة رمضان هذا من مات وعليه صام عنه وليه، لكن تهديه ثواب صيام التطوع، تصوم وتهديه له.

أو مثلًا تقرأ القرآن وتهديه ثوابه للميت، أو تسبح وتهدي ثوابه للميت، أو تطوف بالكعبة سبعة أشواط وتهدي ثوابه للميت، هذا قال به بعض العلماء كالحنابلة والأحناف، وقول جمع من أهل العلم، وذكرها بن القيم رَحِمَهُ اللّهُ في كتابه ... نقله عن شرح الطحاوية وهو قول الجمهور.

والقول الثاني المنع؛ لأن العبادات توقيفية، الحظر والمنع وإنما تقتصر على هذه الأمور الأربعة وتقرأ القرآن لنفسك وتدعوا للميت، تطوف لنفسك وتدعوا للميت، تصلي ركعتين لنفسك وتدعوا للميت، تصوم لنفسك وتدعوا للميت هذا هو الأفضل والأرجح ذكرنا هذا في شرح (هداية الربانية) في هذا وبين الأقوال، وشرح الطحاوية نقلها عن بن القيم رَحِمَهُ اللّهُ.

ظاهر المذهب والعموم، مذهب العموم، ولهذا يقول البرافزات: وكل قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفى، أي قربة قرآن صدقة صلاة هكذا أخذ من العموم، ابن القيم رأى هذا في العموم وجمع من أهل العلم؛ لكن مذهب المالكية والشافعية من أظهر هو أنه يتقتصر على ما ورد.

لأن العبادات توقيفة وأصل العبادات الحظر والمنع، الرسول ♥ لا يهدى له شيء يهدى لغيره الرسول، فالذي أهدى ثواب للنبي بدعة؛ لأن النبي لأجرها فلا حاجة أن تهدي إليه؛ لكن تهدي لغيره ما في مانع، تهدي ثواب لأبي بكر أو لعمر أو لغيره ما في مانع، لكن تهدي للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ممنوع شرعًا له مثل أجر الأمة.

(المتن)

وكل من كان له أطوع وأبدع كان أولى الناس به في الدنيا والآخر قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108]، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إنما ولي الله هو صالح المؤمنين، وهو أولى بكل مؤمن من نفسه وهو الواسطة بين الله وبين خلقه وتبليغ أمره ونهيه ووعده ووعيده، الحلال ما حلله، والحرام ما حرمه والدين ما شرعه.

والله هو المعبود المسئول المستعان به الذي يخاف ويرجى ويتوكل عليه قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور: 52]، فجعل الطاعة لله والرسول كما قال تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وجعل الخشية التوى لله وحده.

(الشرح)

دعنا نقف على هذا البحث النفيس إِنْ شَاءَ اللهُ، نبدأ إِنْ شَاءَ اللهُ نكمله نبدأ في الرسالة في مسائل الجاهلية توزع غدًا إِنْ شَاءَ اللهُ.

 نعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريكَ له وأشهدُ أن محمدًا عبدهُ ورسولهُ، أما بعد:-

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسولهِ نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبه أجمعين. أما بعد:-

فقد كان الحديث بالأمس، قول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "ولا يستلم من الأركان إلا ركنين اليمانيين دون الشاميين فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما استلمهما خاصة لأنهما على قواعد إبراهيم. والآخران هما في داخل البيت".

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: لا يُستلم من أركان الكعبة إلا الركن اليماني والركن الأسود، قال: فالركن الأسود يستلم ويقبل، واليماني يُستلم ولا يُقبل. والآخران: يعني الشامي والعراقي لا يُستلمان ولا يُقبلان.

والاستلام معناه هو مسه باليد، والتقبيل هو التقبيل بالشفتين، يعني الركن الأسود يُقبل، يقبله الطائف بشفتيه ويمسحه بيده ويُكبر. والركن اليماني يمسحه بيدهِ ولا يُقبله ويُكبر، فإن لم يتمكن من التقبيل استلمه بيده وقبلها، فإن لم يتمكن من الاستلام بيده استلمه بعصا وقبلها، فإن لم يتمكن أشار إليه وكبر.

وأما الركن اليماني، إن تمكن من استلامهِ استلمه بيده وكبر ولا يقبله، فإن لم يتمكن فإنه لا يُشيرُ إليه ولا يُكبر، هذا هو الصواب.

والاستلام يقولُ المؤلف: "الاستلام هو مسحه باليد" وأما سائر الجوانب، سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد هذه فلا تُقبل.

وبين المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أن عدم استلام الركنين: الشامي والعراقي أنهما ليسا على قواعدِ إبراهيم، فهما داخل البيت؛ لأن قُريش لما تصدعت الكعبة وأرادت بناءها أرادوا أن يبنوها بمالٍ حلال فلم يجدوا مالاً حلالاً يبنونها فأخرجوا الحجر ستة أذرع ونصف، فصار الركن الشامي والعراقي داخلان في الكعبة فلا يستلمان؛ لأن الطائف يطوف من رواء الحجر، فلا يتمكن من الاستلام فلا يستلمهما.

وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح كما سبق بالأمس، لعائشة: «لولا قومك حديثُ عهدٍ بكفر لنقضتُ الكعبة وأدخلتُ الحجر وجعلتُ لها بابين، باباً شرقياً وباباً غربياً، وخفضت» نزلت الباب الشرقي لأنه مرفوع، وهذا فيه دليل على القاعدة المشهورة عند أهل العلم: أن درأ المفاسد مقدم على جلب المصالح. هذه مصلحة، كون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدخل الحجر ويجعل لها بابين ولكن المفسدة أعظم وهي أن القوم حديثُ عهدٍ بكفر فلا يتحملوا هذا، ولا تتحمل عقولهم هذا.

فدرأ هذه المفسدة وإن فاتت هذه المصلحة درأً للمفسدة، فدرأ المفاسد مقدمٌ على جمع المصالح.

المفسدة ما هي؟ القلوب لا يتحملون هذا، حديثو عهدٍ بشرك، كفر. ما يتحملون هدم الكعبة أو إدخال الحجر، فتركه.

وكذلك القاعدة: إذا اجتمع مصلحتان صُغرى وكُبرى لا يمكن فعلهما تفعل الكبرى وتترك الصغرى.

وإذا اجتمعت مفسدتان كُبرى وصُغرى لا يمكن تركهما، تُدرأ الكُبرى وتُفعل الصغرى.

فما هي المفسدة؟ عندنا مفسدة كُبرى وصُغرى. الكُبرى هي: كون قريش يعني يبقون على ما هم عليه من الإيمان. هذه مصلحة عظيمة.

وفي مصلحة أُخرى وهي: إدخال الحجر.

فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم المصلحة الكبرى، وعبد الله بن الزبير كما سبق لما تولى إمرة الحجاز وقد بويعَ له قبل عبد الملك بن مروان وقبل مروان بن الحكم، بويع له وبايعه أهل الحل والعقد، بويعَ له بالحجاز وتمت له البيعة، ثم بعد ذلك ظهر مروانُ بن الحكم في الشام، في العراق، في الشام ثم توفي وقال له عبد الملك بن مروان توسع حتى قاتل عبد الله بن الزبير. وعبد الله بن الزبير ماذا فعل؟ طبقَ الحديث، وقال: ما خشيه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زال الآن، زال المحظور، الناس ليسوا حديثي عهدٍ بشرك، فهدم الكعبة وأدخل الحجر وجعل لها بابين، وجعل يستلموا الأركان الأربعة كلها.

عبد الملك نازعَ في هذا وأرسل الجيوش إليه، كانت الجيوش تأتي إليه من العراق، وأوكل المهمة إلى الحجاج بن يوسف، وكان يُرسل الجيوش حتى إنه في آخر مرة رمى الكعبة بالمنجانيق، الحجاج بن يوسف، رمى الكعبة بالمنجانيق وقتل عبد الله بن الزبير وصُلب على خشبة ثلاثة أيام وأخرج الحجر.

وكان عبد الله بن الزبير رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه وهو صحابي وهو أحق من عبد الملك بن مروان وأولى، قال لوالدته أسماء بنت أبي بكر، فكانت رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا تُشجعه، تقول إنكَ على الحق، فقال لها: إني أخشى إن قُلت أن يُمثلَ بي بعدَ ذلك، فقالت له: وما يضرُ الشاة سلخها بعد موتها. من تشجيعها له، أسماء بنت أبي بكر: وما يضرُ الشاة سلخها بعد موتها.

ثم بعد ذلك الحجاج بن يوسف لما قتل عبد الله بن الزبير أرسلَ إلى أسماء بنت أبي بكر وقال لها تأتي إليَّ فامتنعت، فأرسل إليها، قال: قولوا لها تأتي وإلا أتيتُ أجرُها بقرونها. فقالت: لن أأتي، ليأتي إن كان صادقاً. فلم يأتي ولم يستطع أن يفعل شيئاً، وقالت: «إن الرسول أخبرنا أنه سيخرجُ من ثقيف مُبيرٌ وكذاب» وما أراه إلا أنت. كانت شُجاعة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا.

ثم جاء بعد ذلك وقال لها: كيف ترين ما فعلت بابن الزبير؟ قالت: "أرى أنكَ أفسدت عليه دُنياه، وأفسدَ عليكَ آخرتك".

ثم بعد ذلك كان الحجاج بن يوسف جُعلَ أميراً على العراق في الحج، وقال له عبد الملك بن مروان: اقتدي بعبد الله بن عمر وانظر ما يقولُ لك. كان عبد الله بن عمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أتى إليه وهو في عرفة في سُرادقٍ له وأتى أمام سرادقه وقال: الرواحي إن كُنتَ تُريدُ السُنة الآن. قال الآن يا عبد الرحمن؟ قال: نعم. قال: دعني أُفيضُ الماء على رأسي.

ولما كان يمشي هو وعبد الله بن عمر وابنه سالم كان يمشي بينهم كما في صحيح البُخاري، فكان سالم يقولُ للحجاج: إن كُنتَ تُريدُ السُنة فقصر الخطبة، وقال له عند الزوال هكذا، فجعل ينظر إلى أبيه عبد الله، فقال عبد الله: صدق.

وجاء أَيْضًا في البُخاري أَيْضًا أن الحجاج بن يوسف أنه أمرَ بعضَ جنوده أن يُصيبوا عبد الله بن عمر بشيء من السلاح في رجلهِ واشتكى، وجاء الحجاج يعوده فقال: لو نعلم يا أبا عبد الرحمن من فعل هذا؟ قال: أنتَ الذي فعلت، أنت الذي أدخلتَ السلاح في الحرم، ولا يدخل السلاح يعني إلا عند الحاجة.

وهذا كله ثابت في صحيح البُخاري، أنه لا يدخل السلاح في الحرم إلا عند الحاجة، عند الحاجة فلا بأس.

قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: "والاستلام هو مسحه، وأما سائر الجوانب" جوانب البيت، "ومقامُ إبراهيم وسائرُ ما في الأرضِ من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين كحُجرة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومغارة إبراهيم ومقام نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان يُصلي فيه وغير ذلك من مقامِ الأنبياء والصالحين وصخرة بيت المقدس فلا تُستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة".

هذه مسألة مسألة عقدية في ثنايا المنسك. بين المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أن سائر الجوانب جوانب الكعبة ما يُمسح، ما يُقبل ولا يُستلم، ما يُستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني. وكذلكَ مقامُ إبراهيم ما يُمسح، وكذلك مقابر الأنبياء، كل هذا من البدع مسحه، وحجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التمسح بها من البدع، ومغارة إبراهيم، وكذلك المقام، مقام نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان يُصلي فيه، وصخرة بيت المقدس كلها لا تُستلم ولا تُقبل، استلامها وتقبيلها من البدع، يقول باتفاق الأئمة.

قال: "وأما الطواف بذلك فهو من أعظمُ البدع المحرمة"، الطواف يعني الطواف بمقامِ إبراهيم أو الطواف بحجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بصخرة بيت المقدس هذا من أعظم البدع المحرمة ومن وسائل الشرك.

قال: "ومن اتخذه ديناً يُستتاب فإن تاب وإلا قُتل". من اتخذه ديناً يطوف به بحجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال هذا دين هذه عبادة، أو يطوف بمغارة إبراهيم أو يطوف بقبر من القبور ويتخذهُ ديناً يقول هذا يُستتاب فإن تاب وإلا قُتلَ كافراً؛ لأن هذا شرع ديناً لم يعلم به الله.

هذه من المسائل العقدية التي ذكرها المؤلف في أثناء كلامه عن المنسك.

 قال: ولو وضع يده على الشاذروان الذي يُربطُ فيه أستارُ الكعبة لم يضره ذلك في أصح قول أهل العلماء. وليس الشاذروان من البيت بل جُعلَ عماد البيت. الشاذروان ما جُعلَ عماداً للبيت، يعني البلاط النازل على أساس الكعبة، فلو وضع يده على الشاذروان وكان فيه حديد تُربط فيه أستار الكعبة. فلو وضع يده على الشاذروان ما أضره ذلك في أصحِ قول العلماء، وليس من البيت بل جُعل عماداً للبيت.

وإذا كان ليس من البيت فلا يطوف عليه، لو طاف عليه ما طاف على البيت. الشاذروان هي البلاط النازل عن أساس الكعبة وفيه الحلقات التي تُربط فيها أستار الكعبة.

يقول: لو وضع يده عليه ما ضره. لكن لو طاف عليها، ما صح طوافه. هذا يقول العلماء: لا يطوفُ على الشاذروان، لكن إذا كانت ليست من البيت فما المانع أن يُقال بصحة طوافه، لأن هذا من باب الاحتياط.

لأنها عماد البيت، متصلة بالبيت، هل تكون من البيت، بحيث إنه إذا طافَ بها ما طافَ بالبيت، أو لم تكن؟ العلماء ذكروا أنه لا يطوف على الشاذروان ولا يستطيع أن يطوف عليه لأنه مائل، فيه ميلان، إلا لو كان إنسان معه إنسان يمسكه بيده، وهذا من باب التكلف.

فالمقصود أن الطواف على الشاذروان لا ينبغي للإنسان يطوف عليه وإنما يطوف بعده.

(المتن)

 أحسن الله إليكم.

قال:

 والاستلام هو مسحه باليد. وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومغارة إبراهيم ومقام نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان يصلي فيه فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة. والطواف بذلك من أعظم البدع المحرمة ومن اتخذه ديناً يستتاب فان تاب وإلا قتل.ولو وضع يده على الشاذروان الذي يُربَط فيه أستار الكعبة لم يضره في أصح قولي العلماء وليس الشاذروان من البيت بل جُعِلَ عماداً للبيت.

ويستحبُ له في الطواف الأول (القدوم) أن يرمل من الحجَر إلى الحجَر في الأشواط الثلاثة ففي الصحيحين أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - (أن يرملوا الأشواط الثلاثة..) . والرمل مثل الهرولة وهو مسارعة المشي مع تقارب الخُطا فإن لم يمكن الرمل للزحمة كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل أفضلُ من قربه إلى البيت بدون الرمل وأما إذا أمكن القرب من البيت مع إكمال السُنة فهو أولى.

ويجوز أن يطوف من وراء قبة زمزم وما وراءها من السقائف المتصلة بحيطانِ المسجد، ولو صلى المُصلى في المسجد والناسِ يطوفون أمامه لم يُكره سواءٌ مر أمامه رجلٌ أو امرأة، وهذا من خصائصِ مكة.

 (الشرح)

 يقول: "ويستحبُ له في الطواف الأول أن يرملَ من الحجرِ إلى الحجر في الأطواف الثلاثة".

الطواف الأول أولُ طوافٌ يقدمُ به مكة، سواءٌ كان لعمرة أو لحج، وأنت مُحرم يُسنُ فيه الرمل.

يُسن فيه سُنتان: السُنة الأولى: الرمل. والرمل فسره قال: "مثل الهرولة، وهو مسارعة المشي مع تقارب الخُطى". ثلاث أشواط تُسرع فيها بهرولة. ثم الأربعة الأخرى ما يفعلون فيها هرولة. والسُنة الثانية: الاضطباع. والاضطباع هو كشفُ الكتف الأيمن بأن تضع وسط الرداء على عاتقكَ الأيسر تحت العاتق، تحت الكتف الأيمن وطرفيه على عاتقك الأيسر هذا في السبعة الأشواط السبعة تكشف الكتف. ثم إذا انتهيت من الطواف تسوي راءك قبل أن تُصلي ركعتين. ومنه يُعلم أن السعي ما فيه اضطباع. وكذلك أَيْضًا قلة المشاعر في عرفة وفي المزدلفة ما فيه رمل.

بعض الحُجاج تجده مكشوف الكتف في منى وفي عرفة وفي مزدلفة وفي السعي، حتى بعضهم في الصلاة، وهذا من الجهل، وهذا إضاعة. هذا معناه يعني ضيع السُنة، السُنة خاصة بالطوافِ الأول.

قال: "فإن لم يمكن الرمل للزحمة كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل أفضل من قُربه إلى البيت دون الرمل".

إذا كان القُرب إلى الكعبة فيه زحام ولا يمكن أن يتمكن من الرمل يتأخر، ويكون بعيد من الرمل أفضل من كونه قريب بدون رمل، لماذا؟ لأن الرمل سُنةٌ تتعلق بذات ا لعبادة، والقُرب من الكعبة هذا يتعلق بمكان العبادة.

والمحافظة على سُنةٍ تتعلق بذات العبادة مقدمةٌ على ما يتعلق بمكان العبادة.

وأما إذا أمكن القُرب من البيت مع إمكان السُنة، إذا أمكن القُرب مع الرمل فهذا أفضل.

قال: "ويجوز أن يطوف من وراء قبة زمزم وما ورائها من السقائف المتصلة بحيطان المسجد".

كان في الأول زمزم فيه قُبة، الآن أُزيلت صار بلاط.

قال: وما ورائها من السقائف المتصلة بحيطان المسجد. يعني المصابيح. الآن جُعل مطاف في المصابيح الآن، أدوار، جُعل في المصابيح أربعة أدوار كُلها يُطافُ بها.

قال: "ولو صلى المُصلي في المسجد والناسُ يطوفون أمامه لم يُكره سواءٌ مر أمامه رجلٌ أو امرأة، وهذا من خصائص مكة".

نعم يعني المصلي إذا كان يُصلي والطائفون يمرون أمامه لا حرج عليه في ذلك؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلي والطائفون يطوفون أمامه، لكن غير الطائفين، هل يمرون أمام المصلي؟ إذا اشتد الزحام ولم يجد المار مروراً إلا بين يدي المُصلي هذا للضرورة، وأما إذا لم يكن هناك زحام ويستطيع يجد طريقاً آخر للمرور فلا يمر، والسُترة سُنة في مكة وفي غيرها، خلافاً لما يظنه بعضهم أن مكة، قال: لا تحتاج إلى سُترة.

ولذا بوب البُخاري، قال: باب السترة لمكة وغيرها.

وذكر حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما جاء حجة الوداع ونزل بالأبطح ركز على العنزة يُصلي، فكان الناس يمرون، يمر من ورائها المرأة والرجل والحمار والكلب. وكون النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وضع السُترة، دل على أن مكة لها سُترة.

لكن إذا اشتدَ الزحام ولم يجد طريقاً المار، فهذا معذور للضرورة، فإن وجد طريقاً فليس له أن يمر. أما الطائفون فلا، كما قال المؤلف: "لو صلى المصلي في المسجد والناس يطوفون أمامه لم يُكره سواءٌ مر أمامه رجلٌ أو امرأة، وهذا من خصائص مكة".

قوله: "من خصائص مكة" هذا مُجمل إن أراد رَحِمَهُ اللهُ خصائص مكة أن الطائفون يطوفون أمام المصلي فهذا. نعم.

(المتن)

وكذلك يستحب أن (يضطبع) في هذا الطواف.والاضطباع: هو أن يبدى ضبعهُ الأيمن فيضع وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر وإن ترك الرمل والاضطباع فلا شيء عليه.

 (الشرح)

 الاطباع أن يُبدي ضبعه الأيمن، يعني كتفه الأيمن، فيضع وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفه على عاتقيه. وإن ترك الرمل والاضطباع فلا شيء عليه لأنهما سُنة. لو طاف بدونِ هرولة أو طاف ولم يكشف الكتف الأيمن فطوافه صحيح لأنهما سُنتان.

(المتن)

 ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما يُشرع، وإن قرأ القرآن سراً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية.وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يختم طوافه بين الركنين بقوله: {ربنا ءاتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة/ 201] كما كان يختم سائر دعائه بذلك.

 (الشرح)

 يُستحبُ له في الطواف أن يذكر الله ويدعوه بما يُشرع، يعني ليس هناك ذكرٌ خاص ولا دعاءٌ خاص، بل يُستحبُ له أن يذكر الله، تسبيح، تهليل، تكبير، تحميد، وإن قرأ القُرآن سراً فلا بأس أَيْضًا.

قال: وليس فيه ذكرٌ محدود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بأمرهِ ولا بقولهِ، ما أمرَ بدعاءٍ خاص ولا قال ذكر خاص، ولا بتعليمه، بل يدعوا فيه بسائر الأدعية الشرعية إلا أنه يختم الطواف بقوله: {ربنا ءاتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة/ 201]، يعني بين الركنين، بين الركنين هذا هو الذي ورد عنه. يختم طوافه بين الركنين بقوله: {ربنا ءاتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة/ 201]. كما كان يختمُ سائرَ دُعائه بذلك. كان النبي يختم دُعاءه بهذا الذكر {ربنا ءاتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة/ 201]، فكذلكَ يختم الطواف بهذا الذكر {ربنا ءاتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة/ 201]. وما عدا ذلك فليس هناك شيءٌ خاص.

وما يذكره بعضُ الناس من تخصيص أدعية خاصة لكل شوط، دعاء الشوط الأول، دعاء الشوط الثاني، دعاء الشوط الثالث، في كُتيبات، هذا لا أصلَ له. التخصيص لا أصلَ له، ليس هناكَ ذكرٌ للشوط الأول ولا للثاني ولا للثالث ولا للرابع ولا للخامس، ما فيه، ما فيه ذكر خاص.

كذلك ما يذكره بعض الناس من دعاء معين تحت الميزاب، الميزاب مصب الماء، بعض الناس يذكر تحت الميزاب دُعاء خاص، وهذا كذلك لا أصلَ له.

قال: "وليس في ذلك ذكرٌ واجب باتفاق الأئمة"، ما في ذكر واجب وإنما ذكرٌ مستحب. الذكر إيش؟ مستحب ليس بواجب. ما في واجب بالاتفاق، لكن في ذكر مستحب. مستحب بالاتفاق، وليس هناك ذكرٌ واجب بالاتفاق.

وعلى ذلك: لو طاف الإنسان ولو لم يتكلم سبعة أشواط صحَ طوافه، أدى الواجب. الواجب الأشواط السبعة عدها. وأما الذكر فهو مستحب، ما في ذكر واجب. ترك المستحب فترك الأفضل وأدى الواجب فلا شيءَ عليه.

ومثله السعي كذلك، لو سعى ولم يتكلم صحَ سعيهُ. الذكر مستحب في السعي وفي الطواف، وليس هناك شيءٌ واجب.

(المتن)

 أحسن اللهُ إليكم.

والطواف بالبيت كالصلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فلا يتكلم فيه إلا بخير.ويؤمر الطائف أن يكون متطهراً الطهارتين الصغرى والكبرى، ويكونُ مستور العورة مجتنب النجاسة التي يجتنبها المصلى، والطائف طاهرا، لكن في وجوب الطهارةِ في الطوافِ نزاعٌ بين العلماء فإنه لم ينقل أحدٌ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمرَ بالطهارةِ في الطواف، ولا نهى المُحدثَ أن يطوف، ولكنه طافَ طاهرا.

لكنه ثبتَ عنه أنه نهى الحائضَ الطواف، فقد قال النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مفتاحُ الصلاةِ الطهور، وتحريمُها التكبير، وتحليلها التسليم».

فالصلاةُ التي أوجبَ لها الطهارة ما كان يُفتتحُ بالتكبير ويُختمُ بالتسليم، كالصلاةِ التي فيها ركوعٌ وسجود، وكصلاةِ الجنازة، وسجدتي السهو. وأما الطواف وسجود التلاوة فليس من هذا.

 (الشرح)

 نعم، المؤلف رَحِمَهُ اللهُ بينَ لنا أن الطواف بالبيت كالصلاة، يعني يُشبه الصلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام، والصلاة ما يُباح فيها الكلام، قال: فمن تكلم فيه في الطواف فلا يتكلم إلا بخير.

أما الصلاة، كان الناس في أول الإسلام يتكلمون ثم نُسخ الكلام.

قال: ولهذا يؤمر الطائف أن يكونَ متطهراً الطهارتين الصُغرى والكُبرى. ليس لك أن تطوف وأنت عليك جنابة، عليك أن تغتسل من الجنابة، بل عليك أن تتوضأ وضوئك للصلاة. هذا السُنة، وتكون مستور العورة أَيْضًا ويكون مجتنب النجاسة التي يجتنبها المصلي والطائف طاهراً، هذا لا شك أنه ينبغي ومستحب ومرغب أن يكون متوضأ، أن يكون الطائف مستور العورة وأن يجتنب النجاسة في بدنه، وأن يتطهر الطهارة الصُغرى والكُبرى.

لكن هل الطهارة واجبة في الطواف؟ الطهارة واجبة للصلاة، بل شرط في صحة الصلاة. الصلاة ما تصح إلا بطهارة بالإجماع. الطهارة شرط في صحة الصلاة، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، ولقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تقبل الصلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول». وهذا ثابت، في الصحيحين في صحيح مسلم.

أما الطواف فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طاهراً، طاف متوضئاً وقال: «خذوا عني مناسككم».

ولهذا أخذ جمهور العلماء، قالوا: يشترط الطهارة للطواف. جمهور العلماء على أن الطهارة شرط لصحة الطواف كما أنها شرطٌ لصحة الصلاة.

وذهب بعض العلماء إلى أنها ليست شرطًا، صحة الطهارة.

ذكر المؤلف وقال: لكن في وجوب الطهارة في نزاعٌ بين العلماء.

الجمهور، يقولون: يجب، شرط.

فقال: آخرون كأبي حنيفة وغيره: لا تشترط، إِذًاْ في خلاف. لكن أكثر العلماء على أنها شرط.

المؤلف يقول: الجمهور يعني ما عندهم دليل على الاشتراط.

الدليل: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضأَ وطاف. قالوا: هذا يدل على الاستحباب ما يدل على الوجوب، ما قال: توضئوا للطواف، ما قال مثل ما قال في الصلاة، قال: «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ»، وقال: «لا تقبل الصلاة بغير طهور» هذا في الصلاة. ولم يقل هذا في الطواف. ما قال لا يقبل الطواف إلا بطهور.

ولهذا قال: لم ينقل أحد عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه أمر بالطهارة للطوف، ولا نهى المُحدث أن يطوف. ما فيه أنه قال: لا يطوفُ بالبيتِ مُحدث، ولكن النبيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف طاهراً. لكن ثبتَ عنه أنه نهى الحائض عن الطواف. فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصلاة: «مفتاحُ الصلاة الطهور، وتحريمُها التكبير، وتحليلها التسليم»، شوف خصائص الصلاة. مفتاحها الطهور، وتحريمها يعني يدخل فيها: التكبير، وتحليلها: يخرج منها بالتسليم.

الحديث أخرجه أبو داود والترمذي وابنُ ماجة وصححه الحاكم وحسنه النووي. وفي سنده عبد الله بن عقيل متكلمٌ فيه من قبل حفظه.

قال: فالصلاة التي أوجبَ اللهُ لها الطهارة هي ما كان يُفتتحُ بالتكبير ويُختمُ بالتسليم كالصلاة، هذا الذي في الصلاة. ما كان يُفتتح بالتكبير ويُختتم بالتسليم كالصلاةِ التي فيها ركوعٌ وسجود وكصلاة الجنازة، لها تكبير وتسليم، وسجدتي السهو.

قال: وأما الطواف وسجدتي التلاوة فليس من هذا.

وهذا يدل على أن المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يرى أن الطواف لا تشترطُ له الطهارة، وكذلك سجود التلاوة. سجود التلاوة الجمهور يرون أن سجود التلاوة صلاة، وعلى هذا لابد من الطهارة ولابد من التكبير عند السجود، التكبير من الرفع والتسليم.

والقول الثاني: أنه ليس من الصلاة بل هو خضوعٌ لله، وهو اختيارُ البخاري وهو مروي عن ابن عمر، وهو الذي عليه العمل. ذلك أنك تُكبر للسجود وترفع بدون تكبير ولا تسليم؛ لأنه خضوعٌ لله.

فالطوافُ بالبيت وسجود التلاوة لا تشترط لهم الطهارة عند المؤلف رَحِمَهُ اللهُ، ولكن الاحتياط، الاحتياط ينبغي أن يكون، وإذا كان الإنسان في مكة أو قريب قال أنه طاف أو أحدث نقول له ارجع وتوضئ وأعد الطوف. لأن هذا يمكن تداركه.

لكن إذا كان خرج وقد سافر إلى بلده فهذا هو الذي يلتمس له المخرج.

لكن إذا كان في مكة، نقول: عليك أن تتوضأ وتُعيد الطواف والأمر سهل وهذا أحوط وهذا وهو أبرأ للذمة والخروج من الخلاف، وليس هناك مشقة.

لكن إذا سافر إلى بلده ولا يمكنه الرجوع هذا هو محل الاجتهاد ومحل النظر.

فالمؤلف يرى أنه لا يشترط، وهو مذهب الأحناف أنه لا يشترط الطهارة، وبعض العلماء يقول: إذا طاف بغير طهارة جبره بدم كما بين المؤلف رَحِمَهُ اللهُ.

(المتن)

أحسن الله إليكم.

يقول: الاعتكافُ يُشترطُ له المسجد ولا يشترطُ له الطهارة بالاتفاق، والمعتكفةُ الحائض تُنهى عن اللُبثِ في المسجدِ مع الحيض وإن كانت تلبثُ في المسجد وهي مُحدثة.

قال: أحمد بن حنبل في مناسك الحج لابن عبد الله. قال: حدثنا ثابت بن يوسف، قال أنبأنا شُعبة عن حماد بن منصور، قال سألتهما عن الرجل يطوف بالبيت وهو غير متوضأ فلم يريا به بأسا.

قال عبد الله سألتُ أبي عن ذلك، فقال: أحبُ إليّ ألا أطوفَ بالبيت وهو غير متوضأ؛ لأن الطواف بالبيتِ صلاة.

وقد اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الطهارةِ فيه ووجوبها، كما هو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، لكن لا يختلفُ مذهب أبي حنيفة أنها ليست بشرط.

 (الشرح)

 نعم، هو يقول: أن الاعتكاف يُشترط أن يكون في المسجد، لا تعتكف إلا في المسجد، ولا يُشترطُ له الطهارة؛ لأن المعتكف يبيت في المعتكف ويكون له خلوة في خيمة أو في غرفة، ويكون أحياناً على طهارة أو على غير طهارة.

والمرأة لها أن تعتكف في المسجد إذا لم يُخشى عليها. ولذا أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعتكفنَ في المسجد. إذا لم يكن عليها خطر ولم يُخشى عليها فلا بأس، لكن إذا كانت حائض تُنهى عن الجلوس في المسجد، المكث في المسجد، بخلاف المرور، لما قالت عائشة، قال لها النبي: ناوليني الخمرة في المسجد. الخمرة السجادة الصغيرة من سعف النخل. قالت: إني حائض. قال: «ليست حيضتكِ في يدكِ». تدخل وتمر.

والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]، الجنب يعبر المسجد ولكن ما يمكث فيه. وقد جاء عن الصحابة أنه إذا توضأ الجُنب جاز له المكث في المسجد، إذا خفف الجنابة.

وأما إذا كان جُنب فلا يجلس في المسجد، وكذلك الحائض لا تجلس، لا تمكث.

قال: المعتكفة الحائض تُنهى عن اللبث في المسجد مع الحيض، وإن كانت تلبث في المسجد وهي مُحدثة.

ثم ذكر الروايات التي تؤيد أن الطهارة لا تُشترط للطواف.

قال حماد رَحِمَهُ اللهُ بن عبد الله أنه قال، أنه سألهم عن رجل يطوف بالبيت وهو غير متوضئ، فلم يريا به بأساً.

حماد و منصور لا يرانِ، منصور بن معتمر. حماد بن سلمة و حماد بن زيد، لا يران بأساً بالطواف بالبيت على غير طهارة.

قال عبد الله: سألتُ أبي عن ذلك، قال: أحبُ إليَّ ألا أطوفَ بالبيت وهو غير متوضئ؛ لأن طوافي بالبيت صلاة. قال: حق لي ولم يوجب.

فقال الإمام أحمد لابنه عبد الله: أُحب ألا أطوف إلا متوضئ لأن الطواف بالبيت صلاة.

قال: وقد اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الطهارة فيه، ووجبها، كما هو أحدُ القولين في مذهب أبي حنيفة. يعني الطهارة فيها روايات عن الإمام أحمد، قيلَ شرط وقيل ليس بشرط. قيل واجبة وقيل غير واجبة.

وكذلكَ في مذهب الإمام أبي حنيفة، قيل: واجبة، وقيل: غير واجبة.

لكن لا يختلف مذهب الإمام أبي حنيفة أنها ليست شرط، الإمام أبي حنيفة لا يقول أنها شرط وإنما يقول: إما واجب وإما غير واجب.

وبهذا يتبين أنَ الطهارة في الطواف فيها خلاف، قيل بوجوبها، وقيلَ بعدم وجوبها، وقيل بأنها شرط، وقيل بأنها غير شرط.

والجمهور وأكثر العلماء على أنها شرط.

والأحوط للمسلم أن يطوف على طهارة خروجاً من الخلاف.

(المتن)

 ومن طاف في جوربٍ ونحوه لئلا يطأ نجاسةً من ذرقِ الحمامِ أو غطى يديه لئلا يمسَ امرأة ونحو ذلك فقد خالفَ السُنة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه والتابعين ما زالوا يطوفون بالبيت وما زال الحمامُ بمكة، لكن الاحتياطَ حسن ما لم يُخالف السُنة المعلومة، فإذا أفضى إلى ذلك كان خطأ.

 (الشرح)

 ومن طاف في جورب، يعني الشُراب ونحوه، ما لأجل الاستفادة والدفء، قال: أخشى أن أطأ ذرق الحمام، هذا مخالف للسنة، ذرق الحمام طاهر، ذرق الحمام طاهر لأن القاعدة أن: مأكول لحمه فضلاته طاهرة. فهذا من التكلف، فكذلك إذا غطى يديه لئلا تمس يد امرأة، هذا من التكلف أَيْضًا، وهذا فيه مخالفة للسُنة لماذا؟ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه مازالوا يطوفون بالبيت والحمام بمكة ولم يلبسوا قفازين بأيديهم.

قالوا: الاحتياط حسب، إلا إذا خالف السُنة المعلومة، فإذا خالف السُنة المعلومة كان خطأً، كان الاحتياط لا وجهَ له.

(المتن)

وأعلم أن القول الذي يتضمن مخالفة السُنة خطأ، كمن يخلع نعليه في الصلاة المكتوبة أو صلاة الجنازة خوفاً من أن يكون فيهما نجاسة فإن هذا خطأ مخالف للسُنة؛ فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلي في نعليه، وقال: «إن اليهود لا يُصلون في نعالهم فخالفوهم».

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أتى المسجد أحدكم فينظر في نعليه؛ فإن كان فيهما أذىً فليدلكهما في التراب، فإن الترابَ لهما طهور».

 (الشرح)

 نعم، يعني يقول القول الذي يخالف يتضمن مخالفة السُنة خطأ، مثال ذلك: من يخلع نعليه في الصلاة أو في صلاة الجنازة خوفاً من أن يكون فيهما نجاسة. هذا خطأ، أنت أنظر إليها عند الدخول، وإذا كانت يابسة وليس فيها شيء، صلي فيها.

فخلعها من أجل الخوف من النجاسة هذا مخالفٌ للسُنة، وهذا كان قبل أن تُفرش المساجد، كانت المساجد سابقاً غير مفروشة، فيها تراب أو حصباء، ولهذا جاء في الحديث: «النخامة في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها» تدفن في التراب، لكن إذا كانت مفروشة الآن مثل الآن تتأثر بأي شيء، وبعض الناس أَيْضًا يتأثر، فهذا حسن إذا خلعتها وجعلتها عند الباب أو في المكان المُعد للحذاء من باب النظافة، ما هو لأجل الخوف من النجاسة.

أما إذا خلعها من أجل الخوف من النجاسة هذا هو الخطأ، الخوف من أن يكون فيها نجاسة، لكن لو خلعتها من أجل أن المساجد مفروشة وأنها تتأثر، وأن بعض الناس كذلك يتأثر من هذا فهذا حسن.

أما إذا كان المسجد غير مفروش فيه تراب، فالأمر في هذا واسع، السُنة الصلاة فيها.

فإذاً من خلع النعلين خوفاً من النجاسة في صلاة الفريضة أو صلاة الجنازة هذا خطأ مخالفٌ للسُنة، الدليل: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصلي في نعليه، وقال: «إن اليهود لا يصلونَ في نعالهم فخالفوهم»، الحديث أخرجه أبو داود من حديث شداد بن أوس.

«أن اليهود لا يصلون في نعالهم فخالفوهم» فالصلاة في النعلين سُنة. ويفعل الإنسان السُنة هذا إذا صلى في البرية أو صلى في مزرعة أو في استراحة ما فُرشت، أو في مسجد ببعض القُرى أو بعض المساجد المزارع، ما في فرش، ما فُرش صلي فيه، صلي فيه وتفعل السُنة، السُنة أن تُصلي في النعلين في بعض الأحيان.

وقال: «إذا أتى المسجد أحدكم فلينظر في نعليه؛ فإن كان فيهما أذىً فليدلكهما في التراب فإن التراب لهما طهور»، الحديث أخرجه أبو داود وأحمد وابنُ خزيمة وسندهُ صحيح.

وفيه دلالة على أن الطهارة طهارة الخفين دلكهما بالتراب عند الدخول، إذا دلكهما بالتراب ولم يبقى فيهما شيء فهذا طهارتهما.

(المتن)

 وكما يجوز أن يصلي في نعليه، فكذلك يجوز أن يطوف في نعليه، وإن لم يمكنه الطواف ماشياً فطاف راكباً، أو محمولاً أجزأه بالاتفاق، وكذلك ما يعجز عنه من واجبات الطواف، مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها كالمستحاضة، ومن به سلس البول، فإنه يطوفُ ولا شيء عليه باتفاق الأئمة. وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عُرياناً فطاف بالليل، كما لو لم يمكنه الصلاةُ إلا عُريانا.

 (الشرح)

 يعني: يقول المؤلف: كما يجوز أن يُصلي في نعليه، كذا يجوز أن يطوف في نعليه. يعني الطواف في النعلين لا بأس به، بعض الناس يسأل يقول: هل يجوز دخول المسجد الحرام بالنعلين؟ هل يجوز الطواف في النعلين؟ الصلاة من باب أولى. إذا جاز الصلاة في النعلين جاز الطواف. وإن لم يكون الطواف ماشياً فطاف ركباً أو محمولاً لا بأس، العاجز يطوف راكب أو محمول بالاتفاق.

وكذلك ما عجز عنه من واجبات الطواف، إذا كان به سلس ماذا؟ يطوف، كما أنه يُصلي من به سلس، لكن يضع على ذكرهِ ما يمنع وصول النجاسة يعني حفائظ أو ما أشبه ذلك يضعه على ذكره، وكذلك المستحاضة تطوف، تضع حفائظ، وكذلك يمكن الطواف للعريان طاف بالليل، كما لو لم يمكنه أن يطوف إلا عُرياناً. يعني لو كان عاجز، مثل العريان وعاجز وليس عنده ثياب، فطاف بالليل وما فيه أنوار، لأنه في الأول. الأنوار في الليل أشد من النهار الآن، لكن سابقاً كان في ظلام فيطوف بالليل عُريان لا بأس، هذا للضرورة كما أن يُصلي عُريان يطوف عُريان.

قالوا في الصلاة أَيْضًا العُراة يصلون وهم قعود – نسأل الله السلامة والعافية-.

(المتن)

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.

قال الإمامُ شيخُ الإسلام ابن تيميةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في كتابه "المنسك":

كما يجوزُ أن يُصلي في نعليه فكذلك يجوزُ أن يطوفَ في نعليه، وإن لم يمكنه الطوافُ ماشياً فطاف راكباً أو محمولاً أجزأه بالاتفاق. وكذلك ما يعجز عنه من واجبات الطواف، مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها المستحاضة، ومن به سلس البول، فإنه يطوفُ ولا شيء عليه باتفاق الأئمة.

وكذلك لو لم يمكنه الطوافُ إلا عُرياناً فطاف بالليل.

 (الشرح)

 أول ما قرأت، من الأول.

(المتن)

 وكذلك المرأةُ الحائض.

 (الشرح)

 صفحة واحد وستين.

(المتن)

 إي واحد وستين.

وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عُرياناً فطاف بالليل، كما لو لم يمكنه الصلاة إلا عُريانا.

وكذلك المرأةُ الحائض إذا لم يُمكنها طوافُ الفرضِ إلا حائضا بحيث لا يمكنها التأخر بمكة، ففي أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف: إذا طافت الحائض أو الجُنب أو المحِدث أو حامل النجاسةِ مطلقاً، أجزأه الطواف، وعليه دم: إما شاة، وإما بدنة مع الحيضِ والجنابة، وشاةٌ مع الحدثِ الأصغر.

ومنعُ الحائضِ من الطواف قد يُعلل بأنه يُشبه الصلاة، وقد يُعلل بأنها ممنوعةٌ من المسجد كما تُنع منه بالاعتكاف وكما قال عَزَّ وَجَلَّ لإبراهيم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، فأمره بتطهيره لهذه العبادات، فمُنعت الحائض من دخوله.

وقد اتفق العلماءُ على أنه لا يجبُ للطوافِ ما يجبُ للصلاة من تحريم وتحليلٍ وقراءةٍ وغير ذلك، ولا يُبطله ما يبطلها من الأكلِ والشُربِ والكلامِ وغير ذلك.

ولهذا كان مقتضى تعليلُ من منع الحائض لحُرمة المسجد، أنه لا يرى الطهارةَ شرطاً، بل مقتضى قوله أنه يجوزُ لها ذلك عند الحاجة كما يجوز لها دخول المسجد عند الحاجة، وقد أمر اللهُ تَعَالَى بتطهيره للطائفينَ والعاكفينَ والركع السجود. والعاكف فيه لا يُشترطُ له الطهارةُ ولا تجبُ عليه الطهارةُ من الحدثِ الأصغرِ باتفاق المسلمين، ولو اضطرت العاكفةُ الحائضُ إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك.

وأما (الركع السجود) فهم المصلون والطهارةُ شرطٌ للصلاةِ باتفاقِ المسلمين، والحائض لا تُصلي، لا قضاءً ولا أداءً.

يبقى الطائف: ل يُلحقُ بالعاكف، أو بالمصلي، أو يكونُ قسماً ثالثاً بينها؟ هذا محلُ اجتهاد.

وقوله: «الطوافُ بالبيتِ صلاةٌ» لم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن هو ثابت عن ابن عباس.

 (الشرح)

 المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أطال في هذه المسألة رَحِمَهُ اللهُ توسع لأن هذه المسألة مشكلة، مسألة طواف الحائض أو اشتراط الطهارة ودخول الحائض المسجد.

قال: وكذلك المرأة الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضاً بحيثُ لا يمكنها التأخرُ بمكة في أحد قولي العُلماء الذين يوجبون الطهارةَ على الطائف، إذا طافت الحائض أو الجُنب أو المُحدث أو حامل النجاسة مطلقاً أجزأه الطواف وعليه دم إما شاة وإما بدنة مع الحائضِ والجنابة، وشاةٌ مع الحدث الأصغر.

وهذا إشكال، البدنة الأمر ما سهل، لكن يجب عليها بدنة أو يجب عليها بعير تبقى حتى تطهر، إِذًاْ البدنة ثمنها مكلف، بدنة أو كذلك الشاة عند الفقير. المرأة الحائض إذا لم يمكنها الطواف إلا حائضاً بحيث لا يمكنها التأخر بمكة بأحد قولي العلماء أنها تطوف وهذا عند الضرورة القسوة التي لا مناص منها، ولا يُفها في هذا لكل أحد.

هذه المسألة ما يُفتى فيها لكلِ أحد، والسائل الذي يُقال له: إذا وقعت هذه المسألة تسأل أهل العلم، وينظرون في حالتك، في الحالة الخاصة ويكون الجواب عليها.

إلا أن المؤلف رَحِمَهُ اللهُ بينَ هذا وفصلَ هذا في بعضِ بحوثهِ، وبينَ أن المرأة الحائض لا تطوف إلا للضرورةِ القسوى، وذكر ما يقرب من ثمان حالات:

قال: إذا كانت المرأة جاءت من بلادٍ بعيدة من أقصى المشرق أو أقصى المغرب، والمواصلات في ذلك الوقت ليست كالمواصلات الآن، ولا يمكنها البقاء، ولا تطهر إلا بعد مدة طويلة، ولا تستطيع البقاء، ورفقتها سيذهبون، ولا يبقى معها أحد، ماذا تعمل؟

فذكر، قال: إما أن نقول: تبقى وليس لها أحد ولا يمكن تبقى في مكة وهي ليس لها أحد، يعني تبقى وحدها.

وإما أن نقول: تذهب بدونِ طواف.

وإما أن نقول: يبقى معها وليها، فرضاً.

وإما أن نقول: تذهب بدونِ طواف.

وإما أن نقول: تطوف. تتحفظ وتطوف.

فقال: إن هذه الحالة أخف الحالات: أن تتحفظ وتتلجم وتطوف، أولى من كونها تذهب بدونِ طواف، وأولى من كونها تبقى وليس لها أحد، وأولى من أن نقول أنها ذهبت وبقي ركن من أركان الحج في ذمتها.

فذكر ما يقرب من ثمان حالات وقال: هذه الحالة هي الأولى. يعني فرضها في حالة لابد منها ضرورة من الضرورات القصوى، أما ما كان يمكنه الذهاب والرجوع، سهل الآن، إذا كان ما كان مثلاً في داخل المملكة أو في خارج المملكة أو في أحد البلدان العربية أو القريبة أو غيرها يمكنه الذهاب والرجوع، يذهب بها ويرجع بها. إي. وحتى لو رجعت يمكنها الرجوع ولو بعد مدة.

المسألة مفروضة فيمن لا يمكنه الرجوع مدى الحياة، ماذا نعمل؟ ولا يمكنها البقاء أبداً، تضيع لو بقيت الآن، تبقى عند من؟ وليُها يضيع كذلك، رفقته سيذهبون ويتركونه، ماذا نعمل؟

تذهب بدونِ طواف؟

أو تطوف على حالتها؟

أو تبقى وتضيع؟

أو ماذا نعمل؟

فقال: أخف الحالات أن تحفظ وتتلجم وتطوف للضرورة.

ومنهم من قال: كالمحصرة في فتوى التي سماها شيخ الإسلام ابن عبد العزيز ؒ أن الحائض التي ما يمكنها البقاء تكون مُحصرة شرعاً، تذبح وتتحلل مثل المحصرة، المحصرة شرعاً.

فهذه المؤلف ؒ يقول: "وكذلك المرأة الحائض التي لا يمكنها طوافُ الفرض إلا حائضاً بحيث لا يمكنها التأخر بمكةَ ففي أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف: إذا طافت الحائض أو الجُنب أو المُحدث أو حاملُ النجاسة مطلقاً، أجزأه الطواف. لكن عليه دم إما شاة، لكن حامل النجاسة أو غير المتوضأ نقول عليك دم، شاة ولا عليك بدنة، يكون من الطبيعي يُعيد أسهل، ولا يستطيع الواحد، ممكن في ذلك. قد يكون في ذلك الدم متيسر، لكن الآن ما هو متيسر.

إذاً حامل النجاسة أو المُحدث، نقول يُجزئك حادثك وعليه..نقول ارجع وتوضأ وأعد الطواف والحمدُ لله ولا عليك دم ولا شاة ولا بدنة.

لكن الحائض اللي لا يمكنها، يقول أجزأه الطواف وعليه دم، إما شاة وإما بدنة مع الحائض والجنابة وشاةٌ من الحدث الأصغر.

على كل حال المرأة الحائض ما يُفتى الآن، بعض الناس لا يُبالي يقول: المرأة الحائض خلاص تتلجم وتطوف.

نقول لا، هذا لا يُفتى به لكلُ أحد، كل حادثة أو كل واقعة يُنظر حالتها وينظر ما يحفها من القرائن. ينظر أحوال الشخص، ينظر الحالة والوقت والزمن والمكان، يُفتيها المُفتي وينظر فيها المُفتي في وقتها أو في زمنها أو في مكانها أو في حالتها يُفتيها، أما أن يُفتى لكل أحد يُقال: الحائض تتحفظ وتطوف. هذا ما ينبغي الآن، ولا ينبغي للإنسان أن يُقدم على مثلِ هذا، والأصل هو الطهارة.

قال المؤلف ؒ: "ومنع الحائض من الطواف قد يُعلل بأنه يُشبه الصلاة، وقد يُعلل بأنها ممنوعةً من المسجد، كما تمنعُ منه بالاعتكاف، تُمنع المرأة من دخول المسجد بالاعتكاف"، كما قال الله عز وجل: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125]، فأمرهُ بتطهيرهِ لهذه العبادات فمُنعت الحائض من دخولهِ، وقد اتفق العلماء أنه لا يجبُ للطائف ما يجبُ للصلاة من تحريمٍ وتحليلٍ وقراءة، هذا معلوم أن تكبيرة الإحرام والسلام والقراءة خاصة بالصلاة، الطواف ما فيه شيء من هذا، ولا يُبطله ما يُبطلُها من الأكلِ والشُربِ والكلامِ وغير ذلك.

الأكل والشُرب والكلام يُبطل الصلاة ولا يُبطل الطواف.

قال: ولهذا كان مقتضى تعليل من منع الحائض لحرمة المسجد أنه لا يرى الطهارةّ شرطاً، والمقتضى قولهِ: أنه يجوزُ لها ذلكَ عند الحاجة، كما يجوزُ لها دخولُ المسجد عند الحاجة.

وقد أمر اللهُ تعالى بتطيره للطائفينَ والعاكفينَ والرُكع السجود. والعاكف فيه لا يُشترطُ له الطهارة ولا تجبُ عليه الطهارة من الحدث الأصغر باتفاق المسلمين.

العاكف معلوم أنه يمكث في المسجد ولو كان مُحدث، ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك. العاكفة، المرأة العاكفة. معنى ذلك أنها إذا حاضت تخرج. لأنها ممنوعة من اللبث.

يقول المؤلف: لكن لو اضطرت إلى البقاء في حالة إنها ما تجد مكان، تمكث فيه. وأما الركع السجود فهم المصلون. الطهارة شرطٌ للصلاة باتفاق المسلمين، والحائض لا تُصلي لا قضاءً ولا أداءً إلا عند الخوارج، لكن الخوارج لا عبرةَ بقولهم.

يبقى الطائف، هل يُلحق بالعاكف أو بالمُصلي أو يكونُ قسماً ثالثاً بينهما؟ هل الطائف مثل المُصلي أو مثل العاكف؟

إن قُلنا مثل المُصلي يكون لابد من الطهارة. وإن قُلنا مثل العاكف لا تشترط له الطهارة. أو يكونُ قسماً ثالثاً بينهما، هذا محلُ اجتهاد. إذا قُلنا هذا محل اجتهاد هذا يدل على أن المسألة فيها إشكال، فيها إشكالٌ كبير، الطهارة في الطواف، وأن الأحوط هو الطهارة، وكذلكَ طوافُ الحائض.

نعم.

(المتن)

وقولهُ: «الطوافُ بالبيتِ صلاةٌ» لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هو ثابت عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقد روي مرفوعاً، ونقل بعض الفقهاء عن ابن عباس رضي اللهُ عنهما أنه قال: «إذا طاف بالبيتِ وهو جُنب عليه دم»، ولا ريبَ أن المراد بذلك أنه يُشبهُ الصلاة من بعض الوجوه، ليس المرادُ أنه نوع الصلاة التي يُشترطُ لها الطهارة.

(الشرح)

يقول الحديث، قوله: «الطوافُ بالبيتِ صلاة» الحديث أخرجه الترمذي ورجحه النسائي والترمذي وابنُ الصلاح وابنُ المنذر أنه موقوف على ابن عباس. يعني روي موقوفاً وروي مرفوعاً: «الطوافُ بالبيتِ صلاة». أخرجه الترمذي ورواه الحاكم وأخذه مرفوعاً. والنسائي والبيهقي وابن الصلاح النووي والحافظ بن حجر رجح أنه موقوف على ابن عباس.

والمؤلف أصاب قال: لم يثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه ثابت عن ابن عباس، يعني ثابت موقوفاً. وقد روي مرفوعاً نعم.

ونقل بعضُ الفقهاء عن ابن عباس أنه قال: «إذا طاف بالبيتِ وهو جُنب عليه دم». لكن كيف يدخل المسجد وهو جُنب؟ ليس له المكث في المسجد. لكن لو طاف؟ الطواف معناه مُكث في المسجد ويكون عاصي عليه دم.

ولا ريبَ أن المراد بذلك أنه يُشبه الصلاة من بعض الوجوه، وليس المراد أنه نوعٌ من الصلاة التي يُشترطُ لها الطهارة. نعم وهكذا.

(المتن)

أحسن الله إليك.

وهكذا قوله: «إذا أتى أحدكم المسجد فلا يُشبك بين أصابعه، فإنه في صلاةٍ». وقوله: «إن العبد في صلاةٍ ما كانت الصلاةُ تحبسهُ، وما دام ينتظر الصلاة، وما كان يعمد إلى الصلاة» ونحو ذلك.

فلا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك باتفاق العلماء. ولو قدمت المرأةُ حائضاً لم تطف بالبيت، لكن تقفُ بعرفة، وتفعلُ سائرَ المناسك كلها مع الحيضِ، إلا الطواف، فإنها تنتظرُ حتى تطهر إن أمكنها ذلك، ثم تطوف، وإن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك، على الصحيح من قولي العلماء.

(الشرح)

قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا أتى أحدكم المسجد فلا يُشبك أصابعه فإنه في صلاة» يعني في حكم المصلي، فإنه في حكم المصلي فلا يُشبك بين أصابعه. ولكن إذا صلى فلا بأسَ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صلى إحدى وعشرين ركعة يُسلم من الركعتين، واعتقد أنه انتهى قام إلى خشبةٍ معروضة في مؤخر المسجد وشبك بين أصابعه، يعتقد أنه انتهى من الصلاة، فدل على أن بعد الصلاة لا بأس به، وقبل الصلاة هو في حكم، هو منتظر الصلاة في حكم الصلاة لا يشبك بين أصابعه.

وقوله: «إن العبد في صلاة ما كانت الصلاةُ تحبسه». ما كان في الصلاة والصلاة تحبسه فهو في الصلاة، في حكم المصلي. وما دام ينتظرُ الصلاة وما كان يعمد إلى الصلاة، جاء في الحديث: «وأن الملائكة تستغفرُ له ما يؤذي وما لم يُحدث».

قال: "فلا يجوزُ للحائض إلا أن تطوفَ إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك باتفاق العلماء". إذا أمكنها أن تجلس، تجلس في بيتها حتى تطهر ثم تغتسل ثم تطوف، هذا واجب عليها بالاتفاق إذا أمكن. لكن الإشكال إذا لم يُمكن. الإشكال إذا لم يُمكن بقاؤها، أما إذا أمكن حتى تطهر وتغتسل ثم تطوف هذا هو الواجب عليها باتفاق العلماء بدون خلاف.

ولو قدمت المرأة حائضاً لم تطوفُ بالبيت، يعني وهي مُحرمة في الحج، لكن تقف بعرفة ولو عليها الدم ولا حرج، وتفعل سائر المناسك كلها مع الحيض إلا الطواف، يعني تسعى، لها أن تسعى لو طافت طاهرة ثم نزل عليها الدم تسعى، تقف بعرفة، تقف بالمزدلفة، ترمي الجمار، تذبح هديها، تُقصر من شعرها ولو كان عليها العادة، إلا الطواف فإنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك ثم تطوف. هذا ما في إشكال، إذا أمكنها أن تنتظر حتى تغتسل فإنه واجبٌ عليها بالاتفاق.

وإن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من قول العلماء. الضرورة عليها التي لا ينكرها العلماء ثم مثل الضرورة لأكل الميتة، متى يضطر الإنسان لأكل الميتة؟ إذا خاف الموت.

كذلك هذه اضطرت ما حيلة لها، ما في حيلة إلا هذا. إما أن تضيع. وإما أن تذهب بغير طواف. وإما أن تنتظر هي ووليها. ما في حيلة، وهذا للضرورة يجوز على الصحيح، في خلاف:

- في قول إنه لا يجوز.

- والقول الثاني الذي اختاره المؤلف: أنها تطوف وهو الصحيح للضرورة. يعني الضرورة القصوى التي لا مناصَ منها.

وبعض العلماء قال أَيْضًا لا تجوز حتى ولو للضرورة، ليس لها أن تطوف.

(المتن)

أحسنَ اللهُ إليكم.

فإذا قضى الطواف صلى ركعتينِ للطواف، وإن صلاهما عند مقامِ إبراهيم فهو أحسن، ويُستحبُ أن يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثم إذا صلاهما استُحِبَ له أن يستلم الحَجَر، ثم يخرج إلى الطواف بين الصفا والمروة، ولو أخرَ ذلك إلى بعد طواف الإفاضة جاز فإن الحجَ فيه ثلاثةُ أطوفة:

طوافٌ عند الدخول، وهو يُسمى: طواف القدوم، والدخول، والورود.

والطوافُ الثاني: هو بعد التعريف، ويقال له: طوافُ الإفاضة، والزيارة، وهو طواف الفرض الذي لابد منه، كما قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29].

والطواف الثالث: هو لمن أراد الخروج من مكة، وهو طواف الوداع.

وإذا سعى عقب واحد منها أجزأه، فإذا خرج للسعي خرج من باب الصفا. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(الشرح)

يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: إذا قضى الطواف صلى ركعتين للطواف، فإن صلاهما عند مقام إبراهيم فهو أفضل إذا تيسر يعني، أحسن، ويُستحب أن يقرأ فيهم بسورة الإخلاص {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } يعني بعد الفاتحة، قيلَ الحكمة في ذلك: أن هاتين السورتين فيهما إخلاص التوحيد لله عَزَّ وَجَلَّ، فهو يُشعرُ نفسه ويُشعرُ غيره أنه حينما يطوفُ بالبيت امتثالاً لأمرِ الله، لا يعبدُ البيت وإنما يعبدُ الله.

قال: ثم إذا صلاهما استُحِبَ له أن يستلم الحَجَر قبل السعي ذهابه للسعي، وهذه من السُنة المهجورة، سُنة إذا أمكن، إذا طُفت طوافَ العُمرة أو طوافَ الحج وأردت أن تسعى، قبلَ أن تسعى تستلم الحج إن أمكن، إذا كان ما فيه زحام، تستلم الحجر سُنة، ثم تذهب إلى السعي، قبل السعي، هذه مسألة مهجورة.

ثم يخرجُ إلى الطواف بين الصفا والمروة، ولو أخرَ ذلك إلى بعد طواف الإفاضة جاز، لو أخر طواف السعي بين الصفا والمروة إلى بعد طواف الإفاضة جاز، يعني هذا الذي ليس عليه إلا سعيٌ واحد، والمؤلف يرى إن ما في إلا سعي واحد، المفرد والقارن والمتمتع ما عليه إلا سعي واحد، يقول: ما في إلا سعي واحد تأتي به.

الحج فيه ثلاثة أطوفة، تأتي بالسعي واحدٍ منها. تأتي بالسعي بعد طواف القدوم أو بعد طواف الإفاضة أو بعد طواف الوداع أنتَ بالخيار هو سعي واحد. تأتي به بعد الطواف المشروع، تأتي به بعد طواف القدوم أو تأتي به بعد طواف الإفاضة يومَ العيد، أو تأتي به بعد طوافِ الوداع.

طيب إذا طاف بعد طواف الوداع هل تطوف مرة أُخرى الوداع، لا، السعي تابع للطواف، أنت آخر عهدك بالبيت، فالسعي تابع.

فالمؤلف يرى أن المتمتع ما عليه إلا سعي واحد، وكما سيأتينا الصواب أن المتمتع عليه سعيان، فإن الحجَ فيه ثلاثة أطوفة:

طوافٌ عند الدخول، ويُسمى طواف القدوم وطواف الدخول وطواف الورود، هذا اسم له. هذا مستحب طواف القدوم، مستحب لمن؟ للقارن والمُفرد، أما المتمتع هذا يكون فرض. يكون فرض طواف العمرة وفرض واجب وطواف القدوم يدخل تبعاً له. ما في طواف، طواف الفرض يكفي عن طواف القدوم.

والطواف الثاني: هو بعد التعريف. بعد التعريف يعني بعد المجيء من عرفة، هذا التعريف، التعريف بعد الوقوف بعرفة، ويقال له: طواف الإفاضة وطواف الزيارة وطواف الفرض، هذه كلها أسماء.

قال: طواف الإفاضة وطواف ا لزيارة وطواف الفرض. وهو طواف الفرض الذي لابدَ منه، كما قال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29]. هذا هو، المراد به طواف الإفاضة.

والطواف الثالث: هو لمن أراد الخروج من مكة، وهو طواف الوداع.

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف ثلاثة أطوفة فقط في الحج ما طاف غيرها. والصواب أنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ما طاف للتطوع، وما يروى عنه أنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كان في أيام منى يذهب في الليل ويطوف ويعود هذا ليس بصحيح لا يثبت، وإذا سعى عقبَ واحدٍ منها أجزأه، إذا سعى بعد طواف القدوم أو طوف الإفاضة أو طواف الوداع أجزأه.

(المتن)

وإذا سعى عقب واحد منها أجزأه، فإذا خرج للسعي خرج من باب الصفا. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرقى على الصفا والمروة، وهما في جانب جبلي مكة، فيكبر ويهلل، ويدعو الله تعالى، واليوم قد بُني فوقهما دكتان، فمن وصل إلى أسفل البناء أجزأه السعي، وإن لم يصعد فوق البناء.

فيطوفُ بالصفا والمروةِ سبعاً يبتدئُ بالصفا ويختمُ بالمروة، ويُستحبُ أن يسعى في بطن الوادي: من العلم إلى العلم، وهما مُعلمان هناك.

وإن لم يسعَ في بطن الوادي بل مشى على هيئته جميعَ ما بين الصفا والمروة، أجزأه باتفاق العلماء ولا شيءَ عليه.

ولا صلاة عقيب الطواف بالصفا والمروة، وإنما الصلاةُ عقيب الطوافِ بالبيتِ بسُنةِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتفاق السلفِ والأئمة.

فإذا طاف بين الصفا والمروة حلَّ من إحرامهِ؛ كما أمرَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه لما طافوا بهما أن يحلّوا، إلا من كان معه هدي فلا يحل حتى ينحره، والمفرد والقارن لا يحلانِ إلا يومَ النحر، ويُستحبُ له أن يُقصر من شعره ليّدَع الحِلَاق للحج، وكذلك أمرَهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإذا أحل حلَّ له ما حَرُم عليه بالإحرام.

(الشرح)

يقول: وإذا خرج إلى السعي خرجَ من باب الصفا، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرقى على الصفا والمروة، وهما في جانب جبلي مكة، فيكبر ويهلل، ويدعو الله تعالى، يكبر ويهلل ويدعوا، يُكبرُ ثلاثاً، ويُهلل ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير، كما في صحيح مسلم، ويقول: اللهُ أكبرُ اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، له الملك وله الحمد يُحيي ويُميتُ وهو على كل شيءٍ قدير، لا إله إلا الله وحده أنجزَ وعده ونصرَ عبدهُ وهزمَ الأحزابَ وحده، ثم يدعوا، ثم يُكرر التكبير والتهليل والدُعاء، ثم يُعيدُها ثلاث مرات، هذا السُنة، وهو على الصفا وهذا مُستحب ولو لم يفعل لا حرجَ عليه.

واليوم قد بُني فوقهما دكتان فوق الصفا والمروة، في زمن الشيخ، هذان بُني فوقهما أدوار كما هو معلوم الآن.

قال: فمن وصل إلى أسفل البناء أجزأه السعي، وإن لم يصعد فوق البناء. يعني الصعود من حين ارتفاع الصعود هذا، هذا هو الصعود من حين الارتفاع، ولذلك تجد لوحة مكتوب بداية الصفا من تحت، هذا هو مبدأ الصفا، أما الصعود للجبل والارتفاع هذا مستحب وليس بواجب، مستحب للرجال دون النساء، تصعد وتُكبر وتدعوا، ولو لم تصعد واكتفيت من أسفل الجبل بدأت إلى أسفل، كذلك المروة، حين يبدأ الصعود هذا صعود الجبل ليس بواجب مستحب، يكفي من أسفل. ولهذا قال: من وصل إلى أسفل البناء أجزأه السعي وإن لم يصعد فوق البناء، فيطوفُ بالصفا والمروة يبتدئُ بالصفا ويختمُ بالمروة، لابد تختم بالمروة، فإن ختمت بالصفا فأعلم أنكَ أخطأت إما نقصت شوطاً أو زدت شوطاً، لابد تختم بالمروة. تبدأ بالصفات وتختم بالمروة، فإن ختمت بالصفا فأعلم أنك غلطان إما زدت شوطاً أو نقصت شوطاً.

ويُستحبُ أن يسعى في بطن الوادي: من العلم إلى العلم، وهما مُعلمان هناك. يسعى يعني يهرول، يسعى سعياً مجهوداً من العلمِ إلى العلم وهما معلمان، في زمن الشيخ معلمان، الآن في اللمبة الخضراء، كما بالأخضر، هذا هو محل السعي، كان النبي يسعى حتى يدورُ به إزاره، يعني يسعى سعياً مجهوداً، وهذا خاصٌ بالرجل، المرأة لا تسعى سعياً مجهوداً، ولا تسعى بالصفا ولا بالمروة؛ لأنها عورة.

قال: وإذا لم يسعَ في بطن الوادي بل مشى على هيئته جميعَ ما بين الصفا والمروة، أجزأه باتفاق العلماء ولا شيءَ عليه. لأنه سُنة إذا ما هرولت فلا شيء عليك.

ولا صلاة عقيب الطواف بالصفا والمروة، وإنما الصلاةُ عقيب الطوافِ بالبيتِ بسُنةِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واتفاق السلفِ والأئمة. يعني ما في صلاة سُنة بعد الصفا والمروة، السُنة ركعتين بعد الطواف، أما السعي ليس بعده سُنة.

فإذا طاف بين الصفا والمروة حلَّ من إحرامه، هذا في العُمرة، حل من إحرامه كما أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه لما طافوا بها أن يحلوا إلا من كان معه هدي فلا يحل حتى ينحر. يعني إذا قصرَ من شعره، لابد بعد الصفا يُقصر من شعره أو يحلق رأسه.

والمفرد والقارن لا يحلانِ إلا يومَ النحر. أما المتمتع فإذا طافَ وسعى وقصر تحلل. ويُستحبُ له أن يُقصر من شعره ليّدَع الحِلَاق للحج. إذا كان وقت قريب يُقصر من الشعر ويحلق في ا لحج، الأصغر للأصغر والأكبر يكون. العمرة أصغر يُقصر من شعره، حتى يُبقي شعره للحلق في الحج، وهذا معنى قولهِ: ويستحب له أن يقصر من شعره ليدع الحِلَاق للجح. وكذلك أمرَهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإذا أحل حلَّ من إحرامه له ما حَرُم عليه بالإحرام. أحل له لباس الثياب والطيب، يقصر الأظفار والشعر، أحلت له زوجته إن كانت معه، حتى يُحرم بالحج.

(المتن)

أحسن اللهُ إليكم.

يقول: فصلٌ أعمالُ يوم التروية وما بعده.

فإذا كان يوم التروية: أحرم وأهل بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، وإن شاء أحرم من مكة، وإن شاء من خارج مكة، هذا هو الصواب، وأصحابُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البطحاء، والسُنة أن يُحرم من الموضع الذي هو نازلٌ فيه، وكذلك المكي يُحرمُ من أهله، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من كان منزلهُ دون مكة فمهله من أهله، حتى أهل مكة يهلون من مكة».

(الشرح)

نعم، هذا في أعمال يوم التروية، وهو اليوم الثامن ذي الحجة، إذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة هنا بدأت أعمالُ الحج، أعمالُ الحج ستة أيام، وكل يوم له اسم. اليوم الثامن من ذي الحجة يُسمى يوم التروية، وهو أول أيام الحج، واليوم التاسع يومُ عرفة والوقوف بعرفة، واليوم العاشر هو يوم الحج الأكبر يوم العيد، واليوم الحادي عشر يوم القر، الحجاج قارون، واليوم الثاني عشر يوم النفر الأول، ويوم الثالث عشر يوم النفر الثاني. هذه ستة أيام هي أعمالُ الحج في هذه الستة.

ففي اليوم الأول وهو يوم التروية أعمال يوم التروية، إذا كان يوم التروية سُميَ بالتروية لأن الناس يشربون من الماء، يحملون الماء، يحملونه إلى منى، كان منى ما فيها ماء، فهم يحملون، يجلون الماء من مكة إلى منى، فسُمي يوم التروية تروي فيه، لأن منى الجلوس فيه اليوم الثامن والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، يوم عرفة نهاراً يكون في عرفة وليلاً يكون في المزدلفة والباقي في منى.

 فإذاً التروي فيها. فإذا كان يومُ عرفة أحرمَ وأهلَ بالحج، فيفعل كما فعل عند الميقات، يعني الذي تحلل من عُمرتهِ وهو متمتع إذا اليوم الثامن يُحرم مرةً أُخرى بالحج، من أي مكان؟ من مكانه الذي هو نازلٌ فيه.

قال: إن شاء أحرم من مكة وإن شاء من خارج مكة هذا هو الصواب، وأصحابُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما أحرموا كما أمرهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من البطحاء، يوم ساكن في البطحاء، مخيمين في البطحاء، البطحاء أرض أو وادي فيها البطحاء، وهي ما بين مكة ومنى. الآن ما فيه، اتصل البُنيان إلى منى، كان الأول فيه فراغ فيه بطحاء يُخيم فيها الحُجاج لأن ما لهم مسكن.

 يضربونَ خيامهم بين مكة ومنى. فالنبي أمر أصحابه أن يُحرموا من مكانٍ، كل واحد يحرم من مكان من خيمته، واللي ساكن في البيت من البيت، واللي ساكن في شقة من شقته وأهل مكة من مكة، كلهم يحرمون في اليوم الثامن. والسُنة أن يُحرم من الموضع الذي نزل فيه.

 وكذلك المكي يُحرم من أهله، كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من كان منزله دون مكة فمهلُّهُ من أهلهِ، حتى أهل مكة يُهِلُّونَ من مكة»، والإهلال هو رفع الصوت بالتلبية.

وأما قول بعض الفقهاء: السُنة أن يُحرم من الميزاب من تحت الميزاب في المسجد الحرام، هذا قول ليس عليه دليل. وكيف يُحرم، وإذا كان الحُجاج مليونين كيف يُحرمون من تحت الميزاب، تحت الكعبة؟ متى ينتهون؟ كل واحد يجيء يحرم من تحت الميزاب، الميزاب الذي في الكعبة الذي يصب فيه الماء من تحت الكعبة. هذا ليس عليه دليل، وإنما كل واحد يُحرم من مكانه من مسكنه.

(المتن)

أحسنَ اللهُ إليكم.

والسُنة أن يبيت الحاجُ بمنى: فيصلون بها الظهر والعصر، والمغرب والعشاء والفجر، ولا يخرجونَ منها حتى تطلُعَ الشمسُ كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(الشرح)

هذه السُنة في منى أن يُصليَ خمسة فروض. الأصل أن يُحرم قبل الظهر، له أن يُحرم قبل الظهر أو بعد الظُهر، والأفضل قبل الظهر، فيُصلي خمسة فروض في منى، الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر قصراً بلا جمع. الظهر ركعتان والعصر ركعتان والعشاء ركعتان، ولا يخرجون من منى حتى طلوع الشمس، إذا طلعت الشمس دفعوا إلى عرفة كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(المتن)

أحسنَ اللهُ إليكم.

وأما الإيقاد: فهو بدعةٌ مكروهةٌ باتفاق العلماء. وإنما الإيقاد بمزدلفة خاصة بعد الرجوعِ من عرفة، وأما الإيقاد بمنى أو عرفة فبدعةٌ أَيْضًا.

(الشرح)

الإيقاد إيقاد النيران، كانوا يشعلون النار فالنار مرتفعة في منى وفي عرفة، وهذا بدعة، لكن الإيقاد بمزدلفة خاصة بعد الرجوع من عرفة لماذا؟ لأنها يوجد الليل والظُلمة، ولأنها مكان يضيع، كان الحجاج ما كان فيها خطوط ولا سيارات، كان فيها ظلام ويضيعون الناس، فهم يوقدون لإنارة الطريق والمعرفة، معرفة المكان، في مزدلفة خاصة.

أما إيقاد النار في منى بدعة، وإيقاد النار أَيْضًا في عرفة بدعة لا داعي له. يعني كانوا في بعض السنين الماضية يوقدون النار، يوقدون النار في منى ويوقدونها في المزدلفة، ويوقدونها في عرفة. فيقول: هذه بدعة ما فعلها السلف، ما فعلها الصحابة ولا التابعون، لا حاجة إلى إيقاد النار. لكن في مزدلفة تدعو الحاجة، لوجود الظلام والليل ولأنها مكان يأتي الناس من عرفة ويضيعون وليس هناك أنوار في ذلك الوقت.

قال: وإنما للقادم من المزدلفة خاصة بعد الرجوع من عرفة. أما الذي يوقد فيها في اليوم الثامن يروح المزدلفة يوقد أو في اليوم التاسع بدعة، لكن في الليل، في ليلة العيد خاصة.

الذي يوقد فيها يوقد فيها في اليوم الثامن ويروح المزدلفة ويوقد وفي اليوم التاسع بدعة لكن في الليل ليلة العيد خاصة, وكذلك الإيقاد أَيْضًا من البدع الإيقاد في منتصف شعبان كانوا يوقدون كانوا يصلون الصلاة الألفية مائة ركعة.

كُلَّ ركعة يُقرأ فيها الفاتحة عشر مرات هذه صلاة مُبتدعةَ ليلة النصف من شعبان ويُقال: أنهم يوقدوا للنار أَيْضًا هذه كانت في بعض السنين يوقدون نار ليلة النصف من شعبان ويصلون هذه الصلاة الألفية هذا من البدعة, كذلك إيقاد النار في المزدلفة وفي عرفة من البدع إيقاد النار ليلة النصف من شعبان من البدع والصلاة في إحياءها من البدع.

 (المتن)

أحسن الله إليك، ويسيرون منها إلى نميرة على طريق ضب من يمين الطريق، ونميرة كانت قرية خارجة عن عرفات من جهة اليمين فيقيمون بها من جهة الزوال كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي وهو موضع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي صلى فيها الظهر والعصر وخطب وهو في حدود عرفة ببطن عرنة.

وهناك مسجد يقال له: مسجد إبراهيم وإنما بُني في أول دولة من العباس فيصلي هناك الظهر أو العصر قصرا كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلي خلفه جميع الحاج، أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعا يخطب بهم الإمام كما خطب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعيره، ثم إذا قضى الخطبة أذن المؤذن وأقام، ثم يصلي كما جاء بذلك السنة.

ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا ويقصر أهل مكة وغير أهل مكة، وكذلك يقصرون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة ومزدلفة ومنى، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكرٍ وعمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا ولم يأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خلفائه أحدًا من أهل مكة أن يتموا الصلاة، ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى: أتموا صلاتكم فإن قومٌ سفر.

ومن حكا ذكر عنهم فقد أخطأ، لكن المنقول عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال ذلك: في غزوة الفتح لما صلى بهم بمكة، وأما في حجه لم ينزل بمكة ولكن كان نازلًا خارج مكة، وهناك كان يصلي بأصحابه، ثم لما خرج إلى منى وعرفة خرج معه أهل مكة وغيرهم، ولما رجع من عرفة رجعوا معه، ولما صلى بمنى أيام، أيام منى صلوا معه ولم يقل لهم: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر ولم يحد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بمسافة ولا بزمان ولم يكن بمنى أحدٌ ساكن في زمنه.

ولهذا قال: منى مناخ من سبق، ولكن قيل: إنه سُكنت في خلافة عثمان وأنه بسبب ذلك أتم عثمان الصلاة، لأنه كان يرى أن المسافر من يحمل الزاد والمزاد.

(الشرح)

المؤلف رَحِمَهُ اللّه قال: ويسيرون منها، يعني: من منى إلى نميرة على طريق ضب من يمين الطريق، ونميرة كانت قرية خارجة عن عرفات من جهة اليمين فيقيمون بها من جهة الزوال كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج من منى بعد طلوع الشمس إلى نمرة ووجد قبته ضُربت هناك بنمرة، نمرة أرض بجوار عرفة كانت قرية، يعني: كانت في ذلك الزمان قرية خارجة عن عرفات من جهة اليمين فيقيمون بها إلى الزوال بجوار عرفة كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 ثم يسيرون منها إلى بطن الوادي، بطن عرنة وهو موضع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي صلى فيها الظهر والعصر وخطب وهو في حدود عرفة ببطن عرنة، وهناك مسجد يقال له: مسجد إبراهيم وإنما بُني في أول دولة من العباس، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل بنمرة قبل الزوال ثم لما زالت الشمس ركب ناقته حتى أتى بطن الوادي وهو بطن عُرنة، والوادي ليس من عرفة.

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «وعرفة كلها موقف وأرفع عن بطن عُرنة»، يعني هو جزءٌ منها لكنه ليس محلًا للوقوف الودي بطن عُرنة، فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب الناس بهذا بطن الوادي جلس قبل الزوال في نمرة في القبة التي ضُربت له، فلما زالت الشمس ركب ناقته حتى أتى بطن الوادي بطن عُرنه فخطب الناس على بعيره خُطبة عظيمة، قر فيها قواعد التوحيد وهدم فيها قواعد الشرك وبين تحريم الربا وتحريم الدماء وحقوق النساء على الرجال وحقول الرجال على الناس خطبة عظيمة فتحت له يسمعها الناس.

ثم لما انتهت الخطبة أمر بلالً فأذن بعد الخطبة، ثم أقام فصلى الظهر ركعتين سرًا ثم أقام فصلى العصر ركعتين سرًا، واليوم يوم جمعة ما صلى جمعة، لو كانت جمعة لكانت الخطبة بعد الأذان وهنا الخطبة قبل الأذان، ولو كانت جمعة لجهر بالصلاة، ولكنه أسر.

صلى الظهر سرًا والعصر سرًا فدل على أنه لم يصليها جمعة والحاج ليس عليه جمعة، وهذه الخطبة خطبة الحاج ليس خطبة الجمعة، ثم لما انتهى من الصلاة ركب ناقته ووقف بعرفة مستقبل الجبل جبل الرحمة في أسفل الجبل تحت الصخرات جمع الحبل والمشاة بين يديه فتكون ثلاثة مواضع في عرفة.

موضع نزل فيه قبل الزوال وهو نمرة، وموضع صلى فيه وخطب الناس وهو باطن وادي عُرنة، وموضع وقف فيه بعُرنة وهو عرفة، فجلس بنمرة قبل الزوال وخطب الناس وصلى في عُرنة بطن الوادي، ثم وقف بعرفة.

يقول المؤلف: هذا هو الأفضل إن تيسر له، والناس الآن يدخلون عرفة لا يعرفون نمرة ولا فيه نمرة مكان يجوز والناس مع كثرة الحجاج الإنسان إذا وصل إلى عرفة يرى أن هذا مغنم ومكسب، إذا وصل إلى عرفة من أول ما يصل إليه يصل إلى عرفة ويجلس فيها ويصلي فيها ويقف فيها, ولكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما جلس بنمرة ثم خطب بعُرنة وصلى ثم وقف بعرفة.

 فيصلي هناك الظهر أو العصر قصرا كما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويصلي خلفه جميع الحاج، أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعًا، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم في أهل مكة الحنابلة وجمهور العلماء على أن أهل مكة لا يقصرون في عرفة يصلون الظهر أربعة والعصر أربعة؛ لأن المسافة قصيرة وليست مسافة قصر.

وإنما الحجاج هم الذين يقصرون الذين جاؤوا من بعيد، أما أهل مكة فيتمون الصلاة في عرفة ومزدلفة ومنى هكذا قال: الفقهاء وشيخ الإسلام وجمع من المحققين يرون أن الحجاج كلهم يقصرون في عرفة ومنى ومزدلفة سواء وأهل مكة معهم، قال: والدليل أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى بالحجاج جميعًا أهل مكة وغيرهم ولم يأمرهم بالإتمام.

ولهذا قال المؤلف: ويصلي خلفه جميع الحاج أهل مكة وغيرهم قصرًا وجمعًا، هذا هو الصواب الذي عليه المحققون والذي عليه العامة الآن والذي عليه الفتوى، وقر شَيْخُ الإِسْلَامِ وابن القيم وأفتي به سماحة الشيخ عبد العزيز بن البارز رَحِمَهُ اللّه والشيخ محمد العثيمين وجمعٌ من المحققين وهو عليه الفتوى الآن وهو الذي عليه العمل أن أهل مكة يقصرون مع الناس.

واختلف العلماء هل القصر نسك أو للسفر؟ من قال: إنه نسك ما فيه إشكال، نسك من مناسك الحج أهل مكة وغيرهم، ومن قال: للمسافة يتمون لأن المسافة ليست مسافة قصر ولهذا هو الذي قره الجمهور يقول: أن أهل مكة لا يقصرون؛ لأن المسافة قريبة.

 ثم إذا قضى الخطبة أذن المؤذن وأقام، ثم يصلي كما جاء بذلك السنة, ويصلي بعرفة ومزدلفة ومنى قصرًا ويقصر أهل مكة وغير أهل مكة، وكذلك يقصرون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعرفة ومزدلفة ومنى، وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكرٍ وعمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا.

إذا السنة ثابتة، يعني: الناس يقصرون خلف النبي ثم خلف أبي بكر وعمر ما نُسخ هذا لم ينسخ هذا الأمر، قال: ولم يأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خلفائه أحدًا من أهل مكة أن يتموا الصلاة، ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى: أتموا صلاتكم فإن قومٌ سفر، إنما قال هذا في: غزوة الفتح لما كان في مكة في جوف الكعبة صلى بهم وقال: أتموا فإنا قومٌ سفر في مكة.

أما في عرفة ومزدلفة ما قال هذا قصر بهم الصلاة، في غزوة الفتح لما فتح مكة وصلى بمكة في نفس مكة قصر الصلاة وقال: صلوا يا أهل مكة أتموا يا أهل مكة فإنا قومٌ سفرٌ أننا مسافرون لكن أنتم أتموا الصلاة فقاموا وصلوا ركعتين، لكن ما قال هذا في: حجة الوداع في الحج ما قال هذا.

قال: ولكن المنقول عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال ذلك: في غزوة الفتح لما صلى بهم بمكة، وأما في حجه لم ينزل بمكة، أين نزل؟ كان نازلًا خارج مكة كان نازلًا بالأبطح بين مكة ومنى وضربت له خيمته هناك وهناك كان يصلي بأصحابه ويركض العنزة وأين يصلي؟ في البطحة التي بين مكة ومنى ما في بنيان كان نازلًا خارج مكة وهكذا كان يصلي بأصحابه.

ثم لما خرج إلى منى وعرفة خرج معه أهل مكة وغيرهم، ولما رجع من عرفة رجعوا معه، ولما صلى بمنى أيام، أيام منى صلوا معه ولم يقل لهم: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر، ثم قال المؤلف: ولم يحد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بمسافة ولا بزمان، يرى شَيْخُ الإِسْلَامِ أن الصلاة تقصر في السفر القليل والكثير أما الجمهور فيرون المسافة.

قالوا: وأقل المسافة؟ أقلها يومان قاصدًا للإبل المحملة، يومان كل يوم مرحلة والمرحلة أربعين كيلوا فتكون المسافة ثمانين كيلوا هذه المسافة عند الجمهور إذا سافر هذه المسافة يقصر وإن كان أقل لا يقصر، أما شَيْخُ الإِسْلَامِ يقول: ما في دليل يدل على التحديد تقصر الصلاة في السفر القليل والكثير.

قال: ولم يحد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بمسافة ولا بزمان ولم يكن بمنى أحدٌ ساكن في زمنه, ولهذا قال: منى مناخ من سبق، ولكن قيل: إنه سُكنت في خلافة عثمان وأنه بسبب ذلك تم عثمان الصلاة، لأنه كان يرى أن المسافر من يحمل الزاد والمزاد.

الآن فيها سكن فيها بيوت فيها شقق كانت إلى عهدٍ قريب كان فيها سكن وفيها مدارس بمنى إلى عهدٍ قريب إلى زمن الملك سعود، وبعد ذلك وسعت وأزيلت هذه المباني ووسعت الآن فيها بعض الشقق ولكنها أزيلت، قال سابقًا: كان فيها سكن مدارس وفيها بيوت، لكن لما كثر الحجاج إليها أزيلت.

ولكن قيل: إنه سُكنت في خلافة عثمان وأنه بسبب ذلك تم عثمان الصلاة، لأنه كان يرى أن المسافر من يحمل الزاد والمزاد، وهو ... لم يحمل الزاد والمزاد لما سُكنت، ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات لكن في هذه الأوقات لا يكاد أحدٌ يذهب إلى نمرة.

(المتن)

أحسن الله إليك، ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات، فهذه السنة لكن في هذا الأوقات لا يكاد يذهب أحدٌ إلى نمرة ولا إلى مصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل يدخلون عرفات بطريق المازمين ويدخلونها قبل الزوال ومنهم من يدخلوها ليلًا ويبيتون بها قبل التعريف، وهذا الذي يفعله الناس كله يجزي معه الحج لكن فيه نقصٌ عن السنة.

فيفعل ما يمكن من السنة مثل الجمع بين الصلاتين فيؤذن أذانًا واحد يقيم لكل صلاة.

(الشرح)

 يقول: ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات، فهذه السنة، يعني السنة إن تيسر له ينزل بنمرة ثم يصلي بعرنة ويقف بعرفة هذه السنة، لكن في هذه الأزمان لا يكاد أحد يذهب إلى نمرة في زمننا هذا لا أحد يذهب إلى نمرة، ولا إلى مصلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل يدخلون عرفات بطريق المازمين ويدخلونها قبل الزوال، هذا هو الذي يُفعل الآن.

 ومنهم من يدخلوها ليلًا، صحيح بعضهم يأتي في الليل بعض الحجاج يذهبون في الليل ويبيتون بها قبل التعريف قبل أن يأتي يوم عرفة، وهذا الذي يفعله الناس كله يجزي معه الحج مجزي لكن فيه نقصٌ عن السنة، السنة أنه ما تأتي عرفة إلى بعد الشمس إذا أتى بالليل لا بأس يجزي.

قال: فيفعل ما يمكن من السنة مثل الجمع بين الصلاتين من مزدلفة وعرفة، فيؤذن أذانًا واحد يقيم لكل صلاة.

(المتن)

أحسن الله إليك، والإيقاد بعرفة بدعة مكرهة، وكذلك الإيقاد بمنى بدعةٌ باتفاق العلماء، وإنما الإيقاد بمزدلفة خاصةً في الرجوع.

(الشرح)

الإيقاد يعني: إيقاد النار كان الحجاج يقيدون النار بمنى ويقيدونها بعرفة يقولون: هذا بدعة ما له أصل فلا داعي له، لكن بمزدلفة ما في مانع تدعوا الحاجة إليه بسب الظلام الشديد يكون فيه إسفار للناس وفيه تعليم للناس الذي أتون يرون النار فيعلمون أن هذه مزدلفة والحاجة إلى هذا، والآن ما في داعي الآن الحمد الله الأنوار موجودة الآن.

(المتن)

قال: ويقفون بعرفات إلى غروب الشمس ولا يخرجون منها حتى تغرب الشمس، وإذا غربت الشمس يخرجون إن شاءوا بين العالمين، وإن شاءوا من جنبيهما والعالمان الأولان حد عرفة فلا يجوزهما حتى تغرب الشمس، والميلان بعد ذلك حد مزدلفة وما بينهما بطن عُرنة.

(الشرح)

 يقول: ويقفون بعرفات إلى غروب الشمس ولا يخرجون منها حتى تغرب الشمس، لابد منها وكان المشوكون يخرجون من عرفة قبل غروب الشمس فخالفهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «خالف هدينا هدي المشركين»، فكان المشركون إذا كانت الشمس فوق رؤوس الجبال كعمائم الرجال انصرفوا، فخالفهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: «خالف هدينا هدي المشركين» فلم ينصر فحتى غربت الشمس واستكم غروبها غاب القُرص تمامًا.

وكذلك الدفع بمزدلفة خالفهم، كانوا يدفعون بمزدلفة بعد طلوع الشمس فلا يدفعون حتى طلوع الشمس وتشرق الشمس على الجبال، تشرق على جبل يقال له: ثبير، ويقولون: أشرق ثبير كي ما نغير فإذا أشرق الشمس على الجبال ساروا، فخالفهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودفع عن مزدلفة قبل طلوع الشمس.

وقال: «خالف هدينا هدي المشركين»، في الانصراف من عرفة خالفهم ينصرفون قبل الغروب فلا ينصرفون قبل الغروب، وفي الدفع بمزدلفة يدفعون بعد أشرق الشمس هو دفع قبل الشمس خالفه ♥.

 وإذا غربت الشمس يقول: يخرجون إن شاءوا بين العالمين، وإن شاءوا من جنبيهما والعالمان، فكا، العالم معروفة قال: فلا يجوزهما حتى تغرب الشمس، والميلان بعد ذلك حد مزدلفة وما بينهما بطن عُرنة، يعني بطن عرنة فاصل بين مزدلفة وبين عرفة.

(المتن)

أحسن الله غليكم ويجتهد في الذكر والدعاء هذه العشية، «فإنه ما رؤيا ألبس في يومٍ هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحر من عشية عرفه لما يرى من تنزيل الرحمة وتجاوز الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن الذنوب العظام».

إلا رؤيا يوم بدر فإن رأى جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ يزع الملائكة، ويصح وقوف الحائض وغير الحائض يجوز الوقوف ماشيًا وراكبًا، وأما الأفضل فيختلف باختلاف الناس، فإن كان مما إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكبا، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف راكبا.

وهكذا الحج، فإن من الناس من يكون حجه راكبًا أفضل، ومنه من يكون حجه ماشيًا أفضل ولم يعين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعرفةٍ دعاء ولا ذكرًا بل يدعوا الرجل بما شاء بالأدعية الشرعية، وكذلك يكبر ويهلل ويذكر اللهِ تَعَالَى حتى تغرب الشمس.

(الشرح)

يقول: ويجتهد في الذكر والدعاء هذه العشية عشية عرفه؛ لأن اللهِ تَعَالَى ينزل في عشية عرفة كما يليق بجلاله وعظمته ويباهي بالحجيج الملائكة يباهي بهم الملائكة ويقول: الملائكة ينظرون إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا جاءوا من كل فج عميق أشهدكم إني قد غفرت لهم.

فيجتهد الحاج في الذكر والدعاء هذه العشية، فإنه ما رؤيا ألبس في يومٍ هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحر من عشية عرفه لِمَاذَا؟. لما يرى من تنزيل الرحمة وتجاوز الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن الذنوب العظام إلا رؤيا يوم بدر، فإنه رؤيا يضع التراب على رأسه ويدعوا بالويل والثور، فإن رأى جبريل عَلَيْهِ السَّلَامُ يزع الملائكة.

 ويصح وقوف الحائض وغير الحائض، يعني الوقوف معناه الوجود على أرض عرفة هذا الوقوف، لا يشترط لا جلوس حتى ولو كان نائمًا يسمى واقف، لا يشترط وقوف ولا جلوس ولا حالة ولذلك قال: يصح وقوف الحائض وغير الحائض، حتى الحائض يصح وقفها والمحدث والمتوضأ.

 ويصح الوقوف ماشيًا وراكبًا حتى لو كان ماشيًا ولو كان يبحث عن عرفة ولا يعلهما ووجد فيه وقف فيها، وأما الأفضل يقول: فيختلف باختلاف الناس، فإن كان مما إذا ركب رآه الناس لحاجتهم إليه كان الوقوف أفضل، وكذلك إذا كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكبا، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف راكبا على بعيره، قالوا: وهكذا الحج، قال: هل الحج ماشيًا أو الحج راكبًا أيهما أفضل؟ قال: فإن من الناس من يكون حجه راكبًا أفضل، ومنه من يكون حجه ماشيًا أفضل يعني يقول: باختلاف أحوال الناس، ومن العلماء قال: الحج راكبًا أفضل لأنه فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 ولم يعين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعرفةٍ دعاء ولا ذكرًا ما في دعاء خاص ولا ذكر، بل يدعوا الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية، ولكن يكبر ويهلل ويذكر اللهِ تَعَالَى حتى تغرب الشمس، يكثر من قول: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وعلى على كل شيء قدير.

لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلتُ أنا والنبيين من قبلي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وعلى على كل شيء قدير» وليس هناك أدعية خاصة يدعوا بما شاء من خير الدنيا والآخرة.

(المتن)

أحسن الله إليك، والاغتسال لعرفة قد روي في حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى ابن عمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا وغيره ولم ينقل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه بالحج إلا ثلاثة أغسال:

غسل الإحرام، والغسل عند دخول مكة، والغسل يوم عرفة.

وما ثوى ذلك كالغسل لرمي الجمار والطواف والميت في مزدلفة فلا أصل له، لا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أصحابه ولا استحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد، وإن كان قد ذكره طائفة متأخر أصحابه بل هو بدعة إلا أن يكون هناك ثوابٌ يقتضي الاستحباب، مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس بها فيغتسل لإزالتها.

 (الشرح)

 قال: الاغتسال لعرفة قد روي في حديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يذكر الحديث هل هو صحيح أو غير صحيح والآخرون أنه لا يصح، وروى ابن عمر رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا وغيره ولم ينقل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أصحابه بالحج إلا ثلاثة أغسال:

غسل الإحرام وهذا ثابت، والغسل عند دخول مكة وهذا ثابت أَيْضًا لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغتسل لدخول مكة الزاهر ودخلها نهارًا، والغسل يوم عرفة هذا فيه نظر.

وقال: مروي عن عمر، ومروي عن بعض الصحابة وبعض السلف، قال: وما ثوى ذلك كالغسل لرمي الجمار يغتسل لرمي الجمار ويغتسل للطواف في البيت ويغتسل للسعي بين الصفا والمروى، أو يغتسل للمبيت بمزدلفة كل هذا من البدع لا أصل له.

يقول: إلا يكون هناك حاجة كأن يكون هناك رائحة ويريد أن يغتسل لإزالة الرائحة فلا بأس، قال: لا أصل له، لا عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن أصحابه ولا استحبه جمهور الأئمة لا مالك ولا أبو حنيفة ولا أحمد.

 لكان قد ذكره طائفة متأخر أصحابه، متأخر أصحاب الإمام أحمد ذكروا أنه يغتسل لرمي الجمر، أو يغتسل للمبيت بمزدلفة، والمؤلف يقول: بل هو بدعة لا أصل لها إلا أن يكون هناك حاجة تقتضي الاستحباب مثل إزالة الرائحة.

(المتن)

أحسن الله إليك، وعرفة كلها موقف ولا يقف ببطن عُرنة، وأما صعود الجبل الذي هناك فليس من السنة ويسمى جبل الرحمة ويقال له: الإل على وزن هلال، وكذلك القبة التي فوقه التي يقال لها: قبة آدم لا يستحب دخولها ولا الصلاة فيها، والطواف بها من الكبائر.

وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يستحب دخول شيءٌ منها ولا الصلاة فيها، وأما الطواف بها أو بالصخرة أو بحجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما كان غير البيت العتيق فهو من أعظم البدع المحرمة.

(الشرح)

وهذه المسائل العقدية ذكرها المؤلف رَحِمَهُ اللّه قال: عرفة كلها موقف ولا يقف ببطن عُرنة؛ لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «وعرفة كلها ويرفع عن بطن عُرنة وبطن الوادي»، ليس مكان للوقوف، وأما صعود الجبل الذي هناك فليس من السنة ويسمى جبل الرحمة ويقال له: الإل على وزن هلال، وكذلك القبة التي فوقه التي يقال لها: قبة آدم لا يستحب دخولها.

كان في وفق قبة، الآن أظن مكانها عمود أو شيء من هذا ويوجد كثر من الزوار يأتون حتى ترى الحاج يأتونه ويذهبون إليه يعني صفراتٍ ووحدانَ كل هذا من البدع ولا أصل له الذهاب إليه ولا صعوده كما قال المؤلف رَحِمَهُ اللّه: لا يستحب دخولها ولا الصلاة فيها يعني يصعد فوق الجبل ويصلي ركعتين.

وهنا يقول: في رمن الشيخ قبة تسمى قبة آدم يذهبونها ويدخلونها ويصلون فيها ويطفون فيها هذه من الكبائر، من كبائر الذنوب، وكذلك المساجد التي عند الجمرات لا يستحب دخول شيءٌ منها ولا الطواف فيها.

قال: وأما الطواف بها أو بالصخرة أو بحجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما كان غير البيت العتيق فهو من أعظم البدع المحرمة، وقد يكون شرك إذا طاف يتقرب به إليه، لكن إذا كان يتقرب به إلى الله بزعمه هذه من البدع والكبائر، وإن كان يطوف للتقرب به لغير الله صار شرك نَسأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.

الطواف بحجرة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للتقرب به إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا شرك، أما إذا طاف بها يتقرب بها إلى الله فهذا بدعة من الكبائر.

(المتن)

أحسن الله إليك، فصلٌ فإذا أفاض من عرفات ذهب إلى المشعر الحرام على طريق المازمين وهو طريق الناس اليوم، وإنما قال الفقهاء على طريق المازمين لأنه إلى عرفة طريقٌ أخرى تسمى طريق ضب ومنها دخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عرفات وخرج على طريق المازمين.

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من أخرى ودخل من الثانية العليا وخرج من الثانية السفلى، ودخل المسجد من باب بني شيبة وخرج من بعد الوداع من باب حزورة اليوم ودخل إلى عرفات من طريق ضب، وخرج من طريق المازمين وأتى إلى جمرة العقبة يوم العيد من الطريق الوسطى التي يخرج منها إلى خارج منا، ثم يعطف على يساره إلى الجمرة.

ثم لما رجع إلى موضعه بمنى الذي نحر فيه هديه وحلق رأسه رجع من الطريق المتقدمة التي يسير منها جمهور الناس اليوم، فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء.

(الشرح)

هنا المؤلف رَحِمَهُ اللّه قال: إذا أفاض من عرفات ذهب إلى المشعر الحرام، المشعر الحرام هو جبل صغير بني عليه المسجد الآن وعرفة كلها موقف على طريق المازمين وهو طريق الناس اليوم، وإنما قال الفقهاء: على طريق المازمين لأنه إلى عرفة طريقٌ أخرى تسمى طريق ضب ومنها دخل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى عرفات وخرج على طريق المازمين.

وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من أخرى هذه عادته ♥ إذا ذهب من طريق يرجع من أخرى اختلف في الحكمة، قيل: لتشهد له الأماكن، وقيل: ليقضي حاجة هؤلاء وهؤلاء، وقيل: لإغارة المنافقين أقوال وقد تكون الحكم هذه كلها مقصودة، كان في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من طريق أخرى.

 ودخل من الثانية العليا وخرج من الثانية السفلى، ودخل المسجد من باب بني شيبة وهو الذي يسمى باب السلام الآن، وخرج من بعد الوداع من باب حزورة اليوم ودخل إلى عرفات من طريق ضب، وخرج من طريق المازمين وأتى إلى جمرة العقبة يوم العيد من الطريق الوسطى التي يخرج منها إلى خارج منا، ثم يعطف على يساره إلى الجمرة.

ثم لما رجع إلى موضعه الذي بمنى الذي نحر فيه هديه وحلق رأسه رجع من الطريق المتقدمة التي يسير منها جمهور الناس اليوم، يعني عادته في المناسك والأعياد يذهب من طريق ويرجع من طريق أخرى لتشهد البقاع أو ليقضي حاجة هؤلاء وهؤلاء أو لإغارة المنافقين.

(المتن)

أحسن الله إليك، فيؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة ولا يزاحم الناس، بل إن وجد خلوة أسرع فإذا وصل إلى مزدلفة صلى المغرب قبل تبريك الجمال إن أمكن، ثم إذا بركوها صلوا العشاء وإن أخروا العشاء لم يضروه ذلك ويبيت بمزدلفة، ومزدلفة كلها يقال لها: المشعر الحرام وهي بين مأزمي عرفة إلى بطن المحسر.

(الشرح)

 يؤخر المغرب إلى أن يصليها مع العشاء بمزدلفة ولا يزاحم الناس متى ما وصلها يصلي المغرب والعشاء جمعًا إلا إذا خاف خروج الوقت الوقتان المغرب والعشاء وقتهما واحد إلى نصف الليل، فإذا خشي أن يأتي نصف الليل فليصليها ولو في الطريق ما تؤخر الصلاة وقد يكون فهي زحام فيتأخر.

بعض الناس الحجاج يقولون: ما يصلي حتى يصل إلى مزدلفة، وبعضهم ما يصل إلا الفجر فيصليها في الفجر وهذا خطأ كبير الصلاة لا تؤخر عن وقتها، إذا خشيت خروج الوقت صلها في الطريق، وإن أتيتها مبكر صليها ولو تقدم العشاء مع المغرب يعني إذا وصلها قبل وصول العشاء هل يؤخر المغرب؟ ينتظر حتى يأتي العشاء أو يصلي؟ في الحال لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين وصلها صلى.

ولا يزاحم الناس، بل إن وجد خلوة أسرع فإذا وصل إلى مزدلفة صلى المغرب قبل تبريك الجمال إن أمكن، يعني النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى المغرب والجمال واقفة ثم لما صلى المغرب أمر بحط الرحال عنها ثم صلى العشاء، ثم إذا بركوها صلوا العشاء وإن أخروا العشاء لم يضروه ذلك ويبيت بمزدلفة، ومزدلفة كلها يقال لها: المشعر الحرام وهي بين مأزمي عرفة إلى بطن المحسر كل هذه مزدلفة.

والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقف عند الجبل الصغير وقال: «وقف ها هنا وجمعٌ كلها موقف»، تسمى جمع مزدلفة كلها أسماء.

(المتن)

فإن بين كل مشعرين حدًا ليس بينهما فإن بين عرفة ومزدلفة بطن عرنة وبين مزدلفة ومنى بطن المحسر، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرفة كلها موقف وأرفع عن بطن عرنة، ومزدلفة كلها موقف وأرفع عن بطن المحسر، ومنى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق.

(الشرح)

بين كل مشعرين حدًا ليس منهما، بين عرفة ومزدلفة بطن عرنة ليس منها لا من هذا ولا من هذا، وبين مزدلفة ومنى بطن المحسر ليس منها، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عرفة كلها موقف وأرفع عن بطن عرنة؛ لأن المكان ليس محل الوقوف، ومزدلفة كلها موقف وأرفع عن بطن المحسر رمة حسر؛ لأنه مكان عذاب، ومنى كلها منحر منى كلها ينحر فيها الهدايا والضحايا، وفجاج مكة كلها طريق كلها طريق ومنح إذا نحر هديه في أي مكان من الحرام أجزاه، لكن في منى أفضل.

نقف على صفحة ستة وسبعين والسنة إلى مزدلفة إلى أن يطلع الفجر، وفق الله الجميع.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد