شعار الموقع

شرح كتاب العتق صحيح البخاري (49-1) من باب فِي الْعِتْقِ وَفَضْلِهِ - إلى باب بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ

00:00
00:00
تحميل
58

المتن:

(50)كِتَاب الْعِتْق

باب فِي الْعِتْقِ وَفَضْلِهِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَكُّ رَقَبَةٍ ۝ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۝ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ [البَلَد: 13-15].

2517 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثنِي وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثنِي سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ صَاحِبُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ فَعَمَدَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ رضي الله عنهما إِلَى عَبْدٍ لَهُ قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَعْتَقَهُ.

الشرح:

قوله: «كتاب العتق» هذا الكتاب معقود للترغيب في العتق ولبيان أحكامه.

قوله: «بَاب فِي الْعِتْقِ وَفَضْلِهِ» العتق: معناه إزالة المِلك.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والعِتق بكسر المهملة إزالة الملك، يقال: عتق يعتق عِتقًا بكسر أوله، ويفتح وعَتاقًا وعَتاقة، قال الأزهري: وهو مشتق من قولهم: عتق الفرس، إذا سبق، وعتق الفرخ إذا طار؛ لأن الرقيق يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء» اهـ.

فالعبد يكون مملوكًا لسيده، فإذا أعتق زال ملك سيده وصار حرًّا يملك التصرف في نفسه، والعبودية سببها الكفر، فإن كان الكفار من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى يخيرون بين واحد من ثلاثة: إما الإسلام، أو السيف، أو الجزية؛ لقوله تعالى: قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التّوبَة: 29] فإن أسلم فالحمد لله، وإن لم يسلم طلب منه بذل الجزية، فإن بذل الجزية يترك، ويكون بذل الجزية تحت تصرف الدولة الإسلامية وتحت رعايتها، فيدفع الجزية ويلتزم بالشروط التي تشترط عليه، فإن أبى عن دفع الجزية فإنه يقاتل.

وأما الكافر من غير أهل الكتاب ـ كالوثنيين وغيرهم من سائر الكفرة ـ فإنهم مخيرون بين شيئين: إما الإسلام، أو السيف.

والجهاد فيه مصلحة عظيمة للإسلام والمسلمين، ففيه نشر الإسلام، وإعلاء كلمة الله، وإعزاز الإسلام وأهله، وإزالة العقبات في طريق الدعوة إلى الله.

وفيه: مصلحة للكافر؛ لأن الكافر حينما يجاهد إما أن يسلم فينقذ نفسه من النار وإما أن يقتل فَيَسلم من الاستمرار في الكفر؛ لأنه كلما طال عمره في الكفر زاد عذابه فإذا قتل نقص العذاب؛ ففي الجهاد مصلحة عظيمة.

والكفار الذين لم يقتلوا يأسرهم المسلمون، ثم بعد ذلك يخير الإمام بين قتل الأسير وبين فدائه نفسه، وبين أن يسترق، فقسم منهم يقتل، وقسم منهم يفادي نفسه ـ يعني: يشتري نفسه ـ وقسم منهم يسترق، فيكونون عبيدًا، والنساء والذرية كذلك يكونون عبيدًا للمسلمين فيوزعون بين الغانمين ولهم أن يتصرفوا فيهم بالبيع والشراء فيكونون من جنس المال.

والإسلام حث على العتق ورغب فيه، وفتح طرقًا كثيرة للعتق كجعله من الكفارات؛ فكفارة الظهار عتق رقبة، وكفارة اليمين عتق رقبة، وكفارة القتل عتق رقبة، وكذلك حث الإسلام على العتق تبررًا وطلبًا للأجر والثواب، ومن ذلك حديث الباب، وقول الله تعالى: فَكُّ رَقَبَةٍ ۝ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ۝ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ۝ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ [البَلَد: 13-16]. فإعتاق الرقبة من الأسباب التي تقتحم بها عقبة النار، وكذلك إطعام اليتيم القريب، أو إطعام المسكين الذي اشتدت حاجته، وهذا مع ملاحظة الأمور الأخرى من ترك أسباب دخول النار.

2517 قوله: أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ فيه: فضل عظيم لمن أعتق عبدًا، وخلصه من الرق وجعله حرًّا يتصرف في نفسه كالأحرار، فالله تعالى يجازيه بهذا الثواب العظيم وهو أن ينجيه من النار وينقذ بكل عضو من العبد الذي أعتقه عضوًا من المعتِق من النار، حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ [(576)]، كما جاء في الحديث الآخر.

قوله: «قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَرْجَانَةَ: فَانْطَلَقْتُ بِهِ» يعني: بهذا الحديث.

قوله: «إِلَى عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ» هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب.

قوله: «فَعَمَدَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ رضي الله عنهما إِلَى عَبْدٍ لَهُ» ، أي: عبد ثمين.

قوله: «قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ» ، يعني: ثمنًا له ليشتريه.

قوله: «عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ» أي: ابن أبي طالب، ابن عم الحسين بن علي والد علي بن الحسين.

قوله: «عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ فَأَعْتَقَهُ» ، أي: لما سمع علي بن الحسين هذا الحديث، وبلغه ما فيه، وأن العتق فيه إنقاذ للإنسان من النار عمد إلى إعتاق عبد له أعطي به عشرة آلاف، ولم يأخذ العشرة آلاف طلبًا للأجر والثواب.

ويدخل في عتق الرقاب ويشترك معه في الفضل فك أسرى المسلمين من أيدي الكفار، والأسرى الآن موجودون عند الكفار.

وكذلك تخليص السجناء الذين عليهم ديون من السجن بوفاء ديونهم حتى يقوموا برعاية أهليهم وأولادهم، والأصل أن المعسر لا يسجن؛ لأنه فقير لا يستطيع، بل يُنْظَر، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البَقَرَة: 280] ولأن سجنه لا يسدد دينه، فينبغي أن يمكن، لكن قد يسجن لظن أنه مماطل أو لغير ذلك من الأسباب.

وأعظم من ذلك كله تخليص المشرك من الشرك، بدعوته وجهاده حتى يدخل في الإسلام.

والمؤلف رحمه الله أطال الحديث في العتق، وهذه الأبواب ـ أبواب العتق والعبيد والأرقاء ـ لها أحكام عظيمة في الكتاب والسنة ذكرها الفقهاء، ولا يوجد عبيد الآن؛ لذلك فهذه الأحكام ندر العمل بها، والإنسان الذي عليه رقبة الآن ينتقل إلى الصيام؛ لأنه لا يجد رقبة، اللهم إلا أن يكون هناك بعض الرق الشرعي، ويكون بالتوالد والتناسل وقد يوجد أشياء من ذلك في بعض القبائل في موريتانيا أو في غيرها وكان سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله يتحرى في هذا، فإذا جاءه من عليه رقبة أرسل إلى الثقات المعروفين في موريتانيا فيجدون بعض العبيد الذين تناسلوا، وإلا فغالب العبيد الموجودين ليسوا بشرعيين بل سُرقوا وبيعوا.

وأحكام العبيد كانت قديمًا تدل على قوة المسلمين والآن عدم وجودها أو ندرة وجودها يدل على ضعف المسلمين، فالآن انقلبت الأمور فالكفار هم الذين يسترقون المسلمين؛ لأن من لم يغز غُزِي، فإذا لم يغز المسلمون الكفار غزاهم الكفار في عقر دارهم، وما ترك قوم الجهاد في سبيل الله إلا ذلوا، نسأل الله أن يقيم علم الجهاد، وأن يقمع أهل الشرك والفساد والريب والزيغ والعناد.

المتن:

باب أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ

2518 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَعْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ ضَايِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَِخْرَقَ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنْ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ.

الشرح:

قوله: «بَاب أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ» هذه الترجمة معقودة لبيان أي: الرقاب أفضل، والرقاب جمع رقبة، وهي العبد الذي يعتق، وسمي العبد باسم الرقبة تسمية للكل باسم الجزء.

2518 قوله: «أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ، فيه: دليل على أن الإيمان بالله أفضل الأعمال، والإيمان عند أهل السنة والجماعة: تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالقلب وعمل بالجوارح، فتصديق القلب: هو الإقرار والاعتراف. وقول اللسان: هو الإقرار والنطق، وعمل القلب: هو النية والإخلاص والصدق والمحبة، وعمل الجوارح كالصلاة والصيام والزكاة والحج، فكل هذا داخل في مسمى الإيمان، فأفضل الأعمال إيمان بالله ورسوله وذلك يستلزم أداء الفرائض والحقوق والواجبات وترك المحرمات.

قوله: وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ أي: ثم يلي الإيمان الجهاد في سبيل الله، وفي اللفظ آخر: ثم بر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله [(577)] فقدم البر على الجهاد؛ ذلك لأن بر الوالدين واجب والجهاد في سبيل الله يكون فرض عين في بعض الأحوال، ويكون فرض كفاية فيما عدا ذلك، وفي بعض الروايات لما سئل النبي ﷺ أي: الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة على وقتها، وبر الوالدين ثم الجهاد [(578)].

قوله: «قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَعْلاَهَا ثَمَنًا، بالعين المهملة، وفي لفظ: أَغْلَاهَا ثَمَنًا [(579)] بالغين المعجمة.

قوله: وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا؛ أي: أفضل العبيد الذين تعتقهم ما كان ثمنه غاليًا، كأن يكون العبد قويًّا ونشيطًا يعمل، فهذا يكون ثمنه أعلى، أو يكون بيده صنعة؛ فيكون نفيسًا عند أهله، بخلاف العبد الأخرق الذي لا يعمل أو الضعيف أو المريض أو كبير السن، فهذا يكون ثمنه رخيصًا، وكلما كان ثمن العبد أغلى وأنفس عند أهله كان عتقه أفضل عند الله، ففرق بين من يعتق عبدًا نشيطًا قويًّا يعمل ويكسب ويتزوج وينجب أولادًا، ومن يعتق عبدًا كبير السن ليس به حراك أو مريضًا أو به عاهة فالأول أفضل؛ لأنه أغلى ثمنًا.

قوله: «قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟» ، يعني: فإن لم أعتق الرقاب فماذا أعمل؟

قوله: «قَالَ: تُعِينُ ضَايِعًا، بالضاد المعجمة، يعني: تعين ذوي الضياع من فقر أو عيال، فتعينه مثلاً في إصلاح دلوه إذا كان ينزع من البئر، أو في خياطة ثوبه، وتعينه في إصلاح سيارته، وروي: تُعِينُ صَانِعًا [(580)] بالصاد المهملة، والمراد أن تعين صانعًا في صنعته.

قوله: أَوْ تَصْنَعُ لأَِخْرَقَ الأخرق: هو الذي لا يحسن الصنعة ولا يحسن العمل، فالمعنى: الصانع الذي له صنعة تعينه على عمله، أما الأخرق الذي لا يحسن الصنعة تصنع له.

قوله: «قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنْ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ، يعني: إذا لم تستطع أن تعتق الرقاب ولا تعين الصانع ولا تصنع لأخرق فكف نفسك عن الشر، وبهذا تكون تصدقت على نفسك؛ حيث أمسكتها عن الشر الذي يجعلها تكسب الآثام.

وفي الحديث: دليل على أن الكف عن الشر داخل في فعل الإنسان وهو من كسبه حتى يؤجر عليه، غير أن الثواب لا يحصل بالكف إلا مع النية والقصد، لا مع الغفلة والذهول.

وجاء في حديث آخر طويل عن أبي ذر أسئلة كثيرة، سأل عن أي: المؤمنين أكمل، وأي: المسلمين أسلم، وأي: الهجرة والجهاد والصدقة أفضل؟ وفيه السؤال عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أخرجه ابن حبان والطبراني وغيرهما[(581)].

المتن:

باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْعَتَاقَةِ فِي الْكُسُوفِ وْالآْيَاتِ

2519 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ.

تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ.

2520 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَثَّامٌ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالْعَتَاقَةِ.

الشرح:

قوله: «بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْعَتَاقَةِ فِي الْكُسُوفِ وْالآْيَاتِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان استحباب العتق عند كسوف الشمس أو خسوف القمر، أو غيرها من الآيات كالزلازل.

2519 قوله: «أَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ» فيه: دليل على أن العتق يستحب للمسلم أن يفعله عند كسوف الشمس؛ لأن كسوف الشمس تخويف من الله لعباده فيكون العتق امتثالاً لأمر الله، وسببًا من أسباب رضا الله على عباده، وعدم غضبه عليهم.

2520 قوله: «كُنَّا نُؤْمَرُ عِنْدَ الْخُسُوفِ بِالْعَتَاقَةِ» ، يعني: عتاقة العبيد، وكذلك يؤمر عند الخسوف بالصدقة على الفقراء، وبالتكبير والاستغفار، وكذلك تشرع الصلاة، كما في الحديث: فَصَلُّوا، وَادْعُوا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ [(582)] وثبت أن النبي ﷺ لما كسفت الشمس صلى ركعتين، في كل ركعة ركوعان وسجدتان وأطال القراءة والركوع والسجود[(583)]، فهذه العبادات تشرع عند حصول الآيات ككسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل وما أشبهها حتى تنكشف النازلة.

المتن:

باب إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَمَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ

2521 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ.

2522 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ.

2523 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ.

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ اخْتَصَرَهُ.

2524 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ.

قَالَ نَافِعٌ: وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ.

قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ.

2525 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِقْدَامٍ حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي الْعَبْدِ أَوْ الأَْمَةِ يَكُونُ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إِذَا كَانَ لِلَّذِي أَعْتَقَ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ يُقَوَّمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ وَيُدْفَعُ إِلَى الشُّرَكَاءِ أَنْصِبَاؤُهُمْ وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ يُخْبِرُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.

وَرَوَاهُ اللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَجُوَيْرِيَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ مُخْتَصَرًا.

الشرح:

قوله: «بَاب إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَمَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان حكم من أحكام العتق، وهو كيفية عتق العبد إذا كان مشتركًا بين اثنين أو الأمة إذا كانت بين شركاء.

والإسلام يتشوف إلى عتق العبيد، وفتح الطرق المتعددة للعتق، فالمظاهر من زوجته يكفر بالعتق، والقاتل يكفر بالعتق، والحالف يكفر بالعتق، والمجامع في نهار رمضان يكفر بالعتق، وكذلك دعا الإسلام إلى العتق تبررًا من دون سبب، وأنه من أسباب العتق من النار.

وفي أحاديث الباب بيان أن العبد أو الأمة إذا كان مشتركًا بين اثنين أو أكثر، ثم أعتق أحد الشركاء نصيبه فإنه يسري العتق إلى بقية العبد ويلزم المعتِق أن يسدد لهم حصصهم حتى يعتق العبد كاملاً، فإذا كان عبد مشتركًا بين اثنين، وقيمته خمسون ألفًا، ثم أعتق أحد الشريكين نصيبه نقول لمن أعتق: عليك أن تسلم لصاحبك خمسة وعشرين ألفًا، ويعتق العبد، وهذا إذا كان مستطيعًا فإن كان غير مستطيع، فإنه شريكه يكلّف بأن يسمح للعبد بالاستسعاء، وهو أن يمكنه من العمل حتى يسدد له قيمة نصيبه فيدفعها إليه ثم يعتق، فإن كان العبد لا يستطيع أن يعمل، والمعتق الذي أعتق نصيبه فقيرًا ليس في ماله سعة يسدد بها نصيب شريكه بقي العبد مبعضًا ـ نصفه حر ونصفه رقيق ـ حتى ييسر الله، وحينئذ يرث ويورث بقدر ما فيه من الحرية، فإذا مات شخص عن ابنين أحدهما حر والآخر مبعض فإن التركة تكون ثلاثة أقسام: للابن الحر اثنان وللابن المبعض واحد.

والمؤلف رحمه الله قال: «إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَمَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ» فقال في العبد: «بَيْنَ اثْنَيْنِ» ، وقال في الأمة: «بَيْنَ الشُّرَكَاءِ» ، ولا فرق بين العبد والأمة، فالحكم واحد؛ ولهذا كان ابن عمر يفتي فيهما بذلك، والمؤلف رحمه الله حينما عطف الأمة على العبد كأنه أراد الرد على بعض العلماء كإسحاق بن راهويه القائل بأن هذا الحكم خاص بالذكور والصواب أنه عام للذكور والإناث، والمملوك اسم للذكر والأنثى.

2521 قوله: «مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «هو كالمثال وإلا فلا فرق بين أن يكون بين اثنين أو أكثر» اهـ.

2522 قوله: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ يعني: نصيبًا له.

قوله: قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، يعني: نسأل أهل خبرة: كم يساوي العبد؟ ثم يُقَوّم عليه.

قوله: وَإِلاَّ أي: وإذا كان فقيرًا.

قوله: فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ يعني: يبقى مبعضًا.

2523 قوله: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ فَأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ يعني: يبقي مبعضًا.

2524 قوله: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ ، يعني: يكلف بأن يسدد لشركائه قيمة نصيبهم.

قوله: وَإِلاَّ أي: بأن كان فقيرًا.

قوله: فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ يعني: يبقى مبعضًا.

قوله: «قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ أَوْ شَيْءٌ فِي الْحَدِيثِ» والصواب: أنه من الحديث، كما جاء في الأحاديث الأخرى.

2525 قوله: «أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي الْعَبْدِ أَوْ الأَْمَةِ يَكُونُ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إِذَا كَانَ لِلَّذِي أَعْتَقَ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ يُقَوَّمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ وَيُدْفَعُ إِلَى الشُّرَكَاءِ أَنْصِبَاؤُهُمْ وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ يُخْبِرُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ» فيه: أنه إذا أعتق أحد الشركاء نصيبه في عبد سرى العتق إلى الجميع إذا كان له مال، فإن لم يكن له مال فإنه يبقى مبعضًا، وجاء في الأحاديث الأخرى أن يُستسعى العبد، ومعنى يستسعى أن أسياده يمكنوه من العمل حتى يسدد لهم فيعتق.

المتن:

باب إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ عَلَى نَحْوِ الْكِتَابَةِ

2526 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثنِي النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ عَبْدٍ.

2527 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا أَوْ شَقِيصًا فِي مَمْلُوكٍ فَخَلاَصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلاَّ قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ.

تَابَعَهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ وَأَبَانُ وَمُوسَى بْنُ خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ اخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ.

الشرح:

قوله: «بَاب إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ، اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ» هذه الترجمة فيها أنه إذا أعتق أحد الشركاء نصيبه من العبد، وكان فقيرًا لا يستطيع أن يسدد لشركائه حصصهم فإن العبد يستسعى غير مشقوق عليه، يعني: يطلب منه أن يسعى ويعمل في تخليص القدر الذي بقي منه في الرق.

قوله: «عَلَى نَحْوِ الْكِتَابَةِ» يعني: مثل العبد المكاتب، والعبد المكاتب هو الذي اشترى نفسه من سيده بمال مُنَجّم كل سنة يحل نجم، مثل بريرة حيث كانت اشترت نفسها بتسع أواق على تسع سنين كل سنة تحل أوقية، ثم اشترتها عائشة.

فيجب تمكين العبد المبعض من السعاية كالمكاتب، وإن عجز بقي رقيقًا في الجزء الذي لم يعتق كالمكاتب.

2526 قوله: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا ؛ الشِّقصُ والشَّقِيص: النصيب في العين المشتركة من كل شيء. قاله صاحب النهاية[(584)].

2527 قوله: مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا أَوْ شَقِيصًا فِي مَمْلُوكٍ فَخَلاَصُهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلاَّ قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ. هذا الحديث إذا ضممته إلى الأحاديث الأخرى في الترجمة السابقة يجمع بينهما بأن من أعتق نصيبه من عبده المشترك فإنه إن كان له مال يبلغ ثمن العبد فإنه يكلف ويلزم بأن يخلص العبد ويسدد لشركائه حصصهم، أما إذا كان فقيرًا فإن العبد يستسعى فيمكن من العمل حتى يخلص نفسه من الرق، ولا يُشق عليه في العمل، فإن كان العبد لا يستطيع أن يعمل لكونه مريضًا أو كبير السن أو به عاهة فإنه يبقى مبعضًا حتى ييسر الله خلاصه من شركائه، وهذا فيه دليل على أن الإسلام يتشوف إلى تحرير الرقاب حيث فتح أبوابًا متعددة للعتق.

المتن:

باب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ وَلاَ عَتَاقَةَ إِلاَّ لِوَجْهِ اللَّهِ

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، وَلاَ نِيَّةَ لِلنَّاسِي وَالْمُخْطِئِ.

2528 حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ.

2529 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الأَْعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.

الشرح:

قوله: «بَاب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ وَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ» هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان أن الخطأ والنسيان في العتق أو الطلاق أو نحوه من التعليقات لا يقع به منها شيء؛ لأنه لم يقصد، فإذا أخطأ فطلق أو نسي فطلق فإنه لا يقع، وكذلك إذا أعتق مخطئًا أو ناسيًا فلا ينفذ.

قوله: وَلاَ عَتَاقَةَ إِلاَّ لِوَجْهِ اللَّهِ يعني: لا يقع منها شيء إلا بالقصد، ومثال الخطأ في العتاقة: أن يريد أن يقول لعبده: أنت عليم أو أنت كريم، فيقول: أنت حر، وهو لا يقصد به العتق، فلا يقع.

قول ﷺ: لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى استدل به المؤلف رحمه الله على أن الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه لا يقع، ومثال الخطأ في الطلاق: أن يريد أن يقول لزوجته: أنت طاهر، فيخطئ ويقول: أنت طالق، كما حدث مع الرجل الذي جاء حديثه في الصحيحين: لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح [(585)] أي: أخطأ فقال كلمة الكفر لكن غير قاصد ولا ناوٍ، فكذلك إذا أخطأ يريد أن يقول لزوجته: أنت طاهر فقال: أنت طالق وما قصد الطلاق فلا يقع، أو أراد أن يقول لعبده: أنت عليم أو أنت كريم، فقال: أنت حر، وهو لا يقصد العتق فلا يقع، وكذلك إذا طلق ناسيًا أو أعتق ناسيًا فلا يقع شيء من ذلك.

ومثله: الخطأ في التلفظ بالنية في الحج أو العمرة ونحو ذلك، فلو أراد أن يقول: لبيك عمرة وحجة، فقال: لبيك حجة، أو قال: لبيك عمرة وحجة وهو لا يريد إلا الحج فقط، فلا يقع شيء.

أما الخطأ في القتل فله حكم خاص منصوص عليه.

واستدل المؤلف رحمه الله على أنه لا يقع عتاق ولا طلاق من الناسي والمخطئ بالحديثين التاليين.

2528 قوله: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ مثال وسوسة الصدر: أن يحدث نفسه ويعزم على أن يطلق أو يعتق في نفسه، ولم يتكلم، فلا يقع شيء من الوسوسة حتى يتكلم بذلك أو يعمل، فإذا تكلم بلسانه أو كتب: إني أعتقت عبدي أو طلقت فلانة فهنا يؤاخذ، وإن قال شخص لكاتب: اكتب طلاق فلانة، أو اكتب عتق فلان، ثم نصحه الكاتب بأن لا يفعل، فرجع إلى قوله لم يقع شيء من ذلك؛ لأنها وكالة منه إلى الكاتب ولم تنفذ.

وقوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحَجّ: 25] لا يتعارض مع قوله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا» ؛ لأن الوسوسة حديث النفس، والإرادة الهم والعزم، والهم والعزم أقوى من حديث النفس، فالله قال: وَمَنْ يُرِدْ ولم يقل: ومن يوسوس، فالإرادة غير الوسوسة.

2529 قوله: الأَْعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ... . هذا الحديث هو الذي افتتح به البخاري كتابه «الصحيح» ، ولفظه هناك: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى [(586)] وهذا الحديث عام يدخل فيه أمور الدين كلها؛ ولذا ساقه المؤلف رحمه الله في مواضع، فلو حلف إنسان لا يدخل بيت إنسان ثم دخله ناسيًا لا يحنث، أو دخله مخطئًا يظن أنه غير البيت الذي حلف عليه لا يحنث لهذا الحديث: الأَْعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ مَا نَوَى. وكذا لو قال: إن دخلت بيت فلان فزوجتي طالق، ثم دخل بيت فلان ناسيًا، أو مخطئًا فلا يقع، ولا تطلق حتى يدخله عالمًا ذاكرًا قاصدًا، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه، فهذا الباب من أنفع ما يكون للمسلم أن الخطأ والنسيان في العتاق والطلاق وغيرها لا يقع حتى يفعل الشيء عالمًا، ذاكرًا، قاصدًا.

وكذلك الإنسان لو أكره على الطلاق أو العتق وهُدد بالسلاح فطلق أو أعتق وهو لا يريد الطلاق أو العتق فلا يقع؛ لأنه إذا أكره وتكلم بكلمة كفر وقلبه مطمئن بالإيمان فلا يؤاخذ به، فغيره من باب أولى.

المتن:

باب إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ: هُوَ لِلَّهِ وَنَوَى الْعِتْقَ وَالإِْشْهَادِ فِي الْعِتْقِ

2530 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الإِْسْلاَمَ وَمَعَهُ غُلاَمُهُ ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ فَأَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أَتَاكَ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ، قَالَ: فَهُوَ حِينَ يَقُولُ:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ

2531 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ

قَالَ: وَأَبَقَ مِنِّي غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ بَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلاَمُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ! فَقُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَأَعْتَقْتُهُ.

قَالَ أَبُو عَبْداللَّهِ: لَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حُرٌّ.

2532 حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَعَهُ غُلاَمُهُ وَهُوَ يَطْلُبُ الإِْسْلاَمَ فَضَلَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِهَذَا وَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ لِلَّهِ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة للصريح والكناية في العتق والطلاق وغيرهما، وأن الصريح لا يحتاج إلى نية، وأما الكناية فإنها تحتاج إلى نية، فإذا قال يريد عتق عبده: هو حر، أو عتيق أو معتق، فهذا صريح لا يحتاج إلى نية، فيعتق في الحال ولو قال: ما نويت العتق، وكذلك إذا قال لزوجته: أنت طالق، أو طلقتك، أو مطلقة، أو تطلقين فإنها تطلق، ولو قال: ما نويت الطلاق؛ لأن الصريح لا يحتاج إلى نية، فمادة الطلاق (ط ل ق) وما تصرف منها، طالق، طلقت، مطلقة، تطلقين، هذا صريح لا يحتاج إلى نية، لكن بشرط أن يقول هذه الكلمة الصريحة ذاكرًا عالمًا قاصدًا لا ناسيًا ولا جاهلاً ولا مخطئًا، فالمخطئ كأن يريد أن يقول: أنت طاهر فيقول: أنت طالق، فهذا معذور، وكذلك الناسي معذور، وكذلك الجاهل؛ لأن الناسي والمخطئ لا نية لهما، وقد قال رسول الله ﷺ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ [(587)] أما الكناية فمثل أن يقول: اخرجي، أو أنت أغناك الله عني، أو البيت له ثلاثة أبواب فاخرجي من أي: الأبواب شئت، أو اذهبي لأهلك، أو أراحك الله مني، أو ما أشبه ذلك، فهذه كناية ولابد فيها من نية، فإن نوى الطلاق كانت طالقًا، وإن لم ينو الطلاق فلا تكن طالقًا، وكذلك العتق، إذا قال: هو لله فهذه كناية، إن نوى العتق يعتق، وإلا فلا يعتق، وهذه الترجمة معقودة لهذا؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: «بَاب إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ: هُوَ لِلَّهِ وَنَوَى الْعِتْقَ وَالإِْشْهَادِ فِي الْعِتْقِ» يعني: عُتِقَ.

وقوله: «وَالإِْشْهَادِ فِي الْعِتْقِ» ، يعني: وباب الإشهاد في العتق؛ لأنه يستحب الإشهاد على العتق.

وذكر في الباب حديث أبي هريرة في قصة إسلامه ومعه غلامه من ثلاث طرق بثلاث روايات:

2530 الرواية الأولى: أنه لما أقبل يريد الإسلام ومعه غلامه ضل كل واحد منهما من صاحبه، فأقبل غلامه بعد ذلك وأبو هريرة جالس مع النبي فقال النبي ﷺ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أَتَاكَ فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ» ، وكلمة «حُرٌّ» صريحة في العتق.

وفيه: مشروعية الإشهاد على العتق.

2531 الرواية الثانية: وفيها قال: «وأبق مني غلام لي في الطريق» . أبق يعني: هرب، فلما جاء قال: «هو حر لوجه الله» و هذا صريح في العتق أيضًا.

2532 الرواية الثالثة: وفيها قال: «أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ لِلَّهِ» هذه كناية، فلابد فيها من النية.

وفي هذا فضل أبي هريرة ، وحسن خلقه، وكرمه ودفعه السيئة بالحسنة؛ حيث إنه قابل إباق عبده بالعتق، وهذه من صفات أولياء الله الكرماء، كما قال الله تعالى: وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [فُصّلَت: 34] وهذه من الصفات التي لا يقدر عليها إلا الخواص من عباد الله، وهي منقبة لأبي هريرة ؛ ولهذا قال سبحانه: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فُصّلَت: 35]. وبعض الناس إذا أسأت إليه أعطاك الصاع صاعين، ورد عليك السيئة بسيئة وزيادة، فالإنسان إذا أسيء إليه له أحوال أربعة:

الأولى: أن يرد السيئة بسيئة مثلها وزيادة، وهذا ظلم.

الثانية: أن يرد السيئة بسيئة مثلها، وهذا قصاص وعدل.

الثالثة: أن يقابلها بالعفو والسماح وهذا فضل.

الرابعة: أن يقابلها بالعفو والزيادة والإحسان، فيعطي المسيء عطية، أو يهدي إليه هدية، وأبو هريرة من هذا النوع، فما أدب غلامه ولا ضربه لما هرب ولكن قال: يا رسول الله «أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ لِلَّهِ» .

وفيه فضل أبي هريرة وفرحه بالإسلام؛ حيث إنه تمثل بهذا البيت:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ

أي: في سفره ومجيئه للنبي ﷺ حصل له عناء ومشقة، ولكنه يرى أن ذلك عذب وحلو؛ حيث إن العاقبة حميدة؛ حيث إنه أسلم ونجاه الله من الكفر.

المتن:

باب أُمِّ الْوَلَدِ

قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الأَْمَةُ رَبَّهَا.

2533 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَقْبَلَ مَعَهُ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ.

الشرح:

قوله: «بَاب أُمِّ الْوَلَدِ» . هذه الترجمة معقودة لأم الولد، وهي الأمة التي ولدت من سيدها، هل تعتق إذا ولدت أو لا تعتق؟ والخلاف في هذا قوي؛ ولهذا فالمؤلف رحمه الله لم يبت فيها بحكم.

قوله: «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَلِدَ الأَْمَةُ رَبَّهَا ربها أي: سيدها، وفي رواية: رَبَّتَهَا [(588)] أي: سيدتها يعني: أن الملوك يتسرون الإماء فإذا ولدت الأمة من سيدها ـ وهو الملك ـ ابنًا يكون سيدًا على أمه؛ لأنه ابن الملك، فيكون سيدًا عليها وعلى غيرها؛ لأن ابن الملك ملك، وبنت الملك تكون سيدة على أمها؛ لأن أمها أَمة وهي بنت الملك.

2533 قوله: «إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَقْبَلَ مَعَهُ بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ؛ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ؛ مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ» . هذه القصة حدثت في يوم فتح مكة، وهي أن زمعة كانت له وليدة، والوليدة هي الأمة، ومعلوم أن السيد إذا كان له أمة يجوز له أن يطأها بملك اليمين، ويجوز أن يزوجها عبدًا، وسعد بن أبي وقاص كان أخوه عتبة بن أبي وقاص أوصاه بأنه إذا ولدت أمة زمعة ولدًا أن يأخذه فإنه ابن له؛ لأنه فعل بها الفاحشة في الجاهلية، وقال: إنها حملت مني، فتوفي عتبة بن أبي وقاص الذي واقع هذه الأمة، فأخذ أخوه سعد بن أبي وقاص الولد إلى النبي ﷺ قبل أن يعلم الحكم ـ على ما كانوا عليه في الجاهلية ـ وقال: إن هذا ولد أخي عهد إلي به، وأوصاني بأن أقبضه، وزمعة الذي له هذه الوليدة يطؤها على فراشه جاء ابنه وهو عبد بن زمعة وأخذ الولد وقال: هذا أخي ولد على فراش أبي، فقال النبي ﷺ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، أي: خذه، وقال: الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ [(589)] العاهر: الزاني، أي: الذي زنى لا يعطى ولدًا، وليس له إلا الخيبة والندامة وإقامة الحد عليه، فقضى النبي ﷺ بأن الولد يكون لعبد بن زمعة، وأعطاه أخاه، ولكن النبي ﷺ رأى شبهًا بينًا بعتبة، فقال لأخته سودة وهي زوج النبي ﷺ: احْتَجِبِي مِنْهُ، من باب الاحتياط، فالحكم الشرعي أنه يكون أخًا لها؛ لأنه ولد على فراش أبيها، وأمرها أن تحتجب احتياطًا.

ففي الحديث: دليل على أن الولد للفراش، وأن الولد يلحق بأبيه ما دامت أمه فراشًا لأبيه، سواء كانت زوجة أو أمة، حتى لو تخلل ذلك زنًا، ما لم ينفه الزوج أو السيد عنه بلعان.

وفي الحديث من الفوائد: أنه لا عبرة بالبينة الضعيفة مع البينة القوية، فهنا بينة ضعيفة وهي الشَبَه، وبينة قوية وهي الفراش، فالعبرة بالفراش، فمن ولد على فراشه فهو له.

وفيه: أن الشبه لا يعتبر ولا يؤثر مع وجود الفراش؛ لأنه قد يتشابه الرجلان، مع تباعد ما بينهما في النسب.

وفيه من الفوائد: الاحتياط للفروج، وفي المحارم؛ لقول النبي ﷺ لأخته سودة: «احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ» ؛ ويحتمل أن يقال: إن هذا خاص بسودة؛ لأنه لم يرد أن النبي ﷺ أمر غير سودة من محارمه بالاحتجاب.

والشاهد من الحديث قوله: «هَذَا أَخِي ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ» . فوليدة زمعة ولدت ولدًا فصارت أم ولد فهل تعتق أم لا تعتق؟

والمسألة فيها خلاف قوي، فإذا قلنا: إنها تعتق فلا تباع، بل تبقى تخدم سيدها فإذا مات عتقت، وإذا قلنا: لا تعتق فإنها تباع، وكان على عهد أبي بكر الصديق تباع أمهات الأولاد، ثم استقر إجماع الصحابة رضوان الله عليهم في زمان الفاروق عمر على أن أم الولد لا تباع، والمؤلف قال: «بَاب أُمِّ الْوَلَدِ» ، يعني: هل يحكم بعتقها إذا ولدت أو يكون حكمها حكم الإماء؟ ولم يجزم بالحكم.

والحديث فيه: إشارة لحرية أم الولد؛ لأنه جعلها فراشًا فسوى بينها وبين الزوجة، ولكن هذا ليس بواضح. قاله ابن المنير.

المتن:

باب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ

2534 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ بِهِ فَبَاعَهُ قَالَ جَابِرٌ: مَاتَ الْغُلاَمُ عَامَ أَوَّلَ.

الشرح:

قوله: «بَاب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ» هذه الترجمة في بيع المدبر، والمدبر هو العبد الذي علق سيده عتقه بموته، فقال: إذا مت فعبدي حر، وسمي بالمدبر؛ لأن حريته تكون بعد حياة سيده.

2534 قوله: «أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ بِهِ فَبَاعَهُ قَالَ جَابِرٌ: مَاتَ الْغُلاَمُ عَامَ أَوَّلَ» الحديث فيه: دلالة على أن العبد الذي علق عتقه على الموت حكمه حكم الوصية، وأنه يتصرف فيه ويباع؛ لأن النبي ﷺ باع العبد الذي دبّره سيده وقضى به دينه، وإذا كان حكمه حكم الوصية فإنه ينفذ من ثلث مال سيده الذي دبره، وما زاد على الثلث لا ينفذ إلا برضا الورثة، فإذا قال: عبدي حر بعد وفاتي، نقول: حكمه حكم الوصية ينفذ من الثلث، فإذا مات نظرنا فلو وجدنا هذا الشخص ماله مثلاً عشرون ألفًا، والعبد قيمته عشرة، نقول: ما ينفذ إلا مقدار الثلث، فيُعتق منه ثلثاه، إلا إذا رضي الورثة، بخلاف إذا ما أعتقه في الحياة فإنه ينفذ عتقه.

المتن:

باب بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ

2535 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ.

2536 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ فَأَعْتَقْتُهَا؛ فَدَعَاهَا النَّبِيُّ ﷺ فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا، فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ عِنْدَهُ، فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا.

الشرح:

2535 قوله: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ» هذا الحديث من أصح الأحاديث، وهو غريب مثل حديث: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى [(590)]. ولا يلزم من كون الحديث غريبًا أن يكون ضعيفًا، والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، وهذه العصوبة لا تباع ولا توهب؛ لنهي النبي ﷺ عن بيع الولاء وهبته؛ وذلك أن الولاء كالنسب، فكما أن الإنسان لا يبيع نسبه وقرابته من فلان فكذلك لا يبيع ولاءه للعبد الذي أعتقه.

وفي الحديث: الولاء لحمة كلحمة النسب [(591)] فمن وُلِد له وَلَدٌ ثبت له نسبه، ولا يمكن أن ينتقل هذا النسب إلى غيره فكذلك الولاء، فمن أعتق عبدًا صار الولاء له، ولا يمكن أن ينتقل إلى غيره، ولو مات العبد وليس له ورثة ورثه معتقه.

2536 قوله: «اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا وَلاَءَهَا» حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة.

والحديث فيه من الفوائد: أن الأمة إذا عتقت تحت عبد فلها الخيار، فإن شاءت بقيت معه وإن شاءت فسخت نفسها؛ لأنها صارت أعلى منه، فهي حرة وهو عبد، فبريرة كانت مكاتبة لأناس من الأنصار، ثم اشترتها عائشة رضي الله عنها فأعتقتها فلما أعتقتها صارت حرة ففسخت نفسها من زوجها مغيث، وكان يحبها كثيرًا حتى إنه كان يجلس في سكك المدينة والدموع تجري على عينيه، فَرَقّ له النبي ﷺ وشفع له، فقال: لو راجعته قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع قالت: لا حاجة لي فيه[(592)].

فكانت فقيهة حيث قالت: أتأمرني أم تشفع؟ فلو كنت تأمرني سمعًا وطاعة لله ولرسوله، ما لي الخيار وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزَاب: 36] فلما قال: إنما أنا أشفع  قالت: لا حاجة لي فيه.

وفيه: أن الشافع إذا ردت شفاعته فإن هذا لا يضره، وقد حصل له الأجر، ورد الشفاعة لا يمنعه من الشفاعة مرة أخرى، فالرسول ﷺ ردت شفاعته بريرة وهي أَمَةٌ، وهو أشرف الخلق.

وفي الحديث: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ [(593)]

وفيه: أن الولاء لمن أعتق، وهو الذي أعطى الورِق، يعني: الفضة.

وفيه: أن البائع إذا باع عبدًا واشترط ولاءه فإنه لا يكون له فالبيع صحيح والشرط باطل، ويكون الولاء للمعتق.

وفيه: أن الشروط المخالفة لكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ لا تنفذ، بل هي باطلة وإن كان مائة شرط؛ لقول النبي ﷺ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ [(594)].

وفيه: أنه تصدق على بريرة بلحم، فجعلت تطبخه فدخل النبي ﷺ فقُدم له طعام فقال: أَلَمْ أَرَ البُرْمَةَ فِيهَا لَحْمٌ؟ قالوا: هذا اللحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة، فقال: هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية [(595)] فدل هذا على أن الفقير إذا تصدق عليه الغني جاز للغني أن يأكل من طعام الفقير ولو كان صدقة؛ لأنه تغيرت حاله وصار هدية.

وهذه بعض الفوائد من حديث بريرة.

وفيه: فوائد أخرى كثيرة واستنبط منه بعض العلماء أكثر من مائة فائدة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد