شعار الموقع

شرح كتاب الأذان من صحيح البخاري (10-52)

00:00
00:00
تحميل
65

}754{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ: بَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ لَمْ يَفْجَأْهُمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ صُفُوفٌ فَتَبَسَّمَ يَضْحَكُ وَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ لَهُ الصَّفَّ فَظَنَّ أَنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: «أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ» فَأَرْخَى السِّتْرَ وَتُوُفِّيَ مِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

 

ذكر المؤلف رحمه الله التفات أبي بكر رضي الله عنه للحاجة؛ وذلك لما أكثروا من التصفيق، فإذا التفت المصلي للحاجة بالرأس والعنق فلا كراهة، أما إذا التفت بالجسم فتبطل الصلاة.

ولهذا قال المؤلف: «بَاب هَلْ يَلْتَفِتُ لأَِمْرٍ يَنْزِلُ بِهِ أَوْ يَرَى شَيْئًا أَوْ بُصَاقًا فِي الْقِبْلَةِ» . فإن الالتفات وتأمل الشيء لغير حاجة يقدح في الخشوع.

 

}753{ هذا الحديث فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لحظ النخامة في قبلة المسجد فحَتَّها، وظاهر الحديث أنه حتَّها في الصلاة، وجاء في الحديث الآخر أنه حتها بعد الصلاة، وفيه قال الراوي: «أحسبه جعل مكانها طيبًا»[(482)].

فالنبي صلى الله عليه وسلم لحظ النخامة وهو في الصلاة، وهذا فيه نوع تأمل للشيء لكنه لحاجة فلا يقدح في الخشوع، فالشيء الذي يلحظه الإنسان ولم يلتفت إليه بجسمه إذا كان لغير حاجة فهو مكروه، أما إذا كان الالتفات بالجسم بأن استدبر القبلة فإن الصلاة تبطل.

 

}754{ قوله: «وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي صَلاَتِهِمْ» ، وذلك من شدة فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه تماثل للشفاء.

قوله: «فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ: «أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ» فَأَرْخَى السِّتْرَ» ، فيه: دليل على أن الصحابة نظروا إليه صلى الله عليه وسلم لما كشف الستر؛ فقد كانت حجرته صلى الله عليه وسلم عن يسار القبلة، وعن يسار الصفوف، فالناظر إلى إشارة من في حجرته صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أن يلتفت بعض الشيء، فلم يأمرهم صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة.

وقد التفت الصحابة إليه صلى الله عليه وسلم، وتأخر أبو بكر رضي الله عنه؛ لأنهم ظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم سيأتي ويتقدم للصلاة.

;  وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا

فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ

}755{ حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارًا فَشَكَوْا حَتَّى ذَكَرُوا أَنَّهُ لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَخْرِمُ عَنْهَا أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُْولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُْخْرَيَيْنِ قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً أَوْ رِجَالاً إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ قَالَ سَعْدٌ: أَمَا وَاللَّهِ لَأَدْعُوَنَّ بِثَلاَثٍ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ هَذَا كَاذِبًا قَامَ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَأَطِلْ عُمْرَهُ وَأَطِلْ فَقْرَهُ وَعَرِّضْهُ بِالْفِتَنِ وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ.

}756{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ».

}757{، }758{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» فَرَجَعَ يُصَلِّي كَمَا صَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ» ثَلاَثًا فَقَالَ: والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا».

 

قوله: «بَاب وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ لِلإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَمَا يُجْهَرُ فِيهَا وَمَا يُخَافَتُ» . أراد المؤلف رحمه الله بهذه الترجمة بيان وجوب قراءة الفاتحة على كل مصل سواء كان إمامًا أو مأمومًا أو منفردًا، وسواء كانت صلاته نافلة أو فريضة، وسواء كانت في الصلاة السرية أو الجهرية، وسواء كانت في الحضر أو في السفر.

قوله: «يخافت» ، يعني: يسر بالقراءة.

وللبخاري رحمه الله مؤلَّف سماه: «جزء القراءة»؛ فهو يرى أن قراءة الفاتحة واجبة في جميع الصلوات، وذهب إلى هذا أيضًا بعض أهل العلم.

وللعلماء في هذه المسألة أقوال منها:

القول الأول: وهو قول جمهور العلماء ، أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمنفرد دون المأموم في الصلاة الجهرية، وتجب عليه في الصلاة السرية.

القول الثاني: لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم مطلقًا لا في السرية ولا في الجهرية، وتجب على الإمام والمنفرد.

القول الثالث: تجب قراءتها على الإمام والمأموم والمنفرد مطلقًا، في الصلاة الجهرية والسرية على السواء، إلا إذا أدرك الإمامَ راكعًا فإنها تسقط عنه؛ لحديث أبي بكرة ـ كما سيأتي ـ أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف ودب حتى دخل في الصف، فلما سلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «زادك الله حرصًا ولا تعد» [(483)]، ولم يأمره صلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة؛ فدل على أن المأموم إذا جاء والإمام راكع أو قريب من الركوع فتسقط عنه قراءة الفاتحة، وكذلك إذا جاء والإمام في آخر القيام ولم يتمكن من القراءة فتسقط عنه، وكذلك إذا نسي قراءتها سقطت عنه، فهي واجبة في حق المأموم وجوبًا مخففًا.

فالفاتحة تسقط عن المأموم في حالات:

1- إذا جاء والإمام راكع.

2- إذا لم يتمكن من قراءتها.

3- إذا نسيها.

4- إذا تركها لاجتهاده.

5- إذا تركها تقليدًا لمن قال: إنها لا تجب.

فهي واجب مخفف على المأموم، وتجب فيما عدا ذلك؛ وذلك لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» . وهذا عام، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «وإذا قرأ فأنصتوا» [(484)] وقول الله تعالى: [الأعرَاف: 204]{وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *} وقد قال الإمام أحمد[(485)]: إن الآية نازلة في الصلاة، وفيها وجوب الإنصات، فقد قالوا: هذا عام مخصص بحديث عبادة رضي الله عنه: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» ، والمعنى إذا قرأ فأنصتوا إلا فاتحة الكتاب فإنها مستثناة، ويؤيده الحديث الذي رواه أبو داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة ـ وكان ينازَع القرآن: «لعلكم تقرءون خلف إمامكم» قالوا: نعم يا رسول الله، قال: «لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» [(486)].

القول الرابع: أنها لا تسقط عن المأموم مطلقًا حتى ولو أدرك الإمام راكعًا، فإذا أدرك الإمام راكعًا فإنه يقضي تلك الركعة؛ فلابد أن يقرأ الفاتحة، وهذا اختيار البخاري رحمه الله وجماعة.

والأرجح في المسألة هو القول الثالث، وهو أنها واجبة في حق المأموم، لكنها واجب مخفف تسقط عنه إذا جاء والإمام راكع لحديث أبي بكرة، وكذلك إذا نسيها، أو قلد من يرى أنها لا تجب، وأما ما عدا ذلك فإنه يجب عليه قراءتها، لعموم الأدلة.

}755{ استدل المؤلف رحمه الله، بحديث جابر بن سمرة على وجوب قراءة الفاتحة.

قوله: «شَكَا أَهْلُ الْكُوفَةِ سَعْدًا إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه» وكان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أميرًا على الكوفة من قِبل عمر رضي الله عنه، فشكاه أهلُ الكوفة ـ وهم أهل شغب من قديم ـ حتى قالوا: لا يحسن يصلي، وهو مَن هورضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة.

قوله: «فَعَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَمَّارً» ، يعني : عزله عمر رضي الله عنه، درءًا للفتنة، لا لأنه غير أهل لذلك؛ ولهذا لما حضرته الوفاة وأوصاهم، كان سعدٌ من الستة الذين جعلهم عمر يتشاورون في أمر الخلافة، وقال لهم: إن أصابت الإمارة سعدًا فذاك ـ يعني فهو أهلاً لذلك ـ فإني لم أعزله ـ يعني: عن إمارة الكوفة ـ عن عجز ولا خيانة، يعني ما عزله إلا درءًا للفتنة واستعمل عمر رضي الله عنه على الكوفة عمارًا رضي الله عنه.

قوله: «فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ» وهي كنية سعد بن أبي وقاص، وفيه تكنية الرجل العظيم لإظهار احترامه.

قوله: «إِنَّ هَؤُلاَءِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ لاَ تُحْسِنُ تُصَلِّي» يعني: أهل الكوفة.

قوله: «قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ أَمَّا أَنَا وَاللَّهِ فَإِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي بِهِمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَخْرِمُ عَنْهَا» يعني: لا أترك منها شيئًا.

قوله: «أُصَلِّي صَلاَةَ الْعِشَاءِ فَأَرْكُدُ فِي الأُْولَيَيْنِ وَأُخِفُّ فِي الأُْخْرَيَيْنِ قَالَ: ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاق» : وهذا هو موضع الشاهد الذي استدل به البخاري رحمه الله على وجوب قراءة الفاتحة وهو أن سعدًا رضي الله عنه كان يقرأ الفاتحة ويفعل في صلاته كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته.

وفيه: مشروعية زيادة الطمأنينة في الركعتين الأوليين من صلاة العشاء وصلاة الظهر والعصر والتخفيف في الأخريين.

قوله: «فَأَرْسَلَ مَعَهُ رَجُلاً أَوْ رِجَالاً إِلَى الْكُوفَةِ فَسَأَلَ عَنْهُ أَهْلَ الْكُوفَةِ» ، أي: يسألهم عن سعد.

قوله: «وَلَمْ يَدَعْ مَسْجِدًا» يعني: من مساجد الكوفة.

قوله: «إِلاَّ سَأَلَ عَنْهُ وَيُثْنُونَ مَعْرُوفًا» ، أي: على سعد.

قوله: «حَتَّى دَخَلَ مَسْجِدًا لِبَنِي عَبْسٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَامَةُ بْنُ قَتَادَةَ يُكْنَى أَبَا سَعْدَةَ قَالَ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنَا» ، يعني: استخبرتنا عن سعد، وسعد معه.

قوله: «فَإِنَّ سَعْدًا كَانَ لاَ يَسِيرُ بِالسَّرِيَّةِ» ، والسرية : قطعة من الجيش، والمعني : لا يخرج مع السرية، وهذا ليس عيبًا ـ كما سبق ـ فإن الأمير قد يحتاج إلى البقاء في البلد للمصلحة، ويعيِّن مسئولاً عن السرية يرتب أمورهم وأحوالهم.

قوله: «وَلاَ يَقْسِمُ بِالسَّوِيَّةِ» ، أي: إذا قسم العطايا وغيرها لا يعدل في القسمة.

قوله: «وَلاَ يَعْدِلُ فِي الْقَضِيَّةِ» ، أي: ليس عادلاً في القضايا التي يحكم فيها.

وهذا الرجل كذاب؛ لأن جميع مساجد الكوفة أثنوا على سعد خيرًا إلا هذا الرجل الذي يقال له: أسامة، ويكنى : أبا سعدة، وقد كذب على سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بثلاث كذبات، وهي:

1- الكذبة الأولى: أنه لا يسير بالسرية.

2- الكذبة الثانية: أنه لا يقسم بالسوية.

3- الكذبة الثالثة: أنه لا يعدل في القضية.

فدعا عليه سعد رضي الله عنه: ثلاث دعوات مقابل كذباته الثلاث:

الدعوة الأولى: بأن يطيل الله عمره.

الدعوة الثانية: بأن يطيل الله فقره.

الدعوة الثالثة: بأن يعرضه للفتن.

وفيه: دليل على أن المظلوم له أن يدعو على من ظلمه، ودعوة المظلوم مستجابة لحديث معاذ: «واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» [(487)].

وكان سعد رضي الله عنه مستجاب الدعوة، وكان قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله مستجاب الدعوة في أُحد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة» [(488)].

فاستجاب الله دعوة سعد رضي الله عنه في هذا الرجل، فأطال الله عمره، وبقي زمنًا طويلاً، وأطال الله فقره وأعطاه أولادًا، فجاء في بعض الروايات أنه كان له عشر بنات، وفي هذا عذاب له؛ لأنه إذا كان فقيرًا وأولاده كثيرون يعذبونه فيطلبون منه نفقات كثيرة ويؤذونه وكل واحد منهم ينهشه من جهة، وليس عنده شيء فيكون حاله سيئًا جدًّا.

قوله: «وَكَانَ بَعْدُ إِذَا سُئِلَ يَقُولُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ» . وهذه هي الدعوة الثالثة، دعا سعد عليه بأن يعرضه الله للفتن فاستجاب الله دعوة سعد وعرضه للفتن، وأبو سعدة هذا قد عرف أنه ظالم وأن سعدًا دعا عليه واستجيبت دعوته عليه، فكان يتعرض للفتن، وإذا سئل عن ذلك قال: أصابتني دعوة سعد.

قوله: «قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ» . عبدالملك هو ابن عمير راوي الحديث عن جابر، وقد ذكر لنا كيفية تعرضه للفتن.

قوله: «قَدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلَى عَيْنَيْهِ مِنْ الْكِبَرِ وَإِنَّهُ لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي فِي الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ» ، يعني: حاجباه قد سقطا على عينيه من الكبر، فإذا لقي الجواري في الطرقات يرفع الحاجبين عن عينه، ويغمزهن، نعوذ بالله من ذلك، وهذا من دعوة المظلوم، فقد عرض للفتن مع أنه شيخ كبير، وليس به حاجة إلى النساء والنظر إليهن.

ومما يؤخذ من الحديث أن الدعاء بإطالة العمر يقيد بالطاعة، أما إطالة العمر مطلقًا فيكره، وكان الإمام أحمد[(489)] يكره هذا؛ لأن طول العمر على غير الطاعة مضرة؛ لحديث سعد؛ وجاء في الحديث الآخر: «خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله» [(490)]؛ فطول العمر مع الطاعة مغنم، ولهذا لما سألت أم حبيبة رضي الله عنها، قالت: اللهم متعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد سألت الله لآجال مضروبة، وأرزاق مقسومة، لا يعجل منها شيء قبل أجله، فلو سألت الله صلى الله عليه وسلم أن يعافيك أو يعيذك من عذاب النار وعذاب القبر، كان خيرًا أو أفضل» [(491)].

والنبي صلى الله عليه وسلم دعا الله لأنس بأن يطيل الله عمره لكن على طاعته؛ لأنه دعا له بأن يكثر الله ولده، وأن يطيل عمره، وأن يدخله الجنة؛ ودخول الجنة يستلزم أن يكون طول عمره على الطاعة، فقال أنس: «إني وجدت الدعوات في الدنيا، وأرجو أن أجدها في الآخرة» [(492)]. فطال عمره وجاوز المائة، وكثر أولاده فكانوا كثيرين تجاوزوا المائة، وهذا دليل على أن الدعاء بطول العمر يقيد بالطاعة.

ولا شك أن الآجال محدودة مكتوبة، وكذلك الرزق والعمل والشقاوة والسعادة منذ أن كان الإنسان في بطن أمه، وكل ذلك في اللوح المحفوظ، والدعاء لا ينافيه، فإذا استجاب الله الدعاء، يكون قدر اللهُ بهذا الدعاء طولَ العمر كما جاء في الصحيحين أن صلة الرحم سبب في طول العمر، وقطيعة الرحم سبب في قصر العمر[(493)]، فالله تعالى قدر أن يَطُولَ عمر هذا بسبب صلة الرحم، وأن يَقْصُرَ عمر هذا بسبب قطيعة الرحم، وهكذا.

 

}756{ هذا حديث عبادة بن الصامت وهو عام، وقد احتج به بعض العلماء على وجوب قراءة الفاتحة مطلقًا.

قوله: «لاَ صَلاَةَ» يعني: لا صلاة صحيحة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، وكلمة صلاة نكرة في سياق النفي، فتعم صلاة النافلة والفريضة والصلاة الجهرية والسرية في الحضر والسفر، وصلاة الإمام والمأموم والمنفرد، واحتج به الإمام البخاري على أن الصلاة التي لا تقرأ فيها الفاتحة في كل ركعة لا تصح لعموم الحديث.

وقال الجمهور: يخصص هذا العموم بقراءة الإمام في الصلاة الجهرية لعموم حديث: «وإذا قرأ فأنصتوا» [(494)] وقوله تعالى: [الأعرَاف: 204]{وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *}.

ويخصصه أيضًا حديث أبي بكرة لما جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فركع دون الصف، فدب دبيبًا حتى دخل في الصف ولم يقرأ الفاتحة، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة؛ فدل على أنها تسقط عن المسبوق إذا أدرك الإمام راكعًا.

ومذهب البخاري أنه يجب قضاء الركعة التي أدركها المأموم والإمام راكع.

والصواب أنها تسقط عن المأموم إذا أدرك الإمام راكعًا لحديث أبي بكرة السابق؛ حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «زادك الله حرصًا ولا تعد» [(495)] يعني : لا تعد للركوع دون الصف ولم يأمره بإعادة الركعة؛ جمعًا بين الأدلة، ولأن النصوص يُضم بعضها إلى بعض.

 

}757{، }758{ هذا الحديث: يسمى عند أهل العلم: حديث المسيء صلاته، فهذا الرجل أساء في صلاته؛ وذلك أنه صلى ولكنه لم يطمئن في صلاته، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فأمره أن يعيد الصلاة، وذلك ثلاث مرار، ثم بين له صلى الله عليه وسلم علة ذلك.

وفيه: دليل على أن الإنسان يسلم على أخيه إذا صلى حتى ولو كان سلم عليه قبل ذلك؛ لأن الصلاة فاصل، فهذا الرجل سلم ثلاث مرات، فقد صلى ثم جاء فسلم، ثم رجع فصلى ثم جاء فسلم، ثم رجع فصلى ثم جاء فسلم، ولم ينكر ذلك عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه في المرة الثالثة، أو الرابعة، وليس في المرة الأولى، أو الثانية؛ وذلك لأمرين:

الأمر الأول: لعله يتنبه فيعلم الشيء الذي أخطأ فيه.

الأمر الثاني: ليكون ذلك أوقع في نفسه؛ فإن رده ثلاث مرات جعله متشوقًا إلى التعليم.

وفيه: دليل على وجوب الطمأنينة ـ بمعنى السكون حتى يعود كل فقار إلى موضعه ـ وأنها ركن من أركان الصلاة، فإذا لم يسكن ويعود كل فقار إلى موضعه لم تصح الصلاة.

وفيه: دليل على أن من لم يطمئن في الصلاة فصلاته باطلة، ويؤمر بإعادتها، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل أن يعيد الصلاة.

قوله: «والَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي» ، وهذا دليل على أن هذه هي هيئة صلاته طول عمره، ورغم ذلك فقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة الحاضرة فقط، ولم يأمره بإعادة الصلوات الماضية؛ لأنها طويلة وكثيرة مما يشق عليه قضاؤها أو إعادتها أو فعلها؛ ففيه دليل على أن من صلى صلاة باطلة وهو جاهل مدة طويلة فإنه يؤمر بإعادة الصلاة الحاضرة فقط، ولا يؤمر بإعادة الصلوات الماضية فيعذر بجهله، إلا إذا كانت معدودة محصورة كأن يكون لها يومان أو ثلاثة أو نحوها، فيجب عليه أن يقضيها للجمع بين الأحاديث.

أما أن يكون الرجل مريضًا ويجلس ثلاثة أو أربعة أشهر ولا يصلي فهذا يؤمر بالصلاة؛ لأنه مقصر متساهل فيجب عليه أن يصلي ما فاته؛ لكونه معذورًا في تأخيرها، وإلا فلو أخرها عمدًا صار كافرًا والعياذ بالله.

قوله: «ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» . وهذا هو الشاهد من الحديث، والذي استدل به البخاري رحمه الله لوجوب قراءة الفاتحة؛ وورد في رواية أخرى لحديث المسيء صلاته تفسير ما تيسر بأنه الفاتحة[(496)]؛ كما جاء في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فإذا قمت إلى الصلاة فأسبغ وضوءك، ثم استقبل القبلة، ثم كبر، ثم اقرأ» [(497)] فدل هذا على وجوب الوضوء واستقبال القبلة وتكبيرة الإحرام.

واستدل الجمهور بهذا الحديث على أن التكبيرات ـ سوى تكبيرة الإحرام ـ ليست واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بها، ولكن دلت عليها الأدلة الأخرى.

$ر مسألة: ينبغي لمن زار المريض في المستشفى أن ينبهه إلى هذا؛ لأن بعض المرضى يظن أنه له ألا يصلي إذا كان مريضًا، وإذا سألته يقول: إنه لا يستطيع أن يتوضأ ولا يستطيع أن يطهر ثيابه، ولا يستطيع أن يتجه إلى القبلة وكل هذا خطأ، فالواجب على المريض أن يصلي على حسب حاله، إن استطاع أن يتوضأ توضأ وإن لم يستطع تيمم، وإن استطاع أن يوجه السرير إلى القبلة يوجهه، وإلا صلى على حسب حاله وما عجز عنه يسقط عنه؛ لقوله تعالى: [التّغَابُن: 16]{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: «صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنبك» [(498)].

;  الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ

}759{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُْولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُْولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآْيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الأُْولَى وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ.

}760{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنِي عُمَارَةُ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْنَا خَبَّابًا أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْنَا بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْرِفُونَ؟ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.

 

جاء في نسخ صحيح البخاري بعد الترجمة: «حدثنا أبو النعمان، قال: نا أبو عوانة، عن عبدالملك بن عمير، عن جابر بن سمرة : قال سعد: كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاتي العشي لا أَخْرِم عنها؛ كنت أركد في الأوليين وأحذف الأخريين، فقال عمر: ذاك الظن بك» وقوله: «صلاتي العشي» ، يعني: الظهر والعصر، قوله: «أركد في الأوليين وأحذف الأخريين» يعني: أطيل في الركعتين الأوليين وأخفف في الركعتين الأخريين، وهذا هو الشاهد من الحديث، وهو أن ذلك يتضمن قراءة الفاتحة في كل ركعة، كما في الحديث السابق حيث قال: «فأركد في الأوليين وأخف في الأخريين»[(499)].

وفيه: مشروعية الإطالة في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء.

 

}759{ قوله: «يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُْولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ يُطَوِّلُ فِي الأُْولَى وَيُقَصِّرُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسْمِعُ الآْيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ» . هذا هو الشاهد، وفيه: دليل على القراءة في صلاة الظهر والعصر والفجر؛ فدل على مشروعية قراءة الفاتحة في كل ركعة.

وفيه: مشروعية إطالة الركعة الأولى بحيث تكون أطول من الثانية في صلاة الظهر وفي صلاة العصر وفي صلاة الفجر.

 

}760{ هذا الحديث يستدل به المؤلف على أن الفاتحة لابد منها في كل ركعة، وفيه أن الصحابة كانوا يعرفون أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة السرية باضطراب لحيته، فهذه علامة.

وهناك علامة ثانية أيضًا وهي أنه كان يسمعهم الآية في الظهر والعصر أحيانًا كما في الحديث قبله، فكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالآية أو ببعض الآية ليعلم الناس أنه يقرأ، فهاتان علامتان عرف الصحابة بهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصلاة السرية.

;  الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ

}761{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ: قُلْتُ لِخَبَّابِ بْنِ الأَْرَتِّ: أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: قُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قِرَاءَتَهُ قَالَ: بِاضْطِرَابِ لِحْيَتِهِ.

}762{ حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الآْيَةَ أَحْيَانًا.

 

}761{ هذا الحديث جاء في الترجمة السابقة: «بَاب الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ» ، وجاء في هذه الترجمة أيضًا: «بَاب الْقِرَاءَةِ فِي الْعَصْرِ» ؛ لأنه يقرأ في العصر ويقرأ في الظهر.

 

}762{ قوله: «يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ» ، يعني: الأوليين من الظهر والعصر.

قوله: «بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ سُورَةٍ» . مفهوم الحديث أنه في الركعتين الأخريين يقتصر على الفاتحة، لكن جاء في حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما قرأ في الأخريين من صلاة الظهر زيادة على الفاتحة، وأنه كان يقرأ في الركعتين الأوليين بمقدار ثلاثين آية، وفي الركعتين الأخريين بمقدار خمس عشرة آية[(500)]، وثبت عن الصديق رضي الله عنه أنه قرأ في الركعة الثالثة من المغرب بعد الفاتحة: [آل عِمرَان: 8]{رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *}، وفي حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يقتصر على قراءة الفاتحة؛ فدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحيانًا في الركعتين الأخريين زيادة على فاتحة الكتاب، وأحيانًا أخرى لا يقرأ سوى الفاتحة.

قوله: «وَيُسْمِعُنَا الآْيَةَ أَحْيَانًا» ؛ يعني: أنهم كانوا يعرفون قراءته صلى الله عليه وسلم بإسماعه لهم، وهذه علامة لقراءته في الصلاة السرية، والعلامة الأخرى أنهم كانوا يعرفون ذلك باضطراب لحيته صلى الله عليه وسلم.

وقراءة شيء من القرآن مع الفاتحة فيه خلاف بين العلماء؛ فعثمان بن أبي العاص وبعض الصحابة، وكذلك بعض أهل العلم من الأحناف[(501)] يرون وجوب القراءة فيما زاد على الفاتحة، وفيه رواية أيضًا عن الإمام أحمد[(502)].

والصواب: أنه يجب قراءة الفاتحة وما زاد عنها فهو مستحب.

;  الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ

}763{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ: [المُرسَلات: 1]{وَالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا *} فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ إِنَّهَا لآَخِرُمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ.

}764{ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ.

 

}763{ قوله: «إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ سَمِعَتْهُ» ، أم الفضل هي أم عبدالله بن عباس رضي الله عنهم، وقد أخبرت أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة المرسلات في المغرب، وكان الأكثر من فعله صلى الله عليه وسلم القراءة بالقصار؛ فقرأ صلى الله عليه وسلم بالمرسلات كما في هذا الحديث، وجاء أنه قرأ بالطور[(503)]، لكنه يشرع القراءة بالطوال أحيانًا كما سيأتي أنه قرأ بالأعراف.

أما المداومة على قراءة القصار في المغرب فإن هذا من سنة مروان كما سيأتي أنه كان يقتصر على قصار السور، وأن زيد بن ثابت رضي الله عنه بيَّن له وأنكر عليه.

وهذا الحديث: احتج به البخاري رحمه الله على مشروعية القراءة في المغرب بالفاتحة وما تيسر معها.

 

}764{ قوله: «مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارٍ» ، يعني: تداوم على القراءة في المغرب بقصار السور، وهذا ما أنكره زيد بن ثابت على مروان بن الحكم، وكان مروان حينها أمير المدينة لمعاوية بن أبي سفيان.

قوله: «وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ» ، وهي الأعراف، والثانية الأنعام على الصحيح؛ فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ مرة بالأعراف في صلاة المغرب؛ فلهذا قيل: إن المداومة على قراءة القصار في المغرب سنة مروان بن الحكم.

;  الْجَهْرِ فِي الْمَغْرِبِ

}765{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ.

 

}765{ هذا فيه: دليل أيضًا على قراءة طوال المفَصل في المغرب، فأحيانًا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور كما هنا، وأحيانًا بالمرسلات كما مر قريباً.

وجبير بن مطعم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم فسمعه يقرأ سورة الطور فقال: وكاد قلبي أن يطير، فكان هذا أول ما دخل الإسلام في قلبه؛ وذلك لما سمعه يقرأ: [الطُّور: 35-36]{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ *أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ *}.

;  الْجَهْرِ فِي الْعِشَاءِ

}766{ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ: [الانشقاق: 1]{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ *} فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ: قَالَ: سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ.

}767{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيٍّ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.

 

}766{ قوله: «صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ» ، فيه: دليل على جواز تسمية العشاء بالعتمة، أما ما جاء في «صحيح مسلم» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنهم يعتمون بالإبل» [(504)]. فهذا محمول على أن يغلب في تسميتها العتمة، ولكن لو سماها أحيانًا به فلا بأس.

وقيل: إن النهي محمول على التنزيه.

وقيل: لأن الأعراب يسمون المغرب العشاء، ويسمون العشاء العتمة ـ وقد تقدم بيان ذلك ـ.

وفيه: مشروعية الجهر في العشاء، وهذا هو الشاهد للترجمة.

قوله: «سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه» ، فيه: أن السجدات التي في المفصل غير منسوخة، خلافًا لمن قال: إن سجدات المفصل منسوخة.

والمفصل أوله من سورة ق، والسجدات هي: سجدة النجم وسجدة الانشقاق وسجدة: [العَلق: 1]{اقْرَأْ بِاسْمِ}، والصواب: أنها غير منسوخة؛ فأبوهريرة رضي الله عنه قد أسلم متأخرًا في سنة سبع من الهجرة.

 

}767{ في الحديث: مشروعية الجهر في العشاء، وفي اللفظ الآخر أنه قال: «فما سمعت أحسن صوتًا منه» [(505)]، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.

;  الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ بِالسَّجْدَةِ

}768{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنِي التَّيْمِيُّ عَنْ بَكْرٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ: [الانشقاق: 1]{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ *} فَسَجَدَ فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ؟ قَالَ سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ أَزَالُ أَسْجُدُ بِهَا حَتَّى أَلْقَاهُ.

 

}768{ هذا الحديث احتج به المؤلف رحمه الله على جواز القراءة بما فيه سجدة في العشاء، وهو دليل أيضًا على الجهر بالقراءة.

ودليل على قراءة الفاتحة، فكل هذا مستفاد منه.

والقراءة بما فيه سجدة يكون في الصلاة الجهرية، أما السرية فإنه لا ينبغي للإمام أن يقرأ بالآيات التي فيها السجدة، وإذا قرأها فلا يسجد؛ لأن هذا فيه تلبيس وتشويش على المأموم؛ حيث يظن أنه أخطأ وأنه ترك الركوع.

;  الْقِرَاءَةِ فِي الْعِشَاءِ

}769{ حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ سَمِعَ الْبَرَاءَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ [التِّين: 1]{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ *} فِي الْعِشَاءِ وَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ أَوْ قِرَاءَةً.

 

}769{ في الحديث: مشروعية تحسين الصوت بالقراءة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع لقراءة أبي موسى فقال: «لقد أوتي هذا مزمارًا من مزامير آل داود» [(506)] والمراد من ذلك الصوت الحسن، وكان داود عليه الصلاة والسلام قد أوتي صوتًا حسنًا، فكان إذا قرأ الزبور اجتمع حوله الطيور والحيوانات، وكانت تجاوبه الجبال؛ حيث قال تعالى: [سَبَإ: 10]{يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ *}، وأبو موسى الأشعري قد أوتي صوتًا حسنًا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود»، يعني الصوت الحسن؛ وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى: «لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة»، فقال: لو علمت لحبرته لك تحبيرًا[(507)] يعني: حسنته لك تحسينًا.

;  يُطَوِّلُ فِي الأُْولَيَيْنِ وَيَحْذِفُ فِي الأُْخْرَيَيْنِ

}770{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لِسَعْدٍ: لَقَدْ شَكَوْكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الصَّلاَةِ قَالَ: أَمَّا أَنَا فَأَمُدُّ فِي الأُْولَيَيْنِ وَأَحْذِفُ فِي الأُْخْرَيَيْنِ وَلاَ آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: صَدَقْتَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ أَوْ ظَنِّي بِكَ.

 

}770{ قوله: «وَلاَ آلُو مَا اقْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: لا أقصر في الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يطول في الأوليين ويحذف في الأخريين، يعني: يخفف.

قوله: «قَالَ: صَدَقْتَ ذَاكَ الظَّنُّ بِكَ أَوْ ظَنِّي بِكَ» وفيه: أن عمر رضي الله عنه أقره على ذلك.

وسبق هذا في الحديث الطويل[(508)]، وقد احتج به المؤلف رحمه الله على مشروعية تطويل الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وتخفيف الأخريين ، والاقتصار فيهما على الفاتحة.

;  الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ

وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالطُّورِ.

}771{ حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارُ بْنُ سَلاَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَْسْلَمِيِّ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ: كُانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ.

}772{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ فِي كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ: فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ.

 

قولها: «قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالطُّورِ» ؛ لأنها سمعته يقرأ في صلاة الفجر بالطور، وذلك وهي تطوف من وراء الناس[(509)] في حجة الوداع في صبح اليوم الرابع من شهر ذي الحجة قبيل الفجر.

وفي الحديث: دليل على أنه لا بأس بالطواف بالكعبة ولو من بعيد، أو في الدور الثاني، وكذلك المرأة لها أن تطوف والناس يصلون؛ لأن الجماعة لا تجب على المرأة بخلاف الرجل فإنه لا يطوف والناس يصلون بل يقف ويصلي مع الناس.

}771{ في حديث أبي برزة: بيان أوقات الصلوات.

قوله: «كُانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ» ، يضي: حين تميل إلى الغروب؛ لأن الشمس تقف في مرأى العين قبيل الظهر، وهو وقت قصير من أوقات النهي؛ حيث تقف قليلاً، فإذا مالت إلى جهة الغروب دخل وقت الظهر، وهذا يسمى الزوال، وهو أول وقت الظهر، ويمتد إلى أن يصير ظل كل شيء مثله؛ فيدخل وقت العصر، فبين أبو برزة رضي الله عنه هذه الأوقات من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «وَالْعَصْرَ وَيَرْجِعُ الرَّجُلُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ» ، فيه: دليل على التبكير بصلاة العصر؛ حيث كان يصلي العصر مبكرًا حين يصير ظل الرجل مثله، حتى إن الرجل ليرجع إلى أقصى المدينة والشمس ما زالت كهيئتها.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس في حجرتها » [(510)] يعني: لا زالت الشمس مرتفعة؛ لأنه إذا ارتفعت خرجت الشمس من الحجرة ، وذلك إذا قربت من الغروب؛ وفي بعض الأحاديث أن بعض الصحابة كان يرجع إلى أهل قباء والشمس حية[(511)]؛ فيدل على مشروعية التبكير بصلاة العصر، ولكن لا ينافي التبكير كون الإمام يتأخر ربع ساعة أو ثلث ساعة أو نصف ساعة؛ فكل هذا لا يزال في أول الوقت؛ وذلك لانتظار المأمومين، والمتوضئ حتى يفرغ من وضوئه، والآكل حتى يفرغ من أكله.

وفي صلاة المغرب ـ ووقتها قصير ـ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يبادر من حين ينتهي المؤذن، بل كان صلى الله عليه وسلم يتأخر بعض الشيء حتى يبتدروا السواري ويصلوا ركعتين[(512)]، ويقول: «صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب» [(513)] ثم بعد ذلك يقيم.

قوله: «وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ» ؛ وجاء في الحديث الآخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب والرجل يبصر موقع نبله [(514)] يعني: لم يشتد الظلام؛ فدل على أنه يبكر بالمغرب.

قوله: «وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» ؛ وجاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجل العشاء إذا رآهم اجتمعوا، وإذا رآهم تأخروا أخر[(515)]، يعني: يراعي الجماعة؛ فإذا اجتمع الناس بكر، وإذا تأخروا أخر، وجاء في الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة يوما حتى ابْهارَّ الليل[(516)] يعني: كاد أن ينتصف، حتى جاء عمر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله نام النساء والصبيان ورقدوا، وجاء في بعض ألفاظه أن الناس ناموا ثم استيقظوا، ثم ناموا ثم استيقظوا فرقدوا، ثم استيقظوا، يعني: نعسوا، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم يقطر رأسه ماء وقال: «إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي» [(517)] يعني: وقتها المختار والأفضل، فأخذ العلماء من هذا أن الأفضل تأخير العشاء إلى ثلث الليل إذا لم يشق ذلك؛ ولهذا قال العلماء: وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهل، وهذا إنما يتحقق لو كانوا جماعة مسافرين وليس معهم غيرهم وأحبوا أن يؤخروها إلى ثلث الليل فلا بأس، أو كانوا في مزرعة أو في قرية وليس معهم غيرهم واتفقوا على التأخير فهو أفضل، وكذلك المريض في بيته أو في المستشفى إذا أحب أن يؤخرها فلا بأس، والمرأة كذلك.

أما في المدن والقرى فلا تؤخر العشاء؛ لأن هذا يشق على الناس ففيهم المريض والكبير وذو الحاجة، وإنما تؤخر في مثل ما ذكرناه من حالات.

قوله: «وَلاَ يُحِبُّ النَّوْمَ قَبْلَهَا» يعني: العشاء، وفي اللفظ الآخر: «وكان يكره النوم قبلها» [(518)] لأنه قد يؤدي إلى تأخير صلاة العشاء فالنوم مكروه في هذه الحالة، بل عليه أن يعالج نفسه ويتصبر حتى يصلي العشاء.

قوله: «وَلاَ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا» ؛ لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى التأخر عن صلاة الفجر وتضييعها، وهذه الكراهة كراهة تنزيه، يعني أن الحديث والجلسات بعد صلاة العشاء مكروهة، ويستثنى من هذا ما جاءت الأدلة باستثنائه؛ كحديث الرجل مع أهله، وحديثه مع الضيف، والسمر في مصالح المسلمين لولاة الأمور ورجال الهيئات، وكذلك أيضًا السمر في طلب العلم إذا لم يؤدِّ إلى التأخر عن صلاة الفجر.

أما ما عدا ذلك من الجلسات فهي مكروهة، فإن كان فيها غيبة أو نميمة أو سماع غناء أو رؤية أفلام خليعة وسماع الأشرطة السيئة وقراءة كتب السحر والضلال والبدع وقراءة المجلات الخليعة فهذا كله محرم في كل وقت.

قوله: «وَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ» ، يعني: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبكر بصلاة الفجر، وفي اللفظ الآخر: «وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر بغلس» [(519)] والغلس هو اختلاط ضياء الصبح بظلام الليل، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم كان يبكر بها لكن بعد انشقاق الفجر وتبينه، وظلمة الليل ما تزال مختلطة بضياء الصبح؛ وليس المراد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها قبل طلوع الفجر، لكنه يبكر بها ويبادر خلافًا للأحناف[(520)] الذين يستحبون تأخير صلاة الفجر إلى قرب طلوع الشمس، ويستدلون بحديث: «أسفروا بالفجر فهو أعظم للأجر» [(521)]. وهذا الحديث إن صح فهو محمول على أن المراد التحقق من طلوع الفجر، وليس المراد التأخير إلى قرب طلوع الشمس؛ لأن هذا غير مشروع، ففي السنة والأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الفجر بغلس ويصلي معه نساء متلفعات بمروطهن ثم ينصرفن ما يعرفهن أحد من الغلس[(522)].

فالسنة التبكير بصلاة الفجر، كما يفعل الآن، بعد طلوع الفجر بنصف ساعة أو ما شابه ذلك، أما تأخيرها تأخيرًا شديدًا فهذا خلاف السنة.

قوله: «وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ» ؛ هذا شك من الراوي؛ حيث تردد بين كونه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعة الواحدة من ستين آية إلى مائة آية، أو أنه كان يقرأ ذلك في الركعتين، وعلى الأول يكون في كل ركعة خمسين أو ثلاثين آية، وعلى الثاني يكون ضعف هذا؛ وعليه فمن السنة الإطالة في القراءة في صلاة الفجر، حتى إن صلاة الفجر سميت بالقرآن؛ فقد قال تعالى: [الإسرَاء: 78]{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا *}، يعني وصلاة الفجر، وسماها الله تعالى قرآنًا؛ لأن أطول ما فيها القراءة، وقوله: ُ ظ ص ض س ش ر ز ء }صلى الله عليه وسلم! ! ِ ، يعني: تشهده الملائكة، ولعل من الحكمة في ذلك أن الناس بعد الاستيقاظ من النوم يكونون بحاجة إلى سماع القرآن والاستفادة والتدبر.

وقد خالف كثير من أئمة المساجد هذه السنة، وصاروا يقرءون قراءة قصيرة، فتسمع من يقرأ بخمس آيات أو ست آيات أو عشر آيات ولا يزيدون، وهذا فيه ترك للسنة، وخلود إلى الكسل.

وقد ورد أن أبا بكر رضي الله عنه قرأ في صلاة الفجر بسورة البقرة كلها، فقيل له: يا خليفة رسول الله كادت الشمس أن تطلع، فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين[(523)]، وثبت أن عمر رضي الله عنه كان يقرأ فيها بسورة النحل وسورة يوسف[(524)].

وينبغي للإمام أن يحرص على السنة ويبينها للناس، ولا يستجيب لمطالب بعض الكسالى؛ فبعضهم يريد أن يقرأ آية أو آيتين، ولو استجاب لهم لضيع الأركان كلها.

ومن السنة أن يقرأ في فجر يوم الجمعة بـ [السَّجدَة: 1-2]{الم *تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ *} ـ السجدة ـ كلها في ركعة واحدة، وفي الثانية بـ [الإنسَان: 1]{هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}، وجاء في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على ذلك[(525)].

وبعض الأئمة يقسم سورة السجدة بين الركعتين، وهذا تضييع للسنة، فلا ينبغي له أن يفعل هذا، بل إما أن يقرأ في الركعة الأولى السجدة، وفي الثانية ُ ف پ ـ لله ِ ، أو يقرأ بغيرهما.

 

}772{ قوله: «فِي كُلِّ صَلاَةٍ يُقْرَأُ» ، احتج به المؤلف رحمه الله على وجوب قراءة الفاتحة.

قوله: «فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا عَنْكُمْ» ، يعني: ما جهر فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في الصلاة جهرنا وما أسر أسررنا.

قوله: «وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ» ، يعني: أجزأتك صلاتك؛ لأن الواجب في كل ركعة هو أن تقرأ الفاتحة.

قوله: «وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ» ، فيه: أنك إن اقتصرت على الفاتحة صحت الصلاة، كما أن ظاهر كلام أبي هريرة أنه حتى في الركعتين الأخريين إذا زدت فهو خير، على الصواب في المسأله ـ كما تقدم ـ إلا الركعتين الأخريين من الظهر فتتأكد الزيادة في القراءة على سورة الفاتحة أحيانًا؛ كما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

;  الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ

وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: طُفْتُ وَرَاءَ النَّاسِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَيَقْرَأُ بِالطُّورِ.

}773{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ فَقَالُوا: حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلاَّ شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَْرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا: هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا: يَا قَوْمَنَا [الجنّ: 1-2]{قُلْ أُوْحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَبًا *يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا *}، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم ُ [ غ ع ِ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ.

}774{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أُمِرَ وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ [مَريَم: 64]{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا *}، [الأحزَاب: 21]{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

 

رواية أم سلمة رضي الله عنها هذه كانت في صلاة الفجر يوم الرابع عشر من ذي الحجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف قبيل الفجر ثم أدركته الصلاة فصلى بالناس، وجاءت أم سلمة رضي الله عنها فطافت من وراء الناس وهم يصلون.

وفيه: أنه لا بأس أن تطوف المرأة من وراء الناس وهم ويصلون إذا كان في المسجد متسعٌ.

أما الرجل فليس له أن يطوف والناس يصلون بل يصلي معهم، وإذا أقيمت الصلاة وهو في طواف فإنه يقطع الطواف ويصلي؛ لأن الجماعة واجبة على الرجل، أما المرأة فلا تجب عليها الجماعة.

وفي هذا الحديث شاهد للترجمة: «الْجَهْرِ بِقِرَاءَةِ صَلاَةِ الْفَجْرِ» ، وهو أن أم سلمة رضي الله عنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور، بعد قراءته الفاتحة.

 

}773{ هذا في أول البعثة لما حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع في الجاهلية، وكثر الكهان قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم شددت حراسة السماء، وأرسلت الشهب على الشياطين، فصعُب عليهم استراق السمع، كما قال الله تعالى عن الجن أنهم قالوا: [الجنّ: 8]{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا *}.

وكان لكل واحد من الكهان رئِيٌّ من الجن يأتيه فيخبره؛ لأن الشياطين يركب بعضهم بعضًا ـ واحد فوق الآخر ـ من غير تلاصق، حتى يصل آخرهم إلى عنان السماء، فيسمع الكلام من الملائكة من خبر الله عز وجل، فيلقيه الشيطان للشيطان الذي يليه، حتى يصل الخبر إلى الشيطان الذي في الأرض، فيلقيه في أذن الكاهن، يقرها في أذنه كقر الدجاجة قر قر قر، كما جاء في الحديث: «فيقرها في أذنه قر الدجاجة» [(526)] فإذا وصلت إلى الكاهن خلط معها مائة كذبة، فتصبح مائة كذبة وواحدة صدق سُمعت من السماء، فإذا حدث الناس بهذا الكذب الكثير صدقوه من أجل واحدة، وفي هذا قبول الناس للباطل بغير رَوِيِّة؛ إذ كيف يعتبرون بواحدة ولا يعتبرون بمائة؟!

ولكن الشهب تلاحق الشياطين فتحرقهم، فالشيطان الأسفل أحيانًا يدركه الشهاب ويحرقه قبل أن يلقي الكلمة في أذن الكاهن، وأحيانًا يلقيها قبل أن يحرقه الشهاب، وهذا يدل على أن الشياطين كثير ولهم أولاد كثيرون، ولا شك أن الشهب تحرقهم إلى يوم القيامة، وأن حراسة السماء مشددة.

ولما شددت حراسة السماء، وحيل بين الشياطين وبين خبر السماء، استنكروا هذا وضربوا المشارق والمغارب، حتى وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه وسمعوا قراءته، فقالوا: هذا هو السبب الذي حال بيننا وبين خبر السماء، أي بعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاَةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ» ، فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر بالقراءة، وأنه يسمع أصحابه، وسمع الجن قراءته كذلك.

وقوله: «فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ» . هذا هو الشاهد من الحديث، وهو جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة في صلاة الفجر.

قوله: «هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ» ، يعني: فإنهم لما سمعوا القرآن قالوا هذا، ورجعوا إلى قومهم وقالوا لهم: [الأحقاف: 31]{يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ *}

 

}774{ قوله: «قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أُمِرَ» ، هذا هو الشاهد من الحديث، وفيه: إثبات القراءة.

قوله: «وَسَكَتَ فِيمَا أُمِرَ [مَريَم: 64]{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا *}، [الأحزَاب: 21]{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.» ، يعني: يجب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيما قرأ فيه وفيما سكت، فكان صلى الله عليه وسلم يجهر في الركعتين الأوليين ويسر في الركعتين الأخريين فيجب الاقتداء به صلى الله عليه وسلم فيما يفعل.

;  الْجَمْعِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ وَالْقِرَاءَةِ بِالْخَوَاتِيمِ

وَبِسُورَةٍ قَبْلَ سُورَةٍ وَبِأَوَّلِ سُورَةٍ

وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُونَ فِي الصُّبْحِ حَتَّى إِذَا جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْهُ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ وَقَرَأَ عُمَرُ فِي الرَّكْعَةِ الأُْولَى بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ آيَةً مِنْ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمَثَانِي وَقَرَأَ الأَْحْنَفُ بِالْكَهْفِ فِي الأُْولَى وَفِي الثَّانِيَةِ بِيُوسُفَ أَوْ يُونُسَ وَذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه الصُّبْحَ بِهِمَا وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِأَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ الأَْنْفَالِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةٍ مِنْ الْمُفَصَّلِ وَقَالَ قَتَادَةُ: فِيمَنْ يَقْرَأُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ أَوْ يُرَدِّدُ سُورَةً وَاحِدَةً فِي رَكْعَتَيْنِ كُلٌّ كِتَابُ اللَّهِ.

}774{ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه كَانَ رَجُلٌ مِنْ الأَْنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يُقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ [الإخلاص: 1]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *} حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى؟ فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ فَلَمَّا أَتَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ فَقَالَ: يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ.

}775{ حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.

 

هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله للجمع بين السورتين في ركعة والقراءة في الخواتيم وبسورة قبل سورة، وبأول السورة، وكل ما ذكره جائز، فالجمع بين السورتين في الفريضة أو النافلة لا بأس به، فيقرأ سورتين أو ثلاثًا أو أربعًا، كما دلت على ذلك الأحاديث التي ذكرها المصنف رحمه الله، فلا بأس بالجمع بين السورتين، فمثلاً يقرأ [الإخلاص: 1]{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *}، و [الفَلَق: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *}، و [النَّاس: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *} في ركعة، أو يقرأ المفصل كله كما في الحديث الأخير، أن رجلاً قرأ المفصل كله في ركعة،

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد