شعار الموقع

شرح كتاب الأذان من صحيح البخاري (10-55)

00:00
00:00
تحميل
47

}820{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: كُانَ سُجُودُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُكُوعُهُ وَقُعُودُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ.

}821{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنِّي لاَ آلُو أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا قَالَ ثَابِتٌ: كَانَ أَنَسٌ يَصْنَعُ شَيْئًا لَمْ أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَامَ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ.

 

}820{ قوله: «قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ» ، المعنى: أن صلاته صلى الله عليه وسلم متناسبة متقاربة، فإذا أطال القيام أطال الركوع والسجود، وإذا قصر القيام قصرهما من غير إخلال بالطمأنينة.

وفي الحديث الآخر: «ما عدا القيام والقعود» [(627)] أي: التشهد والقيام الأول فإنه يطيلهما أكثر من غيرهما، وما عدا ذلك من ركوع، وسجود، ورفع من الركوع، ورفع من السجود، كلها متناسبة قريبة من السواء.

 

}821{ في هذا الحديث: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه يطيل هذين الركنين وهما القيام بعد الركوع والقعود بعد السجدة الأولى.

وفيه: الرد على الأحناف[(628)] الذين يُخِلّون بالطمأنينة فيهما؛ وفي الحديث الآخر: «أنه إذا رفع رأسه من السجدة قام هنية» [(629)]، يعني: يمكث ولا يعجل.

والمعنى: أنه لا يخل بالطمأنينة فيهما؛ لأن أنسًا أدرك بني أمية وكان بعضهم قد يخل بالطمأنينة، فكانوا يعجلون بعد الركوع والسجود، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه الآن، يطيل هذين الركنين.

وليس المعنى أنه يطيل إطالة تلفت النظر، بل هو قريب من الركوع والسجود، لكن لما كانوا لا يفعلونه صار طويلاً بالنسبة لمن لم يفعله.

وقوله: «حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: قَدْ نَسِيَ» ، ظاهره أنه يعني قائل من الصحابة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل إطالة حتى يقول القائل منهم: قد نسي.

;  لاَ يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ

وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا.

}822{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ».

 

قوله في الترجمة: «بَاب لاَ يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ فِي السُّجُودِ» ، للنهي عن افتراش الذراعين في السجود، والمؤلف رحمه الله ترجم بالنهي لوروده صريحًا في الحديث.

قوله: «وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَوَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا» ، يعني : غير مفترش ذراعيه، ولا قابض يديه بحيث يضعهما على فخذيه، بل يجعل يديه محاذيتين منكبيه ويجافي عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه.

 

}822{ قوله: «وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ» ، فيه: النهي عن التشبه بالحيوانات، والطيور، في موضع الصلوات، فمن ذلك: ألا يفترش ذراعيه في السجود افتراش الكلب، ولا ينقر صلاته كنقر الغراب، ولا يلتفت التفات الثعلب، ولا يحرك يده ويشير بها كأذناب الخيل حينما يسلم، ولا يُوطِّن المكان كإيطان البعير ـ بحيث يلزمه ويمنع غيره منه دائما[(630)] ـ.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجافي عضديه حتى لو مرت بهيمة بين يديه لدخلت[(631)]، وليس معنى المجافاة والاعتدال أن يمد الإنسان صلبه مدًّا طويلاً كما يفعل بعض الناس، ويتعدى في السجود فيكون بينه وبين من أمامه مسافة تلفت النظر؛ لأنه إذا مد صلبه صارت اليدان غير محاذيتين للمنكبين، والسنة أن تحاذيهما، ثم إن مد الصلب الطويل يمنع من المجافاة، والسنة أن يجافي عضديه عن جنبيه حتى لو مرت بهيمة من بين يديه لوسعها ذلك.

;  مَنْ اسْتَوَى قَاعِدًا فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ نَهَضَ

}823{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ اللَّيْثِيُّ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلاَتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا.

 

}823{ هذه الجلسة تسمى: جلسة الاستراحة، واختلف العلماء فيها ـ كما تقدم على قولين ـ:

القول الأول: قول الشافعي رحمه الله[(632)] وطائفة من أهل الحديث: إنها سنة ومستحبة، وهو ظاهر اختيار البخاري رحمه الله.

القول الثاني: قول الجمهور أنها غير مستحبة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعلها لمّا ثقل وكبر؛ ففعلها للحاجة، فقالوا: تشرع في حق من احتاج للاستراحة لكبر، أو مرض، أو كسل؛ وتمسكوا بأدلة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: « لا تبادروني بالقيام والقعود، فإني قد بدنت» [(633)] يعني: ثقل جسمي، وذلك لما كبر صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، وقالوا: إن قدوم مالك بن الحويرث رضي الله عنه كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بسنتين.

واستدلوا بخلو بعض الأحاديث منها، كحديث أبي حميد رضي الله عنه[(634)].

واستدلوا أيضًا بأنه لم يشرع لها ذكر مخصوص فقالوا: لو كانت مشروعة لشرع لها ذكر مخصوص.

وأجيب بأن الأصل عدم العلة، وبأن خلو بعض الأحاديث منها إنما يدل على عدم وجوبها، لكن لا يدل على أنها غير مستحبة، فلا ينكر على من تركها ولا على من فعلها.

;  كَيْفَ يَعْتَمِدُ عَلَى الأَْرْضِ إِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَةِ

}824{ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فَصَلَّى بِنَا فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لَأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلاَةَ وَلَكِنْ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي قَالَ أَيُّوبُ: فَقُلْتُ لأَِبِي قِلاَبَةَ: وَكَيْفَ كَانَتْ صَلاَتُهُ قَالَ: مِثْلَ صَلاَةِ شَيْخِنَا هَذَا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ قَالَ أَيُّوبُ: وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الأَْرْضِ ثُمَّ قَامَ.

 

}824{ ظاهر الحديث أنه يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة، ويعارضه صنيع ابن مسعود رضي الله عنه الذي ذكره الشارح رحمه الله بإسناد صحيح أنه ينهض على صدور قدميه فيحتاج إلى الجمع بينهما ويمكن الجمع بينهما بأن:

قد يقال: ما في الصحيح مقدم.

وقد يقال: ينهض على صدور قدميه إلا إذا احتاج إلى ذلك فيعتمد على يديه، وذلك لكبر أو مرض.

والأمر في هذا واسع، فله أن يعتمد على يديه، أو يعتمد على صدور قدميه، فلا حرج.

وقوله: «إني لأصلي بكم وما أريد الصلاة» ، يعني: في غير وقت الصلاة، أي: أنها صلاة للتعليم، مثل ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى بالناس على المنبر، قام وركع، ثم رجع القهقرى وسجد على الأرض، ثم قام فقال: «إنما فعلت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي» [(635)].

;  يُكَبِّرُ وَهُوَ يَنْهَضُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ

وَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يُكَبِّرُ فِي نَهْضَتِهِ.

}825{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

}826{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: صَلَّيْتُ أَنَا وَعِمْرَانُ صَلاَةً خَلْفَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فَكَانَ إِذَا سَجَدَ كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ كَبَّرَ، وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ، فَلَمَّا سَلَّمَ أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي، فَقَالَ: لَقَدْ صَلَّى بِنَا هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ: لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

 

}825{ قوله: «صَلَّى لَنَا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ» ؛ فيه: أنه يكبر حين ينهض من السجدتين، وهو يدل على أن جلسة الاستراحة بعد التكبير، ثم ينهض منها قائمًا دون تكبير؛ لأنها من جملة النهوض، وهي جلسة خفيفة ليس فيها ذكر، ومما يدل على ذلك أن مالك بن الحويرث رضي الله عنه أخبر: «أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا» [(636)]، يعني إذا قام من الركعة الأولى أو قام من الركعة الثالثة، ولو كان التكبير بعد جلسة الاستراحة لما رآه مالك بن الحويرث رضي الله عنه مستويًا قاعدًا، وما علم به.

وعلى هذا القول يفعلها المأموم ولو تركها الإمام، مثل رفع اليدين عند الركوع، والرفع بعد القيام من الركوع، والرفع بعد القيام من التشهد الأول.

 

}826{ قوله: «وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ» فيه أنه يكبر عند النهوض من الركعتين؛ فالتكبير يكون عند كل خفض ورفع، وهذا هو السنة؛ والصلاة الرباعية فيها ثنتان وعشرون تكبيرة، والثلاثية سبع عشرة تكبيرة، والثنائية إحدى عشرة تكبيرة ـ كما تقدم ـ.

- والتكبير يكون مع الفعل عند بدء النهوض مع حركة الركوع، أو حركة السجود، أو حركة القيام؛ فالأفضل أن يبدأ التكبير مع الفعل وينهيه إذا انتهى منه؛ وبعض الناس يفعله ثم يكبر؛ فإذا استوى قائمًا كبر، أو يسجد ثم يكبر؛ وبعضهم يكبر قبل أن يسجد، فيقول: الله أكبر، ثم إذا أتم التكبير سجد، وقد يسبقه بعض المأمومين، ولكن السنة أن يبدأ به من حين الحركة، وينهيه حينما ينتهي منها.

والإمام إذا أراد تعليم الناس فإنه يعلمهم بالقول: افعلوا كذا، وكذا؛ ويشرح لهم، وبالفعل، فيصلي أمامهم، ويريهم كيفية الصلاة.

;  سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ

وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ.

وَكَانَتْ فَقِيهَةً.

}827{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ فَفَعَلْتُهُ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ فَنَهَانِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَقَالَ: إِنَّمَا سُنَّةُ الصَّلاَةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى فَقُلْتُ: إِنَّكَ تَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ رِجْلَيَّ لاَ تَحْمِلاَنِي.

}828{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَحَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ ابْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْنَا صَلاَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآْخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُْخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ.

وَسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي حَبِيبٍ وَيَزِيدُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ وَابْنُ حَلْحَلَةَ مِنْ ابْنِ عَطَاءٍ.

قَالَ أَبُو صَالِحٍ: عَنْ اللَّيْثِ كُلُّ فَقَارٍ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ كُلُّ فَقَارٍ.

 

قوله: «وَكَانَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَجْلِسُ فِي صَلاَتِهَا جِلْسَةَ الرَّجُلِ، وَكَانَتْ فَقِيهَةً» ، يعني: تفعلها عن فقه وعلم، والأصل في هذا أن الأحكام عامة للرجال والنساء إلا ما دل الدليل على أنه خاص بالرجال أو بالنساء فيعمل بالدليل، أما قول الفقهاء: المرأة تضم نفسها ولا تنصب رجلها في التشهد؛ لأنها عورة ـ فهذا يحتاج إلى دليل، وليس هناك دليل يخص المرأة بأنها لا تفعل فعل الرجل في الصلاة.

وأم الدرداء رضي الله عنها كانت تجلس جلسة الرجل في التشهد وفي السجود فكانت تجافي العضد عن الفخذين، وهذا هو السنة، والبخاري رحمه الله يميل إلى هذا.

وقوله: «وَكَانَتْ فَقِيهَةً» ، هذا من كلام البخاري رحمه الله، ويروى أيضًا عن مكحول فيكون وافق قوله قول مكحول.

أما إذا كان يُخشى الفتنة فهذا شيء آخر، فكما أنها تغطي وجهها في الصلاة إذا كان عندها رجال أجانب فلا تجافي إذا كان عندها رجال وخشيت أن تكون المجافاة من أسباب الفتنة.

 

}827{ قوله: «كَانَ يَرَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلاَةِ إِذَا جَلَسَ» . كان عبدالله بن عبدالله بن عمر يجلس متربعًا فنهاه أبوه عبدالله بن عمر، وقال: لا تفعل هذا، انصب رجلك اليمنى، واثن اليسرى، واجلس عليها؛ قال: أنت لا تفعل هذا، أنت تتربع، قال: «إِنَّ رِجْلَيَّ لاَ تَحْمِلاَنِي» ، أي: أنت لست مثلي، فرجلاه لا تحملاه إما لأنه أصيب بمرض، أو لكبر سنه، أو لألم فيهما، أما أنه فشابٌّ أن يفعل السنة.

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: «وروي عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأمر نساءه أن يتربعن في الصلاة، قال: وروي من وجه آخر عن صفية بنت أبي عبيد رضي الله عنها، امرأة ابن عمر رضي الله عنهما، أنها كانت تتربع في الصلاة. وقال زرعة بن إبراهيم عن خالد بن اللجلاج: كن النساء يؤمرن بأن يتربعن إذا جلسن في الصلاة ولا يجلسن جلوس الرجال على أوراكهن، يتقى ذلك عن المرأة مخافة أن يكون الشيء منها. خرجه ابن أبي شيبة. وقال الإمام أحمد رحمه الله: تتربع في جلوسها، أو تسدل رجليها عن يمينها؛ والسدل عنده أفضل، وهو قول النخعي، والثوري، وإسحاق؛ لأنه أشبه بجلسة الرجل، وأبلغ في الاجتماع والضم؛ وحمل بعض أصحابنا فعل أم الدرداء رضي الله عنها على مثل ذلك، وأما الإمام أحمد رحمه الله فصرح بأنه لا يذهب إلى فعل أم الدرداء، وروى سعيد بن منصور بإسناده عن عبدالرحمن بن القاسم قال: كانت عائشة رضي الله عنها تجلس في الصلاة عن عرقبيها، وتضم فخذيها، وربما جلست متربعة، وقال الشعبي رحمه الله: تجلس كما تيسر عليها؛ وقال قتادة رحمه الله: تجلس كما ترى أنه أستر، وقال عطاء رحمه الله: لا يضرها أي ذلك جلست إذا اجتمعت، قال: وجلوسها على شقها الأيسر أحب إلي من الأيمن، وقال حماد: تفعل كيف شاءت، وخرّج فيه حديثين».

والصواب: أن المرأة تفعل مثل الرجل، فهذا هو الأصل، وهو من باب الاستحباب.

 

}828{ هذا الحديث حديث عظيم في بيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وكيفيتها، وفيه أنه «إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ» ، وجاء في اللفظ الآخر: «أنه يحاذي بهما أطراف أذنيه» [(637)]. وقد ذكرنا أن الجمع بينهما أنه كان يفعل هذا تارة ويفعل هذا تارة، أو كان يجعل أطراف الأصابع تحاذي الأذنين، والكفين تحاذي المنكبين.

قوله: «وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ» ؛ هذه هي السنة أن يُمَكِّن يديه من ركبتيه.

وقوله: «ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ» ، يعني: يمد صلبه، ويجعل الرأس محاذيًا لظهره، لا يرفعه، ولا يخفضه.

وقوله: «فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ» ، يعني : أنه يعتدل قائمًا ويطمئن، خلافًا للأحناف[(638)] الذين لا يستوي الواحد منهم،بل يبادر بالسجود قبل أن يتم قيامه.

وقوله: «فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» ؛ فلا يفترش ذراعيه، ولا يقبضهما، بل يجافي؛ وأما رجلاه فإنه يستقبل بأطراف أصابعهما القبلة.

وقوله: «فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى» ؛ يعني: جلسة التشهد الأول، أو بين السجدتين ينصب اليمنى ويثني اليسرى ويجلس عليها.

وقوله: «وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآْخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الأُْخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ» ؛ يعني: في التشهد الأخير يجلس متوركًا، بأن ينصب رجله اليمنى، ويخرج رجله اليسرى من تحت ساقه اليمنى عن يمينه، ويجلس على مقعدته على الأليتين؛ فهذا هو السنة.

واختلف العلماء في كيفية الجلوس للتشهد:

القول الأول: أنه يتورك في التشهدين الأول والثاني.

القول الثاني: لا يتورك في التشهدين لا الأول ولا الثاني.

القول الثالث: أنه يتورك في التشهد الأخير، ويفترش في التشهد الأول، وهذا هو الصواب الذي تدل عليه الأحاديث كما في حديث أبي حميد رضي الله عنه هذا.

;  مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَْوَّلَ وَاجِبًا

لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ

}829{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ مَرَّةً مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّ عَبْدَاللَّهِ ابْنَ بُحَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ الظَّهْرَ فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُْولَيَيْنِ لَمْ يَجْلِسْ فَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ حَتَّى إِذَا قَضَى الصَّلاَةَ وَانْتَظَرَ النَّاسُ تَسْلِيمَهُ كَبَّرَ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ سَلَّمَ

 

هذه الترجمة فيها الحكم والدليل، فقوله: «بَاب مَنْ لَمْ يَرَ التَّشَهُّدَ الأَْوَّلَ وَاجِبًا» ، هذا هو الحكم، والدليل: «لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَرْجِعْ» ، فالمؤلف رحمه الله يرى في هذه الترجمة أن التشهد الأول غير واجب، وأنه سنة.

}829{ في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم سها، فترك التشهد الأول، ولم يرجع إليه، فدل على أنه غير واجب، وكذلك تكبيرات الصلاة في الانتقال من الركوع والرفع منه، وتسبيحات الركوع والسجود، وقول: ربنا ولك الحمد، وسمع الله لمن حمده، كل هذه الأمور يرى الجمهور أنها سنة.

والقول الثاني ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله[(639)]، وجماعة، أن التشهد الأول واجب، وكذا التكبيرات، وتسبيحات الركوع، والسجود، كلها واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(640)].

وبعض العلماء قلب على البخاري رحمه الله هذا الدليل، فقال: لو لم يكن التشهد الأول واجبًا لما سجد صلى الله عليه وسلم سجدتي السهو لتركه، فلما سجد سجدتي السهو لتركه دل على أنه واجب، أما كونه لم يرجع إليه فلأنه يكره الرجوع بعد القيام، فإن شرع في القراءة حرم الرجوع.

فالبخاري رحمه الله يرى أنه سنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إليه، ومن يخالف البخاري رحمه الله يقول: إنه واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جبره بسجود السهو، لكنه وجوب مخفف وليس كوجوب الأركان؛ فالركن واجب وجوبًا قويًّا، بحيث إنه لا يسقط لا سهوًا، ولا عمدًا، ولا جهلاً؛ أما الواجب المخفف كالتشهد الأول فإنه إذا تركه عمدًا بطلت الصلاة، وإن تركه سهوًا جبره بسجدتي السهو.

وأما ترك سجود السهو لشيء واجب، فيبطل الصلاة عند أهل العلم إذا تركه عمدًا.

$ر مسألة: إذا قام من الركعتين ولم يتشهد، فله أحوال:

_خ الجواب: الحالة الأولى: إن تذكر قبل أن يستتم قائما، فيجب عليه الرجوع فإن لم يرجع ناسيًا، أو جاهلاً، سجد للسهو، وصحت صلاته.

الحالة الثانية: إن استتم قائمًا، فيكره له الرجوع، فإن رجع، وتشهد، سجد أيضًا للسهو سجدتين من أجل نهوضه.

الحالة الثالثة: إن شرع في القراءة، فيحرم عليه الرجوع؛ لأنه شرع في ركن، وفات محل هذا الواجب، فيجبره بسجدتي السهو.

;  التَّشَهُّدِ فِي الأُْولَى

}830{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ.

 

}830{ في الحديث: بيان مشروعية التشهد الأول، وهو سنة عند الجمهور، والأظهر أنه واجب كما سبق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليه، وسجد لتركه؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(641)].

;  التَّشَهُّدِ فِي الآْخِرَةِ

}831{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

 

قوله: «بَاب التَّشَهُّدِ فِي الآْخِرَةِ» هذه الترجمة معقودة للتشهد الأخير، وحكمه؟ وسكت المؤلف رحمه الله عن الحكم؛ لأنهم اختلفوا فيه: هل هو فرض، أو ليس بفرض؛ والصواب أنه فرض؛ والدليل على فرضيته ما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الآخر ـ وسيأتي ـ قال: كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل وميكائيل؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا السلام على الله فإن الله، هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله» [(642)] وهذا هو الصواب، وهو: أن التشهد الأخير فرض، والتشهد الأول واجب مخفف.

فالتشهد الأخير لابد من الإتيان به، ومن لم يأت به لم تصح صلاته، أما التشهد الأول فإنه يجبره بسجدتي السهو إذا تركه نسيانًا.

}831{ قوله: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ...» ، هذا الترتيب مقصود؛ فالمسلم يبدأ أولاً بالتعظيمات لله عز وجل، ثم السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم السلام على نفسه وعلى كل عبد صالح، ثم الشهادة لله عز وجل بالوحدانية وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء؛ فهو ترتيب توقيفي، وترتيب إلهي، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن»[(643)].

وقوله صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ» يعني: كل صالح من الملائكة، ومن الآدميين، ومن الجن.

قوله: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» ، يعني: أُقر وأٌعترف أنه لا معبود بحق لا في الأرض ولا في السماء إلا الله عز وجل، وأن محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي المكي ثم المدني العربي هو رسول الله وخاتم النبيين ولا نبي بعده، وهو رسول الله إلى الثقلين: للجن، والإنس، وللعرب، والعجم.

وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه عند النسائي رحمه الله زيادة: «وحده لا شريك له» [(644)] وهي تأكيد لكلمة التوحيد: وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله» [(645)] وكلها من أنواع التشهد، إذا أتى بنوع منها فقد أصاب السنة، لكن أفضلها تشهد ابن مسعود رضي الله عنه؛ لأنه ضَبطَ وحَفظِ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه؛ حيث قال: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه كما يعلمنا السورة من القرآن» [(646)].

قال ابن بطال رحمه الله: «ذهب مالك والأوزاعي والكوفيون إلى أن التشهد الآخر ليس بفرض؛ وقال الشافعي، وأحمد بن حنبل: هو فرض، واحتج الشافعي بقوله عليه السلام: «فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» قالوا: وأمره على الوجوب، فجاوبهم أهل المقالة الأولى فقالوا: ليس كل أمره على الوجوب؛ لأن الدلالة قد قامت على أن التكبير في غير الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود ليس بواجب، وقد أمر به عليه السلام وفعله، وقال حين نزلت: [الواقِعَة: 74]{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ *}: «اجعلوها في ركوعكم» ، ولما نزلت: [الأعلى: 1]{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى *}، قال: «اجعلوها في سجودكم» [(647)]، وتلقى العلماء والشافعي رحمه الله معهم هذا الأمر على الندب، ولم يقم عنده فرضه بفعله عليه السلام، وأمره به، فكذلك فعله التشهد، وأمره به ليس بفرض؛ لأن كليهما عنده ذكر ليس من عمل بدن، وقد يأمر عليه السلام بالسنن كما يأمر بالفرائض، وأيضًا فإنه لما ناب سجود السهو عن التشهد في الأولى وعن الجلوس فيها، فأحرى أن ينوب عن التشهد في الآخرة إذا جلس فيها وسها عن التشهد».

فتبين أن المسألة فيها خلاف، ولهذا لم يجزم المؤلف رحمه الله فيها بحكم، فقال: «باب التشهد في الآخرة» ؛ فمالك رحمه الله[(648)]، والكوفيون يرون أنه ليس بواجب؛ والشافعي رحمه الله[(649)] وأحمد رحمه الله[(650)]، وجماعة يقولون: إنه واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فقال: «فإذا صلى أحدكم فليقل التحيات لله» ، فإن هذا الأمر للوجوب؛ لأن الأصل في الأوامر أنها للوجوب، وقال الآخرون: ليس الأمر للوجوب هنا، بدليل أن التكبيرات، والتسبيح، مأمورٌ بها، وليست واجبة.

والأقرب أنه للوجوب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حافظ عليها، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(651)] ولقول ابن مسعود رضي الله عنه: «كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد...»[(652)].

وليس في الحديث ما يدل على حكمه، وإنما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم ماذا يقولون في التشهد، وهذا الذكر يقال في التشهد الأول والتشهد الأخير.

;  الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلاَمِ

}832{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلاَةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ.

}833{ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِيذُ فِي صَلاَتِهِ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ.

}834{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي؟ قَالَ: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».

 

}832{، }833{ في الحديث: أنه يشرع للمسلم أن يدعو قبل السلام وبعد التشهد وبعد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: أنه يدعو بهذه الدعوات الأربع: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَفِتْنَةِ الْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» ؛ وفي الحديث الآخر: «اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال» [(653)]. يستعيذ بالله عز وجل من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر ـ فعذاب القبر حق فلابد من الإيمان به ـ ومن فتنة المحيا والممات ـ فتنة تكون في الحياة، وفتنة تكون عند الموت ـ ومن فتنة المسيح الدجال، وهو الرجل الذي يخرج في آخر الزمان أعور العين اليمنى، يدعي الصلاح أولاً، ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية، وله فتنة عظيمة؛ حيث يعطيه الله عز وجل خوارق العادات، يأمر السماء فتمطر، ويأمر الأرض فتنبت، ويقتل رجلا ممتلأ شباب فقطعه جزأين، ثم يدعوه فيقبل ويتهلك وجهه يضحك؛ ولهذا أُمِرْنا بالاستعاذة بالله عز وجل من فتنته؛ فيشرع للمسلم أن يستعيذ بالله عز وجل من هذه الأمور الأربعة.

وجاء أن طاوس بن كيسان اليماني التابعي الجليل كان يرى أن الاستعاذة بالله عز وجل من هذه الأربع واجبة، فقال لابنه: أدعوت بها في صلاتك؟ قال: لا، قال: أعد صلاتك[(654)]، والصواب الذي عليه الجمهور أنها مستحبة.

قوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ» المأثم: الإثم، والمغرم: الدين.

قوله: «فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ: مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنْ الْمَغْرَمِ» ، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ» ، فلهذا كان يستعيذ من الدين لأنه يكون سببًا في الكذب، ويكون سببًا في خلف الوعد، يعني أن صاحب الدين يأتيه ويقول: أوفني دينك، فيريد أن يدفع عن نفسه فيقول: أعطيك في اليوم الفلاني، ثم يأتي ولا يوفيه، فيحدثه فيكذب، ويعده فيخلف.

قال ابن بطال رحمه الله: «اختلف العلماء في هذا الباب فقال مالك رحمه الله، والشافعي رحمه الله، وجماعة: لا بأس أن يدعو الرجل في صلاته بما شاء من حوائج الدنيا؛ وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يجوز أن يدعو في الصلاة إلا بما يوجد في القرآن، وهو قول النخعي وطاوس، واحتجوا بحديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه لما شمت الرجل في الصلاة، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح وقراءة» [(655)]. قالوا: ولا يجوز أن يريد جنس الكلام؛ لأن جميع ما يوجد في الصلاة من الأذكار من جنس الكلام، فوجب أن يكون المراد ما يتخاطبون به في العادة، وقوله: «يرحمك الله» دعاء، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، وهذا يمنع من فعل الدعاء بهذا الجنس».

ومعاوية بن الحكم رضي الله عنه لما تكلم في الصلاة كان جاهلاً بالحكم معذورًا.

والصواب أن الدعاء مستحب، لكن الأفضل أن يدعو بما ورد، وإن دعا بغير ما ورد، ولا هو محظور فلا بأس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر بعدما ذكر التشهد: «ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه» [(656)] أي: من حوائج الدنيا والآخرة، فإذا سأل ربه أن يرزقه مالاً حلالاً أو زوجة صالحة أو بيتًا واسعًا فلا بأس.

 

}834{ هذا الدعاء مشروع أيضًا قبل السلام مع الاستعاذة بالله من الأربع ومع الدعاء الآخر: «اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم» ومع ما ورد أيضًا: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر» [(657)] فكل هذا ورد، وكل هذا مشروع، وإذا أطال الإمام حتى يتمكن المأموم من هذا الدعاء فحسن.

قوله: «عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي؟» ، وفي لفظ: «وفي بيتي» [(658)] فيه: أن الصديق أبا بكر سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه دعاء جامعًا مانعًا، فعلمه هذا الدعاء.

وقوله: «اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» وفي لفظ: «ظلمًا كبيرًا» [(659)] وهذا توسل إلى الله عز وجل باعتراف العبد بتقصيره وذنوبه، وتوسل إلى الله عز وجل باسمين من أسمائه وهما الغفور الرحيم، وإذا كان الصديق الأكبر رضي الله عنه الذي هو أفضل الناس بعد الأنبياء يتعلم هذا الدعاء، ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا» ؛ فغيره أولى؛ وعلى الإنسان ألا يعجب بعمله، وأن يتهم نفسه دائمًا بالتقصير، وأن يعمل من الخير الكثير.

;  مَا يُتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ

}835{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ الأَْعْمَشِ حَدَّثَنِي شَقِيقٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاَةِ قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَقُولُوا السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ فِي السَّمَاءِ أَوْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو».

 

قوله: «بَاب مَا يُتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ» ، جزم المؤلف رحمه الله في الترجمة بالحكم، وهو أن الدعاء بعد التشهد ليس بواجب لظهور الأحاديث، ولم يعتبر خلاف طاوس؛ لأن الجمهور يرون أن الدعاء ليس بواجب، وطاوس يرى أنه يجب أن يستعيذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال.

والدليل على ما ذهب إليه البخاري والجمهور قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو» ؛ فدل على أن الدعاء ليس بواجب، وإنما هو مستحب.

}835{ قوله: «كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّلاَةِ» ، يعني: في أول الأمر.

وقوله: «قُلْنَا: السَّلاَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلاَمُ عَلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ» ، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام» . فالله عز وجل هو السلام ومنه السلام.

وقوله: «وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» يعني: التعظيمات لله عز وجل.

وقوله: «وَالصَّلَوَاتُ» يعني: الخمس، والدعوات.

وقوله: «وَالطَّيِّبَاتُ» ، يعني: الطيبات من الأقوال والأعمال كلها لله عز وجل.

قوله: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ» ؛ تسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تسلم على نفسك، وعلى كل عبد صالح.

قوله: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ فَيَدْعُو» ذكر الشهادتين: الشهادة لله تعالى بالوحدانية، وللنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء.

وقال بعض العلماء مثل الشافعية[(660)]: إذا انتهى من التشهد الأوسط يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما في التشهد الأخير، وقال آخرون: يسكت ولا يصلي، وإن صلى فلا حرج وهو مستحب عند بعض العلماء، أما الدعاء فلا يقال إلا في التشهد الأخير.

;  مَنْ لَمْ يَمْسَحْ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ حَتَّى صَلَّى

}836{ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ.

 

}836{ قوله: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ» ، فيه: مشروعية عدم مسح الجبهة والأنف، ويترك ما علق بجبهته وأنفه من التراب أثناء الصلاة، وإنما يمسحهما بعد أن يصلي.

وحدث ذلك في رمضان في صلاة الفجر ليلة الحادي والعشرين وقد مُطِر الناس، وكان المسجد مسقوفًا بجريد النخل وما أشبهه فبلغ الماء الأرض، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم على الماء والطين، وكانت ليلة القدر؛ حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت في ليلتها أني أسجد في ماء وطين» [(661)] فانفتل رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاة الفجر يوم إحدى وعشرين ويُرى أثر الماء والطين على جبهته.

واستدل الحميدي رحمه الله بهذا الحديث على أنه لا تُمسح الجبهة في الصلاة، وهو استدلال حسن؛ حيث انصرف النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأرنبة أنفه أثر الماء والطين.

قال ابن بطال رحمه الله: «استحب العلماء ترك مسح الوجه حتى يفرغ من الصلاة؛ لأنه من التواضع لله عز وجل»؛ ولأن المسح قد يكون نوعًا من العبث أيضًا.

;  التَّسْلِيمِ

}837{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ.

 

قوله: «بَاب التَّسْلِيمِ» . وهذه الترجمة معقودة لحكم التسليم؛ هل هو فرض أو ليس بفرض؟ ولم يجزم المؤلف رحمه الله بالحكم؛ لأن المسألة مختلف فيها بين أهل العلم؛ فبعض أهل العلم يرى أن التسليم فرض، وبعضهم يرى أنه ليس فرضًا، وإنما هو انفتال للخروج من الصلاة، فقالوا: يخرج من الصلاة بالتسليم وبغير التسليم، حتى إن بعض الأحناف[(662)] يرى أنه يخرج إذا قرأ التشهد؛ فلو أحدث بعد ذلك فقد انتهت صلاته بدون التسليم وصحت صلاته.

والصواب: أن التسليم فرض، وهو ركن من أركان الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه، وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(663)]، وقال صلى الله عليه وسلم: «تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم» [(664)] وفي سنده عبدالله بن محمد بن عقيل، وهو سيئ الحفظ لكن له شواهد يكون الحديث بها حسنا.

والواجب عند الجمهور التسليمة الأولى، فلا يجوز للمأموم أن يسلم حتى يسلم الإمام التسليمة الأولى، والأكمل ألا يسلم حتى يسلم الإمام التسليمتين، وإن سلم الأولى بعد الأولى والثانية بعد الثانية فلا بأس، وبعضهم يتساهل فيسلم مع الإمام التسليمة الأولى، وهذا خطأ.

القول الثاني: أن كلتا التسليمتين فرض، وهما من أركان الصلاة، ذهب إلى ذلك الحنابلة[(665)] وجماعة من أهل العلم؛ لقول أم سلمة رضي الله عنها: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَلَّمَ» ، أي: انتهى من التسليمتين؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» [(666)]، وقوله: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(667)].

قال ابن بطال رحمه الله: «اختلف العلماء في وجوب التسليم، فذهب جماعة من العلماء إلى أن التسليم فرض لا يصح الخروج من الصلاة إلا به، وممن أوجب ذلك ابن مسعود رضي الله عنه، قال: «مفتاح الصلاة التكبير، وانقضاؤها التسليم». ذكره الطبري، وبه قال عطاء، والزهري، ومالك والشافعي، وغيرهم. وذهب أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، إلى أن السلام سنة، وأن الصلاة يصح الخروج منها بغير سلام، واحتجوا بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود رضي الله عنه حين علمه التشهد: «فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما عليك» [(668)]. قالوا: ولم يذكر له السلام، قالوا: وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: إذا رفع رأسه من آخر سجدة، ثم أحدث فقد تمت صلاته، وعن سعيد بن المسيب، والنخعي مثله».

ومعنى هذا أن التشهد عند الأحناف[(669)] ليس بواجب، فلو فرغ المصلي من السجدة الثانية، ثم تشهد ثم أحدث، صحت الصلاة؛ والأحناف عندهم أشياء مخالفة للجمهور، والمتأخرون منهم يرون أن القيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، والتسليم، وقراءة الفاتحة، كل ذلك ليس بواجب[(670)].

قال ابن بطال رحمه الله: «واحتج عليهم أهل المقالة الأولى بأن قوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه: «فإذا فعلت ذلك فقد قضيت ما عليك» [(671)]، يحتمل أن يكون معناه: إذا سَلَّمْتَ، بدليل سلامه صلى الله عليه وسلم في كل صلواته، وتعليمه ذلك لأمته عملاً ومعاينة».

وقوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» [(672)]، وهو صلى الله عليه وسلم ما ترك السلام أبدًا في صلاته.

}837{ قوله: «قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ» ؛ فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي معه الرجال والنساء، وكان إذا سلم ثبت ومكث يسيرًا قبل أن يقوم وهو مستقبل المأمومين حتى ينصرف النساء قبل أن يقوم الرجال.

;  يُسَلِّمُ حِينَ يُسَلِّمُ الإِْمَامُ

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَسْتَحِبُّ إِذَا سَلَّمَ الإِْمَامُ أَنْ يُسَلِّمَ مَنْ خَلْفَهُ.

}838{ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ.

 

}838{ هذا هو السنة للمأموم أن يسلم إذا سلم الإمام، وأنه ينتظر حتى يسلم الإمام التسليمتين ثم يتابعه.

;  مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلاَمِ عَلَى الإِْمَامِ وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ

}839{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ.

}840{ قَالَ: سَمِعْتُ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ الأَْنْصارِيَّ ثُمَّ أَحَدَ بَنِي سَالِمٍ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالَ: أَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ مَعَهُ بَعْدَ مَا اشْتَدَّ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَذِنْتُ لَهُ فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي أَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ.

 

قوله: «بَاب مَنْ لَمْ يَرَ رَدَّ السَّلاَمِ عَلَى الإِْمَامِ وَاكْتَفَى بِتَسْلِيمِ الصَّلاَةِ» ؛ هذه الترجمة أراد بها البخاري رحمه الله الرد على من استحب من المالكية تسليمة ثالثة بين التسليمتين، أو بعدهما، للرد على الإمام[(673)].

قال بعض المالكية: يرد على الإمام إذا قال: السلام عليكم ورحمة الله، فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، ثم يرد الإمام السلام، ثم يسلم التسليمة الثانية، أو بعد التسليمة الثانية فيقول: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وعليكم السلام.

والصواب أنه لا يشرع للمأموم أن يرد السلام على الإمام ولا يشرع تسليمة ثالثة بين التسليمتين أو بعدهما؛ لعدم الدليل، ولأن التسليم واجب من واجبات الصلاة، بل هو ركن من أركان الصلاة فلا يشرع الرد عليه لا من المصلي ولا من الجالس، بل يكتفي المأموم بالسلام فيقول الإمام: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله؛ ويقول المأموم مثله: السلام عليكم ورحمة الله.

}839{ قوله: «وَزَعَمَ أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا مِنْ دَلْوٍ كَانَ فِي دَارِهِمْ» . كان محمود بن الربيع رضي الله عنه وقتئذ صغيرًا، لكنه يخبرنا أنه كان مدركًا للأحداث، ضابطًا للحديث، حتى إنه يذكر مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم له بحسوة من الماء على وجهه.

 

}840{ قوله: «وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا حَتَّى أَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا » فيه: أن السيول والأمطار إذا حالت بين الإنسان وبين المسجد فهي عذر في ترك الجماعة.

وفيه: مشروعية صلاة النافلة جماعة في بعض الأحيان كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عتبان رضي الله عنه.

وفيه: التبرك بالمكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم في حياته؛ لما جعل الله عز وجل فيه من البركة.

قوله: «ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ» . هذا محل الشاهد؛ فليس فيه أنهم ردوا على النبي صلى الله عليه وسلم السلام.

;  الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ

}841{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ أَبَا مَعْبَدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ.

}842{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ.

}843{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الأَْمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ قَالَ: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ»؛ فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا: نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ: تَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ.

}844{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فِي كِتَابٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ».

وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ بِهَذَا عَنْ الْحَكَمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ عَنْ وَرَّادٍ بِهَذَا وَقَالَ الْحَسَنُ: الْجَدُّ غِنًى.

 

}841{، }842{ قوله: «أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ؛ وقوله: «كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلاَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالتَّكْبِيرِ» ؛ هذان الحديثان عن ابن عباس رضي الله عنهما فيهما بيان أن الذكر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد المكتوبة، فكان الناس يرفعون أصواتهم بالذكر، وكان ابن عباس رضي الله عنهما، وهو صغير، يعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير؛ لأنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ناهز الاحتلام.

وهذا مجمل تفسره الأحاديث المفصلة، كحديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث المغيرة رضي الله عنه، وحديث ابن الزبير رضي الله عنه، فإذا ضُمت هذه الأحاديث بعضها إلى بعض تبين تفصيل الذكر وترتيبه؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم استغفر ثلاثًا أولاً، فقال: «أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله» ، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» [(674)] ثم يقول صلى الله عليه وسلم: «لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون» [(675)] ثم يقول: «اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» ؛ ثم يسبح الله عز وجل ثلاثًا وثلاثين، ويحمد الله عز وجل ثلاثًا وثلاثين، ويكبر الله عز وجل ثلاثًا وثلاثين.

والذكر في هذا أنواع كما سيأتي؛ فالقاعدة أن الحديث المجمل تفسره الأحاديث المفصلة.

وفيه: مشروعية رفع الإنسان صوته بالذكر بعد الصلاة من التهليل والتكبير؛ أما الأذكار أثناء الصلاة فتكون بقدر ما يسمع نفسه حتى لا يشوش على أحد.

 

}843{ قوله: «ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ مِنْ الأَْمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلاَ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ» ؛ وفي اللفظ الآخر: «ذهب أهل الدثور بالأجور» [(676)] وأهل الدثور هم الأغنياء، وفيه حرص الصحابة رضي الله عنهم على الخير وتنافسهم فيه، وأن الفقراء والأغنياء يتنافسون في فعل الخير.

وقوله: «جَاءَ الْفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: يشتكون من كونهم لم يستطيعوا اللحاق بالأغنياء في فعل الخير.

وقوله: «يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي » ، وفي اللفظ الآخر: «قال: كيف ذلك؟ قالوا: يصلون كما نصلي ، «وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا، وَيَعْتَمِرُونَ، وَيُجَاهِدُونَ، وَيَتَصَدَّقُونَ» [(677)] يعني: أننا نشاركهم، ويشاركوننا في العبادات، كالصلاة، والصوم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا نستطيع أن نشاركهم العبادات المالية، فليس عندنا مال، فهم يحجون،ويعتمرون، ويتصدقون؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ إِنْ أَخَذْتُمْ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ» ؛ وفي لفظ: «دبر كل صلاة» [(678)].

وفي اللفظ الآخر أن الأغنياء سمعوا بهذا الإرشاد النبوي فعملوا، فرجع الفقراء مرة أخرى وقالوا: يا رسول الله، سمع إخواننا الأغنياء بهذا فقالوا مثلما قلنا، ويزيدون علينا بالصدقات، وبالإنفاق؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» [(679)].

وقوله في آخر الحديث: «فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا» ، جاء في رواية مسلم أن الاختلاف إنما هو..

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد