شعار الموقع

شرح كتاب التعليق على لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ( 1 ) من بداية الكتاب إلى النقل عن الأوزاعي: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس...

00:00
00:00
تحميل
281

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. 

لمعة الاعتقاد للآن ما بدأنا لكن ممكن أن نعيد القواعد التي مرت في الدرس الماضي. 

لمعة الاعتقاد، اللمعة: معناها الأصل هي البُلغة من العيش، ثم لمعة الاعتقاد؛ يعني بلغة من الاعتقاد الصحيح الموافق لعقيدة السلف الصالح؛ ولهذا سماها: لمعة الاعتقاد؛ يعني شيء من الاعتقاد الصحيح الَّذِي يوافق الكتاب وَالسُّنَّة.

سبق بعض القواعد في الدرس الماضي، منها: أن أسماء الله وصفاته يَجِبُ إجراؤها عَلَى ظاهرها؛ يعني قاعدة، قاعدة عظيمة، يجب إجراء النصوص على ظاهرها، من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، نصوص الصفات، وأسماء الله تجرى على ظاهرها، لا تؤول إلا بدليل.

ومنها: أن أسماء الله لا تنحصر بعدد، وأما حديث: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، المراد: تسعة وتسعين اسماً موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة. 

ومنها: أن أسماء الله الحسنى لا تثبت إلا بالنص لا تثبت بالعقل، أسماء الله وصفاته توقيفية لا تثبت إلا بالنص.

ومن القواعد في صفات الله: أنها كلها أسماء الله الحسنى، كلها كمال ليس فيها نقص.

ومنها أن صفات الله تنقسم إلى قسمين: 

صفات ثبوتية. 

وصفات سلبية. 

الصفات الثبوتية: مثل: إثبات صفة العلم، والقدرة، والسمع، والبصر. 

والصفات السلبية: مثل: نفي الظلم، نفي النوم، ونفي الموت؛ هذه صفات سلبية، لكن تتضمن إثبات ضدها من صفات الكمال، الله تعالى نفى عن نفسه الظلم لكمال عدله، نفى عن نفسه النوم لكمال حياته، نفى عنه العجز لكمال قوته واقتداره، اقرأ القواعد التي ذكرها الشيخ محمد؛ قواعد في الأسماء والصفات. 

( الطالب) 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

( الشيخ ) 

 هنا يقول: ما المراد بقول الحافظ فسرها المعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد، والفرق بينهم، وبين السلف أن الأعمال شرطًا في صحة؟. 

فالمعتزلة، وكذلك الخوارج يقولون: الإيمان عمل، وقول، ونطق مثل أهل السنة؛ جميع الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، لكن الخوارج يقولون: إذا ترك واجبا، أو فعل كبيرة؛ انتهى الإيمان، ودخل في الكفر، وأما أهل السنة، يقولون: لا، إذا فعل كبيرة ما يخرج من الإيمان، يضعف إيمانه، وينقص، وإلا فالخوارج والمعتزلة يوافقون في أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان مثل أهل السنة، يقولون: كل ما أمر الله به من الإيمان فعله، وكل ما نهى الله عنه من الإيمان تركه؛ جميع ما جاء به الشرع من الأقوال، والأعمال؛ كلها من الإيمان، لكن إذا فعل كبيرة خرج من الإيمان، ودخل في الكفر، والمعتزلة يقولون: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، وأما أهل السنة يقولون: لا، إذا فعل كبيرة ضعف إيمانه ونقص، فلا يخرج من الإيمان، ولا يدخل في الكفر، ولا يخلد في النار. 

(المتن) 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: 

فقال المؤلف حفظه الله تعالى: 

القاعدة الأولى: في الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته. 

الواجب في نصوص الكتاب والسنة إبقاء دلالتها على ظاهرها من غير تغيير؛ لأن الله أنزل القرآن بلسان عربي مبين والنبي ﷺ يتكلم باللسان العربي، فوجب إبقاء دلالة كلام الله، وكلام رسوله ﷺ على ما هي عليه في ذلك اللسان، ولأن تغييرها عن ظاهرها قول على الله بلا علم، وهو حرام لقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33] . 

(الشرح) 

نعم، هذه القاعدة معروفة؛ وهي إجراء دلالة النصوص على ظاهرها، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ؛ ظاهر النص إثبات الاستواء نثبت الاستواء، وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ؛ ظاهر النص إثبات العلم والحكمة، وإثبات اسم الله العليم والحكيم فنثبتها على ظاهرها؛ لأن دلالة الألفاظ تقتضي هذا، وإلا فما الفائدة من الألفاظ إذا كانت دلالتها لا تعتبر، وتحريفها والقول: بأن الاستواء معناه الاستيلاء، والنزول معناه نزول الرحمة؛ هذا قول على الله بلا علم؛ يتقولون على الله، وهو من الكبائر العظيمة التي جعلها الله تعالى فوق الشرك فيقول: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف/33]. جعل القول على الله بلا علم فوق الشرك؛ وذلك لأنه يشمل الشرك وغيره، فالشرك قول على الله بلا علم، فالقول: بأن النصوص يجب تأويلها، أو أن لها معان غير المعاني التي يُفهم من ظاهرها؛ قول على الله بلا علم، لا شك.

فالواجب إجراء النصوص على ظاهرها؛ نصوص الصفات على ظاهرها، على ما دلَّت عليه؛ وهذه هي طريقة السلف. 

(المتن) 

مثال ذلك قوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة: 64]؛ فإن ظاهر الآية أن لله يدين حقيقيتين. 

(الشرح) 

يعني فيجب إثبات اليدين لله  على ما يليق بجلال الله وعظمته، فالتمثيل منفي، يقول الله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65]، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى/11]، فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ [النحل/74]؛ فلله يدان حقيقيتان؛ هذا ظاهر النص، فالقول: بأن معنى اليدين النعمتين و اليد معناها النعمة، أو معناها القدرة؛ هذا تحريف تقول على الله بلا علم، وإخراج للفظ عن ظاهره، من أبطل الباطل، فإجراء اللفظ على ظاهره أن نقول: نثبت لله يدين حقيقتين، لا يماثل الله تعالى أحدًا من خلقه في شيء من صفاته. 

(المتن) 

فيجب إثبات ذلك له.

فإذا قال قائل المراد بهما القوة قلنا له هذا صرف للكلام عن ظاهره فلا يجوز القول به؛ لأنه قول على الله بلا علم. 

(الشرح) 

صحيح، وتحريف للفظ عما دلَّ عليه. 

(المتن) 

القاعدة الثانية: في أسماء الله وتحت هذه القاعدة فروع: 

الفرع الأول: أسماء الله كلها حسنى: أي بالغة في الحسن غايته؛ لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه. 

(الشرح) 

نعم، وهذا مأخوذ من قول الله تعالى: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف/180]؛ فأسماء الله كلها حسنى، وهي دالةٌ على صفات، وليست جامدة، بل هي مشتقة، أسماء الله مشتقة دالة على صفات؛ كل اسم يدل على صفة، مثلًا: اسم الله؛ الرحمن؛ يدل على إثبات الذات لله ، ويدل على إثبات هذا الاسم لله ، ويدل على إثبات صفة الرحمة لله ، ويدل على الأثر؛ وهو تعلقها بالمرحوم؛ لأن الصفات قد تكون متعدية، وقد تكون قاصرة، قد تكون متعدية فنؤمن بالاسم، والصفة، والأثر، قد تكون قاصرة؛ مثل: الاستواء، مثل: النزول؛ فلا يكون لها أثر. 

(المتن) 

قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الأعراف/180] . 

مثال ذلك: الرحمن فهو اسم من أسماء الله تعالى، دال على صفة عظيمة؛ هي الرحمة الواسعة.

 ومن ثَمَّ نعرف أنه ليس من أسماء الله: الدهر؛ لأنه لا يتضمن معنى يبلغ غاية الحسن. 

(الشرح) 

وهذا فيه الرد على ابن حزم، أبو محمد بن حزم، قال: إن من أسماء الله: الدهر، واستدل بقول النبي ﷺ : لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، قال: هذا دليل على أن الدهر من أسماء الله، قد غلطه العلماء، وبيَّنوا أن الحديث لا يدل على أن الدهر من أسماء الله، بدليل الروايات الأخرى يضم بعضها إلى بعض؛ لأن جاء في الرواية: فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، بمعنى إِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، يعني يقلب ليله ونهاره، يعني مصرف الدهر، ومدبر الدهر؛ والدهر هو الليل والنهار والزمان، الله تعالى هو مدبره، و مقلبه، و مصرفه، في الرواية الأخرى: إِنِّي أَنَا الدَّهْرُ، أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، فالروايات تفسر بعضها بعض، فليس من أسماء الله الدهر، كما يقول ابن حزم؛ هذا من أغلاطه رحمه الله. 

(المتن) 

فأما قوله ﷺ: لا تَسُبُّوا الدَّهْرَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الدَّهْرُ، فمعناه: مالك الدهر المتصرف فيه. 

(الشرح) 

نعم، مالك الدهر، ومدبر الدهر، ومصرف الدهر، ومقلب الدهر؛ يعني الليل والنهار والزمان. 

(المتن) 

بدليل قوله في الرواية الثانية عن الله تعالى: بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ

(الشرح) 

وفي لفظ: أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ

(المتن) 

الفرع الثاني: أسماء الله غير محصورة بعدد معين: 

لقوله ﷺ في الحديث المشهور: أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ

(الشرح) 

لأن الأسماء ليست محددة، ما يقول إنسان: أسماء الله مائة، أو مائتين، أو ثلاث مائة، أو ألف؛ ما في دليل على الحصر، وأمَّا قول النبي ﷺ : إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ؛ فليس المراد الحصر، فالمراد: أن لله تسعة وتسعين اسمًا موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة؛ موصوفة بهذا الوصف؛ التسعة والتسعين موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة، من أحصاها؛ يعني حفظها، وعمل بمقتضاها بما يمكن العمل بها؛ وهي غير محددة الآن بالتسعة وتسعين والحكمة في ذلك، والله أعلم؛ حتى يجهد العلماء في البحث عنها في النصوص من الكتاب والسنة، ويعدوها، ويحفظوها، ويعملوا بها، فهي موصوفة بهذا الوصف. 

إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ، ولله أسماء أخرى غير موصوفة بهذا الوصف؛ كما في الحديث الذي ذكره المؤلف: أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ. في أسماء استأثر الله بها، لم يطلع عليها أحد. 

الطالب: لو قال قائل (12:51) ؟ 

الشيخ: أسماء كثيرة ما هو اسم واحد، أسماء كثيرة استأثر الله بها، الاسم الأعظم، جاء في الآية أن الاسم الأعظم: اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة/255].  جاء في ثلاث آيات من الكتاب، وقال بعضهم: إن المراد من الاسم الأعظم؛ يعني العظيم، وجاء في الحديث الآخر الرجل الذي سأل: اللَّهُمَّ إني أسألك بأنك أنت الله لا إله إِلَّا أنت بديع السموات، قَالَ: لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ، الذي لو سُئِلَ بِهِ أَعْطَى، وإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، أو كما جاء في الحديث.

فيه خلاف في اسم الله الأعظم، بعضهم قال: اسم الله الأعظم الحي القيوم؛ لِأَنَّ الله قَال: اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة/255]؛ في ثلاث آيات من كتابه؛ جاءت في البقرة، وآل عمران، وفي طه:  وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه/111]؛ ولأن الحي القيوم اسمان ترجع إليهما جميع الأسماء، قال بعضهم: المراد بالاسم الأعظم، المراد بالأعظم: العظيم، وكل أسماء الله عظيمة. 

الطالب: (14:00) ؟ 

الشيخ: الله أعلم، موصوفة بأن من أحصاها دخل الجنة. 

الطالب: يا شيخ الله يحفظك، من قال: إن لفظ الجلالة الله: هو الاسم الأعظم، هل من دليل على قوله؟ 

الشيخ: اسم الجلالة هو أعرف المعارف، والأسماء كلها ترجع إليه، وهو مشتق متضمن صفة الألوهية، والأسماء كلها ترجع إليه، وأما أنه الاسم الأعظم يحتاج إِلى دليل، الأعظم بمعنى عظيم، من أعظم الأسماء، والأسماء كلها ترجع إليه. 

(المتن) 

وما استأثر الله به في علم الغيب عنده لا يمكن حصره ولا الإحاطة به، والجمع بين هذا وبين قوله في الحديث الصحيح: إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: أن معنى هذا الحديث إن من أسماء الله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة، وليس المراد حصر أسمائه تعالى بهذا العدد. 

 (الشرح) 

فالمراد وصفها بهذا الوصف؛ من أحصاها دخل الجنة. 

(المتن) 

ونظير هذا أن تقول: عندي مائة درهم أعددتها للصدقة، فلا ينافي أن يكون عندك دراهم أخرى أعددتها لغير الصدقة. 

الفرع الثالث: أسماء الله لا تثبت بالعقل وإنما تثبت بالشرع، فهي توقيفية. 

(الشرح) 

نعم، هذه قاعدة معروفة، أن أسماء الله وصفاته توقيفية، ومعنى توقيفية؛ يعني يوقف فيها على ما جاء في الشرع؛ يعني مأخوذة من الشرع؛ من النصوص، من الكتاب والسنة، العقل ليس له مجال، ما نخترع لله أسماء من عند أنفسنا، لا، بل الأسماء توقيفية، ما جاء في الكتاب والسنة من أسماء الله نثبتها ، وما جاء نفيه نفيه عن الله، وما لم يرد في الكتاب، ولا في السنة نتوقف فيه؛ فالأسماء والصفات توقيفية. 

 وما جاء إطلاقه على الله هذا يحتاج إلى تأمل. 

 (المتن) 

يتوقف إثباتها على ما جاء عن الشرع، فلا يُزاد فيها ولا ينقص؛ لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه تعالى من الأسماء، فوجب الوقوف في ذلك على الشرع، ولأن تسميته بما لم يسم به نفسه، أو إنكار ما سمى به نفسه جناية في حقه تعالى، فوجب سلوك الأدب في ذلك. 

الفرع الرابع: كل اسم من أسماء الله فإنه يدل على ذات الله، وعلى الصفة التي تضمنها، وعلى الأثر المترتب عليه إن كان متعديا: ولا يتم الإيمان بالاسم إلا بإثبات ذلك كله. 

(الشرح) 

مثل اسم الرحمن؛ يدل على إثبات الذات، ويدل على إثبات هذا الاسم لله، ويدل على صفة الرحمة، ويدل على الأثر؛ وهو رحمة الله بعباده. 

(المتن) 

مثال ذلك في غير المتعدي: العظيم، فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسمًا من أسماء الله دالًا على ذاته تعالى، وعلى ما تضمنه من الصفة؛ وهي العظمة. 

ومثال ذلك في المتعدي: الرحمن فلا يتم الإيمان به حتى نؤمن بإثباته اسمًا من أسماء الله دالًا على ذاته تعالى وعلى ما تضمنه من الصفة؛ وهي الرحمة، وعلى ما ترتب عليه من أثر وهو أنه يرحم من يشاء. 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:  

قال المؤلف رحمه الله تعالى: 

القاعدة الثالثة في صفات الله وتحتها فروع أيضًا:

 الفرع الأول: صفات الله كلها عليا صفات كمال، ومدح، ليس فيها نقص بوجه من الوجوه: كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والحكمة والرحمة والعلو وغير ذلك لقوله تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى[النحل/60]؛ ولأن الرب كامل فوجب كمال صفاته. 

(الشرح) 

وهذه القاعدة معلومة، صفات الله كلها عليا، وكلها كمال؛ كما قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل: 60]؛ يعني الوصف الأكمل، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى  الوصف الكامل، كما أن أسماءه  حسنى وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف/180].  

فكلها كمال، العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر؛ ولهذا إذا كانت الصفة تحتمل الكمال، وتحتمل النقص؛ لا يوصف الله بها، إذا كانت تحتمل هذا وهذا فلا يوصف الله بها، من ذلك مثل ما أحدثه بعض المبتدعة الجسم، والحيز، والعرض، والحد، والجهة؛ هذه كلها تحتمل هذا وهذا ما جاء الشرع بإثباتها، أمَّا صفات الله، فإنها كلها كاملة، وأسماء الله كلها حسنى؛ فلذلك أطلقها الله  على نفسه. 

(المتن) 

وإذا كانت الصفة نقصًا لا كمال فيها؛ فهي ممتنعة في حقه كالموت، والجهل، والعجز، والصمم، والعمى، ونحو ذلك؛ لأنه سبحانه عاقب الواصفين له بالنقص ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص. 

(الشرح) 

سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون [المؤمنون/91]؛ سبح نفسه، ونزه نفسه عما يصفه به المشركون من النقائص والعيوب. 

(المتن) 

ولأن الرب لا يمكن أن يكون ناقصًا لمنافاة النقص للربوبية. 

(الشرح) 

لأن الرب هو كامل ، الربوبية تقتضي الكمال، فلا يمكن أن يكون الرب إلا كاملًا. 

 (المتن) 

وإذا كانت الصفة كمالًا من وجه ونقصًا من وجه؛ لم تكن ثابتة لله، ولا ممتنعة عليه على سبيل الإطلاق، بل لابد من التفصيل، فتثبت لله في الحال التي تكون كمالًا، وتمتنع في الحال التي تكون نقصًا؛ كالمكر والكيد والخداع ونحوها؛ فهذه الصفات تكون كمالًا إذا كانت في مقابلة مثلها؛ لأنها تدل على أن فاعلها ليس بعاجز عن مقابلة عدوه بمثل فعله، وتكون نقصًا في غير هذه الحال، فتثبت لله في الحال الأولى دون الثانية، قال الله تعالى 

(الشرح) 

ولا تطلق على الله إلا باللفظ الذي ورد؛ مثل لفظ المكر؛ جاء بلفظ الفعل وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين [الأنفال/30]. 

 نقول: يمكر الله بمن مكر به، وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، أما أن يشتق وصف لله، ويقال: إن من وصف الله الماكر، لا؛ هذا نقص، ما يقال: إن من أوصاف الله الماكر، ولا من صفات الله المكر، هكذا، لكن يوصف الله بأنه يمكر بمن مكر به وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ [الأنفال/30].   ويكيد الله من كاده، ولا يشتق وصف لله؛ فلا يقال: من أوصاف الله الكائد، لا، اللّهُ يستهزئ بِهِمْ [البقرة/15]؛ يستهزئ الله بالمنافقين على لفظ الفعل، ولا يقال: من أوصاف الله: المستهزئ بخلاف الصفات التي جاء إطلاقها؛ مثل: العلم، والسمع، والحياة؛ فهي تطلق على الله.

فالصفات لها أحوال ثلاث: 

الحالة الأولى: أن تأتي الصفة مطلقة على الله؛ مثل: العلم والحياة؛ نطلقها على الله. 

الحالة الثانية: تأتي مقيدة بفعل، تأتي على لفظ الفعل، فلا تطلق على الله إلا على لفظ الفعل، مثل: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة/15]، ما يقال: إن من أوصاف الله المستهزئ، يقال الله يستهزئ بالمنافقين. 

الثالثة: تأتي على لفظ الفعل، وتأتي أيضًا مضافة؛ مثل: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء/142]؛ تقول: الله خادع المنافقين، يخدع الله المنافقين، فإذا جاءت على لفظ الفعل تبقى على لفظ الفعل، وإذا جاءت مضافة مع لفظ الفعل، تثبت لله على الإضافة، وإذا جاءت مطلقة؛ نثبت مطلقة. 

الطالب: مثال المطلقة؟ 

الشيخ: العلم، والحياة، والسمع، والبصر؛ كل هذه الصفات مطلقة لله بدون قيد.  

(المتن) 

قال الله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال/ 30]، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ۝ وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق/ 15-16].  

(الشرح) 

من ذلك قول الله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [يوسف/76]؛ الله تعالى كاد ليوسف في مقابل كيد إخوته له، إخوة يوسف كادوا له، ماذا كادوا له؟ 

قال الله تعالى في أول سورة يوسف لمَّا رأى يوسف الرؤية، وأخبر أباه، قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِين [يوسف/5]،كادوا له، كيف كادوا له؟ 

قالوا: يا أبانا إن؛ كادوا؛ يعني دبروا حيلة إنهم يأخذونه من أبيهم، وجاءوا إلى أبيهم، وقالوا: قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُون ۝ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون ۝ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ [يوسف/13].  فما زالوا حتى دفعه إليهم؛ فكادوا له، وألقوه في غيابة الجب؛ كما قصَّ الله في القرآن الكريم، ثم بعد ذلك بعد مدة طويلة، لما صارت العاقبة الحميدة له؛ وصار على خزائن مصر، وجاءوا إخوته إليه، صار الناس كلهم يجيئون من كل مكان يكتالون عندما جاءت السنين الجدب كما هو معروف، يوسف  قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ، وإلا ما في كيل، عرفهم، وهم لم يعرفوه، قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ [يوسف/61].  لنا أخ، لكنه متمسك بأبيه، فما زالوا بأبيهم حتى جاءوا بِهِ، بعد ذلك كاد الله ليوسف، يوسف قال للحراس: اجعلوا الصواع في رحل أخيه؛ يعني يوهم أنه أخذه، ثم بعد ذلك ذهبوا، كال لهم فذهبوا فجاءهم المنادي ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُون ۝ قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُون ۝ قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيم ۝ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِين [يوسف/70-73].  ما جئنا لنفسد، وما جئنا لنسرق، نحن الآن نريد أن نكتال ونذهب إلى أهلنا، قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِين ۝ قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف/74-75].  الذي يوجد في رحله يؤخذ، الذي يوجد في رحله يؤخذ هَذَا المسكين، قال الله: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف/76]؛ كاد الله ليوسف، قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِين [يوسف/75]، بعد ذلك قال الله: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ [يوسف/76].  

يعني لو لم يقولوا هذا القول لاستطاعوا أن يأخذوه؛ لأنه في دين الملك، وفي شريعة الملك، ما يؤخذ بالصواع، يكون له عقوبة أخرى غير هذه، لكن لما هم حكموا على أنفسهم، قالوا: من وجد في رحله فهو جزاؤه  خلاص، بعد ذلك قَالُوا: فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ، قَالَ: لا نحن لسنا ظالمين، مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ؛ أنتم حكمتم، خلاص وجدناه؛ نأخذ من وجدناه، هذا من الكيد الذي كاده الله ليوسف في مقابل كيدهم السابق كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [يوسف/76]؛ يعني ما كان في شريعة الملك ما كان ليأخذه إلا بهذا الكيد. 

(المتن) 

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء/142]، إلى غير ذلك. 

فإذا قيل هل يوصف الله بالمكر مثلا؟ فلا تقل: نعم، ولا تقل: لا، ولكن قل: هو ماكر بمن يستحق ذلك، والله أعلم. 

الفرع الثاني: صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية، وسلبية. 

فالثبوتية: ما أثبتها الله لنفسه كالحياة والعلم والقدرة. ويجب إثباتها لله على الوجه اللائق به؛ لأن الله أثبتها لنفسه وهو أعلم بصفاته. 

والسلبية: هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم، فيجب نفيها عن الله.  

(الشرح) 

لكنها تستلزم إثبات ضدها من الكمال، السلبيات؛ كما ذكر ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية.

الصفات تنقسم إلى قسمين؛ ثبوتية، وسلبية: 

ثبوتية: مثل العلم، والحياة، والسمع والبصر. 

السلبية: النفي، لكنها تستلزم إثبات ضدها من الكمال، ليس نفيًا صرفًا؛ لأن النفي الصرف المحض لا كمال فيه، مثل نفي الظلم، نفى الله عن نفسه الظلم لإثبات كمال العدل، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف/49]؛ لكمال عدله، نفى عنه أن يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض لكمال علمه، لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ [سبأ/3]؛ لكمال علمه، نفى الموت؛  لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ [البقرة/255]؛ السنة والنوم لكمال حياته وقيوميته، وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة/255]؛ لكمال قوته، وقدرته، وهكذا فالنفي ليس نفيًا صرفًا، وإنما هو نفي يستلزم إثبات ضده من الكمال. 

(المتن) 

والسلبية: هي التي نفاها الله عن نفسه كالظلم، فيجب نفيها عن الله؛ لأن الله نفاها عن نفسه لكن يجب اعتقاد ثبوت ضدها لله على الوجه الأكمل؛ لأن النفي لا يكون كمالًا حتى يتضمن ثبوتًا. 

مثال ذلك: قوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف/49]. فيجب نفي الظلم عن الله مع اعتقاد ثبوت العدل لله على الوجه الأكمل. 

الفرع الثالث: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين  

(الشرح) 

مثل الصرف المحض الذي لا كمال فيه؛ مثل قول الشاعر يذم قبيلة: 

قُبَيِّلَةٌ لَا يَغدِرُونَ بِذِمَّةٍ وَلَا يَظلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَردَلِ

نفى عنهم الغدر، ونفى عنهم الظلم لكن لعجزهم؛ لا يغدرون لعجزهم؛ وهذا نقص؛ فهذا نفي صرف، لا يستلزم إثبات الضد، متى يكون كمالًا؟ إذا كان لا يغدر وهو قادر، إذا كان لا يظلم وهو قادر، أما إذا كان عاجزا ما صار كمالًا؛ ولهذا صغرهم، قال:  

قُبَيِّلَةٌ لَا يَغدِرُونَ بِذِمَّةٍ وَلَا يَظلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَردَلِ

هذا كمال لا يظلمون، ولا يغدرون، لكن لعجزهم، لو قدروا لظلموا، وغدروا، لكنهم لا يغدرون، ولا يظلمون لعجزهم؛ هذا نفي صرف لا يأتي في صفات الله .

وفق الله الجميع لطاعته. 

 (المتن) 

الفرع الثالث: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين ذاتية وفعلية: 

فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفًا بها كالسمع والبصر. 

والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته إن شاء فعلها وإن شاء لم يفعلها كالاستواء على العرش والمجيء. 

وربما تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين كالكلام، فإنه باعتبار أصل الصفة صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلمًا وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام متعلق بمشيئته يتكلم بما شاء متى شاء. 

(الشرح) 

الصفات كما سبق تنقسم إلى:  سلبية، وثبوتية. 

والسلبية كما تقدم هي متضمنة لإثبات ضدها من الكمال؛ كنفي السِنة والنوم لإثبات كمال الحياة والقيومية، نفي عزوب شيء عنه؛ لإثبات كمال علمه لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ[سبأ/3]، وهكذا نفي الظلم لإثبات كمال عدله؛ هذه الصفات السلبية، لا ترد في جناب الرب ، لا ترد صفة ثبوتية إِلَّا وتتضمن إثبات ضدها من الكمال؛ قوله:لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ [البقرة/255]؛ لكمال حياته وقيوميته، لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ [سبأ/3]؛ لإثبات كمال علمه، وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا [البقرة/255]؛ لكمال قوته واقتداره، وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف/49]؛ لكمال عدله، وهكذا.  

لأن النفي الذي لا يتضمن إثبات ضده من الكمال نفي محض، والنفي المحض لا كمال فيه، يوصف به الجماد؛ فالجماد كالجدار وغيره، يوصف بالصفات السلبية التي لا تتضمن كمالًا، ومن ذلك المخلوق الذي يوصف بصفة لا تتضمن إثبات ضدها من الكمال، مثل الشاعر الذي كما سبق يذم قبيلة يَقُولُ: 

قُبَيِّلَةٌ لَا يَغدِرُونَ بِذِمَّةٍ وَلَا يَظلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَردَلِ

نفى عنهم الغدر، ونفى عنهم الظلم لكن، نفى عنهم الغدر، ونفى عنهم الظلم لعجزهم؛ لا يسمى كمالًا، لا يغدرون؛ لأنهم عاجزون، ولو قدروا لغدروا، ولا يظلمون لكونهم عاجزون، ولا تكون كمالًا إلا إذا كانت مع القدرة، الذي لا يغدر مع القدرة على الغدر؛ هذا هو الكمال، والذي لا يظلم مع القدرة على الظلم؛ هذا هو الكمال، أما إذا كان عاجزاً فلا يكون كمالًا.

ثم الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين كما سمعنا؛ صفات ذاتية، وصفات فعلية. 

الصفات الذاتية: ضابطها أَنَّهَا لا تنفك عن الباري في وقت من الأوقات؛ كالسمع، والبصر، والعلم، والقدرة، والحياة، والعلو، والعظمة، والكبرياء، والعزة؛ هذه ملازمة للرب، ما يقال في وقت عالم، وفي وقت ليس بعالم، هذه صفات ثبوتية ذاتية؛ لا تنفك عن الباري. 

أما الصفات الفعلية: فهي التي تتعلق بالمشيئة والاختيار؛ مثل: الكلام، والخلق، والرَّزق، والإماتة، والإحياء، والاستواء، والنزول؛ هذه صفات فعلية، ينزل إذا شاء، اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ؛ هذا بعد خلق السماوات، والأرض؛ دلَّ على أنه في وقت كان مستويًا، وفي وقت لم يكن مستويًا.

والكلام؛ يقال إنه صفة ذاتية، وصفة فعلية باعتبار ذات أصل الكلام هو ذاته؛ لأن نوع الكلام قديم، أما أفراد الكلام فهي حادثة يتكلم إذا شاء، لكن أصل الكلام قديم؛ لم يزل، ولا يزال، خلافاً للكرامية الذين يقولون: إن الرب كان معطلا عن الكلام؛ هناك فترة كان الكلام ممتنعًا عن الرب، ثم انقلب فجأة فصار ممكنا؛ هذا من أبطل الباطل؛ كلام الكرامية. 

شبهتهم في هذا: إنهم يقولون: إذا قلنا إن الرب يتكلم لزم من ذلك تسلسل الحوادث؛ إن الله يخلق بالكلام، فتكون الحوادث متسلسلة، فإذا تسلسلت انسدَّ علينا طريق إثبات الصانع؛ فلا نستطيع أن نثبت أن الله هو الأول إلا بإثبات فترة؛ نقول: هذا من أبطل الباطل، إثبات فترة ما عليها دليل. 

ثانيًا: أنه يلزم منها خلو الرب من الكمال من الخلق، والكلام صفة كمال، والخلق، والفعل كمال إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيم [الحجر/86]. فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ [البروج/16].  

ما دليلكم على هذه الفترة؟ أما الشبهة فإنها تزول؛ لأننا نقول كل الخلق، كل فرد من أفراد المخلوقات المتسلسلة مسبوقٌ بالعدم، أوجده الله بعد أن لم يكن، خلقه الله بعد أن لم يكن؛ مسبوق بالعدم، أوجده الله، ويكفي هذا كل فرد من أفراد المخلوقات المتسلسلة أوجده الله بعد أن لم يكن، ويكفي هذا، أما إثبات فترة؛ فهذا باطل ليس عليه دليل، ويلزم منه تنقص الرب ، وتعطيله لصفات الكمال؛ الخلق، والفعل. 

الطالب: الصفات الذاتية والفعلية (35:50) إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ؟ 

الشيخ: لا، ذكرنا الأمثلة: الكلام، والنزول، والاستواء، والخلق، والرزق، والإماتة؛ هذه كلها صفات فعلية. 

الطالب: (36:10) 

الشيخ: التي تتعلق بالفعل ضابطها أنه يصلح أن تقول مثلًا: ينزل إذا شاء، يتكلم إذا شاء، لكن ما تقول: يعلم إذا شاء؛ ما يصح؛ هَذَا يَدُلّ عَلَى أن العلم صفة ثبوتية، ويرحم من يشاء؛ الله  متصف بالرحمة في كل وقت.

لكن الرحمة رحمتان: رحمة خاصة ورحمة عامة. 

الرحمة العامة يدخل فيها كل مخلوق، والرحمة الخاصة؛ هي خاصة بالمؤمنين وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف/156]. 

(المتن) 

الفرع الرابع: كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة: 

السؤال الأول: هل هي حقيقية، ولماذا؟ 

السؤال الثاني: هل يجوز تكييفها، ولماذا؟ 

السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين، ولماذا؟ 

فجواب السؤال الأول: نعم حقيقية؛ لأن الأصل في الكلام الحقيقة، فلا يُعْدَلُ عنها إلا بدليل صحيح يمنع منها. 

وجواب الثاني: لا يجوز تكييفها لقوله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه/ 110]، ولأن العقل لا يمكنه إدراك كيفية صفات الله. 

وجواب الثالث: لا تماثل صفات المخلوقين لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء  [الشورى/11]، ولأن الله مستحق للكمال الذي لا غاية فوقه، فلا يمكن أن يماثل المخلوق؛ لأنه ناقص. 

والفرق بين التمثيل والتكييف: أن التمثيل ذكر كيفية الصفة مقيدة بمماثل والتكييف ذكر كيفية الصفة غير مقيدة بمماثل. 

(الشرح) 

التمثيل يقول: مثل كذا، صفة مثل صفة المخلوق؛ هذا تمثيل، والتكييف: يقول: لها كيفية كذا وكذا، لها كيفية ولا يحددها، فالتكييف منفي، والتمثيل منفي، وصفات الله لها كيفية لا يعلمها إلا هو ، لا يعلم كيفيتها إلا هو، لا يعلم البشر شيئًا؛ فلا يجوز للمخلوق أن يمثل، ولا أن يكيف. 

(المتن) 

مثال التمثيل: أن يقول قائل: يد الله كيد الإنسان. 

ومثال التكييف: أن يتخيل ليد الله كيفية معينة لا مثيل لها في أيدي المخلوقين؛ فلا يجوز هذا التخيل. 

القاعدة الرابعة: فيما نرد به على المعطلة

المعطلة هم الذين ينكرون شيئًا من أسماء الله، أو صفاته ويحرفون النصوص عن ظاهرها ويقال لهم المؤولة. 

(الشرح) 

المعطلة من التعطيل؛ وهو الخلو، والفراغ، والترك، ومنه قولهم: بئر معطَّلة؛ وهي التي عطلت من الدلاء، فلا ينزح منه الماء، يقال بئر المعطلة، وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج/45]. ويقال: امرأة عطل؛ إذا لم يكن عليها حُلي، معطلة الإبل عن راعيها، والدار عن ساكنها، فالدار إذا لم يكن فيها بها ساكن يقال معطلة، والمرأة إذا لم يكن عليها حُلي يقال معطلة، فمادة العين، والطاء، واللام تدل على الخلو، والفراغ، والترك، وكذلك من عطل هذا العالم المخلوقات عن صانع خلقه وأوجده يقال له: معطل، الجاحد الملحد؛ الذي يعطل المخلوقات عن خالقهم، يقال له: معطِّل، وكذلك من أنكر الأسماء والصفات، يقال له: معطِّل؛ لأنه عطَّل الخالق من كماله. 

وهم ثلاث طبقات، المعطلة : 

الطبقة الأولى: الذين ينكرون الأسماء والصفات؛ وهم الجهمية؛ فهؤلاء أشد تعطيلا. 

الطبقة الثانية: الذين يعطلون الصفات، ويثبتون الأسماء، ينكرون الصفات ويثبتون الأسماء، هؤلاء يقال لهم المعتزلة. 

الطائفة الثالثة: الذين يثبتون الأسماء، وسبع صفات، وينفون بقية الصفات، يثبتون سبع؛ وهي الحياة، والكلام، والسمع، والبصر، والعلم، والإرادة، والقدرة 

لَهُ الحَيَاةُ وَالكَلَامُ والبَصَر سَمعٌ إِرَادَةٌ وَعِلمٌ وَاقتَدَر

وينكرون بقية الصفات؛ وهم الأشاعرة، بعضهم يثبت عشرون صفة وبعضهم أربعين، فهؤلاء أقلهم تعطيلًا، وأقربهم إلى أهل السنة؛ هم الأشاعرة؛ يثبتون سبع صفات الحياة والكلام والبصر والسمع والإرادة والعلم والقدرة، هذه طبقات المعطلة. 

(المتن) 

ويقال لهم المؤولة.

 والقاعدة العامة فيما نرد به عليهم أن نقول: إن قولهم خلاف ظاهر النصوص وخلاف طريقة السلف، وليس عليه دليل صحيح، وربما يكون في بعض الصفات وجه رابع، أو أكثر. 

لمعة الاعتقاد. 

اللمعة: تطلق في اللغة على معانٍ منها: البُلْغة من العيش؛ وهذا المعنى أنسب معنى لموضوع هذا الكتاب. فمعنى لمعة الاعتقاد هنا: البُلْغة من الاعتقاد الصحيح المطابق لمذهب السلف رضوان الله عليهم. 

والاعتقاد: الحكم الذهني الجازم فإن طابق الواقع فصحيح وإلا ففاسد. 

(الشرح) 

هذا الاعتقاد: حكم الذهن الجازم، حكم الذهن الجازم يقال له اعتقاد لكن قد يكون حقًّا، وقد يكون باطلًا، فأهل السنة عندهم الاعتقاد الصحيح؛ فهذا اعتقاد صحيح، وأهل البدع عندهم اعتقاد جازم، لكنه باطل لكونه غير موافق للحق، المعتزلة يعتقدون أن الله لا يتصف بالصفات، لكن هذا باطل، وإن كانوا يعتقدون ذلك. 

واللمعة في الاعتقاد؛ يعني شيء من الاعتقاد الصحيح الموافق لما جاء في الكتاب والسنة. 

(المتن) 

ما تضمنته خطبة الكتاب، تضمنت خطبة المؤلف في هذا الكتاب ما يلي: 

الأول: البداءة بالبسملة . 

(الشرح) 

اقرأ الخطبة من الحمد لله، أعدها مرة ثانية، اقرأ الخطبة، الحمد لله المحمود بكل لسان، قبل هذا هي؟ في الأول؟ نعم، بسم الله الرحمن الرحيم 

(المتن) 

 مقدمة صاحب المتن ابن قدامة 

قال الشيخ الإمام العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي عليه رحمة الله: 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتصوير، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11] . 

له الأسماء الحسنى، والصفات العلى الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ۝ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ۝ وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه/5-7] . 

أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وقهر كل مخلوق عزة وحكمًا، ووسع كل شيء رحمة وعلمًا، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْما [طه/110].

 موصوف بما وصف به نفسه في كتابه العظيم، وعلى لسان نبيه الكريم. 

(الشرح) 

هذه كلها حق كلها مأخوذة من النصوص، فالله تعالى هو المحمود، والمحمود من الحمد، والحمد ذكر أوصاف المحمود مع حبه، وإجلاله، وتعظيمه، ذكر أوصاف الممدوح، مع حبه وإجلاله وتعظيمه؛ وهذا أبلغ من المدح، فالمدح: هو أن تثني على الشخص في صفاته، ولا يلزم من ذلك أن تحبه.   تثني على الشيء سواء إن كان إنسانا، أو حيوانا، أو غيره في أوصافه، ولا يلزم من ذلك المحبة؛ كما لو تثني على الأسد، تقول: إنه قوي، وإنه مفتول العضلات؛ هذا كلام، ولا يقال له حب، بخلاف الحب؛ فإنه ذكر أوصاف المحبوب مع حبِّه، وإجلاله، وتعظيمه؛ ولهذا جاء في جناب الرب الحمد دون المدح؛ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة/2]، ولم يقل: أمدح الله رب العالمين، الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة/2]، الحمد هو ذكر أوصاف المحمود مع حبِّه وإجلاله، وتعظيمه، فالله تعالى هو المحمود، له الصفات الكاملة، وله الحب والإجلال، والتعظيم .  

وفيه إثبات قضاء الله وقدره، وإثبات أسماءه وصفاته، وأنه  يعلم كل شيء، وأنه مستحق للعبادة، وأنه  لا يحيط به أحد من خلقه، ولا تمثله العقول، ولا تصوره القلوب ، فهو لا يماثل شيئًا من خلقه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير [الشورى/11].

 قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق/12]. ووسع كل شيء رحمة وعلمًا؛ كل هذا من صفاته 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين؛ أمَّا بعد:  

قال المصنف رحمه الله:

 ما تضمنته خطبة الكتاب:

تضمنت خطبة المؤلف في هذا الكتاب ما يأتي: 

أولًا: البداءة بالبسملة اقتداء بكتاب الله العظيم واتباعًا لسنة رسول الله ﷺ، ومعنى بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم: أي أفعل الشيء مستعينًا ومتبركًا بكل اسم من أسماء الله تعالى.

ومعنى اللَّه المألوه أي: المعبود حبًا وتعظيمًا وتألهًا وشوقًا. 

 (الشرح) 

هو بدأ بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وعملًا بحديث: كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ.  والحديث وإن كان فيه ضعف، لكن له طرق.

والله أعرف المعارف، لفظ الجلالة أعرف المعارف، هو علم عن الرب ، ومتضمن لصفة الألوهية، فالله ذو الألوهية، والعبودية على خلقه أجمعين؛ كما قال ابن عباس.

وأصل الله: الإله، ثم حذفت الهمزة؛ فاجتمعت لامين، أحدهما ساكنة، وأدغمت أحداهما في الأخرى، الله، أصل الله: الإله، سهلت الهمزة ثم اجتمع لامين ادغمت إحداهما على الأخرى الله.

فالله: اسم مشتق مشتمل على صفة الألوهية، وهو أعرف المعارف؛ أعرف المعارف لفظ الجلالة، هو علم على الرب ، ولا يطلق على غيره سبحانه، وكل الأسماء راجعة إليه. 

(المتن) 

والرَّحْمَن ذو الرحمة الواسعة والرَّحِيم. 

 (الشرح) 

وكذلك الرحمن من الأسماء المختصة بالله  لا تطلق على غيره، هو اسم مشتمل على صفة الرحمة، كل أسماء الله مشتقة؛ مشتملة على الذات، الاسم، تدل على الذات، وعلى الصفة، والرحمن؛ لا يسمى به غير الله، لا يطلق على غير الله؛ ولهذا لما تسمى مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، تسمى بالرحمن؛ لزمه وصف الكذب، فصار لا يطلق مسيلمة إلا يلصق به الكذب؛ فيقال: مسيلمة الكذاب؛ لأنه تسمى باسم من أسماء الله، لما تسمى مسيلمة بالرحمن؛ لزمه وصف اسم الكذب وصف الكذب، صار ملازمًا لاسمه، فلا يطلق مسيلمة إلا يلصق به الكذب، فيقال: مسيلمة الكذاب مع أنه ادعى النبوة غيره، الأسود العنسي في اليمن ادعى النبوة، ولا يقال: الأسود العنسي الكذاب، وهو كذاب، لكن مسيلمة اختص بلزوم الوصف لأنه تسمى باسم الرحمن، فلزمه وصف الكذب ملازمًا لا ينفك عنه، نسأل الله السلامة والعافية. 

(المتن) 

والرَّحِيم الموصل رحمته من شاء من خلقه، فالفرق بين الرحمن والرحيم. 

(الشرح) 

الرحيم؛ من أسماء الله، وليست مختصة، تطلق على المخلوق، تطلق عليه وعلى غيره؛ ولهذا وصف النبي ﷺ بأنه رحيم؛ كما قال الله تعالى: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة/128]، هذه من الأسماء المشتركة؛ الرحمن، والعزيز، وما أشبهها هذه من الأسماء المشتركة، والحي، العلي. 

 (المتن) 

فالفرق بين الرحمن والرحيم أن الأول باعتبار كون الرحمة وصفاً له، والثاني باعتبارها فعلًا له يوصلها من شاء من خلقه. 

ثانيًا: الثناء على الله بالحمد، والحمد: ذكر أوصاف المحمود الكاملة وأفعاله الحميدة مع المحبة له والتعظيم. 

(الشرح) 

وهذا هو الفرق بينه وبين المدح، المدح يذكر فيه أوصاف الممدوح، ولكن ما يلزم من ذلك المحبة، أما الحمد: هو ذكر أوصاف المحمود، والثناء عليه بها مع حبه، وإجلاله، وتعظيمه، فأنت قد تمدح الأسد، ولكن لا يلزم من ذلك أن تحب الأسد، قد تمدح الجبار، أو الظالم في بعض الصفات، وأنت لا تحبه، فالمدح لا يلزم منه المحبة بخلاف الحمد؛ ولهذا جاء في حق الرب الحمد، ولم يأت المدح الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِين [الفاتحة/2]، ولم يقل: أمدح الله. 

 (المتن) 

ثالثًا: أن الله محمود بكل لسان، ومعبود بكل مكان؛ أي مستحق وجائز أن يحمد بكل لغة ويعبد بكل بقعة. 

رابعًا: سعة علم الله بكونه لا يخلو من علمه مكان، وكمال قدرته، وإحاطته؛ حيث لا يلهيه أمر عن أمر. 

(الشرح) 

 لكماله ؛ لأنه كامل بذاته، وصفاته، وأفعاله، لا يخلو عن علمه مكان، ولا يلهيه شأن عن شأن بخلاف المخلوق الضعيف الناقص، فعلمه ناقص مسبوق بالجهل، وينتهي أيضًا بالموت، فلا يعلم شيئًا إذا مات، وكذلك أيضًا المخلوق ضعيف يلهيه شأن عن شأن، أما الرب  فلا يلهيه شأن عن شأن، ولا يتبرم بسؤال السائلين، ولا بإلحاح الملحين، يجيب سؤالهم الخلائق من يحصي الخلائق الآن؟ لا يحصيهم إلا الله، في البر، في البراري، والبحار، والجو، والسماوات، والأرضين؛ كلهم يسألون الله في وقت واحد، وينهجون بذكره وثنائه؛ فيثيبهم، ويجيب سؤالهم، ويرزقهم، ويعافيهم في وقت واحد لا يلهيه شأن عن شأن، فهو خلقهم، وأوجدهم أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك/14]. 

وفي يوم القيامة يحاسب الله الخلائق في وقت واحد كلهم في وقت واحد لا يلهيه شأن عن شأن ، ويفرغ من حسابهم في قدر منتصف النهار، ويقيل أهل الجنة في الجنة؛ القيلولة تكون في الجنة، قال الله تعالى: أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً [الفرقان/24].  لكماله ، أما المخلوق الضعيف يناقش ما يستطيع يكلم اثنين، ولا يستطيع يسمع كلام ثلاثة، أو أربعة لضعفه ونقصه، أما الله فهو كامل لا يلهيه شأن عن شأن، ولا يشغله شيء عن شيء، سبحانه لا إله إلا هو. 

(المتن) 

الخامس: عظمته وكبرياؤه وترفعه عن كل شبيه وند مماثل لكمال صفاته من جميع الوجوه. 

السادس: تنزهه وتقدسه عن كل زوجة وولد؛ وذلك لكمال غناه. 

(الشرح) 

، لأنه لا يحتاج إلى أحد بخلاف المخلوق الناقص، المخلوق كماله في أن يكون له زوجة، وأن يكون له ولد، المخلوق الذي له زوجة، وله ولد أكمل من الذي لا زوجة له، ولا ولد، لضعفه ونقصه يحتاج إلى الزوجة، ويحتاج إلى الولد، أما الله  فلا يحتاج إلى أحد، فهو الحي القيوم، القائم بنفسه، المقيم لغيره، لا يحتاج إلى أحد؛ ولذلك لا زوجة له ولا ولد، ومن نسب الزوجة إلى الله، أو الولد إلى الله؛ فهو كافر  مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا [الجن/3].  بل إن نسبة الولد إلى الله أمر عظيم؛ عظمه الله، وبيَّن أن هذا الأمر العظيم تكاد السماوات تتفطر منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ۝ ​​​​​​ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا [مريم/88-89]؛ يعني أمرًا عظيمًا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ۝ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ۝ وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدً ۝ إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم/90-93].  كل ما في السماوات والأرض يأتي عبد معبد، مقهور، مصرَّف، مدين، مغلوب، ينفذ فيه قدرة الله ومشيئته، ليس له من نفسه حول، ولا قوة، كل ما في السماوات والأرض يأتون عبيدا لله، ينتظرون أمره، وتنفذ فيهم قدرته ومشيئته، ولا يخرجون عن إرادته؛ كل من في السماوات والأرض من الملائكة، والآدميين، والطيور، والوحوش، والحيوانات تبعث يوم القيامة ويقتص بعضها من بعض، ثم يقول الله: كوني ترابًا، وَعِنْد ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِر: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [اِلنبأ/40]. 

فجميع من في السماوات والأرض يأتون عبيدا لله، كل من في السماوات هو عبد لله، والله تعالى هو الواحد الذي لا شبيه له، ولا نظير له، ولامثيل له، وليس له أحد يعينه من عباده، ولا زوجة له، ولا ولد، ولا أحد يشفع عنده إلا بإذنه، ولا أحد يعينه؛ يساعده لكماله  فهو الحي القيوم، القائم بنفسه، المقيم لغيره، الذي له ملك السماوات والأرض، لا يخفى عليه شيء، ولا يعجزه شيء في الأرض، ولا في السماء، ولكماله يأتي كل مخلوق من الملائكة ومن البشر وغيرهم يأتي عبدًا لله، معبد، مقهور، مدين، مغلوب، مصرف، تنفذ فيه قدرة الله، مشيئته. 

(المتن) 

السابع: تمام إرادته وسلطانه بنفوذ قضائه في جميع العباد، فلا يمنعه قوة ملك ولا كثرة عدد ومال. 

الثامن: عظمة الله فوق ما يتصور بحيث لا تستطيع العقول له تمثيلًا، ولا تتوهم القلوب له صورة؛ لأن الله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11]. 

(الشرح) 

كما قال عن نفسه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11]،  ، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/65]؛ لا سمي له، ولا مثيل، فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ [النحل/74]. 

(المتن) 

التاسع: اختصاص الله بالأسماء الحسنى والصفات العلا. 

(الشرح) 

نعم، أسماء الله كلها حسنى، بالغة الكمال في الحسن، وصفاته كلها عليا بخلاف المخلوق قد يكون له أسماء غير حسنى، وصفات غير عليا، المخلوق قد يكون له صفات ذميمة، وقد يكون له أسماء غير حسنة، أما الله فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها عليا؛ كما قال سبحانه: وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أسمائه سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأعراف/180].  وقال تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم [الروم/27]؛ يعني الوصف الكامل. 

(المتن) 

العاشر: استواء الله على عرشه؛ وهو علوه واستقراره عليه على الوجه اللائق به. 

(الشرح) 

والاستواء علو خاص، فالعلو هذا من الصفات الذاتية التي لا تنفك عن الباري، فالله تعالى عليٌّ عن المخلوقات، فوق المخلوقات، ولا يكون في وقت ليس عاليًا، بل في جميع الأوقات هو عال على خلقه؛ فوق خلقه، فالعلو من الصفات الذاتية، أما الاستواء؛ فهذا من الصفات الفعلية؛ فهو علو خاص؛ الاستواء على العرش، وكان بعد خلق السماوات والأرض، والعرش مخلوق قبل السماوات والأرض، لكن الاستواء كان بعد خلق السماوات والأرض، فالله تعالى خلق العرش، ثم قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ثم خلق السماوات، والأرض، ثم استوى على العرش بعد ذلك، فهو علو خاص، علو خاص الله أعلم بكيفيته، فعل يفعله ، كما يليق بجلاله، وعظمته، وكان بعد خلق السماوات والأرض، فالاستواء والنزول من الصفات الفعلية، أما العلو هذا من الصفات الذاتية. 

(المتن) 

الحادي عشر: عموم ملكه للسموات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى. 

(الشرح) 

لا شك أن كل شيء داخل تحت ملك الله، ليس هناك شيء يخرج عن ملك الله، وعن إرادته، ومشيئته، وهو  يعطي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذلُّ من يشاء؛ كما قال الله سبحانه: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير ۝ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران/26-27]؛ هذه صفاته 

(المتن) 

الثاني عشر: سعة علمه، وقوة قهره وحكمه، وأن الخلق لا يحيطون به علمًا لقصور إدراكهم عما يستحقه الرب العظيم. 

(الشرح) 

نعم، الخلق لا يحيطون به علمًا، لكمال علمه، وقصورهم، كما أنهم لا يحيطون بعظمته، ولا يحيطون بعلمه. 

(المتن) 

وأن الخلق لا يحيطون به علمًا لقصور إدراكهم عما يستحقه الرب العظيم من صفات الكمال والعظمة. 

(الشرح) 

كما أنهم يرون، المؤمنين يرون ربَّهم يوم القيامة، ولا يحيطون به رؤية؛ لكمال عظمته لعظمته ، فالخلق أضعف من أن يحيطوا به رؤية، بل إن الإنسان يرى شيئًا من المخلوقات في الدنيا ولا يحيط به رؤية، فقد يرى الجبل العظيم، ولا يحيط به رؤية، ما يستطيع أن يحيط به من جميع الجهات، في جهات ما يراها، ويرى البستان الواسع ولا يحيط به رؤية، ويرى البلد ولا يحيط بها رؤية، فالرب تعالى أعظم، وأكمل، فالعباد يرونه يوم القيامة و المؤمنون يرون ربَّهم يوم القيامة، وهو أعظم نعيم يلقاه أهل الجنة، لكنهم لا يحيطون به رؤية؛ لكمال عظمته 

(المتن) 

تقسيم نصوص الصفات وطريقة الناس فيها: 

تنقسم نصوص الكتاب والسنة الواردة في الصفات إلى قسمين:  واضح جلي.  ومشكل خفي.  

فالواضح ما اتضح لفظه ومعناه، فيجب الإيمان به لفظًا، وإثبات معناه حقًّا بلا رد، ولا تأويل، ولا تشبيه ولا تمثيل؛ لأن الشرع ورد به فوجب الإيمان به وتلقيه بالقبول والتسليم. 

وأما المشكل: فهو ما لم يتضح معناه لإجمال في دلالته، أو قصر في فهم قارئه، فيجب إثبات لفظه لورود الشرع به، والتوقف في معناه، وترك التعرض له؛ لأنه مشكل لا يمكن الحكم عليه فنرد علمه إلى الله ورسوله ﷺ. 

وقد انقسمت طرق الناس في هذا المشكل إلى طريقين: 

الطريقة الأولى: طريقة الراسخين في العلم الذين آمنوا بالمحكم والمتشابه، وقالوا كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران/ 7]، وتركوا التعرض لما لا يمكنهم الوصول إلى معرفته والإحاطة به تعظيمًا لله ورسوله ﷺ، وتأدبًا مع النصوص الشرعية؛ وهم الذين أثنى الله عليهم بقوله: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران/7]. 

الطريقة الثانية: طريقة الزائغين الذين اتبعوا المتشابه طلبًا للفتنة وصدًّا للناس عن دينهم، وعن طريقة السلف الصالح، فحاولوا تأويل هذا المتشابه إلى ما يريدون لا إلى ما يريده الله ورسوله ﷺ، وضربوا نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض، وحاولوا الطعن في دلالتها بالمعارضة والنقص؛ ليشككوا المسلمين في دلالتها، ويعموهم عن هدايتها؛ وهؤلاء هم الذين ذمهم الله بقوله: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ [آل عمران/ 7]. 

(الشرح) 

نصوص الصفات كما سمعت تنقسم إلى قسمين: 

قسم واضح: بمعنى أنه واضح المعنى؛ جلي لا إشكال فيه؛ مثل: إثبات العلم، والقدرة، والسمع، والبصر وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب/40]، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا [الأحزاب/27]؛ إثبات الإرادة، إثبات أن الله بكل شيء عليم، وأنه على كل شيء قدير، وسائر الصفات، إثبات العلو للرب ، إثبات الاستواء على العرش؛ هذه كلها نصوص محكمة؛ واضحة. 

والقسم الثاني: ما فيه اشتباه؛ وهذا الاشتباه يشتبه على بعض الناس دون بعض؛ وهو الذي لم يظهر معناه للإنسان؛ وهذه الطريقة في الشيء المتشابه الذي لا يعلمه الإنسان يرده إلى المحكم الواضح، ويفسره به حتى يزول الاشتباه؛ هذه طريقة الراسخين في العلم، طريقة أهل الحق؛ يرد المتشابه، كل شيء يشكل عليك يرده إلى الواضح حتى يفسره به. 

والطريقة الثانية: طريقة أهل الزيغ؛ هم الذين يتعلقون بالمتشابه، ويردون المحكم إليه؛ فيكون الكل كله متشابهاً؛ مثلًا: جاء في الحديث: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُم فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، في لفظ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَامَهُ. بعض أهل الزيغ تعلقوا بالمتشابه، قالوا: إن الله قبل وجهه؛ إن الله أمامنا في الجدار؛ هؤلاء أهل الزيغ، نقول لهم: هذا متشابه ردوه إلى محكم، ما هو المحكم؟ النصوص الكثيرة التي دلَّت على أن الله في العلو أكثر من ثلاث آلاف دليل، منها: قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد/4]؛ في سبعة مواضع. وقوله تعالى: أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك/16].  وقوله: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيم [الشورى/4]،  سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى/1]. يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ [النحل/50]. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام/18]. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر/10]. تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج/4].  

هذه نصوص كثيرة تزيد أفرادها كما ذكر العلماء على ثلاث آلاف دليل؛ كلها صريحة واضحة بأن الله فوق العرش؛ فوق الخلق، فوق سماواته، وفوق عرشه بعد أن تنتهي المخلوقات التي سقفها عرش الرحمن الله فوق العرش.  

فهذا الحديث نرده إلى النصوص الواضحة إِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ، يعني هو فوق العرش، ومن كَانَ فوقك فَهُوَ أمامك لا منافاة، فالله تعالى قبل المصلي، وهو فوق العرش ، ومن كَانَ فوقك فهو أمامك، وبهذا نعمل بالنصوص جميعها، لكن أهل الزيغ يقولون: لا، يتعلقوا بالمحكم، ويقولون: هذا دليل على أن الله مختلط بالخلق، وأن الله مع الخلق أعوذ بالله. 

ومن ذلك أن أهل الزيغ تعلقوا بنصوص المعية وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ [الحديد/4]؛ وأبطلوا بهذا الصفات الفوقية، والعلو وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الحديد/4].  

قالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، وقالوا: إن هذه نصوص تبطل الصفة الفوقية والعلو؛ وهذا من أبطل الباطل، المعية لا تفيد الاختلاط، المعية في لغة العرب التي نزل بها القرآن لمطلق المصاحبة، تأتي لمطلق المصاحبة، كلمة مع في لغة العرب لا تفيد الاختلاط، ولا الامتزاج، يقول فلان: اذهب وأنا معك؛ يعني لها ألوان متعددة، من ألوانها: أكون أنا بنفسي معك، وأحيانًا اذهب وأنا معك؛ يعني لأن اهتمامي معك، أو لأن قوتي معك، أو لأن رئيسي معك، أو لأن مالي معك. ويقال: فلان معه زوجته وهي في المشرق وهو في المغرب، وتقول العرب: لا زلنا نسير والقمر معنا، والنجم معنا، والقمر فوق ليس مختلط بالمخلوقات؛ وهذا أسلوب عربي معروف. ويقال: مع فلان دار كذا، وبيعة كذا، ويقال: فلان معه المتاع وإن كان فوق رأسه.

فالمعية لا تفيد الاختلاط، لكن أهل الزيغ قالوا: المعية تفيد الاختلاط، وأبطلوا بها النصوص الفوقية، وضربوا النصوص بعضها ببعض.

فالذين في قلوبهم زيغ يتعلقون بالنصوص المتشابهة، ويتركون المحكم، أما أهل الحق فإن الأصل عندهم المحكم، ويردون إليه النصوص المتشابهة، ويفسرونها بها فيزول الاشكال، كما قال سبحانه: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران/7]. 

فطريقة أهل الحق الأصل النصوص المحكمة الواضحة؛ هي الأصل، وإذا جاء نص مشكل أشكل عليك اشتبه عليك رده إِلَى المحكم، يقول: هذا نصٌّ مجمل أفسره، النصوص المحكمة هي الأصل، وأرد هذا النص إلى النصوص الواضحة، وأفسره به؛ فتتفق النصوص، ولا تختلف، أما أن يتعلق الإنسان بالمتشابه، ويترك المحكم؛ فهذه طريقة أهل الزيغ؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: " إذا رأيتم الذين يتبعون المتشابه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" ؛ أي في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ [آل عمران/7]. 

(المتن) 

تحرير القول في النصوص من حيث الوضوح والإشكال: 

إن الوضوح والإشكال في النصوص الشرعية أمر نسبي يختلف فيه الناس بحسب العلم والفهم، فقد يكون مشكلًا عند شخص ما هو واضح عند شخص آخر.

 والواجب عند الإشكال اتباع ما سبق من ترك التعرض له، والتخبط في معناه.

 أما من حيث واقع النصوص الشرعية، فليس فيها بحمد الله ما هو مشكل لا يعرف أحد من الناس معناه فيما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم؛ لأن الله وصف القرآن بأنه نور مبين وبيان للناس، وفرقان، وأنه أنزله تبيانًا لكل شيء، وهدى ورحمة، وهذا يقتضي أن لا يكون في النصوص ما هو مشكل بحسب الواقع بحيث لا يمكن أحد من الأمة معرفة معناه. 

معنى الرد والتأويل والتشبيه والتمثيل، وحكم كل منها: 

الرد: التكذيب والإنكار مثل أن يقول قائل: ليس لله يد لا حقيقة، ولا مجازًا؛ وهو كفر؛ لأنه تكذيب لله ورسوله ﷺ. 

(الشرح) 

نعم، وهذا بالإجماع من كذب الله ورسوله ﷺ؛ كفر؛ هذا من أنواع الردة؛ تكذيب الله، وتكذيب رسوله ﷺ، تكذيب الله في شيء مما جاء في القرآن، و تكذيب الرسول ﷺ في شيء مما جاء في السنة، تكذيب رد صريح واضح على كفرهم؛ هذا بخلاف التأويل، فإذا قال شخص: إن الله لم يستوِ على العرش؛ نقول هذا كفر؛ لأنه كذب الله في قوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد/4].  

لكن شخص قال: لا، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد/4]، الله استوى عَلَى العرش؛ لكن معنى الاستواء: الاستيلاء؛ هذا متأول، هذا متأول له شبهة، لا يكفر؛ لأنه متأول، أما الأول ردَّ القرآن، قال :لم يستوِ على العرش؛ كذَّب الله في قوله، الله تعالى قال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد/4]، وهو يقول: لم يستو على العرش؛ هذا تكذيب، لكن شخص آخر قال: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد/4] صحيح استواء صحيح الله استوى على العرش لكن معنى استوى: استولى؛ نقول هذا تأويل؛ هذا باطل، وإن كان هذا باطلا يكون هذا متأولا، والأول راد، والراد كافر، والمتأول قد لا يكفر. 

(المتن) 

والتأويل: التفسير والمراد به هنا تفسير نصوص الصفات بغير ما أراد الله بها ورسوله ﷺ، وبخلاف ما فسرها به الصحابة والتابعون لهم بإحسان. 

وحكم التأويل على ثلاثة أقسام: 

الأول: أن يكون صادرًا عن اجتهاد وحسن نية بحيث إذا تبيَّن له الحق رجع عن تأويله؛ فهذا معفو عنه؛ لأن هذا منتهى وسعه، وقد قال الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة/ 286] . 

الثاني: أن يكون صادرًا عن هوى وتعصب، وله وجه في اللغة العربية: فهو فسق وليس بكفر إلا أن يتضمن نقصًا، أو عيبًا في حق الله فيكون كفرًا. 

القسم الثالث: أن يكون صادرًا عن هوى وتعصب، وليس له وجه في اللغة العربية فهذا كفر؛ لأن حقيقته التكذيب حيث لا وجه له. 

والتشبيه: إثبات مشابه لله فيما يختص به من حقوق، أو صفات وهو كفر؛ لأنه من الشرك بالله ويتضمن النقص في حق الله حيث شبهه بالمخلوق الناقص. 

(الشرح) 

كمن يقول: إن لله يدٌ مثل أيدي المخلوقين، وله وجه مثل أوجه المخلوقين؛ هذا متنقص لله، الله تعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11]. 

(المتن) 

والتمثيل: إثبات مماثل لله فيما يختص به من حقوق، أو صفات وهو كفر؛ لأنه من الشرك بالله وتكذيب لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى/ 11].  ويتضمن النقص في حق الله حيث مثله بالمخلوق الناقص. 

والفرق بين التمثيل والتشبيه: أن التمثيل يقتضي المساواة في كل وجه بخلاف التشبيه.

 ما تضمنه كلام الإمام أحمد في أحاديث النزول وشبهها: 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين: 

قال المؤلف حفظه الله تعالى: 

ما تضمنه كلام الإمام أحمد في أحاديث النزول وشبهها: 

ما تضمنه كلام الإمام أحمد رحمه الله الذي نقله عنه المؤلف ما يأتي: 

أولًا: وجوب الإيمان والتصديق بما جاء عن رسول الله ﷺ. 

(الشرح) 

الشيخ: تعليق على المتن الذي علقه الشيخ: محمد بن إبراهيم 

الطالب: كلام الامام احمد؟ 

الشيخ: تعليق الشيخ محمد بن ابراهيم رحمه الله على ما سبق الصفحة قبلها صفحة أو صفحتين، في تعقيب عندك في الشرح؟ اقرأ التعقيب. 

(المتن) 

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، في قول صاحب اللمعة: وجب الإيمان به لفظًا: وأما كلام صاحب اللمعة فهذه كلمة مما لوحظ في هذه العقيدة، وقد لوحظ فيها عدة كلمات أخذت على المصنف، إذ لا يخفى أن مذهب أهل السنة والجماعة الإيمان بما ثبت في الكتاب والسنة، من أسماء الله، وصفاته لفظًا ومعنى، واعتقاد أن هذه الأسماء والصفات على الحقيقة لا على المجاز، وأن لها معاني حقيقية تليق بجلال الله وعظمته وأدلة ذلك أكثر من أن تحصى.  

ومعاني هذه الأسماء ظاهرة معروفة من القرآن، وغيرها، لا لبس فيها ولا إشكال، ولا غموض، وقد أخذ أصحاب رسول الله ﷺ عنه القرآن، و نقلو عنه الأحاديث لم يستشكلوا شيئًا من معاني هذه الآيات، والأحاديث؛ لأنها واضحة صريحة، وكذلك من بعده في القرون المتأخرة، كما يروى عن مالك رحمه الله لما قيل عن قوله : الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5].  قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، كذلك يروى معنى ذلك عن ربيعة شيخ مالك، ويروى عن أم سلمة مرفوعًا، وموقوفًا، أما كنه الصفة وكيفيتها، فلا يعلمه إلا الله سبحانه، إذ الكلام في الصفة فرع عن الكلام في الموصوف، فكما لا يعلم كيف هو إلا هو، فكذلك صفاته وهو معنى قول مالك، والكيف مجهول، أما ما ذكره في اللمعة فإنه ينطبق على مذهب المفوضة، وهو من شر المذاهب، و أخبثها. 

(الشرح) 

حتى قالوا إن مذهب المفوضة شر من المؤولة، المفوضة هم الذين يفوضون المعنى، يقولون: ما ندري إيش المعنى، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه/5]؛ ما ندري إيش معناه، مثل الكلام الأعجمي؛ كأنه حروف أعجمية ما ندري ايش معنى آية الصفات، اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير [البقرة/20]، ما ندري ايش معنى قدير؟!السميع البصير، ما ندري ايش معنى البصير، وما ندري ايش معنى السميع؛ هذا غلط؛ فالمعنى معلوم كما قال الإمام: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، نعرف أن السمع ضد الصمم، البصر ضد العمى، الاستواء معناه في اللغة: الاستقرار، والصعود، والعلو، والارتفاع، لكن كيفية الاستواء لا نعلمها، كيفية الصفة هي التي لا نعلمها، المؤلف كلامه موهم رحمه الله لكن المؤلف من أئمة أهل السنة يرد إلى كلامه الواضح الذي يوضح هذا المعنى، وإلا ظاهر يقول: إثبات اللفظ فقط بدون معنى؛ هذا هو مذهب المفوضة.

لأن أهل البدع طائفتان؛ المفوضة، والمؤولة. 

المفوضة: الَّذِينَ يفوضون المعنى يؤمنون باللفظ فقط، ولا يعتقدون أن لها معنى، يَقُولُ: ما نعرف المعنى، كأنه حروف أعجمية، ألفاظ الصفات كأنها حروف أعجمية ما ندري إيش معناه؛ هذا غلط؛ فالمعنى معروف كما قال الإمام مالك في الاستواء. 

والمؤولة: يقولون: الاستواء معناه استولى، المؤولة يحرفون يقولون معنى استوى: استولى؛ وهذا غلط، والمفوضة، يقولون: ما ندري ايش معناه، المعنى غير معلوم؛ وهذا غلط، أهل السنة يثبتون المعنى، ويفوضون الكيفية، وهو غير مذهب المفوضة، وغير مذهب المؤولة. 

المؤولة: يؤولون الاستواء، يقولون: استولى، المفوضة: يفوضون المعنى، يقولون: ما ندري ايش معناه؟! كأنها حروف أعجمية السين، والتاء، والواو؛ ما ندري ايش معناها؟! 

وأهل السنة، يقولون: نعلم المعنى؛ المعنى معلوم، الاستواء: الصعود، والاستقرار، والعلو والارتفاع، الكيف هو المجهول، كيفية الصفة لا نعلمها، لكن ابن قدامة من أئمة أهل السُّنَّة، وإن كانت هذه العبارة موهمة ترد إلى كلامه الواضح، يحمل على محمل حسن، وإلا هذه الكلمة هذه موهمة، كما يتكلم الشيخ محمد سيذكر هذا 

 (المتن) 

أما مذهب صاحب اللمعة فإنه يلتبس على مذهب المفوضة، وهو من شر المذاهب، وأخبثها، والمصنف رحمه الله إمام أهل السنة، وهو أبعد الناس عن مذهب المفوضة وغيرهم من المبتدعة، والله أعلم. 

نقلًا عن فتاوى سماحة الشيخ/محمد بن إبراهيم جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، قلت: فمن رجع إلى مصنفات ابن قدامة رحمه الله علم يقينًا أنه بعيد كل البعد عن مذهب المفوضة، وأهل التأويل، لاسيما كتابه "ذم التأويل" الذي ردَّ فيه على أهل التأويل، ومن حذا حذوهم من المفوضة، وأثبت فيه مذهب أهل السنة بالإيمان بما ثبت في الكتاب والسنة من أسماء الله، وصفاته لفظًا ومعنى، فما ورد عن ابن قدامة هنا في قوله: وجب الإيمان به لفظًا، كان من المجمل المتشابه الذي فسر صريحاً، واضحًا، بيِّنًا في مصنفات أخرى، فيجب الرد إلى المحكم كلامه عليه رحمة الله، فكلُّ ما ورد عنه مما يُحتمل و يَحتمل فهو مردود إلى المحكم من كلامه في سائر التصانيف والله أعلم. 

(الشرح) 

هذا من باب إحسان الظن بالعلماء. 

الطالب: قد يكون معناه ترك التعرض لمعناه؟. 

الشيخ: هذا مذهب المفوضة، المعنى معلوم، لكن هذا مجمل يحمل على الكيفية. 

(المتن) 

تضمن كلام الإمام أحمد رحمه الله الذي نقله عنه المؤلف ما يأتي: 

أولًا: وجوب الإيمان والتصديق بما جاء عن رسول الله ﷺ من أحاديث الصفات من غير زيادة، ولا نقص، ولا حد، ولا غاية. 

ثانيًا: إنه لا كيف ولا معنى؛ أي: لا نكيف هذه الصفات؛ لأن تكييفها ممتنع لما سبق، وليس مراده أنه لا كيفية لصفاته؛ لأن صفاته ثابتة حقًّا، وكل شيء ثابت، فلا بد له من كيفية. 

(الشرح) 

لأن صفات جمع مؤنث، وجمع مؤنث يوصف بالكثرة. 

(المتن) 

فلا بد له من كيفية لكن كيفية صفات الله غير معلومة لنا. 

وقوله: ولا معنى أي لا نثبت لها معنى يخالف ظاهرها، كما فعله أهل التأويل وليس مراده نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها الذي فسرها به السلف؛ فإن هذا ثابت، ويدل على هذا قوله، ولا نرد شيئا منها، ونصفه بما وصف به نفسه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت. 

(الشرح) 

لشناعة شُنعت؛ يعني أن نثبت المعنى، أو الكيفية هي التي لا نعلمها، ولا معنى لا نثبت؛ يعني معنى يخالف الظاهر، لا معنى، ولا كيف؛ يعني الكيفية مجهولة، ولا معنى يخالف الظاهر، كما يفعل أهل التأويل، الذين  يؤولونها بما يخالف ظاهرها. 

(المتن) 

ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نعلم كيفية كره ذلك، فإن نفيه لردِّ شيء منها، ونفيه لعلم كيفيتها دليل على إثبات المعنى المراد منها. 

ثالثًا: وجوب الإيمان بالقرآن كله محكمه، وهو ما اتضح معناه، و متشابهه وهو ما أشكل معناه، فنرد المتشابه إلى المحكم ليتضح معناه، فإن لم يتضح وجب الإيمان به لفظا وتفويض معناه إلى الله تعالى. 

 (الشرح) 

والتشابه هذا يكون متشابه والتشابه يكون تشابها نسبيا، فمثلًا: أهل الزيغ يتعلقون بالمتشابه، ويتركون المحكم الواضح، وأمَّا أهل الحق يعملون بالمحكم يردون إليه المتشابه؛ إذا أشكل عليهم نص ردوه إلى المحكم الواضح، إذا تعلق مثلًا نصراني بقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر/9].  قال: نحن: إلزام؛ دلَّ على إن الآية متعددة، نقول أنت من أهل الزيغ؛ لأنك تعلقت بالمتشابه، فرد هذا إلى المحكم، وهو قوله تعالى: وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ [البقرة/163]. 

(..) فأنت لماذا تتعلق بالمتشابه، وتترك المحكم؟ دلَّ هَذَا عَلَى في قلبك زيع؛ لكن أهل الحق يعملون بالمحكم، فالمحكم هو الأصل،يعملون بالمحكم يردون إليه المتشابه، فنحن نرده إلى قوله: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي [طه/14]؛ هذا محكم نرده إلى المتشابه، ونفسره به فيتضح المعنى، نقول: نحن: الواحد المعظم لنفسه؛ وهذا أسلوب عربي معروف. 

 (المتن) 

قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى في قول النبي ﷺ: إِنَّ اللَّهَ يَنزِلُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنيَا، وإن الله يُرَى في القيامة، وما أشبه هذه الأحاديث: نؤمن بها، ونصدق بها، لا كيف، ولا معنى، ولا نرد شيئًا منها، ونعلم أن ما جاء به الرسول ﷺ حق، ولا نرد على رسول الله ﷺ، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد، ولا غاية: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى/11] . 

ونقول كما قال، ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك، ولا يبلغه وصف الواصفين، نؤمن بالقرآن كله مجمله ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت، ولا نتعدَّى القرآن والحديث، ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول ﷺ وتثبيت القرآن. 

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله. 

(الشرح) 

وهذا كلام عظيم اقرأ الشرح: (آمنت بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، وآمنت برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله)؛ تفويض؟ 

(المتن) 

تضمن كلام الإمام الشافعي رحمه الله ما يأتي: 

أولًا: الإيمان بما جاء عن الله تعالى في كتابه المبين على ما أراده الله من غير زيادة، ولا نقص، ولا تحريف. 

ثانيًا: الإيمان بما جاء به عن رسول الله ﷺ في سنة رسول الله ﷺ  على ما أراده رسول الله ﷺ من غير زيادة، ولا نقص، ولا تحريف. 

وفي هذا الكلام رد على أهل التأويل، وأهل التمثيل؛ لأن كل واحد منهم لم يؤمن بما جاء عن الله ورسوله ﷺ على مراد الله ورسوله ﷺ؛ فإن أهل التأويل نقصوا، وأهل التمثيل زادوا. 

طريق السلف الذي درج عليه السلف في الصفات: هو الإقرار والإثبات لما ورد من صفات. 

اقرأ المتن. 

الذي درجوا عليه في الصفات: قال رحمه الله: 

وعلى هذا درج السَّلف وأئمة الخلف ، كلهم متفقون على الإقرار، والإمرار، والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ من غير تعرض لتأويله. 

وقد أمرنا بالاقتفاء آثارهم، والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات، فقال النبي ﷺ: عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين الْمَهديين مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عليها بالنَواجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور، فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضَلَالَةٌ

(الشرح) 

هذه طريقة السلف الإقرار، والإمرار؛ كما جاء في نصوص الكتاب، وعدم التعرض لآية الصفات، أو نصوص الصفات، التحريف، أو التأويل؛ تمر كما جاءت، يثبت اللفظ والمعنى، والكيفية يفوض أمرها إلى الله ، يفوض علمها لله ، نثبت الاستواء، نثبت العلم، نثبت القدرة، نثبت السمع، نثبت البصر، لفظها ومعناها؛ نعرف أن السمع ضد الصمم، والبصر ضد العمى، والعلم ضد الجهل، معروف معناه، كما قال الإمام: الاستواء: معناه الاستقرار والعلو، والارتفاع؛ هذه الصفات معلومة؛ لأنها باللغة العربية، والله تعالى أمر أن يتدبرها وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر [القمر/17]،ولم يقل الله إِلَّا آيات الصفات فتدبروها، كله يتدبر المعاني معروفة؛ لَكِن الكيفية، كيفية اتصاف الرب بهذه الصفات؛ هي المجهولة. 

(المتن) 

الذي درج عليه السلف في الصفات: هو الإقرار والإثبات لما ورد من صفات الله تعالى في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ من غير تعرض لتأويله بما لا يتفق مع مراد الله ورسوله ﷺ. 

والاقتداء بهم في ذلك واجب لقوله ﷺ: عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين الْمَهديين مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عليها بالنَواجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور، فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضَلَالَةٌ​​​​​​​. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح وصححه الألباني وجماعة. 

(الشرح) 

وهذا واضح، طريقة السلف: الإمرار؛ أمرار الصفات لا يتعرض إليه الكيفية، وإنما يثبت النص، والمعنى. 

(المتن) 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. 

أمَّا بعد. 

فقال المؤلف رحمه الله: 

وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات، فقال النبي ﷺ: عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين الْمَهديين مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عليها بالنَواجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور، فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسنٌ صحيح، وصححه الألباني وجماعة. 

(الشرح) 

وهذا واضح طريقة السلف الإمرار إما الصفات لا يتعرض إليها بالكيفية،وإنما يثبت باللفظ والمعنى. 

(المتن) 

وقال عبد الله بن مسعود : اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم. 

وقال عمر بن عبد العزيز: كلامًا معناه: قف حيث وقف القوم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافذ كفُّوا. 

(الشرح) 

يعني كفُّوا عن البدع. 

(المتن)  

وببصر نافذ كفُّوا، وهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم: حدث بعدهم، فما أحدثه إلا من خالف هديهم، ورغب عن سنتهم، ولقد وصفوا منه ما يشفي، وتكلموا منه بما يكفي، فما فوقهم محسر، وما دونهم مُقصِّر، لقد قصَّر عنهم قوم فجفوا، وتجاوزهم آخرون فغلوا، وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم. 

وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رحمه الله: عليك بآثارِ من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال، وإن زخرفوه لك بالقول. 

(الشرح) 

وهذا كله في التحذير من البدع، ولفظه في ذلك قول النبي ﷺ: عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين الْمَهديين مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عليها بالنَواجِذِ، وَإِيَّاكُم وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور، فإنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالة؛ فيه الأمر بلزوم سنته عليه الصلاة والسلام، يقول: عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين الْمَهديين؛ وفيه أن ما فعله الخلفاء الراشدون يعتبر سنة، إذا لم يكن في المسألة شيء عن النبي ﷺ وفعله الخلفاء الراشدون؛ تكون من السنة، ومن ذلك مثل الأذان الأول يوم الجمعة؛ هذا أحدثه أمير المؤمنين عثمان  لما كثر الناس في المدينة؛ فهي سنة الخليفة الراشد عَلَيْكُم بِسُنَّتي وسُنَّة الخُلَفَاءِ الرَّاشِدين الْمَهديين مِنْ بَعْدِي، أمَّا إذا كان. 

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد