شعار الموقع

شرح كتاب العلم من صحيح البخاري (3-1) باب فَضْلِ الْعِلْمِ - إلى مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا

00:00
00:00
تحميل
119

المتن:

(3) كِتَاب الْعِلْم

باب فَضْلِ الْعِلْمِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11] وَقَوْلِهِ : وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]

الشرح:

هذا الكتاب هو الكتاب الثالث من الكتب التي كتبها الإمام البخاري في صحيحه، وجعل تحت كل كتاب منها أبوابا، فالكتاب الأول: كتاب بدء الوحي، والثاني: الإيمان، والثالث: كتاب العلم، والمناسبة واضحة؛ فإن المؤلف رحمه الله افتتح كتابه بكتاب بدء الوحي؛ لأن الوحي هو الذي حصل به الخير للنبي  ﷺ، ولأمته، ثم ثنَّى بكتاب الإيمان؛ لأن الإيمان هو أساس الدين، والملة، وأصلهما؛ وهو الذي تُبنى عليه الأعمال، فلا يصح العمل إلا بالإيمان؛ ثم ثلَّث بكتاب العلم؛ لأن الإيمان لا يصح إلا بالعلم، فالمؤمن لا بد له من العلم، وأن يكون على بصيرة.

ولهذا قال الله للنبي  ﷺ: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ [محَمَّد: 19]، وقال سبحانه: وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزّخرُف: 86].

فلما كان الإيمان لا يصح إلا بالعلم ثلث بكتاب العلم، ثم بعد ذلك كتب رحمه الله الكتب الكثيرة مبتدِئًا بالعبادات، فأتى بكتاب الصلاة بعد كتاب الوضوء؛ لأن الوضوء شرط في صحة الصلاة، ثم الزكاة، ثم الحج، ثم الصوم، ثم سائر المعاملات، ثم ختم كتابه رحمه الله الصحيح بكتاب التوحيد؛ لأن الموحد هو الناجي عند الله ، ولأن مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ [(238)].

وقد بدأ البخاري كتاب العلم بـ «بَاب فَضْلِ الْعِلْمِ» ، والمراد بالعلم هنا: العلم الشرعي؛ فالعلم إذا أطلق في الكتاب والسنة، أو أطلقه علماء الشريعة، فالمراد به: العلم الشرعي؛ أما إذا أُريد علمٌ آخر غير العلم الشرعي، كان هناك قيد؛ فيقال: علم الطب، وعلم الهندسة، وعلم الصيدلة، وعلم الفلك، وعلم الرياضيات، وهكذا.

والعلم الشرعي أقسام ثلاثة:

القسم الأول: العلم بالله، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله؛ وهذا أشرف العلوم، فإن زبدة الرسالات الإلهية كلها في معرفة المعبود ؛ ومعرفة الله تكون بمعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله؛ والعلم بالله وأسمائه وصفاته هو الفقه الأكبر، وفقه الفروع هو الفقه الأصغر؛ ولهذا لما كتب الإمام أبو حنيفة رحمه الله أوراقًا في أصول الدين سماها «الفقه الأكبر»، فعلم أصول الدين أشرف العلوم؛ لأنه يتعلق بمعرفة المعبود .

القسم الثاني: بعد أن يعرف الإنسان ربه بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، لا بد له أن يعرف حقه ، وما يرضاه، وما يكرهه ويأباه، وهو دينه وشرعه، وهي الأوامر والنواهي في الشريعة، وهي الطريق الموصلة إلى الله .

القسم الثالث: العلم بحال الإنسان ومصيره في الآخرة، من معرفة الجزاء والمعاد والحساب، وما أعد الله للمؤمنين من الثواب العظيم والجنة، وما أعد للكافرين من العذاب الأليم والنار.

هذه هي أقسام العلم الشرعي؛ ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله:

وَ العِلْمُ   أَقْسَامٌ   ثَلاثٌ  مَا لَهَا مِنْ رَابِعٍ  وَالحَقُّ ذُو تِبْيَانِ
عِلْمٌ   بِأَوْصَافِ   الإلهِ   وَفِعْلِهِ وَكَذَلكَ  الأَسْمَاءُ  للرّحْمَنِ
وَالأَمْرُ والنَّهْي  الذِي  هُوَ  دِينُهُ وَجَزَاؤهُ   يَوْمَ  المَعَادِ  الثَّانِي [(239)]

فهذا مراد المؤلف رحمه الله حينما ألف كتاب العلم، وبدأ بباب فضل العلم؛ وفضل العلم ينصرف إلى هذه الأقسام: العلم بالله، وأسمائه، وصفاته؛ والعلم بالشريعة أمرًا ونهيًا، الذي هو دين الله، والطريق الموصلة إليه؛ والعلم بحال السالكين، والسائرين إلى الله وما لهم بعد الوصول إليه من النعيم المقيم، والثواب الكبير في الجنة، وما أعد الله للمخالفين والمعرضين والكافرين من النكال والعذاب الأليم في النار، وما يكون في القبر من السؤال، والنعيم، والعذاب، ومعرفة أحكام المعاد، وأحكام الحشر، والنشر، والصراط، والميزان، والحوض.

ثم استدل المؤلف هنا رحمه الله لفضل العلم بآيتين:

الآية الأولى: قوله تعالى: « يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجَادلة: 11]» ، فهذه الآية فيها فضل العلم؛ وقد جاءت هذه الآية بعد قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا، فالذين تأدبوا بالآداب الشرعية ارتفعوا عما لا يليق بهم إلى ما يليق؛ فيكون جزاؤهم أن يرفعهم الله درجات يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجَادلة: 11]

قال العلماء في معنى الآية: يرفع الله المؤمنين من أهل العلم على المؤمنين من غير أهل العلم درجات، وهذه الدرجات تكون في الدنيا وفي الآخرة، فهي درجات معنوية في الدنيا بعلو المنزلة وحسن السيرة، ودرجات حسية في الآخرة بالدرجات العالية في الجنة .

و لا شك أن هذا الفضل إنما يناله العالم العامل الذي يعمل بعلمه، فينفذ الأوامر، ويجتنب النواهي؛ فالعالم العامل يسمى راشدًا؛ فهو الراشد على الصراط المستقيم؛ أما العالم الذي لا يعمل بعلمه؛ فيترك الأوامر، ويفعل النواهي عن علم، لا عن جهل، فهذا فيه شبه باليهود، وهو في ذلك غاو مستحق بغوايته غضب الله، كما أن الذي يعبد الله على جهل ضالٌّ، فإذا تخلف العلم ووجد العمل فهذا ضلال، وهذان الداءان برَّأ الله منهما نبيه  ﷺ في قوله سبحانه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ۝ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النّجْم: 1-2]، أي ليس ضالًّا ولا غاويًا، بل هو راشد  ﷺ، يعلم ويعمل؛ وهذا هو الصراط المستقيم، الذي أُمرنا أن نسأل الله تعالى أن يهدينا إياه في كل ركعة من ركعات الصلاة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ۝ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفَاتِحَة: 6-7]، فهؤلاء المنعم عليهم هم العالمون العاملون، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يعني: غير صراط المغضوب عليهم، وهم اليهود، وأشباههم ممن علم ولم يعمل، وَلاَ الضَّالِّينَ أي: غير صراط الضالين الذين يتعبدون على جهل وضلال، كالنصارى، وأشباههم من الصوفية، وغيرهم؛ ولا شك أن الثواب والفضل إنما هما للعالم العابد.

المتن:

باب مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ

 59 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ: حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح وحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي هِلاَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا النَّبِيُّ  ﷺ فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟ قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتْ الأَْمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ. قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الأَْمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ.

الشرح:

قوله: «بَاب مَنْ سُئِلَ عِلْمًا وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي حَدِيثِهِ، فَأَتَمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ أَجَابَ السَّائِلَ» ، هذه مسألة حديثية بوب بها المؤلف رحمه الله، وفيها: أدب للعالم والمتعلم؛ فالعالم إذا سئل، وهو مشتغل بحديثه، فإنه يمضي في حديثه حتى ينتهي، ثم يجيب السائل عن سؤاله، والمتعلم ينبغي له من الأدب ألا يسأل المحدث وهو مشتغل بحديثه، بل ينتظر حتى ينتهي من حديثه ثم يسأله، فإعراض المحدث عن إجابة سؤاله فيه تأديب له.

 59 أما حديث الباب ففيه: أن النبي  ﷺ أخَّر الإجابة عن سؤال الأعرابي، فلما قال الأعرابي: «مَتَى السَّاعَةُ؟» ، والنبي  ﷺ يحدث، استمر في حديثه؛ فلما قضى حديثه قال: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟، ثم أجابه؛ لأنه  ﷺ رأى أن تأخير الإجابة لن يترتب عليه ضرر، ولا مفسدة، فأخرها.

أما إذا كان يترتب عليه ضرر، أو مفسدة، فلا بأس من قطع الحديث وإجابة السؤال؛ عملاً بالنصوص الأخرى؛ حيث ثبت أن النبي  ﷺ كان يخطب، ثم جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه، فقطع النبي  ﷺ خطبته، ثم أمر بكرسي فجيء به فجلس عليه فعلم الرجل دينه، ثم ذهب  ﷺ فأتم خطبته[(240)].

فهذا يدل على أن الأمر متروك لتقدير العالم، فإن كان سؤال السائل لا يترتب على تأخيره مضرة، أخر جوابه حتى ينتهي من حديثه، ثم يجيبه، وإن كان يترتب عليه مضرة فلا بأس من قطع حديثه ليجيب السائل أو يعلمه، ثم يكمل بعد ذلك حديثه، أو خطبته؛ جمعًا بين النصوص والأدلة.

وهذا السائل لا يترتب على تأخير جوابه مضرة؛ ولهذا أخر النبي ﷺ الجواب واستمر في حديثه، ولما أعرض النبي  ﷺ عنه ولم يجبه اختلفت أفهام الناس؛ فقال بعض الحاضرين: سمع لكن كره سؤاله، وقال بعضهم: إن النبي  ﷺ ما سمع سؤاله؛ فلهذا لم يجبه، والأمر على خلاف ما ظنوا؛ فقد سمع  ﷺ سؤاله ولكنه أخر الجواب؛ لأن تأخيره لا يترتب عليه مفسدة.

وإجابته  ﷺ عن سؤال الأعرابي تحتوي على تعريفٍ بشرط من أشراط الساعة، حيث قال الأعرابي: «مَتَى السَّاعَةُ؟» ، فأجاب  ﷺ: فَإِذَا ضُيِّعَتْ الأَْمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ، أي: من أشراط الساعة تضييع الأمانة، فسأل السائل النبي  ﷺ، قال: «كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟» قال: إِذَا وُسِّدَ الأَْمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ بمعنى: أُسند، أي: إذا أسندت المهمات ـ الولايات، والإمارات، والإدارات، والقضاء، والوزارات ـ إلى غير أهلها، فقد قرب أوان الساعة؛ ولهذا يجب أن يتولَّى الوظائف والأعمال الأمثل فالأمثل، فتُولَّى لمن هو أفضل في القيام بهذا العمل الذي أسند إليه، فإذا أسندت الأمور إلى غير أهلها فهذا من إضاعة الأمانة، وهو من أشراط الساعة.

وقد دلت النصوص على أنه إذا قرب أوان الساعة فسد الزمان، وفسد الناس، وضيعت الأمانة؛ وجاء في الحديث الآخر في «صحيح مسلم»: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ اللهُ [(241)]، وأنه في آخر الزمان وقبيل خروج الدجال تكثر الفتن والشرور؛ فجاء في بعض الأحاديث: تكون سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، ويُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ [(242)]، هذه السنوات تسبق خروج الدجال، وفي آخر الزمان: تأتي ريح طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يَبْقَى إلا شِرَارُ الخَلْقِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ [(243)] كما جاء في الأحاديث.

والمقصود أن إسناد الأمور، والولايات، إلى غير أهلها من إضاعة الأمانة، وإضاعة الأمانة من أشراط الساعة.

المتن:

باب مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْعِلْمِ

 60 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ  ﷺ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلأَْعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا.

الشرح:

 60 قوله: «عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ» ، ماهَكَ بالفتح غير مصروف، وإذا كسرت الهاء يكون مصروفًا؛ فيقال: يوسف بن ماهِكٍ، أو يوسف بن ماهَكَ، على حسب حركة الهاء.

وهذا الحديث فيه دليل على مشروعية رفع الصوت بالعلم عند الحاجة، كأن يكون الجمع كثيرًا أو يكون المُبلِّغ بعيدًا، وإذا دعت الحاجة إلى التكرار كرر ثلاث مرات؛ حتى يُسمع عنه، فالتكرار ورفع الصوت على حسب الحاجة؛ ولهذا لما تخلف النبي  ﷺ عن أصحابه في غزوة من الغزوات؛ فلم يدركهم إلا وقد أرهقتهم الصلاة ـ يعني: حضر وقتها ـ فجعلوا يتوضئون ويسرعون فيمسحون على ظهور أقدامهم، وربما نبا الماء عن عقب الرجل، أو لم يصل إلى بعض القدم، فنادى النبي  ﷺ بأعلى صوته: وَيْلٌ لِلأَْعْقَابِ مِنْ النَّارِ؛ والعقب هو مؤخر القدم، وفي لفظ: «أنه جاء وأعقابنا تلوح، لم يصبها الماء» [(244)]، وفي لفظ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ، وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ [(245)]، وهذا يدل على أنه ينبغي تعميم الرجل بالماء عند الغسل من أطراف الأصابع حتى يتجاوز الماء الكعبين، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المَائدة: 6]، فتُغسل الرجلان إلى الكعبين، ويتعاهد الإنسان بطون الأقدام وما بين الأصابع، ويعممها بالماء مرة واحدة، سواء بغرفة أو بغرفتين أو ثلاث، وبالأولى يكون قد أدى الواجب، والثانية والثالثة مستحبتان؛ لما ثبت أن النبي  ﷺ توضأ ثلاثًا ثلاثًا[(246)]، وأنه توضأ مرتين مرتين[(247)]، ومرة مرة[(248)]، فكل هذا ثابت عن النبي ﷺ، فللمتوضِّئ أن يعمم أعضاء الوضوء ثلاثًا، فيغسل وجهه ثلاثًا، ويديه ثلاثًا، ورجليه ثلاثًا، إلا الرأس مرة واحدة، وهناك سنة ثانية: وهي أن يغسل الوجه مرتين، واليدين مرتين، والرجلين مرتين، وهناك سنة ثالثة: وهي أن يغسل الوجه مرة، واليد مرة، والرجل مرة، وسنة رابعة أيضًا، وهي المخالفة؛ فيغسل وجهه ثلاثًا، ويديه مرتين، ورجله مرة[(249)]، فكل هذا ثابت عن النبي  ﷺ.

وهذا فيه: الرد على الرافضة الذين يرون أن الرجلين لا تغسلان، وإنما تمسح ظهور القدمين، فخالفوا نص القرآن والسنة المتواترة؛ فقد تواترت السنة عن النبي  ﷺ بغسل الرجلين المكشوفتين، ولا تمسحان إلا إذا كان عليهما خفان؛ فإنه يمسح على الخف بالشروط الواردة في صحة المسح عليه من اللبس على طهارة وغير ذلك.

فالرافضة خالفوا السنة المتواترة، وخالفوا لفظ الآية؛ فرأوا أن الرجلين لا تغسلان، وإذا كان فيهما خفان لا تمسحان، وقالوا: إذا كانت الرجلان مكشوفتين فإنه يمسح ظهور القدمين باليد فقط، وإذا كان فيهما خفان يجب خلع الخفين ومسح ظهور القدمين، وهذا من أبطل الباطل؛ فالآية صريحة في هذا، والسنة تواترت عن رسول الله  ﷺ بنقل كيفية الوضوء غسلاً ومسحًا، قولاً وفعلاً؛ فيقال للرافضة: إن الذين نقلوا كيفية الوضوء غسلاً ومسحًا، قولاً وفعلاً أكثر عددًا من الذين نقلوا لفظ الآيات.

والعلماء يذكرون هذا في كتب العقائد ردًّا على الرافضة، وإن كانت مسألة فرعية.

ـ والرافضة يحتجون بقراءة الجر، فإن الآية قرئت بجر «أرجلِكم» ؛ فقالوا: فهذا دليل على أن الرجلين تمسحان؛ لأنها عطفت على ممسوح، وهو الرأس.

وأجاب أهل السنة عن ذلك بجوابين:

الجواب الأول: أن قراءة الجر محمولة على المسح على الخفين إذا كان فيهما الخفان، وقراءة النصب تحمل على غسل الرجلين إذا كانتا مكشوفتين.

الجواب الثاني: أن يقال: إن لفظ المسح في اللغة العربية يشمل الغسل والمسح؛ فيطلق على الإسالة وهي الغسل، ويطلق على الإصابة وهي إمرار اليد على العضو مبلولة بالماء، وهذا معروف في اللغة العربية أن المسح العام يشمل الأمرين؛ كما تقول العرب: تمسحت للصلاة، أي توضأت، فيصبح معنى الآية: امسحوا برءوسكم إصابة بإمرار اليد مبلولة بالماء عليها، وامسحوا بأرجلكم إسالة، أي: غسلاً بالماء، وهذا كما قلنا معروف في لغة العرب.

فيتضح مما سبق أن مذهب الرافضة من أبطل الباطل؛ حيث خالفوا به نص الآية الصريح، والسنة المتواترة؛ وأوَّلوا الكعبين؛ فالرافضة ليس عندهم في كل رجل إلا كعب واحد، وهو الكعب الذي في ظهر القدم عند أصل الساق، أو عند مفصل الساق من القدم، وهو عظم خفيف يجعلون المسح إليه، وهذا باطل؛ لأنه لو كان في كل رجل كعب واحد لقال الله: واغسلوا أرجلكم إلى الكعاب، كما قال: إِلَى الْمَرَافِقِ؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة آحادًا، فلما كان في كل يد مرفق واحد قال الله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ، ولم يقل: إلى المرفقين، فلما خالف بينهما وقال: إِلَى الْكَعْبَيْنِ دل على أن في كل رجل كعبين.

وقوله: «وَيْلٌ لِلأَْعْقَابِ» ، يعني: ويل للعقب الذي لا يصيبه الماء في الوضوء، وفي لفظ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ، وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ [(250)] هذا الوعيد الشديد على من تساهل فلم يسبغ الوضوء، وترك عقبه يلوح، فلو كان المقصود مسح ظهور القدمين كما تقول الرافضة لما تُوعِّد الذي يترك شيئًا من عقبه بالنار.

المتن:

باب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: «حَدَّثَنَا» أوْ «أَخْبَرَنَا» وَ«أَنْبَأَنَا»

وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ: كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ وَاحِدًا.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ.

وَقَالَ شَقِيقٌ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ  ﷺ كَلِمَةً.

وَقَالَ حُذَيْفَةُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ حَدِيثَيْنِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ  ﷺ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ.

وَقَالَ أَنَسٌ: عَنْ النَّبِيِّ  ﷺ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ .

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ  ﷺ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ .

الشرح:

قوله: «بَاب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: «حَدَّثَنَا» أوْ «أَخْبَرَنَا» وَ«أَنْبَأَنَا»» ، يعني: هل هناك اختلاف بين صيغ تحمل رواية الحديث أو أنها شيء واحد؟ وهذه المسألة اختلف فيها العلماء.

القول الأول: وهو الذي ذهب إليه الإمام البخاري رحمه الله أن هذه الصيغ ـ حدثنا وأنبأنا وأخبرنا وسمعت ـ كلها صيغة واحدة، وكلها تقال في قراءة الشيخ على الطالب أو قراءة الطالب على الشيخ، فإذا روى الحديث عنه يقول: حدثنا، ويقول: أخبرنا، ويقول: أنبأنا، ويقول: سمعت.

وهذا المذهب اختاره سفيان بن عيينة وجماعة من المحدثين بقول ابن مسعود: «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ» ، «حدثنا» ، يعني قرأ عليهم النبي  ﷺ وأخبرهم بالحديث، وكذلك يقول حذيفة: «حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ حَدِيثَيْنِ» .

وكذلك إذا قال: أخبرنا، أو: يرويه، أو: رواية عن النبي  ﷺ، أو: يبلغ به، أو: ينميه من كلام النبي  ﷺ، فلك أن ترويه بأي صيغة من صيغ التحديث سواء أكنت القارئ أو السامع.

القول الثاني: وهو التفريق بين قراءة الطالب على الشيخ، وقراءة الشيخ على الطالب؛ فإذا قرأ الشيخ عليك وأنت تسمع تقول: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت، أي: بإطلاق، أما إذا قرأت أنت على الشيخ فلا بد أن تقيِّد؛ فتقول: أنبأنا قراءة عليه، أخبرنا قراءة عليه، سمعت قراءة عليه وهكذا، فيفهم السامع بذلك أنك أنت الذي قرأ عليه، كما كان يفعل النسائي بعد الوحشة التي حصلت بينه وبين شيخه؛ حيث كان يختفي ويسمع الشيخ من ورائه، فإذا أراد الأداء قال: حدثنا قراءة عليه وأنا أسمع، يعني يُقرأ عليه وأنا أسمع.

القول الثالث: التفريق بين الصيغ أيضا؛ فإذا كانت القراءة من الشيخ تقول: سمعت، أي سمعته يقرأ، أو: حدثنا، أي هو الذي حدثك، أما إذا قرأت أنت عليه فإنك لا تقول: سمعت، ولا تقول: حدثنا، بل تقول: أخبرنا وأنبأنا.

قوله: «كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ وَاحِدًا» ، أي: أنه لا فرق بين هذه الصيغ عند سفيان بن عيينة، فتقول أيًّا منها لما سمعته من الشيخ ولما قرأته عليه بلا فرق، وهذا هو اختيار البخاري رحمه الله.

قوله: «وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ» ، هذا أيضًا من الأدلة؛ فابن مسعود قال: «حدثنا رسول الله» ، والرسول  ﷺ هو الذي قرأ عليهم، وهو الذي أخبرهم بالحديث، فقال ابن مسعود: «حدثنا» لما سمعه من النبي  ﷺ.

قوله: «وَقَالَ شَقِيقٌ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ  ﷺ كَلِمَةً» ، الشاهد قول شقيق عن عبدالله: «سَمِعْتُ» فيما سمعه من النبي  ﷺ، فالنبي هو المحدث وعبدالله يسمعه.

قوله: «وَقَالَ حُذَيْفَةُ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ حَدِيثَيْنِ» ، كالسابق.

قوله: «وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ  ﷺ فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ» هذه الصيغة تفيد الرفع؛ فقوله: «فيما يروي عن ربه» مثل قوله: سمعت.

قوله: «وَقَالَ أَنَسٌ: عَنْ النَّبِيِّ  ﷺ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ » ، وكذا قوله: «وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ  ﷺ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ » ، فكلمة «يَرْوِيهِ» تفيد الرفع.

المتن:

61 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟، فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ.

الشرح:

 61 قوله: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟، الشاهد قوله: «فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟» فالرسول  ﷺ قال للصحابة: فَحَدِّثُونِي، فالصحابة هم الذين يتحدثون والرسول  ﷺ هو الذي يسمع؛ ففيه أن التلميذ أو الطالب إذا قرأ على الشيخ له أن يقول: حدثنا، أي أن حدثنا تكون لما سمعه من الشيخ ولما قرأه على الشيخ.

وفي الحديث من الفوائد أن العالم قد يُلقي بعض الأسئلة على التلاميذ ليختبر ما عندهم من العلم؛ ولهذا قال النبي  ﷺ: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ؟.

وفيه: جواز حضور الصغير مع الكبار إذا كان عنده فهم وتمييز؛ حيث كان ابن عمر أصغر القوم، وحضر معهم.

قوله: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، فالصحابة وقعوا في شجر البوادي يتأملونها ويختارون منها، أما ابن عمر فوقع في نفسه أنها النخلة، فأراد أن يقول: إنها النخلة، فنظر فإذا هو أصغر القوم فاستحيى، ثم قال النبي  ﷺ: هِيَ النَّخْلَةُ، فلما خرجوا قال ابن عمر: فقلت لأبي: إنه وقع في نفسي أنها النخلة، ولكني استحييت، فقال له عمر: «لو قلت هذا لكان أحب إلي من كذا وكذا»[(251)].

وفيه: أنه قد يكون عند الصغير من العلم ما ليس عند الكبير؛ لأن العلم هبة من الله، فكبار الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر ما عرفوها، وعرفها ابن عمر وهو أصغر القوم؛ وفي لفظ قال: «فنظرت فإذا أنا أصغرهم فسكتُّ، فقال النبي: هِيَ النَّخْلَةُ[(252)].

وفيه: دليل على أن النخلة شجرة مباركة، من تشبيه النبي  ﷺ للمؤمن بالنخلة كيف لا وهي شجرة كل ما فيها فيه الخير والفائدة وإعانة الناس على معاشهم: خوصها، وسعفها، وليفها، وبسرها، ورطبها وتمرها؛ فليس فيها شيء يضيع، كل شيء فيها ينفع ويفيد، حتى الليف يتخذ منه الحبال، والنواة تكون علفًا للدواب، وورقها لا يسقط خلافًا لباقي الشجر؛ وكذلك المؤمن كله مبارك مثل النخلة، أينما حل فهو نافع، وناصح.

المتن:

طَرْحِ الإِْمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ

 62 حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ  ﷺ قَالَ: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟. قَالَ: فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ.

الشرح:

قوله: «بَاب طَرْحِ الإِْمَامِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ لِيَخْتَبِرَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ» ، هذه الترجمة ترجم بها المؤلف رحمه الله؛ ليستنبط فوائد الحديث، فيؤخذ من كون النبي  ﷺ طرح هذا السؤال على أصحابه، أن للعالم، أو المحدث، أو الأستاذ، أن يطرح بعض الأسئلة على الطلاب، وعلى التلاميذ ليختبر ما عندهم من العلم؛ ولأن طرح الأسئلة عليهم، فيه حث لهم على التأمل، والنظر.

 62 قوله: إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا، وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟، طرح النبي  ﷺ هذا السؤال فوقع الناس في شجر البوادي، ووقع في نفس ابن عمر ـ وهو أصغرهم ـ أنها النخلة، ولكنه أحجم ولم يتكلم حياء؛ لصغر سنه، ففيه أنه لا ينبغي للإنسان أن يستحيي من صغره، ولا يحقر نفسه، بل إذا وقع عنده شيء من العلم تكلم به؛ لأن العلم مشاع، وقد يكون عند الصغير ما ليس عند الكبير.

وقوله: حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟ هو الشاهد في الباب السابق، وقد سبق فيه أن المؤلف قَصَد أن كلمة حدثنا تقال لما سُمع من الشيخ، ولما قُرئ عليه؛ هذا هو المذهب الأول الذي اختاره المصنف، وعليه الجمهور.

والمذهب الثاني: أنها إنما تقال عند الإطلاق لما سمعته من الشيخ، أما إذا قرأت على الشيخ فلابد أن تقيد فتقول: سمعت قراءة عليه، وأنبأنا قراءة عليه، وحدثنا قراءة عليه.

أما المذهب الثالث فقد رجَّح التفصيل بين هذه الصيغ؛ فعنده أن سمعت وحدثنا لما سمعت من الشيخ، وأنبأنا وأخبرنا لما قرأت أنت على الشيخ.

وقد كان المحدثون سابقًا يحدثون، ويكتب عنهم التلاميذ الأحاديث والأسانيد قبل أن تدون، أما الآن فقد دونت الأحاديث في السنن، والمسانيد، والصحاح، وانتهى الأمر ولله الحمد، لكن ـ سابقًا ـ لم يكن طريق إلا السماع من المشايخ والكتابة عنهم، فيكتب عن الشيخ أو يقرأ على الشيخ أو يسمع من الشيخ ويدون، فالذي يسمعه من الشيخ يدونه، وإذا أراد أن يرويه للآخرين قال: حدثنا وسمعت، والذي قرأه هو على الشيخ قال فيه: أنبأنا وأخبرنا؛ وهذا على المذهب الثالث، أما على المذهب المختار فلا فرق بين هذه الصيغ لما سمعه ولما قرأه.

المتن:

مَا جَاءَ فِي الْعِلْمِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]

الْقِرَاءَةُ وَالْعَرْضُ عَلَى الْمُحَدِّثِ.

الشرح:

قوله تعالى: «وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]» ، فأمر الله رسوله  ﷺ أن يسأله الزيادة من العلم، لا أن يسأله الزيادة من المال ولا الجاه ولا الولد.

وخطاب النبي  ﷺ خطاب لأمته؛ وعليه فكل إنسان مأمور بأن يسأل ربه الزيادة من العلم، ولا يخفى ما في هذا من إشارة إلى شرف العلم وفضله.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد