شعار الموقع

الإبانة الصغرى لابن بطة (3) من قوله: "وقال رسول الله: لا تجالسوا أهل القدر...". إلى قوله: "وقالت عائشة: تلا رسول الله هذه الآية..."

00:00
00:00
تحميل
95

( متن )

و قال رسول الله ﷺ لا تجالسوا أهل القدر فإنهم الذين يخوضون في آيات الله  

(المحقق)

رواه الحاكم ورمز السيوطي لصحته في الجامع الصغير "فيض القدير"، ورواه ابن أبي عاصم في السنة، واللالكائي والبيهقي في الاعتقاد، وابن بطة في الكبرى و الآجري في الشريعة كلهم من حديث عمر مرفوعا، و قد حكم ابن الجوزي على الحديث بعدم الصحة، و قال: هذا حديث لا يصح و طرقه كلها تدور على يحيى ابن ميمون و قد كذبوه العلل المتناهية قلت بل هو صدوق كما قال صاحب التقرير، و قد ضعفه الألباني في تخريج شرح الطحاوية كما أشار صاحب مرآة المفاتيح إلى ضعفه .

( شرح )

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين و صلى الله و بارك على عبد الله و رسوله نينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

أما بعد :

فهذا هو الأثر الثاني عشر من الآثار التي ساقها المؤلف -رحمه الله- في القسم الأول من أقسام هذا الكتاب " الشرح و الإبانة على أصول السنة و الديانة " للتحذير من البدع و الأهواء و الأمر بلزوم السنة و الجماعة و هو قوله ﷺ لا تجالسوا أهل القدر فإنهم الذين يخوضون في آيات الله .

فهذا الحديث اختلف في صحته و ضعفه و على القول بصحته فلا إشكال فيه ففيه النهي عن مجالسة أهل القدر لأنهم من أهل البدع و هم الذين يخوضون في آيات الله و يؤولون النصوص على غير تأويلها، و على القول بضعفه فالمعنى صحيح على القول بضعفه المعنى صحيح و أنه لا ينبغي مجالسة أهل القدر لأنهم من أهل البدع.

و أهل القدر طائفتان:

*الطائفة الأولى: الذين أنكروا علم الله و كتابته للأشياء فهؤلاء كفار، و هم الطائفة الأولى من القدرية و هم الذين قال فيهم الإمام الشافعي -رحمه الله- : " ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا و إن أنكروا به كفروا " القدرية و هم الطائفة الأولى الذين أنكروا المرتبة الأولى و المرتبة الثانية من مراتب القدر.

  -مراتب القدر أربعة لا بد من الإيمان بها و لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بهذه المراتب:

المرتبة الأولى: علم الله بالأشياء قبل كونها و علم الله يشمل الإيمان بعلم الله الأزلي و علم الله في الحال في الأشياء في الواقع و علم الله في المستقبل و علم الله في المستحيل الذي لم يكن لو كان كيف يكون، لا بد من إثبات علم الله.

ثم المرتبة الثانية: الكتابة كتابة الله للأشياء قبل كونها، و كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ قال الله تعالى أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ  الكتاب و هو اللوح المحفوظ و قال  مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا و قال سبحانه وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ و قال سبحانه وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ

و المرتبة الثالثة: إرادة الله للأشياء الكائنة و أن كل شيء في هذا الوجود الله أراد وجوده، قد سبق به إرادة الله كما سبق به علمه و كتابته فقد سبق به إرادته.

و المرتبة الرابعة: خلق الله للأشياء كل شيء في هذا الكون الله خلقه قال الله سبحانه إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد  وقال سبحانه فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ  و في الخلق قال الله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ  وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا

فهذه مراتب الإيمان بالقدر أربع:

علم الله بالأشياء قبل كونها.

كتابته لها في اللوح المحفوظ.

إرادة الله للأشياء قبل كونها.

خلق الله لجميع الأشياء.

فأهل الحق و أهل الإيمان و أهل السنة و الجماعة من الصحابة والتابعين آمنوا هذه المراتب الأربع كلها أما القدرية فهم طائفتان:

طائفة أنكرت المرتبة الأولى و المرتبة الثانية، أنكروا علم الله بالأشياء قبل كونها، و قالوا أن الله لا يعلم بالأشياء حتى تقع، قالوا أن الأمر أنف يعني مستأنف و جديد، و هؤلاء كفرة -و العياذ بالله- لأنهم لما أنكروا علم الله الأزلي نسبوا الله إلى الجهل، و هؤلاء خرجوا في أواخر عهد الصحابة ، و هم الذين ذكرهم الإمام مسلم في أول الحديث في صحيح مسلم، لما ذكر محمد الطويل و صاحبه و أنهم اجتنفوا أبا عبد الرحمن و عبد الله بن عمر و سألوه وكانوا أتوا من جهة البصرة في وقت الحج و قالوا: يا أبا عبد الرحمن، إنه ظهر قِبَلنا أناس يتقفرون العلم، ويزعمون أن الأمر أُنُف -يعني مستأنف وجديد لم يسبق به علم الله-، فقال: إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني منهم بريء وأنهم برآء مني، والذي نفس ابن عمر بيده، لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره " ، ثم استدل بحديث عمر الطويل و هو حديث جبرائيل أن النبي ﷺ لما سأله جبرائيل عن الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره و هؤلاء هم الطائفة الأولى و هم انقرضوا و هم الذين قال فيهم الإمام الشافعي رحمه الله " ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا و إن أنكروه كفروا " إن أقروا بالعلم و أن الله علم الأشياء قبل كونها و كتبها في اللوح المحفوظ، فيلزمهم أن يقروا أن الله أراد الأشياء و شاءها أراد أفعال العباد و خلقها و إن أنكروه كفروا .

و الطائفة الثانية: و هم عامة القدرية فإنهم يؤمنون بالمرتبتين الأوليتين يؤمنون علم الله للأشياء و خلق الله للأشياء و علم الله الأزلي و يؤمنون بالكتابة، و لكن ينكرون عموم إرادة الله للأشياء حتى تشمل أفعال العباد و ينكرون عموم خلقه و إيجاده للأشياء حتى تشمل أفعال العباد، فقالوا: إن أفعال العباد خارجة عن إرادة الله و خلقه و إيجاده , فالعباد هم الذين أرادوا أفعالهم و خلقوها و أوجدوها مستقلين و الله لم يوجدها، العباد هم الذين خلقوا أفعالهم و أوجدوا عباداتهم من طاعات و معاصي، هؤلاء يسمون عامة القدرية و هؤلاء مبتدعة.

 فالطائفة الأولى كفرة، و هم الذي قال فيهم الإمام الشافعي " ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا و إن أنكروه كفروا " و هم الذين أخرجهم العلماء من الثنتين و السبعين فرقة، و قالوا أنهم كفرة خرجوا من الثنتين السبعين فرقة، الذين قال فيهم النبي ﷺ وستفترق هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة هذه الثتنان و السبعين فرقة مبتدعة خرج منهم القدرية لأنهم كفرة.

 أما عامة القدرية و هم الذين أنكروا عموم إرادة الله و خلقه للأشياء حتى أفعال العباد و أقروا بالعلم و الكتابة و هؤلاء مبتدعة، فهؤلاء لا يجالسون لأنهم مبتدعة لا يجالسون.

 طائفتان:

الطائفة الأولى: كفرة معلوم أنهم لا يجالسون.

 و الطائفة الثانية: لا يجالسون لأنهم يخوضون في آيات الله و يؤولون النصوص على غير تأويلها،  فيجب البعد عنهم و الحذر من مجالستهم، إلا على وجه مناظرتهم و مناصحتهم و إلزامهم بالحق.

 فهذا الحديث على القول بصحته واضح و على القول بعدم صحته فالمعنى صحيح، لأن أهل البدع لا يجالسون لأنهم يخوضون في آيات الله و القدرية من أهل البدع .

( متن )

و قال ﷺ: المراء في القرآن كفر.

(المحقق)

رواه الحاكم و صححه و وافقه الذهبي، و صححه ابن حبان، كما في التعليق على شرح السنة للبغوي و رمز السيوطي لصحته في الجامع الصحيح، و رواه أبو داود في سننه باب النهي عن الجدل في القرآن، و رواه الآجري في الشريعة من طريقين، و رواه ابن بطة في الكبرى، و رواه الطبراني كما في كنز العمال، و رواه اللالكائي و رواه السلفي من حديث أبي هريرة مرفوعا و لفظه  أهل القدر شرار هذه الأمة و مراء في القرآن كفر

( شرح )

هذا الحديث لا بأس به، لا بأس بصحته هو صحيح، و المراء معناه الجدال , الجدال في القرآن كفر، يعني: من الأعمال الكفرية فلا يجوز للإنسان أن يجادل في القرآن قال تعالى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ.

 فلا يجوز المراء و الجدال في القرآن ، وهو من الأعمال الكفرية، قد يكون كفرا أكبر و قد يكون كفرا أصغر، فإن جادل في آيات الله على وجه التعنت و العناد و الإنكار لما دلت عليه تكون كفرا أكبر و إن كان جداله دون ذلك يكون كفرا أصغر، و الجدال و النظر في القرآن كفر إما أكبر إن كان يؤدي إلى إنكار الله و جحدها و عدم الإيمان بها فهذا كفر أكبر، و إن كان مع الإيمان بها و لكنهم دون ذلك فإنه يكون كفرا أصغر فلا يجوز المراء و لا الجدال في القرآن.

 و هذا فيه التحذير من أهل البدع و الذين يجادلون في القران هم أهل البدع.

فالمؤلف -رحمه الله- أراد أن يحذر من أهل البدع الذين يجادلون في القران و المرجئة و الجهمية و المعتزلة و الخوارج و الأشاعرة و غيرهم، من أهل البدع الذين يجادلون في آيات الله فإن هؤلاء ينبغي الحذر منهم و البعد عنهم .

( متن )

وقال ﷺ: إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه يعني: القرآن

(المحقق)

رواه الترمذي عن جبير بن نفيل مرسلا، وقال: حديث غريب، ورواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي من حديث أبي ذر مرفوعا، ورواه البخاري في خلق أفعال العباد، ورواه الآجري في الشريعة موقوفا على خباب بن الأرت وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ورمز السيوطي لحسنه في الجامع الصغير، وقال شارحه المناوي: قال البخاري: لا يصح لإرساله وانقطاعه.

( شرح )

وهذا الحديث ظاهر كلام الأئمة والعلماء أنه ثابت، والبخاري قال: إنه مرسل منقطع، ولكن قد يكون يصح بشواهده، وأنه وُصل من طرق أخرى، ومعناه صحيح، وهو أن الإنسان لا يرجع إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه، يعني القرآن؛ لأن الله تكلم به، فهو أفضل الذكر، أفضل الذكر هو كلام الله ، التعبد بكلام الله

 فالمسلم يتعبد بكلام الله،  فأفضل الذكر كلام الله ،  ثم أفضل الكلام بعد كلام الله كلمة التوحيد "لا إله إلا الله".

فأفضل ما يتعبد به الإنسان ربه تلاوة القرآن، ثم التعبد بالذكر.

فيه الحذر من أهل البدع الذين يخالفون ما دل عليه القرآن، وما دلت عليه السنة، الواجب على المسلم أن يتعبد بكلام الله ، وأن يعمل بما دل عليه كتاب الله، وأن يحذر من تحريف القرآن وتأويله على غير تأويله، كما يفعله أهل البدع.

( متن )

وقال ﷺ: إن قريشا منعتني أن أبلغ كلام ربي

(المحقق)

رواه أبو داود في باب السنة، والترمذي وقال: حديث غريب صحيح، وابن ماجه ورواه البخاري في خلق أفعال العباد مُعلقا، ثم رواه فيه مسندا.

( شرح )

وهذا الحديث صحيح، وهو قوله -عليه الصلاة والسلام-: إن قريشا منعتني أن أبلغ كلام ربي، وذلك في أول البعثة، حينما كان -عليه الصلاة والسلام- بمكة منعوه أن يبلغ كلام الله.

 والحديث فيه إثبات كلام الله ، وأن الله تكلم بالقرآن.

وفيه الرد على الجهمية الذين أنكروا أن يكون القرآن كلام الله ، أنكروا كلام الله، قالوا: إن الله لا يتكلم، وقالوا: إن الكلام وصف لمخلوقاته، وكذلك المعتزلة.

وكذلك الأشاعرة الذين يقولون: إن الكلام ليس بحرف ولا صوت، وإنما هو كلام نفسي. قالوا: إن الكلام معنى قائم بنفس الرب، وأما هذا الكلام الموجود في القرآن فهذا عبارة عن كلام الله، تكلم به جبريل أو محمد عبر به جبريل أو محمد، فالأشاعرة يقولون: إن الله ما تكلم بالقرآن، القرآن ليس حرفا ولا صوتا، الكلام ليس بحرف ولا صوت عند الأشاعرة بل هو كلام معنى بالنفس، قائم بنفس الرب، مثل العلم. أما هذا القرآن الذي يتلى، قالوا: هذا المعنى من الله، والكلام ليس من الله، الحروف ليست من الله، وإنما هي من جبريل أو محمد بعضهم قال: إن جبريل اضطره الله ففهم المعنى القائم بنفسه فعبر بهذا بالقرآن، فهذا القرآن الذي بين أيدينا عبارة عبر بها جبرائيل، وقال آخرون من الأشاعرة: إن الذي عبر به محمد وقال: طائفة ثالثة من الأشاعرة: إن جبريل أخذ القرآن من اللوح المحفوظ، والله لم يتكلم بكلمة، وهذا من أبطل الباطل.

 فهذا الحديث فيه رد عليهم؛ لأن النبي ﷺ قال: إن قريشا منعتني أن أبلغ كلام ربي 

والنصوص في هذا كثيرة من الكتاب ومن السنة، قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ  ولم يقل: حتى يسمع ما هو عبارة عن كلام الله، دل على أن الله تكلم بالقرآن، والكلام لا يُسمى كلاما إلا إذا كان من حرف وصوت، فالله تعالى تكلم بالقرآن، وسمعه جبرائيل من الله ، وأنزله على قلب محمد -ﷺ، كما قال الله في كتابه المبين: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ  ۝ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ۝ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ

ومقصود المؤلف -رحمه الله- التحذير من أهل البدع الذين أنكروا أن يكون القرآن كلام الله ، من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، التحذير من أهل البدع من أقوالهم الباطلة المخالفة للنصوص، هذا من النصوص التي فيها الرد على أهل البدع.

( متن )

وقال ﷺ لجابر : أعلمت أن الله أحيا أباك فكلمه كفاحاً.

(المحقق)

رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، ورواه ابن ماجة، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني والبزار من طريق الفيض بن وثيق عن أبي عبادة الزرقي وكلاهما ضعيف، وفي رواية الطبراني حماد بن عمر وهو كذاب، ورواه البخاري في خلق أفعال العباد من حديث جابر  معلقا، ورواه الحاكم وصححه، ولفظه: فكلمه كلاماً.

( شرح )

هذا الحديث ثابت، له أسانيد صحيحة ثابتة، وهو قول النبي ﷺ لجابر بن عبد الله بن حرام رضي الله عنهما: إن الله أحيا أباك وكلمه كفاحاً وذلك أن عبد الله بن حرام والد جابر قتل شهيدا يوم أحد، فحزن عليه ابنه جابر ، قد خلف جابرا وخلف أخوات له، وأوصاه قبل موته بأن يقضي دينه، وأن يقوم على أخواته، وكان دينه كثيرا، فلما حزن، النبي ﷺ طمأن ابنه جابراً فقال له: أما علمت أن الله كلم أباك كفاحا، وقال له تمنَّ، قال يا رب أن أرد إلى الدار الدنيا فأقتل شهيدا مرة أخرى، فقال الله : إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون.

وهذه منقبة لعبد الله بن حرام والد جابر ، إن الله كلم أباك كفاحاً يعني: من غير واسطة، وهذه منقبة، لعبد الله بن حرام والد جابر قال: إن الله كلم أباك كفاحاً يعني بعد موته وقال له: تمن هذا في البرزخ، لما رأى عبد الله بن حرام ما أعطاه الله من الفضل العظيم والأجر الكبير للشهادة، يعني حصل على خير عظيم وفضل عظيم، تمنى أن يرجع مرة أخرى إلى الدنيا فيقتل شهيدا مرة أخرى؛ حتى يضاعف له الثواب والأجر، قال الله له: تمن، قال: يا رب إذا كان لي أمنية أن أرد مرة أخرى إلى الدنيا فأقتل شهيدا، فقال الله : إني كتبت أنهم إليها لا يرجعون لا أحد يرجع إلى الدنيا بعد موته، انتهى.

 فالشاهد من الحديث: إن الله كلم أباك كفاحاً فيه إثبات الكلام لله ، وأن الله كلم والد جابر - عبد الله بن حرام - كفاحا بحرف وصوت، وسمعه عبد الله بن حرام.

ففيه الرد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة من أهل البدع الذي أنكروا كلام الله ، فالجهمية أنكروا الكلام وقالوا: إن الكلام هذا لا يتكلم، لا يوصف الله بالكلام، وما ورد في النصوص من إضافة الكلام لله فهي صفات لخلقه، إضافة المخلوق إلى خالقه للتشريف.

 وكذلك المعتزلة أنكروا الصفات وأثبتوا الأسماء.

 والأشاعرة أثبتوا سبع صفات ومنها الكلام، لكن ما أثبتوا الكلام على وجهه، قالوا: الكلام معنى قائم بالنفس، ليس بحرف ولا صوت.

 فهذا فيه الرد عليهم؛ فالله تعالى كلم والد جابر - عبد الله بن حرام - كفاحا من دون واسطة بحرف وصوت، ففيه رد على الأشاعرة الذين يقولون: إن الكلام لا يُسمع وليس بحرف ولا صوت، هذا من أبطل الباطل.

وفي هذا التحذير من أهل البدع الذين ينكرون ما دلت عليه هذه النصوص، هذا مقصود المؤلف أن يحذر من أهل البدع من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية الذين أنكروا كلام الله .

( متن )

و قال ﷺ  يكون بعدي فتنة يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً إلا من أحياه الله بالعلم.

(المحقق)

رواه ابن ماجة عن أبي أمامة مرفوعا، و رواه ابن حبان في صحيحه، و رواه ابن بطة في الكبرى من عدة طرق عن سعد بن أبي وقاص و ابن مسعود و أبي أمامة و الضحاك ابن قيس، والمقداد ابن الأسود و عبد الله بن عمر بن العاص، و رواه الآجُري أيضا في الشريعة مرفوعا من طريق أبي هريرة و أبي أمامة و معقل ابن يسار و أبي موسى و أنس أبي مزيد الأنصاري و أصل الحديث من صحيح مسلم بدون زيادة إلا من أحياه الله بالعلم

( شرح )

الحديث ثابت في صحيح مسلم كما قال المحشي بدون الجملة الأخيرة تكون من بعدي فتنة يصبح فيها الرجل مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً و يصبح كافراً و في بعضها يبيع دينه بعرض من الدنيا -و لا حول و لا قوة إلا بالله-.

و فيه التحذير من الفتن و البعد عن أسبابها و مواقعها، و أن الإنسان قد يفتن في دينه -و العياذ بالله- فتن الحروب و فتن الشهوات و فتن الشبهات، و من أعظمها فتنة المسيح الدجال في آخر الزمان , الرجل الذي يخرج في آخر الزمان يدعي الصلاح و أنه رجل صالح أولا ثم يدعي النبوة و يدعي أنه نبي ثم يدعي الربوبية و يقول أنا ربكم -و العياذ بالله- و يفتن كثير من الناس يفتنون به و بعض الناس يعلم كذبه لكنه يفتن -و العياذ بالله-.

و لهذا جاء في صحيح مسلم ثبت في صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة أمر أو خلق أعظم من فتنة الدجال أو كما قال عليه الصلاة و السلام، و لهذا شرع الله لنا في كل صلاة في آخر التشهد أن نستعيذ بالله من أربع من عذاب جهنم و من عذاب القبر و من فتنة المحيا و الممات و من فتنة المسيح الدجال هذه الفتن التي تكون في آخر الزمان و عند اشتداد الفتن ينبغي للإنسان أن يحذر من أسبابها يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً و في لفظ آخر يبيع دينه بعرض من الدنيا نسأل الله اللامة و العافية .

و من ذلك فتنة الشبهات التي تحصل من الجهمية و المعتزلة، ضلالهم الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة ضلالهم بالشبهات -و العياذ بالله- , اشتبه عليهم الأمر فانحرفوا و خالفوا النصوص و خالفوا أهل السنة و الجماعة و خالفوا الصحابة و التابعين، فالواجب على المسلم و على طالب العلم أن يحذر من الفتن و أسبابها .

( متن )

وقال ﷺ: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر

(المحقق)

رواه الترمذي وحسنه، وأخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي ونقل ابن كثير في النهاية تصحيح ابن حبان له، وصححه الألباني في تخريج الطحاوية، ورمز السيوطي لصحته في الجامع الصغير كما في فيض القدير، وأخرجه ابن عساكر كما في الدر المنثور للسيوطي ورواه الطبراني بزيادة: فإنهما حبل الله الممدود فمن تمسك بهما... الحديث، وقال الهيثمي وفيهم من لم نعرفهم.

( شرح )

وهذا الحديث ثابت،  اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، وفيه فضل الشيخين أبي بكر وعمر، وفيه أيضا إشارة إلى خلافتهما، هذا من الإشارة و من الدلائل التي استدل بها الصحابة على أحقية أبي بكر بالخلافة، ومن بعده عمر اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

وهذا أخص من الحديث الآخر: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي أمر بالأخذ بسنة الخلفاء الراشدين عند خفاء السنة، وهذا فيه أمر بالاقتداء بالشيخين أبي بكر وعمر وهو دليل على فضلهما.

 وفيه التحذير من البدع، فالذي يقتدي بالشيخين ويعمل بسنة الرسول ﷺ يكون بعيدا عن الشبه، وأهل البدع وأهل الشبهات والشهوات لا يقتدون بالشيخين ولا يقتدون بأبي بكر وعمر وإنما يعملون بأهوائهم وشهواتهم؛ فلذلك انحرفوا وضلوا عن سواء السبيل.

( متن )

وقال ﷺ: لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلاً حتى نشأ فيهم المولدون، أبناء سبايا الأمم، فأخذوا بالرأي وتركوا السنن

(المحقق)

رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، ورواه الدارمي عن عروة مرسلا، ورواه الطبراني بلفظ: فقالوا بالرأي فضلّوا وأضلوا

ورواه ابن بطة في الكبرى من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعا، ورواه الهروي في ذم الكلام من حديث عروة بن الزبير عن أبيه مرفوعا، وعزاه السيوطي لابن ماجة والطبراني ورمز لحسنه، وفي سند ابن ماجة سويد بن سعيد وهو ضعيف، وأخرجه ابن وهب في جامعه موقوفا على الزبير بن العوام .

( شرح )

وهذا فيه التحذير من الأخذ بالرأي، والمراد الرأي المجرد الذي لا يستند إلى النصوص.

 وفيه أن بني إسرائيل لم يزل أمرهم معتدلا يعني: مستقيما على الشريعة، واتباع ما جاء في التوراة التي أنزلها الله على موسى حتى نشأ فيهم المولدون وهم: أبناء سبايا الأمم، لما اختلطوا بغيرهم من أبناء الأجناس الأخرى، كما حصل للمسلمين لما اختلطوا بالأعاجم، وترجمت كتب اليونان والرومان، واختلطوا بالأعاجم ففسدت ألسنتهم، ووجدت البدع، ففيه التحذير من الأخذ بالرأي وترك السنن.

والمراد بالرأي: الرأي المجرد الذي لا يستند إلى السنن، ولهذا قال: فأخذوا بالرأي وتركوا السنن فيه التحذير من البدع، والآراء والأهواء المضلة والأخذ بالسنن.

والرأي رأيان:

 رأي محمود وهو المستند إلى النصوص، وهذا هو الذي جاءت فيه النصوص بالثناء على أهله.

والرأي الثاني: الرأي المجرد، الذي لا يستند إلى النصوص، وهذا هو الجمع بين النصوص.

هناك نصوص فيها الذم، ذم الأخذ بالرأي، ونصوص فيها مدح الأخذ بالرأي، والجمع بينهما أن النصوص والآثار التي فيها مدح الأخذ بالرأي المراد بها: الرأي المستند إلى النصوص المستنبط من النصوص، والنصوص التي فيها ذم الرأي: ذم الرأي المجرد الذي لا يستند إلى النصوص، وهو ما دل عليه هذا الحديث قال: فأخذوا بالرأي وتركوا السنن يعني: الرأي المجرد المخالف للسنن، فيه التحذير من الرأي والهوى، وإنما نشأت البدع من الأخذ بالرأي وترك السنن. بدعة الخوارج والمعتزلة والجهمية والأشاعرة والمرجئة والقدرية والرافضة إنما نشأت من الأخذ بالرأي، والأهواء المضلة، وترك السنن والنصوص.  

( متن )

و قال ﷺ إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال لكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضوا وأضلوا.

(المحقق)

رواه الترمذي و قال حديث حسن صحيح و ابن ماجة، و رواه ابن وضاح في البدع و النهي عنها بسند صحيح، و رواه شهاب القضاعي في مسنده و قال الهيثمي في المجمع، رواه الطبراني في الأوسط و البزار بطرق فيها ضعف، و رواه عبد الرزاق في مصنفه و ابن المبارك في الزهد .

( شرح )

المحقق ذكر أنه رواه الترمذي ورواه الشهاب وابن ماجه وعبد الرزاق، و لكن فات على المحشي أنه أخرجه الشيخان - البخاري ومسلم - هذا الحديث فات على المحقق، الحديث أخرجه الشيخان - البخاري ومسلم، ولفظ البخاري: وحدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا قال الفربي حدثنا عباس قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن هشام نحوه ". وكذلك أخرجه الإمام مسلم.

 هذا فات على المحقق، أن الصحيحين واضحان، ينبغي أن يرجع إلى الصحيحين في المقدمة، ولكن الكمال لله.

  فالنبي ﷺ يقول: إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء هذا فيه الحث على التعلم، وأخذ العلم من أفواه العلماء قبل قبضهم قبل موتهم.

 وفيه أن قبض العلم، بقبض العلماء، ولو كانت الكتب بين أيديهم، القرآن بين أيديهم والسنة، ولكن العلماء هم الذين يبينون للناس، ويوضحون معاني الكتاب العزيز ومعاني السنة، ويجمعون بين النصوص، ويؤولونها على تأويلها، بخلاف أهل البدع، فإن أهل البدع يضربون النصوص بعضها ببعض، ويؤولونها على غير تأويلها، فيضلون ويضلون، -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.

 وهذا فيه الحث على طلب العلم، والعناية بطلب العلم، وأخذ العلم من أفواه العلماء.

ولا يكفي أن يكون الإنسان يأخذ العلم من الكتاب والقراءة ما يكفي، وليس هناك أحد تعلم وصار طالب علم من الكتب أبدا، العلم إنما يؤخذ من أفواه العلماء، لو جلس الإنسان طول حياته، ومعه الكتب وحدها ما صار طالب علم ما كان طالب علم، ولهذا قال العلماء: " من كان شيخه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه".

 والحديث واضح، يقول النبي ﷺ: إن الله لا ينزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال ما يقبض من صدور الرجال، لكن يقبض بأي شيء؟ بموت العلماء،  يموت العلماء واحدا بعد واحد بعد واحد، حتى يقبض العلم، -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فإذا لم يبقَ عالم، وفي رواية: حتى إذا لم يبقِ عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) -ولا حولا ولا قوة إلا بالله-.

لأنه إذا مات العلماء المناصب لا بد لها من يتولاها، الإفتاء والقضاء والتدريس وغيرها من المناصب لا بد أن تسد، فإذا مات العلماء أهل البصيرة وأهل العلم، يتولى أمثل الناس الأمثل فالأمثل، فإذا انتهى العلماء، تولى هذه المناصب من ليس من أهل العلم، وإذا تولاها لا بد أن يسأل لا بد أن يفتي لا بد أن يقضي لا بد أن يدرس لا بد أن يعلم، لأنه في هذا المركز في هذا المنصب، مفتي لا بد أن يفتي، قاضي لا بد أن يقضي، مدرس لا بد أن يعلم، فإذا لم يكن عنده علم ولا بصيرة.. أفتى بغير علم، ودرس بغير علم وقضى بغير علم، فضلَّ وأضل، فهلك الناس (ولا حولا ولا قوة إلا بالله)

( متن )

ونهى رسول الله ﷺ عن قيل و قال وإضاعة المال وكثرة السؤال.

 (المحقق)

رواه البخاري عن المغيرة ابن شعبة، و رواه ابن بطة في الكبرى عن المغيرة أيضا من ثلاث طرق، و رواه اللالكائي عن أبي هريرة ، و رواه الآجري في الشريعة بلاغا، و عزاه السيوطي للبيهقي بلفظ كره من حديث المغيرة و رمز بصحته.

( شرح )

و هذا الحديث ثابت في الصحيح أن النبي ﷺ نهى عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال، و في لفظ نهى عن عقوق الأمهات و وأد البنات و منع وهات، و النهي فيه للتحذير.

 نهى النبي ﷺ عن قيل و قال و من ذلك ما يقال من أهل البدع قيل كذا و قال كذا فالذي يكثر من قيل و قال قيل كذا و قال كذا لا بد أن يقع في الكذب، و كذلك أهل البدع الذين ينقلون عن غيرهم و عن أهل البدع قالوا كذا و قيل كذا لا بد أن يقعوا في المحذور.

 و كذلك إضاعة المال بغير وجه شرعي و كثرة السؤال يشمل سؤال المال بغير حق، و كذلك سؤال العلم إذا كان على وجه بتعنت و عدم الاسترشاد أو على وجه الرياء كون الإنسان يرآئي بسؤاله، أو على وجه الإعنات و إعجاز المسؤول أما إن كان على وجه الاسترشاد و الاستفهام، فهذا مأمور به قال الله تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ

و في الحديث الآخر نهى عن عقوق الأمهات لأن هذا من الكبائر ومنع وهات و منع يعني منع الواجب و هات أخذ ما لا يستحق ما لا يحل له، يمنع الواجب الذي أوجبه الله و يأخذ ما لا يستحق، نهى عن عقوق الأمهات ومنع وهات وقيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال.

( متن )

و كان ﷺ يكره كثرة المسائل، و نهى ﷺ عن الغلوطات و قيل هي شداد المسائل و صعابها.

 (المحقق)

رواه أحمد عن معاوية و إسناده جيد، و رواه أبو داود كما في الفتح الرباني، و رواه الآجري بدون سند في الشريعة.

 و قال محققو الفقي: رواه البخاري و قائل هذه العبارة " شداد المسائل و صعابها " الإمام الأوزاعي كما في رواية أحمد و أبو داود و هي عندهما بلفظ الغلوطات بفتح الغين المعجمة أي المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا فيها فيهيج بذلك فتنة و شر، و إنما نهى عنها لأنها غير نافعة في الدين و لا تكاد تكون إلا في ما لا يقع.

و رواه ابن بطة في الكبرى، و روي أيضا تفسير الحديث عن الأوزاعي، و رواه الخطابي في غريب الحديث، و رواه الهروي في ذم الكلام بدون قول الأوزاعي .

( شرح )

و هذا الحديث ثابت و هو أن النبي ﷺ كان يكره كثرة المسائل و المراد هنا كراهة التحريم، لأن الكراهة إذا جاءت في النصوص و في كلام السلف يراد بها كراهة التحريم في الغالب، ألا ترى أن الله في سورة الإسراء لما ذكر الكبائر العظيمة من الشرك بالله و عقوق الوالدين و تطفيف المكيال و الميزان و قتل النفس بغير حق و المشي في الأرض مرحا، قال بعد ذلك كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا يعني محرما و كما في الحديث السابق إن الله كره قيل وقال وكثرة السؤالوعقوق الأمهات ومنع و هاتو هذه محرمة و المراد كره للتحريم.

 و قد تأتي الكراهة قليلا يراد بها كراهة التنزيه، كما جاء في الحديث عن النبي ﷺ في الصلاة العشاء أنه يكره النوم قبلها و الحديث بعدها, النوم قبلها و الحديث بعدها، هذه كراهة تنزيه.

و المراد هنا كراهة التحريم، كان الرسول ﷺ يكره كثرة المسائل لأن كثرة اللمسائل قد تؤدي إلى التعنت و قد تكون سببا في التحريم، في زمن النبوة، ولهذا أنزل الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ و جاء في الحديث إن أعظم المسلمين جرماً عند الله من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته.

 فكان ﷺ يكره كثرة المسائل و نهى عن الغلوطات, الإنسان يسأل عن المسائل التي فيها غلوطات و إيقاع الإنسان في الغلط و العنت، و قيل هي شداد المسائل و صعابها، و أهل البدع إنما حصلت البدع بسبب كثرة مسائلهم و سؤالهم عن الغلوطات و عن الأشياء التي لم تقع و عن الفرضيات و لهذا وقعوا في البدع .

( متن )

و قالﷺ اتركوني ما تركتكم.

 (المحقق)

رواه البخاري بلفظ ذروني   والترمذي و قال هذا حديث حسن صحيح.

 و رواه ابن بطة في الكبرى، و اللالكائي و الهروي في ذم الكلام، و ابن حبان في صحيحه.

و رمز السيوطي لصحته في الجامع الصغير، و عزاه لأحمد و مسلم و النسائي و ابن ماجة من حديث أبي هريرة.

 و رواه عبد الرزاق في المصنف .

( شرح )

و هذا الحديث صحيح و هو قوله اتركوني ما تركتكم يعني أنه ينبغي للناس أن لا يسألوا عن أشياء يشددون على أنفسهم كما فعل بنو إسرائيل فإن بني إسرائيل شددوا على أنفسهم، أمرهم الله أن يذبحوا بقرة و لو أخذوا أي بقرة و ذبحوها لأجزأتهم لكنهم شددوا فشدد الله عليهم, قالوا يا موسى ما ندري أي بقرة هذه لما قال إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا هذا من تعنتهم، قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ثم قالوا قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ نصف ليست بالكبيرة و لا بالصغيرة فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ و لو أخذوا أي بقرة لأجزأتهم لكن شددوا قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا ما لون البقرة ؟ ما ندري نأخذ بقرة صفراء ولا سوداء و لا حمراء، و لو أخذوا أي بقرة لأجزأتهم لكن شددوا فشدد الله عليهم قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ثم أيضا ما وقفوا عند هذا الحد قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ ۝ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا شددوا فشدد الله عليهم جاءت هذه الأوصاف فضيقت عليهم لأنهم هم الذين شددوا على أنفسهم. و لهذا قال النبي ﷺ اتركوني ما تركتكم

و لما قال النبي ﷺ إن الله أوجب الله عليكم الحج فحجوا، فقام رجل فقال: يا رسول الله أكل عام؟ فسكت النبي ﷺ و قال: لو قلت نعم لوجبت و لو وجبت لما استطعتم، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع هذه أمثلة لقوله اتركوني ما تركتكم.

 و لهذا كان الصحابة يتأدبون هم أعظم الناس أدبا و تعظيما و توقيرا للنبي ﷺ، فكانوا لا يحدقون النظر فيه إجلالا له و هيبة عليه الصلاة و السلام، و كانوا لا يسألونه يهابونه عليه الصلاة و السلام و يخشونه، و كانوا يعجبهم أن يأتي الرجل العاقل من البادية فيسأل لأن الأعراب في الغالب عندهم جفاء و ليس عندهم من التقوى والإجلال للنبي ﷺ مثل ما للصحابة، فيأتي فيسأل فيستمع الصحابة ويستفيدون، كانوا يعجبهم ويبدون و يتمنون أن يأتي الرجل الأعرابي من البادية فيسأل فيستمعون و يستفيدون.

 و لما سكتوا مرة فقال سلوني سلوني و هابوا و لم يسألوه أرسل الله جبرائيل، فجاء جبرائيل في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يعرفه أحد من الصحابة و جاء و تعجبوا من هذا الرجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ما يعرفونه، و العادة أن الرجل الغريب و المسافر تكون عليه آثار السفر تكون ثيابه فيها تراب و فيها غبار و شعره متشعث لأن الأسفار في ذلك الزمان ليس كالأسفار في زماننا،  كانت السفر على الإبل و مسافات بعيدة فلا بد أن يرى أثر السفر على الغريب ثيابه متسخة و شعره منتفش، هذا الرجل جاء غريبا مسافرا ثيابه بيضاء نظيفة و شعره أسود كأنه خرج من بيته، تعجبوا فجاء و جلس إلى النبي ﷺ و أسند ركبتيه إلى ركبتيه و وضع كفيه على فخذيه و قال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال النبي ﷺ الإسلام : أن تشهد أن إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، إن استطعت إليه سبيلاً قال: صدقت، تعجبوا مرة أخرى هذا سؤال العارف، رجل يسأل  ويصدقه! هذا سؤال العارف !! فقال: أخبرني عن الإيمان؟ ما الإيمان؟ فقال النبي ﷺ: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره و شره. قال صدقت، تعجبوا هذا سؤال العارف! قال فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تاه فإنه يراك. قال صدقت , قال أخبرني عن الساعة قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل علمي و علمك سواء قال أخبرني آماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاة يتطاولون في البنيان. ثم ذهب الرجل فقال النبي ﷺ: ردوه، فذهبوا ليردوه فلم يروا أحداً، جبريل طار في الهواء في الجو جبريل ملك من الملائكة، و في رواية: قال فلبثنا مليا فقال النبي ﷺ لعمر أتدري من السائل؟ قال الله و رسوله أعلم! قال هذا جبريل يعلمكم دينكم و في لفظ أمر دينكم.

 فجعل الإسلام والإيمان و الإحسان دين دل على أن ديننا مبني على هذه المراتب الإسلام و الإيمان و الإحسان، قال إنما جاء ليعلمكم أمر دينكم لما هابوه و لم يسألوه أرسل الله جبرائيل فسأل.

 هذا دليل على أن الصحابة تأدبوا و لا يسألون كثيرا، فأرسل الله جبرائيل يسأل حتى يتعلموا و كان يأتي الرجل من البادية فيسأل فيستفيدون.

و لهذا قال النبي ﷺ اتركوني ما تركتكم خشية أن يسألوا شيئا ليس لهم به علم، أو خشية أن يسألوا شيئا يكون سببا لتحريم شيء، أو خشية أن يشقوا على الرسول ﷺ أو يسألوا شيئا النبي ﷺ لا يريده، فلهذا تأدبوا و عملوا بها الحديث اتركوني ما تركتكم.

( متن )

و قال ﷺ أعظم المسلمين جرماً من سأل عن أمر لم يحرم فحرم من أجل مسألته.

 

 (المحقق)

رواه مسلم و أبو داود و الحميدي في مسنده، و ابن الجارودي في المنتقى.

 و رواه الآجري في الشريعة، و ابن بطة في الكبرى من أربع طرق.

 قال الخطابي: هذا الحديث فيمن سأل تكلفا أو تعنتا فيما لا حاجة به إليه، أما من سأل لضرورة بأن وقعت له مسألة فسأل عنها فلا إثم عليه و لا عتب لقوله تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ.

( شرح )

و هذا الحديث فيه التحذير من السؤال بغير حاجة، و رواه الإمام مسلم و هو حديث صحيح و هو قول الرسول ﷺ أعظم المسلمين جرماً  يعني ذنبا من سأل عن أمر لم يحرم فحرم من أجل مسألته بسبب تعنته.

 و كما قال الخطابي -رحمه الله- السؤال الممنوع هو سؤال التكلف و التعنت، بعض الناس يسأل أسئلة تكلف و تعنت، و أسئلة لا حاجة له بها، أو أسئلة فرضيات لم تقع، أما من سأل للاسترشاد و الاستفهام أو لأجل شيء وقع له فهذا ليس منهيا عنه كما قال تعالى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ.

و هذا هو الجمع بين النصوص، النصوص التي فيها النهي عن السؤال محمولة على سؤال التكلف و التعنت و الإيذاء للمسؤول و سؤال الفرضيات و ما لم يقع، و النصوص التي فيها الأمر بالسؤال محمولة على سؤال الاسترشاد و الاستفهام لشيء يحتاج إليه الإنسان .

( متن )

و قال ﷺ من أحدث حدثاً أو آذى محدثاً فعليه لعنة الله ولعنة اللاعنين والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلاً.

 فقالوا للحسن ما الحدث ؟ فقال أصحاب الفتن كلهم محدثون وأهل الأهواء كلهم محدثون.

(المحقق)

 رواه البخاري وأوله المدينة حرم ما بين عير إلى كذا فمن أحدث... و ذكره و الترمذي في سننه باب النهي عن بيع الولاء و هبته .

 

( شرح )

و هذا الحديث ثابت و هو قول النبي ﷺ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين المعروف في الحديث عليه لعنة الله و الملائكة والناس أجمعين، ولعنة اللاعنين قد تكون جاءت في بعض الروايات.

 قال لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، هذا فيه التحذير من إحداث الحدث و الحدث البدعة و المعصية، كذا من آوى محدثاً أي مبتدعا، فيه التحذير من البدع و إيواء المبتدعين، من أحدث حدثا أو آوى محدثاً فقد ارتكب جريمة ارتكب كبيرة.

 و لهذا قال عليه الصلاة و السلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

 و الكبيرة -كما سبق- أصح ما قيل فيها أن الكبيرة ما ترتب عليها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة ، كاللعن وعد باللعن أو بالنار أو بالغضب هذا يدل على أنه كبيرة.

 لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً قيل المراد: التوبة لا يقبل الله توبته، و قيل المراد بالصرف الفريضة، و العدل النافلة، لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا، و قيل المراد بالعدل الفدا قال الله تعالى وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا يعني لا يفتدي من عذاب الله بشيء.

 فقالوا للحسن ما الحدث ؟ الحسن البصري سئل مالحدث ؟ قال أصحاب الفتن كلهم محدثون " البدع"  و أهل الأهواء يعني أهل الأهواء: البدع ، كلهم محدثون فالمراد بالحدث البدع و المعاصي و البدع أعظم و أشد، فيه التحذير من البدع و إيواء أهل البدع , و الجهمية مبتدعة أهل بدع و الرافضة مبتدعة و المعتزلة و الخوارج والمرجئة كل هؤلاء مبتدعة.

( متن )

و قال ﷺ كلاب النار أهل البدع.

(المحقق)

 رواه أحمد و الدارقطني في الأفراد كما في كنز العمال، و اللالكائي و الأجري من حديث أبا أمامة مرفوعا.

 و رواه ابن ماجة من حديث عبد الله بن أبي أوفى، و في سنده الأزهر بن صالح.

 و رواه ابن ماجة بسند ضعيف في سننه باب ذكر الخوارج.

 و ذكره الذهبي في الواهيات، و قال: تفرد به إسماعيل بن أبان رمي بالكذب.

 و رواه الجوزي في تلبيس إبليس بلفظ:  الخوارج كلاب أهل النار و قال محقق الكتاب: إن الأعمش لم يسمع بها ابن أبي أوفى.

و رواه أبو طاهر السلفي من حديث أبي أمامة بلفظ المصنف .

( شرح )

و هذا الحديث في صحته نظر و الأقرب أنه لا يصح و هو قول الرسول ﷺ كلاب أهل النار أهل البدع و لكن أهل البدع لا شك أنهم متوعدون،  متوعدون كما توعد أهل الكبائر، إذا كان الزاني متوعد و السارق متوعد و شارب الخمر متوعد و آكل مال اليتيم متوعد بالنار فأهل البدع كذلك، لأن البدع أشد، أشد من المعصية و هم متوعدون لأنهم من أهل الكبائر، أما هذا الحديث فلا يصح لكن أهل البدع متوعدون لأنهم ارتكبوا الكبائر و كبيرتهم أعظم من المعاصي، الكبائر التي تنشأ عن الشهوات الزنا و السرقة و شرب الخمر و عقوق الوالدين و قطيعة الرحم و شهادة الزور كل هذه كبائر، منشأها الشهوات و أما البدع منشأها الشبهات يعني أعظم و أشد .

( متن )

و قال ﷺ من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام.

(المحقق)

 أورده السيوطي في الجامع الصغير، و عزاه للطبراني و رمز لضعفه و قال المناوي، و رواه أبو نعيم و البيهقي في الشعب قال ابن الجوزي موضوع، و قال الحافظ العراقي و أسانيده كلها ضعيفة، بل قال ابن الجوزي إنها كلها موضوعة.

 ورواه السلفي من كلام الأوزاعي، و كذا رواه الهروي في ذم الكلام، و رواه أيضا مرفوعا من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها .

( شرح )

و هذا الحديث الأقرب أنه ليس بمرفوع بل موقوف على بعض الصحابة و على بعض أهل العلم.

من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام و التوقير معناه التعظيم.

ففيه التحذير من توقير أهل البدع و تعظيمهم، لأن توقيرهم و تعظيمهم نصر لبدعتهم و إظهار لشأنهم و الواجب الإنكار عليهم , الإنكار على أهل البدع و التحذير من بدعهم و عدم إظهار أنهم و التحذير منهم، فإذا وقرهم و عظمهم و أجلهم و بجلهم فإنه يكون سببا في نشر البدع و اعتناقها و سببا في إختفاء السنن, إذا ظهرت البدعة اختفت السنة، فتوقير أصحاب البدع لا شك أنه ممنوع و أنه محرم و أنه لا يجوز، أما هذا الحديث فلا يصح مرفوعا و إنما هو موقوف .

( متن )

وقال ابن مسعود عنه: خط لنا رسول الله ﷺ يوما خطا فقال: هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً عن يمين الخط و يساره وقال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو ثم تلى وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه يعني الخطوط التي عن يمينه و يساره.

 

( المحقق)

رواه أحمد و النسائي و الدارمي، كما في المرعاة، و رواه محمد ابن نصر المروزي في السنة، و رواه المصنف في الكبرى من عدة طرق .

( شرح )

و هذا حديث ثابت عن ابن مسعود و هو قوله خط لنا رسول الله ﷺ يوما خطا مستقيما في اللفظ الآخر مستقيماً فقال هذا سبيل الله ثم خط خطوطاً متعرجة عن يمينه وعن شماله  وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم تلى وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون 

و هذا الحديث فيه الحث على لزوم الطريق المستقيم و هو ما جاء في كتاب الله و سنة رسوله ﷺ هذا هو سبيل الله , سبيل الله وهو حبل الله و دينه و هو ما أمر الله به في كتابه و ما أمر به رسوله ﷺ، و هو لزوم السنة الحث على لزوم السنة و التحذير من البدع و المعاصي فإن الخطوط المتعرجة عن يمينه وعن شماله هذه هي طرق أهل الضلال و طرق أهل المعاصي و طرق أهل البدع، ففيه التحذير من البدع و من المعاصي و الحث على لزوم السنة و الاستقامة على شرع الله و دينه .

( متن )

و قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها: تلا رسول الله ﷺ هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم .

(المحقق)

رواه البخاري ومسلم و ابن ماجة و ابن حبان في صحيحه، و الآجري و المصنف، في الكبرى من سبع طرق و ابن أبي عاصم في السنة و اللالكائي و الهروي و الدارمي .

( شرح )

الحديث ثابت في الصحيحين و هو أن عائشة رضي الله عنها أخبرت عن النبيﷺ أنه تلا هذه الآية من آل عمران و هي قول الله  هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ  قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول إذا رأيتم الذين يجادلون فيه و في لفظ في آيات الله فهم الذين عنى الله فاحذروهم و في لفظ آخر  إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سما الله فاحذروهم.

 و الحديث فيه الحث على العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه، و رد المتشابه إلى المحكم و التحذير من طريق أهل الزيغ و الضلال و هو العمل بالمتشابه و ترك المحكم، فإن طريقة أهل الحق و أهل الإستقامة و الراسخين في العلم العمل بالمحكم.

و المحكم هو الواضح البين المعنى الذي لا لبس فيه و المتشابه هو الذي فيه اشتباه، كما مثلت لكم بالأمس المحكم مثل النصوص المحكمة الواضحة في إثبات العلو لله و أنها واضحة لا لبس فيها تزيد على ثلاثة آلاف دليل من الكتاب و من السنة وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ  وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ  سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى  ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ  إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ  تَعْرُجُ  الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ هذه نصوص محكمة واضحة لا لبس فيها، أهل الحق يعملون بالمحكم و المتشابه ماذا يعملون به ؟ كقوله  وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ هذا متشابه يردونه إلى المحكم يفسرونه به يقولون  وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يعني معبود في السماء و معبود في الأرض و هو فوق العرش هذه طريقة من ؟ طريقة الراسخين في العلم أهل الحق .

أما طريقة أهل الزيغ يترك النصوص المحكمة و يتعلق بالمتشابهة، يترك ثلاثة آلاف نص و يستدل بـ  وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ و يقول هذه الآية دليل على أن الله في الأرض و أنه مختلط بالمخلوقات، نقول له  أنت من أهل الزيغ، تتبعون المتشابه و تتركون المحكم, - واضح هذا؟ -.

 فعائشة رضي الله عنها تقول سمعت رسول الله ﷺ يقول إذا رأيتم الذين يجادلون فيه و في لفظ يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم سمى الله يعني قال في كتابه سماهم الله في قولهۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ لكن ما هي طريقة الراسخين ؟ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا آمنا بالمتشابه و يردونه إلى المحكم و يفسرونه به و يعملون بالنصوص من الجانبين و يضمون النصوص بعضها إلى بعض و يعلمون أن نصوص الكتاب يصدق بعضها بعضا ونصوص السنة يصدق بعضها بعضا و لا تتناقض و لا تتعارض، بخلاف أهل الزيع فإنه يتعلقون بالمتشابه و يتركون المحكم -نسأل الله السلامة و العافية-.

و لهذا وقعت و وجدت الشبهة و البدع بسبب كون أهل البدع من الجهمية و المعتزلة و الأشاعرة و الرافضة و الخوارج و المرجئة و غيرهم اتبعوا المتشابه و تركوا المحكم و عملوا ببعض النصوص و تركوا البعض الآخر فضلوا و أضلوا، فالواجب الحذر من طريقتهم و العمل بالنصوص من الجانبين و العمل بالنصوص المحكمة و رد المتشابه إليها .

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد