شعار الموقع

شرح كتاب الخصومات صحيح البخاري (44-2) من باب كَلاَمِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ - إلى باب التَّقَاضِي

00:00
00:00
تحميل
68

المتن:

باب كَلاَمِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ

2416، 2417 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، قَالَ: فَقَالَ الأَْشْعَثُ: فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي؛ فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ فَقَالَ: لِلْيَهُودِيِّ احْلِفْ قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ، وَيَذْهَبَ بِمَالِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً... إِلَى آخِرِ الآْيَةِ.

2418 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ ، أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ؛ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، أَيْ الشَّطْرَ قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ.

2419 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَقْرَأَنِيهَا، وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا! فَقَالَ لِي: أَرْسِلْهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْرَأْ؛ فَقَرَأَ قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ؛ فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّر.

الشرح:

2416، 2417 في الحديث: كلام الخصوم بعضهم البعض؛ لقول الأشعث: «إِذًا يَحْلِفَ، وَيَذْهَبَ بِمَالِي» وكلام بعض الخصوم في بعض لا يضر فيما لا يوجب حدًّا ولا تعزيرًا، ولا يكون هذا من الغيبة المحرمة؛ لأن المقام يقتضي هذا.

وفي الحديث: الوعيد الشديد على من اقتطع مال أخيه باليمين الفاجرة، وأنه من الكبائر؛ ولهذا قال: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ؛ وذلك مثل أن يكون لشخص دَيْنٌ فينكر المدين؛ فيترافعان إلى الحاكم الشرعي، ولا يكون للدائن بينة، فيقول القاضي للمدعى عليه: احلف، فيحلف بالله أنه ليس له عنده شيء، فيكون هذا الذي حلف اقتطع مال أخيه بهذه اليمين الفاجرة، فإن الخصومة تنتهي في الدنيا، لكنها باقية يوم القيامة، وسوف يلقى الله وهو عليه غضبان.

وفي الحديث: أن البينة على المدعِي واليمين على من أنكر بين الخصوم مطلقًا، سواءً كانا مسلمين أو كافرين أو مختلفين، والمفرط الذي ليس له بينة لا يلوم إلا نفسه؛ لأنه ما أشهد شاهدين، وما دام أنه فرط فليس له إلا يمين صاحبه؛ ولهذا قال الأشعث: «فِيَّ وَاللَّهِ كَانَ ذَلِكَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي؛ فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لاَ» فقال النبي ﷺ لليهودي: احلِف، «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ، وَيَذْهَبَ بِمَالِي» ؛ لأنه يهودي، «فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً [آل عِمرَان: 77] إِلَى آخِرِ الآْيَةِ» فدل على أنه ليس للمدعي إذا لم يكن له بينة إلا يمين خصمه، مسلمًا كان أو كافرًا، ثم تنتهي الخصومة في الدنيا.

2418 قوله: «أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا» . هو محل الشاهد للترجمة فهذه خصومة، وحصل كلام بين كعب بن مالك وابن أبي حدرد، فكعب يطلب من ابن أبي حدرد دَيْنًا، ووجده في المسجد، فلما وجده في المسجد التزمه، وقال: أعطني حقي، فارتفعت أصواتهما، وكان بيت النبي ﷺ له باب على المسجد، فسمعهما رسول الله ﷺ وهو في بيته، فكشف الستر، ونادى: يَا كَعْبُ، قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، أَيْ الشَّطْرَ قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ» فقال لابن أبي حدرد: قُمْ فَاقْضِهِ في الحال، ما دام أسقط عنك نصف الدين، فقام وقضاه وانتهت الخصومة.

وفيه: جواز رفع الصوت في المسجد إذا كان قليلاً لعارض.

وفيه: جواز الصلح بإسقاط شطر الدين.

وفيه: جواز التقاضي في المسجد؛ لأن المسجد محل اجتماع الناس وصلواتهم، والتقاضي ليس بيعًا ولا شراءً، ولكن طلب حق، وإنما الممنوع البيع والشراء، وإنشاد الضالة.

2419 في الحديث: خصومة بين عمر وهشام بن حكيم رضي الله عنهما؛ حيث سمعه يقرأ سورة الفرقان وهو في الصلاة على غير ما يقرؤها رسول الله ﷺ، قال عمر: «وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ» ، أي: وهو في الصلاة، «ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ» يعني: حتى انصرف من صلاته، «ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ» ، وجعل يقوده، فجاء به رسول الله ﷺ، فقال: «إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ» أي: سورة الفرقان، «عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَأْتَنِيهَا! فَقَالَ لِي: أَرْسِلْهُ يعني: عليك باللين والرفق في الإنكار ـ وكان عمر معروفًا بالشدة في الحق ـ وأرسله أي: اترك تلبيبه بالرداء، «ثُمَّ قَالَ لَهُ: اقْرَأْ؛ فَقَرَأَ» ، يعني: قرأ القراءة التي سمعها عمر وهو يصلي، «قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ قَالَ لِي:» ، يعني: قال لعمر، اقْرَأْ؛ فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّر.

وهذه الأحرف اختلف العلماء فيها: فمنهم من قال: هذه الأحرف لغات، وقيل: إن هذه الأحرف اختلفت في اللفظ، ولكنها متقاربة في المعنى، أو متحدة مثل: سميع عليم، عليم حكيم، غفور رحيم، رحيم غفور، والقراءات السبع كلها داخلة في حرف واحد، ثم بعد ذلك جمعها عثمان على حرف واحد، لما أشار إليه حذيفة حينما رأى اختلاف الناس وهو يغازي أرمينية وأذربيجان، فقال: «يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في كتابها كما اختلف اليهود والنصارى» .

ثم جمع الصحابة واستشارهم، فجمعهم على حرف واحد، وهو الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة ـ فجبريل كان يعارض النبي ﷺ في كل سنة مرة، وعارضه في المرة الأخيرة مرتين ـ ونُسخت سبعة مصاحف، فأُرسل مصحف إلى مكة، ومصحف إلى الكوفة، ومصحف إلى البصرة، ومصحف إلى مصر، وأُبقي في المدينة مصحف، وأمر ببقية المصاحف أن تحرق.

المتن:

باب إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْخُصُومِ مِنْ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ

وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ.

2420 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ.

الشرح:

قوله: «بَاب إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْخُصُومِ مِنْ الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ» يعني: إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة بأحوالهم، أو بعد معرفتهم بالحكم، ويكون هذا على سبيل التأديب على المعصية.

وقوله: «وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ» ، ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله: أنه لما تُوفي أبو بكر، أقامت عليه عائشة النوح، فبلغ عمر فنهاهن، فأبين، فقال لهشام بن الوليد: اخرج إلى بيت أبي قحافة، فأخرج أم فروة فعلاها بالدرة، فتفرق النوائح، وفي رواية الزهري: أنه جعل يخرجهن امرأة امرأة وهو يضربهن بالدِّرة على رأسها وعلى جسدها.

2420 استنبط المؤلف الحكم الذي ترجم به ـ وهو إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت ـ من الحديث؛ وذلك أن الإخراج من البيت أسهل من التحريق بالنار، فإذا كان في البيت مثلاً ابن لا يصلي مع الجماعة، فإنه يُنصح ويؤدب، فإن لم يفد فيه ذلك أخرج من البيت على سبيل التأديب إن كان هذا أصلح له.

وهذا الحديث: دليل على وجوب صلاة الجماعة؛ لأن النبي ﷺ لا يهم بالإحراق بالنار إلا على واجب.

ووجه الدلالة من الحديث: أنه إذا أحرقها عليهم بادروا بالخروج منها؛ فثبت مشروعية الاقتصار على إخراج أهل المعاصي من باب أولى.

المتن:

باب دَعْوَى الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ

2421 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ عَبْدَ بْنَ زَمْعَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصَانِي أَخِي إِذَا قَدِمْتُ أَنْ أَنْظُرَ ابْنَ أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضَهُ؛ فَإِنَّهُ ابْنِي، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي، فَرَأَى النَّبِيُّ ﷺ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ.

الشرح:

2421 قوله: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ، وفي اللفظ الآخر: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ [(469)].

هذه قصة خصومة في ابن أمة زمعة، فإن عتبة بن أبي وقاص كان قد مات، وأوصى أخاه سعد بن أبي وقاص أن يقبض ابن أمة زمعة فإنه قارقها ـ أي: زنى بها ـ في الجاهلية وادعى أن الولد له.

وقام عبد بن زمعة أيضًا يطلب الغلام، ويقول: إن هذا الغلام أخي، ولد على فراش أبي. فقضى النبي ﷺ بالولد لعبد بن زمعة وقال: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ . العاهر: الزاني، فله الخيبة وليس له ولد، ويقام عليه الحد.

فإذا كانت المرأة فراشًا بأن كانت زوجة يطؤها الزوج، أو كانت أمة يطؤها سيدها، ثم جاءت بولد فالولد يكون له، وينسب إليه ولو تخلل ذلك زنا، فالزاني لا يعطى شيئًا.

وكان هذا الولد أخًا لأم المؤمنين سودة بنت زمعة، ولما نظر النبي ﷺ إلى الغلام وجد به شبهًا بيِّنًا بعتبة ـ الذي ادعى أنه زنى بأمه في الجاهلية ـ فأمر سودة أن تحتجب منه، من باب الاحتياط، فلم يرها حتى لقيت الله.

والشاهد من الترجمة: أن هذه وصية من عتبة بن أبي وقاص لأخيه سعد بقبض الولد الذي ولدته أمة زمعة، والوصية مشروعة بالإجماع ومن أدلة الإجماع على مشروعية الوصية حديث ابن عمر: مَا حَقُّ امْرِئٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ، إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ [(470)] قال ابن عمر: فما مرت عليَّ ليلتان بعد هذا الحديث إلا ووصيتي مكتوبة عند رأسي.

وأقوى من ذلك ما صرح به الكتاب العزيز في قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النِّسَاء: 11]، والنبي ﷺ في هذا الحديث ما أنكر على سعد وصية أخيه عتبة.

والوصية في الجاهلية تنفذ إذا كانت خيرًا، كما نذر عمر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام، فأمره النبي ﷺ بالوفاء بنذره، وإنما أنكر النبي ﷺ على سعد استلحاق أخيه عتبة للولد من الزنا.

المتن:

باب التَّوَثُّقِ مِمَّنْ تُخْشَى مَعَرَّتُهُ

وَقَيَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ.

2422 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ؛ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ؛ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ.

الشرح:

قوله: «وَقَيَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ» عكرمة مولى لابن عباس رضي الله عنهما، وكان يربطه وهو صغير حتى يتعلم القرآن والسنن والفرائض، فنفعه هذا القيد وكان خيرًا له، ومناسبة الترجمة: أنه إذا قيد ووثق لأجل منفعته وتعلمه؛ فالتقييد والتوثق ممن يخشى ضرره وشره على غيره من باب أولى.

2422 هذا الحديث اختصره البخاري رحمه الله، وذكره في موضع آخر مطولاً، وكان ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة في نجد، وكان خرج معتمرًا وهو على شركه ـ وكانوا يعتمرون ويحجون وهم على شركهم ـ فلقيته خيل النبي ﷺ فأخذوه فربطوه بسارية من سواري المسجد النبوي ثلاثة أيام، وكان النبي ﷺ إذا جاء يقول: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فيقول: «عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ» ، وفي الرواية الأخرى: «إن تقتل تقتل ذا دم» ، يعني: ذا دم عظيم، له مكانة في قومه، فهو سيد فيهم، «وإن تنعم تنعم على شاكر» يقدر المعروف، «وإن كنت تريد المال فسل ما بدا لك» . فتركه النبي ﷺ، وفي اليوم التالي قال له ذلك فرد عليه كذلك، وفي اليوم الثالث قال له ذلك فرد عليه كذلك، فتوسم النبي ﷺ فيه الخير والإسلام، فقال: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فذهب إلى نخل قريب من المسجد واغتسل وجاء، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله وأسلم، ثم قال قولته المشهورة: «والله ـ يا رسول الله ـ ما كان من وجه أبغض إليَّ من وجهك، فأصبح اليوم وجهك أحب الوجوه إليَّ، وما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبحت بلدك خير البلاد إليَّ، وما كان من قوم أبغض إليَّ من قومك، فأصبح قومك أحب الأقوام إليَّ، ثم ذهب واعتمر، فقالت له قريش: صبأت يا ثمامة ـ يعني: خرجت من دينك ـ فقال: ما صبأت، ولكني أسلمت لله رب العالمين، والله لا يأتيكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله[(471)].

وكانت الميرة تأتيهم من نجد؛ لأن مكة لم يكن فيها زرع، فمنعهم الحبوب التي تأتي إليهم، فجاءوا وطلبوا من النبي ﷺ أن يترك لهم الميرة.

والشاهد: أن النبي ﷺ قيده وربطه في المسجد، واستدل به المؤلف على أنه يتوثق من يخشى معرته، ويخشى شره وفساده.

المتن:

باب الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ

وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةِ دِينَارٍ.

وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ.

2423 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ؛ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ.

الشرح:

قوله: «بَاب الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ» . أراد البخاري رحمه الله بيان أنه يجوز الربط والحبس في الحرم، وإن كان الحرم لا ينفر صيده، ولا يقطع شجره الأخضر، وغير ذلك من الأمور الخاصة بالحرم، إلا أن العاصي إذا انتهك حرمة الحرم، فإنه يربط ويحبس فيه.

قوله: «وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُ مِائَةِ دِينَارٍ» ، احتج به من قال: إن دور مكة تُملك فتباع وتؤجر، وقد اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إنها لا تملك؛ فلا تؤجر ولا تباع، ومنهم من قال: تؤجر ولا تباع، ومنهم من قال: تؤجر وتباع، وهو الذي عليه العمل الآن، ومن أدلة الرأي: الأخير أنه لو كانت دور مكة لا تباع ولا تؤجر ما اشترى عمر دارًا للسجن.

وهذا البيع الذي قام به نافع يسمى بيع العُرْبون، واختلف فيه العلماء، والصواب صحة بيع العربون، وهو أن يشتري سلعة ويعطيه جزءًا من الثمن ويقول: أمهلني أشاور مدة كذا وكذا، فإن عزمت فلك باقي الثمن، وإلا فالعربون الذي دفعته من الثمن لك، ويكون هذا العربون مقابل حبس المبيع عنده وفوات الزبون.

وقوله: «وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ» . هذا دليل على أنه لا بأس بالسجن بمكة، وإن كانت حرمًا؛ لأن من يستحق السجن هو الذي انتهك حرمة الحرم؛ ولهذا من فعل ما يوجب الحد أقاموا عليه الحد في مكة، فإذا زنى يجلد أو يرجم ولو في الحرم، وإذا سرق تقطع يده ولو في الحرم؛ لأنه هو الذي انتهك حرمة الحرم.

2423 استدل البخاري رحمه الله بقصة ثمامة بن أثال ـ وهو الحديث الذي في الترجمة السابقة ـ وهو رجل من بني حنيفة كان مشركًا، ثم أخذته خيل النبي ﷺ، فربطوه بسارية من سواري المسجد.

ففيه: جواز الربط والحبس بالحرمين وإقامة الحدود فيهما.

وهذا الربط كان في الحرم النبوي، والحكم في الحرمين واحد، وإن كان الحرم المكي أغلظ في الحكم من الحرم النبوي.

فإن كان الحرم لا ينفر صيده، ولا يختلى خلاه، ولا تلتقط لقطته إلا أن العاصي لما انتهك حرمة الحرم فإنه يربط ويحبس ويقام عليه الحد؛ فتقطع يد السارق، ويرجم أو يجلد الزاني، ويجلد شارب الخمر، وهكذا.

المتن:

باب في الْمُلاَزَمَةِ

2424 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَقَالَ غَيْرُهُ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَْنْصَارِيِّ، عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الأَْسْلَمِيِّ، دَيْنٌ فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فَمَرَّ بِهِمَا النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: يَا كَعْبُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ، فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ وَتَرَكَ نِصْفًا.

الشرح:

2424 هذا الحديث ذكر فيه قصة كعب بن مالك حينما تقاضى دين ابن أبي حدرد، وقد تقدم.

قوله: «فَلَزِمَهُ» أي: أمسكه وقال: لا أتركك حتى تعطيني حقي.

قوله: «وَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: النِّصْفَ» ، يعني: أسقط النصف من دينك.

وفيه: جواز التقاضي في المسجد، وجواز الخصومة ورفع الصوت إذا لم يكن كثيرًا، وجواز المصالحة في المسجد.

والشاهد: أن كعبًا لما لقي ابن أبي حدرد وهو مدين له لزمه.

المتن:

باب التَّقَاضِي

2425 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِمُ؛ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ؛ فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثَكَ، قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ فَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا، ثُمَّ أَقْضِيَكَ، فَنَزَلَتْ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا  الآْيَةَ.

الشرح:

2425 يستفاد من الحديث جواز التقاضي والمطالبة بالحق وذلك أن خبابًا كان قينًا ـ يعني: حدادًا ـ في الجاهلية، وكان له على العاص بن وائل دراهم، فأتى خباب يطلب حقه من العاص، «فَقَالَ: لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ؛ فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثَكَ، قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ فَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا، ثُمَّ أَقْضِيَكَ، فَنَزَلَتْ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا [مَريَم: 77].

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد