بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله يسر موقع فضيلة الشيخ(عبد العزيز بن عبد الله الراجحي) حفظه الله أن يقدم لكم هذه المادة، والتي هي بعنوان شرح كتاب عقيدة أهل السنة والجماعة للشيخ (ابن عثيمين) رَحِمَهُ اللهُ.
الحمد الله رب العالمين، وصَلَّى اللَّهُ على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:-
اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين.
(المتن)
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ رحمةً واسعة: خلقهم الله تعالى من نور فقاموا بعبادته وانقادوا لطاعته: {لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} ، حجبهم الله عنا فلا نراهم، وربما كشفهم لبعض عباده، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته، له ستمائة جناح قد سد الأفق.
وتمثل جبريل لمريم بشرًا سويا فخاطبته وخاطبها، وأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده الصحابة بصورة رجل لا يعرف ولا يرى عليه أثر السفر، شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر.
فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع كفيه على فخذيه، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه جبريل.
(الشرح)
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسولنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد؛
فهذا الفصل فقده المؤلف رحمه الله لبيان الإيمان بالملائكة، والإيمان بالملائكة هو الأصل الثاني من أصول الإيمان الذي جاءت فيه النصوص، فقد سبق أن للإيمان أصول ستة وهو: الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم
الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.
وسبق بيانً أن هذا الأصول الستة والأركان الستة جاءت في كتاب الله وجاءت في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأجمع عليها المسلمون، ولم يبحث في أمرها إلا من خرج عن دائرة الإسلام وصار من الكافرين، ولا يصح إيمان عبدً حتى يؤمن بهذه الأصول الستة، ومن أنكر واحدًا منها أو جحد واحدًا منها فإنه يكونُ كافرًا وَالعِيَاذُ بِاللهِ.
وسبق الكلام على الأصل أولها الإيمان بالله وأن الإيمان بالله يشمل الأيمان بربوبيته سُبْحَانَه وتعالى والإيمان بأسمائه وصفاته والإيمان بإلهيته وعبادته وأن أنواع التوحيد الثلاثة متلازمة، وأنه لا يصح شيءٌ منها بدون الآخر، وأنه لا يصح الإيمان بالله إلا بالإيمان بربوبيته سُبْحَانَه وتعالى والإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله والإيمان بإلهيته وعبادته.
ولا يصح الإيمان بإلهية الله وعابدته إلا بالإيمان برسله، الإيمان بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنه رسول الله حقا وأنه خاتم النبيين وهذه الأصول الستة كما سبق متلازمة لا يفك بعضها عن بعض ولا يصح الإيمان بواحدٍ منها دون الآخر، هذا هو الأصل الثاني وهو الإيمان بالملائكة.
وهو الاعتقاد وأن لله تعالى ملائكةً خلقهم اللهِ تَعَالَى من نور وهم من عالم الغيب، وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خلق الله الملائكة من نور، وخُلق الجان من مارج من نار، وخُلق آدم مما وصف لكم»، فالذي لا يؤمن بأنهم أشخاص وذوات محسوسة فهو كافر، كالفلاسفة الذين لا يؤمنونبالملائكة بأنه أشخاص وذوات محسوسة.
وإنما يعتقدون يقررون أن الملائكة أشباح وأشكال نورانية لا حقيقة لها، يتخيلها النبي بزعمهم كما قر ذلك (ابن سينا) الملحد في محاولته تقريب الفلسفة من الإسلام، وإذا تقربوا إلى أهل الإسلام قالوا: إن الملائكة عبارة عن أمور معنوية تبعث على الخير والرحمة، الملائكة أمور معنوية تعبث على الخير والرحمة والإحسان والإقدام والشجاعة.
والشياطين أمور شريرة تبعث على الظلم والإيذاء والأنانية والجبن، فلا يؤمنوا بأن الملائكة ذوات ولا بأن الشياطين ذوات وإنما أمرور معنوية هذا إذا تقربوا إلى أهل الإسلام، وإلا فهم يقولون: أنها أشباح وأشكال نورانية لا حقيقة لها تخيلها النبي بزعمهم هذا هم الملاحدة.
كما أنهم لا يؤمنون بوجود الله ولم يثبتوا وجدًا للرب سبحانه وتعالى سلبوا عن الرب سلبوا جميع الأسماء والصفات وإذا سلبت الأسماء والصفات صار ذلك نافيًا للذات لا وجود للذات ولا حقيقة للذات إلا بالأسماء والصفات فالذي ليس له اسم ولا صفة لا وجود له، فلو قلت: كل موجود حتى الجمادات لابد لها من صفات.
هذه الماسة التي أمامي مثلًا، أقصد أن لها طول ولها عرض ولها عمق ولها جلد وهي فوق الأرض، فلو قلت: هناك ماسة أو كرسي ليس لها طول ولا عرض ولا عمق ولا جسم ولا فوق الأرض ولا تحت السماء ماذا يكون؟!
هؤلاء الملاحدة هكذا يصفون ربهم الذي يعبدونه، يقولون: لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا مابين له ولا محيطٍ له ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه وليس له سمع ولا بصر ولا عُرض ولا قدرة ولا محبة وليس فوق السموات ولا تحتها وليست بأي صفة فماذا يكون؟ العدد بل أشد من العدم ولذلك صار الملاحدة يعبدوا العدم والعياذ بالله .
هذا إلهم الذي يعبدوه وأما الله فهو فوق ما يظنون وأعلم ما يترحم، فلله ذات لا تشبه الذوات وله أسماء وصفات لا تشبه الأسماء والصفات، ولهذا قال العلماء: المعطل يعبد عدما، المعطل يعبد عدم ليس له إله! ونعوذ بالله، المعطل يعبدُ عدما، والمشبه يعبد صنما، والموحد يعبد إله الواحد الفرد الصمد.
فهؤلاء الملاحدة فلاسفة متأخرون أرسطو وأتباعه يسمونه المعلم الأول الفلاسفة المشاؤون، أرسطو أول من قال: بقدم العالم وكان مشرك بعود الأصنام خلاف شيخه أفلاطون، أفلاطون والفلاسفة قبله في الجملة يعظمون الإلهيات والشرائع ويقولون: بحدوث العالم.
فتتلمذا أرسطو يقال أرسطو طاليس التلميذ العاق على شيخه أفلاطون وخالفه، فابتدع القول: بقدم العالم ولا يثبت وجودًا لله إلا من جهة أنه مبدأ لأهل الكثرة في العالم وإلا الحركة إرضاعية، ثم جاء بعده أبو نصر الفارابي فتبعه في الإلحاد والزندقة، وأرسطو أول من ابتدع المنطق الحروف المنطقية.
ثم جاء أبو نصر الفارابي وأخذ الصوت إلى حيز الوجود الصوت، ثم جاء أبو علي ابن سينا حاول أن يقرب الفلسفة من الإسلام وأن يجمع بينهما ورغم محاولته الشديدة لم يصل إلى ما وصل إليه الجهمية المغالية في اتجاههم فالجهمية المغالية في التجهم أصح مذهب من مذهبهم وإن كانوا غلاة ، فهؤلاء الملاحدة لم يثبتوا وجودًا لله ولم يثبتوا وجودًا للملائكة هم ملاحدة.
يجب الإيمان بأن الملائكة ذوات وأشخاص محسوسة تنزل وتصعد وتذهب وترى وتجيء، فمن ينكر أنهم ذوات كالفلاسفة قالوا أنها أشكال وأشباح نورانية لما تقربوا من أهل الإسلام قالوا: أنها عبارة (.....) فهم كفرة وَالعِيَاذُ بِاللهِ ، فهم جحدوا الأصل الأول وهما الإيمان بالله وهو الرب سبحانه وتعالى، وجحدوا الأصل الثاني وهو الملائكة لهذا قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ ونؤمن بملائكة الله تعالى وأنهم عباد مكرمون { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 27].
نؤمن بأنهم عباد ليسوا آلهة يعبدون بل هم {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26)} كرمهم الله { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26، 27]، {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] فالله لا يعصى في السماء خلقهم الله لطاعته ولتوحيده، ليسوا عصاة الملائكة ليس فيهم من يعصي الله إنما العصاة بني آدم ومن الجن.
ولهذا قال الله سبحانه {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}، خلقهم اللهِ تَعَالَى من نور كما سبق في الحديث فقاموا بعبادته وانقادوا لطاعته يعني ليس فيهم من يعصي الله كما سبق في الآية {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}،{لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} [الأنبياء: 19].
لا يستكبرون عن عبادة الله بل هم منقادون مطيعون{وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}، {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]، في الليل والنهار يسبحون ولا يملون ولا يسأمون، حجبهم الله عنا فلا نراهم، لأنهم من عالم الغيب وربما كشفهم الله لعباده، فقد رأى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جبريل على صورته له ست مائة جناح قد سد الأفق كل جناح يبلغ بعد السماء والأرض، وتمثل جبريل لمريم بشرًا سويا، فخاطبته وخاطبها هكذا سبق كما بين الله تعالى في القرآن الكريم.
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: 16 - 21].
هذه مخاطبة بين مريم وبين الملك تمثل لها في صورة بشر، قال المؤلف رحمه الله: وأتى إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده الصحابة في صورة رجل لا يعرف ولا يرى عليه أثر السفر شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر.
فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع كفيه على فخذيه، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخاطبه النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أنه جبريل.
يشير إلى حديث جبريل المعروف الذي روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه الصورة شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإسلام ثم سأله عن الإيمان ثم سأله عن الإحسان ثم سأله عن الساعة ثم سأله عن آمراتها، ثم قال النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أتدرون من السائل قال الله ورسوله أعلم قال: هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم.
وكذلك جبريل أتى إلى النبي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في أول البعثة ورآه قد سد الأفق وجاء وقال: للنبي اقرأ فقال: ما أنا بقارئ فغطوا حتى بلغ الجهد وقال: اقرأ فقال: ما أنا بقارئ وهذا ليس امتناع من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولكنه يخبر عن حاله يقول أنا ما تعلمت القراءة؛ لأنه ما تعلم القراءة أمي ما أقرأ ولا أكتب، اقرأ قال: ما أنا بقارئ يعني لست قارئ ما تعلمت القراءة.
قالها ثلاث مرات وغطا حتى بلغ الجهد حتى يتهيأ ويستعد لحمل الرسالة فذهب إلى زوجه خديجة يرجف فؤاده من رؤية الملك صورة عظيمة قد سد الأفق ملى ما بين السماء والأرض.
ورآه مرة أخرى أَيْضًا ورآه على الصورة التي خلق عليها مرة في ليلة المعراج ورائها على الصورة التي خلق عليها مرتين مره في الأرض وقت البعثة ومرة في السماء ليلة المعراج، ورآه على صور متعددة لكن على صورته التي خلقا عليها رآه مرتين،كان يأتي كثيرًا على صور دحية الكلبي وكان رجلًا جميلًا، وكانت عائشة رضي الله عنها تسمع كلامه وتراه قالت ما أظنه إلا كذا ما أظنه إلا دحية الكلبي.
نعم
أحسن الله إليك
(المتن)
ونؤمن بأن للملائكة أعمالًا كلفوا بها: فمنهم جبريل الموكل بالوحي ينزل به من عند الله على من يشاء من أنبيائه ورسله. ومنهم ميكائيل الموكل بالمطر والنبات. ومنهم إسرافيل الموكل بالنفخ في الصور حين الصعق والنشور. ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح عند الموت. ومنهم ملك الجبال الموكل بها.
ومنهم مالك خازن النار. ومنهم ملائكة موكلون بالأجنة في الأرحام. وآخرون موكلون بحفظ بني آدم. وآخرون موكلون بكتابة أعمالهم، لكل شخص ملكان: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.وآخرون موكلون بسؤال الميت بعد الانتهاء من تسليمه إلى مثواه، يأتيه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، ف {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}.
ومنهم الملائكة الموكلون بأهل الجنة: {يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "أن البيت المعمور في السماء يدخله وفي رواية: يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم".
(الشرح)
نعم، هذا بيان أعمال الملائكة؛ فيه أنه يجب على المسلم أن الملائكة لهم أعمال ووظائف وظفهم اللهِ تَعَالَى وقاموا بهم خير قيام، فمنهم من هو موكل بالوحي وهو جبريل، جبريل موكل بالوحي ينزل بوحي من عند الله عز جل من اللهِ تَعَالَى إلى الرسل وواسطة بين الله وبين الرسول، ينزل بالوحي على موسى وعلى عيسى وعلى إبراهيم وعلى نبينا صلى الله عليه وسلم.
هو مالك الوحي وهو أفضل الملائكة ومنزلته من الله كمنزلة الحاجب من الملك، ومنهم ميكائل موكل بالقطر وما بعد موكل بالقطر وما بعد، ومنهم إسرافيل وموكل بالنفخ في الصور النفخة الأولى إذا أمره الله فيصعق الناس فيموتون.
ثم بعد أربعين يخرج الله بطلًا أربعين تنبت من أجساد الناس وينشأ تنشئة قوية تبدل الصفات والذوات كما هي، فإذا تم خلقهم أمر الله إسرافيل النفخ في الصور فجاءت كل روح فدخلت في جسده فقام الناس أعادت لهم الحياة.
وهؤلاء لملائكة الثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل هم أفضل الملائكة؛ لأنهم موكلون بما فيه الحياة، فجبريل موكل بالوحي الذي فيه حياة القلوب والأرواح وميكائيل موكل بالمطر والنبات الذي فيه حياة الأبدان أبدان الناس والبهائم، وإسرافيل موكل بالنفخ في الصور الذي فيه إعادة الأرواح إلى أجسادها فتحيا.
فلما كان هؤلاء الملائكة الثلاثة هم أفضل الملائكة فيسر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لروبية الله لهؤلاء الأملاك الثلاثة في الاستفتاح في قيام الليل، فثبت في صحيح مسلم في حديث عائشة رَضِيَ اَللَّهُ عَنْها إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا قام من الليل يصلي يستفتح بهذا الاستفتاح:
«اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كان يختلفون أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم».
فهؤلاء الأملاك الثلاثة كل واحد موكل بما فيه الحياة وبعض الملائكة موكل بحمل العرش، يعني الحملة يحملونه الحملة في الدنيا والحملة يوم القيامة، أربع أملاك في الدنيا يحملونه بعضهم على صورة إنسان وبعضهم على صورة نسر وبعضهم على صورة ثور، وفي يوم القيامة ثمانية أملاك يحملون العرش قال سبحانه {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة: 17].
والله سبحانه وتعالى ليس محتاجًا إليهم ولا للعرش فهو الحامل للعرش وحملة العرش بقوته وقدرته سُبْحَانَه وتعالى وكذلك من حول العرش (.....) فحملة العرش والذين حوله من أفضل الملائكة قال تعالى {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر: 7].
وهناك ملائكة موكلون بعمارة السموات والعبادة والصلاة والتسبيح {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } [الأنبياء: 20]، وهناك ملائكة موكلون بحفظ بني آدم يحفظونه كل واحد موكل به ملكان لحفظه وحراسته واحد أمامه وواحد خلفه يحفظونه من أمر الله فإذا جاء قدر الله تخلوا عنه، وملكان أخران يكتبان الحسنات والسيئات على اليمين ملك يكتب الحسنات وعلى الشمال ملك يكتب السيئات.
كما قال سبحانه وتعالى {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17، 18].
وقال سبحانه وتعالى {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]، وهؤلاء الملائكة من أربعة بليل وأربعة بالنهار يتبادلون بدلًا وحفظة حافظان وكاتبان؛ حافظان من أمامه ومن خلفه وكاتبان على يمنيه وعلى شماله، أربعة أملاك بالليل وأربعة أملاك بالنهار ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، في صلاة الصبح ينزل ملائكة النهار ويصعد ملائكة الليل وفي صلاة العصر ينزل ملائكة الليل ويصعد ملائكة النهار.
كما قال عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيصعد الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم كيف تركتم عبادي؟ فيقولوا: أتيناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون»، وقال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11].
وهناك ملائكة موكلون بالنطفة يدبرون أمرها حتى يتم خلقها، هناك ملائكة موكلون بسؤال الميت في قبره إذا مات وهما منكر ونكير كما ثبت في الأحاديث الصحيحة وهما فتانان يسألان عن ربه وعن دينه وعن نبيه، فيثب الله المؤمنين كما قال تعالى {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27].
أسأل الله أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، والفاجر وَالعِيَاذُ بِاللهِ يخذل فلا يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة ولو كان (.....) في الدنيا فإذا سئل المؤمن يثبته الله يقول الله ربي والإسلام دني ومحمد نبيي عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، والفاجر لا يستطيع أن يجيب يقول: ها ها لا أدري، إذا سؤل من ربك؟ يقول: ها ها لا أدري، من نبيك؟ يقول: ها ها لا أدري، ما دينك؟ ها ها لا أدري.
فيقال له لا دريت ولا ترين فيضرب بمرزبة من حديد فيصيح صيحةً يسمعه كل من خلقه الله إلا الإنسان ولو سمعاها الإنسان لصعق، هناك ملائكة موكلون بقبض روح الميت وهو ملك الموت وله وأعوان يساعدونه.
فملك الموت يستخرج الروح فالمؤمن يقف ملكان عند رأسه فيقول أخرجي أيتها الروح إلى روحٍ وريحان فتخرج تسيل كما تسيل القطرة في السقاء، ويخرج منها كأطيب ريح وجدت كأطيب ريح مسكًا وجدت على وجه الأرض، فتصعد إلى السماء فيفتح لها أبواب السماء.
والكافر والفاجر فإذا بلغ ذروته يجلس عند الرأس وقال: أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى غضب من الله وسخط فتتهرب في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول وتوضع في مسوح وهو كفن أسود، وروح المؤمن توضع في كفن من الجنة.
فيخرج روح الفاجر كأنتن جيفة وجدت على وجه الأرض فتصاعد إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها وتطرح إلى الأرض طرحا، نعوذ بالله، وهناك ملائكة فملك الموت يأخذها ثم يأخذها الرسل الذين معه.
وهناك ملائكة وكلوا بالجبال، وملائكة وكلوا بالنجوم، وملائكة وكلوا بالجنة وإعداد الكرامة بأهلها، وملائكة وكلوا بالنار وإيقادها وإعداد العذاب لأهلها، وفي الجملة في كل حركة في السماوات والأرض فهي ترسي على الملائكة كل حركة في السماء ترسي على الملائكة بأمر الله الكوني القدري لأن الله أمر بذلك.
ومنهم المرسلات عرفا ومنهم العاصفات عصفا ومنهم الناشرات نشرا ومنهم الفارقات فرقا ومنهم الملقيات ذكرا ومنهم النازعات غرقا منهم الناشطات نشطا ومنهم السابحات سبحا ومنهم السابقات سبقا ومنهم المدبرات أمرا هذه أوصافهم عليهم الصلاة والسلام.
فلابد من الإيمان بأعمالهم ووظائفهم، خلاف الفلاسفة أعداء الله الذين يقولون: النجوم هي المدبرة لهذا الكون، فيجب على المسلم المؤمن الإيمان بالملائكة وإنهم ذوات أشخاص محسوسة وأنهم خلقوا من نور وأن الله حجبهم عنا وربما رأها بعضهم وأن لهم وظائف وأعمال وظفهم الله وإنهم لا يعصون الله ولا يسبقونه بالقول، فلابد من الإيمان بوجودهم والإيمان بشرفهم والإيمان بوظائفهم حيث ما ورد في النصوص كما ذكر المؤلف رحمه الله.
نعم
أحسن الله إليكم
(المتن)
فصل
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رسله كتبا، حجة على العالمين ومحجة للعاملين، يعلمونهم بها الحكمة ويزكونهم.
ونؤمن بأن الله تعالى أنزل مع كل رسول كتابا، لقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}.
ونعلم من هذه الكتب:
أ- التوراة التي أنزلها الله تعالى على موسى صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم كتب بني إسرائيل، {فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}.
ب- الإنجيل الذي أنزله الله تعالى على عيسى صلى الله عليه وسلم، وهو مصدق للتوراة ومتمم لها: {وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}، وقوله تعالى {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}.
ج- والزبور الذي آتاه الله تعالى داود صلى الله عليه وسلم.
د- وصحف إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام.
هـ- والقرآن العظيم الذي أنزله الله على نبيه محمد خاتم النبيين: {هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ، فكان: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} ، فنسخ الله به جميع الكتب السابقة، وتكفل بحفظه عن عبث العابثين وزيغ المحرفين: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} لأنه سيبقى حجة على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة.
(الشرح)
نعم كذلك أيضًا ما يتعلق بالملائكة، الإيمان بأن البيت المعمور بيتٌ في السماء السابعة، والكعبة السماوية في السماء السابعة تُحاذي الكعبة المشرفة في الدنيا، لو سقط لسقط عليها، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، للصلاة والطواف ثم لا يعودون إلى آخر الدهر لأنه لا يصلهم الدور من كثرة الملائكة كما ثبت في الحديث البيت المعمور بيت في السماء السابعة يحاذي الكعبة المشرفة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك للصلاة والطواف ولا يعودون إليه إلى أخر الدحر من كثرة الملائكة لا يصلهم الدور وهذا يدل على كثرة الملائكة عليهم الصلاة والسلام.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ فصل: بأن الله تعالى أنزل على رُسلهِ كُتبا، هذا هو الأصل الثالث من أصول الإيمان من أصول الدين، وهو الإيمان بالكتب المنزلة، الأصلُ الثالث من أصول الدين وأصول الإيمان الكُتب المنزلة، كما قال اللهُ تعالى: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ } [البقرة: 177]، الكتاب جنس يشمل الكتب، وفي حديث جبريل: «تؤمنون بالله وملائكته وكتبه». فهذا الأصل الثالث من أصول الدين والإيمان، الإيمان بالكتب المنزلة.
والإيمان بالكتب المنزلة كما ذكر المؤلف رَحِمَهُ اللهُ يكونُ إجمالًا وتفصيلًا. كما أن الإيمان بالملائكة يكون إجمالا وتفصيلا، تفصيلًا نؤمن بأسماء الملائكة الذين سماهم اللهُ لنا في كتابهم وسماهم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنؤمن بجبريل، ونؤمن بميكائيل، ونؤمن بإسرافيل، ونؤمن بملك الموت، ملك الموت وصف لم يُسمى، لما قال بعض الناس عزرائيل، هذا يحتاج إلى دليل تسميته عزرائيل، فنؤمن بمالك خازن النار، {وَنَادَوْا يَامَالِكُ} [الزخرف: 77].
ونؤمن بأنَ لله ملائكة ما يعلم أسماؤهم وعددهم إلا الله، وما نعلم أسماءهم، نؤمن بهم إجمالًا.
وكذلك الكتب المنزلة نؤمن إجمالًا وتفصيلًا. نؤمن بأسماء الكتب التي سماها اللهُ لنا وهي: التوراة وهو كتاب عظيم أنزله اللهُ على موسى، والإنجيل وهو كتاب عظيم أنزله اللهُ على عيسى، والزبور وهو كتاب عظيم أنزله اللهُ على داود، والقُرآن أعظمُها وآخرها وخاتمُها والحاكمُ عليها وهو كتابُ اللهِ العظيم الذي أنزله على نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصحف إبراهيم وصحف موسى، هذه نؤمنُ بها تفصيلًا.
ونؤمنُ بأن الله تعالى أنزلَ كتبًا على أنبيائه ورُسلهِ لا نعلم أسماؤهم وعددهم، نؤمن إجمالًا، نؤمن بأن الله أنزل كُتبًا على أنبيائه ورُسلهِ لا يعلم عددها وأسماؤها إلا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
أما هذه الكتب التي سماها اللهُ لنا نؤمنُ بها.
الزبور كتاب مواعظ أنزله الله على داود نقل منه شيءٌ من المواعظ: عجبتُ لمن أيقن بالموتِ كيف يفرح؟ عجبتُ لمن رأى الدنيا وسرعة زوالها كيف يطمئن إليها؟ عجبتُ للجنةِ كيف ينامُ طالبها؟ عجبتُ للنارِ كيف ينامُ هاربها؟
التوراة كتابٌ عظيم فيه أحكام عظيمة كثيرًا ما يقرن اللهُ بينه وبين القُرآن. قالوا سحرانِ تظاهرا، وقالوا: إنا بكلٍ كافرون.
والإنجيل كتاب أنزله اللهُ على عيسى وهو متمم للتوراة وخفف اللهُ فيه بعض الأحكام للتوراة، كما أخبر الله عيس أنه قال: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50].
كان في شريعة التوراة القصاص للقاتل، قضاء قتل القاتل، وفي شريعة الإنجيل العفو.
ولهذا يقال أن الإنجيل فيه عفو وتسامح، قال في الإنجيل: من ضربكَ على خدكَ الأيمن فأدر له الأيسر.
أما القُرآن فهو أكملها ، فأولياء القتيل يخيرون، إذا كان القاتل قتل عمدًا وعدوانًا يخير أولياء المقتول بين واحد من ثلاثة مور:
* إما القصاص، وهو قتلُ القاتل.
* وإما الدية.
* وإما العفو المجاني.
التوراة فيها القصاص، والإنجيل فيه العفو، والقُرآن فيه التخيير.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: ونؤمن بأن الله تعالى أنزل على رُسلهِ كُتبًا حُجةً على العالمين، ومحجةً للعاملين، يعلمونهم الحكمة ويزكونهم، كما قال اللهُ تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].
أرسل اللهُ الرسل، بعث الله الرُسل وأنزل الكُتب لإقامة الحُجة على الناس، وإزالة العلة. الكتب حُجةً على العالمين، ومحجةً للعاملين، يعلمونهم بها الحكمة، الحكمة يعظون الناس، ويزكونهم بها ليطهروا أنفسهم.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ ونؤمن بأن الله أنزل مع كل رسولٍ كتابًا. لقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]، والكتاب جنس، المراد: الكُتب.
أرسلنا رُسلًا بالبينات يعني بالحجج والبراهين. وأنزلنا معهم الكتاب: يعني الكتب، مع كل رسولٍ كتابا.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: ونعلم من هذه الكتب التوراة التي أنزلها اللهُ تعالى على موسى صلى الله عليه وسلم، وهي أعظم كتب بني إسرائيل، ثم ذكر الآية: {فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ}.
وذلكَ أن الأنبياء الذين جاءوا بعدَ موسى كلهم كلفوا بالعمل بالتوراة، حتى بعث اللهُ عيسى فأنزل عليه الإنجيل. وداود وسليمان ويحيى كلهم تعاملوا بالتوراة، أنبياء بني إسرائيل، ثم جاء بعدهم موسى، ولهذا قال الله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: 44].
ثانيًا الإنجيل الذي أنزله الله على عيسى وهو مصدقٌ للتوراة ومتممٌ لها، وفيه تخفيف بعض الأحكام، كما قال الله، ويحلُ لكم بعض الذي حُرمَ عليكم، ذكر الآية {وَآتَيْنَاهُ الإنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} ، ولما أمامه وهي التوراة، {وَهُدىً وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} يصلح أمر الدين. قال:{وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}.
ثالثًا: الزبور الذي آتاه الله تعالى داود صلى الله عليه وسلم.
رابعًا: صحف إبراهيم وصحف موسى عليهما الصلاة والسلام.
خامسًا: القرآن العظيم الذي أنزله الله على نبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين: {هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ، فكان: {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} أي لما أمامه، مصدقًا للكتب السابقة، {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} حاكم لها، وخاتمها ، فنسخ الله به جميع الكتب السابقة، نسخ اللهُ بالقُرآن جميع الكتب السابقة، وتكفل الله بحفظه عن عبث العابثين وزيغ المحرفين، كما قال اللهُ تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} لأنه سيبقى حجةً على الخلق أجمعين إلى يوم القيامة.
(المتن)
أحسن اللهُ إليك.
أما الكتب السابقة فإنها مؤقتة بأمد ينتهي بنزول ما ينسخها، ويبين ما حصل فيها من تحريفٍ وتغيير، ولهذا لم تكن معصومةً منه، فقد وقع فيها التحريف والزيادةُ والنقص: قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، قال تعالى: { {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} [الأنعام: 91]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ } [آل عمران: 78، 79]، وقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ} [المائدة: 15] إلى قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17].
(الشرح)
نعم، يبين المؤلف رَحِمَهُ اللهُ أن الكُتب السابقة أنها منسوخة لأن الله أنزلها على أنبيائه خاصة بهم، ثم نُسخت كلها بالكتاب العظيم الذي أنزلهُ اللهُ على نبينا وإمامنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولهذا قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: أما الكتب السابقة فإنها مؤقتة بأمدٍ ينتهي بنزول ما ينسخها، ويبين ما حصل فيها من تحريفٍ وتغيير، ولهذا لم تكن معصومةً منه، فقد وقع فيها التحريف والزيادةُ والنقص.
الكتب السابقة ليست معصومة، أما القُرآن العظيم فإن اللهَ عصمه من التحريف، فالله سبحانه تكفلَ بحفظهِ فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
أما الكُتب السابقة وكل اللهُ حفظها إلى بني إسرائيل فلم تُحفظ، قال: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44]، استحفظهم اللهُ على التوراة فلم تُحفظ وغُيرت، أما القُرآن فتكفل اللهُ بحفظهِ فكان معصومًا من التحريف.
بين المؤلف الآية التي فيها أن الكُتب السابقة حُرفت، قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79]، فهذا يدل على أنها حُرفت.
وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا} [الأنعام: 91]، دخلها التحريف. وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)} [آل عمران 78]، حرفوا، صريحة الآية على أنهم حرفوا. {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ } [آل عمران: 79]، وقوله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة: 15] ، إذًا فيها أنهم يخفون. إلى قوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة: 17].
كل هذه الآيات دالة على أن الكُتب السابقة دخلها التحريف، أما القُرآن فإن الله حفظهُ من التغيير. نعم
(المتن)
أحسن الله إليك.
فصلٌ:
ونؤمن بأن الله تعالى بعث إلى خلقه رسلًا: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [سورة النساء، الآية: 165].
ونؤمن بأن أولهم نوح، وآخرهم محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [سورة النساء، الآية: 163]، وقوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [سورة الأحزاب، الآية: 40].
وأن أفضلهم محمد، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح، وعيسى بن مريم، وهم المخصوصون في قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [سورة الأحزاب، الآية: 7].
ونعتقد أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم حاوية لفضائل شرائع هؤلاء الرسل المخصوصين بالفضل، لقوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [سورة الشورى، الآية: 13].
(الشرح)
نعم هذا هو الأصل الرابع من أصول الدين والإيمان وهو الإيمان بالرُسُل، وهو الإيمان بأن اللهَ تعالى أرسلَ رُسلًا إلى خلقهِ لهداية الناس وإبلاغهم شرائع الله التي شرعها، وإنقاذهم من الظُلمات إلى النور، فلابد من الإيمان بهذا.
ونؤمن بهم تفصيلًا وإجمالًا.
تفصيلًا: نؤمن بأسماء الرُسل بأعيانهم الذين سُموا في الكتاب والسُنة.
أما الفلاسفة فإنهم لم يؤمنوا بالكُتب المنزلة و لم يؤمنوا بالرُسل والأنبياء. فالكُتب المنزلة لم يؤمن بها الفلاسفة، ولم يؤمنوا بأن اللهَ أنزل كُتبًا على أنبيائه ورُسلهِ، وإنما يقولون: أن الكُتب عبارة عن طير والمعاني تفويض من العقل الفعال عن النفس البشرية الصفية، أن النفس الفاضلة يحصل لها تصورات وتصديقات بحسب ما صفت.
ما في كُتب، الكتب عبارة عن فيض، معاني تفيض من العقل الفعال على النفس الفاضلة الزكية النقية، من استقبلها فهو نقي.
الرسول عندهم رجل عبقري، وهو أن رجل يكون عنده قوة الإدراك حتى يكون إيمانه أكثر من غيره، وقوة النفس، وقوة التخيل وقوة التخييل، فهو رجل يتخيل الملائكة في صورة أشباح ويخيلها للناس، فهو رجل عبقري، يمكن أن يدرك هذه الصفات بالمران والخبرة والتجارب فيصل إلى النبوة والرسالة.
بل إن بعضهم، الفلاسفة يرى أن النبوة والرسالة مرتبةٌ ليست عالية وإنما هناك مرتبة أعلى منها وهي الفلسفة، يتطلع إلى ما هو أعلى منها، ويقول: إن الرسالة والنبوة سياسةٌ للعامة، والفلسفة سياسةٌ خاصة، والسياسة الخاصة أفضل من السياسة العامة، فيرى أن الفلسفة أعلى من الرسالة، والفيلسوف أعلى من النبي. فهم كفرة ملاحدة، كفر هؤلاء فوق كفر الذين قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ } [الأنعام: 124]، فهؤلاء يُريدون أن يؤتوا فوق ما أُتي رسول الله.
فلابد من الإيمان بالكُتب المنزلة، أن الله تعالى أنزل كُتبًا على أنبيائهِ ورسُلهِ لهداية الناس. وأما الملاحدة آمنوا بما فوق المعاني.
ولابد من الإيمان بالرُسل وأن الله اختصهم بالرسالة، وأن الرسالة والنبوة هبة من الله وأما الملاحدة فقالوا لا، الرسالة صنعة من الصناعات وحرفة من الحرف وسياسة من السياسات، ولها صفات من استكملها فهو نبي. من استكمل هذه الصفات ومرن نفسه عليها وحصلها بطرق المران والتجارب والخبرة وصل إلى النبوة. أعوذُ بالله، هؤلاء كفرة وملاحدة.
أما أهل الحق فهم يؤمنون بالملائكة، وبالكتب، وبالأنبياء والرُسل. يؤمنون بأن الله تعالى أرسلَ الرُسل لهداية الناس، وأن الله اختصهم واصطفاهم بالنبوة والرسالة، {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 31، 32]، أنكر اللهُ على كفار قريش، قال:{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف: 32]؟ وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124].
اللهُ تعالى يختص برحمته من يشاء، {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75]، والأنبياء والرُسل يجب الإيمان بهم إجمالًا وتفصيلًا. تفصيلًا فيما سماه الله، الذين ذكروا في القُرآن الكريم وهم خمسة وعشرون في سورة النساء {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } [النساء: 163]، وفي سورة الأنعام لما ذكر اللهُ إبراهيم، قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) } [الأنعام: 84 - 87]. من الأنبياء لوط وشعيب وآدم ونبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فنؤمن بأسمائهم، وما لم يُذكر نؤمن به إجمالًا، نؤمن بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أرسل رسلًا من الخلق لا يعلمُ أسماءهم وعددهم إلا الله، كما قال اللهُ تعالى: {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } [النساء: 164].
بين لهم الحكم للرسالة، {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } [سورة النساء، الآية: 165]. بين وظيفتهم والحكمة من إرسالهم ، فقال: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } يبشر من أطاعهم بالجنة، وينذر من عصاهم بالنار. يأمرون الناس بالتوحيد والإيمانُ بالله، يأمرون الناس بالأخلاق الفاضلة، والأعمال المرضية ويحذرونهم من الأعمال السيئة وسفاسف الأمور.
قامت الحجة على الناس (.....) : {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } [سورة النساء، الآية: 165].
ويقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: ونؤمن بأن الله َتَعَالَى بعث إلى الناس { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } [النساء: 165].
ونؤمن بأن أولهم نوح، وآخرهم محمد صلى الله عليهم وسلم.
أولهم نوح، هو أول رسول بعثه الله إلى الأرض بعد أن وقع الشرك، وكان قبله أنبياء، شيث وآدم كان نبيًا مكلمًا، لكن ما وقع الشرك في زمن آدم وإنما وقعت المعصية، قابيل قتل أخاه هابيل.
قال ابن عباس في قول اللهِ تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: 213]. قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام على التوحيد، ثم حدث الشرك فبعث اللهُ نوحًا.
فنوح أول رسول بعثه الله إلى الأرض بعد وقوع الشرك، ولذلك بُعث إلى بنيه وغيرهم.
أما آدم فكان نبيًا ولم يقع الشرك وبعث إلى بنيه خاصة.
وآخرهم نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو خاتم النبيين وإمام المرسلين وأفضلهم وهو رسولُ اللهِ إلى الثقلين الجن والإنس والعرب والعجم، ليس بعده نبي، فمن قال أن بعده نبي فهو كافر بإجماع المسلمين. ومن قال إن رسالته ليست عامة فهو كافر بإجماع المسلمين.
وذكر المؤلف من الآيات: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [سورة النساء، الآية: 163]، {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [سورة الأحزاب، الآية: 40]، صدق له أنه خاتم النبيين.
وأن أفضلهم محمد، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح، وعيسى بن مريم، وهؤلاء هم أولو العزم الخمسة، قال الله لنبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنهم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35]. ذكرهم الله في سورتين، في سورة الأحزاب وفي سورة الشورى. قال الله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [سورة الأحزاب، الآية: 7]. وفي سورة الشورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [سورة الشورى، الآية: 13].
قال: ونعتقد أن شريعة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاوية لفضائلِ شرائع هؤلاء الرُسل، المخصوصينَ بالفضل. نعم، رسالة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوت جميع الفضائل الكتب السابقة، ثم قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه} [سورة الشورى، الآية: 13]. نعم
(المتن)
أحسن الله إليك
ونؤمن بأن جميع الرسل بشر مخلوقون ليس لهم من خصائص الربوبية شيء، قال الله تعالى عن نوح وهو أولهم: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَك} [سورة هود، الآية: 31].وأمر الله تعالى محمدًا وهو آخرهم أن يقول: {لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَك} [سورة الأنعام، الآية: 50].وأن يقول {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ} [سورة الأعراف، الآية: 188].وأن يقول: {إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [سورة الجن، الآيتان: 21 ـ 22].
ونؤمن بأنهم عبيد من عباد الله، أكرمهم الله تعالى بالرسالة ووصفهم بالعبودية في أعلى مقاماتهم وفي سياق الثناء عليهم، فقال في أولهم نوح: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [سورة الإسراء، الآية: 3].وقال في آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [سورة الفرقان، الآية: 1].وقال في رسل آخرين: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ} [سورة ص، الآية: 45]،وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّاب} [سورة ص، الآية: 17]، وقوله تعالى:{وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [سورة ص، الآية: 30]، وقال في عيسى بن مريم: {إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرائيلَ} [سورة الزخرف، الآية: 59].
(الشرح)
نعم، ونؤمن بأن جميع الرسل بشر مخلوقون، بشر مخلوقون اختصهم الله بالرسالة والنبوة لهداية الناس، ومن قال إنهم ليسوا بشرًا وأن فيهم شيء من الإلهية فهو كافر، كما قال بعض الناس إنهم مخلوقون من نور، أو قال إن محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مخلوق من نور وأنه جزءٌ من الله – والعياذُ بالله –، هؤلاء ملاحدة كفرة.
فلابد من الإيمان بأنهم بشر مخلوقون، وليس لهم من خصائص الربوبية شيء، فهم رسلٌ كرام مبلغين عن الله شرعه ودينه، وعلى الناس محبتهم وموالاتُهم والاعتقاد بأنهم بشرٌ مخلوقون، وأن العبادة حقُ الله، اللهُ هو المعبود، له العبادة والمحبة والطاعة. والرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ له المحبة والطاعة والإيمانُ به، وتصديقه، والتعبد لله بشريعته، أما العبادة فهي حقُ الله.
ثم ذكر الآيات عن نوح ، قال الله تعالى: {وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَك} [سورة هود، الآية: 31]. بين مكانته عند الله. وأمر الله تعالى محمدًا وهو آخرهم أن يقول: {لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَك} [سورة الأنعام، الآية: 50]. إني بشر، قال: وأن يقول {لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاّ مَا شَاءَ اللَّهُ} [سورة الأعراف، الآية: 188].وأن يقول: {إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [سورة الجن، الآيتان: 21 ـ 22].
وفي الرد على من عبد الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أو اعتقد فيه نوعًا من الإلهية أو قال إنه جزءٌ من الله، كل هذا كُفار.
وكذلك من قال: إنه يعلمُ الغيب، طائفة يسمون البرلياوية في الهند يقولون إن الرسول يعلمُ الغيب والعياذُ بالله، كافرة، من طوائف الكفار. الرسولُ لا يعلمُ الغيب. الله أمره أن يقول لهم: {لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [سورة الأنعام، الآية: 50].
وقال سُبحانه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27]، فلا يعلم الغيب إلا الله. { قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65].
قال المؤلف: ونؤمن بأنهم عبيد من عباد الله، أكرمهم الله تعالى بالرسالة ووصفهم بالعبودية، فليسوا ملائكة وليسوا آلهة وليس لهم شيء من خصائص الإلهية، فالعبادة حقُ الله، وليسوا مخلوقون من نور، بل هم مخلوقون، كل واحد مخلوق من بني آدم، مخلوقٌ من ذكرٍ وأنثى، إلا عيسى فإنه مخلوقٌ من أُنثى.
ووصفهم بالعبودية في أعلى مقاماتهم وفي سياق الثناء عليهم، فقال في أولهم نوح: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [سورة الإسراء، الآية: 3]. الشاهد أنه وصف نوح بالعبودية.
وقال في آخرهم محمد صلى الله عليه وسلم: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [سورة الفرقان، الآية: 1]. وصف محمدًا بالعبودية.
وقال في رسل آخرين: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ} [سورة ص، الآية: 45]، وصفهم بالعبودية، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّاب} [سورة ص، الآية: 17]، وصفه بالعبودية، {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [سورة ص، الآية: 30]، وصف سليمان بالعبودية، وقال في عيسى بن مريم: {إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ} فعيسى عبد من عباد الله، ليس إلهًا وليس ابنُ الله كما تقولُ النصارى، كفروا بذلك. {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ } [المائدة: 17].
قال اللهُ تعالى: {إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [سورة الزخرف، الآية: 59]. نعم
(المتن)
ونؤمن بأن الله تعالى ختم الرسالات برسالة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأرسله إلى جميع الناس، لقوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } [الأعراف: 158].
(الشرح)
نعم لابد من الإيمان بأن محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين وخاتم الرسول، كما قال الله: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].
وفي الحديث: «أُعطيت خمسًا» وفي آخر «ستًا لم يعطهنَ أحدٌ قبلي» وفيه: «وخُتم بي النبيون». فمن زعمَ أن بعد محمدٍ نبي فهو كافر، كالقديانية فهم يزعمون أن غُلام برزا أحمد نبي، هؤلاء كُفار، ليس بعد محمدٍ نبي. فهم طائفةٌ من طوائف الكُفر، وقد صدر عن رابطة العالم الإسلامي بيان بأن القديانية طائفةٌ من طوائف الكُفر، -نسأل الله السلامة والعافية-.
ولهذا أمر الله نبيه أن يقول: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 158]، هو نبي رسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، نبي يُطاع ويتبع ولا يعبد ولا يكذب، بل يطاع ويتبع عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. نعم
(المتن)
أحسن الله إليكم.
ونؤمن بأن شريعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي دينُ الإسلام الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، وأن الله تعالى لا يقبل من أحد دينا سواه، لقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3]، وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
ونرى أن من زعم اليوم دينا قائمًا مقبولًا عند الله سوى دين الإسلام من دين اليهودية أو النصرانية أو غيرهما فهو كافر، ثم إن كان أصله مُسلمًا يُستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدًا، لأنه مكذبٌ للقرآن.
(الشرح)
نعم، لابد من الإيمان بأن شريعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي دينُ الإسلام وهي الشريعةُ الخاتمة فإن الإسلام هو دين الأنبياء جميعًا بمعناه العام كما قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، وقوله: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3]، وهو توحيدُ الله وطاعةُ كل نبي فيما جاء به من الشريعة، وبُعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإسلام وهو لكل الخلائق في كل زمان في كل وقت، توحيد الله طاعة كل نبي فيما جاء به من الشريعة، وبعد بعثة نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صار دين الإسلام توحيد الله وما جاء به محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الشريعةِ الخاتمة، ارتضاه اللهُ لعباده، فلا يقبل اللهُ من أحدٍ غير دين الإسلام {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة: 3].
ومن زعمَ أن هناك دين مقبول عند الله غير دين الإسلام فهو كافر يُستتاب فإن تاب وإلا قُتلَ مُرتدًا لأنه مكذبٌ للقُرآن لقولهِ تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19]، الإسلام دين الله في الأرض وفي السماء. نعم
(المتن)
أحسن الله إليكم.
ونرى أن من كفر برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناس جميعا فقد كفر بجميع الرسل، حتى برسوله الذي يزعم أنه مؤمن به متبع له، لقوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 105]، فجعلهم مكذبين لجميع الرسل مع أنه لم يسبق نوحا رسول. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ
هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [سورة النساء، الآيتان: 150 ـ 151].
(الشرح)
نعم، نعتقد أن من كفر برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد كفر بجميع الرسل، بل من كفر بأي رسول فقد كفر بجميع الرسل، وذلك لأن الرسل متضامنون، فالمتقدم بشرَ بالمتأخر، والمتأخر صدقَ المتقدم، كما قال تبارك وتعالى عن عيسى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]، فمن كفر برسولٍ واحد فقد كفر بجميع الرسل.
ولهذا لما كذبت الأمم السابقة برسولها جعل اللهُ تكذيبها لرسولها تكذيبٌ لجميع المرسلين، قال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [سورة الشعراء، الآية: 105]، هم كذبوا نوح، جعل تكذيبهم لنوح تكذيب لجميع المرسلين. {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 123]، هم كذبوا هود، فجعل الله تكذيبهم لهود تكذيبًا لجميع الرسل، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 141]، هم كذبوا صالح، جعل الله تكذيبهم لصالح تكذيبًا لجميع رُسله. {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ } [الشعراء: 160]، هم كذبوا نبيهم لوط، فجعل تكذيبهم للوط تكذيبًا لجميع رُسلهِ. {كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: 176]، فهم كذبوا شعيب، فجعل تكذيب نبيًا تكذيبًا لجميع الرُسل، لأن الرُسل متضامنون، المتقدم بشر بالمتأخر، والمتأخر صدق المتقدم.
ورسالة الأنبياء كلها وجميع الرسل كلهم يدعون إلى التوحيد، أمرهم بطاعة الله وطاعة رُسُلهِ. ولأن الله نصَ على ذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} [سورة النساء، الآيتان: 150 ـ 151]، فمن آمن ببعض الرُسل وكفر بالبعض الآخر فهو كافرٌ بالجميع، كما أن من آمن ببعض الكُتب وكفر بالبعض الآخر في كافر بالجميع.
من آمن ببعض الكُتب وكفر ببعض الكُتب، أو من آمن ببعض الكتاب الواحد وكفر ببعضه فهو كافرٌ بالجميع. ومن آمن ببعض الرُسل وكفر بالبعض الآخر فهو كافرٌ بالجميع. نعم
(المتن)
أحسن اللهُ إليكم.
ونؤمن بأنه لا نبي بعد محمد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومن ادعى النبوة بعده أو صدّق من ادّعاها فهو كافر، لأنه مكذبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين.
(الشرح)
نعم، نؤمن بأن محمدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين، ومن ادعى النبوة بعده أو صدّق من ادعى النبوة فهو كافر، لماذا؟ لأنه مكذبٌ للهِ ولرسولهِ، ولأنه مخالفٌ لإجماع المسلمين. ولهذا كفرَ مرز غلام الإمام أحمد لما ادعى النبوة وقاديان، وكفر أيضًا من صدقه واتبعه، وقد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أنه سيكون بعدي كذابون ثلاثون كلهم يزعمُ أنه نبي، وأنا خاتمُ النبيين لا نبيَ بعدي»، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. نعم
(المتن)
أحسن اللهُ إليكم.
ونؤمن بأن للنبي صلى الله عليه وسلم خلفاء راشدين خلفوه في أمته علما ودعوة وولاية على المؤمنين. وبأن أفضلهم وأحقهم بالخلافة: أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين.
وهكذا كانوا في الخلافة قدرًا كما كانوا في الفضيلة شرعا، وما كان الله تعالى وله الحكمة البالغة ليولّي على خير القرون رجلًا وفيهم من هو خير منه وأجدر بالخلافة.
ونؤمن بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصة يفوق فيها من هو أفضل منه، لكنه لا يستحق بها الفضل المطلق على من فَضَله، لأن موجبات الفضل كثيرة متنوعة.
ونؤمن بأن هذه الأمة خير الأمم وأكرمها على الله عز وجل، لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران، الآية: 110].
(الشرح)
نعم هذا لابد للمسلم أن يعتقد ما ذكره المؤلف رَحِمَهُ اللهُ، قال: ونؤمن بأن للنبي صلى الله عليه وسلم خلفاء راشدين خلفوه في أمته علما ودعوة وولاية ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عليكم بسُنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجز». سماهم خلفاء راشدين. خلفوا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العلم والدعوة والولاية.
ونؤمن بأن أفضلهم وأحقهم بالخلافة: أبو بكر الصديق، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم أجمعين. وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، وقد اتفقَ المسلمونَ على ذلك إلا خلاف يسير في علي وعثمان أيُهما أفضل؟ فروي عن أبي حنيفة أن علي أفضل من عثمان وإن كان عثمان هو الخليفة، لكن رويَ عنه أنه رجع عن ذلك ووافق الجمهور، وزال الخلاف واتفقت الأُمة على أن أفضل الناس بعد الأنبياء أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي. وترتيبهم في الخلافة كترتيبهم في الفضيلة.
أما من قدمَ عليًا على عثمان في الخلافة فهذه مسألةٌ عظيمة يضلل صاحبها، أما تقديم علي على عثمان في الفضيلة هذه مسألة خفيفة، مسألة سهلة، قال بها أبو حنيفة ورجعَ عنها. أما تقديمُ عليٍ على عثمان في الخلافة هذه مسألةٌ عظيمة وضل فيها المخالفين وبدعوا.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللهُ في العقيدة الواسطية: "من قدمَ عليًا على عثمان في الخلافة فهو أضلُ من حمارِ أهلهِ، ومن قدم عليًا على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار"، يعني احتقرَ رأيهم، لأن المهاجرين والأنصار أجمعوا على تقديمِ عثمان على علي في الخلافة.
يقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: وهكذا كانوا في الخلافة قدرًا كما كانوا في الفضيلة. يعني أن الله قدرَ أن يكون الخليفة أبو بكر، كتب على اللوح يعني قدر، ووقع ما قدره الله، وقدرَ أن عمر يكونُ بعده خليفة، وقدرَ أن عثمان يكونُ بعده خليفة، وقدرَ أن علي يكون بعده في الخلافة. هذا القدر جاء الشرع بموافقته، فاتفقَ الشرعُ والقدر، اتفقَ الشرع والقدر. القدر قدرَ الله ترتيبهم هكذا، في الخلافة والشرع جاء بأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، هذا هو الذي عليه أهل السُنة والجماعة.
قال المؤلف: وما كان الله تعالى وله الحكمة البالغة ليولّي على خير القرون رجلًا وفيهم من هو خير منه وأجدر بالخلافة.
ونؤمن بأن المفضول من هؤلاء قد يتميز بخصيصةٍ يفوق فيها من هو أفضل منه، لكنه لا يستحقُ بها الفضل المطلق على من فَضَله، لأن موجبات الفضل كثيرة متنوعة. يعني: قد يكون كل واحد من الخلفاء الراشدين له فضيلة، مثلًا أبو بكر تميز بفضائله أنه صاحب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخاص في الغار، عمر تميز بالعدل، عثمان تميز بالنفقات العظيمة جهز جيش العسرة، علي تميز بقتال الخوارج. إلى غير ذلك.
وقد يكون المفضول له خصيصة لكن لا يكون أفضل من الفاضل؛ لأن الفاضل له خصائص أُخرى.
فالخصيصة الواحدة أو الفضيلة الواحدة لا تقضي على الفضائل الأخرى.
قال المؤلف رَحِمَهُ اللهُ: ونؤمن بأن هذه الأمة خير الأمم وأكرمها على الله عز وجل، نعم هذه الأُمة المحمدية أفضل الأُمم، ونبيُها أفضل الأنبياء والرُسل، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [سورة آل عمران، الآية: 110].
فحصلت لهم هذه الخيرية بهذه الأوصاف، الإيمانُ بالله، والأمرُ بالمعروف، والنهي عن المنكر. ومن حقق هذه الأوصاف حصلت له الخيرية، ومن ضيعَ هذه الأوصاف فاتته الخيرية. نعم
(المتن)
أحسن اللهُ إليكم.
ونؤمن بأن خير هذه الأمة: الصحابة، ثم التابعون، ثم تابعوهم، وبأنه: «لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل».
(الشرح)
نعم، لابد من الإيمان بهذا، ونؤمن بأن خير هذه الأمة: الصحابة؛ لأن الله اختارهم لصحبة نبيه، وما كان اللهُ ليختار لصحبة نبيه إلا أفضل الناس. نؤمن بأن الصحابة هم خير هذه الأُمة، ثم التابعون، ثم تابعوهم، يقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، جاء في هذا أحاديث.
ونؤمن بأن هذه الأُمة معصومة من أن تكون كلها على ضلالة، لن تُجمع على ضلالة، معصومة من الشرك بجملتها، بل لابد أن تبقى طائفة على التوحيد والإيمان، تبقى على الحق، وتأتي ريح تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات في آخر الزمان بعد أشراط الساعة، ثم تقوم الساعة على شرار الخلق.
كما جاء في الحديث الصحيح: «لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله عز وجل».
فلا يمكن أن يُفقد الحق من الأُمة أبدًا، بل لابد أن تبقى طائفة على الحق، هذه الطائفة قد تقل وقد تكثر، قد تكون في بعض الأزمان قوية وكثيرة، وقد تكون قليلة، وقد تكون مثلًا في مكان واحد، وقد تكون في أماكن متنوعة، منهم، في مقدمة هذه الطائفة المنصورة العلماء وأهل الفضل.
قد تكون مقصورة على العالم الذي يقصده الناس، ومنهم العابد، وقد يكون منهم المزارع، قد يكون مثلًا صاحب مهنة، قد يكون تاجر، هو على الحق. نعم
(المتن)
أحسن اللهُ إليكم.
ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم من الفتن فقد صدر عن تأويلٍ اجتهدوا فيه، فمن كان منهم مصيبا كان له أجران، ومن كان منهم مخطئا فله أجر واحد، وخطؤه مغفور له.
ونرى أنه يجبُ أن نكفّ عن مساوئهم، فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم، لقوله تعالى فيهم: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سورة الحديد، الآية: 10] وقول الله تعالى فينا: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة الحشر، الآية: 10].
(الشرح)
نعم، يجب على المسلم أن يعتقد ما ذكره المؤلف. قال: ونعتقد أن ما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم من الفتن والحروب فقد صدر عن تأويلٍ اجتهدوا فيه، فمن كان منهم مصيبًا كان له أجران: أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، ومن كان منهم مخطئا فله أجر واحد: وهو أجرُ الاجتهاد، وخطؤه مغفور له.
ونرى أنه يجبُ أن نكفّ عن مساوئهم، فلا نذكرهم إلا بما يستحقونه من الثناء الجميل، وأن نطهر قلوبنا من الغل والحقد على أحد منهم، لقول الله تعالى فيهم: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} ثم قال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [سورة الحديد، الآية: 10] وهي الجنة، كلهم وعدوا بالجنة.
وقول الله تعالى فينا: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [سورة الحشر، الآية: 10]. الشاهد: الدعاء، قال: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا}، هذا هو الذي يجب على المسلم أن يعتقده.
يجب على المسلم أن يعتقد أن الصحابة خيرُ الناس وأفضلُ الناس بعد الأنبياء، وأنه لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم أختارهم اللهُ لصحبة نبيهِ وحمل الشريعة والدين، هم الذين حملوا الشريعة، ونقلوا إلينا الشريعة وبلغوها للأمة، فهم خيرُ الناس وأفضلُ الناس، صحبوا نبيهُ وجاهدوا معهُ، وبلغوا دينَ الله، وشهدوا التنزيل.
أما ما صدرَ منهم مما يُنقل من الحروب ومن الأقوال ومن الأعمال ومما ينتقد عليهم، ومما يُعابونَ به، فهم بين واحد من ثلاث:
* بعض ما ينقل عنهم كذبٌ لا أساسَ له من الصحة، هذا بعضه.
* وبعض النقول التي تُنقل عنهم له أصل لكن زيدَ فيه ونقص وغُيرَ عن وجهه.
* والنوع الثالث صحيح: صدر عنهم وهذا الذي صدر عنهم هم ما بين: مجتهدٌ مصيب له أجران، وما بين مخطئً فله أجر وخطؤه مغفور.
والواحد منهم ليس معصوم، ليس معصوم من كبائر الذنوب، وقد تقع المعصية من أحدهم، لكن موفقون، قد يوفقون لمحو هذه الكبيرة والمعصية، قد يوفق الواحد من الصحابة إلى التوبة، والتوبة طهارة تجب ما قبلها، وقد تُمحى عنه هذه السيئة بصحبته مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجهاده والحسنات الماحية، وقد تُمحى عنه بمصائب يصابُ بها، وقد تُغفر له بشفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين هم أولى بها.
وما صدر عنهم من الحروب وغيرها فقد صدر عنهم عن تأويل واجتهاد، ولا ينطبق عليهم قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «القاتل والمقتول في النار»، «لا ترجعوا بعدي كفار يضربُ بعضكم رقاب بعض» لأن القتال هذا إذا كان قتال عن هواء وبغي هذا هو الذي ينطبق عليه: «القاتل والمقتول في النار، قالوا: هذا للقاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه».
وكذلك قوله: «لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض».
أما القتال الذي حدث بين الصحابة فهو اجتهاد ناتج عن تأويل، والذي صدرَ عن تأويل يكون هذا المتأول إما أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجرٌ واحد، وذلكَ أن علي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه لما قُتلَ عثمان بايعه أكثر أهل الحل والعقد فثبتت له البيعة، وامتنع معاوية وأهل الشام من البيعة لا لأن معاوية يطلب البيعة لنفسه أو لأن الشرع يكون معه، لا، ولكن يطالبون بدم عثمان. أن عثمان قتل شهيد ومظلم، الإمام قُتل، فلابد ونحنُ أولى به، يطالبون بدمه أقربائه، ونخشى أن يزيد طغيان هؤلاء الذين طغوا ويتجاوز غيرهم، وعلي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه لا يمانع من أخذ قتلة عثمان، لكنه يقول: الآن الوقت وقت فتنة، ولا نعرف واحدٌ منهم بعينه، لأنهم اندسوا في العسل، وهناك من تنتصر له قبيلته.
فيرى علي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه أنه يؤجل الأمر حتى تهدأ الأمور وتسكن الفتنة ويعرفون بأعيانهم وتثبت عليهم الدعوة ثم يقتلون.
إلا أن معاوية رأى أنه لابد من أخذهم الآن، حصل الخلاف، ثم وقع القتال، فانضمَ أكثر الصحابة إلى علي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه ورأوا أنه الخليفةُ الراشد وأنه يجبُ على معاوية أن يخضع للبيعة، واجتهد ومعاوية ومن معه فلأنهم مصيبون وأنهم يطالبون بدم عثمان.
وانضم أكثر الصحابة إلى علي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه وقالوا إنه الخليفة المنصور، وأن أهل الشام بغاة عملًا بقول اللهِ تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: 9].
هم بغاة لا يجب قتالهم، ولكن أهل الشام لا يعلمون أنهم بغاة، فحصل القتال.
وأشكل الأمر على بعض الصحابة ولم يتبين لهم الأمر وخافوا من النصوص التي فيها النهي عن القتال، قتال المسلمين بعضهم لبعض وما فيها من الأمر بالجلوس، «وأنه ستكونُ فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الساعي»، والنصوص التي فيها الأمر بالقعود في الفتنة، "كن خيري بني آدم، كُن عبد الله المقتول ولا تكون عبد الله القاتل». فلم يتبين لهم الأمر فاعتزلوا الفريقين، كابن عمر، وأسامة بن زيد، وسلمة بن الأكوع، وجماعة.
والصواب مع علي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه، وهذا الذي دلت عليه النصوص، فعلي رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه هو إمام مصيب له أجران، ومعاوية ومن معه مخطئون فاتهم أجر الصواب يحاسبوا على أجر الاجتهاد.
ومما يدل على أن علي هو المصيب، ما ثبت حديث الصحيحين، أن النبي قال لعمار: «تقتله الفئة الباغية»، فقتله جيش معاوية. دل على أن معاوية ومن معه بغاة، لكن لا يعلمون أنهم بغاة، لهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب. وقتالهم عن تأويل.
وكما سبق أن ما يُنقل عن الصحابة: منه ما لا أساس له من الصحة، ومنه ما له أصل لكن زيد فيه ونقص، ومنه ما هو صحيح والصحيح أنهم ما بين مصيب له أجران، وبين مخطئ له أجر. هذا هو الذي ينبغي.
والسابقون الأولون من الصحابة أفضل من غيرهم، تكلم العلماء في السابقين الأولين، فقيل: هم من صلوا إلى القبلتين، بيت المقدس والكعبة، النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما هاجر إلى المدينة وجهه اللهُ إلى بيت المقدس فصلوا إلى بيت المقدس ستةَ عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا ثم وجهوا إلى الكعبة.
وقيل إن السابقون الأولون هم الذين أسلموا قبل الفتح، ما قبل صلح الحديبية، صلح الحديبية يُسمى فتح، وفتح مكة يُسمى فتح، وهذا هو الصواب لقول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10]، فجعل الله التفضيل بالسبق إلى الإسلام قبل الفتح والإنفاق.
وأما الصلاة إلى القبلة المنسوخة فليس فيه فضيلة، ثم أيضًا يكون عدد السابقين كثير، لأنه أسلم قبلها عدد كبير، أما الصلاة إلى القبلة المنسوخة فهذا في السنة الأولى، عددٌ قليل. فالصحابة طبقات، السابقون الأولون الذين سبقوا إلى الفتح، ثم الطبقة الثانية الذين أسلموا إلى بعد صُلح الحديبية وبقوا في مكة كخالد بن الوليد، ثم الطبقة الثالثة الطلقاء الذين أسلموا يوم الفتح ومنهم أبي سفيان قائد الجيوش، وابناه معاوية ويزيد.
ومن التفاوت بين الصحابة تفاوتٌ عظيم، لما حصل خلاف بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف حصل سوء تفاهم، وخالد بن الوليد أسلم بعد صلح الحديبية، وعبد الرحمن بن عوف من السابقين الأولين، أسلم الأول. النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين التفاوت بينهما، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالد لما سبَ عبد الرحمن بن عوف: «لا تسبوا أصحابي» يخاطب خالد. قال: «لا تسبوا أصحابي» من تقدمت صحبتهم وإلا كلهم صحابة. «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده» يخاطب من؟ خالد: «لو أنفقَ أحدكم مثل أُحدٍ ذهبًا ما بلغ مُدَ أحدِهم ولا نصيبه». فضل عظيم.
لو أنفقَ عبد الرحمن بن عوف في سبيل الله من الذهب مقدار المد، ملئ كف الرجل،، أو نصف المُد، وأنفق خالد بن الوليد مثلَ جبل أُحد، ما لحق عبد الرحمن بن عوف.
تفاوت عظيم بين الصحابة أنفسهم.
لو أنفق خالد بن الوليد مثلَ جبل أُحد وأنفقَ عبد الرحمن بن عوف ملأ كفه أو نصف الكف لسبقه عبد الرحمن. هذا التفاوت بين الصحابة، فكيف التفاوت بين الصحابة ومن بعدهم، هذا خيرُ الناس وأفضلُ الناس.
وفق الله الجميع لمرضاته، وثبت الجميع على الهُدى، وصلى اللهُ على محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه وسلم.