شعار الموقع

شرح كتاب اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل_15

00:00
00:00
تحميل
9

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

فنبدأ درسنا هذا الصباح بعون الله وتوفيقه.

(المتن):

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وأصحابه.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال: (وكان يقول: الداعية إلى البدعة لا توبة له، فأما من ليس بداعية فتوبته مقبولة. وكان يقول: إن الإيمان منوط بالإحسان والتوبة رأس مال المتقين).

(الشرح)

قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: (وكان يقول: الداعية إلى البدعة لا توبة له، فأما من ليس بداعية فتوبته مقبولة)، هذه المسألة من مسائل الاعتقاد، يعني هل تُقبل توبة المبتدع أو لا تُقبل؟.

الصواب: أن التوبة مقبولة من كل أحد، من المبتدع، ومن الكافر، ومن العاصي، من تاب، تاب الله عليه؛ لأنه عرض التوبة على المثلِّثة من النصارى، الذين يقولون: إن الله ثالث ثلاثة، قال الله تَعَالَى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} [المائدة: 73 74].

والكافر تُقبل توبته، كل من تاب، تاب الله عليه؛ لأن التوبة معناها: الاقتلاع عن المعصية، والندم على ما مضى، والعزم الصادق على عدم العودة إليها، والله تَعَالَى عمَّ وأطلق [02:00] في قوله: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]. يعني لمن تاب، إن الله عمَّ وأطلق في هذه الآية، قال العلماء: إن هذه الآية نزلت في التائبين.

من تاب، تاب الله عليه سواءً كان تاب من الشرك، أو من الكفر، أو من النفاق، من البدعة. كل من تاب توبةً نصوح تاب الله عليه وقبل توبته. قال تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [محمد: 34]. فقيَّد عدم التوبة بعدم المغفرة.

قال تَعَالَى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران 86 : 89].

والرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على راهب، فسأله: هل له من توبة؟ قال: لا. فقتله وكمَّل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُل على عالم، فقال له أنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال: نعم. ومن يحول بينك وبين التوبة؟. فالأول: عابد الذي يقول: لا توبة له ليس عنده علم، أفتى بجهل، فكان عقوبته أنه قُتل، والثاني قال: ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ولكن أرضك هذه أرض سوء، اذهب إلى أرض كذا فإن فيها أناس صالحين فاعبد الله معهم، فذهب ليعبد الله معهم، ثم أدركه الموت في منتصف الطريق، وجعل ينوء بصدره إلى الأرض الصالحة [04:03] لها لما قام في قلبه من حقائق الإيمان. فالتوبة مقبولة من كل أحد من تاب، تاب الله عليه ولا أحد يحول بينه وبين التوبة.

فقول المؤلف رَحِمَهُ اللهُ هنا حكايةً عن الإمام أحمد: (وكان يقول: الداعية إلى البدعة لا توبة له، فأما من ليس بداعية فتوبته مقبولة). هذا النقل غير صحيح؛ لأن المؤلف رَحِمَهُ اللهُ عنده بعض الأوهام. يحكي عن الإمام أحمد شيئًا يظن أن هذا هو مذهبه، ويتبين أنه ليس مذهبه.

ويحتمل أن المراد من قوله: (لا توبة له) حكمًا في الدنيا، بمعنى أنه لا تُقبل توبته، بل يُقام عليه الحد ولو ادعى التوبة، وأما فيما بينه وبين الله فتوبته مقبولة، وهذا مثل المنافق، فهؤلاء لا تُقبل توبتهم في الدنيا، والزنديق، ومن تكررت ردته، والساحر، قال جمعٌ من أهل العلم: هؤلاء لا تُقبل توبتهم، بمعنى لا تقُبل توبتهم في الدنيا فيُقتلون لئلا يتجرأ الناس على مثل عملهم، أما بينه وبين الله فإن كان صادقًا فالله يقبل توبة الصادقين، وإن كان كاذبًا فهو لا يقبل توبة الكاذبين، لكن في الدنيا ما تقبل توبته، ومثلهم قال تَعَالَى في المحاربين قطاع الطريق قال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: 33 34].

إذا جاءوا وسلموا أنفسهم تائبين قُبلت توبتهم يعني في الدنيا، لا يقام عليهم الحد، وإن أُخذوا، ثم ادعوا التوبة فلا تُقبل، إذا جاء وسلم نفسه هنا تُقبل توبته، أما إذا أخذناه وادعى التوبة لا تقبل توبته وأقيم عليه الحد، لكن بينه وبين الله هل تُقبل؟ نعم. إذا كان صادقًا تُقبل.

فلعل المؤلف مقصوده هنا قال: (الداعي إلى البدعة لا توبة له) يعني في حكم الدنيا، فإذا كانت بِدع من دُعاة الضلال ومن دُعاة البدع فلا تُقبل توبته، بل لابد أن يُقام عليه الحد في الدنيا، لا تقبل لعِظم جُرمه، مثل المنافق، ومثل مَن تكررت رِدته، ومثل الساحر، ومثل مَن سب الله وسب الرسول أو استهزأ بالله وبكتابه، لا تُقبل توبته في الدُنيا، بمعنى أنهم يُقام عليهم الحدود، ويقتلون حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الجُرم العظيم.

وأما فيما بينه وبين الله فهذا تُقبل توبته إذا كان صادقًا في الآخرة، لكن في الدنيا لابد أن نقيم عليه الحد حتى لا يتجرأ الناس على مثل هذا الجُرم العظيم، يكون زجرة للناس ومنعًا لهم، فله حكم في الدنيا وله حكم في الآخرة:

  • ففي الدنيا، لا تقبل التوبة، لابد أن نقيم عليه الحد.
  • وفي الآخرة، تُقبل.

هذا قال به جمع من العلم فهذا معروف.

كذلك من سب الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لا تُقبل توبته، في حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يعفو عمن سبه، لكن بعد وفاته قال العلماء: لا يُعفى عنه.

ولهذا صنَّف شيخ الإسلام كتاب سمَّاه [الصارم المسلول على شاتم الرسول] عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، فيمكن حمل المؤلف في قوله: (الداعي إلى البدعة لا توبة له) يعني في أحكام الدنيا، بل لابد أن يُقام عليه الحد، فأما من ليس بداعية فتوبته مقبولة؛ لأنه متستر لا يدعُ، بخلاف المعلن هو الذي يدعُ، هذا معلن ويدعو وهو مضل يدعو الناس لعبادته، فهذا لابد أن يُقام عليه الحد زجرًا له ولأمثاله، أما المستخفي هذا ليس بداعي، فهذا لم يعلن، وذنبه أخف فتقبل توبته، فُتقبل توبته أيضًا حتى في الدنيا.

المتن:

(وكان يقول إن الإيمان منوط بالإحسان والتوبة رأس مال المتقين)

(الشرح):

 وكان يقول إن الإيمان منوط بالإحسان، الإيمان منوط يعني معلق بالإحسان.

كيف يكون معلق بالإحسان؟

معروف أن مراتب الدين ثلاثة:

  • الإسلام.
  • والإيمان.
  • والإحسان.

فالإسلام: هو الاستسلام لله تَعَالَى بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله، وأركانه خمسة:

  • الأول: شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدًا رسول الله.
  • والثاني: إقام الصلاة.
  • والثالث: إيتاء الزكاة
  • والرابع: صوم رمضان.
  • والخامس: حج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا.

هذا هو الإسلام، الإسلام هو استسلام لله تَعَالَى في الظاهر بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وقد يكون عاصيًا ويسمى مسلم، قد يكون عاصي إذا قصَّر في بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات.

الثاني: المرتبة الثانية مرتبة الإيمان، وهو التصديق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، تصديقٌ في الباطن وانقيادٌ في الظاهر، هذا هو المؤمن.

 وأركان الإيمان ستة، وهي:

  • الإيمان بالله.
  • الإيمان بالملائكة
  • الإيمان بالكتب
  • الإيمان بالرسل
  • الإيمان باليوم الآخر
  • والإيمان بالقدر خيره وشره

كما في حديث جبرائيل لما سأل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الإسلام، أخبره فقال: "أركان الإسلام خمسة"، ولما سأل عن الإيمان، ذكر أركان الإيمان الستة، هذا هو المؤمن يعني المصدق في الباطن.

ولا يطلق الإيمان على العاصي بل لابد من التقي، فلابد أن يكون المؤمن مؤمنًا مؤديًا للواجبات ومنتهيًا عن المحرمات ويسمى مؤمن بإطلاق، لكن إذا كان عاصي، يُقصِّر في بعض الواجبات ويفعل بعض المحرمات لا نسميه مؤمنٌ بإطلاق، بل نقول: مؤمنٌ ضعيف الإيمان، مؤمنٌ ناقص الإيمان، مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته، لا يُعطى الإيمان الكامل، مادام أنه مُقصِّر في بعض الواجبات ويفعل بعض المحرمات.

وكذلك لا ننفي عنه الإيمان، ما نقول: ليس بمؤمن، بل نقول: ليس بمؤمنٍ حقًا، ليس بصادق الإيمان؛ لأنك إذا لو نفيت عنه الإيمان وقلت ليس بمؤمن، وافقت الخوارج والمعتزلة الذين يكفرونه ويخلدونه في النار، وإذا قلت هو مؤمن بإطلاق، وافقت المرجئة الذين يقولون: (لا يضر مع الإيمان ذنب ولا ينفع مع الكفر طاعة). فلابد من التقييد، فلا يقال: مؤمن بإطلاق. لكن يسمى مسلم بإطلاق، العاصي يقال: مسلم، ولا يقال: مؤمن إلا بالتقييد؛ لأن الإيمان أعلى رتبة، فالعصاة يسموا مسلمين، العاصي عنده بعض المعاصي يقال: مسلم، يطلق، ولا يقال: المؤمن المطلق، بل يقال: المؤمن العاصي أو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن إيمانه فاسق بكبيرته، وكذلك العاصي لا يقال: ليس بمسلم بل يُقال: مسلم، لكن لا يقال: ليس بمؤمن بإطلاق، بل لابد من التقييد، قال: ليس بصادق الإيمان، ليس بمؤمنٍ حقًا.

المرتبة الثالثة: الإحسان، المرتبة الثالثة من مراتب الدين، الإحسان، وهي مرتبة عالية، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

وله مرتبتان:

  • المرتبة الأولى: أن تعبد الله على المشاهدة كأنك ترى الله.
  • المرتبة الثانية: فإن ضعفت عن هذه المرتبة فأن تعبد الله كأنه يراك.

وأهل الإحسان أقل من أهل الإيمان، وأهل الإيمان أقل من أهل الإسلام، دائرة الإسلام أوسع، ثم تليها دائرة الإيمان أضيق منها، ثم دائرة الإحسان أضيق. كل محسن مؤمن مسلم، وكل مؤمن فهو مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا، وليس كل مؤمن محسنًا، قد يكون مؤمن ولكن ما وصل لوصفة الإحسان، قد يكون مسلم ولا يمكن أن يصل إلى مرتبة الإيمان؛ لأنه عاصي، لكن مادام عاصيًا يسمى مسلمًا، يبقى في دائرة الإسلام، وقد يكون مؤمن أدى الواجب وترك المُحرم ولكن ما وصل إلى مرتبة الإحسان، فيقال: مؤمن، ولا يقال: محسن، لكن إذا وصل إلى مرتبة الإحسان يقال له محسن، يسمى محسن ومؤمن ومسلم، فكل محسن مؤمن مسلم، وليس كل مؤمن محسنًا، وليس كل مسلم مؤمنًا.

فقول المؤلف: (وكان يقول: إن الإيمان منوط بالإحسان) يعني العبارة فيها إشكال، كيف يكون الإيمان منوط بالإحسان؟ الإحسان، يعني أن الإيمان يتعلق بالإحسان، يعني يقال: أن الإحسان أن يعبد الله وهو مؤمن لا شك، لكن العبارة كونه منوط: يعني معلق، فالإحسان مرتبة مستقلة، والإيمان مرتبة مستقلة.

(والتوبة رأس مال المتقين)، لا شك أن التوبة فريضة الله على عباده، فأوجب الله على كل الخلق أن يتوبوا، قال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]، وليس بعد التوبة إلا الفلاح، والفلاح هو الحصول على المطلوب والنجاة من المهروب.

الفلاح معناه: هو أن تحصل على ما تتطلبه وتنجو مما تخافه، وأعظم ما يطلبه ما هو؟، هو رضا الله والتمتع بذلك مع [15:48] في جنته، وأعظم ما يخافه هو النار غضب الله وسخطه هو النار، فالتائب حصل على ما يرجو ونجا مما يخاف، والتوبة طهارة تطهر الإنسان وتمحو الذنب، لكن لابد من أداء شروط التوبة حيث تكون نصوح؛ لأن التوبة نوعان:

  • توبة الصادقين.
  • وتوبة الكاذبين

 توبة الكاذب: هو الذي يدعي التوبة ولكنه مُصرٌّ على المعاصي، قلبه معقودٌ بالمعصية، يقول: استغفر الله بلسانه وقلبه معقودٌ بالمعصية، هذا ليس بتائب، وإنما التائب هو الذي يترك المعاصي.

أما توبة الصادقين: فهم الذين تتوفرهم شروط التوبة ومنها:

  • أولًا: أن يتوب لله، لا لغرضٍ آخر، لا لمقصود من مقاصد الدنيا، أو رياء.
  • ثانيًا: أن يقلع عن المعاصي والمعصية، أي يتخلى عنها، يريد أن يتوب من التعامل بالربا؛ اترك التعامل بالربا، لكن الكاذب يقول: أستغفر الله أنا سأترك الربا وهو مُصرُّ يستمر على التعامل بالربا، هذه ليست توبة، الإقلاع عن المعصية.
  • ثالثًا: الندم على ما مضى.
  • رابعًا: العزم الصادق والجازم على عدم العودة إليها.
  • خامسًا: رد المظلمة إلى أهلها إن كانت بينك وبين الناس، إن كنت أخذت منهم المال فرُد عليهم المال، فهذه لا تسمى توبة، تتوب وأنت عندك أموال الناس! لا يمكن، أعطيهم حقهم حتى تصلح التوبة، إن كانت تتعلق بالعِرض تستحل منه 29 : 17، إن كانت تتعلق بالبدن اعتديت على شخص؛ سلِّم نفسك له حتى يأخذ حقه منك، إما أن يقتص منك، وإما أن تصطلح معه على مال، تعطيه مال مقابل العدوان، أو أن يسمح عنك مجانًا.

ولابد أن تكون التوبة قبل الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، وقبل نزول العذاب، هذه التوبة، فالتوبة رأس مال المتقين، لا شك أن التوبة طهارة وفريضة الله على عباده فهي رأس مال المتقين، الله تَعَالَى أخبر أن من صفات المتقين، قال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133]. ثم ذكر في آخر صفاتهم قال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [ال عمران: 135]. فالمتقي ليس معصوم، ليس من شأنه أن يترك المعصية، لكنه لا يصرُّ على المعاصي، إذا ذلت فيه القدم بادر بالتوبة، ولهذا قال المؤلف: (والتوبة رأس مال المتقين) لا شك لأنها رأسمال المتقين، يتعاهد نفسه بالتوبة في كل وقت.

(المتن):

 (وكان يقول إن الفقر أشرف من الغنى، وقد جاء أنه قال: ما نعدل بالصبر على الفقر شيئا، وذلك لما سُئل عن الفقير الصابر أو الغني الشاكر أيهما أفضل، وإن الصبر أعظم مرارة وانزعاجه أعظم حالا من الشكر).

(الشرح):

 (وكان يقول إن الفقر أشرف من الغنى)، هذه المسألة ليست من مسائل الاعتقاد، لكنها من مسائل الدين، (كان يقول إن الفقر أشرف من الغنى)، فهذا يحتاج يعني إلى تثبت من نقلها، هل الإمام أحمد يقول هذا؟ الفقر أشرف من الغنى، فقد جاء عنه أنه قال: (لا نعدل بالصبر عن الفقر شيئًا)، يعني يقول: أن الصبر على الفقر هذا لا نعدل به، ليس مثل الغنى، وإن كان الغني ينفق من أمواله، لكن الصبر مقدم عليه، قال: وذلك لما سُئل الإمام أحمد عن الفقير الصابر أو الغني الشاكر أيهما أفضل؟ فقال: لا نعدل بالصبر عن الفقر شيئًا، كان يرى أن الصبر أفضل، قال: وأن الصبر أعظم مرارة وانزعاجه أعظم حالًا من الشرك، هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم.

أيهما أفضل الفقير الصابر أو العني الشاكر؟

 قال بعض العلماء: الفقير الصابر أفضل؛ لأنه يتحمل ويصبر على أشد من الجمر، وكما قال: الصبر أعظم مرارة وانزعاجًا.

وقال بعض العلماء: الغني الشاكر أفضل؛ لأن نفعه متعدي، فالغني الشاكر ينفق من أمواله على الناس ويتصدق ويجاهد ويُهدي ويعطي، ويبَر، ويصل رحمه، ويُسارع إلى المشاريع الخيرية، وأما الصابر صبره على نفسه فقط، وهذا نفعه متعدي.

وقال آخرون من أهل العلم: لا نفضل هذا ولا ذاك، وأن هذا يختلف باختلاف أحوال الناس، فقد يكون بعض الناس في حقه الصبر أفضل، وبعض الناس في حقه الشكر أفضل، فهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، أيهما أفضل.

وبعضهم قال: أن الفقر أو الغنى ليس إليك، هذا ابتلاء من الله، قد يبتلي بعض الناس بالفقر وآخرون بالغنى، لكن إذا ابتليت بالفقر فعليك بالصبر.

والصبر معناه: هو حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن ما يغضب الله، صابر.

والشاكر: هو الذي يعظم الله بقلبه، ويعترف بأنه نعمة من الله، ويتحدث بلسانه وينسب النعمة إلى الله، ويستعمل هذا المال في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ، هذا هو الشاكر.

  • الشاكر بقلبه: معترف بالنعمة من الله ومعظم الله.
  • وبلسانه: يتحدث وينسب الفضل إلى الله.
  • وبجوارحه: يستعمل هذا الغنى أو هذا المال في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ وفي مرضاته.

فأيهما أفضل؟ هذا محل تأمل...

والقول بأن الغني أفضل هذا أقرب، لما سبق؛ لأن القاعدة عند أهل العلم، أن الذي نفعه متعدي أفضل من الذي نفعه قاصر، فالذي نفعه متعدي: هذا نفعه متعدي إلى الناس، أموال ينفقها للفقراء ينفق عليهم، فيكُفُّ الله به حاجتهم للناس، مشاريع خيرية يساهم فيها، أرحام يصل، يبر والديه، فهذه طاعات متعدية.

أما الفقير الصابر، فصبره خاص بنفسه لا يتجاوز غيره.

ومما يؤيد هذا، أي مما يؤيد أن الغني أفضل، أن الصحابة رضي الله عنهم فيهم أغنياء وفيهم فقراء، فكانوا يتنافسون في الخيرات، فالأغنياء ينفقون ويتصدقون، ويعتقون الرقاب، فجاء الفقراء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: يا رسول الله، إن إخواننا الأغنياء فاقونا وسبقونا، يُصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم به غيركم ولا يلحقكم أحد إلا من فعل مثلكم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: قال : تسبّحون الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين ..وتحمدون الله ثلاثاً وثلاثين .. وتكبّرون الله ثلاثاً وثلاثين..هذه تسعة وتسعين" فعلم بهذه الأغنياء [07 : 25] فجعلوا يسبحون ويهللون ويكبرون، فرجع الفقراء، فقالوا: يا رسول الله، علم إخواننا الأغنياء بما أخبرتنا، فجعلوا يسبحون ويهللون ويكبرون، وجعلوا يتصدقون ونتصدق، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 4].

هذا يؤيد أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، وعلى كل حال المسألة فيها خلاف بين العلماء، قيل: الغني الشاكر أفضل، وقيل: الفقير الصابر أفضل، وقيل: ليس الغنى وليس الفقر، وإنما العبرة بالتقوى التي تكون في القلوب. فقول المؤلف: (أنه كان يقول الفقر أشرف من الغنى)، هذا فيه نظر.

(المتن):

 (وكان يقول: الخير فيمن لا يرى لنفسه خيرًا).

(الشرح):

  (وكان يقول: الخير فيمن لا يرى لنفسه خيرًا)، ما معنى هذا؟

(الخير فيمن لا يرى لنفسه خيرًا)، يعني الذي يُدلي بنفسه، والذي يتواضع لله عَزَّ وَجَلَّ، "ومن تَواضَعَ أحَدٌ لِلَّهِ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ"، ويزهي بنفسه، ولا يمُن بعمله على الله عَزَّ وَجَلَّ، ويُخشى أن لا يقبل عمله. محتمل أن يكون هذا المعنى، لكن أن لا يرى لنفسه خيرًا على إطلاقه، لا يرى الخير خيرًا، ينبغي على الإنسان أن يرى الخير ويعتقد أن الذي يعمله خير، أن الصلاة خير، والصوم خير، والزكاة خير، والصدقة خير، يرى أنه خير، لكن يسأل الله القبول، فإذا حُمل (لا يرى لنفسه خيرًا) بمعنى أنه يتواضع، ويزهي بنفسه، ولا يمُن على الله، ويتقالُّ عمله؛ فهذا المحمل له وجه.

(المتن):

(وكان يقول على العبد أن يقبل الرزق بعد اليأس ولا يقبله إذا تقدمه طمع، وكان يحب التقلل طلبًا لخفة الحساب).  

(الشرح):

(وكان يقول على العبد أن يقبل الرزق بعد اليأس ولا يقبله إذا تقدمه طمع). ما معنى هذا الكلام؟

الرزق مِن مَنْ؟ من الله يقبله بعد اليأس، ولا يقبله إذا تقدمه طمع، هذا أيضًا فيه محل نظر، أو على العبد أن يقبل الرزق من بيت المال الذي يعُطاه يُقال له: رزق (مرتب) بعد اليأس، يعني إذا كان ما تتولى نفسه إليه.

(ولا يقبله إذا تقدمه طمع). يعني إذا أُعطي مالًا، أو مثل ما جاء في الحديث، إذا أُعطي الإنسان مالًا، فهل له أن يأخذ هذا المال؟ فإذا كانت نفسه لم تستشرف إليه ولم يسأل، فلا بأس، مثل ما جاء في الحديث "ما أتاكَ مِن هذا المالِ وأنتَ غيرُ مستشرِفٍ ولا سائلٍ فخُذْهُ. وما لا فلا تُتبعْهُ نفسَكَ"، فإذا كان مستشرف إذا تقدمه طمع فلا أقبله، وإذا لم تشرف نفسه فيكون جاءه بعد اليأس، فإذا حُمل على هذا وكان يقول: على عبد أن يقبل الرزق الذي يأتيه، أو الرازق الذي يأتيه، أو العطايا التي يُعطاه، إذا كانت نفسه غير متطلعة أو غير مستشرفة؛ فإنه يأخذه، وأما إذا كان يسأل الناس فهذا مملول، لا يسأل ولا تسول له نفسه إلى شيء، بل عليه أن يستعفف، لكن إذا جاءه شيء وهو غافل غير متطلع وهو مستشرف، فلا بأس أن يأخذه.

وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعطي المال يعطي الأعطية لبعض أصحابه، فيقول يا رسول الله أعطيه لمن هو أحوج مني، فيقول له: "ما جاءك مِن هذا المالِ وأنتَ غيرُ مستشرِفٍ ولا سائلٍ فخُذْهُ. وما لا فلا تُتبعْهُ نفسَكَ".

كان عمر رضي الله عنه أعطى بعض الصحابة مالًا فرده، فقال له: لا ترده، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكنت مثلك فقال: "ما أتاكَ مِن هذا المالِ وأنتَ غيرُ مستشرِفٍ ولا سائلٍ فخُذْهُ. وما لا فلا تُتبعْهُ نفسَكَ"

فإذا إنسان ما أُعطي من بيت المال أو من غيره أعطية وهو غير متطلع ولا سائل فلا بأس أن يأخذه، لكن جاء في الحديث قيد آخر وهو (ما لم يكن ثمنًا لدينك)، فإن كان ثمنً لدينك فلا تأخذه؛ لأنه قد يُعطى الإنسان مال لكن ليتكلم بالباطل، أو ليسكت عن الحق، فهذه معناها ثمنًا لدينه، لم يُعط مجانًا، ومثله الغش الذي يُعطاه الإنسان، هذه تكون مثل الرشوة، الرشوة مثلًا قد تكون للقاضي وقد تكون لغير القاضي، فبعض الناس مثلًا يعطي رشوة للقاضي أي يعطيه شيء من المال، نوع من الطيب جيد يعطيه، ويقول: هذه هدية، ثم بعد مدة يكون له قضية عند القاضي، فكأنه حينما يعطه هذه يقول له: انظر للعطية هذه، فأنا عطيتك يعني احكم لي، فتكون هذه [32:22] هذه رشوة، ولو سماها هدية فلا يأخذها في هذا المال.

ومثله أيضًا الموظف، فالموظف إذا أُعطي شيءٌ من المال ويكون له معاملة عنده، فينجز هذه المعاملة ويقدمه على غيره، أو يعطيه ما لا يستحق، أو يُرفَّع إلى رتبة لا يستحقها، أو ما أشبه ذلك. هذا يكون ثمن لدينه، لا يأخذ هذا المال، "ما جاءك من هذا المال وأنت غير سائل ومشرف فخذه ما لم يكن ثمنًا لدينك"، فإن كان ثمنًا لدينك فاتركه، دينك ألزم، تُعطى مالًا لتتكلم بالباطل أو تسكت عن الحق، أو لتشهد زورًا؛ فلا.

فهذا يُحمل على قول المصنف: (وكان يقول على العبد أن يقبل الرزق أو الرزق الذي يأتيه بعد اليأس، يعني غير متطلع إليه، ولا يقبله إذا تقدمه طمع) استشراف أو سؤال.

قال: (وكان يحب التقلل طلبًا لخفة الحساب)، يحب التقلل من الدنيا ومن المال طلبًا لخفة الحساب؛ لأن الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب، ولهذا جاء في الحديث "أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم خمسمائة عام"، لماذا؟ لأن الفقراء ما عندهم شيء يحاسبون عليه، والأغنياء يوقفون يحاسبوا، "لا تَزُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ شبابه فِيمَا أَبْلاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ أَخَذَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ"، مرتين يسأل عن المال، من أين اكتسبته من حلال أو من حرام [34:40]؟، وفيما أنفقته، هل أنفقته في طاعة الله أم في معصية الله؟

فالتقلل من الدنيا يلزم من خفة الحساب، فالفقراء ما عندهم شيء جاهز، يمر على الحساب ويمشي، ما عنده شيء يحاسب عليه، لكن الغني يوقف، هذه الأموال من أين جاءتك؟ وأين أنفقتها؟. هذا معنى قوله: (كان يحب التقلل من الدنيا طلبًا لخفة الحساب)، حتى يخف الحساب.

(المتن):

(وكان يقول إن الله تَعَالَى يرزق الحلال والحرام ويستدل بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]. يعني ممنوعًا). 

(الشرح):

((وكان يقول إن الله تَعَالَى يرزق الحلال والحرام)، صحيح، يعني الرزق ما يُؤتاه الإنسان، قد يكون من حلال وقد يكون من حرام، رزق قدره الله له قد يكون من طريق حلال أو من طريق حرام، ويستدل بقوله تَعَالَى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ} [الإسراء: 20]. هؤلاء وهؤلاء، المطيعون والعصاة، {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 20]، يعني ممنوعًا. هذا معتقد أهل السنة والجماعة، أن المال المكتسب قد يكون حلالًا وقد يكون حرامًا، يسمى رزقًا، المال الذي يكسبه الإنسان يسمى رزقًا سواء كان من حلال أو من حرام والله تَعَالَى هو الرزَّاق لا رازق غيره.

يخالف في ذلك المعتزلة، فقالوا: إن الحرام لا يسمى رزقًا، إن الله تَعَالَى لا يرزق إلا الحلال، وأما الحرام فهذا لا يُنسب إلى الله، ولأن أهل المعتزلة يرون أن الإنسان هو الذي يخلق فعل نفسه، أفعاله التي يخلقها (الطاعات والمعاصي)، قالوا: فإذا فعل الطاعة وجب على الله أن يثيبه؛ لأنه هو الذي خلقه، كما يجب أن يُعطى الأجير أجرته، قالوا: هذا عرق جبينه كأنه ما لله فضل نعوذ بالله، يجب على الله أن يثيب المطيع؛ لأن المطيع هو الذي خلق الطاعة، كما يجب عليه أن يعاقب العاصي؛ لأنه توعده، والله لا يخلف الميعاد، هكذا أوجبوه على الله، فقالوا: المال الحرام هذا ليس رزقًا، الله ما يرزق إلا الحلال، الحرام هذا هو الذي كسبه بنفسه، استقلالًا من دون الله نعوذ بالله، وهذا من جهلهم وضلالهم.

والصواب، أن ما يكسبه الإنسان من أموال يسمى رزق، سواءً كان حلال أو حرام، والإنسان مُحاسب على كسبه، محاسب على المال الذي اكتسبه أو فيما أنفقه.

(المتن):

(وكان يقول: إن الرزق مقسوم لا زيادة فيه ولا نقصان وإن وجه الزيادة أن يلهمه الله تَعَالَى إنفاقه في طاعة فيكون ذلك زيادة ونماء وكذلك الأجل لا يزاد فيه ولا ينقص منه ووجه الزيادة في الأجل أن يلهمه الطاعة فيكون مطيعًا في عمره، فبالطاعة يزيد وبالمعاصي ينقص، وأما المدة عنده فلا تزيد ولا تنقص، وقرأ: {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]).

(الشرح):

وهذا يكون الأجل لا يزاد فيه ولا ينقص، دل عليه حديث ابن مسعود في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ في ذلك عَلَقَةً مِثْلَ ذلك ثُمَّ يَكُونُ في ذلك مُضْغَةً مِثْلَ ذلك ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أو سَعِيدٌ".

إذًا، مكتوب في بطن أمك، الرزق، والأجل، والعمل، والشقاء والسعادة، هذا معنى قوله: (وكان يقول إن الرزق مقسوم لا زيادة فيه ولا نقصان)، مقسومٌ مقدر، مكتوب ما هو الرزق الذي يأتيك، هل من حلال أو من حرام؟ وهل يكون عن طريق التجارة، أو عن طريق الزراعة، أو عن طريق الحرفة، أو عن طريق الوظيفة، أو غير ذلك، الرزق مقسوم لا زيادة فيه ولا نقصان. والزيادة إنما تكون في البركة من الله تَعَالَى.

قال: (وإن وجه الزيادة أن يلهمه الله تَعَالَى إنفاقه في طاعة فيكون في ذلك زيادةً ونماءً)، فيبارك الله في المال ويوفقه للعمل الصالح، فيكون الرزق فيه زيادة بالبركة، وقد يكون الإنسان عنده مال قليل، فيوفق لتصريفه وإنفاقه في الخير ولا يضيع منه شيء، يقدر الله أنه يبقى فيكون زيادة له.

ويكون بعض الناس يبذر أمواله ولو كانت ملايين ولا يستفيد منها، بعض الناس عنده آلاف، وإذًا في آخر الشهر يستدين، ما فيها بركة، وبعض الناس عنده مالٌ قليل أقلَّ منه الربع تجده يبقى منه، فإن هذا بارك الله له، ووفق في إنفاقه وتدبيره وتصريفه، فينفق جزءًا منه على أهله وأولاده، وجزءًا منه في المشاريع الخيرية ويبقى بقية. والأول عنده آلاف كلها يبذرها ولا يستفيد منها ويستدين.

وهنا [41:45] يقال: (وإن وجه الزيادة أن يلهمه الله تَعَالَى إنفاقه في طاعة فيكون في ذلك زيادةً ونماءً)، وهذا مُشاهد، قال: (وكذلك الأجل لا يُزاد فيه ولا يُنقص منه)، الأجل مكتوب للإنسان وهو في بطن أمه، ما الرزق، ما الأجل، ما العمل، وإنما الزيادة تكون بالطاعة التي يوفق عليها الإنسان، فيكون مطيعًا في عمره، فبالطاعة يزيد وبالمعاصي ينقص، وأما المدة ما تزيد، قدرنا عددًا من السنين ما تزيد السنين، فلا زيادة ولا نقص، وقرأ: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. وقال تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون: 10 - 11].

فالأيام والمدة ما تزيد، مقدرة ومكتوبة، لكن قد يوفق للعمل الصالح في عمره فيكون هذا زيادة، فبعض الناس قد يوفق للعمل الصالح وعمره ليس بطويل، وبعض الناس عمره طويل لكن لا يوفق للعمل الصالح، فيكون الأول عمره زائد والثاني عمره ناقص ولا عبرة بالسنين، وهذا مُشاهد.

فتجد هناك من العلماء يوفق للعمل الصالح مثل العلماء الآن، النووي رَحِمَهُ اللهُ عاش خمسة وأربعين سنة له مؤلفات كثيرة، كتاب [رياض الصالحين]، قد لا نجد مسجد أو بيت إلا وهو فيه، وله مؤلفات كثيرة وشروح، وشيخ الإسلام كذلك، وابن القيّم، وابن الجوزي وغيرهم، فنجد بعض العلماء يقول: من كثرة مؤلفاتهم يُحسب من ولادته إلى موته كل يوم يكتب كراستين ، معناها أيام الصبا كل يوم تضاف إلى أيام الشباب، فيكتب في اليوم أربعة كراسات أو خمسة كراسات طول عمره، هذه بركة وزيادة، غيره يعيش طول عمره مرتين وثلاثة ولا يكتب شيء ولا ينفق شيء ولا ينفع الناس، فهذا يعتبر زاد عمره وهذا نقص عمره، زاد بأن وُفق للعمل الصالح، بنفع الناس وتعليمهم، والصدقة عليهم، وقضاء حوائجهم، والآخر لم يُوفق. فهذا زاد عمره وهذا نقص عمره، أما السنين ما فيها زيادة ولا نقص، هذا معنى قوله: (وكذلك الأجل لا يزاد فيه ولا ينقص منه ووجه الزيادة في الأجل أن يلهمه الطاعة فيكون مطيعًا في عمره فبالطاعة يزيد وبالمعاصي ينقص وأما المدة عنده فلا تزيد ولا تنقص)، وقرأ: {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34].

 وأما قوله تَعَالَى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11]، كيف وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره؟

قال العلماء: وما يعمر من معمَّر ولا ينقص من عمره عمر معمَّرٍ آخر إلا في كتاب.

ما معنى الحديث أن "صلة الرحم تزيد في العمر"؟ وفي غيره "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ, فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". فصلة الرحم تزيد في العمر وبسط الرزق، وهنا يقول: أن العمر لا يزيد ولا ينقص وقرأ {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. كيف ذلك؟ كيف الجمع هنا؟ كيف أن صلة الرحم تزيد في العمر؟

الطالب: [من 40 : 46 إلى 03 : 47] (صوت غير مسموع)

الشيخ: التقدير العمري والحولي مأخوذ من اللوح المحفوظ وليس مخالفًا له، التقدير العمري، والتقدير الحولي، والتقدير اليومي، موافق وليس مخالف. "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ له فِي رِزْقِهِ، وأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، (يعني يُؤخر في أجله) فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"، ففيه دليل على أن صلة الرحم تزيد في العمر، لا يزيد في العمر إلا الصلة.

الطالب: [من 39 : 47 إلى 05 : 48] (صوت غير مسموع)

 الشيخ: كيف يزيد في عمره مكتوب لا يزيد ولا ينقص؟

الطالب: هذا مكتوب وهذا مكتوب، ولكن إذا وصل الرحم.

 الشيخ: مكتوب له أجلين، وأجل إذا لم يصل الرحم، قالوا: يكتب رزقه وأجله، ما قالوا يكتب مرتين، ما قالوا يكتب أجل إذا وصل الرحم وأجل إذا ما وصل الرحم، فهو أجل واحد، {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. فهذا قول المعتزلة، المعتزلة يقولون: المقتول نقص عمره ولو لم يُقتل لزاد عمره، وهذا من جهلهم، المعتزلة يقولون: أن المقتول مقطوعٌ عليه عمره، والقاتل قطع عمره، ولو لم يقتل زاد عمره، هذا من جهلهم وضلالهم، المقتول مقتول ومات بأجله، الله قدر أن لا يعيش إلا هذه المدة، هذا هو الصواب، وقول المعتزلة قولٌ باطل، قول المعتزلة قول المبتدعة.

قيل المعنى: إن صلة الرحم 55 : 48 تزيد في العمر يعني تزيد في البركة، المراد أن الله يوفقه لعمل صالح، ويوفقه لعبادات متنوعة تزيد في عمره وفي ثوابه كما لو عاش سنين، فهذه الأعمال قد يعملها في سنين، ولكنها عملها في المدة التي كتبها الله له فزاد عمره، وإذا قطع رحمه فإنه لا يوفَّق، يُقتل ويفوته شيء من الأعمال الصالحة.

وقيل كما ذكرت الآن: إن الله كتب في اللوح المحفوظ أن هذا يزيد عمره بصلة الرحم، وهذا ينقص عمره بقطيعة الرحم، يعني مكتوب السبب والمسبب، صلة الرحم سبب والمسبب طول العمر، وقطيعة الرحم سبب في [50:00]، فهذا كتب الله له أن عمره يزيد بصلة الرحم، وهذا كتب أنه ينقص من عمره قطيعة الرحم، فلا تتغير السنين، لذلك الله كتب السبب والمسبب، كتب السبب الذي هو صلة الرحم، وكتب المسبب الذي هو طول العمر، كتب هذا وهذا، فهذا كتب الله أن عمره يزيد بصلة الرحم فحصل منفعة فوصل رحمه وزاد عمره، وكتب أن هذا ينقص من عمره في قطيعة الرحم، فحصل السبب والمسبب، فلم يصل رحمه فنقص عمره، وكل من القولين له وجه.

  • من قال: أن المراد الطاعة، وأن الله يلهمه الطاعة وتزيد عمره، وهذا وجه.
  • ومن قال: أنه كتب السبب والمسبب فهذا وجه.

وقد يكون لا منافاة بينهما.

(المتن):

(وكان يذهب إلى جواز الكرامات للأولياء ويفرق بينها وبين المعجزة وذلك أن المعجزة توجب التحدي إلى صدق من جرت على يدي ولي كتمها وأسرها وهذه الكرامة وتلك المعجزة وينكر على من رد الكرامات ويضلله). 

(الشرح):

(وكان يذهب إلى جواز الكرامات للأولياء ويفرق بينها وبين المعجزة وذلك أن المعجزة توجب التحدي إلى صدق من جرت على يدي ولي كتمها وأسرها وهذه الكرامة وتلك المعجزة وينكر على من رد الكرامات ويضلله). 

الكرامة، هي خارق من خوارق العادات جرت على يدي وليٍ من الأولياء صالح من الصالحين.

والمعجزة، هي خارق من الخوارق تجري على يدي نبي.

الخوارق، هي الأمور الخارقة للعادة، مثل كونه يطير في الهواء، أو يغوص في البحار، كونه يحصل له فاكهة الشتاء في زمن الصيف أو فاكهة الصيف في زمن الشتاء، هذه تسمى كرامة (هذا خارق).

خُبيب بن عديّ لما أخذه المشركون يريدون قتله وهو وحده في مكة وجدوا عنده عنقودًا من العنب يأكله وما يوجد في مكة عنب، هذه كرامة.

وخوارق العادات التي تجري التي تجري على يد نبي، مثل العصا لموسى تكون حية، وضرب البحر هذا يسمى معجزة، والإسراء بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والمعراج، وتكثير الطعام، كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إحدى الغزوات أو في غزوة الأحزاب، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاءه أبو طلحة زوج أم سُليم أرسله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء إلى أم سُليم وقال لها: يا أم سُليم إني أرى في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجوع وكانوا يحفرون الخندق ويربطون الحجارة على بطونهم.

النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج مرةً في الظهر، وخرج أبو بكر وعمر، قال: "ما أخرجكما؟ قالا: أخرجنا الجوع"، وهم أشرف الناس وأفضل الناس عند الله، لكن الدنيا يعطيها الله لمن يحب، فكشف أبو بكر عن مؤتزره يكون إزار ورداء، وأحيانًا يلبسون القُمص، فإذا وقد ربط على بطنه حجر من الجوع لم يكن مربوطًا على بطنه حجر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الذي أخرجكما". وقد شبه المعتزلة فإذا هو قد يربط حجران واحد هو كالثاني وهو رسول الله. ثم ذهب إلى أبي أيوب القصة المعروفة وأعطاهم عذق فيه بسر رطب.

وهناك قصة الأحزاب يحفرون الخندق بإشارة من سلمان، فأبوه طلحة زوج أم سُليم جاء إلى زوجته وقال: إني أرى في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجوع، فهل عندكم شيء؟ قالت: عندنا صاع من شعير، وبُهيمة صغيرة، إن دعوْت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحده ومعه واحد أو اثنين ستكفيهم، وإن زاد الثالث ما تكفي، فطحنت الشعير وعجنته وذبح البُهيمة، فجاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسرَّ إليه فقال يا رسول الله: طعيم 27 : 55 يكفي لواحد أو اثنين، فأمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُنادى في الجيش، إن أبا طلحة عنده طعام فهلُموا، فذهب أبو طلحة إلى أم سُليم وقال: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذَّن في الناس وما عندنا شيء يكفي الناس! قالت: الله ورسوله أعلم، ثم جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال لها: ابقوا الطعام في البُرمة ولا تفعلوا شيئًا حتى آتيكم، فجاء وبرَّك النبي ودعا وبرَّك فيه وقال لأم سليم: ائت بخابز يخبز معك، فجاءت بخابزة ووضعوا الطعام، وصاروا يدخلون عشرة بعشرة 08 : 56 يدخل عشرة ويأكلون، ويدخل عشرة ويأكلون حتى أشبع الجيش كله.

صاع شعير، هذه ما جرى على أيدي النبي تسمى معجزة، وما جرى على أيدي صالح من الصالحين يسمى كرامة، وما جرى على أيدي منحرف تسمى حالة شيطانية مثل السحرة، قد يطير الساحر في الهواء وقد يغوص في البحار، والمسيح الدجال أيضًا في آخر الزمان يعطيه الله من الخوارق، يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، ويقسم الأرض نصفين هذه من خوارق العادات.

فالخوارق التي تجري على أيدي الناس، ما جرى على أيدي نبي يسمى معجزة، وهذا عند المتأخرين، والمتقدمين يسمونها الآيات كما قال الإمام أحمد ولا يسمونها المعجزات، وما جرى على أيدي وليّ وصالح يسمى كرامة، وما جرى على أيدي منحرف ومشعوذ يسمى حالة شيطانية، مثل الشياطين يطيرون في الهواء ويغوصون في البحار.

هذه الكرامة والمعجزة يثبتها المؤمنون والمعتزلة أنكروها، أنكروا ما في كرامة ولا معجزة ولا حالة شيطانية، أنكروا خوارق السحرة وأنكروا خوارق الأولياء قالوا: ما تثبت إلا للأنبياء، لو أثبتنا للأولياء أو السحرة لالتبس النبي بغيره، ما نعرف النبي إلا بالمعجزة، وما عداه ليس فيه معجزات ينكرونها حتى لا يلتبس النبي بغيره، وهذا من جهلهم وضلالهم.

وأهل السنة قالوا: ما جرى على يد نبي يسمى معجزة أو آية، وما جرى على يد وليّ يسمى كرامة، وما جرى على يد منحرف ومشعوذ يسمى حالة شيطانية. هذا ما يقوله المؤلف: (وكان يذهب إلى جواز الكرامات للأولياء)، بخلاف المعتزلة.

والكرامة في اللغة: الكرم ضد اللؤم.

وفي الاصطلاح: الكرامة هي أمرٌ خارقٌ للعادة يظهره الله على أيدي أوليائه.

وقال الغُزاة لبعضهم: غير مقرونٍ بأمر النبوة وادعائها، أمر خارق للعادة يظهره الله على يد وليٍ من الأولياء، ولا يدعي النبوة، فإذا ادعى النبوة فتكون معجزة، فالمعجزة والكرامة كله من الخارق للعادة، لكن المعجزة مقرونة بادعاء النبوة، إن موسى يأتي بالعصا ويقول: أنا رسول الله، والصالح تحصل له الكرامة ببركة اتباعه للنبي، فهو لا يدعي النبوة.

ومذهب أهل السنة والجماعة، إثبات الكرامة وإمكان وقوعها وحدوثها، إلا أنها لا تصل إلى مرتبة المعجزات التي يظهرها الله على أيدي الأنبياء تكون أقل، لا يمكن أن يُعطى الوليّ مثل ما يُعطى النبي، لا يمكن أن يُعطى الوليّ مثل عصا موسى، تكون عصا وتكون حية، ولا يمكن أن يُعطى وليّ مثل أن يُسرى به مثل ما يُسرى بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو يُعرج به، كرامته تكون أقل.

فالأولياء دون الأنبياء والمرسلين، دونهم في الفضل، ودونهم فلا تبلغ كرامة أحد منهم مثل المعجزات، كما أنهم لا يبلغونهم في الفضيلة والثواب إلى درجاتهم، ولكن قد يشاركونهم في بعضها كما قد يشاركونهم في بعض أعمالهم.

أما المعتزلة أنكروا الكرامات لغير الأنبياء، قالوا: لا تكون إلا للأنبياء، قالوا: لا تخرق العادة إلا لنبي، وكذبوا قالوا: خوارق السحرة والكُهَّان وكرامة الصالحين كلها كذب، كذبوا بها، قالوا: لو أثبتنا خوارق السحرة والكُهَّان وخوارق الأولياء اشتبه النبي بغيره فلا نعرفه، فأنكروها.

ومذهب أهل السنة والجماعة، يدل على الكتاب والسنة، والكرامات حصلت لهذه الأمة ولمن قبلها، حصلت لمريم رضي الله عنها، قال تَعَالَى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].

قال العلماء: إذا دخل وجد عندها فاكهة الشتاء في زمن الصيف، وفاكهة الصيف في زمن الشتاء، فيقول: من أين لكِ هذا؟ فتقول: هو من عند الله.

وخُبيب الذي أرادوا قتله كما سبق وُجد عنده من الكرامات أنه عنده عنقود من العنب يأكل منه في مكة وليس في مكة عنب. ومريم ليست نبية ولكنها صدِّيقة.

ومنه فيما مضى قول الله تَعَالَى عن امرأة إبراهيم: {وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71) قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود 71 : 73].  

وكذلك أيضًا من الكرامات، أهل الكهف الذين خرجوا وهم أفراد من قبائل فرّوا بدينهم، كانوا يعبدون الأصنام فالتقوا كل واحد منهم من قبيلة ما يعرف أحد عن أحد، هذا فرَّ من قومه، وهذا فرَّ من قبيلته، فاجتمعوا وجمعهم الدين، فذهبوا وآووا إلى الكهف فألقى الله عليهم النوم، فمكثوا في الكهف ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا، ثلاثمائة سنين بالسنة الشمسية، وثلاثمائة وتسع بالسنة القمرية، السنة الشمسية تزيد عن السنة القمرية في كل سنة عشرة أيام تدور عليها، يعني في كل ثلاثة وثلاثين سنة يزيد سنة، ولهذا، الفرق بين السنة الشمسية والسنة القمرية عشرة أيام تدور عليها السنة، كل عشرة أيام، فعشرة أيام في ثلاثة وثلاثين سنة يكون الانقلاب الشتوي، يكون زمن الصيف في زمن الشتاء، وزمن الشتاء في زمن الصيف، يعني رمضان يكون في شدة الحر بعد ثلاثة وثلاثين سنة ويعود مرة ثانية، وكذلك الشتاء.

فالذي يعيش ثلاثة وثلاثين يحصل عنه الانقلاب الشتوي والانقلاب الصيفي، والذي يعيش مائة سنة يمر عليه رمضان، وينقلب الشتاء في زمن الصيف والصيف في زمن الشتاء ثلاث مرات. فأهل الكهف عاشوا ثلاثمائة سنة في السنة الشمسية، والسنة القمرية تزيد تسعة كل مائة ثلاثة سنين، كل سنة ثلاثة سنين أو ثلث سنة. وازدادوا تسعًا، ثلاثمائة سنين بالسنة الشمسية وازدادوا تسعًا بالسنة القمرية، هذه من الكرامات.

ومن الكرامات أيضًا ما حصل لعاصف وهو كاتب سليمان ولم يكن نبي، قال سليمان لما جاءت بلقيس وهي مسلمة وهي في الطريق، قال سليمان لمن عنده: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38]. الآية الآن قبل أن تسلم، 37 : 04 : 1 ما هذا حرام لكن الآن حلال؛ لأنها كافرة الآن {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 38 - 39]. المقام يعني الجلسة يجلس الناس، مثلًا جلسة ساعة ساعتين أو ثلاثة في الضحى، أي قبل أن تجلس ستكون عندك {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40]. هذا عاصف يسمى عاصف، وهذه من الكرامات، ففي الحال قبل أن يرتد طرفه وجد السرير، ماذا قال سليمان؟ هل اغتر! {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 40]. هذا ذكروه من الكرامات.

والكرامات كثيرة من ذلك، "أُسيْدُ بْن حُضيرٍ وعبَّادُ بنُ بِشرٍ خَرَجَا مِن عِندِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فأضاء لهما صوتاهما، (والصوت هو العصا وقد أضاء وصار نور)، فَلَمَّا افْتَرَقَا أضاء لكُلِّ واحِدٍ منهما صوته"، هذه من الكرامات.

ومن الكرامات أن بعض السلف سُخر له الأسد، فكان يأتي ويحمل عليه الحطب ويأتي به. فالكرامات كثيرة، فهذه تسمى كرامة الأولياء، كرامات الأولياء كثيرة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة وهي ثابتة، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم أن أسيد بن خضير كان يقرأ سورة الكهف وهو في بيته، فنزلت ظُلة أمثال الظُلة من السماء فجعلت الدابة تنفر، وهي ضبابة والسحابة قد غشيته، فخشي على ابنه يحيى أن تأتيه الفرس وتطأه، فأخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، فقال: "تِلكَ السَّكِينةُ تَنَزَّلَتْ للقُرآنِ". قال: اقرأ أسيد بن خضير، قال: يا رسول الله خشيت على ابني يحي، قال: تلك السكينة ولو استمرت لبقيت الملائكة كما تشاء، إلى غير ذلك من الكرامات الكثيرة.

فهذه الكرامات، هي أمر خارق للعادة يحصل على يدي وليّ أو صالح من الصالحين ببركة اتباعه للنبي، وأما ما يجري على أيدي النبي فهذا يسمى معجزة ويسمى آية، وأما ما يجري على أيدي السحرة والكُهَّان فهذه حالةٌ شيطانية، كل حالة من خوارق العادة، الساحر قد يطير في الهواء، وقد يمشي على الماء، وقد يطير في خشبة. فبعض السحرة أو بعض الشياطين قال شيخ الإسلام: تحمله إلى عرفة في مكة في وقت الحج، ويجلس معه ويعود، وهو لم يُحرِم ولم يعمل شيئًا ويدعي 17 : 08 : 1 لكنها هكذا، تحصل من الشياطين.

وهذه المعجزة التي تجري على عادة النبي، أصح كما قال الإمام أحمد أنها تسمى آيات، سماها الإمام أحمد الآيات، وهي أيضًا تسمى المعجزات، ولكن يقول الأشاعرة: أنها معجزةٌ مقرونة بالتحدي، الأشاعرة يقولون: ما يعرف صدق النبي إلا بالمعجزة يعني يأتي بالمعجزة ويتحدى. ولكن هذا قولهم ليس بصحيح، النبي يُعرف صدقه وما يُعرف صدقه إلا بهذا بمعجزات الأنبياء، والنبي يعرف صدقه بغير هذا.

المعجزة أو الآية دليل من الأدلة، وقد استدلت خديجة رضي الله عنها على صدق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والبعثة، قالت: "كَلَّا، أبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا، إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ"، لا يمكن أنت صادق ولا يمكن أن يخزيك الله.

أبو سفيان قبل أن يسلم لما ذهب إلى الشام وجاء هرقل كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليه، (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتبع الهدى، أسلِم تسلم يؤتيك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين). هذا كتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففزِع! قال ما هذا؟ قالوا: هذا نبي، قال: هنا أحد من العرب من أهله من المقنعة فيه تجار، فجاء أبو سفيان ومن معه، فقالوا لمترجمه لما دخل: قل لهم: أيكم أقرب نسبًا بهذا الرجل الذي ادعى النبوة؟ فقالوا: أبو سفيان أنا. فقال: ضعوه أمامه وهم خلفه، فجعلهم خلفه وهو الأمام، فقال لهم المترجمة: إني سائلٌ هذا عن أسئلة (هو يقول لأصحابه)، إن صدقني فصدقوه، وإن كذبني فكذبوه، فجعل يسعد بإعطاء الترجمة، وقال: ما نسب هذا الرجل فيكم؟، فقال: أبو سفيان هو فينا نسيب، من أحسن النسب، فقال: هل أحد قال هذا القول قبله؟ فقال: لا. قال: هل من آبائه من ملك؟ قالوا: لا. قال: هل أتباعه يزيدون أو ينقصون؟، قالوا: يزيدون، قال: ماذا عملتم معه؟ قال: قاتلناه، قال: كيف الحرب بينكم؟ قال: سجال ينال منا وننال منه، مرة نغلب ومرة يغلبونه، قال: هل أتباعه يزيدون أو ينقصون؟ قال: يزيدون، قال: هل يرتد أحد سخطةً لدينه؟ قالوا: لا، فلما انتهى قال: إني أجيبك على هذا، وكان هرقل نصرانيًا يقرأ العبرانية ويقرأ الإنجيل، قال: سألتك هل هو ذو نسب، فقلت: أنه ذو نسب وكذلك الأنبياء تبعث في أنسابهم، وسألتك هل من آبائهم ملك؟ فقلت: لو كان من آبائهم ملك لقلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك هل أتباعه يزيدون أو ينقصون، فقلت: يزيدون وكذلك أتباع الأنبياء، وسألتك الحرب سجال أو لا، وكذلك الأنبياء ، وسألتك هل أتباعه يزيدون أو ينقصون؟ فقلت: يزيدون وكذلك الأنبياء، وسألتك هل يرتد أحد سخطةً لدينه؟ فقلت: لا. فقال: وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، قال أبو سفيان: لا أستطيع أن أكذب، أخشى أن يورد عني الكذب، لكن قلت مسألة أردت أن أتوسع فيها، وقلت لهم: نحن الآن في مدة ما ندري ماذا يعمل معنا، ما استقل هذا، يقول: لولا أخشى أن يُؤثر عني الكذب لكذبت لكن ما أستطيع، هذا خلفي، فقال هرقل: إن كنت صادقًا فهو نبي وسيملك موضع قدميَّ هاتين، ولو استطعت أن آتيه لخدمته وغسلت عن قدميه. ثم أمر بهم فأُخرجوه، فتأثر أبو سفيان، قال: هكذا هرقل أمير ملك عظيم ويخشى من محمد! لقد أمِرَ أَمْرُ ابن أبي كبشة، إنه لا يخافه ملك بني الأصفر، سماه ابن أبي كبشة هذا نسبة إلى جد له من أوضاع يلمزون النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكراهتهم له، لقد عظم أمره (ابن أبي كبشة) حتى إنه ليخافه ملك بني الأصفر!، ثم هرقل لما أخرجهم وأراد أن يسلم، لكنه لا يريد أن يذهب ملكه، فأراد أن يختبر قومه، فأمر بجمعهم واجتماعهم، اجتماع عظماء الروم، ورؤسائهم، وأكابرهم، والبطارقة وغيرهم، وجعلهم يجلسون في أماكنهم في مجالس وفي كراسي وفي أماكنهم، وأمر بالأبواب فأغلقت كلها، وأتى بالمفاتيح فجعلها عنده، واحتاط لنفسه، كلهم اجتمعوا ودخلوا أمر بالأبواب أغلقت ولا يستطيعون الخروج، وأخذ المفاتيح وجعلها عنده، ثم اطلع عليهم من فوق من كبريائه على عادة الملوك، وقال: أيها الروم، أيها كذا.. تعلموا أن هذا هو النبي، وهذا وصفه وكذا وكذا، هل لكم بالكرامة؟ هل لكم بالسعادة الأبدية؟ هل تريدون النجاة، والكرامة في الدنيا والآخرة تؤمنون بهذا النبي، هذا النبي تعلموا وكذا جعل. ماذا عملوا؟ حاصروا حيصة الحمر الأبواب، فهم يرجعون ويقتلونه عندما يخرجون عليه، حاصروا حيصة الحمر فوجدوها مغلقة، فهو قد احتاط لنفسه فلا يستطيعون، فلما رأى أنهم ما فيه حيد ولا فيهم حيلة، قال: عودوا إلى مكانكم مرة أخرى، فعادوا، فاطلع عليهم مرةً أخرى، قال: إنما قلت هذا الكلام أريد أن أختبر صبركم على دينكم وثباتكم على دينكم، فعرفت أن عندكم صلابة فسجدوا له، هذا نهايته، ولما بلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لقد "ضَنَّ الْخَبِيثُ بِملْكِهِ"، يعني شحَّ بملكه آثر الدنيا على الآخرة، لقد ضن يعني بخل.

فهذه الكرامات حق، وهذه المعجزات تحصل على أيدي النبي، يعني ليست خاصة بالمعجزات كما يقول الأشاعرة، الأشاعرة يقولون: لا يوجد دليل يدل على النبي إلا المعجزة، وهذا باطل، الأدلة كثيرة مثل ما سمعتم، هرقل استدل على صدق النبي بأمور كثيرة، والصداق يعرف من أقواله وأفعاله وأنت تعرف الآن بأن صاحب البقالة هذا صدوق أنا أشتري منه ولا يغش، وهذا غشاش لا أشتري منه.

إذن الصدق يُعرف وه خاص بالمعجزة كما يقول الأشاعرة، فهذا مذهب الأشاعرة كما أنهم يقولون: لا يوجد دليل يدل على صدق النبي إلا المعجزة، وهذا من جهلهم، بل المعجزة دليل واحد، والأدلة كثيرة.

وبهذا ننتهي من الكلام على المعجزة، والخلاصة: أن المعجزة وتسمى الآيات تجري على أيدي النبي، وصدق النبي هو ما يُعرف من المعجزة ومن غيرها، والكرامة: هي الخارق الذي على أيدي ولي، والحالة الشيطانية: هي التي تجري على أيدي السحرة أو الكُهَّان، والمعتزلة أنكروا كرامة الأولياء، وأنكروا خوارق السحرة والكُهَّان ولم يثبتوا إلا معجزة الأنبياء، يزعمون أن إثبات الكرامات والخوارق يلتبس النبي بغيره فلا يُعرف النبي، فلهذا أنكروها وهذا من جهلهم وضلالهم.

وفق الله الجميع، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.      

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد