شعار الموقع

شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري(97-454)

00:00
00:00
تحميل
82

قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[الأنعَام: 65]{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ}

}7390{ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُْمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَْمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَْمْرَـ ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ ـ خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ قَالَ أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ـ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ. اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ».

 

قوله: «باب [الأنعَام: 65]{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}.

}7390{ هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله فيه صلاة الاستخارة، والشاهد أن هذا الحديث فيه: إثبات القدرة والعلم لله عز وجل.

قوله: «أَخْبَرَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّلَمِيُّ» بفتح السين نسبة إلى بني سلِمة بكسر اللام، أما السلمي بالضم فهو نسبة إلى بني سليم.

قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُْمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بأصحابه ويعلمهم كيفية الاستخارة ويعلمهم الدعاء كما يعلمهم السورة من القرآن، فينبغي للإنسان أن يعتني بدعاء الاستخارة، وأن يحفظ هذا الدعاء.

وفيه: مشروعية الاستخارة، وأن الاستخارة تكون في الأمر الذي فيه إشكال، أما الأمور الواضحة فليس فيها استخارة، فكونك تصلي في صلاة الجماعة أو لا تصلي الصلوات الخمس فهذه ليس فيها استخارة وكذلك كونك تصوم رمضان أو لا تصوم هذه الأمور ليس فيها استخارة، لكن تستخير مثلاً في دخولك مع فلان في تجارة أو في الزواج من فلانة أو بنت فلان، أو السفر إلى بلد كذا أو الحج في هذا العام؛ فقد يكون الطريق غير آمن ونحو ذلك مما لا يتبين للإنسان فيه وجه المصلحة، أما الأمور الواضحة فلا استخارة فيها.

قوله: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَْمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ:» فيه: أن صلاة الاستخارة عبارة عن ركعتين من غير الفريضة، ثم يدعو بهذا الدعاء بعد السلام؛ لأن ثم للترتيب والتراخي.

قوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ؛ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ» فيه: إثبات القدرة والعلم لله تعالى «وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَْمْرَـ ثُمَّ تُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ ـ» ، أي: هذا الزواج من فلانة، أو هذا الدخول في تجارة مع فلان، أو السفر في هذا الوقت فيسمي جميع الأمر «خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ـ قَالَ أَوْ فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ـ فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ. اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ» .

ثم بعد ذلك يمضي لما شرح له صدره، فإن لم يتبين له يكرر الاستخارة ويستشير أهل الخبرة حتى ينشرح صدره لأحد الأمرين.

ولا بأس برفع اليدين في دعاء الاستخارة، فالأصل أن رفع اليدين في الدعاء من أسباب قبول الدعاء إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم، مثل الدعاء في خطبة الجمعة فإن رفع اليدين فيه لغير الاستسقاء لم يرد، وكذلك الدعاء في التشهد في آخر الصلاة، والدعاء بين السجدتين، وكذلك أيضًا في أدبار الصلوات المكتوبة فقد نص أئمة الدعوة على أنه إذا صلى الفريضة ثم رفع يديه أن هذا من البدع[(664)].

 مُقَلِّبِ الْقُلُوبِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [الأنعَام: 110]{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ}.

}7391{ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ «لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ».

 

هذه الترجمة في إثبات فعل من أفعال الرب الخاصة به سبحانه، وهو تغيير القلوب من حال إلى حال، وصرفها من رأي إلى رأي، فإنه يقذف فيها النور والهدى، وقد يقلب القلوب من الضلال إلى الهدى، أو من الهدى إلى الضلال، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى؛ فهو يهدي من يشاء ويضل من يشاء سبحانه وتعالى، وقد استدل المؤلف بقوله تعالى: ُ 4 3 2 1 8 7 6 5 ج ِ .

}7391{ قوله: «أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَحْلِفُ «لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» فيه: أنه لا بأس بالحلف بفعل من أفعال الله أو صفة من صفاته، فإن مقلب القلوب هو الله سبحانه وتعالى.

فالتغيير والتصرف وإعراض القلب وإرادته من خلق الله تعالى، وفيه: الرد على المعتزلة الذين يقولون: الله لا يغير القلوب ولا يهدي أحدا ولا يضل أحدا، لكن الإنسان هو الذي يختار الهداية بنفسه ويختار الضلال بنفسه؛ لأنهم يرون أن العبد هو الذي يخلق الفعل لنفسه استقلالا وأولوا تقليب القلوب أن معناه: الترك، فالمعنى عندهم: يتركهم وما اختاروا لأنفسهم، وقالوا: معنى يهدي من يشاء: يسميه هاديًا، ويضله: يسميه ضالاً. وهذا من أبطل الباطل.

 بَاب إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ اسْمٍ إِلاَّ وَاحِدًا

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ [الرَّحمن: 27]{ذُو الْجَلاَلِ} الْعَظَمَةِ [الطُّور: 28]{الْبَرُّ الرَّحِيمُ *} اللَّطِيفُ

}7392{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ».

[يس: 12]{أَحْصَيْنَاهُ} حَفِظْنَاهُ.

 

هذه الترجمة فيها إثبات أسماء الله الحسنى، وأن الرب له أسماء حسنى يتوسل إليه بها، قال الله سبحانه: [الأعرَاف: 180]{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.

}7392{ في الحديث: «إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» ، المعنى: أن لله تسعة وتسعين اسمًا موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة، وليس المراد حصر أسماء الله وأنها مائة، فأسماء الله كثيرة لا حصر لها.

ويدل على أن أسماء الله كثيرة الحديث الآخر: «أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك»[(665)] إذن هناك أسماء استأثر بها الله عنده.

وهذه الأسماء التسعة والتسعون غير معينة والله تعالى أخفاها حتى يتتبعها العباد ويجتهدوا في تتبعها وحفظها وتطلبها من الكتاب والسنة، كما أخفى ساعة الاستجابة يوم الجمعة؛ حتى يجتهد العباد. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أربعين قولا في ساعة الجمعة أرجحها قولان:

أحدهما: أن ساعة الجمعة من حين يدخل الإمام لخطبة الجمعة وحتى انقضاء الصلاة.

الثاني: آخر ساعة بعد العصر.

أما تعداد الأسماء الوارد في بعض الأحاديث، فهذا مدرج من بعض الرواة[(666)]؛ فتعدادها ليس مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

والصواب: أنه ليس هناك دليل على تعدادها وتعيينها بعينها إنما أخفاها الله؛ ليجتهد العباد.

قوله: «دَخَلَ الْجَنَّةَ» يعني: إذا لم يصر على كبيرة وكان موحدا لله مؤديا للفرائض، فإنه إذا أحصى هذه المائة دخل الجنة فضلاً من الله تعالى وإحسانًا.

قوله: « [يس: 12]{أَحْصَيْنَاهُ} حَفِظْنَاهُ» الإحصاء يشمل أمورًا، منها: عدها، وحفظها، والعمل بها، والتخلق بها، فكل هذا داخل في معنى الإحصاء.

 السُّؤَالِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالاِسْتِعَاذَةِ بِهَا

}7393{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلْيَقُلْ بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَاغْفِرْ لَهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ».

تَابَعَهُ يَحْيَى وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَزَادَ زُهَيْرٌ وَأَبُو ضَمْرَةَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَاهُ ابْنُ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}7394{ حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ وَإِذَا أَصْبَحَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ».

}7395{ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الحُرِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ: «بِاسْمِكَ نَمُوتُ وَنَحْيَا فَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ».

}7396{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ فَقَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا؛ فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا».

}7397{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ،عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: أُرْسِلُ كِلاَبِي الْمُعَلَّمَةَ؟ قَالَ: «إِذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَأَمْسَكْنَ فَكُلْ، وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ».

}7398{ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَْحْمَرُ، قَالَ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لاَ؟ قَالَ: «اذْكُرُوا أَنْتُمْ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا».

تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَأُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ.

}7399{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ.

}7400{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَْسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ جُنْدَبٍ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ صَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ».

}7401{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، وَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ».

 

هذه الترجمة معقودة لبيان السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة به والتوسل إلى الله تعالى بها قال الله تعالى: [الأعرَاف: 180]{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *}، فهذه الآية كان على المؤلف رحمه الله أن يأتي بها؛ لأنها مناسبة للباقي على عادته، وكأنه رحمه الله غفل عن هذه الآية أو لم يتذكرها وقت وضع هذا الباب، وإلا فهي مناسبة.

فالتوسل إلى الله تعالى بالأسماء الحسنى من أسباب قبول الدعاء، وهو داخل في إحصاء الأسماء كما سبق في الحديث السابق: «إن لله تعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة»[(667)] فيدخل في إحصائها: عدها، وحفظها، والعمل بها، والتوسل إلى الله تعالى بها.

وذكر المؤلف رحمه الله في هذا الباب أحاديث فيها الاستعانة بأسماء الله، والتوسل بها، وسؤال الله بها، والدعاء بها، وفي الاستعاذة بأسماء الله وصفاته قول الله تعالى: [الأعرَاف: 200]{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ *}، وقوله سبحانه: [فُصّلَت: 36]{فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *}، وقوله تعالى: [الفَلَق: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *}، وقوله: [النَّاس: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *}، وقوله: [المؤمنون: 97-98]{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ *وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ *}، هذا كله من الاستعاذة بالله، وفي الحديث حين دخول المسجد يشرع للمسلم أن يقول: «أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم»[(668)] فهذه استعاذة بالله والاستعاذة بوجهه وبصفة من صفاته وسلطانه القديم كذلك، وفي الحديث: «فإذا استعذت فاستعذ بالله» ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته في المسجد وهو يقول: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك»[(669)] .

قوله: «اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك» فيه: الاستعاذة بصفة الرضا من صفة السخط وبفعل المعافاة من فعل العقوبة وهي من أفعال الله تعالى قال: «وأعوذ بك منك» فيه: استعاذة بالله من الله.

وفي الحديث الآخر: «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات»[(670)] فهذه استعاذة بصفة من صفات الله تعالى، والاستعاذة بصفات الله وبأسمائه والتوسل إلى الله بها كل هذا من التوسل المشروع، وهو من أسباب قبول الدعاء.

}7393{ في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ فِرَاشَهُ فَلْيَنْفُضْهُ بِصَنِفَةِ ثَوْبِهِ» ، يعني: بطرف ثوبه «ثَلاَثَ مَرَّاتٍ» ، وجاء في الحديث بيان حكمة هذا النفض قال: «لأنه لا يدري ما خلفه عليه»[(671)] وهذا من باب الاستحباب؛ فيستحب للمسلم عند النوم أن يأخذ بطرف ثوبه ينفض به الفراش.

قوله: «بِاسْمِكَ رَبِّ وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ، إِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي ـ يعني قبضتها ـ فَاغْفِرْ لَهَا» ، في اللفظ الآخر: «فإن أمسكت نفسي فارحمها»[(672)] فالشاهد هنا الاستعانة باسم الله، وسؤال المغفرة به.

قوله: «وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ» ؛ لأنه قد تقبض روح الإنسان وهو في منامه كما قال تعالى: [الزُّمَر: 42]{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ *}.

 

}7394{ فيه: مشروعية هذا الدعاء عند النوم وعند الاستيقاظ، فمن الذكر المشروع «اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ» وفي الحديث الآخر: «باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين»[(673)] .

وفي لفظ: «باسمك اللهم أحيا وأموت» هذا عند النوم، وعند الاستيقاظ يقول: «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور»[(674)] .

والشاهد: الاستعانة باسم الله في قوله: «بِاسْمِكَ أَحْيَا وَأَمُوتُ» فدل على مشروعية الاستعانة بالله، والسؤال بأسماء الله والاستعاذة بها.

 

}7395{ فيه: مشروعية هذا الذكر عند النوم وعند الاستيقاظ من النوم.

وفيه: الاستعانة باسم الله، وفي هذا توسل بأسماء الله وصفاته فهو مشروع، والمشهور الاستعاذة بالله من الله تقول: أعوذ بالله من الله، أما الاستعاذة بصفات الله فتكون مع خطاب الله فتقول: أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، أعوذ بنور وجهك، والله تعالى بذاته وأسمائه وصفاته هو الخالق، بخلاف دعاء الصفة وندائها كأن تقول: يا رحمة الله ارحميني يا قدرة الله أنقذيني فتكون معها ضمير الغائب، فهذا لا يخاطب ربه، فهذا يجعل الصفة منفصلة عن الله والصفات لا تنفصل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام[(675)]: إن هذا لا يجوز وهو كفر.

 

}7396{ هذا فيه: مشروعية التسمية عند الجماع، فإذا أراد الإنسان أن يجامع أهله يقول: «بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا» فيشرع للمسلم أن يقول هذا الذكر وأن يحسن الظن بالله رجاء هذه الفائدة العظيمة وهي «لَمْ يَضُرُّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا» ، وهو مستحب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ» ولم يقل: «سموا» بصيغة الأمر حتى لا يكون الأمر واجبًا.

والشاهد من الحديث على الترجمة: الاستعاذة باسم الله.

 

}7397{ هذا فيه: جواز أكل ما صاده الكلب المعلم بهذه الشروط وهي:

أولاً: أن يكون الكلب معلمًا والكلب المعلم هو الذي إذا أرسل استرسل، وإذا زجر انزجر، ولا يأكل إذا أمسك وصاد والكلب المعلم له ميزة على غيره من الكلاب، وهذا فيه فضل العلم، فالكلاب المعلمة لها ميزة على الكلاب التي لم تعلم، فالكلب المعلم يصح صيده ويؤكل، والكلب غير المعلم لا يصح صيده ولا يؤكل.

ثانيًا: أن تذكر اسم الله عليه إذا أرسلته.

ثالثًا: ألا يأكل إذا أمسك؛ لأنه إذا صاد الصيد وأكل منه فهو دليل على أنه لم يمسكها لصاحبه وإنما أمسكها لنفسه.

فإذا وجدت هذه الشروط جاز أن يؤكل الصيد.

والشاهد قوله: «وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ» ففيه: الاستعانة باسم الله.

قوله: «وَإِذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْ» ، خزق يعني: خرق ودخل في الصيد يعني: إذا رميت بالمعراض وخرق الصيد وكان محددًا والحديدة لأسفل وخرق فإن هذا يؤكل، وفي اللفظ الآخر: «وإن قتل بعرضه فهو وقيذ فلا تأكل»[(676)] وقيذ يعني: موقوذ، فإذا ضرب الإنسان الصيد بالعصا أو رماه بحجر وقتله بثقله ومات فلا يصح أكله، وبعض الناس يظن أن كل ما صاده يصح ولو أن يرميه بما يسمونه النباطة هذه التي ترمي بثقلها بالحجر، هذا لا يصح، فإذا رماه بالحجر ومات فهذا ميتة وقيذ فلا يؤكل فلابد أن يرميه بشيء محدد مثل الرصاص الذي يخرج من البندقية ومثل رأس السكين.

 

}7398{ هذا الحديث فيه: أن الأصل في المسلمين أنهم يسمون، ولو كانوا حديثي عهد بشرك، وكذا أهل الكتاب الأصل فيهم أنهم يسمون، فإذا لم تعلم فإنك تسمي وتأكل، ولو كانوا أسلموا قريبًا أوكانوا من أهل الكتاب إلا إذا عرفت أنهم يذكرون غير اسم الله؛ لأن أهل الكتاب الذين يذكرون اسم المسيح لا تؤكل ذبائحهم، أما إذا لم تعلم فالأصل الحل.

وكذلك أيضًا إذا لم تعلم أنه قتله بغير محدد، أما إذا علمت أنه ضربه بالخنق أو ضرب رأسه وقتله فهذا لا يؤكل مسلما كان أو كافرًا فلابد من قطع الحلقوم والمريء بآلة حادة، ويكون الذابح مسلمًا أو كتابيًا، لكن إذا جهل الحال فالأصل في ذبائح المسلمين الحل، وكذلك الأصل الحل في ذبائح أهل الكتاب أن ذبائحهم حلال؛ ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ» أي: أسلموا قريبًا «يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِي يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لاَ؟ قَالَ: «اذْكُرُوا أَنْتُمْ اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا»» ، وهذا هو الشاهد، ففيه: الاستعانة بذكر الله.

 

}7399{ فيه: مشروعية التسمية عند ذبح الأضحية، فإنه يجب التسمية عند الأضحية، فمن تركها عمدًا لا تصح ذبيحته، فتسقط سهوًا لا عمدًا.

القول الثاني: أن التسمية لا تسقط لا سهوًا ولا عمدًا.

القول الثالث: أن التسمية تسقط سهوًا وعمدًا.

والأرجح: أنها تسقط سهوًا ولا تسقط عمدًا.

كما أن التسمية تجب عند إرسال الكلب للصيد، وأيضًا عند إرسال السهم؛ لقول الله تعالى: [الأنعَام: 118]{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ *}، وقوله: [الأنعَام: 121]{وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}؛ ولهذا «ضَحَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَبْشَيْنِ يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ» ، فالتكبير مستحب في الأضاحي، وفي الهدايا فتقول: باسم الله الله أكبر. أما شاة اللحم فيكفي أن تقول: باسم الله. والشاهد الاستعانة باسم الله عند الذبح.

 

}7400{ فيه: أن الأضحية لا تكون إلا بعد الصلاة، وأن من ذبح قبل أن يصلي فشاته شاة لحم وعليه أن يذح أخرى بعد صلاة العيد.

والشاهد: قوله: «فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ» ففيه: أنه لابد من التسمية عند الذبح.

 

}7401{ هذا الحديث فيه: وجوب الحلف بالله والنهي عن الحلف بالآباء فيفيد التحريم، والحلف بغير الله شرك كما في الحديث الآخر: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»[(677)] .

قوله: «فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ» فيه: الاستعانة باسم الله في القسم.

والشاهد: مشروعية السؤال بأسماء الله والاستعاذة بها، والتوسل إلى الله تعالى بها والدعاء إلى الله بها، أما نداء الصفة ودعاء الصفة فهذا لا يجوز كما سبق.

ولا يصح الاستدلال على جواز نداء الصفة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «برحمتك أستغيث»[(678)] فإن هذا توسل برحمة الله، ثم أيضًا هذا خطاب لله «برحمتك أستغيث» بخلاف الذي يقول للصفات: يا رحمة الله ارحميني، يا رحمة الله أنقذيني.

 مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللَّهِ

وَقَالَ خُبَيْبٌ:

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِْلَهِ

فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى.

}7402{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيُّ، حَلِيفٌ لِبَنِي زُهْرَةَ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةً، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَْنْصَارِيُّ، فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ ابْنَةَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا، فَلَمَّا خَرَجُوا مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ خُبَيْبٌ الأَْنْصَارِيُّ:

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا

عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِْلَهِ وَإِنْ يَشَأْ

يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا.

 

هذه الترجمة المقصود منها إثبات الذات والنعوت والأسامي لله عز وجل وأن لله تعالى ذاتًا لا تشبه ذوات المخلوقين وأن له نعوتًا وصفات لا تشبه صفات المخلوقين وله أسامي لا تشبه أسماء المخلوقين؛ ولهذا قال المؤلف: «بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الذَّاتِ وَالنُّعُوتِ وَأَسَامِي اللَّهِ» .

قوله: «وَقَالَ خُبَيْبٌ:

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِْلَهِ

فَذَكَرَ الذَّاتَ بِاسْمِهِ تَعَالَى» فيه: إثبات الذات لله، وأن الله تعالى له ذات مقدسة موصوفة بالصفات العظيمة الكاملة، وله الأسماء الحسنى سبحانه وتعالى، وإثبات الذات لله تعالى من باب الخبر لا من باب التسمي؛ لأن باب الخبر أوسع من باب الأسماء والصفات، فيخبر عن الله أن له ذاتًا، ويخبر عن الله بأنه موجود، ويخبر عن الله أنه شيء [الأنعَام: 19]{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} ويخبر عن الله بأنه شخص «لا شخص أغير من الله»[(679)] كما سيأتي، ويخبر عن الله بأنه صانع، لكن لا يسمى بها، فباب الخبر أوسع من باب الصفات.

ومن إثبات الذات ما جاء في قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أن إبراهيم عليه السلام اعتذر يوم القيامة عن الشفاعة وقال: إنه كذب في الإسلام ثلاث كذبات[(680)]، وهذه الكذبات ثنتان منهن في ذات الله[(681)]. وهي تورية في الحقيقة؛ فإنه كسر الأصنام، ولما سئل قال: هذا الذي كسرها، ولما نظر في النجوم قال: إني سقيم، وقال عن زوجته: إنها أختي وتأول أنها أخته في الإسلام.

والشاهد: إثبات الذات لله؛ فالله تعالى له ذات لا تشبه الذوات، بل كل شيء موجود له ذات فكل موجود له شخص قائم، وكل موجود له صورة على ما هو عليه فهذه لابد منها، والذي ليس له ذات لا وجود له، إنما يكون في الذهن فقط.

وقصد المؤلف رحمه الله الرد على الجهمية والمعتزلة وغيرهم الذين نفوا الأسماء والصفات فلم يثبتوا ذاتًا لله عز وجل، فوصفوا الله بالمعدوم والعياذ بالله؛ لأنهم أنكروا أن يكون له ذات، وأنكروا الأسماء والصفات وخبيب يقول: «وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِْلَهِ» ، فوصف الذات باسمه تعالى، ووجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر خبيبًا على ذلك ولم ينكر عليه في قوله: «وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِْلَهِ» .

 

}7402{ في قصة خبيب هذه «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشَرَةً، مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الأَْنْصَارِيُّ» فاقتص المشركون أثرهم، فوجدوهم في الطريق قد أكلوا تمرًا، فقالوا: هذا التمر تمر يثرب فلحقوهم، فصعدوا فدفدًا ـ وهو جبل مرتفع عن الأرض ـ فأحاط بهم المشركون، وقالوا: انزلوا نعطيكم الأمان فلما نزل بعضهم غدروا بهم وقتلوهم وبقي ثلاثة فأخذوا الثالث وجعلوا يعالجونه ليذهب معهم فامتنع، وقال: لي أسوة بهؤلاء القتلى فقتلوه وبقي اثنان منهم خبيب، فأخذهما المشركون وباعوهما بمكة، فباعوا خبيبًا لبني الحارث بسبب قتيل لهم، فلما أخذوا خبيبًا اجتمعوا وتشاوروا وقالوا: نريد أن نخرجه من الحرم وكانوا يعظمون الحرم وهم مشركون، فهم يريدون أن يقتلوه لكن خارج حدود الحرم، فلما أرادوا أن يقتلوه طلب خبيب موسى يستحد بها ـ يعني: يحلق بها عانته ـ فانظر عناية خبيب فهو سيقتل ومع ذلك لا يترك سنة الاستحداد رضي الله عنه وهي من الفطرة، ففي الحديث: «عشر من الفطرة»[(682)] ومنها حلق العانة وقص الشارب ونتف الإبط وإعفاء اللحية.

وفي القصة: أن ابنا صغيرًا لابنة الحارث كان يدب دبيبًا حتى جلس في حجر خبيب ومعه الموسى فالتفتت إليه المرأة فارتاعت لما وجدته جالسًا على حجره ومعه الموسى فأمنها وقال: أتظنين أني أقتل ابنك؟! إني لا أقتله، وكان من كراماته أن وجدوا عنده عنبًا وليس في مكة عنب، فيقولون: ما وجدنا خيرًا من خبيب نجده يأكل عنبًا وليس في مكة، وهذا من الكرامات ومع ذلك ما نفع فيهم، قال تعالى: [يُونس: 101]{وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ *} فيقولون: إنه على الحق، وإن الله أعطاه هذه الكرامات فلما أرادوا قتله: قال: دعوني أصلي ركعتين فقالوا: صل ما بدا لك، فصلى ولم يطل فيها وقال: لولا أن تظنوا أن بي جزعا من الموت لأطلت الصلاة وقال هذه الأبيات:

«وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا

عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي

وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِْلَهِ وَإِنْ يَشَأْ

يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ

فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ، فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ يَوْمَ أُصِيبُوا» ، وهذا من علامات النبوة حيث أخبره الله تعالى وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك.

وفيه: دليل على مشروعية صلاة ركعتين لمن قربت وفاته ممن أريد قتله، ودليل هذه المشروعية أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك ولم ينكر عليه.

والشاهد هنا في الحديث قوله: «وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِْلَهِ» ففيه: إثبات أن لله ذاتًا لا تشبه الذوات وهذا من باب الخبر، ويخبر أيضًا بأن الله شيء [الأنعَام: 19]{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً}، ويخبر عن الله بأنه موجود وبأن له ذاتًا وبأن له شخصًا فكل هذا لا بأس به من باب الخبر.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [آل عِمرَان: 28]{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}

وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ [المَائدة: 116]{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}.

}7403{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ».

}7404{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ الأَْعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كَتَبَ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ يَكْتُبُ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ وَضْعٌ عِنْدَهُ عَلَى الْعَرْشِ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي».

}7405{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍَ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍَ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».

 

هذه الترجمة فيها إثبات النفس لله عز وجل قال تعالى: « [آل عِمرَان: 28]{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}» فللَّه عز وجل نفسًا مقدسة وموصوفة بالصفات، قال تعالى: « [المَائدة: 116]{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}» وهذا في قصة عيسى عليه السلام؛ وكذلك قوله في الحديث: «سبحان الله رضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته»[(683)] فالنصوص والأحاديث فيها وأن لله تعالى نفسا.

 

}7403{ قوله: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ» ، وقوله: «ما أحد أحب» ، الأولى أغير بالضم؛ لأن الجار والمجرور هو الخبر مقدم، واسم ما أغير «وما أحد أحب» أحب هي الخبر، وذكر المؤلف رحمه الله في هذه الترجمة أحاديث فيها صفات النفس.

قوله: «مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ» فيه: إثبات الغيرة لله تعالى، وأنها من الصفات الفعلية؛ لكونها تتعلق بالمشيئة.

وفيه: إثبات المحبة لله أيضًا؛ لقوله: «وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنْ اللَّهِ» ، فالله تعالى يحب المدح من عباده لأنه هو أهله، والمحبة أيضًا من الصفات الفعلية؛ لكونها تتعلق بالمشيئة.

 

}7404{ قوله: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ» فيه: إثبات الخلق لله عز وجل وهو من الصفات الفعلية، وقوله: «كَتَبَ فِي كِتَابِهِ» فيه: إثبات الكتابة وهي من الصفات الفعلية المتعلقة بالمشيئة، فالخلق والكتابة والإحياء والإماتة والرزق كلها من الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة، أما الصفات الذاتية فهي التي تتعلق بالذات.

قوله: «إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي» فيه: إثبات الرحمة والغضب.

فآيتا الترجمة [آل عِمرَان: 28]{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، وقوله: [المَائدة: 116]{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} فيهما: إثبات النفس لله وأنها لا تشبه أنفس المخلوقين، ثم وصف الله نفسه بهذه الصفات كما في الأحاديث: صفة الغيرة، وصفة المحبة، وصفة الخلق، وصفة الكتابة.

 

}7405{ هذا الحديث في إثبات عدة صفات لله عز وجل، ففيه: إثبات صفة المعية لقوله: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي» ، وهي المعية الخاصة مع الذاكرين وهي من الصفات الفعلية وهي غير المعية العامة، فالله تعالى مع خلقه جميعًا بعلمه وإحاطته واطلاعه قال الله تعالى: [الحَديد: 4]{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}؛ أما المعية الخاصة فهي خاصة بالمؤمنين والذاكرين، كما في قوله تعالى: [النّحل: 128]{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقُوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ *}، وقوله: [التّوبَة: 40]{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}.

وفي الحديث أيضا: ذكر الله للعبد إذا ذكره قال: «فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي» .

وفيه: إثبات النفس لله تعالى.

قوله: «ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍَ خَيْرٍ مِنْهُمْ» استدل بهذا بعضهم على أن الملائكة أفضل من صالحي البشر.

القول الثاني: أن الأنبياء وصالحي البشر أفضل من الملائكة.

القول الثالث: التوقف.

قال شارح «الطحاوية»: إن هذه المسألة من فضول الكلام، فمسألة تفضيل الملائكة على البشر، أو تفضيل صالحي البشر على الملائكة، هذه المسألة فضولية، وهي من الأشياء التي لا ينبغي إضاعة الوقت فيها، قال: لولا أني سمعت بعض الناس يسيء الأدب مع الملائكة ويقول: إنهم خدام بني آدم لما حركت لذلك قلما[(684)]. وذكر نسب أدلة هؤلاء وأدلة هؤلاء ونسب تفضيل الأنبياء وصالحي البشر إلى أهل السنة، ونسب تفضيل الملائكة على البشر إلى المعتزلة، والصواب: أن هذه الأقوال لهؤلاء وهؤلاء فمعهم أهل السنة ومعهم غيرهم، وقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله القول فيها، وقال: كنت أظن في أول الأمر أن هذه المسألة مسألة فضولية فتبين لي أنها مسألة أثرية سلفية صحابية فاتجهت الهمة إلى تحقيق القول فيها[(685)]. ورجح أن الملائكة أفضل في أول الأمر في حال الدنيا وأن الأنبياء والصالحين أفضل في آخر الأمر؛ فإذا كملت أحوال المؤمنين وتطهروا من الذنوب والمعاصي وخلع الله عليهم خلع الإحسان ودخلوا الجنة صار حالهم أكمل، فصاروا أفضل من الملائكة، أما قبل ذلك فقد تكون الملائكة أفضل.

ومن الأدلة على هذا الحديث المشهور أن الملائكة قالوا: «يا ربنا جعلت لبني آدم الدنيا يلهون ويأكلون ويشربون، فاجعل لنا الآخرة كما جعلت لهم الدنيا قال الله: لا أجعل صالح من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان»[(686)] وهذا من أقوى الأدلة، وهذه ميزة لآدم عليه السلام حيث خلقه الله بيده أما الملائكة فخلقوا بكلمة كن.

قوله: «وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» فيه: إثبات الإتيان لعبده هرولة إذا أتاه يمشي وهي من الصفات الفعلية، وهذه الصفات: التقرب إلى العبد إذا تقرب العبد إليه، والإتيان إلى العبد هرولة إذا أتاه العبد يمشي ـ صفات تليق بجلال الله وعظمته وهي صفات كمال لا نقص فيها، لكن من ثمرات هذه الصفات وآثارها أن الله أسرع بالثواب وأسبق بالخير من العبد، فمن لوازمها تضعيف الأجر والرحمة وقبول التوبة إذا تقرب العبد إليه بالطاعة وأدى فرائضه ونوافله، وبعض العلماء كالنووي وغيره يؤول هذه الصفات ويقول: المعنى أن الله تعالى لا يقطع الثواب حتى يقطع العبد العمل[(687)]. وهذا ليس هو المقصود بالصفة، وإنما هو ثمرة من ثمرات الصفة.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [القَصَص: 88]{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}

}7406{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» قَالَ: [الأنعَام: 65]{أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا أَيْسَرُ».

 

}7406{ هذه الترجمة معقودة لإثبات صفة الوجه لله عز وجل ففي آية الترجمة والحديث إثبات صفة الوجه لله تعالى، وأن لله وجهًا لا يشبه وجوه المخلوقين بل يليق بالله سبحانه وهو من الصفات الذاتية.

قال تعالى: « [القَصَص: 88]{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}» ، وقال أيضًا: [الرَّحمن: 27]{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ *}، ومثله قوله تعالى: [الإنسَان: 9]{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا *}، وفي الحديث: «إلا رداء الكبرياء على وجهه»[(688)] فكل هذه النصوص فيها إثبات الوجه لله عز وجل، وأن لله تعالى وجهًا لا يشبه وجوه المخلوقين، وأهل البدع يؤولون الوجه بالذات فيقولون: [القَصَص: 88]{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}، أي: إلا ذاته؛ قصدوا من هذا إنكار الوجه.

ودل الحديث على جواز الاستعاذة بصفات الله حيث استعاذ بوجه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ» ، وفي الحديث الآخر: «أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات»[(689)] .

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [طه: 39]{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} تُغَذَّى

وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}.

}7407{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَر ـ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ ـ وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ».

}7408{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا، قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَْعْوَرَ الْكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ».

 

هذه الترجمة معقودة في بيان إثبات العين لله عز وجل وهي من الصفات الذاتية كما يليق بجلال الله وعظمته.

قوله: « [طه: 39]{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *}» قال: «تُغَذَّى» يعني: تربى على مرأى منا وتوجيه منا يعني: موسى عليه السلام.

وقوله جل ذكره: « [القَمَر: 14]{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}» يعني: بمرأى منا في كلئنا وحفظنا، والنون للتعظيم، وقد يظن بعض الناس أن هذا من باب التأويل، وهذا ليس بصحيح؛ لأن في الآيتين إثبات العين لله تعالى، أي: جنس العين، وإثبات البصر لله عز وجل، وأن الله يبصر عباده من فوق عرشه كما في الآية الأخرى: [النِّسَاء: 58]{إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا *} وإثبات الرعاية والكلأ والحفظ والرؤية من الرب تعالى لعبده.

}7407{ سبق في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ [النِّسَاء: 58]{إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا *} أشار إلى عينه وأذنه[(690)]، وليس المراد التشبيه وإنما المراد تحقيق الصفة، أي: إثبات أن لله سمعًا وبصرًا، أما إثبات العينين لله فيؤخذ من حديث الدجال فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَر ـ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ ـ وَإِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ» ، وقوله: «إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَر ـ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَيْنِهِ ـ» ، ليس المراد من الإشارة التشبيه، بل المراد إثبات أن لله عينًا حقيقة لا مجازًا فالمراد تحقيق الصفة وإثباتها.

 

}7408{ في الحديثين عظم فتنة الدجال حتى إن كل نبي أنذره قومه، مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أنس: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الأَْعْوَرَ الْكَذَّابَ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ» ففي هذا عظم فتنة الدجال.

لكن نبينا صلى الله عليه وسلم أبدى فيه وأعاد، وبين فيه من التفاصيل ما لم يبينه نبي قبله؛ كل ذلك ليكون أمرًا ظاهرًا معلوما للناس، وليتوارث الناس هذا العلم، ويعلم خبره وأمره وفتنته؛ ليحذروه إذا خرج، وفي هذين الحديثين إثبات أن لله عينين من قوله: «وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ» ، والأعور هو الذي ليس له إلا عين واحدة، والله تعالى ليس بأعور، فثبت أن لله عينين على ما يليق به سبحانه.

وحديث أبي هريرة ساقه الحافظ ابن كثير[(691)] في تفسير سورة النساء عند قول الله تعالى: [النِّسَاء: 58]{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا *} قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فوضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه[(692)]. وليس المراد التشبيه وإنما المراد إثبات السمع والبصر وأن لله سمعًا وبصرًا حقيقة.

والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان يدعي الصلاح، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، ويقول للناس: أنا ربكم، ثم ينزل عيسى بن مريم عليه السلام ـ مسيح الهدى ـ فيقتل الدجال ـ مسيح الضلالة ـ.

إذن هذه الترجمة معقودة لإثبات العين لله. وأما قوله تعالى: [طه: 39]{وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي *} فالمراد جنس العين، أما إثبات أن لله عينين فيؤخذ من حديث الدجال؛ لأنه أخبر أن الدجال أعور ونفى أن يكون الله أعور.

وفيه: أن الدجال مكتوب بين عينيه كافر، وأنه يقرؤها مسلم، ومع ذلك له فتنة عظيمة، ويتبعه أناس وهم يعلمون كذبه.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد