شعار الموقع

شرح كتاب أصول العقائد الدينية ( 5 )

00:00
00:00
تحميل
106

بسم الله الرحمن الرحيم

القارئ:

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال ابن سعدي رحمه الله: وبهذه الأصول يحصل الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسنة، ويترتب على هذا الأصل: أن الإسلام يجب ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها، وأن من ارتد ومات على ذلك فقد حبط عمله، ومن تاب تاب الله عليه.

قال: ويرتبون أيضًا على هذا الأصل صحة الاستثناء في الإيمان؛ فيصح أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه يرجو من الله تعالى تكميل إيمانه، فيستثني لذلك، ويرجو الثبات على ذلك إلى الممات، فيستثني من غير شكٍ منه بحصول أصل الإيمان.

شرح الشيخ:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وبهذه الأصول يحصل الإيمان بجميع نصوص الكتاب والسنة)؛ يعني بهذه الأصول السابقة، وهي: 

الأصل الأول: حد التوحيد الجامع: وهو اعتقاد العبد وإيمانه بتفرد الله وصفات الكمال وإفراده بأنواع العبادة، ويدخل في هذا توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات وتوحيد الألوهية.

وكذلك الأصل الثاني: وهو الإيمان بنبوة جميع الأنبياء عمومًا، ونبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ خصوصًا، وكذلك الإيمان بالملائكة، والإيمان بالقدر، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بهذه الأصول مع اعتقاد أنَّ الإيمان هو تحقيق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، واعتقادات القلوب، وأعمالها وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، بهذه الأصول يحصل الإيمان بجميع الأصول الكتابية.

(ويترتب على هذا الأصل)؛ يعني الأصل الأخير، وهي مسألة الإيمان، وهو: أن الإيمان تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، وأنه يدخل في مسمى الإيمان اعتقادات القلوب، وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، (ترتب على هذا الأصل أن الإسلام يجب ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها)، المعنى: أن من آمن بالله، وصدق وأقر بقلبه واعتقد بقلبه، وأتى بما يجب عليه من أقوال اللسان ومن أعمال الجوارح، وكان قبل ذلك ليس بمؤمن، فالإسلام يجب ما قبله الحمد لله، يجب ما قبله من الكفر، توحيده وإيمانه يهدم ما سبق من الشرك والكفر، ويمحو وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، فالمؤمن إذا آمن حقًّا إيمانًا صحيحًا، وكان هذا الإيمان متضمنًا لتصديق القلب وأعمال الجوارح، واعتقادات القلوب وأقوال اللسان، فإن هذا الإيمان الصحيح يهدم ما قبله من الكفر، وإذا كان الإيمان والإسلام حسنًا بأن تاب من الشرك وتاب من جميع الذنوب والمعاصي؛ فإن الإسلام يهدم ما قبله، وكذلك التوبة تجب ما قبلها، أما إذا لم يحسن إسلامه بأن تاب من الشرك ولم يتب من المعاصي، فإذًا تصح توبته من الشرك وتبقى عليه المعاصي، يؤاخذ بالأول والآخر، فلو تاب من الشرك ولكن لم يتب التوبةً الخاصة، استمر على شرب الخمر، فإن توبته من الشرك تصح، ويبقى عليه توبة خاصة يؤاخذ بالأول والآخر، بما عمل في الجاهلية، قبل الإسلام وبعد الإسلام.

أما إذا حسن إسلام بأن تاب توبة عامة، تاب من الشرك وتاب من الكبائر، تاب من الزنا وتاب من السرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، تاب توبةً عامة وحسن إسلامه فإن التوبة تجب ما قبلها من الشرك ومن المعاصي والإسلام يجب ما قبله من الشرك ومن المعاصي، فهذا يترتب على هذا الأصل وهو: أن الإيمان تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، واعتقادات القلوب وأقوال اللسان، فإنه يترتب على هذا الأصل أن الإسلام يجب ما قبله من الشرك، والتوبة تجب ما قبلها من الشرك والمعاصي، ومما يترتب على هذا الأصل: (أن من ارتد ومات على ذلك فقد حبط عمله) نعوذ بالله، من ارتد عن الإسلام ومات على الردة فقد حبط عمله؛ يعني بطل عمله السابق؛ لأن الردة تنقض الإسلام والعياذ بالله، فالردة تحبط عمله السابق من الأعمال الذي كان يعملها قبل أن يرتد من الصلاة والصيام والزكاة والحج.. وغير ذلك من الأعمال، كل هذه تحبط إذا ارتد والعياذ بالله.

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة:5]، وقال سبحانه: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الأنعام:88]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}[الزمر:65-66]؛ وقال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}[الفرقان:23]؛ وقال سبحانه: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:217]؛ فهذه النصوص تدل على أن المرتد إذا مات على الردة والعياذ بالله حبط عمله.

قال المؤلف: (ومن تاب تاب الله عليه)؛ يعني لو ارتد عن الإسلام والعياذ بالله ثم تاب ورجع إلى الإسلام تاب الله عليه، وأحرز أعماله السابقة للتوبة، تبقى له وتعود إليه، فلو أسلم ثم ارتد ثم عاد للإسلام قبل الموت، فإن التوبة مقبولة، من تاب تاب الله عليه، وحينئذٍ يُحرز أعماله السابقة، وتبقى له أعماله السابقة، ما دام مات على الإسلام؛ لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل: الموت على غير الإسلام، في قوله سبحانه: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[البقرة:217]؛ فاشترط لحبوط العمل: الموت على الكفر، لكن من تخلل إسلامه ردة ثم هداه الله فتاب الله عليه وعاد إلى الإسلام، فإن أعماله يحرزها بالإسلام، فضلًا من الله تعالى وإحسانًا. 

فهذه الأمور كلها مترتبة على هذا الأصل، التوحيد والإيمان، أن الإسلام يترتب على التوحيد والإيمان، أن الإسلام يجب ما قبله، وأن التوبة تجب ما قبلها، وأن من ارتد ومات على الردة فقد حبط عمله، ومن تاب تاب الله عليه، من تاب بعد الردة قبل الموت تاب الله عليه، وأحرز بتوبته أعماله السابقة، فلا تضيع عليه بل تبقى له.

قال المؤلف رحمه الله: (ويرتبون أيضًا على هذا الأصل صحة الاستثناء في الإيمان)، أهل السنة والجماعة، الجمهور جمهور أهل السنة، وإلا فإن الأحناف وأهل الكوفة، طائفة من أهل السنة يخالفون الجمهور، يرتبون أيضًا على هذا الأصل صحة الاستثناء في الإيمان، (فيصح أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله) من الذي رتب هذا على هذا؟ جمهور أهل السنة: مالك والشافعي وأحمد، وجماهير أهل السنة يرون هذا، وخالفهم في ذلك أبو حنيفة، وأهل الكوفة، وأول من قال بذلك: شيخ الإمام أبي حنيفة حماد بن أبي سليمان، قالوا: لا يصح الاستثناء في الإيمان، فلا تقول: أنا مؤمن إن شاء الله، لماذا؟ لأن الإيمان عندهم شيء واحد وهو التصديق بالقلب، وإذا كان شيء واحد وهو التصديق بالقلب، فالإنسان يعلم من نفسه هذا الأمر، وأنه مصدق فلا يستثني، فلا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه لو استثنى لكان شاكًا في إيمانه بزعمهم، فيقولون: إن من استثنى في إيمانه فهو شاك، إن من استثنى وقال: أنا مؤمن إن شاء الله فهو شاك، والشاك لا يكون مؤمنًا؛ ولهذا يسمون أهل السنة: الشكاكة، الذين يشككون في الإيمان يسمونهم الشكاكة، أما جمهور أهل السنة فيرتبون على هذا الأصل صحة الاستثناء في الإيمان، فيصح أن يقول: أنا مؤمنٌ إن شاء الله، لماذا؟

لأن الاستثناء راجعٌ إلى الأعمال المتعددة، لأن الأعمال المتعددة داخلة في مسمى الإيمان: صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأداء الأمانات، وأيضًا كف نفسه عن المحرمات، العدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، أعظم من ذلك الشرك، فلما كانت هذه الأعمال داخلة في مسمى الإيمان بهذا الاستثناء؛ لأن الاستثناء راجعٌ إلى هذه الأعمال، والإنسان المسلم لا يزكي نفسه، بل يدني من نفسه، ولا يجزم بأنه أدى ما عليه؛ فلهذا يقول: أنا مؤمنٌ إن شاء الله.

قال المؤلف: (فيصح أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؛ لأنه يرجو من الله تعالى تكميل إيمانه)، ولا يزكي نفسه، والله يقول: {فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ}[النجم:32]؛ لأنه يرجو من الله تكميل إيمانه (فيستثني لذلك، ويرجو الثبات على ذلك إلى الممات، فيستثني من غير شكٍ منه بحصول أصل الإيمان) فإذًا يترتب على هذا الأصل أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، صحة الاستثناء في الإيمان، وهو قول الإنسان: أنا مؤمنٌ إن شاء الله؛ لأن الاستثناء راجعٌ إلى الإيمان فهو يستثني لأنه يرجو من الله تكميل إيمانه فيستثني لذلك، ويرجو الثبات على ذلك إلى الممات فيستثني من غير شك بحصول أصل الإيمان، أما إذا شك في حصول أصل الإيمان فلا يجوز، إذا قصد الشك في أصل الإيمان فهذا لا يجوز، لكنه يستثني لأن الاستثناء راجعٌ إلى الأعمال، وهو يرجو تكميل إيمانه ويرجو الثبات على ذلك إلى الممات، أما إذا شك إذا أراد الشك في أصل إيمانه فلا يجوز.

كما أنه يجوز له أن يستثني، إذا أراد التبرك بذكر اسم الله، يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، كما أنه يجوز أن يستثني إذا أراد عدم علمه بالعاقبة، أما إذا قصد الشك في أصل إيمانه فلا يستثني، أما الأحناف ومرجئة الفقهاء وأهل الكوفة فلا يستثنون في الإيمان أبدًا، بل يمنعون من الاستثناء منعًا باتًا؛ لأن الإيمان عندهم شيءٌ واحد وهو التصديق بالقلب، ويعلمه الإنسان من نفسه، يقول: لماذا تستثني؟ أنت تعلم من نفسك أنك مصدق، كما أنك تعلم من نفسك أنك تحب الرسول، وكما أنك تعلم من نفسك أنك تبغض اليهود، فلا تستثني ولا تشك في إيمانك، لكن الجمهور قالوا: نحن نرى أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان؛ فأنا أستثني لأن الأعمال متعددة، ولا أزكي نفسي، وأرجو تكميل إيماني وأن يثبتني الله على ذلك إلى الممات؛ فلهذا أستثني.

القارئ:

قال رحمه الله: ويرتبون أيضًا على هذا الأصل: أن الحب والبغض أصله ومقداره تابعٌ للإيمان وجودًا وعدمًا، وتكميلًا ونقصًا، ثم يتبع ذلك الوَلاية والعداوة.

شرح الشيخ:

الوَلاية بفتح الواو، الوِلاية بالكسر: الإمارة، والوَلاية بالفتح: المحبة والنصرة، وقد يطلق هذا لكن هو الأصل، الأصل: إن الوِلاية اسم للإمارة وجميع (15:18)تقول: وِلاية، إمارة، كِتابة، حِدادة، نجارة، خياطة، تكون بالكسر وِلاية، أما بالفتح فالمحبة والنصرة، والمراد هنا المحبة والنصرة ليس المراد الإمارة.

القارئ:

ثُم يتبع ذلك الوَلاية والعداوة؛ ولهذا من الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والوَلاية لله والعداوة لله، ويترتب على الإيمان ولا يتم إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

قال: ويترتب على ذلك أيضًا من محبة اجتماع المؤمنين، والحث على التآلف والتحابب وعدم التقاطع.

قال: ويبرأ أهل السنة والجماعة من التعصبات والتفرق والتباغض، ويرون هذه القاعدة من أهم قواعد الإيمان، ولا يرون الاختلاف في المسائل التي لا توصل إلى كفرٍ أو بدعةٍ موجبةٍ للتفرق.

شرح الشيخ:

يقول المؤلف رحمه الله: (ويرتبون على هذا الأصل) ما هو الأصل؟ الأصل وهو أن مُسمى الإيمان تدخل فيه الأعمال، أن مسمى الإيمان تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، ويترتب على هذا الأصل الحب في الله والبغض في الله، يترتب على هذا الأصل الحب والبغض، على هذا الأصل وهو مسألة الإيمان، وهو: أن الإيمان تصديق بالقلب، وإقرار باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، هذا هو الأصل، يترتب على هذا الأصل، وهو: أن الإيمان هو تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، وأن مُسمى الإيمان يشمل اعتقادات القلوب ويشمل أعمال القلوب، ويشمل أعمال الجوارح، ويشمل أقوال اللسان.

يترتب على هذا الأصل الحب والبغض، وأن الحب والبغض أصله ومقداره تابعٌ للإيمان وجودًا وعدمًا، وتكميلًا ونقصًا، هذا مُرتب على أصل الإيمان؛ فيترتب على هذا أن المحبة تبع الإيمان، فمن كان أكمل إيمانًا كان أكمل محبة، يترتب على هذا الأصل: أن من كان مؤمنًا فإنك تواليه، ومن عدم الإيمان من كان كافرًا فتعاديه هذا مترتب على هذا الأصل، أصل الإيمان، يترتب على أصل الإيمان أنك توالي وتعادي.

(يترتب على هذا الأصل: الحب والبغض أصله ومقداره تابعٌ للإيمان وجودًا وعدمًا، وتكميلًا ونقصًا) فيترتب على ذلك: محبة المؤمنين وبغض الكافرين، هذا كله مترتب على هذا الأصل، كله مترتب على هذا الأصل، ترتب على هذا الأصل: أن محبة المؤمنين وبغض الكافرين، محبة المؤمنين بوجود الإيمان عندهم، وبغض الكافرين بعدم الإيمان، فإذًا ترتب على أصل الإيمان: الحب والبغض، الحب للمؤمنين والبغض للكافرين، الحب للمؤمنين بوجود الإيمان عندهم، والبغض للكافرين بعدم الإيمان تكميلًا ونقصًا، ومن كمل إيمانه فإنك تحبه محبةً كاملة، ومن نقص إيمانه فإنك تحبه محبةً ناقصة، فتحب المؤمن المطيع الذي أدى الواجبات وترك المحرمات محبةً كاملة؛ لأن إيمانه كامل، وتحب العاصي الذي فعل بعض المعاصي بأن قصر في بعض الواجبات أو فعل بعض المحرمات تحبه محبةً ناقصة، تحبه بقدر ما فيه من الإيمان والطاعات، وتبغضه بقدر ما فيه من المعاصي، فالمؤمن المطيع يُحب محبةً كاملة، والكافر يُبغض بغضًا كاملًا، والمؤمن العاصي يُحب محبةً ناقصة، يُحب بقدر ما فيه من الإيمان والطاعات، ويُبغض بقدر ما فيه من المعاصي والمخالفات.

هذا معنى قول المؤلف: (ويرتبون على هذا الأصل: أن الحب والبغض أصله ومقداره تابعٌ للإيمان) وجودًا وعدمًا، إذا وُجد الإيمان وُجدت المحبة نحبه، وإذا عُدم الإيمان وُجد البغض نبغضه، تكميلًا إذًا من كمل إيمانه نكمل له المحبة، المحبة كاملة، ومن نقص إيمانه تنقص المحبة، نحبه محبةً ناقصة، لأننا نبغضه بغضًا أيضًا مقابل المعاصي، نحبه ونبغضه، نحبه من وجه، ونبغضه من وجه، نحبه بقدر ما فيه من الطاعات والإيمان وشعب الإيمان، ونبغضه بقدر ما فيه من المعاصي وشعب الشرك، فإذًا المحبة ناقصة، بخلاف المطيع فالمحبة كاملة.

قال المؤلف رحمه الله: (ثم يتبع ذلك الولاية والعداوة) يتبع الإيمان والحب الولاية والعداوة؛ فنوالي المؤمن ونعادي الكافر، ونوالي المؤمن العاصي بقدر ما فيه من الطاعات، ونعاديه بقدر ما فيه من المعاصي، فيكون الناس ثلاث طبقات:

الطبقة الأولى: المؤمنون الذين كمل إيمانهم بأداء الواجبات وترك المحرمات؛ فهؤلاء نواليهم موالاةً تامة.

القسم الثاني: الكفار نعاديهم معاداةً كاملة.

القسم الثالث: المؤمن العاصي، فهذا نواليه ونعاديه، نواليه بقدر ما فيه من الإيمان والطاعات وشعب الإيمان ونعاديه بقدر ما فيه من المعاصي وشعب الكفر.

قال المؤلف رحمه الله: (ثُم يتبع ذلك الولاية والعداوة؛ ولهذا من الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والوَلاية لله والعداوة لله) هذا من الإيمان، من الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله، والولاية لله والعداوة لله، الحب في الله بأن تُحب الشخص المستقيم، تحبه لما اتصف به من الطاعات، ولو لم يكن قريبًا، تحبه؛ لأنه مستقيم على طاعة الله، ولو لم يكن بينك وبينه قرابة ولا صلة، لا في النسب ولا في البلد، تحبه ولو كان من أبعد الناس إليك، وتبغض العاصي ولو كان أخاك لأمك وأبيك، ولو كان أباك تبغضه بغضًا دينيًا، ولكنك تحسن إليه إحسانًا دنيويًا؛كما قال الله تعالى في الوالدين الكافرين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:15]؛ فالإحسان الدنيوي: النفقة والكسوة يُحسن إلى الكافر من الوالدين أو من الإخوة لكن لا يُحب محبةً دينية.

فإذًا الولاية والعداوة مبنية على الإيمان، وكذلك الحب في الله والبغض في الله، فأنت تحب ما يحبه الله، من شخص أو فعل أو حكم، وتبغض ما يبغضه الله من شخص أو فعل أو حكم، تحب ما يحبه الله من شخص وهو الشخص المستقيم على طاعة الله المؤمن، أو فعل تحب الأفعال التي يحبها الله، الأفعال، كأفعال الخير والبر والإحسان، وكذلك الأحكام ما يحبه الله من حكم، الأحكام التي حكم بها على الأشياء، حكم على الصلاة بالوجوب، وأحبها فأنت تحب هذا الحكم الشرعي، حكم الله على الزنا بأنه محرم وعلى الربا بأنه محرم، فأنت تبغض ما يبغضه الله من هذا الحكم، تحب ما يحبه الله من شخص، شخص مستقيم، أو فعل الطاعة، أو حكم الأحكام التي أمر الله بها، وتبغض ما يبغضه الله من شخص وهو الكافر أو العاصي، أو فعل وهو فعل المعاصي، أو حكم وهي الأشياء التي حكم الله عليها بالمنع.

وكذلك البغض في الله، تبغض ما يبغضه الله من شخص أو فعل أو حكم، والولاية لله والعداوة لله، فأنت توالي لله، توالي بمعنى أنك تحب المؤمنين وتنصرهم وتؤيدهم، لماذا؟ لأنهم مستقيمون على طاعة الله، والعداء وتعادي العصاة والكفار وتبغضهم وأنت توالي في الله، معناه: تحب المؤمنين، تواليهم وتنصرهم وتؤيدهم، وتعادي الكفار فتبغضهم وتبتعد عنهم، ولا تؤيدهم ولا تنصرهم، كل هذا مرتبٌ على الإيمان.

 ولهذا قال المؤلف: (ويرتبون على هذا الأصل: الحب والبغض، ثم يتبع ذلك الولاية والعداوة، ولهذا من الإيمان: الحب في الله، والبغض في الله) فأنت إذا رأيت شخص مستقيم تقول: أنا أحبك في الله، وإذا رأيت شخص منحرف تقول: أنا أبغضك في الله، وتوالي هذا المؤمن ولو كان بعيدًا، وتعادي هذا العاصي ولو كان قريبًا.

قال المؤلف رحمه الله: (ويترتب على الإيمان ولا يتم إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، نعم يترتب على الإيمان، وهو أن يُسمى الإيمان: تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، وأن مسمى الإيمان يشمل اعتقادات القلوب، وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح وأقوال اللسان، يترتب على هذا الإيمان ولا يتم إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وهذا مأخوذٌ من الحديث الصحيح، وهو قوله عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».

فالذي لا يحب لأخيه، فأنت تحب لنفسك الخير، وتكره لنفسك الشر، تحب لنفسك أن يرزقك الله مالًا حلالًا، وزوجةً صالحة وولدًا صالحًا، فعليك أن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك، فإن كنت تحبه لنفسك ولا تحبه لأخيك فأنت ضعيف الإيمان وناقص الإيمان، والرسول صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ نفى عنك الإيمان، قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» يعني: لا يؤمن الإيمان الكامل الواجب، وإن كان عنده أصل الإيمان، ما هو بكافر ليس بكافر، لكن إيمانه ناقص وضعيف، فالنفي هنا نفي لأصل الإيمان ولا لكمال الإيمان الواجب؟ لكمال الإيمان الواجب، لا يؤمن أحدكم الإيمان الكامل وإن كان عنده أصل الإيمان، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

ومثله قوله عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» الذي لا يأمن جاره شره وبوائقه فهذا يكون ناقص الإيمان ولا يكون كافرًا، «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه»فالذي لا يأمن جاره بوائقه (شره) فالذي لا يأمن جاره شره إيمانه ضعيف.

ومثله قوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبةً يرفع الناس إليها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن» هذا الإيمان الذي نُفي ما هو؟ هل هو كافر الزاني والسارق وشارب الخمر؟ الرسول يقول: ليس بمؤمن، هل هو كافر؟ قال الخوارج: إنه كافر، الخوارج يقولون: كافر، الرسول نفى عنه الإيمان فيكون كافر، وقالت المعتزلة: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، فه في مرتبة بين مرتبين، يسمى فاسق لا مؤمن ولا كافر.

 وقالت المرجئة: هو مؤمن كامل الإيمان، أرأيت طوائف الانحراف؟ الخوارج قالوا: الزاني والسارق والشارب كافر، والمعتزلة قالوا: خرج من الإيمان، ولم يدخل في الكفر وهو في منزلة بين المنزلتين يسمى فاسق لا مؤمن ولا كافر، وقالوا بخلوده في النار، المعتزلة قالوا: هو خالد ومخلد في النار، وقالت المرجئة ونحوها: هو مؤمن كامل الإيمان، ولا يضره ترك الواجبات، ولا فعل الكبائر، حتى لو فعل جميع الكبائر، وجميع النواقض الإسلام ما يضره هو مؤمن كامل الإيمان، وقال غلاتهم: ويدخل الجنة أيضًا من أول وهلة، كل هؤلاء الطوائف غلاة.

وقال جمهور أهل السنة: نجمع بين النصوص جمعًا معقولًا، فهنا نحن نقول: الحديث: «لا يؤمن أحدكم» لكن جاءت نصوص تدل على أن عنده أصل الإيمان، القاتل أليس مرتكب للكبيرة، القاتل مرتكب للكبيرة، وسماهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ كفار، قال: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» ومع ذلك أثبت الله له أخوة الإيمان، قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}[البقرة:178]؛ أخيه المقتول، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ}[البقرة:178]؛ سماه أخًا له، وقال في المؤمنين الذين تقاتلوا: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات:10]؛ إذًا لا بد من الجمع بين النصوص، فتُحمل النصوص التي فيها نفي الإيمان على كمال الإيمان الواجب، والنصوص التي فيها إثبات الإيمان على إثبات أصل الإيمان، فالإيمان إيمانان:

  1. إيمانٌ يبقى مع العاصي وهو أصله.
  2. وإيمان يُنفى عن العاصي وهو كمال الواجب.

فقول الرسول صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» هذا الإيمان الواجب، وقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» هذا الإيمان الواجب، وقوله: «لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه» هذا الإيمان الواجب منفيٌ عنه.

وقوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}[البقرة:178]؛ ويدخل في الخطاب يا أيها الذين آمنوا؛ هذا أصل الإيمان، وهذا يكون عمل بالنصوص من الجانبين.

أما الخوارج والمعتزلة فهم أهل زيغ، أخذوا بعض النصوص، وأغمضوا أعينهم عن النصوص الأخرى، فالخوارج والمعتزلة أخذوا بنصوص الوعيد، «لا يزني حين يزني الزاني وهو مؤمن» وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10]؛ قالوا: هذا مخلد في النار وهو كافر، وعلى أنه كافر لأنه نُفي عنه الإيمان، نُفي عنه الإيمان فيكون كافرًا وتوعد بالنار فيُخلد في النار وكذلك المعتزلة شاركوهم.

لكن أين نصوص الوعد؟ من أحق الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: «من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه» وحديث: «من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه» وحديث: «من قال: لا إله إلا الله، لا يلقى الله بها عبد مخلصًا غير شاك إلا دخل الجنة» كيف يُعمل بهذه النصوص؟ ما تناسبهم أغمضوا أعينهم عنها أهل زيغ تركوها، ورموا بها عرض الحائط أخذوا بها النصوص الواردة، وجاءت المرجئة المحضة وقالوا: إذا نطق بالإيمان وتكلم بالإيمان هو مؤمن كامل الإيمان، ولا يضره فعل الكبائر ولا المنكرات، بل هو كامل الإيمان، ما هو دليلكم؟ قالوا: النصوص الواردة، «من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة» فيكفي قال: لا إله إلا الله، يكفي ولو ما صلى ولا صام.

حديث عثمان: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله» وحديث عبادة: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمةٌ ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمله».

كيف تعمل بنصوص الوعيد؟ «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10]؛ كيف يعملون بها؟ أغمضوا أعينهم عنها، ضربوا بها عرض الحائط ما تناسبهم، إذًا أخذوا ببعض النصوص وتركوا بعض النصوص، ماذا عمل أهل السنة؟

أهل السنة والجماعة أخذوا نصوص الوعيد التي احتج بها الخوارج والمعتزلة، والتي تدل على أن الكبائر والمعاصي تؤثر على الإيمان، وصفة الإيمان وصفعوا بها وجوه المرجئة وأبطلوا بها مذهبهم، وأخذوا نصوص الوعد التي احتج بها المرجئة وصفعوا بها وجوه الخوارج والمعتزلة وأبطلوا مذهبهم، فتعارضا فبطل مذهب الخوارج بأدلة المرجئة، وبطل مذهب المرجئة بأدلة الخوارج، وأخذ أهل السنة النصوص من الجانبين وعملوا بها، قالوا: نأخذ نصوص الوعيد التي تكلم بها الخوارج، وهي دليلٌ لنا على أن الكبائر والمعاصي تضعف الإيمان، لكنها لا تقضي عليه، بدليل نصوص الوعد، وأخذوا نصوص الوعد التي احتج بها المرجئة، واستدلوا بها على أن التوحيد والإيمان باقي مع العاصي، ولكن المعاصي تؤثر بدليل نصوص الوعيد، فجمعوا بينهما جمعًا معقولًا صحيحًا، فخرج مذهب أهل السنة والجماعة، لبنًا من بين فرطٍ ودم، لبنًا خالصًا سائغًا للشاربين، عملوا بالنصوص من الجانبين، فكان مذهب أهل السنة والجماعة هدى بين ضلالتين، وحقٌّ بين باطلين عرفتم كيف كان أهل السنة يعملون بالنصوص؟ هداهم الله.

قال المؤلف رحمه الله: (ثُم يتبع ذلك الوَلاية والعداوة؛ ولهذا من الإيمان الحب في الله والبغض في الله) الحب في الله، تحبه لا لأجل الدنيا، ولا لأجل النسب، ولا لأجل الاشتراك في تجارة أو عمل، لا؛ تُحبهُ لأنه مستقيم على طاعة الله، والبغض في الله تبغضه لا لأن بينك وبينه عداوة أو مشاركة، بل تبغضه لأنه عاصي لله، (والوَلاية لله والعداوة لله)تواليه من أجل الله، وتعاديه من أجل الله.

قال المؤلف رحمه الله: (ويترتب على الإيمان ولا يتم إلا بأن يحب لأخيه ما يحب لنفسه)؛ فإن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإيمانه ناقص.

قال المؤلف رحمه الله: (ويترتب على ذلك أيضًا من محبة اجتماع المؤمنين، والحث على التآلف والتحابب وعدم التقاطع)؛ نعم يترتب على الإيمان وأن الله عقد الإخوة وربطها بين المؤمنين محبة اجتماع المؤمنين؛ يعني تحب أن يجتمع المؤمنون، وتحس على التآلف والتحابب وعدم التقاطع، والله تعالى قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات:10]؛ وقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تنابذوا وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحمله ولا يحقره» قال: «لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب بعضكم على خطبة أخيه» كل هذه الأمور من الشارع يريد من المؤمنين أن يجتمعوا وأن يتآلفوا وأن يتحابوا وألا يتقاطعوا، فالمؤمن يترتب على هذا على الإيمان والأخوة الإيمانية محبة اجتماع المؤمنين، والحث على التآلف والتحاب وعدم التقاطع.

قال المؤلف رحمه الله: (ويبرأ أهل السنة والجماعة من التعصبات والتفرق والتباغض) التعصبات كون الإنسان يتعصب لقبيلته، يقول: أنا من قبيلة فلان، أنا من قبيلة طيء أنا من قبيلة كذا، أنا من قبيلة مزينة، أنا من قبيلة هزيل، أنا من قحطان أنا من عدنان، يتنابذ بالألقاب، التعصبات تفرق الناس، وتؤدي إلى البغضاء والعداوة، الأنساب جعلها الله لماذا؟ للتعارف، يعرف الناس بعضهم بعضًا، يعرف رحمه فيصله، لا للتفاخر؛ ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات:13]، ولم يقل: لتفاخروا، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:13]؛ وقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «لا فضلًا لعربيٍ على أعجمي إلا بالتقوى، ولا فضل لأحمر ولا أسود إلا بالتقوى، كلكم لآدم وآدم من تراب» وقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «أربعٌ في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهم: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة»؛ التفاخر بالأحساب، التعارض بالآباء والأجداد ومآثرهم، والطعن بسبب عيب الأنساب وتنقصها، أنا من قبيلة كذا، هذا خبيبي هذا خبيبي، لكن للمعرفة لا بأس، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا}[الفرقان:54]؛ جعل الصهر مقابل للنسب، فأهل السنة يبرؤون من التعصبات والتفرقات والتحزبات، التحزبات والتعصبات ولو كانت مسميات إسلامية، إذا كانت تفرق فلا يجوز، في بعض غزوات النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ بعض الشباب، شابين: شابٌّ من المهاجرين، كسع شابًا من الأنصار؛ يعني ضربه على عضده، فشق ذلك على الأنصاري، وصاح وقال: يا للأنصار، فجاءوا يريدون نصره، فنادى المهاجري وقال: يا للمهاجرين فأتى المهاجرون، صاروا تحزبات، أليست المهاجرون هذه لقب إسلامي؟ لقب إسلامي كبير الأنصار، فتنادى الأنصار وتنادى المهاجرون وكادوا يقتتلون، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة» ما هي دعوى الجاهلية؟ التعصب والتحزب، هذا يقول: يا للأنصار، وهذا يقول: يا للمهاجرين، تحزبوا انقسموا إلى قسمين، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «دعوها فإنها منتنة» سمها دعوى الجاهلية، لماذا؟ وهي مسميات إسلامية، من الذي سماهم المهاجرين؟ سماهم المهاجرون والأنصار، لكن لما كان التحزب يؤدي إلى التفرق، سماهم الرسول: دعوى الجاهلية، كان الأولى أن يقول: يا للمسلمين، ما يقول: يا للأنصار، يا للمسلمين يا مؤمنون، حتى يأتي الأنصار ويأتي المهاجرون، يصيروا حزب واحد، لكن هذا يقول: يا للأنصار، وهذا يقول: يا للمهاجرين، تحزبوا حصل تحزبات فكادوا أن يقتتلوا، وهي مسميات إسلامية، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، ماذا قال لهم؟ «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم، دعوها فإنها منتنة» ما هي دعوها؟ الضمير يعود إلى أي شيء؟ التحزُّب، الآن التحزبات بين الشباب، تحزبات بين الشباب الآن، هذا يقول: هذا سروري، هذا تبليغي، هذا تكفيري، هذا إخواني، هذا جاوي، وصارت تحزبات، وكل واحد يتنازل لحزب، وهذه التحزبات فرقت الشباب ودمرتهم، وقضت على حياتهم، وضيعت عليهم العلم، وأوجدت الحزازات والعداوات، وفرقتهم ومزقتهم، لماذا هذه التحزبات؟ أنا أقول: «دعوها فإنها منتنة» دعوى التحزبات هذه، ليس تنادي تقول: هذا إخواني، هذا تبلغي، هذا سروري هذا جامي، كلكم حزب واحد، كونوا حزبًا واحدًا، حزب الله {أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة:22]؛ اتركوا الأحزاب الشيطانية التي تفرقكم، قل: أنا من أهل السنة والجماعة وخلاص، إذا قال ماذا؟ أنت سروري أنت كذا؟ قل: أنا من أهل السنة والجماعة، ماذا تقول في الأحزاب الأخرى؟ ما أقول شيء، لا أقل شيء، أنا أطلب العلم، اتركوني أطلب العلم، أنا صغير فاسألوا أهل العلم، أنا ما أقول شيء أنا من أهل السنة والجماعة ولا أتكلم في أحد، أنت من حزب كذا ومن حزب كذا؟ لا أقول: لا من حزب كذا ولا من حزب كذا، حتى قال لي بعض الحلقات في بعض المساجد، يقول بعض الشباب الصغار المتوسط يقول: يطردوني إذا جئت إلى هذه الحلقة طردوني ما أنت من حزب كذا، وإذا جئت إلى هذه الحلقة طردوني ولا أدري ماذا أعمل، تحزبات أنت إخواني أنت كذا، أنت سروري أنت جامي كل واحد يطرده، بقي في حيرة وبعضهم سكت، كل هذا بسبب ماذا؟ التحزبات.

 «دعوها فإنها منتنة»؛ دعوا هذه التحزبات، كونوا حزبًا واحدًا، والحمد لله، بيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله، ما في أحد ما يغلط، كل واحد يغلط ويخطئ، الغلط مردود والخطأ مردود، والمرجع كتاب الله وسنة رسوله، وارجعوا إلى أهل العلم، لكن البدع معروفة، إذا وجدنا طائفة  أو شخص يعتنق مذهب الخوارج ويكفر الناس بالمعاصي هذا باطل، أو مذهب المعتزلة معتزلي أو مذهب الجهمية جهمي ينكر الأسماء والصفات، أو معتزلي يثبت الأسماء وينفي الصفات، أو رافضي يكفر الصحابة، نعم هذه مذاهب بدعية باطلة، لكن تحزبات الآن ما رأينا، ما في الآن تحزبات، وجدنا بعض الأحزاب الآن معتزلة أو خوارج أو جهمية، أو قدرية، أو رافضة، كلهم والحمد لله شباب يدرسون في الجامعات وفي المدارس، وكلهم يدرسون العقيدة السليمة، ويدرسون كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية، والحموية، والتدمرية، ما الذي جعلهم يتفرقون هكذا؟ ما الذي جعلكم تتحزبون؟ اتركوا هذه التحزبات «دعوها فإنها منتنة» دعوها وكونوا حزبًا واحدًا، الأعداء هم الذين يريدون أن يفرقوكم، لما رأوا هذه الصحوة، يريدون أن يقضوا عليهم؛ هذه الصحوة التي حصلت للشباب فيها خير عظيم لو تُركت هذا التحزب لازدهرت، ولو كانوا يدًا واحدة لتعاونوا على البر وعلى الخير، ولكان كثير من الشباب الآن بلغ شأنًا عظيمًا في العلم، لكن هذه التحزبات قضت عليهم دمرتهم أضعفتهم، ضيعت أوقاتهم، أوجدت بينهم العداوة والحزازات.

فإذا كان نبيُّنا ورسولنا عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ يقول للأنصار والمهاجرين، أفضل الناس بعد الأنبياء، مسميات إسلامية لما تنادى قال هذا: يا للمهاجرين، وقال هذا: يا للأنصار «دعوها فإنها منتنة» فكيف بالذي يقول: إخواني، سروري، تبليغي تكفيري، جامي كذا.. الخ، صاروا يتحزبون ويتقاتلون والموالاة على أشخاص، أنت تبع الشخص الفلاني ولا تبع الشخص الفلاني؟ 

جاءت أسئلة واتصالات في الشبكة العنكبوتية، والاتصالات الهاتفية من ليبيا ومن الجزائر، وحتى من بلجيكا ومن فرنسا تقاتلوا، تقاتلوا أنت تؤيد الشيخ الفلاني ولا تؤيد الشيخ الفلاني؟ أنت تبع فلان ولا تبع فلان؟ تقاتلوا، تقاتلوا وتضاربوا بالنعال وبالسلاح، وفي اليمن وفي الكويت تضاربوا على هذه التحزبات، يقول لك: أنت إخواني ولا أنت كذا؟ أنت تبع فلان، صاروا يوالون على أشخاص، أنت تبع الشخص الفلاني أنت تبع فلان؟ اختلفوا الشخص الفلاني، واحد في المدينة واحد كذا، يقول: هذا آخذ بمن؟ آخذ بهذا ولا بهذا؟ اختلفوا فيما بينهم، كانوا حزب واحد وصاروا حزبين، أنا ما أدري، قلت: هل هم أنبياء ولا رسل؟ قال لك: لا؛ قال: كيف تعمل؟ قلت: الكتاب والسنة، اترك فلان وفلان ليسوا أنبياء ولا رسل اختلفوا واتفقوا مع العلماء، نحن مكلفين بفلان وفلان؟ هل هم أنبياء هل هم رسل؟ لا؛ ما هم برسل ولا أنبياء، إذا غلطوا ما علينا منهم، نحن نقتدي بنبينا لا بفلان ولا بفلان، فلان نعرض كلامه على النصوص، إن وافق قبلناه وإلا رددناه، فيقولون: مساكين، يقولون: فلان اختلف أنا مالي أتبع فلان ولا فلان، في بلجيكا وفي فرنسا وفي كل مكان، لا تتبع فلان ولا فلان، اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، خذ الكتاب والسنة نبينا ما هو فلان، نبينا رسول.

فالمؤلف رحمه الله، الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله كأنه يعيش وضعنا الآن، ماذا يقول؟ يقول: (ويبرأ أهل السنة والجماعة من التعصبات والتفرق والتباغض ويرون هذه القاعدة من أهم قواعد الإيمان) وما هي قاعدتهم؟ الاتفاق وعدم الاختلاف، من أهم القواعد؛ لأن الاختلاف يؤدي إلى تنافر القلوب، يؤدي إلى البغضاء، يؤدي إلى الحزازات، يؤدي إلى تدخل الأعداء، أما إذا اجتمع الإخوان وصاروا يدًا واحدًا على قلبٍ واحد لا يقف في وجههم أحد، ولا يمكن أن يدخل بينهم عدو، فإذا اجتمعت العصي إذا جمعتها ما تستطيع تكسرها، فإذا فرقتها كسرتها واحدة واحدة، إن الرماح إذا اجتمعت، البيت المعروف:

فما الرماح إذا اجتمعن تكسرت
 

 

وإذا افترقن تكسرت آحادًا
 

 

الرماح إذا جمعتها ما تقدر تكسرها، لكن فرقتها كسرها، فرق تسد هؤلاء الأعداء فرقوكم الآن، فرقوكم حتى يقضوا على إسلامكم وإيمانكم فاحذروهم، فاحذروا التحزبات والتفرقان، كونوا حزبًا واحدًا ويدًا واحدة على أعدائكم، كونوا موحدين، كونوا مؤمنين كونوا صادقين، كونوا مجتمعين مواليين لله ولرسوله وللمؤمنين، مطيعين لولاة أموركم في طاعة الله، لا يكون هناك اجتماع إلا بالاجتماع على ولاة الأمور، موالاتهم ومحبة الخير لهم، والنصح لهم، وعدم الخروج عليهم.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (ويرون هذه القاعدة من أهم قواعد الإيمان)؛ من أهم قواعد الإيمان الاجتماع والحذر من التعصب والتفرق، (ولا يرون الاختلاف في المسائل التي لا توصل إلى كفرٍ أو بدعةٍ موجبةٍ للتفرق)؛ الاختلاف في الأمور الخلافية، في المسائل مسائل الخلاف لا توجب التفرق، فالاختلاف مثلًا في مسائل الاختلاف، اختلفت أنا وأنت في أكل لحم الجزور هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء، أو في الدم خروج الدم هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء، هذا لا يوجب التحزبات والتفرقات، نحن أنا وأنت على الحق، فأنا عندي دليل وأنت عندك دليل، أنت تعمل بالدليل الذي عندك، وأنا أعمل بالدليل الذي عندي، إذا كنا أهل نظر وكلنا على حق، إلا إذا كان هذا الاختلاف يؤدي إلى كفر، أو يؤدي إلى بدعة فهذا لا، لا نجتمع على بدعة، لكن إذا كانت المسألة خلافية لا تؤدي إلى بدعة ولا إلى ضلالة فلا توجب التفرق.

القارئ:

قال رحمه الله: ويترتب على الإيمان محبة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ بحسب مراتبهم، وأنَّ لهم من الفضل والسوابق والمناقب ما فضلوا فيه سائر الأمة، قال: ويدينون بمحبتهم ونكر فضائلهم، ويمسكون عما شجر بينهم، وأنهم أولى الأمة بكل خَصلةٍ حميدة، وأسبقهم إلى كل خير، وأبعدهم من كل شر.

ويعتقدون أن الأمة لا تستغني عن إمام يقيم لها دينها ودنياها، ويدفع عنها عادية المعتدين، ولا تتم إمامته إلا بطاعته بغير معصية الله تعالى، ويرون أنه لا يتم الإيمان إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد وإلا باللسان، وإلا فبالقلب على حسب مراتبه الشرعية، وطرقه المرعية، وبالجملة فيرون القيام بكل الأصول الشرعية على الوجه الشرعي من تمام الإيمان والدين.

شرح الشيخ:

قال المؤلف رحمه الله: (ويترتب على الإيمان محبة)؛ يعني مسمى الإيمان، تصديق القلب المتضمن لأعمال الجوارح، (يترتب على الإيمان محبة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ بحسب مراتبهم، وأنَّ لهم من الفضل والسوابق والمناقب ما فضلوا به سائر الأمة، ويدينون بمحبتهم ونكر فضائلهم، ويمسكون عما شجر بينهم، وأنهم أولى الأمة بكل خَصلةٍ حميدة، وأسبقهم إلى كل خير، وأبعدهم من كل شر) هذا هو معتقد أهل السنة في الصحابة، أهل السنة يحبون أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، وهذا مبني على الإيمان بحسب مراتبهم، وأن لهم من الفضل والسوابق والمناقب ما فضلوا فيه سائر الأمة، وهم أهل السنة يدينون بمحبة الصحابة بحسب مراتبهم، وأفضلهم العشرة المبشرون بالجنة، وأفضلهم الخلفاء الأربع: أبو بكر الصديق، ثم عمر الفاروق، ثم عثمان ذي النورين، ثم علي بن أبي طالب؛ هؤلاء الخلفاء الراشدون وترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، هذا هو ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة، أفضلهم الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، وخالف الإمام أبو حنيفة في رواية له، في تقديم عثمان على علي في الفضيلة، ورأى تقديم عليٍّ على عثمان في الفضيلة لا في الخلافة، في الخلافة لا يُخالف أن عثمان مُقدم لكن في روايةٍ له قال: إن عليًّا أفضل، أما الخلافة فلا يقول أحدٌ إن علي مقدم على عثمان في الخلافة؛ ولهذا يقول العلماء: من قدم عليًّا على عثمان في الخلافة؛ فهو أضل من حمار أهله، ومن قدم عليًّا على عثمان في الخلافة فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، يعني احتقر رأيهم؛ لأن المهاجرين والأنصار كلهم أجمعوا على تقديم عثمان.

ثم إن هذه الرواية عن الإمام أبي حنيفة، روي عن الإمام أبي حنيفة أنه رجع، وأنه وافق الجمهور على أن عثمان مقدم على علي في الفضيلة، فيكون إجماع على تقديم الخلفاء الراشدين في الفضيلة، وأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، سعيد بن زيد بن عمرو، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيدة عامر بن الجراح، وطلحة بن عبيد الله، بقية العشرة.

ثم يليهم في الفضيلة أهل بدر أو أهل بيعة الرضوان، أهل بدر قال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ لعمر، لما قال في حاطب قال: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ثم يليهم أهل بيعة الرضوان، الذين بايعوا النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ تحت الشجرة، قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}[الفتح:18]، وثبت في صحيح مسلم، من حديث حفصة رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «لا يلج النار أحدًا بايع تحت الشجرة» لا يدخل النار، وكذلك المشهود لهم بالجنة؛ كالحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، ثابت بن قيس مشهود لهبالجنة، قال: إنه من أهل الجنة، كان خطيب النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ يرفع صوته في الخطبة أمامه، إذا جاء الوفود يخطب ويرفع صوته، فلما نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ}[الحجرات:2]؛ فخاف ثابت بن قيس وجلس في بيته يبكي وتخلف، ففقده النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ فسأل عنه، فأرسل إليه، فقال: إنه جالس في بيته وإنه قد حبط عمله؛ لأنه يرفع صوته أمام الرسول، فأرسل إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ لما جاءه الرسول يسعى، قال: إنه من أهل النار وإنه حبط عمله، فأخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ فأرسل إليه فقال: إنه من أهل الجنة وليس من أهل النار، هذه شهادة، مشهود له بأنه من أهل الجنة، وكذلك الكاشف بن محصن شهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ أنه من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، وكذلك عبد الله بن عمر، وكذلك عبد الله بن السلامة الإسرائيلي مشهود له بالجنة وغيرهم.

فنشهد بالجنة لمن شهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ أما من لم يشهد له النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، نشهد له بالعموم، كل مؤمن في الجنة وكل كافر في النار، بالعموم أما التعيين فهذا على حسب النصوص.

فيقول المؤلف رحمه الله: (ويترتب على الإيمان: محبة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ بحسب مراتبهم) نحبهم بحسب مراتبهم، فنقدم الخلفاء الراشدين، ثم بقية العشرة، ثم أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، وبعضهم قال: أهل بيعة الرضوان ثم أهل بدر.

(ونعتقد أن لهم من الفضل والسوابق والمناقب ما فضلوا به هذه الأمة) الصحابة لهم من الفضل والسوابق والمناقب في صحبتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ وجهادهم معه وتبليغهم دين الله في مشارق الأرض ومغاربها هذه فضائل عظيمة فضلوا بها سائر الأمة ولا يلحقهم من بعدهم إلى يوم القيامة، لا كان ولا يكون مثلهم، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، اختيار من الله، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولهذا قال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» ثم يأتي قومٌ يشهدون ولا يُستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم (01:02:15) قرن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ الصحابة أفضل الناس بعد الأنبياء، لهم من الفضل والسوابق والمناقب،  ما فضلوا به سائر الأمة، ما هي فضائلهم؟

أولًا: الصحبة، الصحبة هذه مزية لا يلحقون بها من بعدهم.

ثانيًا: الجهاد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، من يحصل على هذا؟

ثالثًا: حضورهم وشهودهم النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، يحضرون التنزيل ونزول القرآن، وهم بين يدي النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ صباحًا ومساءً يشاهدونه ويعلمون حاله ويسألون عما أشكل عليهم، من له هذه المزية؟

رابعًا: تبليغ دين الله، ونشر دين الإسلام، وبهذا فضلوا سائر الأمة لا يلحقهم من بعدهم.

مزية الصحبة، الصحبة لا يلحقهم من بعدهم، قد يأتي من بعدهم بفضائل مثل ما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: «المتمسك بسنتي عند فساد أمتي له أجر خمسين» قالوا: يا رسول الله منا أو منهم؟ قال: «منكم» من الصحابة، «تجدون على الخير عونًا ولا يجدون على الخير عونًا» فهذا المتمسك له أجر خمسين من الصحابة في أي شيء؟ في لزوم السنة، لا في كل شيء، لكن الصحبة، ما يدرك فضل الصحابة، ولا يدرك جهاد الصحابة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، ولا تبليغهم دين الله، لا بد من فهم هذا.

عمر بن عبد العزيز ورع معروف، خليفة راشد ورع، أُلحق بالخلفاء الراشدين، لكن هل له مزية الصحبة؟ أراد بعض الناس أن يقارن بين معاوية بن أبي سفيان، وبين عمر بن عبد العزيز، فقال: الغبار الذي دخل في أنف معاوية في جهاده مع النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ يعدل بورع عمر بن عبد العزيز وعدله، الغبار الذي دخل في أنف معاوية في جهاده مع النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ يعدل بورع وعدل عمر بن عبد العزيز، للصحبة مزية عظيمة، هذه مزايا هذا اختيار واصطفاء من الله، لا يلحقهم من بعدهم، من يحصل على الصحبة؟ من يحصل على الجهاد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ؟ من يحصل على حضور مجالس النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ؟ والجلوس بين يديه، وسماع كلامه، وحضور التنزيل نزول القرآن، والسؤال عما يجهل، تبليغهم دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، حملهم لهذا الدين ولهذه الشريعة، من الذي نقل إلينا الكتاب والسنة؟ الصحابة، هم الواسطة هم الذين نقلوا إلينا حتى بلغنا دين الله، فلهذا لهم من الفضائل والسوابق؛ فالواجب على كل مسلم محبتهم والترضي عنهم.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (يترتب على الإيمان: محبة أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ بحسب مراتبهم، وأن لهم من الفضل والسوابق والمناقب ما فضلوا فيه سائر الأمة، ويدينون بمحبتهم) دين نحب الصحابة دينًا دين ولهذا قال الصحابي رحمه الله في عقيدته: ومحبتهم دينٌ وإيمان وإحسان، محبة الصحابة، دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، يدينون بمحبتهم، يعني نعتقد نحبهم دين، ندين الله بهم، ونشر فضائلهم.

قال: (ويمسكون عما شجر بينهم)؛ هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، يمسكون عما شجر بينهم، يعني يسكتون عن الخلاف الذي حصل بين الصحابة، ما هو الخلاف الحاصل بين الصحابة؟ الخلاف الحاصل بين الصحابة حصل قتال بين علي ومعاوية هذا يجب الإمساك عنه، والقتال الذي حصل بين الصحابة الآن، ليس عن هوى، ولا عن بغي ولا عدوان، وإنما عن تأويل فلا يشمله الوعيد، الوعيد الذي جاء في الحديث: «لا ترجعوا بعدي كفار يضرب بعضكم رقاب بعض، والقاتل والمقتول في النار» هذا إذا كان القتل عن هوى، ولأجل الدنيا، أما إذا كان عن تأويل فلا هذا عن تأويل، فعلي رَضِي اللهُ عَنْهُ هو الخليفة الراشد الذي بايعه أكثر أهل الحل والعقد، فتمت له البيعة، وامتنع معاوية، فرأى إخضاعه، وأن خروجه عن عدم البيعة هذا مُخل بالدين، وأنه يجب شرعًا أن يُقاتل حتى يبايع حتى لا تضعف الأمة، ورأى معاوية وأهل الشام أنهم مظلومون، وأنهم أولى الناس بعثمان الخليفة الذي قُتل ظلمًا، وأنهم ورثته، وأنهم إذا تُركوا القتلة حصل الفساد في الأرض وقُتل غيرهم، ولا يمانعون من بيعة علي، معاوية ماله يمانع ولا يطلب خلافة، لكنه يطالب بقتلة عثمان وهو وليهم من بني أمية، وعلي لا يمانع يريد قتلهم ويقتص منهم، لكن يقول: ما أستطيع الآن، ما نستطيع الآن وقت فتنة، الذين قتلوا عثمان اندسوا ودخلوا في القبائل ولا يُعرفون بأنفسهم، ولم يكن على أحد شيء، والوقت وقت فتنة، ولو أُخذ واحد منهم لانتصرت له قبيلته، وحصل شر وفساد، فنحن نصبر حتى تهدأ الأوضاع والأحوال ثم نأخذهم واحدًا واحدًا، فامتنع معاوية وقال: لا؛ لا بد  نأخذهم من الآن فحصل الخلاف.

فعلي رَضِي اللهُ عَنْهُ مجتهد لكنه أصاب، المجتهد المصيب فله أجران: أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، ومعاوية وأهل الشام مجتهدون مخطئون فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الإصابة، فهم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر، وأكثر الصحابة انضموا إلى علي، ورأوا أن الحق معه، وأنه الخليفة الراشد الذي يجب أن ينضموا معه، وأن من خرج عن البيعة يُقاتل، واستدلوا بقول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}[الحجرات:9]؛ فانضم جمهور الصحابة إلى علي، وقالوا: إن فئتان مقتتلتان الآن، وأن فئة معاوية هي الفئة الباغية، والله أمرنا بقتالهم قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}[الحجرات:9]؛ فمعاوية وأهل الشام بغاة، والدليل على أنهم بغاة، قول النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ لعمار: تقتلون الفئة الباغية، فقتلهم جيش معاوية، ومعاوية والشام لا يعلمون أنهم بغاة، هم مجتهدون يطالبون بحق، يعتقدون أنهم يطالبون بالحق؛ فكلٌّ له اجتهاده، ولكن علي وأهل العراق مصيبون، ومعاوية وأهل الشام مخطئون، هؤلاء لهم أجران وهؤلاء لهم أجر واحد، أرأيتم؟

وعلى هذا فما يُنقل من الأخبار عن الصحابة والآثار كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في العقيدة الواسطية: له أحوال، الأخبار التي تقع للصحابة، وأنه حصل كذا وأنه حصل كذا على أقسام:

القسم الأول: كذبٌ لا أساس له من الصحة، كذب الناس على الصحابة وافتروا عليهم، القسم الأول كذب لا أصل له من الصحة.

القسم الثاني: له أصل، لكن زيد فيه ونُقص وغُير عن وجهه، له أصل لكن زاد الكذبة.

والقسم الثالث: صحيح، وهذا الصحيح هم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر واحد، ونقول في الجميع الحسنى.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[الحشر:10]؛ وهذا القتال الحاصل بين الصحابة، كما قال بعض الصحابة: إن هذه الدماء نزه الله أيدينا عنها، فنرجو أن ينزه الله ألسنتنا عنها، فلهذا لا يجوز للإنسان أن يتكلم في الصحابة؛ بل يجب أن يمسك عن الخلاف، أمسك اسكت، احفظ لسانك، اسكت عما شجر بين الصحابة، لا تتكلم هؤلاء خير الناس، فالكذب كثير كُذب عليهم، ادعُ لهم ترحم عليهم، هم الذين حملوا الشريعة، خلافهم عن اجتهاد أحسنوا الظن فيهم.

ولهذا فإن الكتب والمؤلفات والأشرطة التي فيها عرض (01:11:50) الصحابة، فلا ينبغي هجرها وتركها، مثل أشرطة طارق السويدان، الذي كتب في الصحابة، ينبغي هجره، ولا يجوز قراءته، هذه تورث الشكوك، وتورث الحقد والضغائن على الصحابة، اتركوا هذه الأشرطة، أشرطة طارق السويدان في الصحابة، هذه لا تُقرأ، لأنها تهيج الناس على الصحابة، وتثير الأحقاد، وهي خطأ مخالفة لما عليه أهل السنة والجماعة، عقيدة أهل السنة الإمساك عما اختلفوا فيه، هذا ما أمسك، يتكلم عن الصحابة فلان قال كذا وفلان قال كذا، خالف معتقد أهل السنة والجماعة، معتقد أهل السنة الإمساك عما شجر بينهم، إذًا أهل السنة كما قال المؤلف يدينون بمحبتهم ونشر فضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم، وأنهم أولى الأمة بكل خصلةٍ حميدة وأسبقهم إلى كل خير وأبعدهم عن كل شر، لا بد من هذا، لكن هذه الأشرطة توغر الصدور، فلان فعل كذا ومعاوية فعل كذا، حتى يأتي بعضهم يسب معاوية، خادم المؤمنين وهو من خُدام الوحي، فحبيب كريم كيف تسبه؟ لأن هذا يتكلم فيه إذا فعل كذا، معاوية مكر وعمرو بن العاص مكر، وسماه ماكر، وسوى كذا وسوى حيلة، اتركوا هذه الأشرطة السيئة اهجروها واعملوا بوصية السلف، وهي: الإمساك عما شجر بين الصحابة.

ولهذا فإن مذهب الرافضة مذهب كفري باطل، الرافضة الآن يعتقدون كفر الصحابة، ويقولون: إن الصحابة كفروا وارتدوا، بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، وقالوا: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ نص على أن الخلافة بعده ليست لأبي بكر، بل لعلي، ونص على أئمة، بيعة الإمام أنهم أئمة منصوصون معصومون، أئمة لهم نص، النص والعصمة، النص على أئمة منصوصين معصومين لئلا يخلو له العالم من رحمته، فنص على أن الإمام بعده والخليفة علي بن أبي طالب ثم الحسن بن علي، ثم الحسين بن علي الخليفة الثالث، ثم البقية من نسل الحسين، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم محمد بن علي الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم علي بن موسى الرضا، ثم محمد بن علي الجواد، ثم علي بن محمد الهادي، ثم الحسن بن علي، ثم محمد بن الحسن، ثم الحجة الخلف المهدي المنتظر محمد بن الحسن الذي دخل سرداب سامراء في العراق سنة 260 ولم يخرج إلى الآن، مضى عليه ألف ومائتين سنة، شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: مضى عليه أربعمائة سنة في زمانه، مضى عليه ثمانمائة سنة، ونحن نقول: مضى عليه ألف ومائتين سنة ولم يخرج، وهم في كل سنة يأتون بدابة بغلة أو غيرها عند باب السرداب، ويقولون: يا مولانا اخرج، يا مولانا اخرج، يا مولانا اخرج، يا مولانا اخرج، ويشهرون السلاح، وهناك أُناس في أمكنة بعيدة يقفون في طرفي النهار، أول النهار وآخره ولا يصلون، فإذا قلت لهم: لماذا تصلون؟ قالوا: نخشى يخرج المهدي ونحن مشتغلون عنه بالصلاة، فهي بدعة تتركون الصلاة الواجبة؟ إذا خرج لو كان رجلًا صالحًا يهيأ الله له؟ والعجيب أن الحسن بن علي العسكري أبوه مات عقيمًا ولم يولد له، شخص خرافة محمد بن الحسن، ما في محمد بن الحسن، أبوه الحسن بن علي العسكري مات عقيم ولم يولد له، فجعلوا له ولد، وأدخلوه السرداب، قالوا: ابن خمس سنين، أو ابن ثلاث سنين، وهذا طفل يحتاج إلى حضانة يحتاج إلى تنظيف، وكيف يجلس هذه المدة؟ ألف ومائتين سنة في السرداب؟ أين العقول؟ هذا إمامهم، يقولون: ما في جهاد في سبيل الله، حتى يخرج الإمام المهدي المنتظر، وسيخرج في آخر الزمان، ويقتل الناس ويفعل كذا، وسيدخل قبر أبو بكر وعمر ويحرقه... الخ.

ويقولون: إن الصحابة ارتدوا بعد وفاة النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ وأخفوا النصوص التي فيها أن الخليفة علي، وولوا أبو بكر زورًا وبهتانًا، ثم ولوا عمر زورًا وبهتانًا، ثم ولوا عثمان زورًا وبهتانًا، ثم وصلت الخلافة إلى الخليفة الأول وهو علي بن أبي طالب، وعلى هذا فالصحابة كفار، وهذا تكذيب لله، الله تعالى زكاهم وعدلهم وقال: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد:10]؛ وقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[المائدة:9]؛ وقال: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}[الحديد:10]؛ والحسنة الجنة، فالله وعدهم بالجنة، وهؤلاء يقولوا: كفار، هذا تكذيب لله، ومن كذب الله كفر، الله تعالى زكاهم وأعد لهم وعدهم بالحسنى، فمن قال: أنهم كفار، فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر.

ثم هم أيضًا كذبوا الله في أن القرآن محفوظ، قالوا: القرآن ما هو محفوظ، القرآن طار ثلثيه ما بقي إلا الثلث، فهناك مصحف فاطمة يعادل المصحف الذي بين يديكم ثلاث مرات، وهذا تكذيبٌ لله في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]؛ قالوا: لا؛ ما هو محفوظ، القرآن ضائع نعوذ بالله، هذا تكذيبٌ لله، وهم يعبدون آل البيت، ويتأثرون بهم ويشركون بالله، فيكون وقعوا في ثلاث أنواع من الكفر أعوذ بالله.

فالواجب على المسلم أن يتقي الله، وليس كل الشيعة هكذا، الشيعة أربع فرق كما ذكر أهل الفرق منهم الكافر ومنهم المبتدع على حسب العقيدة، أعظمهم أشدهم غلوًا النصيرية الذين يقولون: إن الله حل في علي، هذا أعظم الناس كفرًا، أكثر من اليهود والنصارى، ثم يليهم المخطئة، الذين قالوا: جبريل أخطأ، أوصل الله الرسالة إلى علي، الله تعالى أرسل جبريل إلى علي، لكن جبريل خان وأوصلها إلى من؟ وأوصلها إلى محمد، خان الأمين وصدها عن حيدرة، هذه كلمتهم المشهورة، خان الأمين (جبريل) وصدها (الرسالة) عن حيدرة (عن علي)؛ هذا كفر وضلال، ثم يليهم الرافضة وقعوا في ثلاث أنواع  من الكفر، ثم بعد ذلك الزيدية، ثم بعد ذلك فرق الزيدية، ست فرق هؤلاء المبتدعة وليسوا كفار.

يقول المؤلف رحمه الله: (ويعتقدون)؛ يعني أهل السنة والجماعة، (أن الأمة لا تستغني عن إمام يقيم لها دينها ودنياها، ويدفع عنها عادية المعتدين، ولا تتم إمامته إلا بطاعته بغير معصية الله تعالى)؛ هذه من عقيدة أهل السنة والجماعة، أنه لا بد من إمام، لا بد لهم من إمام، وهذا الإمام يقيم لهم أحوال دينهم ودنياهم، يقيم لها دينها ودنياها، الإمام ظل الله في الأرض، يدفع الله به عادية المعتدين، ويقول: لا يصح الناس (01:19:18)والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء:59]؛ وقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «من رأى من أميره شيء يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات، فميتة الجاهلية»، يعتقد أهل السنة أن الأمة لا تستغني عن إمام، لا بد لهم من إمام يقيم دينهم ودنياهم، ويدفع عنهم عادة المعتدين، ولا تتم إمامته إلا بطاعته، لكن في غير معصية الله؛ لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» أما المعصية فلا يُطاع فيها أحد.

لكن هل يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي؟ لا؛ لا يجوز الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، من خرج على ولاة الأمور بالمعاصي فهم مبتدعة، طريقة الخوارج، الخوارج يرون الخروج على ولاة الأمور؛ لأنهم يكفرونهم يرون أنه إذا فعل معصية يكون كافر، وكذلك المعتزلة يرون الخروج على ولاة الأمور؛ لأن من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودخلوا تحته الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي، وكذلك الرافضة يرون الخروج على ولاة الأمور، لأن الإمامة لا تكون إلا للإمام المعصوم، ما يكون الإمام إلا إمام معصوم، وهو أحد الأئمة الاثنا عشر، وما عداه يكون مغتصب، فيجب قتله وخلعه وإخراجه من الخلافة، وكذلك الخوارج يجب قتله لأنه كافر، المعتزلة كذلك يجب قتله لأن هذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أما أهل السنة فيعتقدون أنّ ولي الأمر يُطاع في طاعة الله، ولكن لا يُطاع في معصية الله، وإذا فعل المعصية فلا يُطاع ولكن لا يجوز الخروج عليه، والنصيحة مبذولة من قبل أهل الحل والعقد، فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا أدينا ما علينا، ولهذا جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة: الصبر على ولاة الأمور، وعدم الخروج عليهم، ودلت النصوص على أن الخروج على ولاة الأمور  من كبائر الذنوب.

قال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتته جاهلية» رواه الإمام مسلم في صحيحه، من فارق جماعة المسلمين فمات فميتته جاهلية؛ يعني لا تفارق الجماعة ماذا تعمل؟ اصبر، النصيحة مبذولة، بلغ أهل العلم، بلغ أهل الحل والعقد، وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ قال: «أدوا الحق الذي عليكم واسألوا الله الذي لكم» وقال: «إنكم سترون بعدي أثرًا، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» وذلك؛ لأن الخروج على ولاة الأمور يترتب عليه مفاسد عظيمة، والقاعدة الشريعة: أنه إذا وُجد مفسدتان لا يمكن تركهما نترك الكبرى ونرتكب الصغرى، وإذا وُجد مصلحتان لا نستطيع فعلهما نفعل المصلحة العليا ولو فاتت الصغرى.

فالآن عندنا مفسدة، إذا فعل ولي الأمر معصية، عندنا مفسدة:

المفسدة الأولى: الخروج عليه.

المفسدة الثانية: مفسدة المعصية، كون ولي الأمر مثلًا في أي مكان في أي جهة في أي زمان يشرب الخمر، أو لا يوزع المال أو يقتل بعض الناس، أو يفتن بعض الناس بغير حق، هذه مفسدة.

المفسدة الثانية: الخروج عليه، الخروج عليه ماذا يترتب عليه؟ الفوضى، والاضطراب، وانقسام المسلمين، وتحزبهم، وإراقة الدماء، وتدخل الدول الأجنبية، وتأتي فتن تقضي على الأخضر واليابس، لا نهاية له، أيهما أعظم؟ أي المفسدتين؟ إذا وجد مفسدتان نرتكب الصغرى، ونترك الكبرى، أيهما الكبرى؟ فهل الكبرى نصبر على كون بعض المنكرات ما أُزيلت؟ أو نفعل منكرات أخرى؟ إراقة الدماء أعظم، أيهما أعظم منكر ما أُزيل ولا تقتل الدماء وتريق الدماء، ويختل الأمن، ويختل أحوال الناس المعيشية: الزراعة، والصناعة، والتجارة، والتعليم كلها تختل، وتُنهب الأموال وتُراق الدماء، وتكون فوضى، ويتدخل الأعداء، وتحصل شرور وفتن لا أول لها ولا آخر، أيها أعظم؟ هذه الفتن ولا مفسدة كون بعض المنكرات ما أزيلت، أو بعض الأشياء، بعض المال ما أُعطي، أو قتل بعض الناس، أو سجن بعض الناس، لا شك أن هذه مفسدة صغرى؛ ولهذا النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ حكيم أمر بالصبر، قال: «من رأى من أميره شيئًا يركه فليصبر» يتحمل، «فإن من فارق الجماعة شبرًا فمات فميتة الجاهلية» لماذا؟ لأنها يترتب عليها مفاسد العظيمة، هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، لا يُخرج على ولاة الأمور بالمعاصي ولا بالكبائر.

وقال في الحديث الآخر: فلما أمر بالخروج على ولي الأمر قال: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا، عندكم من الله فيه برهان»، إلا تروا كفر؛ يعني لا يجب الخروج على ولي الأمر، إلا أن تروا كفرًا بواحًا؛ يعني واضحًا لا لبس فيه، عندكم من الله فيه برهان، ففي هذه الحالة يجب الخروج، متى يجب الخروج على ولاة الأمور؟ خمسة شروط، إذا وُجدت الخمسة شروط جاز:

الأول: أن يفعل ولي الأمر كفر، كفر لا معصية.

الشرط الثاني: أن يكون بواحًا، بواحًا؛ يعني: واضحًا لا لبس فيه ما فيه إشكال.

الشرط الثالث: أن يكون عندكم من الله فيه برهان (دليل واضح من الكتاب والسنة).

الشرط الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله، لكن إذا لم يوجد بديل، يُزال كافر ويأتي بدلهكافر مثل الحكومات العسكرية، انقلاب عسكري تذهب حكومة كافرة وتأتي حكومة كافرة، ما حصل المقصود، لا بد من وجود بديل مسلم.

الخامس: القدرة والاستطاعة، يكون عندك قدرة واستطاعة، فإذا لم يوجد قدرة والاستطاعة فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فإذا وُجدت خمسة الشروط جاز.

الشرط الأول: أن يفعل ولي الأمر كفر، لا معصية ولا فسق.

الشرط الثاني: أن يكون الكفر واضح لا لبس فيه ولا إشكال فيه.

الشرط الثالث: أن يكون دليله واضح من الكتاب والسنة، هذا كلام الرسول «كفرًا بواحًا واضحًا عندكم من الله برهانًا».

الشرط الرابع: وجود البديل المسلم الذي يحل محله.

الشرط الخامس: وجود القدرة والاستطاعة.

وإذا لم تجد القدرة والاستطاعة اصبر، اصبر وتعاون وافعل الخير وتعاون مع أهل الخير وتعاون معهم حتى الدول الكافرة الآن، تعاون معهم على تخفيف الشر بقدر الاستطاعة ولو كانت الدول الكافرة في الدول الغربية وفي غيرها، تخرج عليهم! ما تستطيع، لكن تعاون هذا حق في الإسلام مشروع، لكن في الآن بعض الشباب عندهم حماس وعندهم اندفاع، لكن على غير بصيرة، ولا يرجعون إلى أهل العلم، هؤلاء الشباب الذين يفجرون أين عقولهم أين دينهم أين علماؤهم؟ أين مرجعهم؟ ما الدليل؟ تفجر المسلمين؟ تقتل إخوانك المسلمين؟! هذا جهاد؟ أين الجهاد؟ الجهاد: إخراج الكفار الجهاد في صف القتال، يفجر بين المسلمين ويقول: هذا جهاد، أرأيت ضعف العقل وضعف الإيمان؟ ضعف العقل وضعف الإيمان، تفجيرات بين المسلمين وبين إخوانك المسلمين، وفي بلاد الحرمين وفي مكة وفي كل مكان، أين عقلك الآن؟ (01:27:02) كيف تفجر بين إخوانك المسلمين وتقول: هذا قتال؟ بعض يقول: هذا تطرف الذي يقاتل الكفار، الكفار اللي جاءوا هؤلاء حتى ولو كانت دولتهم محاربة هؤلاء دخلوا بأمان آمنون عندهم أمان ولو كانت دولتهم كافرة، يقتلهم ويقول: هذا تطرف، الذي يقتل الذي حوله تطرف، وين التطرف؟ التطرف قتال، إذا جاء الكفار وجاء المسلمين أمامهم قاتلوهم، يفجر ويقول: ما يخالف، الذي يقتل حوله من المسلمين ما يضر، هذا تطرف، نعوذ بالله من عمل القلوب، نعوذ بالله من زيغ القلوب، لأن ما لهم مرجع ولا رجعوا لأهل العلم، ولا أهل البصيرة، ولذلك الإنسان ما يكون عالم أبدًا ولا يكون طالب علم، إلا إذا كان له مرجع، يرجع إلى أهل العلم وأهل البصيرة، ما وُجد عالم خرج من كتاب أبدًا، يقرأ كتاب ويصير عالم أبدًا، كل العلماء لهم مشايخ لهم شيوخ، الطبراني له ما يقرب من ألف شيخ، كل شيخ روى عنه حديث، أين مشايخ هؤلاء؟ هل طلبوا العلم؟ أغراب سفهاء مرجعهم إلى بعض المتعصبين بعض الفرق المنحرفة، بعض المندفعين، والذين ليس عندهم علم ولا بصيرة.

يقول المؤلف: (ويعتقدون أن الأمة لا تستغني عن إمام يقيم لها دينها ودنياها، ويدفع عنها عادية المعتدين، ولا تتم إمامته إلا بطاعته في غير معصية الله)؛ يُطاع في غير معصية الله، أما المعصية لا يُطاع فيها أحد، لا الأمير ولا الوزير ولا الأب، الأب إذا أمر بمعصية فلا يُطاع، ولا الزوجة تطيع زوجها، ولا العبد يطيع سيده، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إذا أمر الزوج زوجته بالمعصية ما تطيعه، لكن ليس معنى ذلك أن تتمرد عليه، لا؛ تطيعه في غير المعصية، والأب إذا أمر ابنه بالمعصية، قال: اشتري دخان ولا خمر ما يطيعه، لكن ليس معنى ذلك أن يتمرد عليه، وكذلك ولي الأمر إذا أمر بمعصية ما نطيع في المعصية، لكن ليس معنى ذلك نخرج عليه ونتمرد عليه، السيد إذا أمر عبده بالمعصية لا يطيعه، لكن ليس معنى ذلك أن العبد يتمرد على سيده ولا يطيعه في كل شيء، لا؛ هذه القضية المعصية لا يطيعه فيها.

(ويعتقدون أن الأمة لا تستغني عن إمام يقيم لها دينها ودنياها، ويدفع عنها عادية المعتدين، ولا تتم إمامته إلا بطاعته في غير معصية الله.

قال المؤلف رحمه الله: ويرون أنه لا يتم الإيمان إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد وإلا باللسان، وإلا فبالقلب على حسب مراتبه الشرعية، وطرقه المرعية)؛ يعني يشير هذا إلى حديث أبي سعيد الذي رواه الإمام مسلم، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» إذًا كم المراتب؟

ثلاث:

أول شيء باليد إذا كنت تستطيع، كأن تكون أمير أو رجال الهيئة فيما أُعطوا من الصلاحيات، أو إنسان في بيته ويستطيع، أو السيد الخادم تغيره باليد، فإن عجز غير باللسان، باللين والرفق والحكمة، فإن عجز لكن (01:30:15)لكن لو قدر أنه كان عاجز، يمكن بالقلب، والإنكار بالقلب يتضمن، تظهر علامات الإنكار على الوجه وتقوم عن المكان الذي يُفعل فيه المعصية، فإن كان جالس يضحك معهم ويأكل ويشرب هذا كذاب ما أنكر، لو كان منكر صحيح، لظهرت علامة الإنكار وقام عن المنكر يقوم، فإن جلس وهو قادر فهو شريك في الإثم ولا يعتبر منكر، لا بد أن تظهر علامات الإنكار على قلبه وكذلكالإنكار باللسان، أنكر عليهم باللسان فإن قبلوا فالحمد لله، وإن رفضوا قم، فإن جلست فأنت شريك لهم في الإثم، إذا كانوا يغتابون وأنت ساكت فأنت لك إثم الغيبة، إذا كانوا يشربون الخمر وأنت ساكت، أو يشربون الدخان فأنت مثلهم كما لو شربت الخمر، إذا كانوا يسبون الله ويسبون الرسول، فهم كفار وأنت كافر مثلهم إلا إذا قمت، قال الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ..}[النساء:140]؛ فمن جلس معهم مثلهم إلا إذا قام، ما تسلم إلا إذا قمت، أنكر عليهم، فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا قم وإن لم تقم فأنت مثلهم، إن كانوا يفعلون الكفر فأنت كافر مثلهم، إن كانوا يفعلون المعصية فأنت عاصٍ مثلهم ولا تسلم إلا بالقيام، وكذلك إذا كنت لا تستطيع باللسان، عليك أن تنكر بالقلب، وتقوم عن المكان.

قال المؤلف رحمه الله: (وبالجملة فيرون) يعني أهل السنة والجماعة، (القيام بكل الأصول الشرعية على الوجه الشرعي من تمام الإيمان والدين) هذا عام، يعني أهل السنة يرون القيام بكل الأصول، كل الأصول الشرعية، أصول الإيمان، وأصول العقائد، وأصول التوحيد، على الوجه الشرعي يرون أن هذا من تمام الدين والإيمان.

القارئ:

قال رحمه الله: ومن تمام هذا الاصل طريقهم في العلم والعمل، وقال:

الأصل الخامس: طريقهم في العلم والعمل، وذلك أن أهل السنة والجماعة يعتقدون ويلتزمون ألا طريق إلى الله وإلى كرامته إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، فالعلم النافع هو ما جاء به الرسول من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فيجتهدون في معرفة معانيها، والتفقه فيها أصولًا وفروعًا، ويسلكون جميع طرق الدلالات فيها، دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام، ويبذلون قواهم في إدراك ذلك بحسب ما أعطاهم الله، ويعتقدون أن هذه هي العلوم النافعة، هي وما تفرع عليها من أقيسة صحيحة ومناسبات حكمية، وكل علم أعان على ذلك أو وازره أو ترتب عليه فإنه علمٌ شرعي، كما أن ما ضاده وناقضه فهو علمٌ باطل؛فهذا طريقهم في العلم.

وأما طريقهم في العمل: فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالتصديق والاعتراف التام بعقائد الإيمان التي هي أصل العبادات وأساسها، ثم يتقربون له بأداء فرائض الله المتعلقة بحقه وحقوق عباده، مع الإكثار من النوافل، وبترك المحرمات والمنهيات تعبدًا لله تعالى، ويعلمون أن الله تعالى لا يقبل إلا كل عمل خالص لوجهه الكريم، مسلوكًا فيه طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، ويستعينون بالله تعالى في سلوك هذه الطرق النافعة، التي هي العلم النافع، والعمل الصالح الموصل إلى كل خير وفلاح، وسعادة عاجلة وآجلة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.

شرح الشيخ:

نعم هذا الأصل الخامس، وهو من تمام الأصول السابقة، طريقة أهل السنة والجماعة في العلم والعمل، بين المؤلف رحمه الله في هذا الأصل، طريقهم في العلم وطريقهم في العمل، وأن طريقهم في العلم، التفقه في العلم النافع، وهو ما جاء به الرسول عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ من كتاب الله وسنة رسوله، وأنهم يجتهدون في معرفة معاني النصوص، والتفقه فيها أصولًا وفروعًا، وطريقهم في العمل أنهم يعملون بها، ويلتزمون بالتصديق والتمثيل، إذًا طريقة أهل السنة والجماعة في العلم والعمل.

في العمل: يجتهدون في أي شيء؟ يعتقدون ويلتزمون أن لا طريق إلى الله وإلى دار كرامته، إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، لأن أهل السنة عندهم عقيدة في العلم والعمل، ما هي عقيدتهم في العلم؟ يعتقدون أن الطريق الموصل إلى الله هو العلم النافع والعمل الصالح، هذا الطريق الموصل إلى الله وإلى دار كرامته، والمخلص من الشرور والفتن في الدنيا والآخرة، ما هو؟ العلم النافع والعمل الصالح، اسلك هذه الطريقة، اسلك في التعلم العلم النافع، واسلك في العمل العمل الصالح، هذه هي طريقة أهل السنة والجماعة، وهذا سبيل النجاة، سبيل النجاة أمران: علمٌ وعمل، العلم يكون نافع والعمل يكون صالح؛ هذه هي طريقة أهل السنة والجماعة في العلم والعمل، وطريقة أهل السنة والجماعة يعتقدون ويلتزمون أنه لا طريق إلى الله ولا طريق إلى دار كرامته، ولا طريق إلى جنته، ولا طريق إلى النجاة من ناره وعذابه إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، هذا هو الطريق الموصل إلى الله، وهذا هو طريق السعادة وطريق النجاة والسلامة في الدنيا والآخرة: العلم والعمل، العلم النافع والعمل الصالح.

نريد شرح العلم النافع والعمل الصالح فقط، العلم النافع ما هو؟ العلم النافع: ما جاء في الكتاب والسنة، ما أُخذ من كتاب الله وسنة رسوله هذا هو العلم النافع، العلم النافع مأخوذ من أي شيء؟ من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فتأخذوا العلم من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فإذا أخذته مثلًا قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[النور:56]؛ هذا علم، أمرنا الله بإقامة الصلاة {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[النور:56]؛ هذا علم، ماذا أعمل؟ أنا أخذت النص من الكتاب أن الله أمرنا بإقامة الصلاة، ماذا أعمل؟ أجتهد في معرفة معنى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}[النور:56]؛ والتفقه فيها، معنى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}: أعطوها حقها، ليس المراد أقيموا الصلاة: صلوا، ما قال: صلوا، قال: أقيموا، فرق بين صلوا وبين أقيموا، صلوا: افعلوا الصلاة، قد يفعل الإنسان الصلاة يصلي، ويركع ويسجد ولكن صلاته غير موافقة للشرع، مثل الأعرابي الذي جاء ونقر صلاته كنقر الغراب، قال له: «ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ» يعني {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} ما معناها؟ يعني: أعطوها حقها، أقيموها قائمةً مستقيمة، افعلوها كما أمر الله وكما أمر رسوله، موافقةً للشرع، إذًا:

أولًا: العلم النافع المأخوذ من الكتاب والسنة.

ثانيًا: نجتهد في معرفة معانيها، والتفقه فيها، تفقه في معنى أقيم، تفقه أقيم يُقال: أقام الشيء أعطاه حقه، فنتفقه في هذا النص، ويجمع النصوص من الكتاب والسنة، وأجد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى أمر بإقامة الصلاة في أوقات، {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103]؛ وأن أوقاتها محددة، وأن الصلاة لها ركعات محددة، الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب ثلاث، والعشاء أربع، والفجر ركعتين، وأن في كل ركعة ركوع وسجود، وكيفية الركوع كذا، ولا بد من الطمأنينة، لا بد من حضور القلب، لا بد من الرفع، لا بد من الخفض، لا بد من التكبير، تفقه، التفكر في معانيها، تجتهد في معرفة معانيها وتفكر فيها أصولًا وفروعًا، هذا معنى قول المؤلف: (العلم النافع، هو: ما جاء به الرسول عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، فيجتهدون في معرفة معانيها والتفقه فيها أصولًا وفروعًا)؛ في الأصل والفرع.

الأصول مثلًا: النصوص التي جاءت في الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، هذه أصول التفقه في الأصول، وكذلك الفروع: صلاة، زكاة، صيام، أتفقه في الأصول وفي الفروع.

ثم قال: (ويسلكون جميع طرق الدلالات فيها) جميع طرق الدلالة التي توصل إلى فهمها أسلكها، والدلالات يقول المؤلف ثلاث دلالات:

(دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام) يسلكون جميع طرق الدلالات فيها، طرق الدلالات كم؟ ثلاثة: (دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام)؛هذه الدلالات الثلاث.

دلالة التضمن باختصار، دلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه، أو على كل معناه، (01:39:54)

  1. دلالة المطابقة: دلالة الشيء على جميع معناه أو على كل معناه.
  2. دلالة التضمن: دلالة الشيء على جزء معناه أو على بعض معناه.
  3. دلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه.

واضح هذا؟ أنواع الدلالات ثلاثة:

دلالة المطابقة: وهي دلالة الشيء على كل معناه أو على جميع معناه.

دلالة التضمن: دلالة الشيء على جزء معناه أو على بعض معناه.

دلالة الالتزام: دلالة الشيء على خارج معناه.

الأمثلة: مثلًا كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) دلت على أي شيء؟ دلت على توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية أليس كذلك؟ (لا إله إلا الله): لا معبود حق إلا الله، فأنت الآن أثبت العبادة لله وهذا توحيد الألوهية، وأثبت ربوبية الله، وأنه الرب، وأنه الإله المعبود، فدلالة كلمة التوحيد على توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، هذه دلالةمطابقة، دل على جميع معناه، دلالة كلمة التوحيد على توحيد الألوهية فقط، دلالة تضمن، دلالة كلمة التوحيد على توحيد الألوهية أو توحيد الربوبية وحده هذه دلالة تضمن، دلالة الشيء على جزء معناه، واضح هذا؟

دلالة مثلًا كلمة التوحيد مثلًا على توحيد الأسماء والصفات مثلًا، نقول: دلالة الشيء على خارج معناه، ويكون بينهما تلازم، مثلًا دلالة الوالد، الولادة على الولد والوالد، كلمة ولادة تستلزم ولد ووالد أليس كذلك؟ دلالة الولادة على الولد والوالد؛ هذه دلالة مطابقة، دلالة الولادة على الولد وحده أو على الوالد وحده؛ دلالة تضمن، دلالة الولادة على ماذا؟ على مثلًا الزوجة مثلًا، أو على الأخوة؛ هذه دلالة التزام؛ لأنها دلالة الشيء على خارج معناه.

فدلالة المطابقة: دلالة الشيء على كل معناه.

دلالة التضمن: دلالة الشيء على جزء معناه.

دلالة الإلزام: دلالة الشيء على خارج معناه.

مثلًا: كلمة التوحيد، إذا قلنا: كلمة التوحيد تدل على توحيد الألوهية، لكن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الربوبية، وتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، فمثلًا دلالة توحيد الألوهية على توحيد الربوبية دلالة تضمن؛ لأنه في ضمنه، دلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية دلالة التزام؛ لأنه يدل على خارج معناه.

فمن وحَّد الله في ضمن ذلك أنه اعترف بربوبيته، لكن من اعترف بربوبية الله ولكنه لم يعبد الله يلزمه أن يعبد الله؛ لأنه إذا اعترف بأن الله هو الرب الخالق المالك المدبر يلزمه أن يعبد الله، لكن ليس كل أحد يلتزم بما لزمه، ولهذا بعض المشركين أثبتوا توحيد الربوبية، ولم يلتزموا بتوحيد الألوهية، فدلالة توحيد الربوبية على توحيد الألوهية دلالة التزام، ودلالة توحيد الألوهية على توحيد الربوبية دلالة تضمن، ودلالة كلمة التوحيد على النوعين دلالة مطابقة.

المقصود: أن المؤلف رحمه الله يقول: (إن أهل السنة والجماعة يلتزمون بأنه لا طريق إلى الله وإلى دار كرامته إلا بالعلم النافع والعمل الصالح، والعمل الصالح وما جاء به الرسول من الكتاب والسنة، ويجتهدون في معرفة معانيها والتفقه فيها، ويسلكون جميع طرق الدلالة حتى يتفقهون)؛ يتفقه في دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام حتى يفهموا النصوص.

قال: (ويبذلون قواهم في إدراك ذلك)؛ يبذل قوته حتى تفهم وتدرك اجتهد واعلم ذهنك، ابذل قواك حتى تفهم، ولذلك قال: (ويبذلون قواهم في إدراك ذلك بحسب ما أعطاهم الله، ويعتقدون أن هذه هي العلوم النافعة) العلوم المأخوذة من الكتاب والسنة هي العلوم النافعة، (هي وما تفرع عليها من أقيسة صحيحة)من القياس الصحيح (ومناسبات حكمية)؛ مثل القياس الصحيح يتفرعمنها القياس الصحيح، مثل: قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ}[الإسراء:23]؛ نهى الله عن ذلك لا تقل أف هذا حرام، طيب والضرب؟ ضرب الوالدين أشد ولا مثله؟ أشد، إذًا من باب أولى، هذا قياس أولى، هذا يتفرع عنه من أقيسة هذا قياس صحيح، إذا حرم الله التأفيف فتحريم الضرب أشد وأشد، فهذا من القياس الصحيح.

ولهذا قال: (هي وما يتفرع عنها من أقيسة صحيحة)؛ هذا قياس أولى، من باب أولى، مثل إذا نهى النبي قال النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «لا يبولن أحدكم في الماء الراقد الذي لا يجري، ثم يغتسل منه»؛ نهى الله عن البول في الماء الراقد، والتغوط؟ أشد ولا أخف؟ من باب أولى أشد، لكن الظاهرية مثل ابن حزم، (01:45:45) يقول: لا؛ ما في معنى التغوط، قال: الرسول يقول: «لا يبولن» ولو بال في إناء وصبه فيه ما في مانع، لأنه ما بال فيه، هذا من الجمود، جمود الظاهرية، جمودهم في الفروع، المقصود: أن القياس الصحيح هذا من باب أولى، إنما الأقيسة الفقهية، أن الرسول نص على أن الربا يجري في البر، فقال: «الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر والشعير بالشعير، والتمر بالتمر والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءً بسواء يدًا بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربا» فيأتي الفقيه ويقيس الأرز، الأرز ما نص عليه الرسول، فيأتي الفقيه ويقول: الأرز كالبر في جرائم الربا في كل منهم بجامع الطعم، أو بجامع الكيل والوزن، أو بجامع الادخار؛ هذا قياس صحيح، فالقياس الصحيح كذلك معتبر.

وكذلك المناسبات الحكمية، المناسبات الحكمية يعني العلل العلة، مثل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم»؛ هذه العلة، فكل شيء فيه قطيعة الرحم هذا يكون ممنوع، ومثل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام»؛ إذًا هي قاعدة، القاعدة أن كل مسكر خمر، وعلى هذا جميع المأكولات والمشروبات والحبوب كلها داخلة؛ لأنها مسكرة والمسكر خمر، هذه مناسبات حكمية، المناسبة: العلة، العلة الرسول نص على العلة، فأنا أدخل في هذه العلة كلها، هذه كلها من (01:47:19) النصوص.

المؤلف رحمه الله قال: (ويبذلون قواهم في إدراك ذلك بحسب ما أعطاهم الله، ويعتقدون أن هذه هي العلوم النافعة، هي وما تفرع عليها من أقيسة صحيحة ومناسبات حكمية، وكل علم أعان على ذلك) مطلوب، كل علم يعين على فهم نصوص الكتاب والسنة مطلوب، (أو وازره)؛ يعني كل علم وازره يعني قواه، كل علم يعين على فهم النصوص، أو يقويه (أو ترتب عليه فإنه علمٌ شرعي، كما أن ما ضاده وناقضه فهو علمٌ باطل)؛ كل علم يناقض الكتاب والسنة، أو يضاده أو ينافيه فهو علمٌ باطل، قال المؤلف: (فهذا طريقهم في العلم وأما طريقهم في العمل) الآن شرح العلم، بقي العمل، طريقتهم في العمل قال: (فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالتصديق والاعتراف التام بعقائد الإيمان التي هي أصل العبادات وأساسها، ثم يتقربون له بأداء فرائض الله المتعلقة بحقه وحقوق عباده).

طريقتهم في العمل يعني باختصار هي: تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام، هذه الجملة تغنيكم عن الكلام الطويل هذا، طريقتهم في العمل هي تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام، العمل: ما الواجب علينا من الكتاب والسنة؟ تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام، كل خبر جاء عن الله، أو عن رسوله صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ نصدقه، الأخبار هي أخبار الأنبياء، أخبار الأمور المستقبلة، أخبار أشراط الساعة، أخبار القيامة، الجنة والنار، البعث والنشور، كل هذا خبر.

وتنفيذ الأحكام؛ تنفذ الأحكام تنفذ الأوامر تفعل الأوامر، أقيموا الصلاة هذا حكم ننفذه، آتوا الزكاة حكم، لا تقربوا الزنا هذا حكم نفذه وهكذا، إذًا ما بقي شيء من الشريعة، الشريعة إما: خبر وإما حكم، فالخبر يصدق والحكم ينفذ، هذا هو تصديق الأخبار وتنفيذ الأحكام.

المؤلف رحمه الله فصل ووضح، نشوف كلام المؤلف كله يعود إلى هذه الجملة، قال:

(وأما طريقهم في العمل: فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالتصديق) هذا التصديق، تصديق أي شيء؟ الأخبار، فإنهم يتقربون، أنا أتقرب إلى الله بأن أصدق كل خبر جاء عن الله وعن رسوله ثابت فأنا أصدقه، وأتقرب إلى الله بالتصديق.

قال: (وأما طريقهم في العمل: فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالتصديق والاعتراف التام بعقائد الإيمان)أصدق جميع العقائد، أخبر الله عن أسمائه وعن صفاته أصدق، وعن الجنة وعن النار، وعن الملائكة، وعن الكتب، وعن الرسل، وعن اليوم الآخر، وعن الجنة والنار، وعن الحساب والجزاء، والبعث والنشور، والقدر؛ كل هذا نصدقه.

(فإنهم يتقربون إلى الله تعالى بالتصديق والاعتراف التام بعقائد الإيمان، التي هي أصل العبادات وأساسها، ثم يتقربون له بأداء فرائض الله) هذا تنفيذ الأحكام، هذه الجملة الثانية تنفيذ الأحكام.

(ثم يتقربون إلى الله بأداء فرائض الله المتعلقة بحقه وحقوق عباده)؛ المتعلقة بحقه مثل ماذا؟ الصلاة، والزكاة والصيام، والحج، وكذلك الدعاء والذبح والنذر، أو حقوق عباده: مثل بر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجيران، وكف الأذى عن الناس وغير ذلك؛ لأن الفرائض إما حق الله وإما حق عبادته، كلها داخلة تحت تنفيذ الأحكام.

(ثم يتقربون إلى الله بأداء فرائض الله المتعلقة بحقه وحقوق عباده مع الإكثار من النوافل) تكثر من النوافل؛ (وبترك المحرمات والمنهيات تعبدًا لله تعالى) إذا فعل المسلم الواجبات وترك المحرمات صار نفسًا في هذه الحالة ما يحبه الله، أحب ما يحبه الله أن تؤدي الفرائض، أحب شيءٍ إلى الله تؤدي فرائضه ثم إذا أديت الفرائض وفعلت النوافل، مثل ماذا؟ مثل السنن الرواتب، ومثل سنة الضحى، مثل صلاة الليل، الفرائض: من صلاة، وزكاة، وصيام وحج، ومثل الصدقات النوافل الصدقات، ومثل الصيام نوافل الصيام، مثلًا صيام التطوع، وحج التطوع، وغير ذلك من النوافل، الإحسان إلى الناس، إذا أديت الفرائض وفعلت النوافل، تكون من أحباب الله؛ وحينئذٍ تسدد في جوارحك وفي أعمالك، ويُستجاب دعاؤك كما ثبت في الحديث القدسي، أن الله سبحانه وتعالى قال: «من عادى لي وليًّا فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه» إذًا ما تقرب إلى الله بشيء بمثل الفرائض، أداء الفرائض: صلاة، صيام، زكاة، حج.. الخ.

«وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه» ثم جاء إلى النوافل فقال: «ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل»؛ يعني بعد الفرائض «حتى أحبه»؛ يعني إذا تقرب إلى الله بالفرائض والنوافل صار من أحباب الله، وحينئذٍ ماذا ترتب؟ قال: «فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها» المعنى: أنه مُسدد في جوارحه، يسدده الله، فلا يستعمل جوارحه إلا في طاعة الله، لا يستعمل يده ولا رجله ولا أذنه إلا في طاعة الله، ثم قال: «ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»؛ يستجيب الله دعائه، ويعيذه مما يكره، رواه البخاري في الصحيح، هذا حديث قدسي بكلام الله.

قال النبي فيما يرويه عن ربه أنه قال: «من عادى لي وليًّا فقد أذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه»؛ هذا معنى قول المؤلف رحمه الله: (ثم يتقربون له بأداء فرائض الله المتعلقة بحقه وحقوق عباده، مع الإكثار من النوافل) عرفتم النوافل؟ السنن الرواتب، صلاة الليل، صلاة الضحى، النوافل زكاة الصدقة، نوافل الصيام يصوم يوم ويفطر يوم، أو يصوم إثنين وخميس، أو ثلاثة أيام من كل شهر، أو يصوم يوم ويفطر يومين كل هذا، نوافل الحج، الحج النفل بعد الفريضة.

(مع الإكثار من النوافل، وبترك المحرمات والمنهيات تعبدًا لله، ويعلمون أن الله تعالى لا يقبل إلا كل عمل خالص لوجهه الكريم، مسلوكًا فيه طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ)؛ يعلمون أن العمل لا يُقبل إلا بشرطين، إلا بركنين أساسيين، ما هما؟

  1. الإخلاص لله.
  2. والثاني: المتابعة لرسول الله.

 تجريد الإخلاص لله، وتجريد المتابعة لرسول الله، أمران لا يصح أي عمل إلا بهما، هم أصل الدين وأساسه، ما هما الأمران؟ الإخلاص لله؛ أن يكون العمل مرادًا به وجه الله والدار الآخرة، وهذا هو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، وإذا تخلف هذا الأصل حل محله الشرك.

والثاني: تجريد المتابعة لرسول الله عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.

وإذا تخلف، وهذا هو تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله، وإذا تخلف حل محله البدع، وهذان الأصلان أدلتهما واضحة {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:110]؛ العمل الصالح ما كان موافقًا للشرع، ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا هذا هو الإخلاص.

وقال: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[لقمان:22]؛ من يسلم وجهه إلى الله هذا الإخلاص، وهو محسن هذا موافقة العمل الصالح، {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ}[البقرة:112]؛ إسلام الوجه هو إخلاص العمل لله، والإحسان هو يكون العمل الموافق للشرع، وقال عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في الحديث الصحيح: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى»؛ هذا دليل الأصل الأول، وقال عن الأصل الثاني حديث عائشة: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري ومسلم، وفي صحيح مسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» إذًا يرون أن العمل لا يصح إلا بهاذين الركنين، يعلمون أن الله تعالى لا يقبل إلا كل عمل خالص لوجهه الكريم، مسلوكًا فيه طريق النبي صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، ويستعينون بالله تعالى في هذه الطرق النافعة التي هي العلم النافع والعمل الصالح، الموصل إلى كل خير وفلاح وسعادة عاجلة أم آجلة، يعني السلف يحققون هذين الأصلين، ويستعينون بالله.

استعن بالله، الله هو الذي يعينك، استعن بالله في سلوك هذه الطرق النافعة، تستعين بالله حتى تطلب العلم النافع، وتستعن بالله حتى تعمل، لولا الله ما استطعت، الله هو الذي يعينك، فنستعين بالله، لولا إعانة الله ما حضرت الدرس، لولا أن الله أعانك ما حضرت الدرس، ولولا أن الله أعانني ما حضرت ألقي عليكم الدرس، إذًا الله هو الذي يعين نستعين بالله، نستعين فنجاهد نفسنا، نستعين بالله في أي شيء؟ في سلوك هذه الطرق النافعة، في سلوك طريق العلم النافع، أستعين بالله حتى أسلك طريق العلم النافع، وأستعين بالله حتى أنفذ العمل الصالح، وهذا العلم النافع والعمل الصالح يوصل إلى كل خير، ويوصل إلى كل فلاح، ويوصل إلى كل سعادة عاجلة وآجلة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبهذا نكون انتهينا من هذه الرسالة، نسأل الله أن يرزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم، والثواب على هدي نبينا صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، وبهذا يكون الدرس انتهى في هذا اليوم.

 

 

 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد