شعار الموقع

شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري(97-461)

00:00
00:00
تحميل
142

}7486{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ، كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ».

}7487{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَاصِلٍ عَنْ الْمَعْرُور،ِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى ».

 

قوله: «بَاب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ وَنِدَاءِ اللَّهِ الْمَلاَئِكَةَ» قصد المؤلف رحمه الله من هذه الترجمة إثبات الكلام لله، وأن كلام الله يسمعه جبريل ويسمعه الملائكة، ويسمعه الناس في الموقف يوم القيامة، ويسمعه آدم، ويكلم الله أهل الجنة.

قوله: «وَقَالَ مَعْمَرٌ: [النَّمل: 6]{وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى} أَيْ يُلْقَى عَلَيْكَ وَتَلَقَّاهُ أَنْتَ أَيْ تَأْخُذُهُ عَنْهُمْ» فالقرآن يلقى فيتكلم الله بالقرآن فيسمعه جبريل عليه السلام ثم ينزل به جبريل عليه السلام على قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: [الشُّعَرَاء: 193-194]{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ *}، ومنها قوله: [البَقَرَة: 37]{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} فآدم سمع كلام الله، وهذه الكلمات التي تلقاها آدم قوله: [الأعرَاف: 23]{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *}.

 

}7485{ هذا الحديث فيه: إثبات المحبة لله عز وجل كما يليق بجلال الله وعظمته، والرد على من أنكرها من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، فقد قال الله تعالى: [المَائدة: 54]{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.

قوله: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي أَهْلِ الأَْرْضِ» ، وفي الحديث الآخر: «وإن الله إذا أبغض عبدًا نادى جبريل: إني أبغض فلانًا فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض»[(862)] .

والشاهد من الحديث قوله: «يُنَادِي جِبْرِيل» ففيه: إثبات الصوت؛ حيث نادى الله جبريل عليه السلام، والنداء لا يكون إلا بصوت، وأن جبريل عليه السلام يسمع كلام الله.

 

}7486{ الحديث فيه: فضل صلاة الفجر التي تنزل فيها ملائكة النهار وتصعد ملائكة الليل، وصلاة العصر التي تنزل فيها ملائكة الليل وتصعد ملائكة النهار.

قوله: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ» جمع بين الظاهر والمضمر، وهذه لغة قليلة تسمى لغة أكلوني البراغيث، ومنه قول الله تعالى: [الأنبيَاء: 3]{وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}، والشائع في اللغة هو إفراد الفعل، فتقول: يتعاقب فيكم ملائكة.

والشاهد قوله: «فَيَسْأَلُهُمْ» وسؤال الله للملائكة فيه إثبات كلام الله للملائكة، واستماعهم لكلام الله.

وقوله في الترجمة: «بَاب كَلاَمِ الرَّبِّ مَعَ جِبْرِيلَ وَنِدَاءِ اللَّهِ الْمَلاَئِكَةَ» فيه: الرد على من أنكر كلام الله من المعتزلة، والأشاعرة الذين يقولون: إنه معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا بصوت.

 

}7487{ قوله: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى؟ قَالَ وَإِنْ سَرَقَ وَإِنْ زَنَى» وجه الدلالة أن جبريل يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر تلقاه من ربه عز وجل، وإخباره له بذلك، ففيه: إثبات الكلام لله وسماع جبريل لكلام الله.

وفيه: فضل أهل التوحيد، وأنه إن مات على التوحيد فهو من أهل الجنة ولو فعل الكبائر ومات عليها، ولو مات على الزنا أو على السرقة أو على شرب الخمر أو عقوق والديه أو قطع الرحم فهذا تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له وأدخله الجنة من أول وهلة بتوحيده وإسلامه، وإن شاء عذبه وأدخله النار بقدر جرائمه.

وقد تواترت الأخبار بأنه يدخل النار جملة من أهل الكبائر، وأن النار لا تأكل وجوههم لكن يعذبون، فهذا يعذب بالزنا وهذا يعذب بالسرقة، وهذا يعذب بعقوق الوالدين، وهذا يعذب بقطع الرحم وبالتعامل بالربا، وفي النهاية يخرجون بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين، وبعضهم يطول مكثه.

وهذا يفيد الحذر من المعاصي؛ لأن الإنسان إذا مات على التوحيد وسلم من الكبائر والمعاصي دخل الجنة من أول وهلة، أما إن مات على الكبائر كالزنا والسرقة أو غيرها فهو على خطر فقد يدخل النار، لكن في النهاية مآله إلى الجنة، وهذا معنى «فبشرني» .

وفي اللفظ الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كررها ثلاثًا ثم قال: «وإن رغم أنف أبي ذر»[(863)] .

والمراد أن الكبائر لا تمنع من دخول الجنة ولا يخلد صاحبها في النار، ولكن قد يعذب وقد لا يعذب.

فقوله: «دَخَلَ الْجَنَّةَ» يعني: عاجلاً أو آجلاً إن كان الله عفا عنه دخل من أول مرة، وإن لم يعف عنه يتأخر دخوله الجنة بعد أن يطهر في النار؛ لأن المعاصي مثل الخبث ومثل النجاسة التي تصيب الثوب؛ فتحتاج إلى طهارة، فمن لم يطهر بعفو الله لابد أن يطهر بالنار.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[النِّسَاء: 166]{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ}

قَالَ مُجَاهِدٌ: {يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَْرْضِ السَّابِعَةِ.

}7488{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا، أَبُو الأَْحْوَصِ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا فُلاَنُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَقُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا».

}7489{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الأَْحْزَابِ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمْ الأَْحْزَابَ وَزَلْزِلْ بِهِمْ» زَادَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

}7490{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} لاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ حَتَّى يَسْمَعَ الْمُشْرِكُونَ {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عَنْ أَصْحَابِكَ فَلاَ تُسْمِعُهُمْ [الإسرَاء: 110]{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً *} أَسْمِعْهُمْ وَلاَ تَجْهَرْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ .

 

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ُ پ ـ لله  ِ » فيه: إثبات أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، وهذا قول أهل السنة قاطبة أن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.

وفيه: الرد على المعتزلة الذين يقولون: إن كلام الله مخلوق.

قوله: «قَالَ مُجَاهِدٌ: [الطّلاَق: 12]{يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} بَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالأَْرْضِ السَّابِعَةِ» يشير إلى قول الله تعالى: [الطّلاَق: 12]{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ} والأمر هو كلام الله.

وفيه: إثبات الكلام لله عز وجل.

 

}7488{ قوله: «الْهَمْدَانِيُّ» بالدال وسكون الميم نسبة إلى همدان وهي قبيلة معروفة، أما «الهمَذاني» بالذال وبفتح الميم فنسبة إلى مدينة في الشرق في إيران.

وهذا الحديث فيه: فضل هذا الذكر وأنه يشرع للمسلم أن يقوله عند النوم.

وفي لفظ آخر: «واجعلهن آخر ما تقول»[(864)] أي: آخر شيء.

وقوله: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ؛ فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ فِي لَيْلَتِكَ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ وَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصَبْتَ أَجْرًا» هذا دعاء وتضرع وتسليم لله عز وجل.

وفي حديث آخر أنه يشرع للمسلم أن يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم ينام على جنبه الأيمن، ويكون هذا الذكر آخر ما يقول[(865)].

والشاهد من الحديث قوله: «آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ» ، أي: أن الكتاب وهو القرآن منزل وهو كلام الله غير مخلوق، وهو الشاهد من آية الترجمة [النِّسَاء: 166]{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}.

 

}7489{ الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا وتضرع إلى الله في القتال بهذا الدعاء.

قوله: «اهْزِمْ الأَْحْزَابَ» المراد الكفار الذين تحزبوا وتجمعوا حول المدينة ليقتلوا المسلمين، وهم كفار قريش ومن معهم من العرب.

جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمرين بين إعداد العدة وفعل الأسباب، حيث أمر بحفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه، واستعدوا بالسلاح لقتالهم.

وقوله: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمْ الأَْحْزَابَ وَزَلْزِلْ بِهِمْ» فيه: التضرع إلى الله بهذا الدعاء.

والشاهد قوله: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ» والمراد بالكتاب القرآن؛ فهو كلام الله منزل غير مخلوق وهو صفة الله.

 

}7490{ هذا الحديث فيه: بيان سبب نزول قوله سبحانه: [الإسرَاء: 110]{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} والمراد بالصلاة القراءة.

قوله: «{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ} أي: لا تجهر بقراءتك.

وقوله: «أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَارٍ بِمَكَّةَ» يعني: مستخفيًا، وكان ذلك في أول البعثة، حيث كان المسلمون قلة وكان الرسول يختبئ من المشركين ويصلي بأصحابه.

قوله: «فَكَانَ إِذَا رَفَعَ صَوْتَهُ سَمِعَ الْمُشْرِكُونَ» أي: قراءة النبي صلى الله عليه وسلم «فَسَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ جَاءَ بِهِ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}» أي: لا تجهر بقراءتك حتى لا يسمع المشركون لأنهم إذا سمعوا سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، ولا تسر بها لأنك إذا أسررت لا يسمعك أصحابك الذين تصلي بهم.

قوله: «{وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} يعني: بين الجهر والإسرار، فلا ترفع حتى لا يسب المشركون القرآن، ولا تخفض صوتك حتى يسمعك أصحابك.

والشاهد قوله: «أُنْزِلَتْ» ، وقوله: «فَسَبُّوا الْقُرْآنَ، وَمَنْ أَنْزَلَهُ» ففيه: التصريح بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، بل هو صفة الله.

وفيه: الرد على المعتزلة القائلين بأن القرآن مخلوق.

 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [الفَتْح: 15]{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ}

[الطّارق: 13]{لَقَوْلٌ فَصْلٌ *} حَقٌّ [الطّارق: 14]{وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ *} بِاللَّعِبِ

}7491{ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الأَْمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ».

}7492{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي؛ وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ، وَفَرْحَةٌ حِينَ يَلْقَى رَبَّهُ، وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ».

}7493{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَى رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ: أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ. وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ».

}7494{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي، مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الأَْغَرِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآْخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».

}7495{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، أَنَّ الأَْعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «نَحْنُ الآْخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

}7496{ وَبِهَذَا الإِْسْنَادِ «قَالَ اللَّهُ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».

}7497{ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ: «هَذِهِ خَدِيجَةُ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ، فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ».

}7498{ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ».

}7499{ حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ، الأَْحْوَلُ أَنَّ طَاوُسًا أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَهَجَّدَ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ: «اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَْرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ».

}7500{ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَْيْلِيُّ، قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِْفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِمَّا قَالُوا، وَكُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: وَلَكِنِّي وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِي بَرَاءَتِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: [النُّور: 11]{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ} الْعَشْرَ الآْيَاتِ.

}7501{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ: إِذَا أَرَادَ عَبْدِي أَنْ يَعْمَلَ سَيِّئَةً فَلاَ تَكْتُبُوهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ حَسَنَةً فَلَمْ يَعْمَلْهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ».

}7502{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي مُزَرِّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَ: مَهْ؟ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. يَا رَبِّ. قَالَ فَذَلِكِ لَكِ» ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ [محَمَّد: 22].

}7503{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ صَالِحٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: مُطِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِي».

}7504{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَإِذَا كَرِهَ لِقَائِي كَرِهْتُ لِقَاءَهُ».

}7505{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي».

}7506{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الأَْعْرَجِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَإِذَا مَاتَ فَحَرِّقُوهُ وَاذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لاَ يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ فَغَفَرَ لَهُ».

}7507{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ عَبْدًا أَصَابَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ، وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَبْتُ، فَاغْفِرْ لِي فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَصَابَ ذَنْبًا أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَقَالَ: رَبِّ أَذْنَبْتُ أَوْ أَصَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَذْنَبَ ذَنْبًا وَرُبَّمَا قَالَ: أَصَابَ ذَنْبًا قَالَ: قَالَ: رَبِّ أَصَبْتُ أَوْ قَالَ: أَذْنَبْتُ آخَرَ فَاغْفِرْهُ لِي، فَقَالَ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي ثَلاَثًا فَلْيَعْمَلْ مَا شَاءَ».

}7508{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَْسْوَدِ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً فِيمَنْ سَلَفَ، أَوْ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالَ كَلِمَةً: «يَعْنِي أَعْطَاهُ اللَّهُ مَالاً وَوَلَدًا، فَلَمَّا حَضَرَتْ الْوَفَاةُ، قَالَ لِبَنِيهِ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ، قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرًا، وَإِنْ يَقْدِرْ اللَّهُ عَلَيْهِ يُعَذِّبْهُ، فَانْظُرُوا إِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، حَتَّى إِذَا صِرْتُ فَحْمًا فَاسْحَقُونِي، أَوْ قَالَ: اَلإِْسْكَنْدَرِيَّة، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ رِيحٍ عَاصِفٍ فَأَذْرُونِي فِيهَا. فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي فَفَعَلُوا، ثُمَّ أَذْرَوْهُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، فَقَالَ اللَّهُ عز وجل: كُنْ؛ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ قَائِمٌ، قَالَ اللَّهُ: أَيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ؟ مَا فَعَلْتَ، قَالَ: مَخَافَتُكَ أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ، قَالَ: فَمَا تَلاَفَاهُ أَنْ رَحِمَهُ عِنْدَهَا، وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى فَمَا تَلاَفَاهُ غَيْرُهَا».

فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُثْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْتُ هَذَا مِنْ سَلْمَانَ غَيْرَ أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: أَذْرُونِي فِي الْبَحْرِ، أَوْ كَمَا حَدَّثَ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَقَالَ لَمْ يَبْتَئِرْ.

وَقَالَ خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، وَقَالَ لَمْ يَبْتَئِزْ فَسَّرَهُ قَتَادَةُ لَمْ يَدَّخِرْ.

 

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [الفَتْح: 15]{يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ}» هذا الباب الرابع والأخير، ومقصود المؤلف من هذه الترجمة إثبات الكلام لله، وأنه لا يختص بالقرآن بل كلام الله القرآن وغيره، فكلام الله عام يشمل: كلام الله الكوني، وكلام الله الديني، والقرآن والتوراة والإنجيل والزبور من كلام الله، يكلم الله من شاء.

وقوله: « ُ _ . ] ء £ ِ » فيه: إثبات الكلام لله، وأنه صفة قائمة به يلقيه الله على من يشاء من عباده بحسب حاجتهم ومصالحهم في الأحكام الشرعية وغيرها.

قوله: « [الطّارق: 13]{لَقَوْلٌ فَصْلٌ *} حَقٌّ» يعني: القرآن يشير إلى قول الله تعالى: [الطّارق: 13-14]{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ *وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ *}.

قوله: {إِنَّهُ} يعني: القرآن، {لَقَوْلُ} أي: قول الله، {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ *} يعني: «بِاللَّعِبِ».

 

}7491{ قوله: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:» نسبه النبي صلى الله عليه وسلم لله عز وجل فرواه عن ربه لفظًا ومعنى، فهو من الأحاديث القدسية بخلاف الأحاديث غير القدسية فإنها من الله عز وجل معنى ومن الرسول صلى الله عليه وسلم لفظًا، قال الله تعالى: [النّجْم: 3-4]{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى *}.

والحديث القدسي هو من كلام الله لفظا ومعنى مثل القرآن، إلا أن له أحكامًا تختلف عن القرآن، فالحديث القدسي يمسه غير المتوضئ، أما القرآن فلا يمسه إلا المتوضئ، والقرآن معجز، والحديث القدسي غير معجز... إلى غير ذلك من الأحكام.

قوله: «يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الأَْمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» فيه: أن الذي يسب الدهر فإنه يؤذي الله، ولكن لا يلزم من الإيذاء إلحاق الضرر، فالله سبحانه وتعالى لا يضره أحد من خلقه، قال تعالى: [الأحزَاب: 57]{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}، وفي الحديث الآخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف؛ إنه قد آذى الله ورسوله»[(866)] ففيه: نسبة الإيذاء إلى الله لكن لا يلزم منه الأذى والضرر، وقال بعض الشراح في قوله: «يؤذيني ابن آدم» يعني: يؤذي المؤمنين، وأنكروا نسبة الإيذاء إلى الله، وهذا الحديث واضح في أن الله تعالى نسب هذا إلى نفسه.

قوله: «وَأَنَا الدَّهْرُ» يعني: مقلب الدهر، وهو الليل والنهار؛ ولهذا قال: «بِيَدِي الأَْمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» فالحديث يفسر بعضه بعضًا.

وفيه: الرد على ابن حزم حيث قال: من أسماء الله الدهر[(867)] فغلطه العلماء، وليس الدهر من أسماء الله، بل المراد خالق الدهر ومسخر الدهر ومدبر الدهر؛ ولهذا قال: «أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ» ، وفي لفظ قال: «أقلب ليله ونهاره»[(868)] .

والشاهد قوله: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:» فيه: إثبات القول لله وإثبات الكلام لله؛ فهذا موضع الشاهد، والموضع الثاني قوله: «بِيَدِي الأَْمْرُ» فالأمر نوع من أنواع الكلام.

 

}7492{ هذا حديث قدسي أيضًا مثل الحديث السابق من كلام الله لفظًا ومعنى، والشاهد من الحديث قوله: «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: الصَّوْمُ لِي» فيه: إثبات القول لله عز وجل.

وفيه: فضل الصوم؛ لأن الرب سبحانه وتعالى أضافه إلى نفسه.

قوله: «وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ» فيه: أنه جنة من الإثم.

وقوله: «وَلَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ، الخلوف: هي الرائحة المستكرهة التي تخرج عند خلو المعدة من الطعام، وهي عند الله أطيب من ريح المسك؛ لأنها ناشئة عن مرضاته وطاعته.

 

}7493{ قوله: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا» فيه: جواز الاغتسال عريانًا.

وذكر النووي أنه يكره للإنسان أن يغتسل عريانًا، وأنه ينبغي للإنسان أن يكون عليه ثوبه وهو يغتسل، والصواب أنه لا يكره، فهذا أيوب اغتسل عريانا، وموسى اغتسل عريانًا[(869)]، ونبينا صلى الله عليه وسلم كذلك كان يغتسل هو وعائشة رضي الله عنها[(870)].

والمقصود من اغتسال الإنسان عريانًا إذا لم يكن عنده أحد، في البرية أو في الصحراء أو في الحمام فلا بأس، أما أمام الناس فلا يجوز.

قوله: «خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ» فيه: قدرة الله العظيمة، وهل يكون الجراد من ذهب؟ يقول الله تعالى: [يس: 82]{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}.

قوله: «فَنَادَى رَبُّهُ» فيه: إثبات الكلام لله.

وفيه: أن الله تعالى نادى أيوب وكلمه بدون واسطة، والنداء نوع من الكلام وهو كلام من بعد، ولابد فيه من الصوت؛ فدل على إثبات الكلام لله، وأنه بصوت يسمع.

قوله: «لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» يعني: وهذا من البركة.

 

}7494{ هذا الحديث من الأحاديث المتواترة.

وفيه: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى» ، وفي اللفظ الآخر: «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا»[(871)] فيه: إثبات النزول لله عز وجل، وهو صفة من صفات الأفعال التي تليق بجلاله وعظمته، ينزل كيف شاء سبحانه وتعالى.

قوله: «كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآْخِرُ» في أي مكان كنت من الدنيا إذا جاء ثلث الليل الآخر فهذا وقت ينزل الله فيه، وهو وقت الاستجابة للدعاء.

قوله: «فَيَقُولُ:» سبحانه وتعالى، وفيه: إثبات الكلام لله، وهذا هو الشاهد.

قوله: «مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» ، وهذا من فضل الله العظيم.

 

}7495{، }7496{ المؤلف رحمه الله روى الحديثين بسند واحد قال: «نَحْنُ الآْخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وهذا ليس فيه شاهد، لكنه رواهما جميعًا بسند واحد، ثم قال: «قَالَ اللَّهُ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ».

والشاهد قوله: «قَالَ اللَّهُ» فيه: إثبات القول والكلام لله.

وقوله: «أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ» فيه: أن من أنفق فإن الله يخلف عليه النفقة، قال الله تعالى: [سَبَإ: 39]{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ *}.

وجاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء: «أنفقي»[(872)] وفي لفظ: «انضحي أو انفحي ولا تحصي فيحصي الله عليك»[(873)] يعني: لا تمسكي؛ فإن من أمسك أمسك الله عليه، ومن أنفق أنفق الله عليه.

 

}7497{ الشاهد من الحديث قوله: «فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ» ففيه: أن الله تكلم وأمر جبريل عليه السلام أن يبلغ السلام لخديجة.

وفيه: منقبة عظيمة لخديجة أم المؤمنين رضي الله عنها؛ يقرئها ربها السلام؟!.

قوله: «وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ» يعني: في الجنة «مِنْ قَصَبٍ» يعني: من لؤلؤ، «لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ» فيه: الشهادة لخديجة بالجنة.

وفي قصة عائشة رضي الله عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن جبريل يقرئك السلام» فقالت: «وعليه السلام»[(874)] فعائشة رضي الله عنها أقرأها جبريل السلام، وخديجة رضي الله عنها أقرأها ربها السلام، واحتج بهذا الحديث من قال: إن خديجة أفضل النساء، وقال آخرون: إن عائشة هي الأفضل، وقال آخرون: إن خديجة في أول الإسلام أفضل وعائشة في آخر الإسلام أفضل؛ لأن خديجة في أول الإسلام ثبتت النبي صلى الله عليه وسلم وهدأت من روعه وآزرته في الشدة والكربة وأول البعثة؛ وعائشة نقلت علمًا كثيرًا للأمة؛ حيث نقلت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمت الأمة بأسرها.

 

}7498{ قوله: «قَالَ اللَّهُ:» هذا هو الشاهد من الحديث.

وفيه: إثبات القول والكلام لله عز وجل.

وفيه: الفضيلة لعباد الله الصالحين.

قوله: «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ» يعني: في الجنة «مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ» يعني: أعد الله لهم من النعيم شيئًا ما رأته العيون ولا سمعته الآذان، وكل ما يخطر ببالك فالنعيم أعلى وأفضل منه.

وهذا الحديث من الأحاديث القدسية، من كلام الله لفظًا ومعنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى ربه سبحانه وتعالى.

 

}7499{ هذا الحديث في التهجد بالليل، وهو من الاستفتاحات الطويلة التي يستفتح بها في قيام الليل قبل قراءة الفاتحة.

أما في الفرائض فما كانوا يطيلون، يقول في الفريضة: «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك»[(875)] وهذا قصير؛ لأن الفرائض مبنية على التخفيف، أو يقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب»[(876)] أما هذا الاسفتاح الطويل فكان يستفتح به النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل، والشاهد فيه قوله: «وَقَوْلُكَ الْحَقُّ» فيه: إثبات القول لله تعالى، وقوله: «وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ» فيه: إثبات الرؤية كما سبق.

 

}7500{ هذا الحديث في قصة الإفك، و «الإِْفْكِ» معناه: أسوأ الكذب.

وذلك أن عائشة رضي الله عنها لما ذهبت تقضي حاجتها وكانت في هودج، فحمل الفتيان الهودج ـ وكانت خفيفة ـ فظنوا أنها فيه، ثم ذهب الجيش وتركوها، فجاء صفوان بن المعطل السلمي متأخرًا عن الجيش وعرفها فأناخ البعير فركبت وهو يمشي على قدميه فتكلم أهل الإفك من المنافقين ورموها بالفاحشة.

وحبس الوحي عن النبي صلى الله عليه وسلم مدة شهر حتى خاض أهل الإفك، فاشتد الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عائشة، فلما علمت صارت تبكي ليل نهار حتى كاد البكاء يفلق كبدها.

ثم بعد ذلك أنزل الله براءتها، فكانت تقول: أنا في نفسي حقيرة ما كنت أظن أن الله سيذكرني في القرآن، ولكن كنت أرجو أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم رؤيا في الليل يبرئني الله بها، لكن الله أنزل في براءتها قرآنا يتلى إلى يوم القيامة: [النُّور: 11]{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}.

والشاهد قول عائشة رضي الله عنها: «وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ» فيه: إثبات الكلام لله.

 

}7501{ قوله: «يَقُولُ اللَّهُ:» فيه: إثبات القول لله وإثبات الكلام لله وهذا هو الشاهد.

وفيه: فضل الله تعالى وإحسانه للعبد، وأن العبد إذا أراد أن يعمل السيئة لا تكتب عليه حتى يعملها، فإذا عملها كتبت سيئة واحدة، وإن تركها من أجل الله كتبت له حسنة.

أما إذا إراد أن يعمل حسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، كمن يريد أن يتصدق ولا يتصدق فتكتب له حسنة، وإن عملها تكتب له عشر حسنات، وقد تكتب عشرين إلى سبعمائة حسب ما يكون بقلبه من حقائق الإيمان، وحسب نفع هذا العمل وتأثيره، فإذا نوى الإنسان أن يعمل حسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن نوى وعملها كتبت له عشر حسنات وقد تزيد إلى سبعمائة ضعف.

وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «القاتل والمقتول في النار» قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»[(877)] فترك السيئة له ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن يتركها خوفًا من الله فهذا تكتب له حسنة كما في هذا الحديث: «وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ أَجْلِي فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً» ، وفي الحديث الآخر: «فاكتبوها له حسنة فإنه تركها من جراي»[(878)] فإذا ترك السيئة خوفًا من الله تكتب له حسنة؛ لأن خوف الله حسنة فهو من الأعمال الصالحة.

الحالة الثانية: إذا أراد أن يعمل السيئة ثم تركها غفلة وإعراضًا فلا تكتب له ولا عليه.

الحالة الثالثة: أن يترك السيئة عجزًا مع فعل الأسباب التي تؤدي إلى المعصية، فهذه تكتب عليه سيئة، مثل إنسان أراد أن يسرق وشرع في السرقة، لكن جاءه مانع فترك السرقة، فهذه تكتب عليه سيئة؛ لأنه فعل الأسباب، وما تركها خوفًا من الله ولا إعراضًا، وهو مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «القاتل والمقتول في النار»[(879)] فالمقتول صار في النار؛ لأنه فعل الأسباب وكان حريصًا على قتل صاحبه، لكن غلبه صاحبه فقتله.

وهذا الحديث من الأحاديث القدسية من كلام الله لفظًا ومعنى؛ ولهذا أضافه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه.

 

}7502{ هذا الحديث في عظم شأن الرحم، وأنه يجب على الإنسان أن يصل رحمه، والرحم هي القرابة من جهة الأب ومن جهة الأم، وأعظم الرحم الأم والأب، ثم أقاربك من جهة الأم ومن جهة الأب.

والأبوان هما الرحم، ثم الأجداد والجدات والأبناء والبنات وأبناؤهم، ثم الإخوة والأخوات وأبناؤهم، ثم الأعمام والعمات وأبناؤهم، ثم الأخوال والخالات، الأقرب فالأقرب.

قوله: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَقَالَ: مَهْ؟ قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ، فَقَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى. يَا رَبِّ. قَالَ فَذَلِكِ لَكِ» الخطاب للرحم.

قوله: «ثُمَّ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: [محَمَّد: 22]{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ *}» وهذا يدل على أن قطيعة الرحم من الكبائر وأنها من الفساد في الأرض وأن صاحبها متوعد باللعن.

والشاهد من هذا الحديث قوله: «فَقَالَ:» أي: الرب، «أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ» فيه: إثبات الكلام لله تعالى.

 

}7503{ هذا الحديث من الأحاديث القدسية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نسبه لله تعالى فقال: «قَالَ اللَّهُ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي كَافِرٌ بِي وَمُؤْمِنٌ بِي» ، والشاهد فيه قوله: «قَالَ اللَّهُ:» ففيه: إثبات القول لله عز وجل.

وهذا الحديث مختصر، وفيه: «من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب»[(880)] فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهذا مؤمن بالله، ومن قال: مطرنا بالنجم الفلاني وبالنوء الفلاني فهذا كافر بالله، ومن اعتقد أن للنجم تأثيرًا في إنزال المطر فهذا كفر أكبر؛ لأنه شرك في الربوبية يخرج من الملة، وإن اعتقد أن النجم سبب في إنزال المطر فهذا شرك أصغر.

 

}7504{ هذا الحديث من الأحاديث القدسية أيضًا من كلام الله لفظًا، والشاهد فيه قوله: «قَالَ اللَّهُ» فيه: إثبات القول لله.

وفيه: إثبات المحبة لله.

وفيه: إثبات الكراهة لله عز وجل.

وفيه: أن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، وفي اللفظ الآخر أن عائشة قالت: «يا رسول الله أكراهية الموت كلنا يكره الموت، قال: لا ليس كذلك فإن المؤمن إذا حضره الموت بشر بكرامة الله وجنته فأحب لقاء الله فأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله وسخطه والنار فكره لقاء الله فكره الله لقاءه»[(881)] .

 

}7505{ وهذا الحديث أيضًا من الأحاديث القدسية لفظًا ومعنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله، والشاهد فيه: قوله: «قَالَ اللَّهُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» وفيه: أنه ينبغي للمسلم أن يحسن ظنه بالله.

وقوله: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» فيه: إثبات المعية لله عز وجل، وأن الله تعالى مع عبده الذي يحسن الظن به بعونه وتأييده ونصره.

 

}7506{ سبق هذا الحديث، وسبق أن الذي حمل هذا الرجل على ذلك هو الجهل مع الخوف العظيم، فظن أنه إذا وصل إلى هذا الحال أحرق وسحق وطحن وذر يفوت على الله عز وجل ولا يدخل تحت القدرة فلا يقدر على بعثه؛ فهو مؤمن بالبعث ومؤمن بقدرة الله عز وجل، لكن بسبب جهله وخوفه غفر الله عز وجل له.

 

}7507{ هذا الحديث فيه: أن هذا العبد أذنب ثلاث مرات وتاب فغفر الله له: «فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِهِ؟ غَفَرْتُ لِعَبْدِي» أذنب العبد ثم قال: أصبت ذنبًا فاغفره لي ـ هذه هي التوبة ـ فغفر الله له، ثم أذنب مرة أخرى فتاب فغفر الله له، ثم أذنب الثالثة فتاب فغفر الله له، وجاء في الرواية الأخرى: «فقال الله: غفرت لعبدي ـ ثلاثًا ـ فليعمل ما شاء»[(882)] ليس معناه: إذنًا بالذنب، بل المعنى ما دام كذلك كلما أذنب تاب فلا يضره الذنب بعد التوبة.

وفيه: أن من تاب تاب الله عليه ولو تكرر الذنب.

وفيه: دليل على أن التوبة تتبعض إذا تاب من ذنب صحت توبته منه وبقي عليه الذنوب الأخرى، فمثلاً إذا كان الإنسان يشرب الخمر ويعق الوالدين وتاب من شرب الخمر ولم يتب من عقوق الوالدين، صحت توبته من شرب الخمر وبقي عليه عقوق الوالدين، ولكن ينبغي أن تكون التوبة عامة، وعلى الإنسان الحذر من الذنوب؛ لأن الإنسان قد لا يوفق للتوبة بعد الذنب.

فينبغي للإنسان أن يحذر من الذنب، وإلا فالإنسان إذا وفق للتوبة فلا يضره، كلما أذنب تاب فالتوبة تمحو الذنب السابق، لكن التوبة تكون بشروطها؛ يتوب لله، ويقلع عن الذنب، ويندم على ما مضى، ويعزم عزمًا أكيدًا جازمًا على ألا يعود إليه ويرد المظلمة إلى أهلها، ويكون قبل الموت، وقبل نزول العذاب، وقبل طلوع الشمس من مغربها في آخر الزمان، هذه هي شروط التوبة لكي تمحو هذا الذنب، فإذا وجدت هذه الشروط فهي توبة صحيحة.

والشاهد قوله: «فَقَالَ رَبُّهُ: أَعَلِمَ عَبْدِي أَنَّ لَهُ رَبًّا» في ثلاثة مواضع: «فَقَالَ رَبُّهُ:» وفيه: إثبات القول لله والكلام لله.

 

}7508{ وهذا الحديث له روايات متعددة ساقها المؤلف في عدة مواضع، والشاهد منه قوله: «قَالَ اللَّهُ: أَيْ عَبْدِي مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ فَعَلْتَ؟ مَا فَعَلْتَ» وفيه: إثبات القول لله عز وجل، وفي الرواية الأخرى: «قال: لم فعلت؟» [(883)].

وهذا الحديث في شرع من قبلنا؛ أن رجلاً كان ممن قبلنا أنكر البعث، ومع ذلك رحمه الله.

وفيه: كلام لأهل العلم.

في الحديث الأول: أن هذا الرجل آتاه الله مالاً وولدًا وكان يعمل المعاصي ولما حضرته الوفاة جمع بنيه فقال: «أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ» قال: إني ما عملت خيرًا، وإن قدر الله علي وبعثني ليعذبني عذابًا شديدًا.

وجاء في بعض الروايات: «أنه كان نباشًا للقبور فأخذ المواثيق على بنيه أنه إذا مات أن يحرقوه بالنار، فإذا أحرقوه سحقوه وطحنوا عظامه ولحمه، ثم يذروا نصفه في البر ونصفه في البحر»[(884)] وفي اللفظ الآخر: «إذا كان في يوم عاصف شديد الهبوب ذروه»[(885)] وقصده من ذلك ألا يبعث، فأنكر البعث، ومنكر البعث كافر، وهذا الرجل مع أنه أنكر البعث رحمه الله فكيف ذلك؟!

بعض العلماء يقولون: إن هذا خاص بمن كان قبلنا، وأقرب ما قيل هو ما ذكره العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: أن هذا الحديث وإن كان في شرع من قبلنا إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ساقه وأقره وسكت عليه، وأن هذا الشخص جاهل وأنكر دقيقة من الدقائق عن جهل لا عن تعمد وعناد؛ فصار معذورًا، ففيه: الدليل على أن الجاهل إذا أنكر بعض الدقائق التي مثله يجهلها فإنه يعذر بذلك، فهذا الرجل لم ينكر قدرة الله ولم ينكر البعث، بل هو يعتقد أن الله قادر على بعثه ويعتقد أن الله يبعث الأموات، لكن جهل كمال تفاصيل القدرة، وظن أنه إذا سحق وذر في البر وفي البحر أنه يفوت على الله ولا يقدر على بعثه، كما لو هرب إنسان عن ملك في الفلاة أو في البحر ظنًّا منه أنه لا يستطيع أن يظفر عليه.

والذي حمله على ذلك ليس العناد، ولكن الجهل والخوف العظيم، فلو كان معاندًا متعمدًا لا يعذر، ولو كان منكرًا لأمر واضح فلا يعذر، كما لو أنكر إنسان شيئًا معلومًا لا يعذر، فلو عبد إنسان غير الله وذبح لغير الله وكان يعيش بين المسلمين فهذا لا يعذر؛ لأن هذا أمر معلوم، أو إنسان فعل الزنا أو تعامل بالربا بين المسلمين فإذا سألته يقول: لا أدري أنا جاهل، نقول: لا؛ هذا أمر واضح لكل أحد، لكن لو أسلم إنسان في مجتمع ربوي يتعامل بالربا فلما سألناه قال: أنا أظن أنه جائز، هذا صحيح يمكن أن يخفى عليه، أما الإنسان الذي يعيش بين المسلمين فهذا لا يخفى عليه فلا يعذر.

قوله: «يَبْتَئِرْ أَوْ لَمْ يَبْتَئِزْ» اختلف فيها يبتئر بالراء أو يبتئز بالزاي، والمعنى: لم يعمل خيرًا.

قوله: «أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ» يعني: خوفًا منك.

قوله: «لَمْ يَبْتَئِزْ» وقوله: «يَبْتَئِزْ» اختلف فيها يبتئر بالراء أو يبتئز بالزاي، وفسرها قتادة فقال: «لَمْ يَدَّخِرْ» .

 كَلاَمِ الرَّبِّ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الأَْنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ

}7509{ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ شُفِّعْتُ فَقُلْتُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ فَيَدْخُلُونَ، ثُمَّ أَقُولُ: أَدْخِلْ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ» فَقَالَ: أَنَسٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد